فإن قائل هذا الكلام يدور بين أمرين إما الجهل بأصول أهل السنة ،وإما الكذب على أهل السنة؛فإن الكتب التي كتبها السلف في الاعتقاد والمنهج لا تكاد تخلو من تقرير هذا الأصل العظيم من أصول أهل السنة الذي لا يفرق بينهم وبين الخوارج والمعتزلة.
الوجه الثاني:
أن هذه الأحداث قد نُسبت إلى الإسلام من أشخاص ينتسبون إلى العلم الشرعي زورًا وبهتانًا ،وليس لهم من العلم الشرعي نصيب ؛فهذه خيانة للدين القويم ،وهذا مسخ وطمس وتشويه لمعالم الإسلام العظيم ،والتحذير من البدع التي تنسب إلى الإسلام أصل من أصول هذا الدين .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فلابد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذكرهم وتعيينهم"(1)
فلا عبرة بكلام من يمنع أهل العلم من أهل السنة من الكلام في هذه الأحداث حتى انتهائها-لو سلمنا أنها انتهت-،فأين النصح للمسلمين؟! وأين الذب عن دين رب العالمين؟! وأين الذين ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؟! فإن الباطل قد كُسي بثوب الحق ؛فصار الخروج على الحاكم وعزله الذي هو من الكبائر العظيمة صار من الجهاد في سبيل الله ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! وصارت المظاهرات والانقلابات والعصيان التي هي طريقة ماركس ولينين والملحدين والشيوعين والكافرين ؛صارت سنة الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين!
الوجه الثالث:
من المعلوم أن التوبة من الذنوب والمعاصي لها شروط لا تقبل إلا بها ؛فمنها الندم على هذا الذنب ،ومنها العزم على عدم العودة إلى هذا الذنب، وردّ المظالم إلى أهلها .
وهذه المظاهرات التي وقعت هي من المعاصي والذنوب؛فالواجب على الدعاة وطلبة العلم العلم والعلماء من أهل السنة أن بينوا للناس ابتداء أن ما حدث من الخروج على الحاكم وعزله معصية خطيرة وكبيرة عظيمة،ثم يدعون الناس إلى أن يتوبوا مما حدث بأن يندموا على ما فعلوا من التحريض أو المشاركة أو التنظيم لهذه المظاهرات ،وأن يعزموا على ألا يعودوا لمثل هذه الأفعال ،وأن يرد كل من اغتصب أو سرق شيئًا في هذه الأحداث إلى أصحابها،وهكذا حتى يتوب الناس بما وقع منهم .
فإن المرتكب للمحرمات والقائم على المعاصي لابد من نصحه في ذلك إن كان يجهله حتى يتوب إلى الله من هذا الذي فعله ،ولا نقول أنه انتهى من فعله ،فالزاني الذي زنى وانتهى من الزنا هل يقول قائل أننا لا نخبره أن ما فعله محرم يستلزم التوبة ونأمره بالتوبة؟!
وكذلك ما نحن فيه وإن وقع وانتهى –على زعمهم-فإنه لابد من بيان الحكم الشرعي فيه، وهو التحريم حتى لا يرجع الناس إليه ،وحتى يتوبوا مما ارتكبوه ووقعوا فيه، وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فإنه ما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة.
الوجه الرابع:
أن هذه المظاهرات لم ولن تنتهي-إلا أن يشاء الله-،فلقد انتشرت المظاهرات والاعتصامات والإضربات في كل مجال من مجالات الدولة، وبعضها يطالب بعزل الحاكم الحالي للبلاد المتمثل في المجلس العسكري، وهذا خروج محرم على الحاكم؛ فإن هذه الأحداث التي وقعت وادت إلى عزل الحاكم السابق قد قلقلت القاعدة الشعبية، وخرج الناس عن صمتهم ،ولم يعد عندهم صبر على الظلم ،وإنما يخرجون إلى الميادين لأتفه الأسباب، وربما يخرجون من أجل الخروج وصار مبدؤهم (الشرعية للميدان).
ومن العجب أنه لا يمر يوم جمعة منذ اندلاع هذه الأحداث إلى يومنا هذا، إلا أقاموا بمظاهرة كبيرة في الميادين ووضعوا لها اسمًا ،وهذا في كل يوم جمعة لا يتخلف جمعة واحدة.
ثم إن هذه المظاهرات انتقلت إلى دول أخرى كليبيا واليمن وسوريا فصارت سنة سيئة ،وصارت الشعوب تقلد بعضها البعض في هذه الأعمال الفوضوية تقليدًا أعمى حذو النعل بالنعل .
وهذه الأحداث جاءت فرصة عظيمة لأعداءالإسلام ليكيدوا بالإسلام وأهله ،وهم حريصون على ألا يُفوِّتوا هذه الفرصة التي لطالما خططوا لها من سنوات-بإشعال الفتن وإشاعة الفوضى والاضطرابات في المجتمعات الإسلامية.
وهاهو واحد من الذين يريدون أن يحرفوا الأمة عن سبيلها ويلبسوا عليها دينها قد ألف كتابًا بعد انتهاء الأحداث ليؤصل لهم الباطل والبدعة وفق منهج الخوارج والقطبية.
فقد قال ...في كتابه"ثورة الخامس والعشرين من يناير رؤية شريعة" (ص15)*:
"وقد يتساءل البعض ما الفائدة من هذا البحث بعد الثورة؟
والجواب : أن الأحداث ما زالت جارية في المنطقة ممن حولنا ولابد من تأصيل شرعي لهذه المسألة"!!!!
فهل من الأمانة لهذا الدين والنصح لهذه الأُمة أن نسكت عن بيان الحكم في هذه الأحداث مع استمرارها ووقوع الناس فيها وقوع الفراش في النار؟!
وهل من الأمانة لهذا الدين والنصح لهذه الأُمة أن نسكت عن هؤلاء المنحرفين المبتدعين ولا نبين للأمة انحرافاتهم وبدعهم؟
الوجه الخامس:
أن الكلام من الدعاة وطلبة العلم والعلماء من أهل السنة في هذه الأحداث من باب الإعذار إلى عز وجل ، وإن قل المتبعون للحق ،حتى إذا نزلت عقوبة من عند الله لم تصب الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
قال تعالى:" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)" [الأعراف:164-165]
----------------
(1) مجموع الفتاوى[28/233]
********
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
[تنبيهان]:
1-تركت ذكر اسم أحد هؤلاء المتنكبين المخالفين لمنهج السلف إلتزامًا بتوعد إدارة منتدى آخر بحذف أي موضوع فيه التصريح باسم شيخ ؛فنقلته على هذا الوضع ،فليراجع من أراد الاستزادة الكتاب،ويمكن الحصول عليه من دار الاستقامة :ش-الهدي المحمدي-أحمد عرابي-مساكين عين شمس- القاهرة-مصر- وموقعها على النت للتراسل.
2-و أرجو ممن ينقل أن ينسب نقض هذه الشبهة لمن نقضها وهو الشيخ أو الأخ فخر أهل مصر وشبل من أشبال المدرسة السلفية الحقيقية
[ أبو عبد الرحمن محمود بن عبد الحميد الخولي –حفظه الله- ]
كفانا دفناً لإخواننا في العقيدة والمنهج بسبب مسألة : [ من زكاه ؟ ]
فالرجل يزكيه علمه ومنهجه ،واعرف الحق تعرف أهله،راجعوا مقال الشيخ ربيع حفظه الله "إلى اللاهثين وراء التزكيات أين أعمالك التي تزكيك؟!"
* * *