أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
101594 92142

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2010, 02:29 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,071
افتراضي إثبات حوادث لا أوَّل لها , المسألة التي اتهم بسببها شيخ الإسلام بالقول بقِدَم العالم

كثيرون هم أعداءُ شيخِ الإسلام وحاسدوه , قديماً وحديثاً , ولا عَجَبَ ؛ فهو الجبلُ الراسي , والعلمُ الشامخ , عِلما وعملا , فِقهاً ووَرَعاً , توَسَّع في الكلام في أصول الديانةِ , فأفاد وأجاد , وأسْهَبَ وأطالَ , فأحْسَنَ المقالَ , وأتى بما يُبْهرُ العقولَ , ويُلجمُ الفحولَ , فكثر حاسدوه , فلما أعياهُمُ الرَّدُّ رمَوْهُ بالأباطيل , حتى افترَوْا عليه بالقول بقِدَمِ العالَم ؛ لتأصيله البديعِ في مسألةِ إثباتِ حوادثَ لا أوَّلَ لها , فلم يَعُوها , فكفّروه , وهو الذي فنَّدَ مقولةََ الفلاسفةِ الذين يقولون بقِدَم العالم أيَّما تفنيدٍ , ودَحَضَ هذه القالةَ , فلم يَدعْ لأحدٍ منهم فيها مقالة . رحمه الله رحمة واسعة .

وخلاصةُ المسألةِ من خلالِ تقرير شيخِ الإسلام : أننا نُثبت أنّ صفاتِ اللهِ - جلَّ وعلا - أزليةٌ , لم يطرأ عليها الحدوثُ , ولم يسبقها العَدَمُ , كما يزعم الجَهْمُ ؛ فإنّ اللهَ لم يَزَلْ قادراً فاعِلاً مُريداً , يخلق ما يشاءُ متى شاءَ , ويتكلم بما شاءَ متى شاءَ , فعّالٌ لما يُريدُ , مِنَ الأزلِ إلى الأبَدِ , فلا يوجد مخلوق نقول : هو أوَّلُ المخلوقاتِ , ولم يخلقِ اللهُ قبله شيئاً , ولا مفعولٌ له - سبحانه - نقول : هذا أوَّلُ مفعولاتِه ولم يفعلْ قبله شيئاً , وكذلك كلامُه - سبحانه - فلا نقول عن شيء من كلامِه : هذا أّوَّلُ ما تكلمَ به , ولم يتكلمْ قبله بشيءٍ .

وهذا لا يُنافي أنّ اللهَ هو الأوّلُ ليس قبله شيءٌ , فكما أنّ الله لا يزالُ يخلق خلقا بعدَ خلقٍ , ويفعلُ فِعلاً بعد فِعْل - كدوام نعيم أهل الجنة , وشقاءِ أهلِ النارِ - ولن يُوجدَ مخلوقٌ يكونُ آخرَ المخلوقاتِ , أو فِعلٌ يكونُ آخرَ المفعولاتِ , وهذا لا يُنافي أنّ اللهَ هو الآخرُ ليس بعدَه شيءٌ .
فكما أثبتنا هذا من جهةِ الأبدِ , نثبته أيضاً مِن جهةِ الأزلِ ؛ فإنه إذا لم يَزلْ حيّاً قادراً مُريداً مُتكلما , فإمكانيّةُ وجودِ الفعلِ منه قائمةٌ بمُوجَبِ هذه الصفات , وأنْ يفعلَ أكملُ مِن أنْ لا يفعلَ . ولا يلزمُ من هذا أنه لم يزلْ شيءٌ مِن مخلوقاتِه معه , فما من مخلوق إلا وقد سُبقَ بالعَدمِ .

وقبل أنْ أذكرَ كلامَ شيخِ الإسلام في هذه المسألةِ , لا بدَّ مِن التنبيهِ على أنّ مِن أهلِ العلم قديماً وحديثاً لم يُوافقْ شيخَ الإسلام على تسلسل المخلوقاتِ في الأزلِ , ومنهم شيخُنا العلامةُ الألبانيُّ – رحِمهُ اللهُ – وهو لم يُنازعْ ابنَ تيميّة في أزليَّةِ صفاتِ الله – عز وجل – إنما في إثباتِ أوَّل مخلوقٍ ؛ وذلك لِمَا صَحَّ عندَه من الدليلِ فوقفَ عندَه .
فقد ذكرَ في السلسلةِ الصحيحةِ من حديثِ ابنِ عباسٍ مرفوعاً :

" إنَّ أوَّلَ شيءٍ خلقه اللهُ - تعالى - القلمَ , وأمرَه أنْ يكتبَ كلَّ شيءٍ يكونُ " .

ثم قال عَقِبَهُ :

( وفيه ردٌّ أيضاً على مَنْ يقولُ بِحوادثَ لا أوَّلَ لها ، و أنَّه ما مِنْ مَخلوقٍ إلا
و مسبوقٌ بِمخلوقٍ قبلَه ، و هكذا إلى مالا بدايةَ له ؛ بِحيثُ لا يُمكنُ أنْ يقالَ : هذا أولُّ مخلوقٍ .
فالحديثُ يُبطلُ هذا القولَ و يُعَيِّنُ أنَّ القلمَ هو أوَّلَ مخلوقٍ ، فليس قبلَه قطعًا أيُّ مخلوقٍ .
و لقد أطالَ ابنُ تيميةَ , رحمه اللهُ , الكلامَ في ردِّه على الفلاسفةِ ؛ مُحاولاً
إثباتَ حوادثَ لا أولَّ لها ، و جاء في أثناءِ ذلك بِما تَحارُ فيه العقولُ ,
و لا تقبلُه أكثرُ القلوبِ ، حتى اتَّهمه خصومُه بأنَّه يقولُ بأنَّ المخلوقاتِ قديِمةٌ لا أوَّلّ لها ، معَ أنَّه يقولُ ويُصَرِّحُ بأنَّ ما مِنْ مخلوقٍ إلا وهو مسبوقٌ بالعدمِ ، و لكنّه معَ ذلك يقولُ بتسَلْسُلِ الحوادثِ إلى ما لا بدايةَ له . كما يقولُ هو وغيرُه بتسَلْسُلِ الحوادثِ إلى ما لا نِهايةَ ، فذلك القولُ منه غيرُ مقبولٍ ، بل هو مرفوضٌ بِهذا الحديثِ .
وكم كُنّا نودُّ أنْ لا يَلِجَ ابنُ تيميةَ , رحمه الله , هذا المولِجَ ؛ لأنَّ الكلامَ فيه شبيهٌ بالفلسفةِ وعلمِ الكلامِ , الذي تعلمنا منه التحذيرَ و التنفيرَ منه ، و لكنْ صدقَ الإمامُ مالكٌ , رحمه الله , حين قال : " ما مِنّا مِنْ أحدٍ إلا رَدَّ و رُدَّ عليه , إلا صاحبَ هذا القبر , صلى الله عليه وسلم ) .

حقّاً ما مِنّا إلا رادٌّ أو مردودٌ عليه , وهذا كلامُ ابنِ تيميّةَ الآن بتفصيلِه في تقرير هذه المسألِة العاليةِ , وستجدُ بين ثنايا كلامِه إذا تَمَعَّنته الردَّ على استدلالِ شيخِنا الألبانِيِّ , رحِمهُ اللهُ .



قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

في صحيحِ البخاريِّ وغيرِه مِن حديثِ عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ - رضي اللهُ عنه - أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني تَميمٍ اقبلوا البُشْرى" قالوا : قد بشَّرْتنا فأعِطنا .
فأقبلَ على أهلِ اليمنِ فقال :
" يا اهلَ اليمنِ : اقْبلوا البًُشرى ؛ إذ لم يقبلها بنو تَميمٍ " .
فقالوا : قدْ قبلنا يا رسول الله , قالوا : جِئْناك لِنَتفقهَ في الدِّينِ , ولِنَسْألك عن أوَّلِ هذا الأمرِ .
فقال : " كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه [وفي لفظٍ : " معه " وفي لفظٍ : " غيرَه " ] وكان عرشُه على الماءِ , وكتبَ في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ , وخلقَ السمواتِ والأرضَ [ وفي لفظٍ : ثمَّ خلق السمواتِ والأرضَ ] " .
ثم جاءني رجلٌ فقال : أدْرِكْ ناقتَك . فذهبتُ فإذا السَّرابُ ينقطعُ دونَها. فَوَاللهِ لوَدَدَِتُ أنّي تركتُها ولم أقُمْ .

والناسُ في هذا الحديثِ على قولين :

منهم مَنْ قال : إنَّ مقصودَ الحديثِ إخْبارُه بأنَّ اللهَ كان موجودًا وحدَه , ثم إنّه إبْتدأ إحداثَ جميعِ الحوادثِ , وإخبارُه بأنَّ الحوادثَ لها إبتداءٌ بِجِنْسِها , وأعيانُها مسبوقةٌ بالعدمِ , وأنَّ جِنْسَ الزَّمانِ حادثٌ , لا في زمانٍ , وجنْسُ الحركاتِ والمتحركاتِ حادثٌ , وأنَّ اللهَ صارَ فاعِلاً بعد أنْ لم يكُنْ يفعلُ شَيْئًا من الأزلِ إلى حِينِ إبْتَدَأ الفِعْلَ , ولا كان الفعلُ مُمْكِنًا .

والقولُ الثاني في معنى الحديثِ : أنَّه ليسَ مُرادُ الرسولِ هذا , بل إنَّ الحديثَ يُناقِضُ هذا , ولكنَّ مُرادَه : إخبارُه عن خلقِ هذا العالمِ المشهودِ الذي خلقه اللهُ في سِتةِ أيامٍ ثم إستوى على العرش ,كما أخبرَ القرآنُ العظيمُ بذلك في غيرِ موضعٍ , فقال تعالى : { وهُوَ الذي خلقَ السَّمواتِ والأرضَ في سِتةِ أيَّامٍ وكان عَرْشُهُ على الماءِ } .

وقد ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ عن عبدٍ الله بنٍ عمرٍو , عن النبيِّ - صلى اللهُ عليه و سلمَ - أنَّهُ قال : " قَدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسينَ ألفِ سَنةٍ , وكان عرشُهُ على الماءِ " .

فأخبرَ - صلى اللهُ عليهِ وسلم - أنَّ تقديرَ خلقِ هذا العالَمِ المخلوقِ في سِتةِ أيامٍ , وكان حِينئِذٍ عَرْشُه على الماءِ ,كما أخبرَ بذلك القرآنُ , والحديثُ المتقدمُ الذي رواه البُخاريُّ في صحيحِه عن عِمْرانَ - رضي اللهُ عنه - .

ومِنْ هذا : الحديثُ الذي رواه التِّرْمِذيُّ وأبوداودَ وغيرُهما عن عُبادةَ بنِ الصامتِ عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : " أولَّ ما خلق اللهُ القلمَ فقال له : اكتُبْ , قال : وما اكتبُ ؟ قال : ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ " .
فهذا القلمُ خلقَهُ لَمَّا أمَرَهُ بالتقديرِ المكتوبِ قبلَ خلقِ السمواتِ والأرضِ بِخمسينَ ألفِ سنةٍ , وكان مخلوقاً قبلَ خلقِ السمواتِ والأرضِ , وهو أولُّ ما خُلِقَ من هذا العالمِ , وخَلَْقُه بعدَ العرشِ ,كما دلَّتْ عليه النصوصُ , وهو قولُ جمهورِ السلفِ ,كما ذكرتُ أقوالَ السلفِ في غيرِ هذا الموضعِ . والمقصودُ هنا بيانُ ما دلَّتْ عليه نصوصُ الكتابِ والسنَّةِ .

والدليلُ على هذا القولِ الثاني وجوهٌ :

أحدُها : أنَّ قولَ أهْلِ اليمنِ : " جِئْناك لِنسْألَك عن أوَّلِ هذا الأمرِ " إما أنْ يكونَ الأمرُ المشارُ إليه : هذا العالَمَ , أو جِنْسَ المخلوقاتِ .
فإنْ كان المُرادُ هو الأوَّلَ , كان النبيُّ - صلى الله عليه و سلم – قدْ أجابَهم ؛ لأنَّه أخبرهم عن أوَّلِ خلقِ هذا العالَمِ .

وإنْ كان المرادُ الثانِي , لمْ يكُنْ قدْ أجابَهم ؛ لأنَّه لم يذكرْ أوَّلَ الخلقِ مُطلقًا , بل قالَ : " كان اللهُ ولا شيءَ قبلَه , وكان عرشُه على الماء , وكتب في الذِّكْرِ كلَّ شيءٍ , ثم خلق السمواتِ والأرضَ " . فلم يذكرْ إلا خلقَ السمواتِ والأرضَ , لم يذكرْ خلقَ العرشِ , معَ أنَّ العرشَ مخلوقٌ أيضًا ... فعُلِمَ أنَّه أخبرَ بأوَّلِ خلقِ هذا العالَمِ , لا بأوَّلِ الخلقِ مطلقاً .

وإذا كان إنّما أجابَهم بِهذا , عُلِمَ أنّهم إنّما سألوه عن هذا , لم يسألوه عن أوّلِ الخلقِ مطلقًا ؛ فإنّه لا يجوزُ أنْ يكونَ أجابَهم عمّا لم يسألوه عنه , ولم يُجبْهم عمّا سألوا عنه , بل هو – صلى الله عليه وسلم - مُنَزَّهٌ عن ذلك .

وإخبارُه بِخلقِ السمواتِ والأرضِ , بعدَ أنْ كان عرشُه على الماءِ , يقصِدُ به الإخبارَ عن ترتيبِ بعضِ المخلوقاتِ على بعضِ ؛ فإنَّهم لم يسألوه عن مُجرَدِ الترتيبِ , وإنّما سألوه عن أوّلِ هذا الأمرِ , فعُلم أنّهم سألوه عن مبدأِ خلقِ هذا العالَمِ فأخبرهم بذلك .

الوجهُ الثانِي : أنَّ قولَهم : " هذا الأمر " إشارةٌ إلى حاضرٍ موجودٍ , والأمرُ يُرادُ به المصدرُ , ويُرادُ به المفعولُ به , وهو المأمورُ الذي كوَّنَه اللهُ بأمرِه , وهذا مرادُهم ؛ فإنَّ الذي هو قوله : " كن " ليس مشهودًا مُشارًا إليه , بلِ المشهودُ المُشارُ إليه : هذا المأمورُ به . ولو سألوه عن أوّلِ الخلقِ مُطلقاً لم يشيروا إليه بِ " هذا " ؛ فإنّ ذاك لَم يشهدوه , فلا يُشيرون إليه بِ " هذا " بل لَم يعلموه أيضاً ؛ فإن ذاك لا يُعلمُ إلا بِخبرِ الأنبياءِ , والرسولُ لم يُخبِرْهم بذلك , ولو كان قد أخبرهم به لما سألوه عنه , فعُلِمَ أنّ سُؤالَهم كان عن أوّلِ هذا العالَمِ المشهودِ .

الوجهُ الثالثُ : أنَّه قال : " كان اللهُ ولم يكن شيءٌ قبلَه " , وقد رُويَ : "معه " , ورُويَ : " غيرَه " والألفاظ الثلاثةُ في البخاريِّ , والمَجلسُ كان واحدًا , وسؤالُهم وجوابُه كان في ذلك المَجلسِ , وعِمرانُ الذي روى الحديثَ لَم يَقمْ منه حين انقضى المَجلسُ , بل قام لما أُخْبِرَ بذَهابِ راحِلتِهِ قبلَ فراغِ المَجلسِ , وهو المُخبرُ بلفظِ الرسولِ , فدلَّ على أنّه إنّما قال أحدَ الألفاظِ , والآخرانِ رُوِيا بالمعنى ؛ وحِينئِذٍ فالذي ثبت عنه لفظُ القبلِ ؛ فإنّه قد ثبت في صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرةَ عنِ النبي – صلى الله عليه وسلم - أنّه كان يقولُ في دُعائِه : " أنت الأوّلُ فليس قبلَك شيءٌ , وأنت الآخِرُ فليس بعدَك شيءٌ , وأنت الظاهرُ فليس فوقَك شيءٌ , وأنت الباطنُ فليس دونك شيءٌ " وهذا موافقٌ ومفسرٌ لقولِه تعالى : { هو الأوَّلُ والآخِرُ والظاهِرُ والباطِنُ } [ الحديد : 3 ] .

وإذا ثبت في هذا الحديثِ لفظُ ( القبل ) فقد ثبت أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه و سلم - قاله , واللفظانِ الآخرانِ لَم يثبُتْ واحدٌ منهما أبدًا , وكان أكثرُ أهلِ الحديثِ إنّما يروونه بلفظِ ( القبل ) : " كان اللهُ ولا شيءَ قبلَه " مثلُ الحُمِيديِّ والبَغَويِّ وإبنِ الأثيرِ وغيرِهم .

وإذا كان إنّما قال : " كان اللهُ ولم يكنْ شيءٌ قبلَه " لم يكُنْ في هذا اللفظِ تَعَرُّضٌ لإبتداءِ الحوادثِ , ولا لأوَّلِ مخلوقٍ .

الوجهُ الرابعُ : أنه قال فيه : " كان اللهُ ولم يكن شيءٌ قبلَه – أو : معه , أو : غيرَه - وكان عرشُه على الماءِ , وكتبَ في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ " , فأخبر عن هذه الثلاثةِ بلفظِ الواو , لَم يذكرْ في شيءٍ منها " ثم " وإنِّما جاء " ثم " في قولِه : " خلق السموات والأرض " .

فأمَّا الجملُُ الثلاثُ المتقدمةُ فالرُّواةُ متفقون على أنه ذكرها بلفظِ الواو . ومعلومٌ أنَّ لفظَ الواو لا يُفيد الترتيبَ على الصحيح الذي عليه الجمهورُ. فلا يفيدُ الإخْبارَ بتقديم بعضِ ذلك على بعضٍ , وإنْ قُدِّرَ أنَّ الترتيبَ مقصودٌ , فإنَّما فيه تقديمُ كَوْنِه على كَوْنِ العرشِ على الماءِ , وتقديمُ كَوْنِ العرشِ على الماءِ على كتابتِه في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ , و تقديمُ كتابتِه في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ على خلقِ السمواتِ والأرضِ . وليس في هذا ذِكرُ أوَّلِ المخلوقاتِ مُطلقا , بل ولا فيه الأخبارُ بِخلقِ العرشِ والماءِ , وإنْ كان ذلك كلُّه مخلوقاً ,كما أخبر به في مواضعَ أُخَرَ .

لكنْ في جوابِِ أهلِ اليمنِ إنّما كان مقصودُه إخبارَه إيَّاهم عن بَدْءِ خلقِ السمواتِ والأرضِ وما بينهما , وهي المخلوقاتُ التي خُلِقتْ في ستةِ ايامٍ, لا بإبْتداءِ ما خلقه اللهُ قبلَ ذلك .

الوجهُ الخامسُ : أنّه ذكرَ تلك الأشياءَ بِما يدلُّ على كَوْنِها ووجودِها ,
ولم يَتعرَّضْ لإبتداءِ خلقِها , وذكرَ السمواتِ والأرضَ بِما يدُلُّ على خلقِها ؛ فإنه قد عُلِم أنًّه لم يكنْ مقصودُه الإخبارَ بِخلقِ العرشِ , ولا الماءِ فضلاً عن أنْ يقصدَ أنَّ خلقَ ذلك كان مُقارناً لخلقِ السمواتِ والأرضِ .

وإذا لم يكن في اللفظِ ما يدلُّ على خلقِ ذلك إلا مقارنةُ خلقِه لخلقِ السمواتِ والأرضِ - وقد أخبر عن خلقِ السمواتِ معَ كونِ ذلك - عُلِم أنَّ مقصودَه أنَّه خلق السمواتِ والأرضَ حين كان العرشُ على الماءِ كما أخبر بذلك في القرآنِ ؛ وحينئذٍ يَجبُ أنْ يكونَ العرشُ كان على الماءِ قبلَ خلقِ السمواتِ والأرضِ , كما أخبر بذلك في الحديثِ الصحيح حيث قال : " قدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائِق قبلَ أنْ يَخلقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسينَ الفِ سنةٍ , وكان عرشُه على الماءِ " فأخبر أنَّ هذا التقديرَ السابقَ لخلقِ السمواتِ والأرضِ بِخمسينَ ألفِ سنةٍ حين كان عرشُه على الماءِ .

الوجهُ السادسُ : أنَّ النبيَّ – صلى اللهُ عليه وسلمَّ -إمّا أنْ يكونَ قد قال : " كان اللهُ ولَم يكنْ قبلَه شيءٌ " وإمّا أنْ يكونَ قد قال : " ولا شيءَ معه " أو : " غيرَه " .
فإن كان إنّما قال اللفظَ الأوّلَ , لم يكن فيه تعرُّضٌ لوجودِه - تعالى -قبلَ جَميعِ الحوادثِ .
وإن كان قد قال الثانِيَ , أو الثالثَ , فقوله : " ولم يكنْ شيءٌ معه وكان عرشٌُه على الماءِ وكتبَ في الذِّكرِ " , إمّا أنْ يكونَ مرادُه : أنَّه حين كان لا شيءَ مَعَه كان عرشُه على الماءِ , أو : كان بعد ذلك كان عرشُه على الماءِ .
فإنْ أراد الأوّلَ كان معناه : لم يكن معه شيءٌ من هذا الأمر المسؤول عنه وهو هذا العالَمُ , ويكونُ المرادُ أنَّه كان اللهُ قبل هذا العالَمِ المشهودِ , وكان عرشُه على الماءِ .

وأما القِسمُ الثالثُ , وهو أنْ يكونَ المرادُ به : كان لا شيءَ معه , وبعد ذلك كان عرشُه على الماء , وكتبَ في الذِّكرِ , ثم خلق السماواتِ والأرضَ , فليس في هذا إخْبارٌ بأوَّلِ ما خلقه اللهُ مُطلقاً , بل ولا فيه إخبارُه بِخلقِ العرشِ والماءِ , بل إنّما فيه إخبارُه بِخلقِ السمواتِ والأرضِ.

ولا صرّح فيه بأنَّ كوْنَ عرشِه على الماءِ كان بعد ذلك , بل ذكره بِحرفِ الواو , والواوُ للجَمْعِ المطلقِ والتشريكِ بين المعطوفِ و المعطوفِ عليه . وإذا كان لَم يُبيِّنْ الحديثُ أوَّلَ المخلوقاتِ , ولا ذكر متى كان خلقُ العرشِ الذي أخبرَ أنه كان على الماء مقروناً بقولِه : " كان اللهُ ولا شيءَ معه " دلَّ ذلك على أنّ النبيَّ - صلى الله عليه و سلم - لم يقصِدْ الإخبارَ بوجودِ اللهِ وحدَه قبلَ كلِّ شيءٍ وبإبتداءِ المخلوقاتِ بعد ذلك ؛ إذ لم يكن لفظُه دالاً على ذلك . وإنّما قصَدَ الإخبارَ بإبتداءِ خلقِ السمواتِ والأرضِ .
.
.
.
الوجهُ الثامنُ : أنْ يٌقالَ : هذا المطلوبُ لوكان حقّاً لكان أجَلَّ مِن أنْ يُحْتجَّ عليه بلفظٍ مُحتملٍ في خبرٍ لم يرْوِه إلا واحدٌ .
.
.
.
الوجهُ الحادي عَشَرَ : أنَّ كثيرًا من الناس يَجعلون هذا عُمدتَهم _ من جهةِ السَّمْعِ - أنَّ الحوادثَ لها إبتداءٌ , وإنَّ جِنْسَ الحوادثِ مسبوقٌ بالعدمِ ؛ إذ لم يَجدوا في الكتابِ والسنةِ ما ينطقُ بهِ , مع أنّهم يَحكون هذا عن المسلمين واليهودِ والنصارى .

كما يوجدُ مثلُ هذا في كتبِ أكثرِ أهلِ الكلامِ المُبْتدَعِ في الإسلام - الذي ذمَّه السلفُ - وخالفوا به الشرعَ والعقلَ , وبعضُهم يَحكيه إجْماعاً للمسلمين , وليس معَهم بذلك نقلٌ , لا عن أحدٍ من الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان , ولا عن الكتابِ والسُّنةِ , فضلا عن أنْ يكونَ هو قولَ جَميعِ المسلمين .

وبعضُهم يظنُّ أنَّ من خالف ذلك فقد قال بِقِدَمِ العالَمِ , ووافقَ الفلاسفةَ الدَّهْريةَ ؛ لأنه نظر في كثيرٍ من كتبِ الكلامِ فلم يَجدْ فيها إلا قولين : قولَ الفلاسفةِ القائلين بِقِدَمِ العالَمِ , وقولَ مَنْ ردَّ على هؤلاءِ مِنْ أهلِ الكلامِ ؛ الجهْميَّةِ والمعتزلةِ والكرَّامِيَّةِ الذين يقولون : إن الربَّ لَمْ يَزلْ لا يفعلُ شيئا , ولا يتكلمُ بشيءٍ , ثم أحدث الكلامَ والفِعلَ بلا سببٍ أصلا.

ومعلومٌ أنَّ هذا القولَ أشبهُ بِما أخبرت به الرسلُ مِنْ أن اللهَ خالقُ كلِّ شيءٍ , وأنَّ اللهَ خلق السمواتِ والأرضَ فى ستةِ أيام , فمن ظنَّ أنَّه ليس للناس إلا هذان القولانِ , وكان مؤمنا بأنَّ الرُّسلَ لا يقولون إلا حقا , يظنُّ أنَّ هذا قولُ الرسلِ ومن اتبعهم , ثم إذا طُولِبَ بنقلِ هذا القولِ عن الرسلِ لم يُمكِنْه ذلك , ولم يُمكنْ لأحدٍ أنْ يأتِيَ بآيةٍ ولا حديثٍ يدلُّ على ذلك , لا نصّاً ولا ظاهراً , بل ولا يُمكنُه أنْ ينقلَ ذلك عن أحدٍ من أصحابِ النبيِّ والتابعين لهم بإحسان .

وقد جعلوا ذلك معنى حدوثِ العالَمِ الذي هو أوَّلُ مسائلِ أصولِ
الدِّين عندهم , فيبقى أصلُ الدِّين - الذي هو دينُ الرُّسلِ عندهم - ليس عندهم ما يعلمون به أنَّ الرسولَ قاله . ولا في العقلِ ما يدُلُّ عليه , بلِ العقلُ والسَّمْعُ يدلُّ على خلافِه . ومَنْ كان أصلُ دينِه - الذي هو عنده دينُ اللهِ ورسولِه - لا يعلمُ أنّ الرسولَ جاء به ,كان مِن أضَلِّ الناسِ في دينِه .

الوجهُ الثانِي عشرَ : أنّهم لما اعتقدوا أنّ هذا هو دينُ الإسلامِ أخذوا يَحْتجّون عليه بالحِججِ العقليةِ المعروفةِ لهم , وعُمدتُهم التي هي أعظمُ الحِججِ مَبْناها على إمْتِناعِ حوادثَ لا أوَّلَ لها , وبِها أثبتوا حدوثَ كلِّ موصوفٍ بصفةٍ , وسَمّوا ذلك إثباتاً لحدوثِ الأجسامِ , فلزمهم على ذلك نفيُ صفاتِ الربِّ - عزّ وجلّ - وأنه ليس له علمٌ ولا قدرةًُ ولا كلامٌ يقومُ به .

الوجهُ الثالثُ عَشَرَ : أنّ الغلطَ في معنى هذا الحديثِ هو من عدمِ المعرفةِ بنصوص الكتابِ والسنّةِ , بل والمعقولِ الصريحِ ؛ فإنه أوقعَ كثيراً من النُّظّار وأتباعِهم في الحَيْرةِ والضلال ؛ فإنّهم لَم يعرفوا إلا قولين :
قولَ الدهريةِ القائلين بالقِدَمِ .
وقولَ الجهميَّةِ القائلين بأنّه لَم يزلْ مُعَطّلا عن أنْ يفعلَ أو يتكلمَ بقدرتِه ومشيئتِهِ , ورأوْا لوازمَ كلَّ قولٍ تقتضي فسادَه وتُناقضُه , فبَقوا حائرين مُرتابين جاهلين . وهذا حالُ من لا يُحصى منهم ، ومنهم من صرّحَ بذلك عن نفسِه ,كما صرّح به الرازيُّ وغيرُه .

ومن أعظم أسبابِ ذلك أنّهم نظروا في حقيقةِ قولِ الفلاسفةِ , فوجدوا أنّه لَم يزلْ المفعولُ المُعَيّنُ مُقارناً للفاعلِ أزلاً وأبداً .

وصريحُ العقلِ يقتضي بأنه لا بدَّ أنْ يتقدَّمَ الفاعلُ على فِعلِه , وأنَّ تقديرَ مفعولِ الفاعلِ , معَ تقديرِ أنَّه لَم يزلْ مُقارناً له , لَم يتقدمِ الفاعلُ عليه , بل هو معه أزلاً وأبداًُ , أمرٌ يُناقضُ صريحَ العقلِ .

وقد إستقرَّ في الفِطرِ أنَّ كوْنَ الشيءِ المفعولِ مخلوقاً , يقتضي أنَّه كان بعدَ أنْ لَم يكنْ ؛ ولهذا كان ما أخبر اللهُ به في كتابِه مِنْ أنّه خلق السمواتِ والأرضَ , مِمّا يُفْهِمُ جَميعَ الخلائِقِ أنّهما حدثتا بعد أنْ لَم تكونا. وأمّا تقديرُ كوْنِهما لَم يزالا معَهُ - معَ كوْنِهما مخلوقين له - فهذه تُنكرُهُ الفِطرُ. ولَم يقلْهُ إلا شِرْذِمَةٌ قليلةٌُ مِنَ الدَّهْريّةِ ,كابنِ سينا وأمثالِه .

وأمّا جُمهورُ الفلاسفةِ الدَّهْريّةِ , كأرسطو وأتباعِه , فلا يقولون : إنّ الأفلاكَ معلولةٌ لِعِلةٍ فاعلةٍ ,كما يقوله هؤلاء , بل قولُهم وإنْ كان أشدَّ فساداً مِن قولِ مُتأخِّريهم , فلم يُخالفوا صريحَ المعقولِ في هذا المقامِ الذي خالفه هؤلاء . وإن كانوا خالفوه من جهاتٍ أخرى , ونظروا في حقيقةِ قولِ أهلِ الكلامِ ؛ الجَهمِيّةِ والقدَرِيّةِ ومن اتبعهم , فوجدوا أنّ الفاعلَ صارَ فاعلاً بعدَ أنْ لَم يكنْ فاعلاً , من غيرِ حدوثِ شيءٍ أوجبَ كونَه فاعلاً .

ورأوْا صريحَ العقلِ يقتضي بأنه إذا صارَ فاعلا بعدَ أنْ لَم يكنْ فاعلا , فلا بُدّ مِن حدوثِ شيءٍ , وأنه يَمتنعُ في العقلِ في أن يصيرَ مُمكناً بعدَ أن كان مُمتنعاً بلا حدوثٍ , وأنه لا سببَ يُوجِبُ حصولَ وقتٍ حدثَ وقتَ الحدوثِ , وأنّ حدوثَ جِنْسِ الوقتِ مُمتنعٌ . فصاروا يظنون إذا جَمعوا بين هؤلاءِ أنه يلزمُ الجمعُ بين النقيضين .

ومن أسبابِ ذلك أنَّهم لَم يعرفوا حقيقةَ السَّمْعِ والعقلِ , فلم يعرفوا ما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنّةُ , ولَم يُميِّزوا في المعقولاتِ بين المشتبهاتِ ؛ وذلك أنّ العقلَ يُفرِّقُ بين كونِ الْمُتكلمِ مُتكلما بشيءٍ بعدَ شيءٍِ دائماً , وكونِ الفاعلِ يفعلُ شيئاً بعدَ شيءٍ دائماً , وبين آحادِ الفعلِ والكلامِ , فيقولُ : كلُّ واحدٍ من أفعالِه لا بُدَّ أنْ يكونَ مسبوقاً بالفاعلِ , وأنْ يكونَ مسبوقاً بالعدمِ , ويَمتنعُ كونُ الفعلِ المُعَيّن معَ الفاعلِ أزلاً وأبداً .

وأمّا كونُ الفاعلِ لَم يزلْ يفعلُ فِعْلاً بعدَ فعلٍ , فهذا مِنْ كمال الفاعلِ .

فإذا كان الفاعلُ حيّاً , وقيلَ : إنّ الحياةَ مُسْتلزمةٌ الفعلَ والحركةَ ,كما قال ذلك أئمّةُ أهلِ الحديثِ ,كالبُخاريِّ والدّارِمِيِّ وغيرِهِما , وأنه لَم يزلْ مُتكلماً إذا شاءَ , وبِما شاءَ , ونَحْوُ ذلك , كما قاله ابنُ المبارَكِ وأحْمدُ وغيرُهُما من أئمّةِ أهلِ الحديثِ والسُّنةِ , كان كونُه مُتكلماً , أو فاعلا من لوازم حياتِه , وحياتُه لازمةٌ له , فلم يزلْ مُتكلماً فعّالاً , مع العلم بأنّ الحيَّ يتكلمُ ويفعلُ بِمشيئتِه وقدرتِه , وإنّ ذلك يوجبُ وجودَ كلامٍ بعدَ كلامٍ , وفعلٍ بعدَ فعلٍ , فالفاعلُ يتقدمُ على كلِّ فِعْلٍ مِن أفعالِه , وذلك يوجبُ أنَّ كلَّ ما سواه مُحْدَثٌ مخلوقٌ , ولا نقولُ : إنه كان في وقتٍ من الأوقاتِ ولا قُدْرَةَ , حتى خلق له قدرةًَ . والذى ليس له قدرةٌ هو عاجزٌ . ولكن نقولُ : لَم يزلِ اللهُ عالِما قادراً مالكاً , لا شِبْهٌ لهُ ولا كَيْفٌ .

فليس معَ اللهِ شيءٌ من مفعولاتِه قديمٌ معه , لا بل هو خالقُ كلِّ شيءٍ , وكلُّ ما سواه مخلوقٌ له , وكلُّ مخلوقٍ مُحدَثٌُ كائنٌ بعدَ أنْ لَم يكن , وإنّ قُدِّرَ أنّه لَم يزلْ خالقا فعّالاً .

وإذا قيلَ : إنّ الخلقَ صفةُ كمالٍ ؛ لقولِه تعالى : { أَفمَنْ يَخلُقُ كمَنْ لا يَخلقُ } , أمكنَ أنْ تكونَ خالِقِيَّتُهُ دائمةً , وكلُّ مخلوقٍ له مُحْدَثٌ مسبوقٌ بالعدمِ , وليس مع اللهِ شيءٌ قديمٌ . وهذا أبلغُ في الكمالِ من أنْ يكونَ مُعَطَّلاً غيرَ قادرٍ على الفعلِ , ثم يصيرُ قادراً والفعلُ مُمكناً له بلا سببٍ .

وأما جَعْلُ المفعولِ المُعيّنِ مُقارِناً له أزلاً وأبداًُ , فهذا في الحقيقةِ تعطيلٌ لخلقِه وفِعلِهِ ؛ فإنَّ كونَ الفاعلِ مُقارناً لمفعولِه أزلاً وأبداً مُخالفٌ لصريحِ المعقولِ .


الوجهُ الرابعُ عَشَرَ : أنَّ اللهَ - تعالى - أرسلَ الرسلَ وأنزل الكتبَ لدعوةِ الخلقِ إلى عبادتِه وحدَه لا شريك له , وذلك يتضمّنُ معرفتَه لما أبْدَعَه مِن مَخْلوقاتِه , وهي المخلوقاتُ المشهودةُ الموجودةُ ؛ من السمواتِ والأرضِ وما بينهما , فأخبر في الكتابِ – الذي لَم يأتِ من عندِه كتابٌ
أهدى منه - بأنَّه خلق أُصولَ هذه المخلوقاتِ الموجودةِ المشهودةِ في ستَّةِ أيامٍ , ثم إستوى على العرش .

وشرع لأهلِ الإيِمانِ أنْ يَجتمعوا كلَّ أسبوعٍ يوماًَ يعبدون الله فيه , ويَحتفلون بذلك , ويكونَ ذلك آيةً على الأسبوعِ الأوّلِ الذي خلق الله فيه السمواتِ والأرضَ .

ولَمّا لَم يُعرفِ الأسبوعُ إلا بِخبرِ الأنبياءِ , فقد جاء فى لغتِهم - عليهم السلام - أسْماءُ أيّامِ الأسبوعِ . وحينئذٍ ؛ فأخبروا الناسَ بِخلقِ هذا العالَمِ الموجودِ المشهودِ , وإبتداءِ خلقهِ وأنَّه خلقه في ستّةِ أيامٍ .



وأمَّا ما خلقه قبلَ ذلك , شيئاً بعدَ شيءٍ , فهذا بِمنْزلةِ ما سيخْلُقه بعدَ قيامِ القيامةِ , ودخولِ أهلِ الجنةِ وأهلِ النارِ منازلَهما . وهذا مِمّا لا سبيلَ للعبادِ إلى معرفتِه تفصيلاً .

ولِهذا قال عمرُ بنُ الخطابِ - رضيَ اللهُ عنه - : " قام فينا رسولُ اللهِ مقاماً فأخبرَنا عن بَدْءِ الخلقِ حتى دخلَ أهلُ الجنةِ منازلَهم , وأهلُ النارِ منازلَهم " . ( رواه البُخاريُّ ) . فالنبيُّ أخبرهم بِبَدْءِ الخلقِ إلى دخولِ أهلِ الجنَّةِ والنارِ منازلَهما .

وقولُه : " بَدْءُ الخلق " مثلُ قولِه فى الحديثِ الآخَرِ : " قدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخلقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسين ألفِ سنةٍ " فإنَّ (الخلائقَ ) هنا المرادُ بِها : الخلائقُ المعروفةُ المخلوقةُ بعدَ خلقِ العرشِ , وكَوْنِه على الماءِ ؛ ولهذا كان التقديرُ للمخلوقاتِ هو التقديرُ لخلقِ هذا العالَمِ , كما في حديثِ القلمِ : " إنّ اللهَ لما خلقه قال : اكتُبْ , قال : وماذا أكتُبُ ؟ قال : اكتُبْ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ " .

وكذلك في الحديثِ الصحيحِ : " إنَّ اللهَ قدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يَخلقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسين ألفِ سنةٍ , وكان عرشُه على الماءِ " وقوله في الحديثِ الآخرِ الصحيح : " كان اللهُ ولا شيءَ قبله , وكان عرشُه على الماءِ ، وكتب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ ، ثمّ خلق السمواتِ والأرضَ " , يُرادُ به : أنّه كتبَ كلَّ ما أراد خلقَه مِنْ ذلك ؛ فإنَّ لفظَ : (كلَّ شيءٍ) يَعُمُّ في كلِّ موضعٍ بِحَسْبِ ما سِيقتْ له , كما في قولِه : { بكلِّ شيءٍِ عليم } , { على كلِّ شيٍء قدير } , وقوله : { اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ} , { تُدَمِّرُ كلَّ شيءٍ } , { أوتِيَتْ مِنْ كلِّ شيءٍ } , { فتحنا عليهم أبوابَ كلِّ شيءٍ } , { مِنْ كلِّ شيءٍ خلقنا زوجين } .

وأخبرتِ الرُّسُلُ بتقدُّمِ أسْمائِه وصفاتِه كما في قولِه : { وكان اللهُ عزيزًا حكيماً } , { سَميعاً بصيرًا } , وأمثالِ ذلك . قال ابْنُ عبّاسٍ : " كان ولا يَزالُ " , ولَم يُقيِّدْ كوْنََه بوقتٍ دون وقتٍ .

ويَمتنعُ أنْ يُحْدِثَ له غيْرُه صفةً , بل يَمتنعُ توَقُّفُ شيءٍ من لوازمِه على غيرِه - سبحانه – فهوالمستحِقُّ لغايةِ الكمالِ , وذاتُه هي المُسْتوْجِبةُ لذلك فلا يَتوَقفُ شيءٌ من كمالِه ولوازمِ كمالِه على غيرِه .

وإذا قيلَ : لَمْ يكنْ مُتكلماً ثمّ تكلمَ , أو قيل : كان الكلامُ مُمْتنِعاً ثمّ صار مُمْكِنا له ,كان هذا - معَ وصفِهِ له بالنقصِ في الأزلِ , وأنه تَجَدَّدَ له الكمالُ , ومعَ تشبيهِهِ له بالمخلوقِ الذي ينتقلُ من النقصِ إلى الكمالِ - مُمْتنِعاً مِنْ جهةِ أنَّ المُمْتنعَ لا يصيرُ مُمْكِنا بلا سببٍ , والعدمُ المَحْضُ لا شيءَ فيه , فامْتنعَ أنْ يكونَ المُمْتنِعُ فيه ؛ يصيرُ مُمْكناً بلا سببٍ حادثٍ .

وأمّا القائلون بِقِدَمِ هذا العالَمِ , فهُم أبعدُ عن المعقولِ والمنقولِ مِنْ جَميعِ الطوائفِ ؛ ولِهذا أنكروا الكلامَ القائمَ بذاتِه , والذي يَخلقه في غيرِه . ولم يكنْ كلامُه عندهم إلا ما يَحدُثُ في النفوسِ من المعقولاتِ والمُتَخيَّلاتِ.

وهم ليس لهم دليلٌ قطُّ على قِدَمِ شيءٍ مِن العالَم , بل حُجَجُهم إنَّما تدُلُّ على قِدَمِ نوعِ الفِعلِ , وأنَّه لَم يَزلِ الفاعلُ فاعلاً , أو لَم يَزلْ لِفِعلِه مُدّةٌ . وليس في شيءٍ من أدلتِهم ما يدُلُّ على قِدمِ الفلكِ , ولا قِدَمِ شيءٍ من حركاتِه , ولا قِدَمِ الزمانِ الذي هو مِقدارُ حركةِ الفلكِ .
والرسلُ أخبرت بِخلقِ الأفلاكِ , وخلقِ الزمانِ الذي هو مِقدارُ حركاتِها .

الوجهُ الخامسُ عَشَرَ : أنَّ الإقرارَ بأنَّ اللهَ لَم يزلْ يفعلُ ما يشاءُ , ويتكلمُ بِما يشاءُ , هو وصفُ الكمالِ الذي يليقُ به , وما سوى ذلك نقصٌ يَجبُ نفيُه عنه ؛ فإنَّ كونَه لَم يكنْ قادرا ثم صار قادرا على الكلامِ أو الفعلِ - مع أنّه وصفٌ له - فإنه يقتضي أنه كان ناقصاً عن صِفةِ القدرةِ التي هي من لوازمِ ذاتِه , والتي هي من أظهرِ صفاتِ الكمالِ . فهو مُمتنعٌ في العقلِ بالبرهانِ اليقينيِّ ؛ فإنه إذا لم يكنْ قادرا ثم صارَ قادراً , فلا بدَّ مِنْ أمرٍ جعله قادراً بعدَ أنْ لَم يكنْ , فإذا لم يكن هناك إلا العدمُ المَحضُ , امتنعَ أنْ يصيرَ قادراً بعد أنْ لَم يكنْ . وكذلك يَمتنعُ أن يصيرَ عالِماً بعد أنْ لَم يكنْ قبلَ هذا , بِخلافِ الإنسانِ ؛ فإنه كان غيرَ عالِمٍ ولا قادرٍ ثمّ جعله غيرُه عالِماً قادراً .

وهذا مِمّا أوردَه الإمامُ أحمدُ على الجهميةِ ؛ إذ جعلوه : كان غيرَ مُتكلمٍ ثمّ صار مُتكلماً . قالوا : كالإنسان . قال : فقد جَمعتم بين تشبيهٍ وكفرٍ . وقد حكيتُ ألفاظه في غيرِ هذا الموضعِ .

وأيضاً فما مِن حالٍ يُقدِّرُها العقلُ إلا والفِعْلُ فيها مُمْكِنٌ , وهو قادرٌ. وإذا قدَّرَ قبل ذلك شيئاً , شاءَه اللهُ , فالأمرُ كذلك . فلم يزلْ قادراً , والفعلُ مُمكِنٌ , وليس لقدرتِه وتَمَكُّنِه من الفعلِ أوَّلٌ , فلم يزلْ قادراً يُمْكنُه أنْ يفعلَ , فلم يكنِ الفعلُ مُمتنِعاً عليه قطٌّ .

وأيضاً فإنّهم يزعمون أنه يَمْتنعُ في الأزلِ , والأزلُ ليس شيئاً محدوداً يقفُ عنده العقلُ , بل ما مِنْ غايةٍ ينتهي إليها تقديرُ الفِعلِ إلا والأزَلُ قبلَ ذلك بلا غايةٍ محدودةٍ , حتى لو فُرِضَ وجودُ مدائنَ أضعافِ مدائنِ الأرضِ , في كلِّ مدينةٍ مِنَ الخرْدَلِ ما يَمْلؤها , وقُدِّرَ أنّه كلما مضتْ ألفُ ألفِ سنةٍ فنِيَتْ خرْدلةٌ , فنِيَ الخرْدَلُ كلُّه والأزلُ لم ينتهِ , ولو قُدِّرَ أضعافُ ذلك أضعافاً لا ينتهي . فما مِنْ وقتٍ يُقدَّرُ إلا والأزل قبلَ
ذلك , وما مِنْ وقتٍ صدَرَ فيه الفعلُ إلا وقد كان قبلَ ذلك مُمْكناً , وإذا كان مُمْكناً فما الموجِبُ لتخصيصِ حالِ الفعلِ بالخلقِ دون ما قبلَ ذلك فيما لا يتناهى ؟!

وأيضاً , فالأزلُ معناه عدمُ الأوَّليَّةِ , ليس الأزلُ شيئاً محدوداً , فقولنا : لَم يزلْ قادراً بِمنزلةِ قولِنا : هو قادرٌ دائماً . وكونُه قادراً وصفٌ دائمٌ لا إبتداءَ له , فكذلك إذا قيل : لَم يزلْ مُتكلماً إذا شاءَ , ولَم يزلْ يفعلُ ما شاء , يقتضي دوامَ كونِه مُتكلماً وفاعلاً بِمشيئتِه وقدرتِه .

وإذا ظنَّ الظانُّ أنّ هذا يقتضي قِدَمَ شيءٍ معَهُ ,كان مِن فسادِ تصوُّرِهِ ؛ فإنه إذا كان خالقُ كلِّ شيءٍ , فكلُّ ما سِواهُ مخلوقٌ مسبوقٌ بالعدمِ , فليس معه شيءٌ قديمٌ بِقِدَمِه .

وإذا قيل : لَم يزلْ يَخلقُ كان معناه : لَم يزلْ يَخلقُ مخلوقاً بعدَ مخلوقٍ , كما لا يزالُ في الأبدِ يَخلقُ مخلوقاً بعدَ مخلوقٍ . . وليس فى ذلك إلا وصفُه بدوامِ الفعلِ , لا بأنَّ معَهُ مفعولاً من المفعولاتِ بعينِه .


وإنْ قُدِّرَ أنّ نوعَها لَم يزلْ معَهُ , فهذه المَعِيَّةُ لَم ينفِها شرعٌ ولا عقلٌ , بل هي مِنْ كمالِه . قال تعالى : { أفَمَنْ يَخْلقُ كمَنْ لا يَخْلُقُ أفلا تذَّكرون} . والخلقُ لا يزالون مَعَه , وليس في كونِهم لايزالون معه في المستقبلِ ما يُنافي كماله , وبين الأزلِ فى المستقبلِ * , مع أنه في الماضي حدثَ بعدَ أنْ لَم يكنْ ؛ إذ كان كلُّ مخلوقٍ فله إبتداءٌ , ولا نَجزمُ أنْ يكونَ له انتهاءٌ .

وهذا فرقٌ في أعيانِ المخلوقاتِ , وهو فرقٌ صحيحٌ , لكن يشتبهُ على كثيرٍ من الناس النوعُ بالعَيْنِ , كما اشتبه على كثيرٍ من الناس في الكلامِ , فلم يُفرقوا بين كوْنِ كلامِه قديِماً , بِمعنى أنه لَم يزلْ مُتكلماً إذا شاء , وبين كونِ الكلامِ المُعيَّنِ قديِماً . وكذلك لم يُفرِّقوا بين كونِ الفِعلِ المعَيَّنِ قديِماً , وبين كونِ نوعِ الفِعْلِ المُعَيّنِ قديِماً ,فالفَلَكُ مُحْدَثٌ مَخلوقٌ مسبوقٌ بالعدمِ , وكذلك كلُّ ما سِواهُ .
وهذا الذي دلَّ عليه الكتابُ والسُّنةُ والآثارُ , وهو الذي تدلُّ عليه المعقولاتُ الصريِحةُ الخالصةُ من الشُّبَهِ .كما قد بسطنا الكلامَ عليها في غيرِ هذا الموضعِ وبيّنا مُطابقةَ العقلِ الصريحِ للنقلِ الصحيحِ .

[ مجموع الفتاوى : 18 / 210 ] .

_________________________________
• كذا في الأصل , وكأن في الكلام سقطا .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-05-2010, 08:44 PM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

كان في النفس طرح هذا الموضوع، ولكنني آثرت تأخير الموضوع لكبر المسألة وعظمها وعظم أثرها على إيمان العبد، وكثرة تفاصيلها ، ودفع بعض الشبهات المتعلقة فيها، ولا سيما أن من خاض فيها كتابة خلط، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فثبتنا الموضوع حتى نستفيد من إخواننا الأقوياء، ومن آخر من وقفت على كتابته الشيخ مشهور -حفظه الله- معنوناً لذلك بـ : في مبحث مطول عن حوادث لا أول لها ، وغلط العلائي وأربعين نفساً ممن تابعه على شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهم الله- وبيان ذلك مفصلاً.

ولابن قاضي الجبل رسالة في الرد على من رد على شيخ الإسلام ، أذكر أن الشيباني ذكرها في أوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام، وعرفت مؤخراً أنها طُبعت، فحبذا بعض الأخوة يوقفنا عليها...

ولنا عودة متكررة في الموضوع، نسأل الله الإعانة، والتوفيق..

__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-05-2010, 09:16 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,071
افتراضي

بارك الله فيك أخي حامد , حقا إنها مسألة عظيمة , ولقد ترددت قبل أن أطرحَها ,

إلى أن استخرت اللهَ , فانشرح الصدرُ لذلك , فأسأل اللهَ أن يُثبت إيماننا , وأنْ يُسَلّم معتقدنا .

ونرجو من إخواننا طلبةِ العلم ممن عنده فائدة في هذا الموضوع أن يتحفنا بها .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-06-2010, 12:47 AM
أبو البراء الكرميّ أبو البراء الكرميّ غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 52
افتراضي

بارك الله فيكم ..

مما ينبغي التنبيه عليه أن دعوى إثبات وجود الله رهين بإثبات حدوث العالم، قول باطل ! فليس جميع من تكلم في هذه المسألة كان عنده أن وجود الخالق رهين بإثبات حدوث العالم، إذ أنه قد اجتمع القول بقدم الخالق وقدم العالم عند بعض الفلاسفة كأرسطو والفارابي وابن سينا ونحوهم ممن يزعم قدم العالم وقدم صانعه بدعوى تلازم العلة والمعلول في القدم، فإن القول بقدم العالم مع أنه قول باطل إلا أنه لا يلزم منه نفي وجود الله، وذلك أن قدم العالم إنما ينفي تفرد الخالق بصفة القدم لا ينفي الخالق نفسه ، فيحتاج نفي الخالق إلى أمر زائد على إثبات قدم العالم، وهو ما لا يثبت بمجرد نفي حدوث العالم.

يضاف إلى ما سبق أن عدم ثبوت حدوث العالم لا يلزم منه نفي وجود الله من جهة أخرى غير ما تقدم، وهي أن عدم ثبوت الدليل لا يستلزم نفي المدلول كما هو معلوم عند أهل المعرفة والاختصاص ، فعدم ثبوت حدوث العالم هو عدم لدليل معين لا لجنس الأدلة الدالة على وجود الله ، كما أنه في صورة أخرى من الاستدلال عدم لدليل على حدوث العالم ، ولا يلزم منه عدم المدلول وهو حدوث العالم نفسه ، فتكون هناك مرحلتان من النقض لتلك الدعوى:

المرحلة الأولى: وهي القريبة أن حدوث العالم دليل وعدم هذا الدليل لا يستلزم عدم المدلول وهو صانع العالم .

والمرحلة الأطول: هي أن دعوى عدم حدوث العالم هو ادعاء لعدم الدليل على الحدوث ، وعدم هذا الدليل لا يستلزم عدم حدوث العالم ، فلا يكون دليلا على عدم خالق العالم من باب أولى .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-07-2010, 01:01 PM
هيثم حمزه هيثم حمزه غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 206
افتراضي

بارك الله فيك
وهذا كلام الشيخ صالح الشيخ في شرح الطحاوية , وهو كلام نفيس جدا ويلخص الموضوع
قال حفظه الله :
قال (وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى بَعْدَمَا أَحْيَى اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ) فهو سبحانه المحيي قبل أن يكون ثم ميْت، قبل أن يميت الموتى هو المحيي، وكذلك هو المستحق لاسم الخالق قبل إنشائهم (ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
هذه الجمل مترابطة في الدلالة على المعنى الذي ذكرته لك، وهذا المعنى الذي دلّ عليه كلام الطحاوي ترتبط به مسائل مهمة جدا بهذا الموضع، وهذا الموضع مما يظهر منه أنّ الطحاوي رحمه الله خالف ما عليه أهل الحديث والأثر في هذه المسألة العظيمة، وذلك أنّ أصول هذه المسألة قديمة في البحث بين الجهمية وبين المعتزلة وبين الكلابية والأشاعرة وبين الماتريدية وبين أهل الحديث والأثر، والمذاهب فيها متعددة، لهذا نبيّن ما في هذه الجمل من مباحث على مسائل إيضاحا للمقال.
المسألة الأولى: أنّ الناس اختلفوا في اتّصاف الله جل وعلا بصفاته: هل هو متصاف بها بعد ظهور آثارها وأسماء الرب جل وعلا سمي بها بعد ظهور آثارها أم قبل ذلك؟ على مذاهب:
المذهب الأول: هو مذهب المعتزلة والجهمية ومن نحا نحوهم مِنْ أنّه جل وعلا لم يَصِر له صفات ولا أسماء إلا بعد أن ظهرت آثارُها، فلما خلق صارت له صفة الخلق، وصار من أسمائه الخالق، وذلك على أصلٍ عندهم وهو أن أسماء الله جل وعلا مخلوقة، فلما خلق سمّاه الناس الخالق، وخلق له اسم الخالق.
فعندهم أنّ الزمان لما ابتدأ فيه الخلق أو الرَّزق أو الإنشاء صار بعده له اسم الخالق، وقبل ذلك لم يكن له هذا الاسم ولم تكن له هذه الصفات.
فقبل أن يكون ثَم سامع لكلامه فليس هو سبحانه متكلما، فلما خلق سامعا لكلامه خلق كلاما -عند المعتزلة والجهمية- فأسمعهم إياه، فصار له اسم المتكلم أو صفة الكلام لمّا خلق مَنْ يسمع كلامَه، كذلك صفة الرحمة على تأويلهم الذي يؤولونه أو أنواع النعم والمنعم والمحيي والمميت، كل هذه لا تطلق على الله -عندهم- إلا بعد أن وُجد الفعل منه، على الأصل الذي ذكرته لكم عنهم أن الأسماء عندهم والصفات مخلوقة.
المذهب الثاني: هو مذهب الأشاعرة والماتريدية ومذهب طوائف من أهل الكلام في أنّ الرب جل وعلا كان متّصفا بالصفات وله الأسماء، ولكن لم تظهر آثار صفاته ولا آثار أسمائه؛ بل كان زمنا طويلا طَويلا معطلا عن الأفعال جل وعلا، له صفة الخلق وليس ثم ما يخلقه، له صفة الفعل ولم يفعل شيئا، له صفة الإرادة وأراد أشياء كونية مؤجلة غير منجزة وهكذا.
فمن أسمائه -عند هؤلاء- الخالق، ولكنه لم يخلق، ومن أسمائه عندهم أو من صفاته الكلام ولم يتكلم، ومن صفاته الرحمة بمعنى إرادة الإنعام وليس ثم مُنعَم عليه، ومن أسمائه المحيي وليس ثَم من أحيى، ومن أسمائه الباري وليس ثم برأ، وهكذا حتى أنشأ الله جل وعلا وخلق جل وعلا هذا الخلق المنظور الذي تراه يعني الأرض والسماوات وما قصَّ الله في كتابه، ثم بعد ذلك ظهرت آثار أسمائه وصفاته، فعندهم أن الأسماء والصفات متعلقة بهذا العالم المنظور أو المعلوم دون غيره من العوالم التي سبقته.
وقالوا هذا فِرارا من قول الفلاسفة الذين زعموا أن هذا العالم قديم، أو أن المخلوقات قديمة متناهية أو دائمة من جهة الأولية؛ من جهة القدم مع الرب جل وعلا.
والمذهب الثالث: هو مذهب أهل الحديث والأثر وأهل السنة؛ أعني عامة أهل السنة، وهو أنّ الرب جل وعلا أولٌ بصفاته، وصفاته سبحانه وتعالى قديمة، يعني هو أوّل سبحانه وتعالى بصفاته، وأنّه سبحانه كان من جهة الأولية بصفاتهِ -كما عبر الماتن هنا بقوله (كَانَ بِصِفَاتِهِ)- وأنّ صفات الرب جل وعلا لابد أن تظهر آثارها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، والرب جل وعلا له صفات الكمال المطلق، ومن أنواع الكمال المطلق أنْ يكون ما أراد سبحانه وتعالى، فما أراده كونا لابد أن يكون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ومن مذهب أهل السنة والحديث والأثر أنّه سبحانه يجوز أن يكون خلق أنواعا من المخلوقات وأنواعا من العوالم غير هذا العالم الذي نراه، فجنس مخلوقات الله جل وعلا أعمّ من أن تكون هذه المخلوقات الموجودة الآن، فلا بد أن يكون ثَم مخلوقات أَوْجدها الله جل وعلا وأفناها ظهرت فيها آثار أسمائه وصفاته جل وعلا، فإن أسماء الرب جل وعلا وإنّ صفات الرب جل وعلا لابد أن يكون لها أثرُها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، فما أراده سبحانه فعله، ووصف نفسه بهذه الصفة على صيغة المبالغة الدالة على الكمال بقوله ?فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ?(22)، فما أراده سبحانه كان، وهذا متسلسل -كما سيأتي بيانه- في الزمن الأول، يعني في الأولية وفي الآخرية فهو سبحانه (كَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا).
وهذا منهم -يعني من أهل الحديث والأثر والسنة- هذا القول منهم لأجل إثبات الكمال للرب جل وعلا.
وقول المعتزلة والجهمية فيه تعطيل للرب عن أسمائه وصفاته؛ يعني أنّ الله جل وعلا كان بلا صفات وبلا أسماء، وأنه لما فعل وُجدت صفات الرب جل وعلا، وهذا نسبة النقص لله جل وعلا؛ لأنّ الصفات هي عنوان الكمال، والله سبحانه وتعالى كمالاته بصفاته.
وأمّا قول الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم، هذا أيضا فيه وصف الرب جل وعلا بالنقص؛ لأن أولئك يزعمون أنه متّصف ولا أثر للصفة.
ومعلوم أن هذا العالم المنظور الذي تعلقت به عندهم الأسماء والصفات، هذا العالم إنما وُجد قريبا، فوجوده قريب وإن كانت مدته أو عمره طويل لكنه بالنسبة إلى الزمن بعامة -الزمن المطلق- لا شك أنه قريب لهذا قال عليه الصلاة والسلام «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» جل وعلا فالتقدير كان قبل أن يخلق هذه الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهي مدة محدودة، والله جل وعلا لا يحدّه زمان، فهو أول سبحانه وتعالى ليس قبله شيء جل وعلا، وفي هذا إقرار لأنه من جهة الأولية يتناهى الزمان في إدراك المخلوق، وننقل من الزمان المنسوب إلى الزمان المطلق، وهذا تتقاصر عقولنا عنه وعن إدراكه، وأما هذا العالم المنظور فإنه محدَث وحدوثه قريب.
ولهذا نقول إنّ قول الآشاعرة والماتريدية بأنه كان متصفا بصفات وله الأسماء، ولكن لم تظهر آثارها ولم يفعل شيئا أن بعد وجد هذا العالم، نقول معناه أن ثم زمانا مطلقا طويلا طويلاً جدا ولم يكن الرب جل وعلا فاعلا، ولم يكن لصفاته أثر ولا لأسمائه أثر في المربوبات، ولا بد أن الله جل وعلا له سبحانه وتعالى من يعبده جل وعلا من خلقه، ولا بد أن يكون له جل وعلا مخلوقات؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، وهذه صفة مبالغة مطلقة في الزمن كله؛ لأن (ما) اسم موصول وأسماء الموصول تعمّ ما كان في حيّز صلتها.
بقي أنْ يُقال إن قولهم أراد ولكن إرادته كانت معلقة غير منجزة، ونقول هذا تحكّم؛ لأن هذا مما لا دليل عليه إلا الفرار من قول الفلاسفة ومن نحا نحوهم بقدم هذا العالَم المنظور، وهذا الإلزام ولا يلزم أهل الحديث والسنة والأثر؛ لأننا نقول إن العوالم التي سبقت هذا العالم كثيرة متعددة لا نعلمها، الله جل وعلا يعلمها.
وهذا ما قيل إنه يسمى بقِدم جنس المخلوقات، أو ما يسمى بالقِدم النوعي للمخلوقات، وهذه من المسائل الكبار التي نكتفي في تقريرها بما أوردنا لكَ في هذا المقام المختصر.
المهم أن يتقرر في ذهنكَ أن مذهب الحديث والأثر في هذه المسألة لأجل كمال الربّ جل وعلا، وأن غير قولهم فيه تنقّص للرّب جل وعلا بكونه معطَّلا أو لكونه سبحانه وتعالى معطلا أن يفعل وأن تظهر آثار أسمائه وصفاته قبل خَلْق هذا العالم المعلوم أو المنظور.
المسألة الثانية: أنّ الطحاوي رحمه الله كأنّه يميل إلى المذهب الثاني؛ وهو مذهب الماتريدية، وهذا من أغلاط هذه العقيدة التي خالف فيها مؤلفها منهج أهل الحديث والأثر، هذا ظاهر كلامه كما اعترف به الشارح، ومن شرح هذه العقيدة من الماتريدية قرّروا هذا الكلام على أن كلامه موافق لكلام أبي منصور الماتريدي والأشعري ومن نحا نحوهم.
المسألة الثالثة: متصلة بهذا البحث، وهذا البحث من أصعب المباحث التي ستعرض لك في شرحنا لك لهذه العقيدة، لكن نعرضها بشيء من الوضوح والاختصار، وهو ما يسمى بمسألة التسلسل.
والتّسلسل: معناه أنه لا يكون شيء إلا وقبله شيء ترتَّب عليه، أو لا يكون شيء إلا بعده شيء ترتب عليه.
والتّسلسل على اعتبارات:
فالجهة الأولى المعتبرة في بحث التّسلسل صفات الرب جل وعلا: وللناس في التسلسل المتعلق بصفات الرب جل وعلا مذاهب:
الأول: من قال أنّ الرب جل وعلا يمتنع تسلسل صفاته في الماضي، ويمتنع تسلسل صفاته في المستقبل، فلا بد من أمد يكون قد ابتدأ في صفاته أو قد ابتدأت صفاتُه، ولا بد أيضا من زمن تنتهي إليه صفاته، وهذا هو قول الجهمية -والعياذ بالله- وقول طائفة من المعتزلة كأبي الهذيل العلاَّف وجماعة منهم.
الثاني: التسلسل في الماضي ممتنع، والتسلسل في المستقبل لا يمتنع، يعني أنّ الاتصاف بالصفات لا بد أن يكون له زمن ابتدأ فيه، وهذا الزمن قريب من خلق هذا العالَم الذي تعلّقت به الأسماء والصفات أو الذي ظهرت فيه آثار الأسماء والصفات، في المستقبل هناك تسلسل في الصفات يعني عدم انقطاع للصفات، وهذا هو قول أهل الكلام والأشاعرة والماتريدية.
القول الثالث: المذهب الثالث؛ مذهب أهل السنة والحديث وهو أنّ التسلسل ثابت في الماضي وثابت في المستقبل، وثبوته في الماضي غير متعلق بخَلقٍ تتسلسل فيهم الصفات وتظهر فيهم آثار الصفات، بل يجوز أو نقول بل تتنوع التعلقات باختلاف العوالم، وفي المستقبل يعني في الآخرة هو جل وعلا آخر بصفاته سبحانه وتعالى، فهناك تسلسل في جهة المستقبل.
مقتضى القسمة أن يكون ثَم قسم رابع: وهو أنه لا تسلسل في المستقبل وهناك تسلسل في الماضي، هذا مقتضى السبر والتقسيم في القسمة، وهذا لا قائل به من المذاهب المعروفة، يعني لا يعرف أنّ أحدا قال بهذا القسم.
إذا تبين لك ذلك، فإن هذه المسألة بُحثت أولا -مسألة التسلسل- قبل بحث المسألة الأولى التي ذكرناها لكم من جهة مذاهب الناس في الصفات وتعلقها بالخلق؛ يعني ثلاثة المذاهب التي ذكرناها، فلما بُحث التسلسل نتج منه البحث الأول، لهذا إذا أردت أن تفهم جهة التسلسل تفهم أثرها الذي ذكرته لك في الأول؛ لأن كُلاًّ من هاتين المسألتين مرتبط بالمسألة الأخرى.
الجهة الثانية من الاعتبار تسلسل المخلوقات: تسلسل في صفات الخالق ذكرناه، والجهة الثانية من الاعتبار التسلسل في المخلوقات، و التسلسل في المخلوقات للناس فيه مذهبان فيما أعلم:
الأول: تسلسل في الماضي، وهذا ممتنع عند عامة الناس إلا الفلاسفة الذين قالوا إنه لا عالَم إلا هذا العالم، وأن هذا العالم لم يزل في الماضي، وأنه ما من عِلَّة فيه إلا وهي مؤثّرة لمعلول فيه أيضا، وأن هذا العالم ترتب التسلسل فيه الآخر عن الأول والثاني عما قبله وليس ثم غيره.
نقول: إن هذا من هذه الجهة عامة الناس عدا الفلاسفة على ما ذكرنا، يعني اتفق عليها معتزلة وأهل السنة على أنّ التسلسل؛ تسلسل المخلوقات في الماضي أنه ممتنع إلا قول الفلاسفة.
والفلاسفة كما هو معلوم من قالوا بهذا القول خارجون عن الملة؛ لأنهم يرون قِدم هذا العالم مطلقا، وأن المؤثر فيه الأفلاك في علل مختلفة يبحثونها.
المذهب الثاني: في المستقبل التسلسل في المخلوقات غير ممتنع عند الجمهور، إلا في خلاف جهم وبعض المعتزلة في أنّ تسلسل الحركات والمخلوقات في المستقبل أيضا ممتنع وأنهم لا بد أن يصيروا إلى عدم أو إلى عدم تأثير؛ إمّا عدم محض أو عدم تأثير.
الجهة الثالثة في الاعتبار في التسلسل؛ تسلسل الأثر والمؤثر والسبب والمسبَّب والعلة والمعلول: وهذا لابد من النظر فيه وأيضا نقول: أشهر المذاهب فيه اثنان:
الأول: مذهب نفاة التعليل والعلل والأسباب الذين يقولون لا أثر لعلة في معلولها، ولا أثر لسبب في مسبّب، وإنما يفعل الله جل وعلا عند وجود العلة لا لكونها علة، وهذا هو مذهب نفاة التعليل، كقول الآشاعرة، القدرية، وابن حزم، وجماعات.
الثاني: أن الأسباب تنتج مسبباتها ويتسلسل ذلك، وأنّ العلة تنتج معلولها ويتسلسل ذلك يعني جوازا، ولكن ذلك كله بخلق الله جل وعلا له، وأنّ التسلسل في الآثار ناتجا عن مؤثرات ليس لذاتها؛ بل لسنة الله جل وعلا التي أجراها في خلقه ?فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا?[فاطر:43].
المسألة الرّابعة: قوله (وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا)، وهذا القول في قوله (كَانَ بِصِفَاتِهِ) هذا حق؛ لأن أهل السنة يعبرون عن الله جل وعلا بأنه سبحانه وتعالى بصفاته، فيعبرون بالباء المقتضية للمصاحبة؛ لأن الله جل وعلا لن تنفكّ عنه صفاته، (وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ) سبحانه وتعالى فلم يكن سبحانه وتعالى ولا صفة؛ بل كان بصفاته، والباء هنا للمصاحبة؛ يعني أنه سبحانه وتعالى كان أزليا بصفاته التي هو جل وعلا موصوف بها.
والمعتزلة وأشباههم يعبِّرون في مثل هذه المسائل عن الصفات بالواو، فيقولون: الله وصفتُه، الله وعلمه، والله وقدرته، والله وحِلمه، الله ورحمته، الله وقهره، وهكذا، فيعبرون بالواو؛ لأن الصفة عندهم منفكّة عن الموصوف، فعندهم الصفة غير ملازمة للموصوف وليست قائمة به.
ولهذا بحث الشارح عندك هل الصفات غير الذات؟ والاسم هل هو عين المسمى ونحو ذلك عرض لذلك فيما تستفيده من بحثه لأنه نوع من الاستطراد.
ولكن ننبهك لقوله (كَانَ بِصِفَاتِهِ) هو الاستعمال الذي يستعمله أهل السنة، ولا نقول الله جل وعلا وقدرته، فإن الله فَعَل وقدرته مثلا، أو نقول الله جل وعلا وعلمه، فاستعمال الواو في هذا المقام لا يسوغ؛ بل تُستعمل الباء، نقول الله جل وعلا بعلمه، الله سبحانه وتعالى بقدرته؛ لأن الباء تدل على المصاحبة؛ لأن هذه الصفات قائمة بذات الرب جل وعلا.
قوله (أزَليًّا) مرّ معنا في بحث وأنه منحوت من كلمة (لم يزل).
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-07-2010, 02:13 PM
هيثم حمزه هيثم حمزه غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 206
افتراضي

قال الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني: في دروة منة القدير المحاضرة الثالثة:

•الأولية ودوام الخالقية والقدرة والفاعلية
ربما يستشكل البعض وصف الله  بالأولية مع وصفه بدوام الخالقية والقدرة والفاعلية، فإذا كان الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، فهل يعني ذلك أنه كان معطلا عن الفعل ثم أصبح خالقا فاعلا قادرا بعد أن لم يكن؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن الله  موصوف بأنه مريد فعال، يفعل ما يشاء وقت ما يشاء كما قال تعالى: (ذُو العَرْشِ المَجِيد فَعَّالٌ لمَا يُرِيدُ) (البروج:15/16).
وقد بين الله  أنه قبل وجود السماوات والأرض لم يكن سوى العرش والماء كما جاء في قوله: (وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاء) (هود:7). وعند البخاري من حديث عِمْرَانَ t أن رسول الله  قَال: (كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ) .
وربما يسأل سائل ويقول: وماذا قبل العرش والماء؟ والجواب أن الله قد شاء أن يوقف علمنا عن بداية المخلوقات عند العرش والماء فقال تعالى: (ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) (البقرة:255)، فالله أعلم هل توجد مخلوقات قبل العرش والماء أم لا؟
لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن متعلق بمشيئة الله وقدرته، فالله أخبرنا أنه يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء وهو على ما يشاء قدير، وأنه متصف بصفات الأفعال، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام أزلا وأبدا، سواء كان ذلك قبل العرش والماء أو بعد وجودهما، لكن الله  أوقف علمنا عند هذا الحد، كما أن جهلنا بذلك لا يؤثر فيما يخصنا أو يتعلق بحياتنا من معلومات ضرورية لتحقيق الكمال في حياة الإنسان.
وفي كتاب خلق أفعل العباد للبخاري قال سليمان التيمي: (لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال السائل: أين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم)، ويعقب الإمام البخاري بقوله: (وذلك لقول الله تعالى: (ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) (البقرة:255)، يعني إلا بما بين) .
وهذه المسألة تسمى في باب العقيدة بالتسلسل وهو ترتيب وجود المخلوقات في متوالية مستمرة غير متناهية من الأزل والأبد، ومعتقد السلف أن التسلسل في الأزل جائز ممكن، ولا يلزم من ذلك أن الخلق يشارك الله في الأزلية والأولية .




وقال حفظه الله في المحاضرة التي تليها :
قال ابن أبي العز الحنفي في بيان اعتقاد السلف: (وَالتَّسَلسُلُ لفْظٌ مُجْمَلٌ, لمْ يَرِدْ بِنَفْيِهِ وَلا إِثْبَاتِهِ كِتَابٌ وَلا سُنَّةٌ, لِيَجِبَ مُرَاعَاةُ لفْظِهِ, وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلى وَاجِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَمُمْكِنٍ: فََالتَّسَلسُلُ فِي المُؤَثِّرِينَ مُحَالٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ, وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْتَفَادَ تَأْثِيرَهُ مِمَّا قَبْلهُ لا إِلى غَايَةٍ . وَالتَّسَلسُلُ الوَاجِبُ: مَا دَل عَليْهِ العَقْلُ وَالشَّرْعُ, مِنْ دَوَامِ أَفْعَالِ الرَّبِّ تَعَالى فِي الأَبَدِ, وَأَنَّهُ كُلمَا انْقَضَى لِأَهْلِ الجَنَّةِ نَعِيمٌ أَحْدَثَ لهُمْ نَعِيمًا آخَرَ لا نَفَادَ لهُ, وَكَذَلِكَ التَّسَلسُلُ فِي أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ طَرَفِ الأَزَلِ, وَأَنَّ كُل فِعْلٍ مَسْبُوقٌ بِفِعْلٍ آخَرَ, فَهَذَا وَاجِبٌ فِي كَلامِهِ, فَإِنَّهُ لمْ يَزَل مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ, وَلمْ تَحْدُثْ لهُ صِفَةُ الكَلامِ فِي وَقْتٍ, وَهَكَذَا أَفْعَالُهُ التِي هِيَ مِنْ لوَازِمِ حَيَاتِهِ, فَإِنَّ كُل حَيٍّ فَعَّالٌ, وَالفَرْقُ بَيْنَ الحَيِّ وَالمَيِّتِ: الفِعْلُ, وَلِهَذَا قَال غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلفِ: الحَيُّ الفَعَّالُ, وَقَال عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: كُلُّ حَيٍّ فَعَّالٌ, وَلمْ يَكُنْ رَبُّنَا تَعَالى قَطُّ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ مُعَطَّلا عَنْ كَمَالِهِ, مِنَ الكَلامِ وَالإِرَادَةِ وَالفِعْلِ .
وَأَمَّا التَّسَلسُلُ المُمْكِنُ: فَالتَّسَلسُلُ فِي مَفْعُولاتِهِ مِنْ هَذَا الطَّرَفِ, كَمَا تَتَسَلسَلُ فِي طَرَفِ الأَبَدِ, فَإِنَّهُ إِذَا لمْ يَزَل حَيًّا قَادِرًا مُرِيدًا مُتَكَلِّمًا, وَذَلِكَ مِنْ لوَازِمِ ذَاتِهِ فَالفِعْلُ مُمْكِنٌ لهُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لهُ, وَأَنْ يَفْعَل أَكْمَلُ مِنْ أَنْ لا يَفْعَل, وَلا يَلزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لمْ يَزَلِ الخَلقُ مَعَهُ, فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَقَدُّمًا لا أَوَّل لهُ, فَلِكُلِّ مَخْلُوقٍ أَوَّلُ, وَالخَالِقُ سُبْحَانَهُ لا أَوَّل لهُ, فَهُوَ وَحْدَهُ الخَالِقُ, وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لمْ يَكُنْ .
قَالُوا: وَكُلُّ قَوْلٍ سِوَى هَذَا فَصَرِيحُ العَقْلِ يَرُدُّهُ وَيَقْضِي بِبُطْلانِهِ, وَكُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالى لمْ يَزَل قَادِرًا عَلى الفِعْلِ لزِمَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ, لا بُدَّ لهُ مِنْهُمَا: إِمَّا أَنْ يَقُول بِأَنَّ الفِعْل لمْ يَزَل مُمْكِنًا, وَإِمَّا أَنْ يَقُول لمْ يَزَل وَاقِعًا, وَإِلا تَنَاقَضَ تَنَاقُضًا بَيِّنًا, حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالى لمْ يَزَل قَادِرًا عَلى الفِعْلِ, وَالفِعْلُ مُحَالٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ, لوْ أَرَادَهُ لمْ يُمْكِنْ وُجُودُهُ, بَل فَرْضُ إِرَادَتِهِ عِنْدَهُ مُحَالٌ وَهُوَ مَقْدُورٌ لهُ . وَهَذَا قَوْلٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا .
وَالمَقْصُودُ: أَنَّ الذِي دَل عَليْهِ الشَّرْعُ وَالعَقْلُ, أَنَّ كُل مَا سِوَى الهَِ تَعَالى مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لمْ يَكُنْ, أَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ تَعَالى لمْ يَزَل مُعَطَّلا عَنِ الفِعْلِ ثُمَّ فَعَل, فَليْسَ فِي الشَّرْعِ وَلا فِي العَقْلِ مَا يُثْبِتُهُ, بَل كِلاهُمَا يَدُلُّ عَلى نَقِيضِهِ) .
والجواب أن التسلسل الواجب علينا اعتقاده هو ما دل عليه العقل والنقل, فالواجب علينا اعتقاد دوام أفعال الرب تعالى في الأبد, ووجود مفعولاته ومخلوقاته على الدوام, وإن تغيرت صورها وعللها, بمعنى أن الوجود في الدنيا صورته مستمرة ولعلة تتمثل في الابتلاء, ثم بمشيئة الله يتغير الوجود في الآخرة إلي صورة أخرى مستمرة ولعلة تتمثل في الجزاء, وبقاء أهل الخلدين في دار النعيم والشقاء, وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم, أو لأهل النار عذاب, أحدث لهما نعيما وعذابا آخر لا نفاد لها, كما قال تعالي عن أهل الجنة:
(وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا لهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَليلا) (النساء:57) .
(وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا وَعْدَ اللهِ حَقّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلا) (النساء/122).
وقال عن أهل النار: (إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا وَظَلمُوا لمْ يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهُمْ وَلا ليَهْدِيَهُمْ طَرِيقا إلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا وَكَانَ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرا) (النساء:169) (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا) (الجن:23).
فالواجب اعتقاده أن وجود المخلوقات في الأبد والمستقبل متوال غير منقطع أبد الآبدين, وهذا هو ما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا, دوام أفعال الرب تعالى في الأبد وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نقاد له.

وقال أيضاً:
•هل كان الله معطلا عن الخلق والفعل والقدرة ؟
هل كان الله معطلا عن الخلق والفعل والقدرة ثم لما خلق الخلق أصبح خالقا فاعلا قادرا ؟ فيجيبه الإمام الطحاوي بقوله: (ما زال بصفاته قديما قبل خلقه, لم يزدد بكونهم شيئا, لم يكن قبلهم من صفته, وكما كان بصفاته أزليا, كذلك لا يزال عليها أبديا, ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق, ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري, له معنى الربوبية ولا مربوب, ومعنى الخالق ولا مخلوق, وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا, استحق هذا الاسم قبل إحيائهم, كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم, ذلك بأنه على كل شيء قدير, وكل شيء إليه فقير, وكل أمر عليه يسير, لا يحتاج إلى شيء, (ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى:11) .
فهو سبحانه وتعالى ليس قبله شيء متصف بصفات الكمال, فصفاته صفات أزلية وأبدية, فكما أنه أول بلا بداية, فكذلك صفاته ملازمة لذاته, فهي أولية بأولية الله سبحانه وتعالى, فلم يكن أولا بلا صفات ثم حدثت له الصفات بعد ذلك, كما يقول ذلك من يقوله من أهل الضلال, فالله سبحانه وتعالى ليس لصفاته بداية كما أنه ليس لذاته بداية, فهو الخالق دائما وأبدا, وهو الرازق دائما وأبدا, وهو العلى دائما وأبدا وهو القوي دائما وأبدا وهو رب العالمين دائما وأبدا.
لا نقول بأن الله لم يكن خالقا إلا بعد أن خلق الخلق, بل هو خالق من الأزل, لا بداية لذلك, أما مخلوقاته فهي متنوعة متجددة, يخلق ما يشاء, ويفعل ما يشاء, فهو رب قبل وجود العالمين وحال وجود العالمين وبعد وجود العالمين هو رب العالمين, وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا, استحق هذا الاسم قبل إحيائهم, كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم, ذلك بأنه على كل شيء قدير, فالقدرة وصف أزلي لذاته, لم يكتسبه بعد وجود مخلوقاته, ولا يتطلب الأمر عنده دليلا وبرهانا حتى يصفه الناس بما يستحق, كما هو الحال عندنا, فالله (ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى:11) .
أما نحن فالواحد منا لا يوصف بأنه قوي إلا إذا ظهر دليل قوته, ولا يوصف بأنه حكيم إلا إذا ظهر دليل حكمته, ولا يوصف بأنه غني إلا إذا ظهر دليل عزه وغناه, ولا يوصف بأنه ملك إلا إذا نصبناه وملكناه, أما ربنا فهو الغنى لا إله إلا الله, كل شيء إليه فقير, وكل أمر عليه يسير, لا يحتاج إلى شيء, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, فكمال الأشياء مستمد من الله الغنى, وحياة العالم مستمدة من الله الحي, أما هو فلا يستمد وصفه من خلقه, ولا يمكن لملك الملوك أن يفتقر إلي شيء من ملكه.
كيف وهو القائل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) (فاطر:15) .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-07-2010, 03:22 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,071
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي هيثم على هذه النقولات الطيبة , والتي تسهل فهم كلام شيخ الإسلام , وتوضح المسألة أكثر .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-07-2010, 06:04 PM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
افتراضي

أحسن الله إليكم أيها الأفاضل ولعلّ من أهمّ الدراسات التي تناولت هذه الجزئية بالبحث هي الدراسة التي أعدّتها الفاضلة كاملة الكواري وهي على الرابط الآتي

http://alkuwarih.com/content/%C3%99%...AF%C3%98%C2%AB
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 02-08-2010, 10:29 AM
هيثم حمزه هيثم حمزه غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 206
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق ياسين مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا أخي هيثم على هذه النقولات الطيبة , والتي تسهل فهم كلام شيخ الإسلام , وتوضح المسألة أكثر .
وفيك بارك اخي الحبيب
كنا مع الشيخ علي بالأمس -بالقاهرة - وأثنى الشيخ حفظه الله على المشرفين على هذا المنتدى وذكرهم بالاسم واحدا واحدا مثنياً على جهدهم وعلمهم
وقال في حق الأخ حامد : انه متخصص في علم الشيخ صالح الشيخ ونشر أقواله وتتبع اجتهاداته.
فتبسمت للشيخ قائلاً : ولكني سبقته بالنقل عن الشيخ صالح في مشاركة وضعها الأخ طارق عن مسألة التسلسل
فضحك الشيخ حفظه الله
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 02-08-2010, 10:17 PM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي

جزاكم الله خيرا و بارك في علمكم و عملكم .
و هذه فائدة جميلة أذكرها في هذا المنزل :
من كتاب : الحميّة الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيميّة / لأبي المظفّر يوسف بن محمد العبادي السرّمرّي المتوفى سنة : 776هـ.(ردا على السبكي):
قال في قصيدته البيت 59 :
أمّا حوادثُ لا مبدأ لأوّلها__ فذاك من أغربِ الْمَحْكِيِّ و أعجبه.
قَصَّرْتَ في الفهْمِ فاقصر في الكلام فماــــــ ذا عُشّكَ ادْرُج فما صقرٌ كعُنظبهِ.
لو قلتَ قال كذا ثُمَّ الجواب كذا __لبانَ مُخطئُ قَوْلٍ من مُصَوّبهِ.
أجملت قولا كان ولا علم لديه ولا __كلام لا قُدرة أصلا كفرت به .
أو قُلت أحدثها بعد استحالتها __في حقهِ سَمْتُ نقْصٍ ما احتججت به .
و كيف يوجدها بعد استحالتها__منه أيَقدرُ ميّت رفع منكبهِ.
أو قُلتَ فِعْلُ اختيارٍ منه مُمْتَنِعٌ__ضَاهيْتَ قول امرئٍ مُغْوٍ بأنصُبه.
و لم يزل بصفات الفعل مُتَّصفا__و بالكلام بعيدا في تقرّبهِ.
سبحانه لم يزل ما شاء يفعله __في كلّ ما زمن ما من مُعَقِّبِهِ.
نوعُ الكلام كذا نوع الفعال قدي__م لاَ المُعَيَنُ منهُ في تَرَتُّبِهِ.
و ليس يفهم ذو عقل مقارنة الْ__ـمفْعُول مع فاعل في نفْسِ منْصِبِهِ.
يُحبُّ يُبغضُ يرضى ثمّ يغضب ذا__من وصفه أرْضِهِ بُعدا لمُبْغِضهِ.
والخَلْقُ ليْسَ هو المخلوق تحسبه __بل مصدر قائمٌ بالنّفس فادرِبِهِ.
و قول كُنْ ليسَ بالشّيئِ المُكون والصّـ__ـغيرُ يَعْرِفُ هذا مَعْ تلعُّبِهِ.
فالمصطفى قال كان اللهُ قبلُ وَ لاَ__شَيْئَ سواهُ تعالى في تحجُّبِهِ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:51 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.