أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
85914 103800

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الفقه وأصوله - للنساء فقط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-06-2010, 09:57 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي وقفــات مــع التربيـــة الإيمانيـــة للـحــج

وقفــــات مــــع التربيـــــة الإيمانيـــــة للـحــــج

الجزء الأول

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أخبرنا الله - تبارك تعالى - في كتابه العزيزعن نداء سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ۞ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ۞ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۞ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ۞ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [سورة إبراهيم: 35 ــ 40].

وتقبّل الله الدعاء، قال - تعالى -: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [سورة الحج: 26].

وجاء الأمر من الله - تبارك وتعالى - بقوله - سبحانه -: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ۞ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ۞ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [سورة الحج: 27 - 29].
وقوله - تعالى -: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ۞ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران: 96 ــ 97].

وقوله - تعالى -: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ [سورة البقرة: 196].

وتهفو القلوب وتشتاق ! وتشد الرحال، ويهون الفراق، فراق الأهل والأحبة، ها هم حجاج بيت الله، وفد الرحمن، قد لبوا النداء، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم، خرجوا في سبيل الله، لأداء شعيرة من شعائر الله تزكو بها النفوس وتطهر، لتكون أهلاً لكرامة الله - تبارك وتعالى - في جنةٍ عرضها كعرض السموات والأرض.

فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (متفق عليه). فهل تدرك هذه الجموع العظيمة أن الحج ليس فقط أعمالا تؤدَى وأموالا تنفق، إنما هو ركن من أركان الإسلام، وعبادة عظيمة، جمعت شعائر كثيرة، تعبدنا الله – تعالى - بها، ما أجمل أن يستشعر العبد ما فيها من فقه، وحكم بالغة، وأجور عظيمة ؟.

ما أجمل أن يستشعر أثرها في مسار حياته، ليس في سفره من مكانه إلى الحرم ... إلى الكعبة ... ثم العودة فقط، إنما يجب أن يستشعر أنه ترك الأهل والمال والولد، فارّاً بنفسه ودينه إلى الله - تبارك وتعالى - ﴿فَفِرّوا إِلَى اللهِ [سورة الذاريات 50]، ليرجع بحج مبرور وسعيٍ مشكور وذنب مغفور - إن شاء الله تعالى - ويستأنف العمل.

ولِيَكونَ الحَجّ مبرورًا لا إثم فيه، يجب على الحاج أن يستشعرَ التميز الإيماني بتلبية النداء الرباني له، محافظًا على حُسن الإتباع في أداء الشعائر، كما علمنا رسولنا ﷺ.
وأن يكون لديه الهمّة القويّة والعزيمَةَ الجادّة على التغيير ... التغيير إلى الأفضل، أثناء حجِّهِ وبعد عودته من سفره، وذلك بتواضعه للحق باتباعه، وللخلق بحسن الخلق معهم؛ لقوله – جلّ وعلا -: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوامَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [سورة الرعد: 11] .

إن للحج المبرور تأثير عظيم في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق والسلوك، وتربيتها التربية الإيمانيـــة إذا راعى الحـــــاج ما يلي:

1. مراعاة فقه الأولويات:
وذلك بالمسارعة إلى الطاعات والمسابقة إلى الخيرات، بدءًا بالأهمَ فالمهم من قبل: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ۞ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۞ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [سورة الزمر: 56 – 58].

ولقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه عبدالله ابن عباس - رضي الله عنهما: (إغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) انظر: [صحيح الجامع 1078].

إن لشعائر الإسلام والعبادات والتكاليف التي كلفنا الله - تعالى - بها مراتب، تتفاضل وتتباين في أهمَيتها، وفضلها، ومكانها، وزمانها، وبترتيب هذه الأوْلويات تنمو لدى المسلم روح النظام والإنضباط، فينبغي أن يراعي أوْلاها لإقامة أركان الإسلام والإيمان على أساس قويّ متين، وليبلغ بدينه درجة الإحسان، مستعينًا بالله - تعالى -.

نقف الوقفة الأولى مع أهم الأمور وأوْلاها : إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده لا شريك له : إن الله - تبارك وتعالى - ربط فريضة الحج بأول بيت وضع للناس، لرفع راية التوحيد فيه، وإخلاص العبادة لله – تعالى - وحده لا شريك له.

إذ ليس من البر أن يُشركَ أحد بالله - تبارك وتعالى -، سواءً بدعاء، أو باستغاثة، أو استعانة، أو تبرك، أورياء، أو أن يَحُجّ بمال حرام، أو مطعم ومشرب حرام، أو بشهادة زور، أو ظلم، أو بدعة، أومعصية، ظانـًّا أنها قربة يتقرب بها إلى الله - تبارك وتعالى -، كما يفعل كثير من الحجيج - هداهم الله تعالى -.

فعن أبي المنتـفق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: (إعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبه، وأدَ الزكاة المفروضة، وحج واعتمر، وصم رمضان، وانظر ما تحب للناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكره أن يأتوك فذرهم منه) [صحيح الجامع: 1039] و [الصحيحة: 474].

إذ ليس من البرّ أن ُتوَلـّى الوجوهُ قِبَلَ مَشْرقٍ وَمَغْرب، وَتُعدّ حِجَجٌ وَعُمْرات، ولكن أول البر: «الإيمان بالله - تبارك وتعالى - وحده لا شريك له».

قال الله - تعالى -: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [سورة البقرة: 177].

وقال الله - تعالى -: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ۞ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران: 96 – 97].

وعن ماعز - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رسول الله ﷺ أي الأعمال أفضل ؟ فقال: (أفضل الأعمال إيمانٌ بالله ورسوله، وجهادٌ في سبيله، ثم حِجةٌ مبرورَةٌ تفضل على سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) [صحيح الجامع 1092].

ومن بِرّ الحَجّ: إطعامُ الطعام، وطيبُ الكلام، رَفعُ الأصْواتِ بالتلبية، إراقةُ دمِ الهَدْيِ تقرباً إلى الله - تعالى -: فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال ﷺ: (بِرّ الحج إطعام الطعام، وطيب الكلام) (حديث حسن). انظر: [الصحيحة 1264].
وعن ابن عمر وأبي بكر وعن ابن مسعود - رضي الله عنهم - قالوا: قال ﷺ: (أفضل الحج العجّ الثجّ) (حديث حسن). انظر: [الصحيحة 1500].

العج : رفع الأصوات بالتلبية.
الثج : إراقة دم الهدي تقرباً إلى الله – تعالى -.
وعن الفضل - رضي الله عنهما - قال: قال: (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة، وتعرض الحاجة) [صحيح الجامع 6004]. فالبدار ... البدار - .

الوقفة الثانية: حسن الإتباع: ما أروع أن نحُثّ إلى الخيرات المسير !، ولكن على الجادة نسير، وأن نقف حيث وقف الرعيل الأول، خير الناس، جزاهم الله عنا خير الجزاء، ورضي الله عنهم وأرضاهم، وحشرنا في زمرتهم، فقد كانوا أحرص الناس على الخير.
لأن العمل لا يُقبَل إلا إذا كان خالصا، صوابا على منهج النبوة ، وفهم سلفنا الصالح - رحمهم الله -، فيجب علينا الإقتداء بهديهم في أفعال الحج والعمرة وغيرهما، فإن فيه الخير والبركة والقبول - بإذن الله تعالى -.
ورضي الله عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال: (... وكم من مريد للخير لن يصيبه ...) جزء من حديث طويل، أخرجه الدارمي في سننه (1/ 68 - 69) بإسناد صحيح عن عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمه).

إن للحج والعمرة أحكامًا تفصيلية مُقيَّدة ومطلقة، اعتنى الشارع الحكيم بذكرها، وبيان أهميتها. فقد ذكرها الله - تبارك وتعالى - في كتابه العزيز، وبيَن تفاصيلها رسولنا ﷺ، وذلك لتؤدَى بانتظام، وعلى وجهها الأكمل بأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، ووجوب مراعاة الزمان فيها، والمكان، والعدد، والكيفية، والأذكار.

فلا ينبغي للحاج أن يُخالف الشارع الحكيم عالمًا عامدا، ولا أن يزيد فيها أو ينقص إذا كانت مقيدة. ولا أن يَقدُمَ على عملٍ أو عبادة إلاَ وهو على بصيرة، وعلى دليلٍ ثابتٍ عن النبي ﷺ، لقوله في الحديث الذي رواه عنه جابر - رضي الله عنهما -: (لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحجَََِ بعد حجتي هذه) [صحيح الجامع 5061] و [مختصر مسلم 724].

قال شيخنا الألباني - رحمه الله تعالى - في التعليق على هذا الحديث في كتابه القيِّم - حجة النبي ﷺ [الحاشية صفحة 82] -: (هذه اللام لام الأمر، أي خذوا مناسككم، كما وقع في رواية غير مسلم .

وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال، والأفعال، والهيئات، هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عني، واقبلوها، واحفظوها، واعملوا بها، وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله ﷺ: (صلوا كما رأيتموني أصلي) انتهى كلامه رحمه الله - تعالى-.

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله ﷺ: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه البخاري - رحمه الله -.

وهذا يدل على أنه يجب على المسلم أن يقتدي بالرعيل الأول خير الناس سلفنا الصالح. وأن يعلم أن عمل الأمة وعباداتها مرتبط قبوله باتباعهم - رحمهم الله تعالى -، مُستشعرًا مراقبة الله - تعالى - في أدائه، متذوقا حلاوة الطاعة، وحسن الإتباع، ولذة الإقتداء، بضبط النفس والوقت على مراد الله - تبارك وتعالى -.

وذلك مما يعين على أداء هذه العبادات والتكاليف والأحكام بيسر وسهولة وانتظام، سواء كان ذلك في الحج أو في سائر شؤون الحياة، طاعة لله - تبارك تعالى -، وطاعة لرسوله ﷺ.
قال الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۞ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ۞ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ۞ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۞ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۞ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ۞ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [سورة البقرة: 196 – 203] .

يتبيَن لنا من هذه الآيات الكريمة أهمية الإتباع، والترتيب في أداء الشعائر، ولقد ربط رسول الله ﷺ مناسك الأمة، أفعال الحج «كالإحرام، والتلبية، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير، والهدي، والرمي» بميراث النبوة توحيداً واتباعا، ولنا فيهم تذكرةً وعبرة، جزاهم الله عنا خير الجزاء.

قال الله - تعالى -: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ۞ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [سورة الحج 26 – 27].

وعن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ مرَ بوادي الأزرق - وهو ما كان بين مكة والمدينة - فقال أيّ وادٍ هذا ؟ قالوا: وادي الأزرق، قال كأنَي أنظر إلى موسى هابطا من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية، مارا بهذا الوادي، ثمَ أتى على ثنيَة هرشى، فقال أيّ ثنيَةٍ هذه ؟ قالوا: ثنيَة هرشى، أو لفت، فقال: لكأنّي أنظر إلى يونس بن متََى على ناقةٍ حمراءَ جعدة، عليه جُبة من صوف، خطامُ ناقته خُلبة، مارّاً بهذا الوادي يُلبي) [أخرجه مسلم: 166] .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله ﷺ قال: (ليَهِلَّنَّ ابن مريم بفجّ الرَّوْحاء حاجّا أو مُعتمِرًا أو ليثنيهما) [أخرجه مسلم: 1252].

وعن ابن مربع الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ في حجة الوداع: (قفوا على مشاعركم هذه ، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) [صحيح الجامع 4394].

وصح عن ابن عباس - رضي الله عنهما ﷺ قال: (لمَا أتى إبراهيم خليل الله المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض)؛ قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: الشيطان ترجمون، وملَة أبيكم تتَّبعون) [صحيح الترغيب والترهيب 1156].

روى البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضا قال: (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقًا تعفَي اثرها عن سارة، ثم جاء بها إبراهيم وإبنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء. ثم قفَى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم ! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟!. فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يَرَوْنَه استقبل بوجهه البيت، ثمَ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [سورة إبراهيم: 37].
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أو قال: يتلبَط ـ فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمَ استقبلت الوادي، تنظر هل ترى أحدا ؟ فلمْ ترَ أحدا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت، هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي ﷺ (فلذلك سعى الناس بينهما). فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت صَهْ ! ـ تريد نفسها ـ ثمَ تسمعت، فسمت أيضا، فقالت: أسْمَعْتَ إن كانَ عِنْدَكَ غواث. فإذا هي بالمَلَك عند موضع زمزم، فبحثَ بعقبه ـ أو قال: بجناحه ـ حتى ظهرَ الماء، فجعلتْ تحوضُهُ وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال النبي ﷺ: (يَرْحَمُ الله أمّ إسماعيل ! لو تركت زمزمَ ـ أو قال: لو لم تَغرف من الماء ـ لكانت زمزمَ عينا معينا). قال: (فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها المَلَك: لا تخافوا الضّيْعَة، فإنّ ها هنا بيتُ الله؛ يبني هذا الغلام وأبوه، فإن الله لا يُضيَع أهله) [صحيح السيرة النبوية لشيخنا الألباني - رحمه الله تعالى - ص (40 – 41].

نعم والله ... إن الله لا يضيع أهله - الحمد لله رب العالمين - هذا من فضل الله – جلَّ في علاه - على المؤمن الذي يحسن الظن بالله - تبارك وتعالى -، فهو يعيش في راحة وطمأنينة وأمان، ولا يخشى على رزق، ولا على أجل، قلبه مطمئن لما عند الله تعالى، ولسانه يلهج بذكر الله ودعائه سبحانه.

يؤمن بأنّ بعد العسر يسرا، وأنّ الفرج يأتي مع الصبر، وأنّ من يتوكل على الله فهو حسبه، ناصره، ومؤيده، وكافيه، فهو حيٌّ لا يموت، والإنس والجن يموتون.
قال - تعالى -: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [سورة الفرقان - 58].


من محاضرات « ملتقى الحج » في اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -

بقلم وتقديم: أم عبد الله نجلاء الصالح


يُتبع - إن شاء الله تعالى - الجزء الثاني
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:40 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.