عنعنة المتعاصرين محمولة على الاتصال وهو مذهب الأئمة المتقدمين الكبار والرد على من حمل

[أبو عبدالله الأثري]

عنعنة المتعاصرين محمولة على الاتصال وهو مذهب الأئمة المتقدمين الكبار والرد على من حملها على الانقطاع من الأغمار



الحمد لله الذي قبل بصحيح النية حسن العمل , وحمل الضعيف المنقطع على مراسيل لطفه فاتصل , ورفع من أسند في بابه , ووقف من شذ عن جنابه وانفصل , ووصل مقاطيع حبه , وأدرجهم في سلسلة حزبه , فسكنت نفوسهم عن الاضطراب والعلل , فموضوعهم لا يكون محمولا ومقلوبهم لا يكون مقبولا ولا يحتمل , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفرد في الأزل , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أرسله والدين غريب فأصبح عزيزا مشهورا واكتمل , وأوضح به معضلات الأمور وأزال به منكرات الدهور الأول , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم ما علا إسناد ونزل , وطلع نجم وأفل أما بعد :
فلا يخفى على إخواني من طلبة علم الحديث ما وقع بين العلماء قديما وحديثا في مسألة عنعنة المتعاصرين وعلى ماذا تحمل , فذهب جلهم ولله الحمد إلى حملها على الاتصال على ما ذكره الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه ونقل عليه الإجماع وهو الحق لا ريب فيه إن شاء الله , وذهبت طائفة من العلماء إلى حملها على الانقطاع حتى يثبت لقاء الراوي والمروي عنه أو يُوجد التصريح بالتحديث والسماع بينهما , وأُلِفَت في ذلك كتب ك (السنن الأبين) لابن رشيد الفهري رحمه الله
ووجدنا في عصرنا هذا من يتبنى هذا المذهب المرجوح المجانب للصواب والبعيد كل البعد عن الحق , من دعاة المفرقيين بين مذهب المتقدمين والمتأخرين , إذ العجب منهم يكون أكثر , فإنهم يدََعون السير على طريقة المتقدمين في إعلال الأحاديث , فيأتون على كل إسناد يكون الراوي والمروي عنه قد تعاصرا وجائز ممكن لقاؤهما وبراء من التدليس على ما وصف الإمام مسلم رحمه الله , فيقولون : هذا حديث لم تتوفر فيه شروط الاتصال فارمي به , وهذا خطير جد خطير على السنة المطهرة الغراء , فهم بداية ردوا كلام إمامٍ متقدمٍ جليل القدر راسخ القدم في هذا العلم , وهو الإمام مسلم رحمه الله ولم يبالوا بما نقل من الإجماع عن أهل عصره وشيوخه وأئمة الحديث والأثر , ولم يرفعوا بذلك رأسا , يعني هم على قول القائل خالفت فتواه تقواه , نسأل الله السلامة والعافية , ومع دعواهم إلى سبر واستقراء صنيع المتقدمين بأنفسهم دون التعويل على من تأخر كالذهبي وابن حجر بحجة التساهل وما شابه , فقد خفي عليهم إجماع المتقدمين ولا أقول أمام أو إمامين إنما إجماع بكل معنى الكلمة , يعني الطامة الكبرى أن من دعاة التفريق من خفي عليه إجماع المتقدمين , وهذا وربي من العُجاب , وهكذا هي حال أهل البدع يتدرجون من بدعة صغيرة ثم إلى كبيرة فأكبر , كما في الأثر الذي رواه الدارمي في السنن(الحديث 204) في قصة القوم الذين تحلقوا وفي وسطهم رجل يقول سبحوا كذا كبروا كذا وانكار ابن مسعود عليهم ومن قبله أبو موسى...وأنهم تدرجوا إلى بدعة كبيرة عظيمة وهي الخروج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال عمرو بن سلمة في آخر هذا الأثر : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .
مع أن مسلما رحمه الله تعالى قد وصف قول من سلفهم من الإغمار من القائلين بمقالتهم هذه بأنه مخترع مستحدث غير مسبوق إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه , بكلام له مبسوط في المقدمة .
والذي يهمنا في هذا المقام هو الدفاع عن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام ضد -لا نقول- ضلال مخربون للسنة , لأن فيهم مجتهدون حريصون على هذا الدين مثلنا أو أشد , ولكن أقل ما يقال أنهم وقعوا في خطأ شنيع اهدر مئات الأحاديث الصحيحة , وليت شعري ما يفعلون إذا وجدوا حديثا على ما وصفنا لك , وقد صححه أحمد والبخاري مثلا , هل يقلدونهما أم يردون هذا التصحيح , فهم إذا بين أمرين أحلاهما مر , لذلك ترى أن جل أصحاب هذا المذهب –مذهب التفريق- لا يُعنونَ بالتخريج البتة , وإلا لافتضح أمرهم , وكشف أمرهم , وبانت هذه الدعوة على حقيقتها , والله المستعان
وأنا أنصح إخواني جميعا وخصوصا من ابتلي بطرح الأحاديث الصحيحة بعلة ما تقدم وصفه آنفا , أن يقرأ كتاب "إجماع المحدثين" للشيخ الفاضل الكريم الشريف بن حاتم العوني حفظه الله , هذا الكتاب الذي لم يصنف مثله في بابه منذ بزوغ فجر الإسلام إلى الآن ,
توصل فيه الشيخ إلى أن الأئمة المتقدمين المعتبرين مجمعين على قول مسلم رحمه الله , وقد وفق الشيخ إلى جمع دقائق الأمور , والخفايا بين السطور , نسأل الله الغفور أن يكتبه له في ميزان حسناته ذخرا ليوم النشور .
ثم نكون هنا قد وصلنا إلى الغاية المنشودة التي من أجلها كتبت هذه النصيحة وهي جملة من الأحاديث وقعت بين يدي قد صححها الأئمة الكبار من المتقدمين , وثبوت اللقاء فيها معدوم , أضعها بين أيديكم عل الله أن ينفع بها , وأطلب من إخواني الأفاضل أن يضيفوا هنا كل حديث من هذا النوع , مشاركة في الأجر إن شاء الله , وفائدة لنا ولغيرنا , سائلين الله جل وعلا التوفيق والإعانة , والحمد لله رب العالمين .

[أبو عبدالله الأثري]

الحديث الأول : صححه البخاري وليس فيه إلا احتمال اللقاء
قال أبو عيسى في علله الكبير :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا سلمة بن رجاء ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي واقد الليثي ، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم فقال : « ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة » . سألت محمدا عن هذا الحديث فقلت له : أترى هذا الحديث محفوظا ؟ قال : نعم . قلت له : عطاء بن يسار أدرك أبا واقد ؟ فقال : ينبغي أن يكون أدركه ، عطاء بن يسار قديم .اهـ

[أبو عبدالله الأثري]

الحديث الثاني : يُحسنه أبو حاتم على الإدراك
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في العلل :
وسألت أبي عن حديث ؛ رواه شعبة ، والليث ، عن عبد ربه بن سعيد ، واختلفا ، كيف اختلافهما.
فقال أبي اتفقا في عبد ربه بن سعيد.
واختلفا ، فقال الليث عن عمران بن أبي أنس ، وقال شعبة عن أنس بن أبي أنس.
واختلفا ، فقال الليث عن ربيعة بن الحارث ، وقال شعبة عن عبد الله بن الحارث.
واختلفا ، فقال الليث عن الفضل بن العباس ، وقال شعبة عن المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الصلاة مثنى مثنى ، تخشع وتضرع وتمسكن وتقنع بيديك ، يقول : يرفعهما ، وتقول : يا رب يا رب ، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج.
وقال أبي : ما يقول الليث أصح ، لأنه قد تابع الليث عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة ، وعمرو ، والليث كانا يكتبان ، وشعبة صاحب حفظ.
قلت لأبي : هذا الإسناد عندك صحيح ؟ قال : حسن.
قلت لأبي : من ربيعة بن الحارث ؟ قال : هو ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
قلت : سمع من الفضل ؟ قال : أدركه.
قلت : يحتج بحديث ربيعة بن الحارث ؟ قال : حسن.
فكررت عليه مرارا فلم يزدني على قوله : حسن .........الخ

[أبو عبدالله الأثري]

الحديث الثالث :يُصححه أحمد ويُحسنه البخاري لا يُدرى فيه السماع إنما على احتمال اللقاء لكون الرواي قديم
قال أبو عيسى في العلل الكبير:
في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد قال محمد : حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا . وكان أحمد بن حنبل يقول : هو حديث صحيح .اهـ

[أبو عبدالله الأثري]

الحديث الرابع : على الإدراك أيضا
قال أبو عيسى في العلل الكبير :
وسألت محمدا عنه ، يعني : حديث الحسن عن علي بن أبي طالب « رفع القلم ... الحديث . فقال : الحسن قد أدرك عليا . وهو عندي حديث حسن .اهـ

[عبد الله بن مسلم]

بارك الله فيك أخي الكريم.

[أبو عبدالله الأثري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله بن مسلم

بارك الله فيك أخي الكريم.

وفيك بارك
الحديث الخامس: حسنه البخاري مع أن العلم باللقاء مستحيل
قال الترمذي في الكبير :
حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا فليح بن سليمان ، عن سعيد بن الحارث ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن زيد بن ثابت ، أن عثمان ، توضأ ثلاثا ثلاثا وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن قال أبو عيسى : هو غريب من هذا الوجه .
قلت الأثري :و سعيد بن الحارث لا يعرف له سماع من خارجة وليس له إلا هذه الرواية ويستحيل أثبات ذلك .