الساحة الدعوية.. و " مسؤولية الكلمة "؟! (الشيخ أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي)
بسم الله..
** الساحة الدعوية.. و " مسؤولية الكلمة "؟!
بادئ ذي بدء : هذه كلمة (تربوية)!! أنصح بها نفسي أولا وإخواني ..، وليس القصد منها الدفاع عن الظالمين أو المحرفين أو الغالين ..، فنعوذ بالله من التخذيل والمخذلين..
اعلم - يا رعاك الله - أن الكلام أسيرك ، فإذا خرج منك صرت أنت أسيره .. ، ولا يخفى على العاقل أن الشرور مباديها كلمة ، وكما قيل : " معظم النار من مستصغر الشرر " ..
فمن الضروري - إذن - ضبط اللسان - والقلم أحد اللسانين (!) - خاصة في باب الدعوة .. ، لأن عدم إحكام المنطق و القلم في ميدانها مفاسده راجحة ووخيمة ..، وليس المراد تكميم الأفواه.. ، ولا الإمساك عن تقرير الحق مطلقا.. ، لكن بعلم وعدل وورع وتبين وحكمة .. ، جمعا بين النظر في الحال وتلمح المآل .. ، ومراعاة لظرفية المكان وأحوال أهل الزمان..
ف " إياك أن يضرب لسانك عنقك " ..، ف " كلام الرجل عنوان عقله " ..، وكما قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - :" إنما الفتنة باللسان وليست باليد "؟! ..
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - :" ما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد " الصارم المسلول 2/735.
فالبصير هو الذي يستشعر مسؤولية الكلمة فيما يجري به لسانه بنوعيه... ، خاصة قلمه الذي يتسع مداه ف " احفظ القلم عما يجب حفظ اللسان عنه " بداية الهداية لأبي حامد - رحمه الله - ص : 16 .
فالقلم أمانة في عنق حامله ...تستوجب حفظه من العبث حتى لا نشابه غيرنا ممن صار القلم عندهم قلامة، والقلامة قلما.. فال " قلم بلا علم حركة عابث " مفتاح دار السعادة لابن القيم - رحمه الله - 1/297.
فإساءة استعمال القلم كإساءة استعمال السلاح كلاهما يفضي إلى الدمار في العقول والنفوس.. ، ولذا قال الشاعر عنه :
إذا اهتز في طرسه معجبا * أذل شعوبا وأعلى شعوبا
فما أحوجنا إلى استشعار مسؤولية الكلمة في الميدان الدعوي على وجه الخصوص.. ، ويتأكد هذا ونحن في زمن الفتن والإحن ..، هذا الزمن الذي يستدعي منا التأني والتثبت أكثر من غيره بدل الاستعجال والاسترواح إلى مجرد النظر ، أو ما يسنح في الفكر ، فالتعجل يمنع التوصل ، وصدق من قال : " من تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة ".
فمما يخرج طالب العلم عن سمت ( أهل العلم الكرام) : مصابه ب " شهوة الكلام "! ، ببذل القول واللسان دون ضبط وفي جل الأشياء ، فيا لها من فتنة وبلاء.
وإليكم - حفظكم الله - هذه الكلمة المختصرة الرائقة الفائقة من أخي الحبيب الشيخ أبي زيد حمد العتيبي - حفظه الله - حيث قال فيها : " الكلمة في الساحة الدعوية نوعان:
النوع الأول: شخصية.
ومن سماتها:
١- السطحية.
٢- محض رأي.
٣- انفعالية.
٤- غير مسؤولة.
٥- تلقى على عواهنها.
النوع الثاني: علمية.
ومن سماتها:
١- تأصيلية.
٢- محررة.
٣- حكيمة.
٤- مقاصدية.
٥- تربوية.
والحصيف من أهل الكلام من يغلب على كلامه سمات الكلمات العلمية " أنتهى.
فلنجتنب " آفات الكلام " ، و " علل اللسان " ، ولنحرص على " البيان بالحجة والبرهان " ، قصد " تنوير الأفهام " ، و " تنبيه الأنام " ، دون " هدم الأركان " ، و لا تغييب " القواعد الحسان " ، وبدون غفلة عن " أدب أهل العلم والعرفان " ، و " الله المستعان " ..
وجماع الأمر فيما قرر العلامة الماوردي - رحمه الله - حيث قال : " واعلم أن للكلام شروطا لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها ولا يعرى من النقص إلا بعد أن يستوفيها ، وهي أربعة شروط .
فالشرط الأول : أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر.
والشرط الثاني : أن يأتي به في موضعه ، ويتوخى به إصابة فرصته.
والشرط الثالث : أن يقتصر فيه على قدر الحاجة.
والشرط الرابع : أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به " أدب الدنيا والدين ص : 275.
كتبه :
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني - عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي -
__________________
قال أيوب السختياني: إنك لا تُبْصِرُ خطأَ معلِّمِكَ حتى تجالسَ غيرَه، جالِسِ الناسَ. (الحلية 3/9).
قال أبو الحسن الأشعري في كتاب (( مقالات الإسلاميين)):
"ويرون [يعني أهل السنة و الجماعة ].مجانبة كل داع إلى بدعة، و التشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، و النظر في الفقه مع التواضع و الإستكانة وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة و النميمة والسعادة، وتفقد المآكل و المشارب."
عادل بن رحو بن علال القُطْبي المغربي
|