احذر المراء واعرف حقيقته، وميزه عن المناظرة للنصيحة والجدل المحمود.

[عبد الحميد العربي]

احذر المراء واعرف حقيقته، وميزه عن المناظرة للنصيحة والجدل المحمود.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
لما رأيت كثيرا من اخواننا طلاب العلم لا يفرقون بين المراء المذموم، والجدل المحمود والمناظرة على النصيحة، عزمت على كتابة هذه الجمل دون اطناب أو اسهاب عسى أن يجدوا فيها وميضا هاديا ينبههم إلى المور الحسن لنشر الحق والدفاع عنه، ويحذرهم من طريق المراء والجدل المذموم الذي يزرع الضغينة، ويقسي القلوب، ويذهب بريح السلفيين.
=المناظرة على النصيحة اصطلاحاً :
قال الجرجاني في التعريفات هي: (النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب).
وقيل: (تردد الكلام بين شخصين يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق).
=الجدل:
قال الفيومي في المصباح المنير: (هو مقابلة الأدلة لظهور أرجحها).
وقال الراغب في المفردات: (الجدل المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة).
=الحوار:
عرفه بعض العلماء: (مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين متكافئين فلا يستأثر أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء).
=المحاجة:
قال الراغب في المفردات: (أن يطلب كل واحد أن يرد الآخر عن حجته ومحجته).
وعرفها المناوي فقال: (المحاجة تثبيت القصد والرأي لما يصححه).

=معنى المراء اصطلاحًا:
المراء: هو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع والكبر والغرور.
وقال الجرجاني: (المراء: طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير).
وقال الهروي عن المراء هو: (أن يستخرج الرجل من مناظره كلامًا ومعاني الخصومة وغيرها).

=الفرق بين الجدال والحجاج:
الفرق بينهما أن المطلوب بالحجاج: هو ظهور الحجة.
والمطلوب بالجدال: الرجوع عن المذهب.
=الفرق بين الجدال والمراء:
قيل: هما بمعنى واحد.
غير أن المراء مذموم من كل وجه، لأنه مخاصمة في الحقِّ بعد ظهوره، وليس كذلك الجدال.
ولا يكون المراء إلا اعتراضًا ومكابرة وحبا في الظهور والغلبة، بخلاف الجدال، فإنَّه يكون ابتداء واعتراضًا.

ذم المراء في السنة.

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) رواه الإمام أبو داود وغيره وحسنه شيخنا محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
=قال السندي: (ومن ترك المراء: أي الجدال خوفًا من أن يقع صاحبه في اللجاج الموقع في الباطل).
=وقال الصنعاني في سبل السلام: (حقيقة المراء طعنك في كلام غيرك لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيتك عليه ... ولا يكون إلا اعتراضا، وهو قبيح إذا لم يكن لإظهار الحق وبيانه وإدحاض الباطل وهدم أركانه)
=وقال شيخنا العلامة عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: (وفيه بيان فضيلة حسن الخلق، وأن تحسين الإنسان لخلقه يوصله إلى الدرجات العالية في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أصناف من الناس:
فمنهم من يكون في ربض في الجنة وفي أدناها
ومنهم من يكون في وسطها
ومنهم من يكون في أعلاها
ومعلوم أنه كما أن النار دركات بعضها تحت بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الذي يحسن خلقه يكون له بيت، والبيت هنا هو القصر في الجنة، وقوله: (أنا زعيم) يعني: أنا ضامن وكفيل وملتزم بأن من فعل كذا فله كذا، وهو نظير قول الله عز وجل: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] يعني: أنا ملتزم بحمل البعير لمن أتى بصواع الملك، (( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ )) يعني: بهذا الذي وعدت به، وهذا الجعل الذي جُعل فأنا ملتزم به، والمعنى هنا: أنا كفيل وضامن لمن فعل هذا الفعل أن يكون له بيت في الجنة.
قوله: [ (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.
قوله: [ (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) ]. فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة.
قوله: [ (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ]. وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته).

ذم السلف للمراء:

قال الإمام مالك بن أنس: (المراء يقسِّي القلوب، ويُورث الضغائن).
وقال محمد بن الحسين: (من صفة الجاهل: الجدل، والمراء، والمغالبة)
وعن الحسن البصري قال: (ما رأينا فقيهًا يماري).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[عبد الحميد العربي]

فدعْ عنك المراءَ ولا تردِه===لقلةِ خيرِ أسبابِ المراءِ
وأيقِنْ أنَّ مَن مارى أخاه===تعرَّضَ من أخيه للِّحاءِ
ولا تبغِ الخلافَ فإنَّ فيه===تفرُّقَ بَيْنِ ذاتِ الأصفياءِ
وإن أيقنتَ أنَّ الغيَّ فيما===دعاك إليه إخوانُ الصفاءِ
فجاملْهم بحسنِ القولِ فيما===أردتَ وقد عزمتَ على الإباءِ

[أبو عبد الله البيطري]

نعمت النصيحة جازاك الله خيرا

قوله: [ (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.
قوله: [ (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) ]. فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة.
قوله: [ (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ]. وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته).

اللهم إنا نسألك أن تهدينا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ...آمين

[أحمد الجبرتي]

وكنت أدندن حول كون المراء مذموما على جميع وجوهه إلا في الآونة الأخيرة أرى غير ذلك مستدلا بقوله تعالى "فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا" قال ابن عاشور: وَالْمِرَاءُ الظَّاهِرُ: هُوَ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِهِ وَلَا يَطُولُ الْخَوْضُ فِيهِ"
فأرجو من الأخوة المباحثة

[عبد الحميد العربي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد الجبرتي

وكنت أدندن حول كون المراء مذموما على جميع وجوهه إلا في الآونة الأخيرة أرى غير ذلك مستدلا بقوله تعالى "فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا" قال ابن عاشور: وَالْمِرَاءُ الظَّاهِرُ: هُوَ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِهِ وَلَا يَطُولُ الْخَوْضُ فِيهِ"
فأرجو من الأخوة المباحثة

بارك الله فيك على هذه اللفتة:

كلام الطاهر بن عاشور رحمه الله كاملا:
(والمراء الظاهر: هو الذي لا سبيل إلى إنكاره، ولا يطول الخوض فيه، وذلك مثل قوله "قل ربي أعلم بعدتهم" وقوله "ما يعلمهم إلا قليل"، فإن هذا مما لا سبيل إلى إنكاره وإبايته؛ لوضوح حجته، وما وراء ذلك محتاج إلى الحجة، فلا ينبغي الاشتغال به؛ لقلة جدواه)اهـ.
قال ابن جرير الطبري: (وقوله: (إلا مراء ظاهرا) اختلف أهل التأويل في معنى المراء الظاهر الذي استثناه الله، ورخص فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو ما قص الله في كتابه أبيح له أن يتلوه عليهم، ولا يماريهم بغير ذلك)اهـ.
وقال القرطبي: (قوله تعالى: فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا أي: لا تجادل في أصحاب الكهف إلا بما أوحيناه إليك؛ وهو رد علم عدتهم إلى الله تعالى. وقيل: معنى المراء الظاهر أن تقول: ليس كما تقولون، ونحو هذا، ولا تحتج على أمر مقدر في ذلك. وفي هذا دليل على أن الله تعالى لم يُبيّن لأحد عددهم فلهذا قال إلا مراء ظاهرا أي ذاهبا؛ كما قال:

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

ولم يبح له في هذه الآية أن يماري، ولكن قوله: إلا مراء استعارة من حيث يماريه أهل الكتاب.
سميت مراجعته لهم مراء ثم قيد بأنه ظاهر، ففارق المراء الحقيقي المذموم.
والضمير في قوله فيهم عائد على أهل الكهف. وقوله: فلا تمار فيهم يعني في عدتهم، وحذفت العدة لدلالة ظاهر القول عليها)اهـ.
وقال البغوي: ((إلا مراء ظاهرا): إلا بظاهر ما قصصنا عليك يقول: حسبك ما قصصت عليك فلا تزد عليه وقف عنده).
وقال الشوكاني: ( إلا مراء ظاهرا أي: غير متعمق فيه وهو أن يقص عليهم ما أوحى الله إليه فحسب).

[عبد الحميد العربي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الله البيطري

نعمت النصيحة جازاك الله خيرا

قوله: [ (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.
قوله: [ (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) ]. فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة.
قوله: [ (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ]. وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته).

اللهم إنا نسألك أن تهدينا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ...آمين

وأنتم جزاكم الله خيرا.