أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
44870 74378

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-09-2014, 05:20 PM
أسامة أسامة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: غزة - فلسطين
المشاركات: 365
افتراضي الهبات والوصايا والعمرى والرقبى. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

الهبات والوصايا والعمرى والرقبى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص =الله ورسوله= فإنه لا يضرُّ إلا نفسه ولا يضرُّ الله شيئا).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء: 1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب: 70، 71).
أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
إن ديننا الحنيفَ دينُ المحبةِ والألفة، والمودةِ والرحمة، دينٌ وزَّع المواريث، وفرضَ الزكوات، واستحبَّ الصدقات، وحثَّ على الوصايا والعطايا، والهباتِ والعطايا والهدايا، فقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَهادُوا تَحابُوا"، الأدب المفرد (ص: 306، 594)، صحيح، «الإرواء» (1601).
إن الأموال التي يتبرع بها الإنسان ويخرجها من ملكه باختياره قاصدا بها وجه الله تعالى، لها كيفيات تتغير حسب نية المتبرع، وكيفية التبرع، وما هو المتبرَّع به؟ ومن هو المتبرع له؟
إن الهبةَ والهديةَ والعطيةَ تتفق في المعنى؛
فـ=الهبة: هي تمليك الإنسان مالَه لغيره في الحياة بلا عوض.
والهدية: هي ما يُهدي للإنسان من مال غيره في الحياة بلا عوض.
والعطية: هي التبرع بالمال بلا عوض.
والوصية: هي التبرُّع بالمال بعد الوفاة.
والصدقة: هي التبرُّع بالمال في الحياة طلباً للثواب من الله تعالى.
والعُمْرَى والرُّقبَى: وهي التبرع بمال أو عقار دون مقابل مشروطا بعمره وحياته، فالتبرع صحيح والشرط باطل كما سنعلم.
فالهدية والهبة والعطية؛ تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض، ولا مقابل. وهي تجلب المحبة والمودة بين المسلمين، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابُّوا".
لقد حضَّ عليها ديننا الحنيف، وحثنا عليها شرعنا المنيف، دون احتقار لأي منها، عبد الله! لا ترد الهدية وإن قلت قيمتها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» خ (2566)، م (1030).
[(لا تحقرن جارة لجارتها) ..إهداءَ شيءٍ ..(ولو) أن تبعث إليها (فِرْسِنَ شاة)؛ وهو قطعة لحم بين ظُلْفَي الشاة ... أهـ]. فيض القدير (3/ 272).
ومن الهدايا ما لا يردُّ ولا يرفض، وقد جاءتنا في ذلك نصوص صريحة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: عن أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ»، البخاري (2582).
فالعطور لا ترد ومثلها الورود والرياحين ونحوها.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ: الوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ"، (الدُّهْنُ: يَعْنِي بِهِ الطِّيبَ). .. ت (2790).
ومن حسن المعاشرة إن أُهدِيَت لك هدية، أن تكافئَ صاحبها بما تيسر، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا»، البخاري (2585).
فإن لم يتيسر شيء، فلا أقل من أن تدعوَ له، لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ استَعَاذَ بِاللَّهِ فأعِيذُوه، وَمَنْ سَألَ بِاللَّهِ فأَعْطُوه، وَمَنْ أَتَى إِليْكُم مَعْروفاً فَكَافِئُوه، فَإِنْ لَمْ تَجِدوا فَادْعُوا لَهُ؛ حَتَّى يَعلَمَ أن قَد كَافَئْتُمُوه"، الأدب المفرد (ص: 113، ح 216)، والصحيحة (254).
وأولى الناس بالهدية الجار القريب، فقد سألت عن ذلك عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟) قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا»، خ (2595).
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا }، (الأحزاب: 6).
فالهدايا للأقارب والأعمام والأخوال ونحوهم أجره عظيم، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: (أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ الله! أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي!) قَالَ: «أَوَفَعَلْتِ؟» قَالَتْ: (نَعَمْ!) قَالَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ». خ (2592)، م (999).
وإذا كنت حرًّا في تصرفك في مالك، لكن لا يجوز أن تعطي بعض من لهم حقوق عليك، وتمنع الآخرين، فلا يجوز أن تهب زوجة وتحرم الأخرى، وتعطي ابنا وتحرم بنتا، عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ، سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً =أي تريث وتأخر= ثُمَّ بَدَا لَهُ، =ورضي ووافق= فَقَالَتْ: (لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي)، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَشِيرُ ‍ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» قَالَ: (نَعَمْ!) فَقَالَ: «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: (لَا!) قَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». م (1623). أي على ظلم، لما فيه من حرمان البقية.
وإن وجدت هديتك أو عطيتك أو صدقتك، تباع في السوق فلا تشترها، عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لاَ تَشْتَرِي، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، خ (1490).
فكيف بمن يندم على هديته ويسعى في استردادها؟ وقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، خ (2621).
ويستثنى من ذلك الوالد فيما يعطى ولده، فيجوز له أن يرجع في هبته، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ»، د (3539)، س (3690).
وإذا ردَّ المهدَى إليه الهدية؛ لسببٍ من الأسباب، فلا كراهةَ للمهدِي في قبولها، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي»، وفي رواية: «كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا، وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي»، خ (373).
فالسبب في رد قطعة القماش هذه أنها ألهته وشغلته عن صلاته بعد أن قبلها ولبسها، فخشية الفتنة في صلاته ردَّها.
وأهدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ =رضي الله تعالى عنه= -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّهُ، قَالَ صَعْبٌ: (فَلَمَّا عَرَفَ فِي وَجْهِي رَدَّهُ هَدِيَّتِي) قَالَ: «لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا حُرُمٌ»، خ (2596).
والسبب في رد لحم الصيد أنه كان محرما والمحرم حرام على صيد البر.
لكن لو عادت الصدقة والهدية إلى صاحبها بميراث فلا مانع من تملكها، ولا كراهة في ذلك، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ)، =أي أمها ماتت، والجارية عادت إليها بالميراث= فَقَالَ: «آجَرَكِ اللَّهُ، وَرَدَّ عَلَيْكِ الْمِيرَاثَ»، جة (2394).
أما الهدية للموظف، والعامل في الحكومة ونحوه فالهدية له كبيرة من الكبائر، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ"، مسند أحمد (39/ 14، ح 23601)، من (الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز) بتصرف.
والوصية أمر مشروع وعمل مستحب، وهي هبة الإنسان غيره عينًا أو دينًا أو منفعة، على أن يملك الموصَى له الهبة بعد موت الموصى، وهي واجبة على من له مال يوصى فيه، قال تعالى: {كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»، خ (2738)، م (1627).
وتستحب الوصية بثلث المال أو ربعه أو أقل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ)؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ»، خ (2743).
أما الوارث وصاحب الحق بعد المتوفى، فلا وصية له، لماذا؟ عن أَبي أُمَامَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»، د (2870).
أما ما يُكتب في صدر الوصية، فما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِى صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: (بسم الله الرحمن الرحيم
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ، أَوْصَى؛ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِى القُبُورِ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِهِ؛ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَأَنْ يُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا وَصَّى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبَ: {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}). أخرجه البيهقي والدارقطني. إرواء الغليل (6/ 84، رقم 1647).
ولا تستحق الوصية للموصَى له إلا بعد موت الموصِي، وبعد سداد الديون، فإذا استغرقت الديونُ التركةَ كلها فليس للموصَى له شيء، عن عليّ قال: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدّين قبل الوصية، وأنتم تقرءونها من بعد وصية يوصى بها أو دين"، (الإرواء 1667).
عباد الله! [إذا كان لرجلٍ فرعٌ وارثٌ مات في حياته، فإنَّ عليه أن يوصيَ لأولادِ هذا الفرع، بمثل ما كان يستحقُّه الميتُ أو بشيءٍ من ماله في حدود الثلث، والثلث كثير، فإن ماتَ ولم يوصِ لأولادِ ولدِه، فإنهم يعطَون قدرَ ما كان يجبُ عليه أن يوصيَ به؛ لأن هذا دينٌ عليه، فإن ماتَ ولم يكتبْه لم يضعْ هذا الدينُ، وعلى هذا العمل في المحاكم اليوم].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛
الهدية والهبة والعطية والوصية، من الأعمال التي يجد المؤمن ثوابها في الدنيا والآخرةـ بقي الكلام على العُمْرَى والرُّقْبَى؛ فالعمرى: أن يهب الإنسان غيره شيئاً مدة عمره، فإذا مات عادت للواهب، كأن يقول: (أعمرتك هذه الدار مدة عمرك، أو مدة عمري).
والرقبى: كأن يقول: (أرقبتك داري مدة حياتك، فإن مِت قبلي رَجَعَتْ إليّ، وإن مُت قبلك فهي لك ولعقبك). فالعمرى والرقبى نوع من الهبة، لكنه مؤقت بوقت.
وحكمها أنها جائزة، والتوقيت باطل، فتكون العمرى والرقبى لمن وهبت له حياتَه، ولورثته من بعده، ولا ترجع للواهب.
فعَنْ جَابِرِ بْن عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلاَ تُفْسِدُوهَا، فَإنّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلّذِي أُعْمِرَهَا، حَيّاً وَمَيّتاً، وَلِعَقِبِهِ». م (1625).
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالعُمْرَى، أنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ). خ (2625), واللفظ له، م (1625).
فاعتبر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا التوقيتَ ملغيًّا، وجعل كلاًّ من العمرى والرقبى لمن وهبت له حياته ولورثته من بعده.
فتعلموا عبادَ الله من دينكم، ما ترضون به ربكم، وما تصلحون به دنياكم وأخراكم، فتسودوا الأمم كما سادها سلفكم الصالح، فملؤا الدنيا عدلا وأمنا وسلاما، بعد أن كانت مملوءة خوفا وظلما وجورا وعدوانا.
وصلوا -عباد الله- على الهادي البشير، محمدٍ أكرمِ رسولِ وخيرِ نذير؛ فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّدٍ صاحب الوجه المنير. وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن الآل والصحب ومَن على نهجهم إلى الله يسير؛ وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا عزيز يا قدير.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعدائنا أعداء الدين المعتدين الظالمين، ومن شايعهم من المستعمرين الغاصبين، وألِّف اللهم بين قلوب المسلمين، وأصلحْ قادتهم، لم شملهم، واجمع كلمتَهم على الحقِّ يا ربِّ العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا؛ واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا أرحم الراحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90).
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {.. وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت:45).
وكتب وجمع وألف بين الجمل: أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد
الزعفران- المغازي- الوسطى
6 جمادى الأولى 1435 هلالية وفق 7/ 3/ 2014 شمسية
المراجع:
- مصطلحات فقهية في لغة معاصرة.
- الروضة الندية شرح الدرر البهية لصديق حسن خان.
- التعريفات للجرجاني.
- موسوعة الفقه الإسلامي لمحمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري.
- مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار للسلمان.
__________________
إن الدعوة السلفية دعوة بالحسنى، وليست حركةً حزبيَّة، دعوة لدين الإسلام دين السلم والسلام، والأمن والأمان، نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.