أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
51760 98094

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 10-25-2011, 06:03 PM
أبو محمد رشيد الجزائري أبو محمد رشيد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القبة - الجزائر
المشاركات: 419
افتراضي


نقد البرمجة اللغوية العصبية


في زماننا اليوم لن يعود عزنا وسؤددنا إلا بمنهج خالص يعتمد على القرآن والسنة وإذا دخلت فلسفات جديدة و وافدات جديدة على منهج الإسلام الصحيح فغيّرت فيه بعض البنود وشتت بعض المسلمين عن المعاني الأصيلة فإنه لا يُرجى للأمة قيام على هذا الوضع إلا أن تعود للدين الخالص .
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال " أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " . رواه أحمد والبيهقي في كتاب شعب الإيمان . قال الألباني في مشكاة المصابيح ( حسن )

ولأن المؤمن ينشد أن يسلم له دينه من الشبهات المهلكة ، كان لزاما عليه أن يسأل عن أي وافد جديد ، هل من آثاره رفع أمة الإسلام وترقيتها أم سيفعل كما فعلته ثقافة اليونان في فترة من فترات تاريخنا ؟

ومن هذه الوافدات الجديدة اليوم نجد " البرمجة اللغوية العصبية "

فماهي البرمجة اللغوية العصبية ؟

هي موضة جديدة انتشرت في كل العالم وليس العالم العربي والإسلامي فقط .
هذه الموضة الجديدة [انتبه لا أقول علم لأنها ليست علما] أخذت من علوم شتى :
- بعض المواد من علم النفس
- بعض المواد من علوم التربية
- بعض المواد من علوم الإدارة
- بعض المواد من علوم السياسة
مواد من علوم الإتصال ، التأثير على الناس ، وفن التسويق ...
وهذا الخليط شكلوا لنا منه " البرمجة اللغوية العصبية "

يقول وايت وود سمول رئيس الإتحاد العالمي في البرمجة [ أعلن إسلامه في 15/7/2007 ] : " ليس في البرمجة شيء جديد "

وهي عبارة عن مدرسة نفسية أول ما ظهرت إنما ظهرت لتعالج بعض المرضى لتخرجهم من حالتهم النفسية المرضية إلى السلامة والتعافي ، فلم تُنشأ للأصحاء في أول أمرها . ثم تطوّر أمرها لتمنح للعامة برامج للتفوق والتميّز على حسب أرائهم ونظرياتهم .

هذه الموضة أنشأها في سنة 1973 شخصان أمريكيان هما :
1 – "ريتشارد باندلر" عالم الرياضيات؛ درس علم النفس السلوكي وبرمجة الكمبيوتر كان متعاطي للكوكايين وعلى علاقة بالعاهرات .
2 – عالم اللغويات الأميركي "جون جرندر"
وقد استفادا من بحوث عالمين سبقاهما :
الأول أمريكي : نعوم شموسكي – يهودي
والثاني بولندي : ألفريد كزويسكي – يهودي أيضا

وانفصلا لما كبر جشعهما و رغبتهما الكبيرة في المال .. ثم انفصلت زوجة باندلر عنه لاحقا ليكونوا ثلاثة مجموعات تدعي كل منها بأنها البرمجة الحقيقية ، وظهرت مجموعة رابعة سنة 1993 أطلقت على نفسها " الاتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية " لكي تكسر إحتكار المال عند المجموعات الثلاث والآن تعددت المجموعات فالغرض استغلال غباء الناس لكسب المال بدون عناء .

ما معنى البرمجة اللغوية العصبية ؟

البرمجة : تعني إعادة تفكيك المعتقدات لوضع معتقدات جديدة ، يتعاملون مع الإنسان كأنه جهاز حاسوب يعاد برمجته من جديد فتعاملهم تعامل مادي بحت ، يعاملون الناس في دورة من مئتي شخص كشخص واحد يعطونه برنامج واحد متغافلين عن خصوصيات كل فرد .

اللغوية : استخدام اللغة للتغيير ، وهنا يتكلمون عن لغة الجسد . فيُلزمون المدرب أن ينط ويحسن هذه اللغة ليكون مؤثرا في الجماهير . وقد استعملها بعض الدعاة المهرجين عندنا زعما منهم التقرب من الشباب .

العصبية : عن طريق التأثير على أعصاب الإنسان أو التأثير على الحواس الخمسة .
يقول أصحاب البرمجة أننا ندخل إلى الإنسان فنغير من تفاعله مع الأشياء ليكون له فرص نجاح أكثر

العقبات التي تقف ضد تقبل هذا الوافد الجديد :

1 – ملاحظة الإنبهار بالغرب الكافر عند الممارسين ومحاولة غرسه في شباب المسلمين .

- أسمى رغبة لمن يريدون أسلمة البرمجة أن يثبتوا أن الإسلام حوى ما قاله أصحاب نظريات البرمجة اللغوية ولا ينظرون من زاوية أن الإسلام أسمى وأعلى من هذه النظريات الوضعية وهذا لترسخ الدونية عند هؤلاء المبرمَجين .

2 – هناك بعض النقاط في البرمجة متعارضة مع الشرع والجذور التي قام عليها هي فلسفات تبلغ إلى درجة الإلحاد :

أ- يقولون " الصورة الذهنية للعالم ليست هي العالم " أي إن ما نشاهده في الواقع يصلنا بطريقة محدودة لأسباب :
- الحواس المحدودة [ فتدرك ما هو في مجالها فقط ]
- اللغة الناقصة [قد لا نستطيع أن نعبر عن كل ما بداخلنا]
- المعتقدات والقيم [ما تعتقده قد يمنع منك أمورا كثيرة في الواقع فلا بد أن تتحرر من المعتقد ]
ما يعني أنك لكي تنجح لا بد أن تتحرر من العقيدة [تماما كما قال ماركس " الدين أفيون الشعوب " ]
ب - مما يقولونه " كل عمل وراءه نية إيجابية " مما يقوّي الهوى ، بينما عندنا كل نية لابد أن ينظر فيها هل هي موافقة للشرع أم لا ، يقولون حقق كل ما تريد [تماما كما يقول فرويد ].
جـ - مما يقولونه " إذا قلت لا ، أي لا تفعل كذا فما يرسخ في العقل هو افعل كذا " مما يعني أن كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " ترسخ الشرك لا التوحيد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تغضب " فما يرسخ عند الناس هو " اغضب " . أي خبل هذا .

د – مما قاله أحد المبرمجين العرب " مدرسة التوهم التي أنشأها الإمام المحاسبي ! هي هي التخيل في البرمجة !!"
فهل تعلم مَن يكون الحارث المحاسبي ؟
قال الحافظ في «تهذيب التهذيب»:
" وقال أبو القاسم النصرأباذي: بلغني أن الحارث تكلم في شيء من الكلام، فهجره أحمد بن حنبل، فاختفي، فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة نفر.[ قال الإمام أحمد: " قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز حين تمر"]
وقال البرذعى : سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، بدع وضلالات، عليك بالأثر؛ فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب.
قيل له: في هذه الكتب عبرة!
فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة.. بلغكم أن مالكا أو الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتبا في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟! هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم؛ يأتونا مرة بالمحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الديبلى، ومرة بحاتم الأصم. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع!
" اهـ.

3 – يستعملون أساليب للتغيير والإصلاح ولتعديل السلوك وللخروج من الأزمات قد تكون هزلية وتخريف ولكنه واقع يمارسونه :

أ - طريقة الإرساء أو التثبيت : لو استطعت أن تربط حركة معينة مع شعور فإنك إن قمت بالحركة أتى الشعور .
ب - طريقة التنويم المغناطيسي لمخاطبة العقل الباطن لكي يقتنع بتغيير سلوكه
جـ - التركيز لتغيير ما حولك ، لأن التركيز يرسل إشارات لا تُرى .

- في البرمجة لغة سموها " اللغة الرمزية " إخترعها ملتون إركسون [طبيب نفسي طوّر التنويم المغناطسي والإيحاء وتتلمذ على يديه مخترعا البرمجة ] يقول فيها : " لكي تصل إلى العقل الباطن للإنسان وتخاطبه وتتمكن من تغييّر سلوكه لا بد أن تقص على هذا الإنسان قصة غامضة " .

- وفي " اللغة الرمزية " وسيلة تسمى المتافيز أو اللاشعور طريقة يتبعونها لقطع الجدل ويتم تغيير الجدل بكلام غير مفهوم .

4 – النتائج :

قد تحصل النتيجة كما قال أصحاب البرمجة ولكن هل النتائج حقيقية . ما هي نسبة النجاح ؟
قد نخدع مريضا فنعطيه قطعة سكر لتخفيض الصداع ولكن نسبة النجاح تكون 30 بالمئة وليست كالعلاج الذي يحقق 70 بالمئة ، فالعلاج الحقيقي غير الخداع .

5 – التهويل والمبالغة في ذكر النتائج : فيقولون " العلاج السحري "

6 – الإفتقار إلى المنهج العلمي :
الفكرة تمر بثلاث مراحل لتصبح علمًا : الفرضية – النظرية – حقيقة علمية
أصحاب البرمجة يتعاملون مع الفرضيات كمسلمات ، ومع الفرضيات كحقائق علمية .
قام الجيش الأمريكي بالبحث عن دور البرمجة ونتائجها ومدى فاعليتها في سنة 1988 فخرج بنتائج :
" إن اللجنة وجدت أنه ليس هناك شواهد علمية لدعم الإدعاء بأن البرمجة اللغوية العصبية استراتيجية فعالة للتأثير على الآخرين وليس هناك تقويم لها كنموذج لأداء الخبير "
فهي عندهم لا تنفع في تقويم السلوك ولا التأثير على الآخرين ثم كونت لجنة أخرى في سنة 1991 وأخرى في سنة 1994 فخرجتا بنفس نتيجة الدراسة الأولى .
واعلم أن المدارس النفسية في العالم لا تستخدم هذه الفرضيات ، ولن تجدها تُدرّس في أي جامعة في العالم . وقد تعجب إذا عرفت أن أكثر الشرائح التي وقفت ضد هذه الموضة هم الأطباء النفسيون . فهم يعارضون استخدامه في علاج المرضى النفسيين فكيف بالأصحاء !!!

7 – التأويل الخاطئ لظواهر حقيقية :

- يقولون مثلا إذا أردت أن تركن سيارتك فلم تجد مكانا شاغرا فما عليك إلا أن تركز تركيزا شديدا حتى تجد مكانا .
- ويقولون ركز أحدهم أنه امتلك مليون دولار فوجد في حسابه مليون دولار ثم أعاده لأصحابه لأنه خطأ .
- ويقولون إذا نسيت ضوء بيتك مشتعلا وأنت مسافر وركزت عليه فقد يخطف أحد اللصوص هذا التركيز ويعلم أنك غائب عن البيت .

8 – التهويل من قدرة الإنسان وإغفال قدرة الله :

الإنسان عند المبرمجين يستطيع أن يسخر ما يشاء بإرادته هو وقدرته هو وقوته هو
أليس هذا هو قول قوم عاد القائلين " من أشد منا قوة " وقول قارون " إنما أوتيته على علم عندي "
فماذا فعل الله بهؤلاء المغترين المتكبرين ؟

9 – التشجيع على النجاح السريع وترك العمل الشاق

وهذا ينافي تاريخ العظماء الذين تعبوا في الوصول إلى أحلامهم

10 – البزنسة :

استغلال رغبات الناس لتحقيق مكاسب مالية ، تجد هذه الدورات تقام بمبالغ كبيرة

-------------------------------------------
للأمانة العلمية استفدت كثيرا من محاضرات مرئية للدكتور راغب السرجاني في نقده للبرمجة اللغوية العصبية ، فقد يكون هذا الموضوع تفريغا لمحاضراته مع اجتنابي لبعض زلاته .

أنظر هذا الرابط التالي :
http://www.islamstory.com/سلسلة-تاريخ-الإسلام

ابحث : البرمجة اللغوية العصبية (1-3) / البرمجة اللغوية العصبية (2-3) / البرمجة اللغوية العصبية (3-3)

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10-27-2011, 04:44 PM
عبد الحق السلفي عبد الحق السلفي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 39
افتراضي

مما أذكره من قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بالمعنى:

" الإرادة الجازمة مع القدرة لتامة توجب وقوع المقدور " .اهـ

طبعا وهذا المقدور بإذن الله تعالى.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10-27-2011, 08:01 PM
خليل بن شحادة آل عباس خليل بن شحادة آل عباس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: لبنان
المشاركات: 765
افتراضي

هناك طبيب صديقي عنده ولدان وقد كرس حياته لهما ولتعليمهما وأرسل الأكبر منهما إلى أمريكا من صغره ليدرس هناك وصرف من وقته وجهده وماله الشيء الكثير.. هذا الشاب بدأ يعجب بنفسه ولم يكن راضيا أبدا عما وصل إليه وأراد أن يستغل طاقاته للحد الأقصى حتى نما إلى علمه هذه الأساليب الخبيثة وظن أنه قادر على أن يصبح رجلا خارقا بفضلها والعياذ بالله، وبدأ يطبق هذه التمارين العصبية على نفسه فكانت النتيجة أن تدمر جهازه العصبي بالكامل ويبقى شارد الذهن لا يستطيع التركيز على أي شيء أو فعل أي شيء.. وترك الجامعة ومشفى أبيه وبقي ملازما لأمه أو أبيه لحاجته للعناية والرقابة الدائمة ولم ينفع معه علاج الأطباء لأنها حالات لا سابق لها في الطب العصبي والنفسي.. وشاء الله أن ألتقي بهذا الشاب وحكى لي ما فعله وما يشعر به فذكرته بالله ونبهته إلى ضرورة التوحيد وإلى ضرورة الاستعانة بالله وحده وأن يداوم الصلاة والدعاء والتضرع لله وحده لا شريك له لعل الله أن يشفيه مما أصاب نفسه فيه فاستجاب والحمد لله.. وبعد عدة أشهر أخبرني أبوه أن حاله في تحسن والحمد لله حتى أنه استطاع السفر إلى دبي ويعود إلى عهده السابق تدريجيا والفضل لله وحده.. أسأل الله أن يثبته وأن يهديه وجميع أبناء المسلمين وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن..
__________________
قال الإمام الذهبي : "وأكثر السلف على أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة"



تفضلوا بزيارة موقعي: "بلغوا عني ولو آية":


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.



To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 10-27-2011, 09:31 PM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو الحارث باسم خلف مشاهدة المشاركة
(والإرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المراد ووجود المقدور عليه منه، فالعبد إذا كان مريداً للصلاة إرادة جازمة مع قدرته عليها صلى، فإذا لم يصل مع القدرة دل ذلك على ضعف الإرادة.
وبهذا يزول الاشتباه في هذا المقام)
هذا مع انتفاء المانع ، فقد تكون هناك إرادة جازمة مع القدرة ، و لكنّه يوجد مانع، هذا الكلام عن القاعدة لا عن الأمثلة ، و الله أعلم.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 10-30-2011, 05:00 PM
أبو محمد رشيد الجزائري أبو محمد رشيد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القبة - الجزائر
المشاركات: 419
افتراضي


بارك الله فيكم جميعا


قال أخي الفاضل :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الحق السلفي مشاهدة المشاركة
مما أذكره من قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بالمعنى:

" الإرادة الجازمة مع القدرة لتامة توجب وقوع المقدور " .اهـ

طبعا وهذا المقدور بإذن الله تعالى.
قلنا أن أهل البرمجة " يهولون من قدرة الإنسان ويغفلون قدرة الله " وهذا القول منهم إذا لم يكن لإلحادهم فهو قائدهم إلى الضلال والخروج عن معتقد أهل السنة والجماعة .
قال الشيخ محمد صالح العثيمين - رحمه الله - في " رسالة في القضاء والقدر " :
" والأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا : أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وإنما هو مسير لا مخير كالشجرة في مهب الريح ، ولم يفرقوا بين فعل العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره . ولا شك أن هؤلاء ضالون لأنه مما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري

القسم الثاني : غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد إلا بعد أن يقع منهم وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيماً في إثبات قدرة العبد واختياره .

القسم الثالث : وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي وقالوا إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى- من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وإنبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها مشيئة وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .

القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها وإرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك إليهم قال الله تعالى :(لمن شاء منكم أن يستقيم ) (التكوير :28) وقال تعالى(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران 152) وقال تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 ) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك .

وكذلك الإنسان يعرف أنه إذا أصيب بمرض سلس البول فإن البول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليماً من هذا المرض فإن البول يخرج منه باختياره . ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما . وهكذا جميع ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو باختيار العبد ولكن لا يلحقه منه شيء كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف :( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف : 18 ) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لان النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله ، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول صلى الله عليه وسلم ( من نسى وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )[رواه مسلم، كتب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر رقم (1155)]

فنسب هذا الإطعام وهذا الإسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون الألم هذا ناشئاً من فعل هو الذي اكتسبه أو هذا الفرح ناشئاً من شي هو الذي اكتسبه وهذا الأمر ولله الحمد واضح لا غبار عليه .

... فهو لا يدرى [أي الإنسان] هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟ فما باله يسلك طريق الضلال ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول أن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم ؟ أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة وقدريا عند الطاعة كلا لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية فإذا ضل أو عصى الله قال هذا أمر قد كتب علي وقدر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله وقدر . وإذا كان في جانب الطاعة ووفقه الله للطاعة والهداية زعم أن ذلك منه ثم منّ به على الله وقال أنا أتيت به من عند نفسي فيكون قدرياً في جانب الطاعة جبرياً في جانب المعصية هذا لا يمكن أبداً فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق وبأخفى من أبواب طلب العلم . والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قدر له ما قدر من الرزق ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً لا يجلس في بيته ويقول إن قدر لي رزق فإنه يأتيني ، بل هو يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .من حديث ابن مسعود رضى الله عنه ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد )[رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة رقم (3208) ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه رقم ( 2643)].
فهذا الرزق أيضا مكتوب كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لزرق الدنيا ولا تعمل عملاً صالحاً لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم إن البابين واحد ليس بينهما فرق فكما انك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ومع ذلك فإن لك ما قدر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قدر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس إن يقدر الله الشفاء على يديه فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفي العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟

... بعد هذا نقول : إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره وأنه يقول كما يريد ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته وأنه سبحانه و تعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ولكنها مشيئة تابعة لحكمته لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ...

ومراتب القضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة أربع مراتب :
المرتبة الأولى : العلم ...
المرتبة الثانية : الكتابة ...
المرتبة الثالثة : المشيئة ...
المرتبة الرابعة : الخلق
أي أن نؤمن بأن الله تعالى خالق كل شي فما من موجود في السماوات والأرض إلا الله خالقه حتى الموت يخلقه الله تبارك وتعالى وان كان هو عدم الحياة يقول الله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك : 2] فكل شيء في السماوات أو في الأرض فإن الله تعالى خالقه لا خالق إلا الله تبارك وتعالى وكلنا يعلم أن ما يقع من فعله سبحانه وتعالى بأنه مخلوق له فالسماوات والأرض والجبال والأنهار والشمس والقمر والنجوم والرياح والإنسان والبهائم كلها مخلوقات الله وكذلك ما يحدث لهذه المخلوقات من صفات وتقلبات أحوال كلها أيضا مخلوقة لله عز وجل .
ولكن قد يشكل على الإنسان كيف يصح أن نقول في فعلنا وقولنا الاختياري انه مخلوق لله عز وجل . فنقول نعم يصح أن نقول ذلك لأن فعلنا وقولنا ناتج عن أمرين :
أحدهما : القدرة
والثاني: الإرادة

فإذا كان فعل العبد ناتجاً عن إرادته وقدرته فإن الذي خلق هذه الإرادة وجعل قلب الإنسان قابلاً للإرادة هو الله عز وجل وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل ويخلق السبب التام الذي يتولد عنه المسبب نقول إن خالق السبب التام خالق للمسبب أي أن خالق المؤثر خالق للأثر فوجه كونه تعالى خالقا لفعل العبد أن نقول فعل العبد وقوله ناتج عن أمرين هما :
1ـ الإرادة
2ـ القدرة

فلولا الإرادة لم يفعل ولولا القدرة لم يفعل لأنه إذا أراد وهو عاجز لم يفعل لعجزه عن الفعل وإذا كان قادرا ولم يرد لم يكن الفعل فإذا كان الفعل ناتجا عن إرادة جازمة وقدرة كاملة فالذي خلق الإرادة الجازمة والقدرة الكاملة هو الله وبهذه الطريق عرفنا كيف يمكن أن نقول إن الله تعالى خالق لفعل العبد وإلا فالعبد هو الفاعل في الحقيقة فهو المتطهر وهو المصلي وهو المزكي وهو الصائم وهو الحاج وهو المعتمر وهو العاصي وهو المطيع لكن هذه الأفعال كلها كانت ووجدت بإرادة وقدرة مخلوقتين لله عز وجل والأمر ولله الحمد واضح .
وهذه المراتب الأربع المتقدمة يجب أن تثبت لله عز وجل وهذا لا ينافى أن يضاف الفعل إلى فاعله من ذوى الإرادة ...
" انتهى

رابط الرسالة كاملة :
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_16973.shtml

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:09 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.