السلفية...وتنوّع المفاهيم-رداً على مقال في صحيفة(العرب اليوم)-الأردنية-!

**علي بن حسن الحلبي** · #1 04-17-2012, 08:13 AM

السلفية...وتنوّع المفاهيم!

طالعتُ ما كتبه الكاتب الأردني الأستاذ موفق محادين-وفقه الله-في صحيفة (العرب اليوم)-الأردنية-،بتاريخ:(6/2/2012)، تحت عنوان:(السلفية)..
وقد افتتح الأستاذ الفاضل مقاله بقوله:
(السلفية هم أنصار السنة المحمدية ، وأهل الحديث -وفق فهم السلف الصالح للكتاب والسنة-.
والسلف الصالح هم من كانوا في القرون الثلاثة –ومنهم: الائمة الاربعة-.
وفي الحديث النبوي: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"..)..
وهي فاتحةٌ (موفقةٌ) -منه -بحمد الله-فجزاه الله خيراً-.
ثم تطرّق الأستاذ الكاتب إلى ما عبّـر عنه بـ (أفكار السلفية)؛ مُلَخِّصاً الكلام حول ذلك بثماني نقاط، ثم أضاف إليها نقطتين أخريين حول(ابن تيمية)،و(محمد بن عبد الوهاب)-رحمهما الله-...
ومجال النظر ، والبحث ، والتعقيب –في (جميع)ما ذَكَرَ الكاتبُ الفاضلُ-كبير ، وكثير-حيث تكلم -باعتصار واختصار!-حول(علم الحديث)،و(الكلام)،و(الرأي)،و(توحيد الربوبية)،و(الاجتهاد والتقليد)،و(الآحاد والمتواتر)،و(التعطيل والتشبيه)،و(المنطق الأرسطي)، و..، و..، و..-وهي-كلها-مواضيع شائكة ودقيقة! ، ولكني لن أطرق-الساعةَ-إلا ثلاثة مواضيع ؛لشدة حساسيتها –علمياً، وواقعياً-:
الأول : قول الأستاذ موفق –من ضمن ما قال-:( حسب الشيخ محمد ناصر الدين الالباني –أيضاً-؛ فليس للمسلمين إلا جماعة إسلامية واحدة تجمع البر والفاجر, العابد والعاصي..
و: رفض الامارة, فالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين برهم وفاجرهم ، وحسب الحديث: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي"..)..
قلت:وفي هذا الكلام ما فيه!
فكلام الشيخ الألباني –في هذا الباب-من أدق الكلام ، وأصحّه ، وأصرحه ؛بل إن أكثر من يعاديه-ويطعن فيه- من الإسلاميين(!)-اليوم- إنما هو بسبب هذه المسائل-وما إليها-؛فكلامُه في نقض كلام التكفيريين-المكفّرين لحكام المسلمين-أكبرُ من أن يحـصر –وقد طارت به الرُّكبان في كل مكان-.
وهو الباب -نفسُه- الذي نفذ منه مخالفوه-أولئك-في (رفض الإمارة!)، وأن (ليس للمسلمين إلا جماعة إسلامية واحدة!)-وهو ما كان يعارضهم فيه ، ويناقضهم به-!!
[نعم-للأمانة ،والإنصاف، والتاريخ-؛ أقول:
كان للشيخ الألباني-رحمه الله-قديماً-رأيٌ(فقهي)-لا(عقائدي!!)-انتبه!-(قريبٌ) مما هنا ؛ لكنه تراجع عنه (فقهياً) في آخر سنيّ حياته-تغمده الله برحمته-كما شرحتُه –مفصّلاً- في كتابي"مسائل علمية في الدعوة والسياسة الشرعية"-الذي طُبع قبل نحو خمسة عشر عاماً-وبمراجعة الشيخ الألباني -نفسِه-].
الثاني : قول الأستاذ موفق-عند كلامه عن ابن تيمية-،بأنه:(واحد من المجتهدين الكبار في اعتبار الإسلام "دار حرب" بالدرجة الأولى ، وإجازة قتال كل طائفة خرجت على شريعة من شرائع الاسلام, وكذلك قتال المغول والتتار -بعد إسلامهم- )!
قلت:
وفي هذا الكلام-على اختصاره!-قَدْرٌ من الخلط!
فإن لشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-من التأصيل المنضبط حول (دار الحرب)-وما إليها-ما يجعله متميزاً -جداً-فيما قاله عمّن قبله، وعمّن بعده ؛ ذلكم قوله فيما سماه :(الدار المركّبة) ، وفيها يقول-جواباً لمن سأله عن بلد (ماردين)-التي استولى عليها الكفار-أيامئذ-:" وأمَّا كَوْنها (دَارَ حَرْبٍ)، أَوْ (سِلْمٍ) ؛ فَهِيَ (مُرَكَّبَةٌ) -فِيهَا المعْنَيَانِ-؛ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ (دَارِ السِّلْمِ)- الَّتِي يجرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ-؛ لِكَوْنِ جُنْدِهَا مُسْلِمِينَ، وَلا بِمَنْزِلَةِ (دَارِ الْحَرْبِ)- الَّتِي أَهْلُهَا كُفَّارٌ-، بَلْ هِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ : يُعَامَلُ المسْلِمُ فِيهَا بِما يَسْتَحِقُّهُ ، وَيُقَاتَلُ الخارِجُ عَنْ شريعَةِ الإِسْلامِ بِما يَسْتَحِقُّهُ..)-إلى آخر ما وضّح ، وشرح ، وفصّل-رحمه الله-في كلام دقيق-جداً-.
وأمّا كلام الأستاذ موفق حول (قتال المغول والتتار -بعد إسلامهم-!) ؛ فهو غلط-أيضاً-؛ وبيان ذلك في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -نفسِه-فيهم-؛حيث قال:(... فَهُمْ يَدَّعُونَ دِينَ الإِسْلامِ ، وَيُعَظِّمُونَ دِينَ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ عَلى دِينِ المسْلِمِينَ ، وَيُطِيعُونهمْ ، وَيُوَالُونهمْ أَعْظَمَ –بِكَثِيرٍ- مِنْ طَاعَةِ الله وَرَسُولِهِ وَمُوَالاةِ المؤْمِنِينَ ، وَالحكْمُ فِيما شَجَرَ بَين أَكَابِرِهِمْ بِحُكْمِ الجاهِلِيَّةِ، لا بِحُكْمِ الله وَرَسُولِهِ.
وَكَذَلِكَ الأَكَابِرُ -مِنْ وُزَرَائِهِمْ -وَغَيرهِمْ- يجعَلُونَ دِينَ الإِسْلامِ كَدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى..
وَبِالجمْلَةِ: فَما مِنْ نِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ وَإِلحادٍ إلا وَهِيَ دَاخِلَةٌ في أَتْباع التَّتَارِ؛ لأنهمْ مِنْ أَجْهَلِ الخلْقِ وَأَقَلِّهِمْ مَعْرِفَةً بِالدِّينِ، وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ اتِّبَاعِهِ ،وَأَعْظَمِ الخلْقِ اتِّبَاعًا لِلظَّنِّ وَمَا تهوَى الأنْفُسُ.....)..-إلى آخر ما قال -من بديع القول والمقال-...
الثالث: قول الأستاذ موفق –في آخر كلامه في مقاله-:( فالسلفية -مثل تيارات عديدة- تضم من يدعو إلى السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين, ومن يدعو للخروج عليهم... ، ومن يكفر الناس بالجملة -وهكذا-).
قلتُ:
السلفيةُ الحقةُ النقيّةُ تُعرف بعلمائها وكُبرائها -تسلسلاً تاريخيًّا موصولاً-؛ لا بأدعيائها-المخالفين علماءها، المنقطعين عنهم، الطاعنين بهم-، فضلاً عن المتسربلين لَبُوسَها –المنتسبين بغير حق إليها –وهم في هذا الزمان (!)-زمان السياسة! والفضائيات ّ! وما سُمِّي بـ(الربيع العربي!)-ليسوا بالقليل!-!
أ-أما (مَن يدعو للسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين)-ضمن الأصول الشرعية ، والقواعد المرعية-؛ فهم -والحمد لله- جماهيرُ السلفيين-قديماً وحديثاً-بعيداً عن تكفير الحكام ، بل تحذيراً وتنفيراً من ذلك-وما يُبنى على ما هنالك-.
والأدلة -والشواهد-على هذا التأصيل- لا يستوعبها مقالٌ، ولا مقالاتٌ.
ب-أما ( مَن يدعو للخروج على ولاة أمر المسلمين )؛ فليس هذا من السلفية في شيء ؛ فهو إما خارجيٌّ متسرعٌ أرعن ، أو جاهلٌ تصدّر وما تمكّن ، أو متأوّلٌ غلط فما أحسَنَ!
وكلام علمائنا السلفيين-وهم أشهرُ من أن يجهلهم العامةُ والخاصةُ-من قبل ومن بعد-في هذا الأصل-كبيرٌ وكثيرٌ...
[وفي الختام أقول:
مَن فهم (السلفية)- تفريعاً أو تأصيلاً ، جملة أو تفصيلاً -على غير ما فهمها علماؤها ، وبيّنه كبراؤها –سواء أكان من المنتسبين إليها! أو البعيدين عنها!-؛ فهو مخطئٌ-أولاً-، وناسِبٌ إليها ما ليس منها -ثانياً-.
....وكم وكم قلنا –وأكّدنا وكرّرنا-: (الدعوة السلفية دعوة الإيمان ، والأمن ، والأمان) -للإنسان والأوطان-!
وبالله التوفيق-وهو -وحده-المستعان].

تنبيه:

الفقرات التي جعلتها -هنا- بين معقوفتين [ ] : لم توردها الصحيفة - نفسها - في عددها الصادر أمس!