أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
79190 73758

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-29-2011, 01:28 AM
خالد الجزائري خالد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
افتراضي منهج تحليل الواقع بالاستعانة بالتاريخ - لشيخنا مختار طيباوي

منهج تحليل الواقع بالاستعانة بالتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحقيقة الموجودة و الحقيقة المقصودة ، الواقع و المشروع، الواقع يجب معرفته و الصدق في الإخبار عنه ، و على أساسه يستدعى الشرع لنقل الناس من الحق الموجود إلى الحق المقصود.

الأساس الأول لدراسة الواقع المعاصر هو دراسة التاريخ بالنقد الداخلي و الخارجي ، أي التحقق من الأسانيد و الوثائق ثم التحقق من الوقائع المشابهة بعرضها على عللها و المقارنة بينها وبين الواقعة العصرية.

إنه العلم بالوجود العيني و الثبوت العلمي ، العلم بالواقع علما دقيقا محيطا بالشروط الراهنة ، وبمختلف مراكز التأثير فيه ، ثم الإخبار عنه بصدق لأن من الناس من يجحد الحقائق ، ومنهم من يجهل العلم بها ، ومنهم من يجعلها تابعة لاعتقاده : تمنياته وخياله ورغباته.

فهذه آفات المنهج العلمي في تحليل الواقع وتقييم شروط تغييره:

1 ـ عدم معرفة حقيقية ما الناس عليه (الوجود العيني) من عقيدة وثقافة وفكر وعادات وتوجهات و تطلعات تسير في اتجاه تغيير الواقع نحو المقصود بها شرعا أو مجرد إعادة ترتيب الواقع الموجود فهو اختلال زمني لشروط تغيير هذا الواقع.

2 ـ العلم بما بعث الله به رسوله لتغيير الناس [ هذا الثبوت العلمي] ، فيعلم الوجود العيني و الثبوت العلمي ، كما قال تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم}. (العلق)
أي العلم بسنن الله في خلقه ، في الشعوب و الدول ، في مراد الله من خلقه وطرق تحقيقه وسائل وجوده وطرق دفع موانعه. و قال تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم}.

فالشطر الأول أو الخطوة الأولى في هذا المنهج العلمي هو معرفة أخبار الأمم المتبعين للرسل و المخالفين لهم ، و عاقبة هؤلاء وهؤلاء ، كان له في ذلك عبرة و حجة توافق القرآن ، وهنا يلتقي الوجود العيني مع الثبوت العلمي ، يلتقي الواقع الموجود ليخدم الواقع المقصود ، تلتقي الحقيقة الكونية لتخدم الحقيقة الدينية.

إنه باختصار: إدراك حركية ودينامكية التاريخ ، ومعرفة السنن و القوانين التي تدير هذا التاريخ ، إدراك مغاير للعبثية والارتجال في فكر وتصور بعض الدعاة ، ومغاير لمدارس النقد التاريخي المعاصرة سواء كانت جدلية مادية تقول بصراع الطبقات ، أو مثالية تقول بمركزية الفكر و التصور في تقرير الحقائق التاريخية.

فهذا إدراك لنقاط التقاء التاريخ بالواقع بمنظور المنهج الرباني النبوي الإسلامي التاريخ فيه يسير في دورات ، تخلف كل دورة دورة أخرى ، على مبدأ: { وتلك الأيام نداولها بين الناس}.

هذا إدراك للواقع و التاريخ ينطلق من خلال الآيات القرآنية ، إنه الاعتبار التاريخي للتحكم في سننه التي يناط بها التغيير ، فمعرفة سبب اندثار الأمم ، ونحن إذا نظرنا في تاريخ البشرية وجدنا الأسباب متعددة و متنوعة ، و بالتالي نجتنب هذه الأسباب فيحصل الاعتبار ، وتحصل لنا الحجة العلمية التي توافق القرآن.

ودراسة التاريخ تحتاج إلى معرفة مذاهب الناس و مقالاتهم و دياناتهم و مللهم و نحلهم و آرائهم ، لمعرفة مدى ما كانوا فيها تابعين للرسل أو مخالفين لهم.

وحتى لا يتأثر الاعتبار و القياس ، و بالتالي تضبط سنن التاريخ يجب الحياد في هذا السرد ، ومركزية التاريخ التي نقيس عليها الأحداث التي يسردها المؤرخون هي أحوال الأنبياء الثابتة في القرآن ، والأخبار الصحيحة ، فهذه معيار النقد الخارجي،وعليها يكون البناء و التطلع للمستقبل ، فالشأن في تمييز الصدق من الكذب و الاعتبار بالصدق فيها كما قال تعالى :{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى} فدل على أن فيما يقصه الناس في تواريخهم و مقالاتهم و مذاهبهم ماهو مفترى لا حقيقة له.

فالاعتبار بالتاريخ يجب أن يخضع لعملية تمييز بين الحقائق الثابتة ، و بين الأساطير و الخرافات و الحكايات المنسوجة ، إما لخدمة أغراض سياسية أو طائفية دينية ، فالتاريخ وهو من الأقوال يخضع للصدق و الكذب ، و الاعتبار يكون بالصدق فقط.

والخطاب الاعلامي المعاصر بشقه السياسي و الثقافي فيه كثير من الكذب يضلل المحلل ، ويبيع له الأحلام و الأوهام من خلال بث صورة مفبركة مضخمة بتعليقات خارج زمن الحدث ، فتراه ينسى مشروعه وتصوره ويجري خلف السراب .

الخلاصة:

يمكن تلخيص هذه القاعدة حول الوجود العيني و الثبوت العلمي في عبارة أخرى هي فقه الواقع و معرفته و معرفة أسبابه و مشاكله ، فهذا عين الوجود العيني ثم تطلب ما يشبهه في التاريخ لمعرفة كيف جاء ، و كيف انتهى ، و ما هي العوامل التي أزالته؟ ثم مطابقة ذلك مع الثبوت العلمي إلى الحقيقة الشرعية.

وعليه يتبين أن الإخلال بإدراك الواقع لا ينفع معه العلم الشرعي ، بل قد يكن العلم الشرعي من عوامل الفرقة و الاختلاف لأنه حينئذ لن يعتبر المقاصد ليتحرك وفق فقه المصالح و المفاسد ، بل سيكون ظاهريا ظرفيا ، و يزيد الأمور تعقيدا بدلا من أن يحلها.

فمدار النهضة الإسلامية في مجال الإصلاح الشامل على عاملين اثنين:

1 ـ الفقه في الدين ، فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، والفقه في الدين ليس هو علم الأحكام كما قد يظنه بعضهم ، ولكن معرفة الله كما عرف نفسه لأنبيائه وعباده ، في كتابه و في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، المعرفة التي يشهدها القلب ، ويعبر عنها السلوك اليومي الاجتماعي و العلمي ، ثم بعد ذلك معرفة أمره و نهيه أي شريعته.

2 ـ ومع ذلك فليس هذا كافيا للداعية حتى يكون فقيها لدين الله في فهم طبيعة النفس البشرية ، وطبيعة البشر و عاداتهم و شبهاتهم و شهواتهم ، فقيها بأحوالهم وواقعهم ، يسوسهم بلطف ورفق بحسب حاجاتهم و بحسب ما يقدرون عليه.

فاستعمال العالم الداعية لوسائل العصر يمكنه من معرفة حركية المجتمع ، ووعيه الجماعي ، و مكنونات مجالاه اللاشعوري ليخطط لدعوته ، ويوفر لها أسباب النجاح.

فالفقه في الدين هو الفقه لأسباب الهدى و أسباب الضلال، هو معرفة ثقافة الناس وما عندهم من العلم و تقييمه ثم تمحيصه ، فيستعمل الصحيح الجيد منه للتدليل على دين الله و شرعه.

لقد أصبح خطاب بعضنا خاليا من أي تحليل تاريخي ، أو اعتبار لمجريات التاريخ والوقائع المشابهة ، وكيف تعامل معها أهل العلم في زمنهم ، لقد أبهرتنا اللحظة ولم نتعود التفكير العميق ، ومرة أخرى سيفرض علينا الواقع الجديد شروطا جديدة ، وعلينا بحكم الضرورة المدافعة بما يتجاوب معها .

إن الفكر العلمي الذي يجتنب الرخاوة في التحليل هو الذي يطرح باستمرار السؤال عن الشروط النظرية و العملية لصلاحية أو عدم صلاحية أي مشروع له هدف معرفي أو اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي ، أوديني شامل لكل ذلك.

فإذا كانت الشروط الراهنة بمثل هذه السلبية، و الصورة مزيفة ، فهذا يعني أن عناصرالواقع في شكله الحالي لن تقوم بأية نهضة حقيقية ، لأنه بكل بساطة لا يستطيع أن يحافظ على إيقاع منتظم في التقدم و الإصلاح ، أو قل هو لن يصلح شيئا ما إلا للحفاظ على آخر فاسد.

ربما يقضي الله لهذه الأمة الخير من حيث لا تحتسب فإنه ولي كل خير وعلى كل شيء قدير.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.