أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
8715 98954

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-12-2010, 01:28 AM
أبو الأزهر السلفي أبو الأزهر السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,172
افتراضي من روائع المقالات: (( اكتملت الصورة.. فلماذا تمزقها ؟! ))

لماذا نجد الطالِبَ المبتدئ كثيرًا ما ينكر على الشيخ المتمَرِّس دليلَه قائلاً: إنه لا حجة فيه؟

أو يقول له: لا دليل عليه؟
السبب في ذلك أنَّ الشيخ المتمرس ينظر إلى الصورة الإجمالية، والطالب المبتدئ ينظر إلى التفاصيل منفردةً!

هل تَعرف لُعْبَةَ تكوين الصورة (puzzle
تخيَّلْ أنَّ هناك صورةً كبيرةً تتكون مِن آلاف القطع الصغيرة، وأنَّ وضْع هذه الأجزاء الصغيرة في أماكنها الصحيحة يُعْطِي الصورةَ الكاملة.

هل تخيَّلْتَ ذلك؟
الآن اعلَمْ أنَّ الفرْقَ بين الشيخ المتمرِّسِ والطالب المبتدئ: أنَّ الأول يَرى القِطَعَ مرتَّبةً ترتيبًا صحيحًا، والثاني يَراها أجزاءً منفردةً لا رابطَ بينها.

فإذا كانت الصورةُ - مثلاً - لمنظر طبيعيٍّ به بَحْرٌ وشمس وشجر وسحاب، فبإمكان الشيخ المتمرس أنْ يعْرِف أنَّ الشمس أعلى من السحاب، وأنَّ السحابَ أعلى من الشَّجر، وأن الشجر أعلى من البحر، وهكذا.

ولكنك تجد الطالبَ المبتدئ يسارع متحفِّزًا فيقول: ما الدليلُ على أنه يوجد سحاب فوق الشجر؟ أتحدَّاك أن تعطيَنِي دليلاً على ذلك، وهاك الأدلةَ كلَّها (أي قِطَع الصورة منفردةً) فأتني بدليل واحد يدل على ما تقول.

ولا شك أنه لا توجد قطعةٌ منفردةٌ تدل على ذلك دلالةً واضحةً؛ وإنما جاءت الدلالة مِن النظرة الإجمالية للقِطَع كلِّها إذا رُتِّبت في مكانها الصحيح.

الآن ننظر من جهة أخرى، فنقول:
تخيل أن الشيخ المتمرس لم يَضَعْ كلَّ القطع في مواضعها؛ وإنما وضع 75% منها فقط، فإنه من المعقول أن نفترض أنه يمكنُه تخمينُ كثير من الباقي، إن لم يكن جميعَه؛ لأن القطع الموجودة تدلُّ على المفقودة، وكذلك فإنه مِن المعقول أن نفترض أنَّ الشيخ بإمكانه معرفةُ أن هذه القطعةَ موجودةٌ في غير مكانها الصحيح؛ لأنها نشَازٌ في موضعها، ولا تتماشَى مع ما حولها، مع أن المبتدئ سيسارع ويقول: هذا ليس دليلاً.

مفهومُ الدليلِ عند الطالب المبتدئ معناه ما يمكنه هو أن يفهمه بعقله القاصر! ولا شك أنَّ هذا خلَلٌ كبير جدًّا في المنهجيَّة العلمية؛ لأنه من أسهل الأمور أن تقول: هذا ليس بدليل!

ولكن ما أدراك أن كلامك صحيح؟ وكيف تثق في صحة فَهْمِك أنه ليس بدليل، يعني إذا كان كبارُ العلماء، وفُحولُ العقلاء، وأئمةُ الحكماء يقولون: بل هو دليل، فما الفَيْصَلُ بين كلامك وكلامهم؟! ولماذا رَكَنْتَ إلى عقلك القاصر هنا، ولم تنظر إلى عقولهم التي هي - باعترافك - أكبرُ من عقلك؟!

لا تقل لي: إنَّ الفيصل بيننا هو الدليل؛ لأننا حينئذٍ نرجع من حيث بدأنا.

الشيخ المتمرس قد ينظر إلى القطعة في غير موضعها فيزيلها، ثم ينظر نظرةً كليَّةً إلى الصورة، فيرى أن الجهة اليمنى - مثلاً - تَميل ألوانها إلى الأصفر في الغالب، وكذلك القطعة التي في يده، فيضعها موضِعَها، فيَنْتَظِم الشكل في سلاسة.

وهكذا الناقد المحدِّث يقول: هذا الحديث مقلوبٌ، أو هو بالوَقْفِ أشبه، أو نحو ذلك مما يعرفه بنظرته الإجمالية، أما المبتدئ فيسارع إلى الإنكار، زاعمًا أن هذا الكلام لا دليل عليه، أو أنَّ فيه توهيمَ الثقاتِ بغير حجة!

نعم، ليس عليه دليل يمكنك أن تفهمه بعقلك الضعيف، وعِلمك القاصر، وهذا لا نُنَازِعُك فيه؛ ولكن النِّزاع في أنك تحصر الدليل في هذا.

وننظر من جهة أخرى، فنقول:
المتخصص في علم من العلوم يمكن أن نشبِّهه بمن تكون القطعُ المفردة عنده - في بعض أجزاء الصورة - أكثرَ من الباقي، فهو يستطيع أن يُعطي أحكامًا جيِّدةً في هذا الجزء دون غيره، أما العالِم المتفنِّن، فهو الذي يكون توزيع التحصيل لديه متقاربًا في الجميع، فتكون أحكامُه المتخصصةُ أقلَّ دقةً، وإن كانت أحكامه الإجمالية أدقَّ؛ لأنَّ رؤيتَه أوسع.

أما مقدار تَمَكُّن العالِم، فيُقاس بمدى قربه من الاكتمال التام للصورة، وهو ما لا يصل إليه أحد من الناس، ولكن من المتوقَّع أنَّ العالم لا ينبغي أن يُسَمَّى عالمًا، حتى يكون ما حصَّله من قطع الصورة أكثرَ مما لم يحصِّله؛ بحيث تتَّضِح له المعالِمُ الإجمالية.

وننظر من جهة أخرى، فنقول:
ينبغي للعالم ألاَّ يكون واسعَ الجهل بأحد الفنون؛ لأنَّ هذا قد يمثِّل فجوةً كبيرةً في الصورة، تُخِلُّ ببعض التصورات المهمة، بخلاف ما إذا كان يجهل كثيرًا من قطع الصورة المتناثرة؛ فإنه يستطيع توقُّعَها لما يَحْتَفُّ بها من قرائن.

يستطيع العالِمُ أنْ يحكم بأنَّ فلانًا لم يَلْق فلانًا؛ لأنَّ الأول في يمين الصورة، والثاني في يسارها، أما المبتدئ فيسارع بأن هذا لا دليل عليه، واللقاء ممكن، وقد اجتمعا في صورة واحدة، فلا مانع من لقائهما.

العالم يستطيع أن يستنبط الترتيب المنطقي لما في الصورة، فيقول: إن هذه القطعة قبل هذه القطعة، وهذا مقدَّم على هذا، وتلك أولى من هذه، ولكن المبتدئ يسارع فيقول: هذا لا دليل عليه.

العالم يستطيع أن ينفي وجود شيء في الصورة؛ لأنه ينظر نظرةً إجماليةً، فيعرف أن الصورة ليس فيها هرم مثلاً، وليس فيها سياراتٌ، وليس فيها أفيال، ونحوُ ذلك، أما المبتدئ فلا يمكنه ذلك إلا بالاستقراء التام لكل قطعة على حدَةٍ، وأيضًا لا يستطيع بَعدها الجزم؛ إذ لعل ما نفاه موجود مقسمًا بين قطعتين أو أكثر، أو لعله يسارع فينكر على من نفى قائلاً: هل أحطت علمًا بكل القطع؟!

العالم يستطيع أن يستنبط أنَّ هذا الرأس يستلزم جسمًا ويدين وقدمين، وأن تلك الكرةَ تستلزم تكملةً من اليمين واليسار، وأن هذه الشجرة تستلزم جذعًا وأصلاً، أما المبتدئ فهو بمعْزِل عن كل هذا.

العالم يستطيع أن يفهم المغزى الذي قَصده صاحبُ الصورة؛ لأنه ينظر إلى جملتها، فيعرف أنَّ الجزء الفلاني يُقصد به كذا، وغيره يُقصد به كذا، كما قال الخليل بن أحمد في الرجل الحكيم الذي دخل دارًا، أما غيره فيسارع بالإنكار، ويقول: ما دليلكم القطعي المنقول بالتواتر نصًّا لصاحب الصورة - أنه أراد هذه العلة؟!

وننظر من جهة أخرى، فنقول:
أما العالم المبتدع فهو يضع - ابتداءً - بعضَ القطع المتناثرة مقلوبةً، ثم بعد ذلك يجد نفسه مضطرًّا لوضع القطع الملاصقة لها مقلوبةً أيضًا؛ لتتلاءم مع البقية، فتجده يؤصِّل البدعةَ تِلْوَ البدعة، ويَحمله القولُ الفاسد على القول الفاسد، حتى يصيرَ إلى صورة مقلوبة تمامًا، أو مشوَّهة لا تمثِّل الحقيقة، ولذلك لا جَرَم يَظنُّ أنَّ الناس هم الذين يقلبون الحقيقة!

وإذا تخيلنا أنَّ كل عالم من العلماء اجتهد اجتهادَه الخاصَّ في تكوين الصورة، حتى وصل إلى رؤيته المتكاملة، فيمكننا أنْ نتخيَّل أن كلَّ هذه الصورِ اجتمعت كطبقاتٍ شفَّافةٍ فوق بعضِها، حتى نَرى مدى التَّواؤُمِ والتوافق بينها، وحينئذٍ فمِن المتوقَّع أننا سنَرى كثيرًا مِن الأماكن متطابقةً بين هذه التصوُّرات، وكذلك سنرى بعضَها مختلفًا، ويتفاوتُ الاختلاف من مكان إلى مكان، إلا أنه من المعقول أن نفترض أن الأجزاء المتَّفَقَ عليها صحيحةٌ ولا شك.

ويلوح لي أنَّ بعض قُرَّاء هذا المقال سيقولون: وما الدليل على أنَّ اتفاقَ هؤلاء صحيح؟

فإن ضحكْتَ الآن من هذا الكلام فقد فَقِهْتَ مقالي وفهمتَه على وجهه، أما إنْ قلتَ هذا القولَ، فأنصحك بإعادة قراءة المقال مرَّةً أخرى!

والله الموفِّق.



من روائع مقالات الفاضل أبي مالك العوضي -حفظه الله-.
المصدر: من هــنــــــــا
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-12-2010, 01:36 AM
أبو الأزهر السلفي أبو الأزهر السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,172
افتراضي

تصحيح خطأ في المقال في قوله:
(( ما الدليلُ على أنه يوجد سحاب تحت الشجر؟ ))
والصواب:
(( ما الدليلُ على أنه يوجد سحاب فوق الشجر؟ ))

الرجاء التصحيح في أصل المقال بناء على إشارة الكاتب في أثناء تعليقه على مقاله, وشكراً.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-12-2010, 01:44 AM
أبو الأزهر السلفي أبو الأزهر السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,172
افتراضي

قال الأخ الفاضل أبو مالك العوضي:
((قصة الخليل بن أحمد ذكرها الزجاجي في كتابه (الإيضاح في علل النحو)، وهذا نص كلامه:
"وذكر بعض شيوخنا أن الخليل بن أحمد رحمه الله، سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال: / (إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللتُ أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست، وإن تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارًا محكمة البناء، عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمةُ بانيها، بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا، سنحت له وخطرت بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هي أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها). وهذا كلام مستقيم، وإنصاف من الخليل رحمة الله عليه."))


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-12-2010, 02:08 AM
ابو هبة ابو هبة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 31
افتراضي

بارك الله فيك
مقال ممتاز
و قد اضحكتنا و الحمد لله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-12-2010, 06:53 PM
أبو الأزهر السلفي أبو الأزهر السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,172
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو هبة مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
مقال ممتاز
و قد اضحكتنا و الحمد لله
وفيك بارك الله..
وأضحك ربي سنك, وضحكك في هذا المقام دلالة على حسن الفهم -ولله الحمد-..
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-12-2010, 09:53 PM
ابو عمار العراقي ابو عمار العراقي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: العراق / الموصل
المشاركات: 182
افتراضي

مقال ماتع جدا وقريب من الواقع وتصور جميل .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-13-2010, 02:24 AM
أبو الأزهر السلفي أبو الأزهر السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,172
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عمار العراقي مشاهدة المشاركة
مقال ماتع جدا وقريب من الواقع وتصور جميل .
جزيت خيراً أخي أبا عمار على حسن المرور والتعليق..
وصدقت فيما قلتَ؛ وإني لما استحسنت المقال في نفسي استحسنت نشره وبثه خصوصاً في هذا المنبر الطيب, والله الموفق..
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:15 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.