أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
45911 74378

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 02-02-2010, 08:01 PM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
افتراضي

تعليق على التعليق
.......وهذا التدقيق في تعليق التعليق من أخ شفيق

وهذا نقض لدعوى التدقيق
1 - لم يدّعي أحد عصمة الشيخ
......وأنا لم ادعي هذا على احد فالشيخ يستدل له لا به

لا خلاف في هذا فجميعنا متفقون على أن العلماء يستدل لهم لا بهم إلاّ أنّ قولك (هذا اخي الكريم لا يجيره من الوقوع في الخطء) بعد تذكيري لك بمكانة الشيخ العلمية مشعر بأنّك تتهمني باعتقاد عصمة الشيخ فجاء الردّ لدحض هذه الدعوى

إلاّ أنني لا أعتبر كلّ من اعترض على الشيخ في جزئية قد أصاب الحق
...هذا كلام صواب وهو نسبي,

لست أدري ما وجه النسبية فيه فإما أن يكون صوابا وإما أن يكون خطأ أما دعوى النسبية فأرجوا أن لا تكوم ورثتها عن علم الكلام ولبيان ذلك نفترض أن كلامي غير صحيح ماذا ستكون النتيجة ؟؟؟ ترى أيعقل أنّك ممن يرى ( أنّ كلّ من إعترض على الشيخ مصيب ) ؟؟؟؟ عجبا لأمرك يا بدر الدين ....


ولكن قد يكون العكس هو الصحيح

يعني أعتبر ( كلّ من اعترض على الشيخ في جزئية قد أصاب الحق ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بل قد يكون اعتراضه ناتجا عن وهم
..... (الوهم هنا أخي الفاضل هل بالمعنى اللغوي أم الاصطلاحي, و هل استعملته بالتواطؤ أم بالاشتراك فان كان الأول فلم تفهم وجه اعتراضي وأنت على هذا معذور وان كان الثاني فالأمر اخطر ولا أظن هذا منك أخي الكريم )

كلامك سفسطة واضحة وكلامي بسيط وصريح فدعك من هذا فلا وقت عندي للهراء


أو يكون الاعتراض عن علم ولكن غير مطابق أو مطابق ولكنك لم تفهم أنت وجه الاعتراض

قد يكون هذا صحيحا وقد طالبتك بالدليل ولن تحقق لي أمنيتي حتى تثبت أنّ الشيخ يوافق المتكلمين في اعتبار المعنى الإصطلاحي الذي انتقده شيخ الإسلام رحمه الله

لا علاقة لكلام الشيخ به
.......هذا على حسب تصورك و فهمك للموضوع ثم معرفة ما له علاقة مما ليس له علاقة به

بل هو الحق الذي ليس وراءه غير الباطل ورمي الشيخ بما هو بريء منه

ولا متعلّق له بكلام الشيخ

......... بدون تكرار نقول فيه نفس الكلام السابق

كلامك مردود عليك
وهذه هي الحال التي نظرت بها إلى كلامك
......هل هذا الحال والنظرة عن علم أم فقط حسن ظن بالشيخ

كان يمكن أن تقول هذا لو أنّك أثبت أنّ الشيخ يستخدم المعاني الفاسدة التي يقصدها المتكلمون أمّا وانت عاجز عن ذلك فلا تعقيب لاعندي على كلامك

2 - أمّا عن وجه الصوّاب والخطأ فقد بيّنه الشيخ حفظه الله في هذا المقال
....أين هو أخي الفاضل
فأنا تكلمت عن قول الشيخ... "خشية القول على الله بغير علم، والخوض في حقائق ذاته وصفاته وأسمائه وتسليط الوهم والخيال عليها فأمر جد خطير" و "وسبق أن قلنا: إن الوهم والخيال لا يصلحان للمعرفة الصحيحة والعقيدة السليمة، والله هو الهادي إلى سواء السبيل"
فالوهم والخيال في الاصطلاح غير مفهومه في اللغة والمنفي في حق الله المعنى اللغوي ربما, دون المعنى الاصطلاحي

المعنى الإصطلاحي عند من أخي الفاضل ؟؟؟؟ أعند أهل السنة أم عند المتكلمين ؟؟؟ إن قلت عند أهل السنة قلنا بأن لا معنى عند أهل السنة غير المعنى المعروف عند العرب وإن قلت عند المتكلمين ففي ذمتك إثبات موافقة الشيخ لهم أما قبل ذلك فلا تعقيب

وفي غيره من مؤلفاته ومحاضراته
......والله بارك الله فيك لو تنقلها وتتحفنا بها

بل أكتفي بإحالتك إلى كتابه حول الصفات في مقدمة فصله الأوّل وستفهم الفرق بين قول أهل السنة وقول المفوّضة في صفات الله تعالى

ولو كلّف أخي نفسه عناء البحث لوقف على ما أقول
.... أي عناء أخي الكريم أكلف نفسي به,

هو عناء البحث والإجتهاد في تتبع كلام الشيخ لتخلص إلى نتيجة صحيحة يدعمها الدليل
وهل من الحكمة أن أدافع عن الله أم ابحث عن الأعذار لأين كان

الأولى هو الدفاع عن الحقيقة لا الدفاع عن العلماء والدعاة ولكن عندما يكون الإعتراض مبنيا على مقدمات صحيحة وصادقة لا أن يكون مجرّد دعوى لا تقوم على ساق فالأمر عندها يكون الدفاع عن الحق بالدفاع عن حملته

, وهل الشيخ محل تهمة حتى نبحث له عن الأعذار بارك الله فيك

أمّا هذه فغريبة أن تصدر منك يا صاحب الإعتراض ولعلّها صحوة ظمير
أم أنّا ندعي أن الشيخ لم يكن في هذا الموضع دقيق أو فهم صحيح ولم يعبر فصيح أو تكلم بالمشترك أو بالمعنى اللغوي في موضوع له اصطلاحاته الخاصة

1- هل يمكن أن نقول بأنّ هذا تراجع منك عن اتهام الشيخ ؟؟ ربمّا ...

2 - الشيخ عالم سلفي محقق ومدقق يشهد له كلّ من عرفه بأنه دقيق في اختيار ألفاظه ومصطلحاته وليس من ذنب الشيخ أن بدر الدين لم يفهم قوله أو حمله على مفهوم سيء مسيطر على تفكيره نتيجة حواراته السابقة هنا وهناك وليس للموضوع من اصطلاح خاص غير المفهوم من لغة العرب أمّا الإصطلاحات الكلامية فالقول فيها ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله ( والقرآن نزل بلغة العرب فلا يجوز حمله على اصطلاح حادث ليس من لغتهم لو كان معناه صحيحا فكيف إذا كان باطلا في العقل ) درء التعارض 6-7


وأكتفي بإحالتك إلى مشاركتي السابقة
....... هلّا تنقلها لنا بارك الله فيك, فقط إذا كانت تخص الموضوع الذي أثرته من فضلك

بل هي متعلّقة بما أثرته أنت حول الشيخ وجاء فيها (... فحقيقة الصفة وكنهها شيء ومعناها الذي يثبته السلف شيء آخر وهذه الجزئية هي التي وقع ويقع فيها من لم يفرّق بين منهج إثبات المعنى وتفويض الكيفية وبين من توهّم بعقله الفاسد دلالة النصوص على ما لا يليق بجلال الله ففر بجهله من جهله إلى ظلمات التعطيل والتجهيل ... ) وهو تعبير آخر عن قول الشيخ رحمه الله (إلا أنه لا يجوز أن يتجاوز العقل حدوده ويتجاهل وظيفته ويجمع في مجال الخيال الفاسد والأوهام الكاذبة، والخيالُ والأوهامُ لا يصلحان أساساً للعقيدة والمعرفة الصحيحة حتماً) وهذا نفسه هو كلام شيخ الإسلام رحمه الله إذ قال في مجموع الفتاوى الجزء الثالث (فصل في توهم كثير من الناس أن صفات الله تماثل صفات المخلوقين
وهو أن كثيرًا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير منها، أو أكثرها أو كلها أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه؛ فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:

أحدها: كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.

الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله بقيت النصوص معطلة، عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله. فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله. حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل. قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى.

الثالث أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم، فيكون معطلا لما يستحقه الرب.

الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات، فيكون قد عطل به صفات الكمال التي يستحقها الرب، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات. فيجمع في كلام الله، وفي الله بين التعطيل والتمثيل؛ يكون ملحدًا في أسماء الله وآياته، .... إلح
)
فها أنت ترى بأنّ ما تكلّمت به هو عين ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله وهو عين ما قرره العلامة الجامي رحمه الله فماذا لو جاء أحد مثلك وسلّط نفس فهمك على كلام شيخ الإسلام رحمه الله وقال في كلّ مرة صادف فيها لفظ (الوهم) أو لفظ (الخيال) ترى ماذا يقصد شيخ الإسلام ؟؟؟؟؟؟




3 - أمّا عن سؤالك عن الفرق بين حقيقة الصفة ومعناها فهو سؤال جيّد إذ ينبني عليه التفريق بين مذهب السلف ومذهب مفوّضة المتكلمين
..... الذي ينبني عليه الفرق بين مذهب السلف والمفوضة هو قولهم أن الأسماء التي تطلق على الله في القران والسنة لا نعلم معناها والمعنى الظاهر منها غير مراد, وليس الأمر كما تزعم

عجيب أمرك يا بدر الدين وكأني أكلّم أعجميا لا يفهم لغة العرب ... فهل يفرّق المفوّضة بين حقيقة الصفة ومعناها حتى تقول ( وليس الأمر كما تزعم) أليست هذه حجتهم عند مناظرة أهل السنة بحيث يجعلون الحديث عن الكيفية والكنه حديث عن معنى الصفة ؟؟؟ حقّا إنّ أمرك لعجيب ..

وإن كنت أرجيء الإجابة التفصيلية عليه إلى مقال لي قادم بإذن الله
أكتفي هنا بضرب هذا المثال البسيط حيث أن أخي بدر الدين يفهم معنى الروح
إلاّ أنّي لو سألته عن حقيقة هذه الروح لكان جوابه الله أعلم
فمن باب أولى إذا تعلّق الأمر بالصفات الإلهية
..... هذا الكلام غير صواب, وقياس مع فارق لان صفات الله كلامنا فيها ليس من جنس كلامنا في الروح

هذا من باب قياس الأولى يا بدرر الدين فدعك من اللخبطة والخلط المتعمّد ... قال شيخ الإسلام رحم الله (فصــل في معرفة أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه

وتمام الكلام في هذا الباب‏:‏ أنك تعلم أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه، فنحن نعرف أشياء بحسنا الظاهر أو الباطن، وتلك معرفة معينة مخصوصة، ثم إنا بعقولنا نعتبر الغائب بالشاهد، فيبقى في أذهاننا قضايا عامة كلية، ثم إذا خوطبنا بوصف ما غاب عنا لم نفهم ما قيل لنا إلا بمعرفة المشهود لنا‏.‏
فلولا أنا نشهد من أنفسنا جوعًا وعطشًا، وشبعًا ورِيّا وحبًا وبغضًا، ولذة وألمًا ورِضًا وسخطًا، لم نعرف حقيقة ما نخاطب به إذا وصف لنا ذلك، وأخبرنا به عن غيرنا‏.‏
وكذلك لو لم نعلم ما في الشاهد؛ حياة وقدرة، وعلمًا وكلامًا، لم نفهم ما نخاطب به إذا وصف الغائب عنا بذلك‏.‏ وكذلك لو لم نشهد موجودًا، لم نعرف وجود الغائب عنا، فلابد فيما شهدناه وما غاب عنا من قدر مشترك هو مسمى اللفظ المتواطئ‏.‏ فبهذه الموافقة والمشاركة والمشابهة والمواطأة نفهم الغائب ونثبته، وهذا خاصة العقل‏.‏
ولولا ذلك لم نعلم إلا ما نحسه، ولم نعلم أمورًا عامة ولا أمورًا غائبة عن أحاسيسنا الظاهرة والباطنة؛ ولهذا من لم يحس الشيء ولا نظيره لم يعرف حقيقته‏.‏
ثم إن اللّه ـ تعالى ـ أخبرنا بما وعدنا به في الدار الآخرة من النعيم والعذاب، وأخبرنا بما يؤكل ويشرب وينكح ويفرش وغير ذلك‏.‏ فلولا معرفتنا بما يشبه ذلك في الدنيا، لم نفهم ما وعدنا به، ونحن نعلم مع ذلك أن تلك الحقائق ليست مثل هذه، حتى قال ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ‏:‏ ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، وهذا تفسير قوله‏:‏ ‏{‏وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏25‏]‏ على أحد الأقوال‏.‏
فبين هذه الموجودات في الدنيا وتلك الموجودات في الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من بعض الوجوه، وبه فهمنا المراد، وأحببناه ورغبنا فيه، أو أبغضناه ونفرنا عنه، وبينهما مباينة ومفاضلة لا يقدر قدرها في الدنيا‏.‏ وهذا من التأويل الذي لا نعلمه نحن، بل يعلمه اللّه ـ تعالى ـ ولهذا كان قول من قال‏:‏ ‏[‏إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا اللّه‏]‏ حقًا، وقول من قال‏:‏ ‏[‏إن الراسخين في العلم يعلمون تأويله‏]‏ حقًا‏.‏ وكلا القولين مأثور عن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان‏.‏
فالذين قالوا‏:‏ إنهم يعلمون تأويله، مرادهم بذلك أنهم يعلمون تفسيره ومعناه، وإلا فهل يحل لمسلم أن يقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف معنى ما يقوله ويبلغه من الآيات والأحاديث‏؟‏‏!‏ بل كان يتكلم بألفاظ لها معان لا يعرف معانيها‏؟‏‏!‏
ومن قال‏:‏ إنهم لا يعرفون تأويله، أرادوا به الكيفية الثابتة التي اختص اللّه بعلمها؛ ولهذا كان السلف ـ كربيعة، ومالك بن أنس وغيرهما ـ يقولون‏:‏ الاستواء معلوم، والكيف مجهول‏.‏ وهذا قول سائر السلف ـ كابن الماجشون، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم‏.‏ وفي غير ذلك من الصفات‏.‏ فمعنى الاستواء معلوم، وهو التأويل والتفسير الذي يعلمه الراسخون، والكيفية هي التأويل المجهول لبني آدم وغيرهم، الذي لا يعلمه إلا اللّه ـ سبحانه وتعالى‏.‏
وكذلك ما وعد به في الجنة تعلم العباد تفسير ما أخبر اللّه به، وأما كيفيته فقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏17‏]‏‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏يقول اللّه تعالى‏:‏ أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذُنٌ سَمِعتْ، ولا خَطَر على قَلْب بَشَر‏)‏‏.‏
فما أخبرنا اللّه به من صفات المخلوقين نعلم تفسيره ومعناه، ونفهم الكلام الذي خوطبنا به، ونعلم معنى العسل واللحم واللبن، والحرير والذهب والفضة، ونفرق بين مسميات هذه الأسماء وأما حقائقها على ما هي عليه، فلا يمكن أن نعلمها نحن،ولا نعلم متي تكون الساعة‏؟‏ وتفصيل ما أعد اللّه ـ عز وجل ـ لعباده لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل هذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا اللّه ـ تبارك وتعالى‏.‏
فإذا كان هذا في هذين المخلوقين، فالأمر بين الخالق والمخلوق أعظم؛ فإن مباينة اللّه لخلقه وعظمته، وكبريائه وفضله، أعظم وأكبر مما بين مخلوق ومخلوق‏.‏
فإذا كانت صفات ذلك المخلوق مع مشابهتها لصفات هذا المخلوق، بينهما من التفاضل والتباين ما لا نعلمه في الدنيا ـ ولا يمكن أن نعلمه، بل هو من التأويل الذي لا يعلمه إلا اللّه تبارك وتعالى ـ فصفات الخالق ـ عز وجل ـ أولى أن يكون بينها وبين صفات المخلوق من التباين والتفاضل ما لا يعلمه إلا اللّه ـ تبارك وتعالى ـ وأن يكون هذا من التأويل الذي لا يعلمه كل أحد؛ بل منه ما يعلمه الراسخون، ومنه ما يعلمه الأنبياء والملائكة، ومنه ما لا يعلمه إلا اللّه‏.‏
كما روي عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ أنه قال‏:‏ إن التفسير على أربعة أوجه‏:‏ تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه، من ادعى علمه فهو كاذب‏.‏
ولفظ ‏[‏التأويل‏]‏ في كلام السلف لا يراد به إلا التفسير، أو الحقيقة الموجودة في الخارج التي يئول إليها‏:‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏53‏]‏‏..... إلخ‏
)





لان الكلام في الروح هو عن ثبوتها مع عدم إدراكنا لها

أي وجودها مع عدم إمكان إدراك حقيقتها -أي كما هي عليه في الخارج- أمّا معنى لفظ (الروح) فهو معلوم لجميع العقلاء ... أليس كذلك يا بدر الدين أم أنّك تجهل معنى لفظ (الروح) ؟؟؟
أما كلامنا عن الصفات هو في امكان فهم وعقل معناها وحقيقتها و امرار النصوص الثابتة فيها على ظاهرها عندنا وليس فقط إثبات وجود دون فهم لمعاني الصفات

غفر الله لك يا بدر الدين وأين رأيت في كلامي بأنني أقول بأن مذهب السلف في الصفات هو فقط إثبات وجود دون فهم لمعاني الصفات كما زعمت ؟؟؟ أرجوا أن تدلّني على الموطن الذي فهمت منه هذا الفهم الفاسد والذي يؤكّد لي مرة أخرى بأنّك ممن يجعل فهمه حكما عند الحوار فاحذر أن تكذب على الخصوم أو تقولهم ما لم يقولوه بل من البداية وأنا أقرر بأنّ الصفات يتعلق بها أمران :
1 / معنى الصفة في لغة العرب أي ما يؤخذ من اللفظة .
2 / ( كيفية الصفة )
فأهل السنة يثبتون الأول ويفوضون الثاني وهو معنى قول مالك رحمه الله ( الاستواء معلوم ) يعني معلوم في لغة العرب معناه فليست لفظة لها ظاهر وباطن أو تحمل معنى آخر غير معنى العلو والاستقرار المعروف من لغة العرب . ( والكيف مجهول ) يعني حقيقة وماهية وكيفية الصفة في حق الله تبارك وتعالى فهي مجهولة لا تعلم كيفيتها ... (عن مشاركة للأخ الفاضل حازم الكاتب)


فجميعنا نثبت لله ذاتا ونفهم معنى الذات إلاّ أننا نفوّض حقيقتها إلى المولى عزّ وجلّ

.....بل نفوض كيفيتها ونعلم حقيقة و معنى الذات ولك جولة قريبة مع شيخ الإسلام

يبدوا أنّك لا تفهم الفرق بين الحقيقة والكنه من جهة وبين معني الصفات من جهة أخرى أو لعلّك لا ترّ ين القة الذهنية المستفادة من المشترك اللفظي وبين الحقيقة في الخارج أي حقيقة تعلّق الصفة بالموصوف كما هي عليه في الخارج والتي لايمكن أن تكون إلاّبالمشاهدة والمعاينة. وقبل جولتي المزعومة مع شيخ الإسلام رحمه الله أتركك مع هذه النقل عن رحمه الله يبين لقصود بإذن له (وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات، وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة، ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة‏.‏
وبينا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة في الخارج، بخلاف الماهية التي في الذهن، فإنها مغايرة للموجود في الخارج، وأن لفظ الذات والشيء والماهية والحقيقة ونحو ذلك، فهذه الألفاظ كلها متواطئة‏
) وقال رحمه الله (والمعنى الثالث‏:‏ أن التأويل هو‏:‏ الحقيقة التي يئول الكلام إليها ـ وإن وافقت ظاهره ـ فتأويل ما أخبر اللّه به في الجنة ـ من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك ـ هو الحقائق الموجودة أنفسها، لا ما يتصور من معانيها في الأذهان، ويعبر عنه باللسان، وهذا هو التأويل في لغة القرآن، كما قال تعالى عن يوسف أنه قال‏:‏ ‏{‏وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏100‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 53‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏59‏]‏‏.‏
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا اللّه‏.‏
وتأويل ‏[‏الصفات‏]‏ هو الحقيقة التي انفرد اللّه ـ تعالى ـ بعلمها، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف ـ كمالك وغيره ـ‏:‏ الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فالاستواء معلوم ـ يعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة أخرى ـ وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا اللّه ـ تعالى‏.‏
وقد روى عن ابن عباس ـ ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه ـ أنه قال‏:‏ تفسير القرآن على أربعة أوجه‏:‏ تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه ـ عز وجل ـ فمن ادعى علمه فهو كاذب‏.‏
وهذا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏17‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يقول اللّه تعالى‏:‏ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عَيْن رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَر على قَلْب بَشَر‏]‏‏.‏
وكذلك عِلْم وقت الساعة ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا اللّه ـ تعالى‏.‏
وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به، ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏24‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏68‏]‏ فأمر بتدبر القرآن كله لا بتدبر بعضه‏.‏
وقال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ـ عثمان بن عفان، وعبد اللّه بن مسعود، وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا‏:‏ فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا‏.‏
وقال مجاهد‏:‏ عرضت المصحف على ابن عباس ـ رضي اللّه عنهما ـ من فاتحته إلى خاتمته، أقف عند كل آية وأسأله عنها‏.‏
وقال الشعبي‏:‏ ما ابتدع أحد بدعة إلا وفي كتاب اللّه بيانها‏.‏ وقال مسروق‏:‏ ماسئل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه‏.‏
وهذا باب واسع قد بسط في موضعه‏.‏
والمقصود هنا التنبيه على أُصول ‏[‏المقالات الفاسدة‏]‏ التي أوجبت الضلالة في باب العلم والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أُنزل إليه، ولا جبريل، جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى ولا بيانًا للناس‏.
‏)
وقد عقد رحمه الله فصلا بعنوان ( في معرفة أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه) قال فيه ( ...... وأما حقائقها على ما هي عليه، فلا يمكن أن نعلمها نحن،ولا نعلم متي تكون الساعة‏؟‏ وتفصيل ما أعد اللّه ـ عز وجل ـ لعباده لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل هذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا اللّه ـ تبارك وتعالى‏.‏ )وبهذا تمّ امقصود


وهكذا يتبيّن الفرق بين معنى الصفة وبين حقيقتها وكنهها
....وهل يوجد فرق بين هذه المصطلحات

أرجوا نتراجع ما تقدّم

وقد جاء في جواب الشيخ البراك حفظه الله عن شبهات المفوّضة قوله
السؤال الثالث:
إذا صح أن يقال في صفات مثل الحياة والقدرة والغضب والرضا أن السؤال عنها عيٌّ حيث إن المرء لا يستطيع أن يعبر عن معاني هذه الصفات الخاصة به
فهل يقال مثل ذلك في اليد والساق والضحك لاسيما وأن المرء يستطيع أن يعبر عن معاني هذه الصفات؟
السؤال كان عن صفات يستطيع المرء التعبير عنها وأخر لا يستطيع,
وبالتالي ما يستطيع التعبير عنه من الصفات -الخاصة بالسائل-, فالسؤال عنه ليس بعي
و مالا يستطيع التعبير عنه من الصفات -الخاصة بالسائل-, السؤال عنه عي
فالسائل هنا يتكلم عن صفاته وعجزه هو في التعبير عنها
فلم يقر الشيخ البراك التفريق المزعوم بين ما يمكن ولا يمكن التعبير عنه
فكان جوابه حفظه الله "لا نقول إن هذه الألفاظ لا يمكن التعبير عن معناها.
بل كل لفظ يمكن تفسيره إما بمرادفه أو بذكر ضده أو بذكر بعض آثاره وما يحصل به، والمقصود هو إفهام المراد وتقريبه."
الجواب:
.....باقي الجواب تأصيل في موضوع الصفات غير متعلق بالسؤال

السؤال عن هذه الصفات على وجهين؛ سؤال عن حقائقها
.....حقيقة الصفة ومعناها لهما نفس المفهوم عند الإطلاق, لان الله لما استعمل الألفاظ للتعريف به, تكلم بما هو مستعمل بيننا في التخاطب فحقيقة معنى هذه الصفات وما تدل عليه معلومة لدينا ومفهومة فمن يقول غير ذلك فعليه بالدليل

يعني .. لم يعد لهذه المسائل مصطلحاتها الخاصة ؟؟؟؟؟ فالأصل إذن هو أنّ الله خاطبنا بما كان مستعملا بين العرب وقت التنزيل ...

, أما إن كان المقصود من قولنا حقيقة ومعاني صفات الله أي الإدراك المطلق لها فغير ممكن , مثل أي بحث عن إدراك أي حقيقة ومعناها المطابق لها وهي غيب عنا فالجواب فيها يكون نفس الجواب في الله عز وجل فضلا أن له الكمال المطلق

والحمد لله ربّ العالمين فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما عن قول مالك فقد قال شيخ الإسلام فيه وبين أن معنى الصفة وحقيقة الصفة والامرار على الظاهر إبْقَاءَ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ شيء واحد ولم يقل بالتفريق بين معنى الصفة وحقيقة الصفة كما قال الأخ الفاضل والشيخ البراك في الظاهر
قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى - (ج 5 / ص 40-41)
(فَقَوْلُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَاقِينَ :
أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ فَإِنَّمَا نَفَوْا عِلْمَ الْكَيْفِيَّةِ وَلَمْ يَنْفُوا حَقِيقَةَ الصِّفَةِ . وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ قَدْ آمَنُوا بِاللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ - عَلَى مَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ - لَمَا قَالُوا : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَمَا قَالُوا : أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بَلْ مَجْهُولًا بِمَنْزِلَةِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ . وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إذَا لَمْ يُفْهَمْ عَنْ اللَّفْظِ مَعْنًى ؛ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إذَا أُثْبِتَتْ الصِّفَاتُ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَنْ يَنْفِي الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ - أَوْ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا - لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ بِلَا كَيْفٍ فَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ بِلَا كَيْفٍ فَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ نَفْيَ الصِّفَاتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمَا قَالُوا بِلَا كَيْفٍ . وَأَيْضًا : فَقَوْلُهُمْ : أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ يَقْتَضِي إبْقَاءَ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَاءَتْ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ ؛ فَلَوْ كَانَتْ دَلَالَتُهَا مُنْتَفِيَةً لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ : أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا غَيْرُ مُرَادٍ ؛ أَوْ أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ قَدْ أُمِرَّتْ كَمَا جَاءَتْ وَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ بِلَا كَيْفٍ ؛ إذْ نَفْيُ الْكَيْفِ عَمَّا لَيْسَ بِثَابِتِ لَغْوٌ مِنْ الْقَوْلِ .)
وكيفياتها
.......وهو الكيف فقط لان مالك قال الاستواء معلوم أي معلوم المعنى ومفهوم الحقيقة وخير دليل على هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية السابق
وهذا هو السؤال الذي قال فيه الإمام مالك: "والسؤال عنه بدعة"، لأنه سؤال عما لاسبيل إليه، ولا يمكن أحداً الجوابُ عنه........ والثاني سؤال عن معانيها، وهذه الصفات مع وضوحها لا يكون السؤال عنها إلاّ من متعنت متكلف، كالذي يسأل عن الماء والشمس والإنسان
....الشيخ هنا لم يفصح عن مفهوم المعنى في الصفات فضلا عن تفريقه بين حقيقة ومعنى الصفة بغير دليل
ولا نقول إن هذه الألفاظ لا يمكن التعبير عن معناها. بل كل لفظ يمكن تفسيره إما بمرادفه أو بذكر ضده أو بذكر بعض آثاره وما يحصل به، والمقصود هو إفهام المراد وتقريبه
...... الجواب عن سؤال السائل
ولاريب أن المسميات منها أمور معنوية مدركة بالعقل،
....إن كان يقصد الشيخ من الأمور المعنوية الحياة والقدرة والغضب والرضا فقد أخطاء لأنها تدرك بالحس الباطن لا بالعقل ولأنها ليست من قبيل الأوليات, ولا بالقياس أدركناها, بل بالإحساس بها في داخلنا عرفنها إلا إذا كان الشيخ يقصد بقوله " أمور معنوية" أمور أخرى لا ادري ما هي ولا أفصح هو عنها فضيلته فضلا عن السياق من المقيدات
وأمور حسية تدرك بالحس،
.....المهم أن كل ما جاء في السؤال هو من قبيل المحسوسات, فقط الفرق بين النوعين المذكورين في السؤال, هو انه منها المدرك بالظاهر و المدرك بالباطن
ومعلوم أن تصور الأمور المحسوسة أكمال من تصور الأمور المعقولة
....التعبير هنا من الشيخ غير دقيق
هذا ومن الأمور العقلية ما تكون معرفته والقطع به أعظم من المحسوس
.....مثل ماذا, الأوليات مثلا أم صفة الغضب, وهل الغضب معقول أم محسوس .....وهذا يرجع إلى تفاوت المدارك، والقضايا من حيث الظهور والخفاء.
....المهم في كلام الشيخ الكثير من الحق ولكن قد يكون تعبيره غير دقيق والله اعلم

أولا- أرجوا أن لا تخلط بين كلامك وكلام غيرك مرة أخرى فلتجب بجواب واضح مستقل عن كلام غيرك فهو أريح لمحاورك خصوصا عندما تكثر من الإجتزاء كفعلك مع كلام الشيخ البراك فعندما نقوم بالإقتباس تختفي الألوان ويصعب التفريق

ثانيا- يبدوا أنّك لم تفهم المغزى من إيرادي لكلام الشيخ فرحت تشقشق بما لا فائدة من إيراده بالنظر إلى محلّ المباحثة فالهدف البسيط الواضح الصريح هو بيان أنّ كلامي لا ينطلق من فراغ بل أهل العلم جميعا يقررون هذا وتفريق العلامة البراك بين :

1-حقيقة الصفة وكيفيتها
2-معناها

واضح جدا ولا يحتمل كثير كلام أما تعقيبك الآخر عن مسألة الإدراك الحسي والعقلي وغيرها فالجواب أنّ الشيخ رحمه الله لم يفصل الكلام لعدم تقصّده بالجواب بل كان ذلك منه استطرادا فقط وعليه فتعقيباتك لا محلّ لها من الإعراب ولو عاملنا علماءنا بهذه الطريقة الباهتة لما سلم لنا جواب ..
4 - أخي الكريم أنا قلت ( وهذه الجزئية هي التي وقع ويقع فيها من لم يفرّق بين منهج إثبات المعنى وتفويض الكيفية وبين من توهّم
......التوهم هنا هل تستعمله بالمعنى اللغوي أم الاصطلاحي, خاصة وانك تتكلم في مسائل كبيرة لها اصطلاحاتها الخاصة
بعقله الفاسد دلالة النصوص على ما لا يليق بجلال الله ففر بجهله من جهله إلى ظلمات التعطيل والتجهيل )....................

قلت كلامي صريح وواضح فلا تسفسط


أي هناك منهج قوامه إثبات المعنى وتفويض الكيفية وهو منهج السلف.....
في مقابل منهج آخر قوامه تسليط الأوهام على النصوص ثم الفرار من تلك الأوهام بالتأويل أو التفويض
ولست أدري ما الذي لم تفهمه في كلامي فوصفته بالمتشابه مع أنه صريح وواضح ؟؟؟؟

.... ما هو واضح انك تتكلم فيما لا تتقن من مسائل الاعتقاد وتحكم بين المتخاصمين بدون سابق معرفة بلغة التخاطب بينهم أي الاصطلاح

بل الواضح أنّ شبهات المتكلّمين قد أثرت على فهمك حتى صرت تعدّها أصلا تحاكم إليه كلام العلماء .. وقد تقدّم النقل عن شيخ الإسلام فراجعه 5
- أخي الكريم بل كلامك خطأ جليّ فالأولى هو التعبير عن الحقائق الشرعية بالألفاظ الشرعية ولا يصار إلى اصطلاحات الفرق إلاّ للضرورة
........هذا حسب لغة القوم المتكلم معهم و من المسائل الشرعية مثل "القران غير مخلوق"
ما هي الألفاظ الشرعية الممكن استعمالها هنا من فضلك

جوابك فيما علّقت عليه يا من ينقض ما لا يقرأ؟؟؟

أما سيد رحمه الله فقد انتقد لخلل منهجه في التلقي والاستدلال لا لمجرد تعبيره عن العقائد بمصطلحات أدبية
..... أرجو مراجعة كلام الشيخ الألباني فيه

( راجعت كلامه - رحمه الله - فوجدته قد قال معلقاً على خاتمة كتاب "العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم" :

(كل ما رددته على سيد قطب حقٌ صوابٌ، ومنه يتبين لكل قارئ على شيء من الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه.

فجزاك الله خير الجزاء أيها الأخ (الربيع) على قيامك بواجب البيان والكشف عن جهله وانحرافه عن الإسلام).

ويستفاد من هذا أنّ العلماء لم ينتقدوا قطبا لمصطلحاته بل لجهله ومخالفاته وهو ما تمّ الإشارت إليه


6 - أرجوا أن تفصح أكثر عمن قصدك بموضوع الوهم والخيال وشكرا
.....إن شاء الله

أما تعقيبك على توقيعي فلست أدري ما الهدف من ورائه ؟؟؟؟؟؟؟
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 02-02-2010, 10:58 PM
بدرالدين الجزائري بدرالدين الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 319
افتراضي السلام عليكم

اخي الكريم

جاء في الاثر

انما العلم بالتعلم

انما الحلم بالتحلم

قيل لابن عباس : ” بما بلغت العلم ؟ قال : بلسان سؤول ، وقلب عقول

ومن حسن اسلام المرء تركه الكلام فيما لا يعلم

والله اعلم

وان اردت المناقشة فلا تتعالم عمن لا تعرف

وتكلم فيما تتقن ولا تحسب نفسك المدافع عن الشيوخ وغيرك قادح فيهم

ففي العلم لا مجال للمجاملة

ونحن ان شاء الله في منتدى محترف سلفي فلا مجال للمجامله فيه ايضا

ولكن نعم للادب مع اهل العلم وللذين سبقونا في الايمان

والسلام عليكم
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 02-02-2010, 11:33 PM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
افتراضي

أولاّ- أشكرك على النصيحة فلا خير في من لا يقبل النصح بل هو الأصل الذي يجب أن يكون عليه أهل الإسلام جميعا

ثانيا - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


وللفائدة أرجوا من القراء مراجعة الرابط الآتي .. وشكرا


http://www.mareb.org/showpost.php?p=16242&postcount=26
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 02-03-2010, 02:47 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

إخواني الكرام لو نرجع إلى سبب المناقشة وهوتعليق الأخ بدر الدين بقوله: إن الوهم والخيال لا يصلحان للمعرفة الصحيحة والعقيدة السليمة، .......... .

وهل نفرق بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي؟
وهل هي اصطلاحات بدعية، لها معان عند أهل البدع فوجب تحريرها، ورد باطلها؟.....

ولنحصر الموضوع فيها دون التعرض للاسماء حتى لا تحول بيننا وبين المراد...

وإثارة التدقيقات النافعة لا بد منها لصناعة طالب علم يقدر على مواجهة التيارات المنحرفة، حتى تكون معاولنا قوية، تدك أصحاب البدع،...

وفقنا الله وإياكم للخير..
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 02-03-2010, 12:21 PM
بدرالدين الجزائري بدرالدين الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 319
افتراضي السلام عليكم

المهم اخي حامد بن حسين بدر نكمل الموضوع ونستفيد منه للكلام على نظرية المعرفة عند اهل السنة
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 02-03-2010, 12:36 PM
هيثم حمزه هيثم حمزه غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 206
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله
حيا الله الأخوة الكرام
مهلا وفقكم الله ....مناقشتكم ان شاء الله مجدية , ولكن إن خلت عن نبرة الشدة في الاسلوب
ونصح مقتبس من ءاية : الانسان غالبا عند احتدام النقاش واشتداده قد لا يرى الحق مع جلاءه , فالواجب عليه ان يرجع وينظر للأمر من جديد بنظرة متأنية ومتفحصة قال تعالى : (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة)
ورجاء من الأخوين الكريمين , ان يترفقا في اسلوبهما اكثر , وان يركزا على محور الخلاف الذي جمعه اخونا حامد وفقه الله
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 02-08-2010, 03:26 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

قال الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- : كل شيء في معارفك غريبٌ عليك خلافه؛
لأن النظرية المعروفة نظرية -التي يعتمدها الفلاسفة لاكتساب المعلومات- نظرية المعرفة في اكتساب المعلومات، هذه أنت تكسب المعلومات، صحيح؟، المعلومات التي تكتسبها نسبية، لا يوجد شيء عندك مطلق، ولهذا تسمع كلام شيخ الإسلام وغيره أنّ الكلي لا يوجد كليا إلا في الذهن من المعاني، وكل معلومة عندك لا بد أنها منسوبة، لا يمكن أن تكون عندك معلومة مطلقة بشيء اكتسبته بمعارفك، ?وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا? لا شيء أبدا ?وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ?[النحل:78] هذه آية النحل، قال جل وعلا (وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) يعني وسائل الإدراك التي تأخذ بها المعلومات، فالسّمع نسبي، تنسب هذا إلى هذا، والبصر نسبي، والإحساسات هذه كلها نسبي، هذا حار وهذا بارد، كيف عرفت أن هذا حار؟ لأنك شفت البارد، مَاهُو هذا حار مطلق وهذا بارد مطلق، هذا ممكن يكون شيء حار بالنسبة لي، لكنها لا شيء بالنسبة لجسم آخر، فإذن كل ما عندك من جهة الأزمنة؛ الليل، النهار من جهة المعارف، من جهة أحجام الأشياء، كله نسبي، لهذا ضل من ضل من الفلاسفة والمتكلمين في جعلهم المعارف، وجعلهم ما يكتسبونه أنها كليات في الخارج، فعطّلوا الله جل وعلا عن كثير من صفاته؛ لأجل عدم فهم النسبية هذه، ..

وقال -حفظه الله- في موطن آخر- : كسب المعارف إنما يكون في رؤية الشيء أو مثيله أو بما يقاس عليه، فتتصور شيئا ما في ذهنك إذا رأيته فذُكِّرت به، أو رأيت مثيلا له فذكرت بمثيله، فقلت هذا مثل هذا, مثل هذا بيت مثل بيت, وخبز مثل خبز وأشباه ذلك، أو ما يقاس عليه, يعني ما يمكن أن يجمع بينهما قياس فيكون هذا مع هذا مشترك في الكيفية في شيء، فيمكن أن نتصور ونتوهم ما دلَّت عليه الرؤية أو دل عليه التمثيل أو دل عليه القياس، والله سبحانه وتعالى لم تُرَ ذاته العلية الجليلة، ولم ير مثل له سبحانه وتعالى، ولم ير شيء يقاس عليه.
فإذن لا يمكن أن يتصور الذهن صفة الرب جل وعلا من جهة الكيفية، لا يمكن؛ لأن الذهن لا يكتسب أو القلب لا يكتسب المعرفة وتصور صورة الشيء إلا بهذه الثلاث لا غير.
أما إذا لم يكن ثَم مثيل، ولا ما يقاس عليه أو لم ير الشيء، فإنه لا تأتي الصورة إلى الذهن، وإن أتت صورة، فالصورة من نسج الخيال ليست على جهة الواقع والحقيقة.
ولهذا قال العلماء ما دار في ذهنك فالله سبحانه وتعالى بخلافه؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد سبحانه وتعالى.



.
([5]) ...
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 02-11-2010, 07:27 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb

نظريــّة المعــرفة مهمّة جدا :
أولا :نظريّة المعرفة عند أبي حامد الغزالي ؟:
إنّ الحديث عن الغزالي يجرّنا بلا شك إلى الحديث عن مراحل حياته وتقلباته الفكرية، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل الغزالي يحضى بهذه المرتبة المرموقة في مراتب الفكر الإسلامي، ولم يكن له ذلك إلا لأنّه لم يقلّد غيره ممن سبقوه سواء في الفلسفلة أو الكلام..
فقد عمل على بناء نفسه وفكره على أساس هدم كلّ الأبنية السّابقة التي أنشئت من طرف فلاسفة الإسلام، وكان ذلك بسبب أنّ هؤلاء وضعوا أسس فلسفتهم على الفلسفة الإغريقية وكان دور الغزالي في ذلك أن درس جميع نظريّاتهم وانتقدها مبيّنا الخلل فيها وفي الأخير
خلص إلى إنشاء نظريّة خاصّة به للمعرفة.

ولعلنا عند قراءتنا للفلسفة الحديثة سنجد شبها بين الغزالي وبين الفيلسوف الإنجليزي دافيد هيوم ـ David Hume، لكن المدقِّق في المفارقات الموجودة بينهما سيعلم مقاصد كل واحد منهما في القول بمبدأ السببية، كما أن الغزالي لم يقم في عمله بمجرد النقد كما هو حال معظم المتكلمين، ولا أدل على ذلك من تشييده صرحا شامخا بناؤه في الحضارة الإسلامية، وربما كان الفضل في ذلك للشك الذي غدا ملازما له، فلم يُبقي بديهيا ولا مسلما لدى الغزالي إلا وشكّك فيه، وفي ذلك يقول جميل صليبا وكامل عواد:".. فإن هذه الشكوك تستحق كل الاهتمام من الوجهة الفلسفية لأنها تدل على نظرة عميقة في نظام الكون وتطوره ولأنها تتعلق بمسائل أساسية في الفلسفة لم ينتبه لها القدماء.."،1 وقد توصل الغزالي بعد جهد جهيد إلى اليقين في العلم وكان ذلك بأسلوب يذكّرنا بأساطين الفلسفة الحديثة، ولن نكون مبالغين إذا ما قلنا إن الغزالي فاق جميع المتكلمين والصوفية والفلاسفة، والذين استفاد منهم طبعا وذلك لأنه أعطى كل شيء حقه في مجاله، وخير دليل على ذلك أنه لم يفعل ما فعله المتكلمون من محاولات لإخضاع العقل لعقائد الدين، ولا الفلاسفة في حصرهم الدين في قوانين العقل وأحكامه، كما أنه لم يذهب مذهب الصوفية في الكشف مهملا جانب العلوم العقلية، وقد يظن البعض أن حجة الإسلام ينكر الحقائق العلمية لمجرد قوله بالكشف، كلا فهو يقر بأن كل هذه العلوم يقينية لا شك في صحة براهينها ونتائجها، وفي ذلك يوضّح صليبا وعواد رأي الغزالي بقولهم:".. ولكن العلم محدد النطاق فكما أنه لا يجوز بناء العلوم على الاعتقاد، كذلك لا يجوز حصر الدين في أحكام العقل وبراهين المنطق بل إن لكل من هذين الناحيتين مصدرا خاصا، فالعلم يستند إلى العقل، والدين ينبجس من القلب".2

ولعل أهم مسألة فلسفية خاضها الغزالي هي السببية فهو يقول:"..إن الاقتران بين ما يُعتقد في العادة سببا، وما يعتقد مسببا ليس ضروريا عندنا بل كل شيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمن لإثبات الآخر ولا نفيه متضمن نفي الآخر فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر، مثل الري والشرب والشبع والأكل والاحتراق ولقاء النار والنور وطلوع الشمس.. وهلمّ جرّا كل المشاهدات من المقترنات في الطب والنجوم والصناعات والحرف وأن اقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه لخلقها على التساوق، لا لكونه ضروريا في نفسه غير قابل للفوت... بل للتقدير وفي المقدور: خلق الشبع دون الأكل وخلق الموت دون جز الرّقبة وهلم جرا إلى جميع المقترنات.3

ويرمي الغزالي بقوله هذا إلى أنه يمكن أن تحدث أحداث مخالفة لقانون الأسباب والمسببات ويوضح ذلك الدكتور عبد المحسن سلطان بقوله مفسرا رأي الغزالي:".. والغزالي يقصد أن كل حدث يحدث في الكون هو من فعل الله المباشر لذلك فإنه من الممكن أن تحدث أشياء مخالفة لقانون الأسباب والمسببات، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع الخواص في الأشياء، التي تظهر في صورة أسباب ومسببات لذا فإن إرادته وقدرته سبحانه تستطيع أن تنزع هذه الخواص وقت ما شاء".4

وقد تكفل ابن رشد في الرد على الغزالي قائلا: "... إن من رَفَعَ الأسباب فقد رفع العقل، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورافع له".5

وقد ظهر من المتأخرين من انتهج نهج الغزالي ورأيه في قانون السببية ولعل أشهرهم6 دافيد هيوم David Hume الذي جاء في القرن الثامن عشر وقد انتقد قانون السببية وقال مثل الغزالي، وقد فَطِن الغزالي نفسُه، كما جاء في تهافت التهافت إلى أن إنكار السببية ينتهي بنا إلى ارتكاب محالات شنيعة حتى يجوز عندنا انقلاب الكتاب حيوانا وجرة الماء شجرة تفاح وغير ذلك.7 لكن الغزالي يرد بقوله أن الله تعالى خلق لنا علما بأن هذه الممكنات لم يفعلها، ولم ندّعِ أن هذه الأمور واجبة بل هي ممكنة يجوز أن تقع ويجوز أن لا تقع، واستمرار العادة بها مرة بعد أخرى ترسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة الماضية ترسُّخا لا تنفك عنه..


إنه لم ينبت من الشعير حنطة ولا من بذر الكمثري تفاح... ولكن من استقرأ عجائب العلوم لم يستبعد من قدرة الله ما يحكى من معجزات الأنبياء.8 ولعل أهم دافع جعل الغزالي ينكر السببية هو الإرادة الملحة التي حملته على ترك مجال للمعجزات وهو الأمر الذي أدى به إلى إخضاع العقل للعقيدة الدينية، كما أن شكوك الغزالي في أحكام العقل كان مبدؤها الدفاع عن الدين، وسنعرف فيما بعد أن الغزالي قد نجح إلى حد ما حيث أرجع أصل الدين إلى الكشف الباطن والانبجاس القلبي، وما يعاب على الغزالي أنه لم يستطع وضع حدود بين الدين والعقل، فنراه لم يتردد لحظة في السطو على مجال العقل لحساب الدين وذلك حين اضطر لإثبات معجزات الأنبياء وهو على عكس ما يشاهد عند الفلاسفة، وهذا طبعا عند وجود الإيهام بالتضاد.

ونعود لتوضيح المعرفة الحقيقية عند الغزالي ولعلنا نتوصل لذلك من خلال كتابه الفذ (المنقذ من الضلال) والذي حكى فيه ما قاساه من الاضطراب النفسي حيث وصف رحلته في تنقله بين الفرق والطوائف من علماء كلام وفلاسفة وصوفية هذه الفرقة التي ارتاح باله لها نسبيا إذا ما قارنا حاله مع الكلام والفلسفة ومنهجيهما في تحصيل المعرفة، وقد وضع الغزالي كتابه هذا في أواخر أيامه كنتيجة لعزلة دامت عشر سنوات، ولا أدل على أن كتابه هذا هو محصلة نظريته في المعرفة من أنه يشير فيه إلى كتبه الأخرى، كالتهافت والقسطاس المستقيم ومقاصد الفلاسفة، وفيصل التفرقة وغيرها...

فهذا الكتاب إذن هو من إنتاج سن النضج، ونجده يقول في هذا الكتاب "...العلم اليقيني هو العلم الذي ينكشف فيه المعلوم انكشاف لا يبقى معه ريب ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنا لليقين مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا لم يورث شكا أو إنكارا".9

ولا يعد العلم علما إذا لم نتيقنه ويبقى هذا العلم ناقصا إذ أنه افتقد شرطا أساسيا ألا وهو اليقين، فاليقين مجلبة للثقة ولا ثقة إلا بالكشف الحقيقي الذي لا تشوبه شائبة، ولعل كشفا من هذا النوع هو الذي أراح الغزالي وجعله لا يرى تضادا بين معقول ومنقول ونلاحظ أن الغزالي لم يصل إلى هذا الارتياح باستعماله الكلام ودلائله ولا بالفلسفة وبراهينها بل بنور إلهي وضعه الله في قلبه، وهذا الأخير والذي يعد مصدر المعارف كلها ربما لا يبدو محتاجا لتدليل منطقي أو ترتيب كلامي، ويعتقد الغزالي أن هذا الحدس كافيا لإثبات وجود الله، وفي ذلك يقول الدكتور جميل صليبا وكامل عواد: "ويعتقد الغزالي أن الكشف الباطني واليقين الشخصي والحدس مما يثبت لنا وجود الله لأن نفس الإنسان قبس من نور الله".

كما نلاحظ أن الغزالي ارتضى هذا النوع من المعرفة الوجدانية عن الصوفية ولم يتوغل معهم في مسائل الحلول والإتحاد... بل إنه لا يعترف بنظرية وحدة الوجود ويعضد الغزالي نظريته في المعرفة (الكشف):بأنها تسليم وإيمان بالحقائق الأولى والتي لا تدرك بغير هذا السبيل فهي حاضرة لدى الإنسان والحاضر كما يقول الغزالي: (إذا طُلب فقد واختفى).


وإن مسألة الكشف هذه كما قال صليبا وعواد من أعمق المسائل الواردة في المنقذ من الضلال، ومن قرأ كتاب التأملات وطريقة ديكارت في الشّك وانتقاله إلى اليقين بالحدس الفكري، ومعرفة الذات أدرك قيمة هذا النور الذي تكلم عنه الغزالي، كما أوضح لنا من خلال المنقذ أن فكرة الحدس لم تكن عند الغزالي قاعدة لمذهب خاص بل اعتمد عليها لتحديد نطاق العقل وبيان عجزه عن حل جميع المعضلات، فالعقل لا يمكن أن يكون مصدر العقيدة الدينية، لأن الإيمان يرجع إلى الكشف الباطن، وبالرغم من أن الغزالي قد اقتبس فكرة الكشف من الصوفية فإنه امتاز على غيره بجعلها مفتاح العلوم ومصدر العقائد الدينية.

ومن خلال هذا العرض الوجيز فإننا نتوصل إلى أن الغزالي لم يرتح باله إلا للكشف الباطني، وربما تكتسب هذه النظرية الغزالية مصداقية أكثر إذا علمنا أن صاحبها لم يتوصل إليها إلا بعد عناء وهاجس وشك كان آخره الاطمئنان إلى النتيجة التي بدورها كذبت النظريات السابقة وبينت عجزها أمام المعرفة الحقيقية.
1- الغزالي: المنقذ من الضلال تقديم جميل صليبا وكامل عواد ص 16 مطبعة الترقي دمشق 1358 هـ.
2- المصدر السابق ص 16ـ 17.
3- الغزالي: تهافت الفلاسفة ل تعليق جيرار جهامي ص 56 دار الفكر اللبناني ط 1993
4- عبد المحسن سلطان: القضاء والقدر في القرآن والسنة والفكر الإسلامي، ص 17 ـ 18 ط 1 200 أميرة للطباعة الناشر مكتبة وهبة. القاهرة مصر.
5- ابن رشد: تهافت التهافت تقديم وتحليل محمد عابد الجابري، ص 123 مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2001
6- الفيلسوف الفرنسي مالبيرانسن الذي أتى بعد الغزالي بحوالي 580 عاما وقبل هيوم بـحوالى 70 سنة كذلك ينكر مبدأ السببية.
7- المصدر السابق ص 68.
8- المصدر السابق، ص 64.
9- المصدر السابق، ص 37.


ثانيا :المعرفة عند شيخ الإسلام رحمه الله:
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تيمية الحراني قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ :

فَصْلٌ : ثُمَّ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْقَلْبَ لِلْإِنْسَانِ يَعْلَمُ بِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا خَلَقَ لَهُ الْعَيْنَ يَرَى بِهَا الْأَشْيَاءَ وَالْأُذُنَ يَسْمَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ كَمَا خَلَقَ لَهُ سُبْحَانَهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَمْرِ مِنْ الْأُمُورِ وَعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ . فَالْيَدُ لِلْبَطْشِ وَالرِّجْلُ لِلسَّعْيِ وَاللِّسَانُ لِلنُّطْقِ وَالْفَمُ لِلذَّوْقِ وَالْأَنْفُ لِلشَّمِّ وَالْجِلْدُ لِلَّمْسِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ . فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْإِنْسَانُ الْعُضْوَ فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَأُعِدَّ لِأَجْلِهِ فَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الْقَائِمُ وَالْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا وَصَلَاحًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ وَ لِرَبِّهِ وَ لِلشَّيْءِ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي اسْتَقَامَ حَالُهُ و { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . وَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْعُضْوُ فِي حَقِّهِ بَلْ تُرِكَ بَطَّالًا فَذَلِكَ خُسْرَانٌ وَصَاحِبُهُ مَغْبُونٌ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي خِلَافِ مَا خُلِقَ لَهُ فَهُوَ الضَّلَالُ وَالْهَلَاكُ وَصَاحِبُهُ مِنْ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا . ثُمَّ إنَّ سَيِّدَ الْأَعْضَاءِ وَرَأْسَهَا هُوَ الْقَلْبُ : كَمَا سُمِّيَ قَلْبًا . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إلَى صَدْرِهِ وَقَالَ أَلَا إنَّ التَّقْوَى هَاهُنَا أَلَا إنَّ التَّقْوَى هَاهُنَا } . وَإِذْ قَدْ خُلِقَ الْقَلْبُ لِأَنْ يُعْلَمَ بِهِ فَتَوَجُّهُهُ نَحْوَ الْأَشْيَاءِ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ بِهَا هُوَ الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ كَمَا أَنَّ إقْبَالَ الْأُذُنِ عَلَى الْكَلَامِ ابْتِغَاءَ سَمْعِهِ هُوَ الْإِصْغَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ وَانْصِرَافَ الطَّرْفِ إلَى الْأَشْيَاءِ طَلَبًا لِرُؤْيَتِهَا هُوَ النَّظَرُ . فَالْفِكْرُ لِلْقَلْبِ كَالْإِصْغَاءِ لِلْأُذُنِ وَمِثْلُهُ نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ فِيمَا سَبَقَ وَإِذَا عَلِمَ مَا نَظَرَ فِيهِ فَذَاكَ مَطْلُوبُهُ كَمَا أَنَّ الْأُذُنَ كَذَلِكَ إذَا سَمِعَتْ مَا أَصْغَتْ إلَيْهِ أَوْ الْعَيْنُ إذَا أَبْصَرَتْ مَا نَظَرَتْ إلَيْهِ . وَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ مُفَكِّرٍ لَمْ يُحَصِّلْ الْعِلْمَ وَلَمْ يَنَلْهُ كَمَا أَنَّهُ كَمْ مِنْ نَاظِرٍ إلَى الْهِلَالِ لَا يُبْصِرُهُ وَمُسْتَمِعٍ إلَى صَوْتٍ لَا يَسْمَعُهُ . وَعَكْسُهُ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا بِشَيْءِ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ وَلَمْ تَسْبِقْ مِنْهُ إلَيْهِ سَابِقَةُ تَفْكِيرٍ فِيهِ كَمَنْ فَاجَأَتْهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ أَوْ سَمِعَ قَوْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصْغِيَ إلَيْهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا لِأَنَّ الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ يَقْبَلُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ وَاسْتِعْدَادٍ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا مِنْ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَقَدْ يَأْتِي فَضْلًا مِنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مَوْهُوبًا . فَصَلَاحُ الْقَلْبِ وَحَقُّهُ وَاَلَّذِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَشْيَاءَ لَا أَقُولُ أَنْ يَعْلَمَهَا فَقَطْ فَقَدْ يَعْلَمُ الشَّيْءَ مَنْ لَا يَكُونُ عَاقِلًا لَهُ بَلْ غَافِلًا عَنْهُ مُلْغِيًا لَهُ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ الشَّيْءَ هُوَ الَّذِي يُقَيِّدُهُ وَيَضْبُطُهُ وَيَعِيهِ وَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَكُونُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَنِيًّا فَيُطَابِقَ عَمَلُهُ قَوْلَهُ وَبَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَةَ . { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا وَلَا يُؤْتَى حُكْمًا وَإِنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ مِمَّنْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا . وَهَذَا مَعَ أَنَّ النَّاسَ مُتَبَايِنُونَ فِي نَفْسِ عَقْلِهِمْ الْأَشْيَاءَ مِنْ بَيْنِ كَامِلٍ وَنَاقِصٍ وَفِيمَا يَعْقِلُونَهُ مِنْ بَيْنِ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَجَلِيلٍ وَدَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ . ثُمَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُمَّهَاتُ مَا يُنَالُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُدْرَكُ أَعْنِي الْعِلْمَ الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ الْبَشَرُ عَنْ سَائِر الْحَيَوَانَاتِ دُونَ مَا يُشَارِكُهَا فِيهِ مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَهُنَا يُدْرِكُ بِهِ مَا يُحِبُّ وَيَكْرَهُ وَمَا يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ إلَيْهِ وَمَنْ يُسِيءُ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَقَالَ : { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } وَقَالَ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } وَقَالَ : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً } وَقَالَ : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } . وَقَالَ فِيمَا لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْعَمَلِ وَالْقُوَّةِ : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا } . ثُمَّ إنَّ الْعَيْنَ تَقْصُرُ عَنْ الْقَلْبِ وَالْأُذُنِ وَتُفَارِقُهُمَا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهَا إنَّمَا يَرَى صَاحِبُهَا بِهَا الْأَشْيَاءَ الْحَاضِرَةَ وَالْأُمُورَ الْجُسْمَانِيَّةَ مِثْلَ الصُّوَرِ وَالْأَشْخَاصِ فَأَمَّا الْقَلْبُ وَالْأُذُنُ فَيَعْلَمُ الْإِنْسَانُ بِهِمَا مَا غَابَ عَنْهُ وَمَا لَا مَجَالَ لِلْبَصَرِ فِيهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الروحانية وَالْمَعْلُومَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَفْتَرِقَانِ : فَالْقَلْبُ يَعْقِلُ الْأَشْيَاءَ بِنَفْسِهِ إذْ كَانَ الْعِلْمُ هُوَ غِذَاءَهُ وَخَاصِّيَّتَهُ أَمَّا الْأُذُنُ فَإِنَّهَا تَحْمِلُ الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلْمِ إلَى الْقَلْبِ فَهِيَ بِنَفْسِهَا إنَّمَا تَحْمِلُ الْقَوْلَ وَالْكَلَامَ فَإِذَا وَصَلَ ذَلِكَ إلَى الْقَلْبِ أَخَذَ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ فَصَاحِبُ الْعِلْمِ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ هُوَ الْقَلْبُ وَإِنَّمَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ حَجَبَةٌ لَهُ تُوَصِّلُ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى إنَّ مَنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ يَفْقِدُ بِفَقْدِهِ مِنْ الْعِلْمِ مَا كَانَ هُوَ الْوَاسِطَةَ فِيهِ . فَالْأَصَمُّ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الْكَلَامِ مِنْ الْعِلْمِ وَالضَّرِيرُ لَا يَدْرِي مَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ الْأَشْخَاصُ مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَظَرَ إلَى الْأَشْيَاءِ بِغَيْرِ قَلْبٍ أَوْ اسْتَمَعَ إلَى كَلِمَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ قَلْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا ؛ فَمَدَارُ الْأَمْرِ عَلَى الْقَلْبِ وَعِنْدَ هَذَا تَسْتَبِينُ الْحِكْمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } حَتَّى لَمْ يَذْكُرْ هُنَا الْعَيْنَ كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّوَابِقِ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ هُنَا فِي أُمُورٍ غَائِبَةٍ وَحِكْمَةٍ مَعْقُولَةٍ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لَا مَجَالَ لِنَظَرِ الْعَيْنِ فِيهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } وَتَتَبَيَّنُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ : { إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } . فَإِنَّ مَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ وَيَنْتَفِعُ بِالْعِلْمِ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ إمَّا رَجُلٌ رَأَى الْحَقَّ بِنَفْسِهِ فَقَبِلَهُ فَاتَّبَعَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَنْ يَدْعُوهُ إلَيْهِ فَذَلِكَ صَاحِبُ الْقَلْبِ ؛ أَوْ رَجُلٌ لَمْ يَعْقِلْهُ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ وَيُبَيِّنُهُ لَهُ وَيَعِظُهُ وَيُؤَدِّبُهُ فَهَذَا أَصْغَى فَ : { أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } . أَيْ حَاضِرُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِغَائِبِهِ . كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ : أوتى الْعِلْمَ وَكَانَ لَهُ ذِكْرَى . وَيَتَبَيَّنُ قَوْلُهُ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ } { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ } وَقَوْلُهُ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } . ثُمَّ إذَا كَانَ حَقُّ الْقَلْبِ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ { فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ } إذْ كَانَ كُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَمْحَةَ نَاظِرٍ أَوْ يَجُولُ فِي لَفْتَةِ خَاطِرٍ فَاَللَّهُ رَبُّهُ وَمُنْشِئُهُ وَفَاطِرُهُ وَمُبْدِئُهُ لَا يُحِيطُ عِلْمًا إلَّا بِمَا هُوَ مِنْ آيَاتِهِ الْبَيِّنَةِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ . وَأَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ . أَيْ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذَا نَظَرْت إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ إلَّا وَجَدْته إلَى الْعَدَمِ وَمَا هُوَ فَقِيرٌ إلَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِ وَقَدْ تَوَلَّتْهُ يَدُ الْعِنَايَةِ بِتَقْدِيرِ مَنْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى رَأَيْته حِينَئِذٍ مَوْجُودًا مَكْسُوًّا حَلَّلَ الْفَضْلَ وَالْإِحْسَانَ فَقَدْ اسْتَبَانَ أَنَّ الْقَلْبَ إنَّمَا خُلِقَ لِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ - أَظُنُّهُ سُلَيْمَانَ الْخَوَّاصَ رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ لِلْجَسَدِ فَكَمَا لَا يَجِدُ الْجَسَدُ لَذَّةَ الطَّعَامِ مَعَ السَّقَمِ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الذِّكْرِ مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا . أَوْ كَمَا قَالَ . فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَشْغُولًا بِاَللَّهِ عَاقِلًا لِلْحَقِّ مُتَفَكِّرًا فِي الْعِلْمِ فَقَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ إذَا صُرِفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدْ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يُوعَ فِيهِ الْحَقُّ فَقَدْ نَسِيَ رَبَّهُ فَلَمْ يُوضَعْ فِي مَوْضِعٍ بَلْ هُوَ ضَائِعٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ قَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ لَمْ يُوضَعْ أَصْلًا . فَإِنَّ مَوْضِعَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَى الْحَقِّ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِي الْحَقِّ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبَاطِلُ وَالْبَاطِلُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعًا . وَالْقَلْبُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْحَقَّ . فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ مَا خُلِقَ لَهُ . { سُنَّةَ اللَّهِ } { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَتْرُوكِ مُخِلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمَانِي لَا يَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مِنْ الْفَرَاغِ وَالتَّخَلِّي فَقَدْ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا مُطْلَقٍ وَلَا مُعَلَّقٍ مَوْضُوعٍ لَا مَوْضِعَ لَهُ . وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَسُبْحَانَ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لِلْإِنْسَانِ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ . هَذَا إذَا صُرِفَ فِي الْبَاطِلِ . فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ خَالِيًا عَنْ كُلِّ فِكْرٍ فَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ . فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا يُحَسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعٍ { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ . ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْتَرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ : حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيَصُمُّ . فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ { فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ فِيهِمْ : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا } ثُمَّ الْقَلْبُ لِلْعِلْمِ كَالْإِنَاءِ لِلْمَاءِ وَالْوِعَاءِ لِلْعَسَلِ وَالْوَادِي لِلسَّيْلِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } الْآيَةُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا : فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَسَقَى النَّاسُ وَزَرَعُوا . وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً إنَّمَا قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا أُرْسِلْت بِهِ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ } وَفِي حَدِيثِ كميل بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا . وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ : الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرَقُّهَا وَأَصْفَاهَا . وَهَذَا مَثَلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَانَ رَقِيقًا لَيِّنًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ سَهْلًا يَسِيرًا وَرَسَخَ الْعِلْمُ فِيهِ وَثَبَتَ وَأَثَّرَ وَإِنْ كَانَ قَاسِيًا غَلِيظًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ صَعْبًا عَسِيرًا . وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زَكِيًّا صَافِيًا سَلِيمًا حَتَّى يَزْكُوَ فِيهِ الْعِلْمُ وَيُثْمِرَ ثَمَرًا طَيِّبًا وَإِلَّا فَلَوْ قَبِلَ الْعِلْمَ وَكَانَ فِيهِ كَدَرٌ وَخَبَثٌ أَفْسَدَ ذَلِكَ الْعِلْمَ وَكَانَ كَالدَّغَلِ فِي الزَّرْعِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْحَبَّ مِنْ أَنْ يَنْبُتَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَزْكُوَ وَيَطِيبَ وَهَذَا بَيِّنٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ . وَ ( تَلْخِيصُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْحَقِّ فَلَهُ وَجْهَانِ : ( وَجْهٌ مُقْبِلٌ عَلَى الْحَقِّ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ : وِعَاءٌ وَإِنَاءٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ مَا يُوعَى فِيهِ وَيُوضَعُ فِيهِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ وُجُودٍ وَثُبُوتٍ . وَ ( وَجْهٌ مُعْرِضٌ عَنْ الْبَاطِلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ : زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ وَطَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الشَّرِّ وَانْتِفَاءِ الْخَبَثِ وَالدَّغَلِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ عَدَمٍ وَنَفْيٍ . وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إذَا صُرِفَ إلَى الْبَاطِلِ فَلَهُ وَجْهَانِ كَذَلِكَ . ( وَجْهُ الْوُجُودِ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إلَى الْبَاطِلِ مَشْغُولٌ بِهِ . وَ ( وَجْهُ الْعَدَمِ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْحَقِّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ وَهَذَا يُبَيِّنُ مِنْ الْبَيَانِ وَالْحُسْنِ وَالصِّدْقِ مَا فِي قَوْلِهِ : إذَا مَا وَضَعْت الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِغَيْرِ إنَاءٍ فَهُوَ قَلْبٌ مُضَيِّعُ فَإِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَ مَنْ ضَيَّعَ قَلْبَهُ فَظَلَمَ نَفْسَهُ بِأَنْ اشْتَغَلَ بِالْبَاطِلِ وَمَلَأَ بِهِ قَلْبَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِلْحَقِّ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْوُلُوجِ فِيهِ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَوَصَفَ حَالَ هَذَا الْقَلْبِ بِوَجْهَيْهِ وَنَعَتَهُ بِمَذْهَبَيْهِ فَذَكَرَ أَوَّلًا وَصْفَ الْوُجُودِ مِنْهُ فَقَالَ : إذَا مَا وَضَعْت الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . يَقُولُ إذَا شَغَلْته بِمَا لَمْ يُخْلَقْ لَهُ فَصَرَفْته إلَى الْبَاطِلِ حَتَّى صَارَ مَوْضُوعًا فِيهِ . ثُمَّ الْبَاطِلُ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) تَشْغَلُ عَنْ الْحَقِّ وَلَا تُعَانِدُهُ مِثْلَ الْأَفْكَارِ وَالْهُمُومِ الَّتِي فِي عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ . وَ ( الثَّانِيَةُ ) تُعَانِدُ الْحَقَّ وَتَصُدُّ عَنْهُ مِثْلَ الْآرَاءِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ وَشِبْهِ ذَلِكَ بَلْ الْقَلْبُ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذِكْرِ اللَّهِ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مَوْضِعًا لَهُ . ثُمَّ ذَكَرَ " ثَانِيًا " وَصْفَ الْعَدَمِ فِيهِ فَقَالَ بِغَيْرِ إنَاءٍ ثُمَّ يَقُولُ : إذَا وَضَعْته بِغَيْرِ إنَاءٍ ضَيَّعْته وَلَا إنَاءَ مَعَك كَمَا تَقُولُ حَضَرْت الْمَجْلِسَ بِلَا مَحْبَرَةٍ فَالْكَلِمَةُ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ . لَا مِنْ الْمَوْضُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَقُولُ إذَا مَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَدْ شُغِلَ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْحَقُّ وَيَنْزِلُ إلَيْهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْقَلْبِ فَقَلْبُك إذًا مُضَيَّعٌ ضَيَّعْته مِنْ وَجْهَيْ التَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَا مُتَّحِدَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّك وَضَعْته فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا إنَاءَ مَعَك يَكُونُ وِعَاءً لِلْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْطَاهُ ؛ كَمَا لَوْ قِيلَ لِمَلِكِ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ : إذَا اشْتَغَلَ بِغَيْرِ الْمَمْلَكَةِ وَلَيْسَ فِي الْمَمْلَكَةِ مَنْ يُدَبِّرُهَا فَهُوَ مَلِكٌ ضَائِعٌ لَكِنَّ الْإِنَاءَ هُنَا هُوَ الْقَلْبُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } . وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ اثْنَيْنِ بِذِكْرِ نَعْتَيْنِ لِشَيْءِ وَاحِدٍ . كَمَا جَاءَ نَحْوُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } { مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } قَالَ قتادة وَالرَّبِيعُ : هُوَ الْقُرْآنُ : فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ كَبِيرَانِ فَهُوَ مَعَ وَصْفٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَمَعَ الْوَصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاثْنَيْنِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ صِفَاتُهُ لَتَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ أَشْخَاصٍ . أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحْسِنُ الْحِسَابَ وَالطِّبَّ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَاسِبٍ وَطَبِيبٍ وَالرَّجُلُ الَّذِي يُحْسِنُ النِّجَارَةَ وَالْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ نَجَّارٍ وَبَنَّاءٍ . وَالْقَلْبُ لَمَّا كَانَ يَقْبَلُ الذِّكْرَ وَالْعِلْمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْإِنَاءَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَسْمَاءِ الْقَلْبِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ رَقِيقًا وَصَافِيًا وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُسْتَطْعِمُ الْمُسْتَعْطِي فِي مَنْزِلَةِ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ . وَلَمَّا كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ الْبَاطِلِ فَهُوَ زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ فَكَأَنَّهُ اثْنَانِ . وَلِيَتَبَيَّنَ فِي الصُّورَةِ أَنَّ الْإِنَاءَ غَيْرُ الْقَلْبِ فَهُوَ يَقُولُ : إذَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْمَطْلُوبُ فَمِثْلُك مِثْلُ رَجُلٍ بَلَغَهُ أَنَّ غَنِيًّا يُفَرِّقُ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا وَكَانَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ أَوْ سُكْرُجَةٌ فَتَرَكَهَا ثُمَّ أَقْبَلَ يَطْلُبُ طَعَامًا فَقِيلَ لَهُ : هَاتِ إنَاءً نُعْطِيَك طَعَامًا فَأَمَّا إذَا أَتَيْت وَقَدْ وَضَعْت زُبْدِيَّتَك - مَثَلًا - فِي الْبَيْتِ وَلَيْسَ مَعَك إنَاءٌ نُعْطِيك فَلَا تَأْخُذْ شَيْئًا فَرَجَعْت بِخُفَّيْ حنين . وَإِذَا تَأَمَّلَ مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِأَسَالِيبِ الْبَيَانِ وَتَصَارِيفِ اللِّسَانِ وَجَدَ مَوْقِعَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ كِلَيْهِمَا مَوْقِعًا حَسَنًا بَلِيغًا فَإِنَّ نَقِيضَ هَذِهِ الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُقْبِلًا عَلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالذِّكْرِ مُعْرِضًا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ الْحَنَفَ هُوَ إقْبَالُ الْقَدَمِ وَمَيْلُهَا إلَى أُخْتِهَا فَالْحَنَفُ الْمَيْلُ عَنْ الشَّيْءِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى آخَرَ ؛ فَالدِّينُ الْحَنِيفُ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ . وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَرْجَمَتْهُ كَلِمَةُ الْحَقِّ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ : " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ . وَهَذَا آخِرُ مَا حَضَرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ .


[يتبع إن شاء الله]
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 02-11-2010, 07:31 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb

وقال رحمه الله :

وَإِذَا كَانَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } { الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فَفِي الْآيَةِ الْأُولَى إثْبَاتُ الْخَالِقِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ . وَفِيهَا وَفِي الثَّانِيَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى إمْكَانِ النُّبُوَّةِ وَعَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهُ قَالَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ثُمَّ قَالَ { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } . فَذَكَرَ الْخَلْقَ مُطْلَقًا ثُمَّ خَصَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ عَلَقٍ . وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْدُثُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ عَلَقٍ . وَهَؤُلَاءِ بَنُو آدَمَ . وَقَوْلُهُ الْإِنْسَانُ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ النَّاسِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ آدَمَ الَّذِي خُلِقَ مِنْ طِينٍ . فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى وَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُقَدِّمَاتِ يَعْلَمُهَا الْمُسْتَدِلُّ . وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ دَلَالَةِ النَّاسِ وَهِدَايَتِهِمْ وَهُمْ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ النَّاسَ يُخْلَقُونَ مِنْ الْعَلَقِ . فَأَمَّا خَلْقُ آدَمَ مِنْ طِينٍ فَذَاكَ إنَّمَا عُلِمَ بِخَبَرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِدَلَائِلَ أُخَرَ . وَلِهَذَا يُنْكِرُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ الدَّهْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِالنُّبُوَّاتِ . وَهَذَا بِخِلَافِ ذِكْرِ خَلْقِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ . فَإِنَّ ذَاكَ ذِكْرُهُ لِمَا يُثْبِتُ النُّبُوَّةَ وَهَذِهِ السُّورَةُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ وَبِهَا تَثْبُتُ النُّبُوَّةُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا عُلِمَ بِالْخَبَرِ بَلْ ذَكَرَ فِيهَا الدَّلِيلَ الْمَعْلُومَ بِالْعَقْلِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْعَلَقَ . وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ الْعَلَقِ وَهُوَ جَمْعُ " عَلَقَةٍ " وَهِيَ الْقِطْعَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ الدَّمِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ نُطْفَةً وَالنُّطْفَةُ قَدْ تَسْقُطُ فِي غَيْرِ الرَّحِمِ كَمَا يَحْتَلِمُ الْإِنْسَانُ وَقَدْ تَسْقُطُ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ يَرْمِيهَا الرَّحِمُ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ عَلَقَةً . فَقَدْ صَارَ مَبْدَأً لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَعُلِمَ أَنَّهَا صَارَتْ عَلَقَةً لِيُخْلَقَ مِنْهَا الْإِنْسَانُ . وَقَدْ قَالَ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى } { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى } { فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } فَهُنَا ذَكَرَ هَذَا عَلَى إمْكَانِ النَّشْأَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ التُّرَابِ . وَلِهَذَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } فَفِي الْقِيَامَةِ اسْتَدَلَّ بِخَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَفِي الْحَجِّ ذَكَرَ خَلْقَهُ مِنْ تُرَابٍ فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ . وَذِكْرُ أَوَّلِ الْخَلْقِ أَدَلُّ عَلَى إمْكَانِ الْإِعَادَةِ . وَأَمَّا هُنَا فَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى ابْتِدَاءً فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ وَهُوَ مِنْ الْعَلَقَةِ الدَّمُ يَصِيرُ مُضْغَةً وَهُوَ قِطْعَةُ لَحْمٍ كَاللَّحْمِ الَّذِي يُمْضَغُ بِالْفَمِ ثُمَّ تَخَلَّقَ فَتُصُوِّرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى { ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ } فَإِنَّ الرَّحِمَ قَدْ يَقْذِفُهَا غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ . فَبَيَّنَ لِلنَّاسِ مَبْدَأَ خَلْقِهِمْ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ بِأَعْيُنِهِمْ . وَهَذَا الدَّلِيلُ وَهُوَ خَلْقُ الْإِنْسَانِ مِنْ عَلَقٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ . فَإِنَّ النَّاسَ هُمْ الْمُسْتَدِلُّونَ وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ وَالْآيَةُ . فَالْإِنْسَانُ هُوَ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْمُسْتَدِلُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } وَقَالَ { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } . وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } . وَهُوَ دَلِيلٌ يَعْلَمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَذْكُرُهُ كُلَّمَا تَذَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَفِيمَنْ يَرَاهُ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ . فَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْمَبْدَأِ وَالْمُعَادِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا } { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } وَقَالَ تَعَالَى { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } . وكذلك قَالَ زَكَرِيَّا لَمَّا تَعَجَّبَ مِنْ حُصُولِ وَلَدٍ عَلَى الْكِبَرِ فَقَالَ { أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } وَلَمْ يُقَلْ " إنَّهُ أَهْوَنَ عَلَيْهِ " كَمَا قَالَ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمُعَادِ { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } . وقال سُبْحَانَهُ { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } بَعْدَ أَنْ قَالَ { الَّذِي خَلَقَ } . فَأَطْلَقَ الْخَلْقَ الَّذِي يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَخْلُوقٍ ثُمَّ عَيَّنَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ فَكَانَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ حُدُوثُهُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ { الَّذِي خَلَقَ } . وذكر بَعْدَ الْخَلْقِ التَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ التَّعْلِيمُ بِالْقَلَمِ وَتَعْلِيمُ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَعْلَمْ . فَخَصَّ هَذَا التَّعْلِيمَ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى إمْكَانِ النُّبُوَّةِ . وَلَمْ يُقَلْ هُنَا " هُدَى " فَيَذْكُرُ الْهُدَى الْعَامَّ الْمُتَنَاوَلَ لِلْإِنْسَانِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَكَمَا قَالَ مُوسَى { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيمَ الْخَاصَّ يَسْتَلْزِمُ الْهُدَى الْعَامَّ وَلَا يَنْعَكِسُ . وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى إثْبَاتِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ نَوْعٌ مِنْ التَّعْلِيمِ . وَلَيْسَ جَعْلُ الْإِنْسَانِ نَبِيًّا بِأَعْظَمَ مِنْ جَعْلِهِ الْعَلَقَةَ إنْسَانًا حَيًّا عَالِمًا نَاطِقًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا قَدْ عَلِمَ أَنْوَاعَ الْمَعَارِفِ ؛ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيْهِ مِنْ إعَادَتِهِ . وَالْقَادِرُ عَلَى الْمَبْدَأِ كَيْفَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُعَادِ ؟ وَالْقَادِرُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيمِ كَيْفَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَاكَ التَّعْلِيمِ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَا يُحِيطُ أَحَدٌ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ ؟ وَقَالَ سُبْحَانَهُ أَوَّلًا { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } فَأَطْلَقَ التَّعْلِيمَ وَالْمُعَلِّمَ فَلَمْ يَخُصَّ نَوْعًا مِنْ الْمُعَلِّمِينَ . فَيَتَنَاوَلُ تَعْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَمَا تَنَاوَلَ الْخَلْقَ لَهُمْ كُلَّهُمْ . وَذَكَرَ التَّعْلِيمَ بِالْقَلَمِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَعْلِيمَ الْخَطِّ وَالْخَطُّ يُطَابِقُ اللَّفْظَ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَلَامُ . ثُمَّ اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ الَّتِي فِي الْقَلْبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عِلْمٍ فِي الْقُلُوبِ

ـــــــــــــــــــــــ
وَمِنْ تَمَامِ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَيُجَادِلَهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ : هِيَ النَّافِعَةُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَتُشْبِهُ مَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْمَنْطِقِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَالْخَطَابَةِ وَالْجَدَلِ . بَقِيَ الشِّعْرُ وَالسَّفْسَطَةُ - الَّتِي هِيَ الْكَذِبُ الْمُمَوَّهُ - فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } { يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ فَذَكَرَ الْأَفَّاكِينَ ؛ وَهُمْ الْمُسَفْسِطُونَ وَذَكَرَ الشُّعَرَاءَ . وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا قَالَ لَهُ : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ تَأَلَّفْ النَّاسَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَجَبَّارًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارًا فِي الْإِسْلَامِ عَلَامَ أَتَأَلَّفُهُمْ ؟ أَعَلَى حَدِيثٍ مُفْتَرًى أَمْ عَلَى شِعْرٍ مُفْتَعَلٍ ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُفْتَرَى وَالشِّعْرَ الْمُفْتَعَلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ الْأَفَّاكِينَ وَالشُّعَرَاءَ وَكَانَ الْإِفْكُ فِي الْقُوَّةِ الْخَبَرِيَّةِ . وَالشِّعْرُ فِي الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الطَّلَبِيَّةِ فَتِلْكَ ضَلَالٌ وَهَذِهِ غَوَايَةٌ . وَلِهَذَا : يَقْتَرِنُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَثِيرًا فِي مِثْلِ المليين مِنْ الرُّهْبَانِ وَفَاسِدِي الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الشِّعْرُ مُسْتَفَادًا مِنْ الشُّعُورِ - فَهُوَ يُفِيدُ إشْعَارَ النَّفْسِ بِمَا يُحَرِّكُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِدْقًا بَلْ يُورِثُ مَحَبَّةً أَوْ نَفْرَةً أَوْ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْيِيلِ وَهَذَا خَاصَّةُ الشِّعْرِ - فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ . وَالْغَيُّ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّكُ النَّاسَ حَرَكَةَ الشَّهْوَةِ وَالنَّفْرَةِ وَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ بِلَا عِلْمٍ وَهَذَا هُوَ الْغَيُّ ؛ بِخِلَافِ الْإِفْكِ فَإِنَّ فِيهِ إضْلَالًا فِي الْعِلْمِ بِحَيْثُ يُوجِبُ اعْتِقَادَ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ . وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ تَتَحَرَّكُ تَارَةً عَنْ تَصْدِيقٍ وَإِيمَانٍ وَتَارَةً عَنْ شِعْرٍ . وَالثَّانِي مَذْمُومٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } فَالذِّكْرُ خِلَافُ الشِّعْرِ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَعِلْمٌ يَذْكُرُهُ الْقَلْبُ وَذَاكَ شِعْرٌ يُحَرِّكُ النَّفْسَ فَقَطْ . وَلِهَذَا غَلَبَ عَلَى مُنْحَرِفَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ الِاعْتِيَاضُ بِسَمَاعِ الْقَصَائِدِ وَالْأَشْعَارِ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِمْ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ حُبٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَابِعًا لِعِلْمِ وَتَصْدِيقٍ ؛ وَلِهَذَا يُؤْثِرُهُ مَنْ يُؤْثِرُهُ عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَيَعْتَلُّ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حُقٌّ نَزَلَ مَنْ حَقٍّ وَالنُّفُوسُ تُحِبُّ الْبَاطِلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْلَ الصِّدْقَ وَالْحَقَّ : يُعْطِي عِلْمًا وَاعْتِقَادًا بِجُمْلَةِ الْقَلْبِ وَالنُّفُوسُ الْمُبْطِلَةُ لَا تُحِبُّ الْحَقَّ . وَلِهَذَا أَثَرُهُ بَاطِلٌ يَتَفَشَّى مِنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ فَرْعٌ لَا أَصْلَ لَهُ ؛ وَلَكِنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي النَّفْسِ مِنْ جِهَةِ التَّحْرِيكِ وَالْإِزْعَاجِ وَالتَّأْثِيرِ . لَا مِنْ جِهَةِ التَّصْدِيقِ وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ؛ وَلِهَذَا يُسَمُّونَ الْقَوْلَ حَادِيًا لِأَنَّهُ يَحْدُو النُّفُوسَ أَيْ يَبْعَثُهَا وَيَسُوقُهَا كَمَا يَحْدُو حَادِي الْعِيسِ . وَأَمَّا الْحِكْمَةُ وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ وَالْجَدَلُ الْأَحْسَنُ ؛ فَإِنَّهُ يُعْطِي التَّصْدِيقَ وَالْعَمَلَ فَهُوَ نَافِعٌ مَنْفَعَةً عَظِيمَةً . وَإِنَّمَا قُلْت : إنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ تُشْبِهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْأَقْيِسَةَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي هِيَ : الْبُرْهَانِيَّةُ والخطابية وَالْجَدَلِيَّةُ وَلَيْسَتْ هِيَ ؛ بَلْ أَكْمَلُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لِوُجُوهِ : - أَحَدُهَا : أَنَّ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ تَجْمَعُ نَوْعَيْ : الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْخَبَرِ وَالطَّلَبِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ ؛ بِخِلَافِ الْأَقْيِسَةِ الْمَنْطِقِيَّةِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ الْمَنْطِقِيَّ : إنَّمَا فَائِدَتُهُ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ فِي الْقَضَايَا الْخَبَرِيَّةِ سَوَاءٌ تَبِعَ ذَلِكَ عَمَلٌ أَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ ؛ فَإِنْ كَانَتْ مَوَادُّ الْقِيَاسِ يَقِينِيَّةً : كَانَ بُرْهَانًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَشْهُورَةً أَوْ مُسَلَّمَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ ؛ وَهُوَ يُفِيدُ الْيَقِينَ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً ؛ أَوْ مَقْبُولَةً سُمِّيَ خَطَابَةً سَوَاءٌ كَانَتْ يَقِينِيَّةً أَوْ لَمْ تَكُنْ وَذَلِكَ يُفِيدُ الِاعْتِقَادَ وَالتَّصْدِيقَ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ لَيْسَ أَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ دُونَ الْيَقِينِ ؛ إذْ لَيْسَ فِي كَوْنِهَا مَشْهُورَةً مَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ يَقِينِيَّةً مُفِيدَةً لِلْيَقِينِ . وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا لَا يَجِبُ أَنْ يُفِيدَ الْيَقِينَ وَمَا يَمْنَعُ إفَادَةَ الْيَقِينِ . فَالْمَشْهُورَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَشْهُورَةٌ : تُفِيدُ التَّصْدِيقَ وَالْإِقْنَاعَ وَالِاعْتِقَادَ . ثُمَّ إنْ عُرِفَ أَنَّهَا يَقِينِيَّةٌ أَفَادَتْ الْيَقِينَ أَيْضًا . وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا غَيْرُ يَقِينِيَّةٍ لَمْ تُفِدْ إلَّا الظَّنَّ ؛ وَإِنْ لَمْ تَشْعُرْ النَّفْسُ بِوَاحِدِ مِنْهُمَا : بَقِيَ اعْتِقَادًا مُجَرَّدًا لَا يُثْبَتُ لَهُ الْيَقِينُ وَلَا يُنْفَى عَنْهُ . وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي الْقُرْآنِ : فَهِيَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ كَمَا كَتَبْت تَفْسِيرَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ : تَجْمَعُ التَّصْدِيقَ بِالْخَبَرِ وَالطَّاعَةَ لِلْأَمْرِ ؛ وَلِهَذَا يَجِيءُ الْوَعْظُ فِي الْقُرْآنِ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِتَرْغِيبِ وَتَرْهِيبٍ . كَقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ } وَقَوْلُهُ : { يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ } وَقَوْلُهُ : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً } أَيْ يَتَّعِظُونَ بِهَا فَيَنْتَبِهُونَ وَيَنْزَجِرُونَ . وَكَذَلِكَ الْجَدَلُ الْأَحْسَنُ : يَجْمَعُ الْجَدَلَ لِلتَّصْدِيقِ وَلِلطَّاعَةِ . الْوَجْهُ الثَّانِي : - وَيُمْكِنُ أَنْ يُقْسَمَ هَذَا إلَى وَجْهٍ آخَرَ - بِأَنْ يُقَالَ : - النَّاسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : إمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ وَيَتَّبِعَهُ فَهَذَا صَاحِبُ الْحِكْمَةِ ؛ وَإِمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ ؛ لَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ فَهَذَا يُوعَظُ حَتَّى يَعْمَلَ ؛ وَإِمَّا أَنْ لَا يَعْتَرِفَ بِهِ فَهَذَا يُجَادَلُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْجِدَالَ فِي مَظِنَّةِ الْإِغْضَابِ فَإِذَا كَانَ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : حَصَلَتْ مَنْفَعَتُهُ بِغَايَةِ الْإِمْكَانِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يَشْتَمِلُ إلَّا عَلَى حَقِّ يَقِينٍ ؛ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا تَمْتَازُ بِهِ الْخَطَابَةُ وَالْجَدَلُ عَنْ الْبُرْهَانِ : بِكَوْنِ الْمُقَدِّمَةِ مَشْهُورَةً أَوْ مُسَلَّمَةً غَيْرَ يَقِينِيَّةٍ بَلْ إذَا ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا مُشْتَمِلًا عَلَى مُقَدِّمَةٍ مَشْهُورَةٍ أَوْ مُسَلَّمَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ يَقِينِيَّةً . فَأَمَّا الِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الْمُنَازِعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْمُقَدِّمَةُ صَادِقَةً أَوْ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا مَشْهُورَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَادِقَةً فَمِثْلُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي كُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَهُوَ أَصْدَقُ الْكَلَامِ وَأَحْسَنُ الْحَدِيثِ . فَصَاحِبُ الْحِكْمَةِ : يَدَّعِي بِالْمُقْدِمَاتِ الصَّادِقَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَشْهُورَةً أَوْ مُسَلَّمَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْرَاكِ الدَّقِّ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ . وَصَاحِبُ الْمَوْعِظَةِ : يَدَّعِي مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الصَّادِقَةِ بِالْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَفْهَمُ الْخَفِيَّةَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يُنَازِعُ فِي الْمَشْهُورَةِ . وَصَاحِبُ الْجَدَلِ : يَدَّعِي بِمَا يُسَلِّمُهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الصَّادِقَةِ مَشْهُورَةً كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ إذْ قَدْ لَا يَنْقَادُ إلَى مَا لَا يُسَلِّمُهُ سَوَاءٌ كَانَ جَلِيًّا أَوْ خَفِيًّا وَيَنْقَادُ لِمَا يُسَلِّمُهُ سَوَاءٌ كَانَ جَلِيًّا أَوْ خَفِيًّا فَهَذَا هَذَا . وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الْجُهَّالُ الضُّلَّالُ مِنْ الْكُفَّارِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمَةِ مَنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ جَاءَ بِالطَّرِيقَةِ الخطابية وَعَرِيَ عَنْ الْبُرْهَانِيَّةِ أَوْ اشْتَمَلَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْهَا بَلْ جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ هُوَ الطَّرِيقَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ وَتَكُونُ تَارَةً خطابية وَتَارَةً جَدَلِيَّةً مَعَ كَوْنِهَا بُرْهَانِيَّةً . وَالْأَقْيِسَةُ الْعَقْلِيَّةُ - الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ - هِيَ الْغَايَةُ فِي دَعْوَةِ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } فِي أَوَّلِ سُبْحَانَ وَآخِرِهَا وَسُورَةِ الْكَهْفِ وَالْمَثَلُ هُوَ الْقِيَاسُ ؛ وَلِهَذَا اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ عَلَى خُلَاصَةِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي كَلَامِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ والمتفلسفة وَغَيْرِهِمْ . وَنَزَّهَ اللَّهُ عَمَّا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِمْ ؛ مِنْ الطُّرُقِ الْفَاسِدَةِ وَيُوجَدُ فِيهِ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ بِحَالِ . الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ هُنَا نُكْتَةً يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا فَإِنَّهَا نَافِعَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مَثَلٌ لَهَا وَصْفٌ ذَاتِيٌّ وَوَصْفٌ إضَافِيٌّ : فَالْوَصْفُ الذَّاتِيُّ لَهَا : أَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً فَتَكُونَ صِدْقًا أَوْ لَا تَكُونَ مُطَابِقَةً فَتَكُونَ كَذِبًا وَجَمِيعُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ هِيَ صِدْقٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَأَمَّا الْوَصْفُ الْإِضَافِيُّ : فَكَوْنُهَا مَعْلُومَةً عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ مَظْنُونَةً أَوْ مُسَلَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ : فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَنْضَبِطُ . فَرُبَّ مُقَدِّمَةٍ هِيَ يَقِينِيَّةٌ عِنْدَ شَخْصٍ قَدْ عَلِمَهَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مَظْنُونَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهَا فَكَوْنُ الْمُقَدِّمَةِ يَقِينِيَّةً أَوْ غَيْرَ يَقِينِيَّةٍ أَوْ مَشْهُورَةً أَوْ غَيْرَ مَشْهُورَةٍ أَوْ مُسَلَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ أُمُورٌ نِسْبِيَّةٌ وَإِضَافِيَّةٌ لَهَا تَعْرِضُ بِحَسَبِ شُعُورِ الْإِنْسَانِ بِهَا . وَلِهَذَا تَنْقَلِبُ الْمَظْنُونَةُ ؛ بَلْ الْمَجْهُولَةُ فِي حَقِّهِ يَقِينِيَّةً مَعْلُومَةً وَالْمَمْنُوعَةُ مُسَلَّمَةً ؛ بَلْ وَالْمُسَلَّمَةُ مَمْنُوعَةً . وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْذَرَ بِهِ جَمِيعَ الْخَلْقِ لَمْ يُخَاطِبْ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ حَتَّى يُخَاطَبَ بِمَا هُوَ عِنْدَهُ يَقِينِيٌّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ مَشْهُورٌ أَوْ مُسَلَّمٌ . فَمُقَدِّمَاتُ الْأَمْثَالِ فِيهِ : اُعْتُبِرَ فِيهَا الصِّفَةُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهَا صِدْقًا وَحَقًّا يَجِبُ قَبُولُهُ وَأَمَّا جِهَةُ التَّصْدِيقِ : فَتَتَعَدَّدُ وَتَتَنَوَّعُ إذْ قَدْ يَكُونُ لِهَذَا مِنْ طُرُقِ التَّصْدِيقِ بِتِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ مَا لَيْسَ لِعَمْرٍو مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا يَعْلَمُهَا بِالْإِحْسَاسِ وَالرُّؤْيَةِ وَهَذَا يَعْلَمُهَا بِالسَّمَاعِ وَالتَّوَاتُرِ كَآيَاتِ الرَّسُولِ وَقِصَّةِ أَهْلِ الْفِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَمَا كَانَ جِهَةُ تَصْدِيقِهِ عَامًّا لِلنَّاسِ : أَمْكَنَ ذِكْرُهُ جِهَةَ التَّصْدِيقِ بِهِ كَآيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ بِالْإِحْسَاسِ دَائِمًا . وَمَا كَانَ جِهَةُ تَصْدِيقِهِ مُتَنَوِّعًا : أُحِيلَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي يُصَدِّقُونَ بِهَا . وَقَدْ يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا : { ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } . فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ الْمُعَيَّنِ : قَدْ يُعْلَمُ بِهَا مَا هُوَ عِنْدَهُ يَقِينِيٌّ أَوْ مَشْهُورٌ مِنْ الْيَقِينِ : أَوْ مُسَلَّمٌ مِنْهُ . وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ تَقْسِيمَ الْمَنْطِقِيِّينَ لِمُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ : إلَى الْمُسْتَيْقَنِ وَالْمَشْهُورِ وَالْمُسَلَّمِ ؛ لَيْسَ ذَلِكَ وَصْفًا لَازِمًا لِلْقَضِيَّةِ بَلْ هُوَ بِحَسَبِ مَا اتَّفَقَ لِلْمُصَدِّقِ بِهَا وَرُبَّمَا انْقَلَبَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ وَيَظْهَرُ لَك مِنْ هَذَا أَنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَقِينِيٍّ أَوْ لَيْسَ مَشْهُورًا وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَيْسَتْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةً . إذْ سَلْبُ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْبَشَرِ . وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقِينِيٌّ أَوْ مَشْهُورٌ أَوْ مُسَلَّمٌ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ . وَأَيْضًا الْقِيَاسُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَا يَتَبَدَّلُ وَمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ يَتَغَيَّرُ وَيَتَبَدَّلُ وَلَا يَسْتَمِرُّ اللَّهُمَّ إلَّا فِي الْأُمُورِ الَّتِي قَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ الْحِسَابِيَّاتِ . وَالطَّبِيعِيَّاتِ . وَهَذَانِ الْفَنَّانِ لَيْسَا مَقْصُودَ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ . وَلَا مَعْرِفَتُهُمَا شَرْطًا فِي السَّعَادَةِ وَلَا مُحَصِّلًا لَهَا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَنُّ الْإِلَهِيُّ . وَمُقَدِّمَاتُ الْقِيَاسِ فِيهِ : هِيَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِيهِ أَحْكَامُ الْمُقَدِّمَاتِ بِالنَّسَبِ وَالْإِضَافَةِ . فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ خَالِصٌ نَافِعٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ . يُوَضِّحُ هَذَا الْفَصْلُ أَنَّ الْقُرْآنَ - وَإِنْ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ - فَإِنَّ اللَّهَ أَضَافَهُ إلَى الرَّسُولِ الْمُبَلِّغِ لَهُ مِنْ الْمَلَكِ وَالْبَشَرِ فَأَضَافَهُ إلَى الْمَلَكِ فِي قَوْلِهِ : { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } { الْجَوَارِي الْكُنَّسِ } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } { ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } فَهَذَا جبرائيل . فَإِنَّ هَذِهِ صِفَاتُهُ لَا صِفَاتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَالَ : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } أَضَافَهُ إلَيْنَا امْتِنَانًا عَلَيْنَا بِأَنَّهُ صَاحِبُنَا كَمَا قَالَ : { وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى } { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } . { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } فَهُوَ مُحَمَّدٌ . أَيْ بِمُتَّهَمِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى : بِبَخِيلِ . وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَنَّهُ جبرائيل أَيْضًا وَهُوَ الْعَقْلُ الْفَاعِلُ الْفَائِضُ وَهُوَ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ فَإِنَّ صِفَاتِ جبرائيل تَقَدَّمَتْ وَإِنَّمَا هَذَا وَصْفُ مُحَمَّدٍ . ثُمَّ قَالَ : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } لَمَّا أَثْبَتَ أَنَّهُ قَوْلُ الْمَلَكِ : نَفَى أَنْ يَكُونَ قَوْلَ الشَّيْطَانِ . كَمَا قَالَ فِي الشُّعَرَاءِ : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } { عَلَى قَلْبِكَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } { وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } { يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } . وَأَضَافَهُ إلَى الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ فِي قَوْلِهِ : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } { وَمَا لَا تُبْصِرُونَ } { إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } { تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فَنَفَى عَنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ شَاعِرٍ أَوْ كَاهِنٍ وَهُمَا مِنْ الْبَشَرِ . كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الشُّعَرَاءِ : أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . كَالْكَهَنَةِ الَّذِينَ يُلْقُونَ إلَيْهِمْ السَّمْعَ وَأَنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ . فَهَذَانِ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ قَدْ يَشْتَبِهَانِ بِالرَّسُولِ مِنْ الْبَشَرِ لَمَّا نَفَاهُمَا : عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ الْكَرِيمَ : هُوَ الْمُصْطَفَى مِنْ الْبَشَرِ فَإِنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ كَمَا أَنَّهُ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ : لَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ يُشَبَّهُ بِالْمَلَكِ - فَنَفَى أَنْ يَكُونَ قَوْلَ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ - عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْمُصْطَفَى مِنْ الْمَلَائِكَةِ . وَفِي إضَافَتِهِ إلَى هَذَا الرَّسُولِ تَارَةً وَإِلَى هَذَا تَارَةً : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إضَافَةُ بَلَاغٍ وَأَدَاءٍ لَا إضَافَةُ إحْدَاثٍ لِشَيْءِ مِنْهُ أَوْ إنْشَاءٍ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَنَّ حُرُوفَهُ ابْتِدَاءً جبرائيل أَوْ مُحَمَّدٌ مُضَاهَاةً مِنْهُمْ فِي نِصْفِ قَوْلِهِمْ لِمَنْ قَالَ : إنَّهُ قَوْلُ الْبَشَرِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَنْشَأَهُ بِفَضْلِهِ وَقُوَّةِ نَفْسِهِ وَمِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَعَانِيَ وَالْحُرُوفَ تَأْلِيفُهُ ؛ لَكِنَّهَا فَاضَتْ عَلَيْهِ كَمَا يَفِيضُ الْعِلْمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ . فَالْكَاهِنُ مُسْتَمِدٌّ مِنْ الشَّيَاطِينِ . { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } وَكِلَاهُمَا فِي لَفْظِهِ وَزْنٌ . هَذَا سَجْعٌ وَهَذَا نَظْمٌ وَكِلَاهُمَا لَهُ مَعَانٍ مِنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ } وَقَالَ : " هَمْزُهُ الموتة وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ " وقَوْله تَعَالَى { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } يَنْفِي الْأَمْرَيْنِ كَمَا أَنَّهُ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى قَالَ : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ } { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ } وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الشُّعَرَاءِ : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } مُطْلَقًا . ثُمَّ ذَكَرَ عَلَامَةَ مَنْ تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ : بِأَنَّهُ أَفَّاكٌ أَثِيمٌ وَأَنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ . فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ : لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الشُّعَرَاءَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الشَّيَاطِينُ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ كَذَّابًا أَثِيمًا فَالْكَذَّابُ : فِي قَوْلِهِ وَخَبَرِهِ . وَالْأَثِيمُ : فِي فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ . وَذَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : لِأَنَّ الشِّعْرَ يَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ تَارَةً وَيَكُونُ مِنْ النَّفْسِ أُخْرَى . كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقًّا يَكُونُ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ كَمَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ : اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } وَقَالَ : { اُهْجُهُمْ وهاجهم وجبرائيل مَعَك } فَلَمَّا نَفَى قِسْمَ الشَّيْطَانِ نَفَى قِسْمَ النَّفْسِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } وَأَلْغَى اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ الَّتِي هِيَ هَوَى النُّفُوسِ . وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَيَّانٍ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِك فَأَحَبَّتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ نَفْسِك فَانْهَهَا عَنْهُ وَمَا كَانَ مِنْ نَفْسِك فَكَرِهَتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك : فَهُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَبَبُ ذَلِكَ . وَأَمَّا التَّقْسِيمُ إلَى الْكَاهِنِ وَالشَّاعِرِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْكَلَامَ نَوْعَانِ : خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ . وَالْكَاهِنُ يُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ مُخَلِّطًا فِيهِ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ لَا يَأْتُونَ بِالْحَقِّ مَحْضًا وَإِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّةِ أَحَدِهِمْ شَيْئًا فِي الْقَلْبِ : لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْكُهَّانِ لَمَّا قَالَ : { إنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِي الْكَلِمَةِ مِائَةَ كِذْبَةٍ } بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُحَدِّثِ كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ : { فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } . وَالْقِرَاءَةُ الْعَامَّةُ لَيْسَ فِيهَا الْمُحَدِّثُ ؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَرَّ عَلَى بَعْضِ الْخَطَأِ وَيُدْخِلَ الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ بَعْضَ مَا يُلْقِيهِ فَلَا يُنْسَخُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَسْخِ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَأَنْ يُحْكِمَ اللَّهُ آيَاتِهِ لِأَنَّهُ [ حَقٌّ ] وَالْمُحَدِّثُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْرِضَ مَا يُحَدِّثُهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ . وَلِهَذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ لِعُمَرِ وَهُوَ مُحَدِّثٌ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقِصَّةِ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَّةِ اخْتِلَافِهِ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فَأَزَالَهُ عَنْهُ نُورُ النُّبُوَّةِ . وَأَمَّا الشَّاعِرُ فَشَأْنُهُ التَّحْرِيكُ لِلنُّفُوسِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ الْخَاصِّ الْمُرَغِّبِ ؛ فَلِهَذَا قِيلَ فِيهِمْ : { يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } فَضَرَرُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ لَا فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَأُولَئِكَ ضَرَرُهُمْ فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَيَتْبَعُهَا الْأَعْمَالُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } . وَمَعْنَى الْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ : مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ الْخَارِجِينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْغُيُوبِ عَنْ كِهَانَةٍ وَيُحَرِّكُونَ النُّفُوسَ بِالشِّعْرِ وَنَحْوِهِ وَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْمُتَنَبِّئِينَ الْكَذَّابِينَ لَهُمْ مَادَّةٌ مِنْ الشَّيَاطِينِ . كَمَا قَدْ رَأَيْنَاهُ كَثِيرًا فِي أَنْوَاعٍ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ وَغَيْرِهَا لِمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ صَدْرَهُ وَقَذَفَ فِي قَلْبِهِ مِنْ نُورِهِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــ

وقال رحمه الله :

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَد ابْنُ تيمية - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفُرُوقِ : الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا كَوْنُ الْحَسَنَةِ مِنْ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةِ مِنْ النَّفْسِ وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وَقَوْلُهُ : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } إلَى قَوْلِهِ { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } فَإِنَّهُ يَنْفِي التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِهَا وَيُثْبِتُهُ لَهَا لَكِنْ هَلْ أَثْبَتَهَا لِلْجِنْسِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا يُقَالُ إنَّمَا يَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هَلْ هُوَ مُقْتَضًى أَوْ شَرْطٌ ؟ . فَفِي الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا هُوَ مُقْتَضًى فَهُوَ عَامٌّ ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ يُوجِبُ الْخَوْفَ فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ وَكُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ لَيْسَ بِتَامِّ الْعِلْمِ تَبَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ السَّيِّئَاتِ الْجَهْلُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ شَيْئًا مَوْجُودًا ؛ بَلْ هُوَ مِثْلُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَعَدَمِ السَّمْعِ وَعَدَمِ الْبَصَرِ وَالْعَدَمُ لَيْسَ شَيْئًا وَإِنَّمَا الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ - وَاَللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يُضَافُ الْعَدَمُ الْمَحْضُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَوْجُودٌ - فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا ، وَالنَّفْسُ بِطَبْعِهَا تُحَرِّكُهُ فَإِنَّهَا حَيَّةٌ ، وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ ، وَلِهَذَا أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ وَالْهُمَامُ ، وَفِي الْحَدِيثِ : { مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ رِيشَةٍ مُلْقَاةٍ } إلَخْ . وَفِيهِ { الْقَلْبُ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنْ الْقِدْرِ إذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا } فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ هَدَاهَا اللَّهُ عَلَّمَهَا مَا يَنْفَعُهَا وَمَا يَضُرُّهَا ، فَأَرَادَتْ مَا يَنْفَعُهَا وَتَرَكَتْ مَا يَضُرُّهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَفَضَّلَ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَمْرَيْنِ ؛ هُمَا أَصْلُ السَّعَادَةِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَلِمُسْلِمِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ مَرْفُوعًا { إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ } الْحَدِيثَ . فَالنَّفْسُ بِفِطْرَتِهَا إذَا تُرِكَتْ كَانَتْ مُحِبَّةً لِلَّهِ تَعْبُدُهُ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ يُفْسِدُهَا مَنْ يُزَيِّنُ لَهَا مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ . قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الْآيَةَ . وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . ( الثَّانِي ) : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هَدَى النَّاسَ هِدَايَةً عَامَّةً ، بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ مِنْ الْعَقْلِ ، وَبِمَا أَنْزَلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْكُتُبِ ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ مِنْ الرُّسُلِ ، قَالَ تَعَالَى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } - إلَى قَوْلِهِ - { مَا لَمْ يَعْلَمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { الرَّحْمَنِ } { عَلَّمَ الْقُرْآنَ } { خَلَقَ الْإِنْسَانَ } { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } وَقَالَ تَعَالَى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَقَالَ : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَقْتَضِي مَعْرِفَتَهُ بِالْحَقِّ وَمَحَبَّتَهُ لَهُ ، وَقَدْ هَدَاهُ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ ، وَجَعَلَ فِي فِطْرَتِهِ مَحَبَّةً لِذَلِكَ . لَكِنْ قَدْ يُعْرِضُ الْإِنْسَانُ عَنْ طَلَبِ عِلْمِ مَا يَنْفَعُهُ وَذَلِكَ الْإِعْرَاضُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ ، لَكِنَّ النَّفْسَ مِنْ لَوَازِمِهَا الْإِرَادَةُ وَالْحَرَكَةُ فَإِنَّهَا حَيَّةٌ حَيَاةً طَبِيعِيَّةً ، لَكِنَّ سَعَادَتَهَا أَنْ تَحْيَا الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ فَتَعْبُدَ اللَّهَ ، وَمَتَى لَمْ تَحْيَا هَذِهِ الْحَيَاةَ كَانَتْ مَيِّتَةً ، وَكَانَ مَا لَهَا مِنْ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ مُوجِبًا لِعَذَابِهَا ، فَلَا هِيَ حَيَّةٌ مُتَنَعِّمَةٌ بِالْحَيَاةِ ، وَلَا مَيِّتَةٌ مُسْتَرِيحَةٌ مِنْ الْعَذَابِ ، قَالَ تَعَالَى : { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا } فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ لَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَيِّ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ وَلَا مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ ، كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ ، وَالنَّفْسُ إنْ عَلِمَتْ الْحَقَّ وَأَرَادَتْهُ فَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهَا ، وَإِلَّا فَهِيَ بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ مَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ ؛ وَمُرَادَاتٍ سَيِّئَةٍ ؛ فَهَذَا تَرَكَّبَ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْ اللَّهَ وَلَمْ تَعْبُدْهُ وَهَذَا عَدَمٌ . وَالْقَدَرِيَّةُ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا ، وَبِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُرِيدًا ، لَكِنْ يَجْعَلُونَهُ مُرِيدًا بِالْقُوَّةِ وَالْقَبُولِ ، أَيْ قَابِلًا لِأَنْ يُرِيدَ هَذَا وَهَذَا ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُرِيدًا لِهَذَا الْمُعَيَّنِ وَهَذَا الْمُعَيَّنِ ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ لَيْسَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ ، وَغَلِطُوا بَلْ اللَّهُ خَالِقُ هَذَا كُلِّهِ ، وَهُوَ الَّذِي أَلْهَمَ النَّفْسَ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا } إلَخْ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ إبْرَاهِيمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ ، وَجَعَلَ آلَ فِرْعَوْنَ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ ، وَلَكِنَّ هَذَا إلَى اللَّهِ لِوَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ الغائية ، وَمِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ : أَمَّا الْعِلَّةُ الغائية : فَإِنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهُ لِحِكْمَةِ هُوَ بِاعْتِبَارِهَا خَيْرٌ ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا إضَافِيًّا ، فَإِذَا أُضِيفَ مُفْرَدًا تَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ مَذْهَبَ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّرَّ الْمَحْضَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ لِأَحَدِ ، لَا لِحِكْمَةِ وَلَا لِرَحْمَةِ ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ يُبْطِلُ هَذَا ، كَمَا إذَا قِيلَ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ يَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ كَانَ هَذَا ذَمًّا لَهُمْ ، وَكَانَ بَاطِلًا ، وَإِذَا قِيلَ يُجَاهِدُونَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَيَقْتُلُونَ مَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مَدْحًا لَهُمْ وَكَانَ حَقًّا . فَإِذَا قِيلَ : إنَّ الرَّبَّ تَعَالَى حَكِيمٌ رَحِيمٌ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْهِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْهِ ، لَا يَفْعَلُ إلَّا خَيْرًا ، وَمَا خَلَقَهُ مِنْ أَلَمٍ لِبَعْضِ الْحَيَوَانِ ، وَمِنْ أَعْمَالِهِ الْمَذْمُومَةِ ، فَلَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ جَسِيمَةٌ ، كَانَ هَذَا حَقًّا وَهُوَ مَدْحٌ لِلرَّبِّ . وَأَمَّا إذَا قِيلَ يَخْلُقُ الشَّرَّ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَلَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ ، وَلَا لَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَيُعَذِّبُ النَّاسَ بِلَا ذَنْبٍ لَمْ يَكُنْ مَدْحًا لَهُ بَلْ الْعَكْسُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ مَا فِي خَلْقِ جَهَنَّمَ وَإِبْلِيسَ وَالسَّيِّئَاتِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ أَعْظَمُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالْحُبَّ وَالرِّضَا لِذَاتِهِ وَلِإِحْسَانِهِ هَذَا حَمْدُ شُكْرٍ ، وَذَاكَ حَمْدٌ مُطْلَقًا .


[يتبع إن شاء الله]
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 02-11-2010, 07:33 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
Lightbulb

ومن جملة كلامه رحمه الله :

لَكِنَّ جَزْمَ الْعِلْمِ غَيْرُ جَزْمِ الْهَوَى . فَالْجَازِمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا جَزَمَ بِهِ وَالْجَازِمُ بِعِلْمِ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ ؛ إذْ كَوْنُ الْإِنْسَانِ عَالِمًا وَغَيْرَ عَالِمٍ مِثْلَ كَوْنِهِ سَامِعًا وَمُبْصِرًا وَغَيْرَ سَامِعٍ وَمُبْصِرٍ فَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ : مِثْلَ مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ كَوْنَهُ مُحِبًّا وَمُبْغِضًا وَمُرِيدًا وَكَارِهًا ؛ وَمَسْرُورًا وَمَحْزُونًا ؛ وَمُنَعَّمًا وَمُعَذَّبًا ؛ وَغَيْرَ ذَلِكَ . وَمَنْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ يَعْلَمُ مَعَ كَوْنِهِ يَعْلَمُ - فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ عَلِمَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَذَلِكَ نَظِيرُ مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ سَمِعَ وَرَأَى ؛ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهُ سَمِعَ وَرَأَى مَا لَمْ يَسْمَعْهُ وَيَرَاهُ . وَالْغَلَطُ أَوْ الْكَذِبُ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَكِنَّ هَذَا الْغَلَطَ أَوْ الْكَذِبَ الْعَارِضَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ جَازِمًا بِمَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَجْزِمُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ الطُّعُومِ والأراييح وَإِنْ كَانَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الِانْحِرَافِ مَا يَجِدُ بِهِ الْحُلْوَ مُرًّا . فَالْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ لِغَلَطِ الْحِسِّ الْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرِ وَالْعَقْلِ : بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْعَارِضِ لِحَرَكَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَالْأَصْلُ هُوَ الصِّحَّةُ فِي الْإِدْرَاكِ وَفِي الْحَرَكَةِ . فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ يُعْلَمُ الْغَلَطُ فِيهَا بِأَسْبَابِهَا الْخَاصَّةِ ؛ كَالْمُرَّةِ الصَّفْرَاءِ الْعَارِضَةِ لِلطَّعْمِ وَكَالْحَوَلِ فِي الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَجْزِمُ بِهِ وَجَدَ أَكْثَرَ النَّاسِ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِمَا لَا يُجْزَمُ بِهِ إنَّمَا جَزْمُهُمْ لِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وَقَالَ : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } . وَلِهَذَا تَجِدُ الْيَهُودَ يُصَمِّمُونَ وَيُصِرُّونَ عَلَى بَاطِلِهِمْ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْقَسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَهْوَاءِ . وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَعْظَمُ ضَلَالًا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي الْعَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ أَقَلَّ مِنْهُمْ شَرًّا فَلَيْسُوا جَازِمِينَ بِغَالِبِ ضَلَالِهِمْ بَلْ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ تَجِدُ مَنْ تَرَكَ الْهَوَى مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَنَظَرَ نَوْعَ نَظَرٍ تَبَيَّنَ لَهُ الْإِسْلَامُ حَقًّا . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ مَعْرِفَةَ الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ : مَرْجِعُهُ إلَى وُجُودِ نَفْسِهِ عَالِمَةً . وَلِهَذَا لَا نَحْتَجُّ عَلَى مُنْكِرِ الْعِلْمِ إلَّا بِوُجُودِنَا نُفُوسَنَا عَالِمَةً ؛ كَمَا احْتَجُّوا عَلَى مُنْكِرِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِأَنَّا نَجِدُ نُفُوسَنَا عَالِمَةً بِذَلِكَ وَجَازِمَةً بِهِ كَعِلْمِنَا وَجَزْمِنَا بِمَا أَحْسَسْنَاهُ . وَجَعَلَ الْمُحَقِّقُونَ وُجُودَ الْعِلْمِ بِخَبَرِ [ مِنْ ] الْأَخْبَارِ هُوَ الضَّابِطُ فِي حُصُولِ التَّوَاتُرِ ؛ إذْ لَمْ يَحُدُّوهُ بِعَدَدِ وَلَا صِفَةٍ ؛ بَلْ مَتَى حَصَلَ الْعِلْمُ كَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ . وَالْإِنْسَانُ يَجِدُ نَفْسَهُ عَالِمَةً وَهَذَا حَقٌّ . فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِلَّ الْإِنْسَانُ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِدَلِيلِ فَإِنَّ عِلْمَهُ بِمُقَدِّمَاتِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجِدَ نَفْسَهُ عَالِمَةً بِهَا فَلَوْ احْتَاجَ عِلْمُهُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا إلَى دَلِيلٍ أَفْضَى إلَى الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِوُجُودِ الْعِلْمِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ إنْ كَانَ بَدِيهِيًّا ؛ أَوْ إنْ كَانَ نَظَرِيًّا إذَا عَلِمَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ . وَبِهَذَا اُسْتُدِلَّ عَلَى مُنْكِرِي إفَادَةِ النَّظَرِ الْعِلْمَ وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . فَالْغَرَضُ : أَنَّ مَنْ نَظَرَ فِي دَلِيلٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَجَدَ نَفْسَهُ عَالِمَةً عِنْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ كَمَا يَجِدُ نَفْسَهُ سَامِعَةً رَائِيَةً عِنْدَ الِاسْتِمَاعِ لِلصَّوْتِ وَالتَّرَائِي لِلشَّمْسِ أَوْ الْهِلَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ كَمَا تَحْصُلُ سَائِرُ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ بِمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَعَامَّةِ ذَلِكَ بِمَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى . فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُنْزِلُ بِهَا عَلَى قُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ . وَلِهَذَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ : اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } " وَقَالَ تَعَالَى : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ } " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا : " إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً فَلَمَّةُ الْمَلَكِ : إيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ . وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ " وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ مَحْفُوظٌ عَنْهُ وَرُبَّمَا رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِأُصُولِ مَا يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ مِنْ شُعُورٍ وَإِرَادَةٍ . وَذَلِكَ : أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُوَّةُ الشُّعُورِ وَالْإِحْسَاسِ وَالْإِدْرَاكِ وَقُوَّةُ الْإِرَادَةِ وَالْحَرَكَةِ وَإِحْدَاهُمَا أَصْلُ الثَّانِيَةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا . وَالثَّانِيَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْأُولَى وَمُكَمِّلَةٌ لَهَا . فَهُوَ بِالْأُولَى يُصَدِّقُ بِالْحَقِّ وَيُكَذِّبُ بِالْبَاطِلِ وَبِالثَّانِيَةِ يُحِبُّ النَّافِعَ الْمُلَائِمَ لَهُ ؛ وَيُبْغِضُ الضَّارَّ الْمُنَافِيَ لَهُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فِيهَا مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ الْبَاطِلِ وَالتَّكْذِيبُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ النَّافِعِ الْمُلَائِمِ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ وَمَعْرِفَةُ الضَّارِّ الْمُنَافِي وَالْبُغْضُ لَهُ بِالْفِطْرَةِ . فَمَا كَانَ حَقًّا مَوْجُودًا صَدَّقَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ وَمَا كَانَ حَقًّا نَافِعًا عَرَفَتْهُ الْفِطْرَةُ فَأَحَبَّتْهُ وَاطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ . وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَمَا كَانَ بَاطِلًا مَعْدُومًا كَذَّبَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ فَأَبْغَضَتْهُ الْفِطْرَةُ فَأَنْكَرَتْهُ . قَالَ تَعَالَى : { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } . وَالْإِنْسَانُ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : " { أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ } " فَهُوَ دَائِمًا يَهُمُّ وَيَعْمَلُ لَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا مَا يَرْجُو نَفْعَهُ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّتِهِ وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الرَّجَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ إمَّا فِي نَفْسِ الْمَقْصُودِ : فَلَا يَكُونُ نَافِعًا وَلَا ضَارًّا وَإِمَّا فِي الْوَسِيلَةِ : فَلَا تَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ . وَهَذَا جَهْلٌ . وَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ يَضُرُّهُ وَيَفْعَلُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ وَيَتْرُكُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ عَارَضَهُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ طَلَبِ لَذَّةٍ أُخْرَى أَوْ دَفْعِ أَلَمٍ آخَرَ جَاهِلًا ظَالِمًا حَيْثُ قَدَّمَ هَذَا عَلَى ذَاكَ . وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : " سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } ؟ فَقَالُوا . كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ " . وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَتَحَرَّكُ إلَّا رَاجِيًا . وَإِنْ كَانَ رَاهِبًا خَائِفًا لَمْ يَسْعَ [ إلَّا ] فِي النَّجَاةِ وَلَمْ يَهْرُبْ [ إلَّا ] مِنْ الْخَوْفِ فَالرَّجَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يُلْقَى فِي نَفْسِهِ مِنْ الْإِيعَادِ بِالْخَيْرِ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْمَحْبُوبِ أَوْ فَوَاتُ الْمَكْرُوهِ فَكُلُّ بَنِي آدَمَ لَهُ اعْتِقَادٌ ؛ فِيهِ تَصْدِيقٌ بِشَيْءِ وَتَكْذِيبٌ بِشَيْءِ وَلَهُ قَصْدٌ وَإِرَادَةٌ لِمَا يَرْجُوهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ مَحْبُوبٌ مُمْكِنُ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَحْبُوبِ عِنْدَهُ ؛ أَوْ لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ . وَاَللَّهُ خَلَقَ الْعَبْدَ يَقْصِدُ الْخَيْرَ فَيَرْجُوهُ بِعَمَلِهِ فَإِذَا كَذَّبَ بِالْحَقِّ فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهِ وَلَمْ يَرْجُ الْخَيْرَ فَيَقْصِدَهُ وَيَعْمَلَ لَهُ : كَانَ خَاسِرًا بِتَرْكِ تَصْدِيقِ الْحَقِّ وَطَلَبِ الْخَيْرِ فَكَيْفَ إذَا كَذَّبَ بِالْحَقِّ وَكَرِهَ إرَادَةَ الْخَيْرِ ؟ فَكَيْفَ إذَا صَدَّقَ بِالْبَاطِلِ وَأَرَادَ الشَّرَّ ؟ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ لِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً مِنْ الْمَلَكِ وَلَمَّةً مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَمَّةُ الْمَلَكِ تَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ وَهُوَ مَا كَانَ [ مِنْ ] غَيْرِ جِنْسِ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ وَ [ لَمَّةُ الشَّيْطَانِ ] هُوَ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ إرَادَةِ الشَّرِّ وَظَنِّ وُجُودِهِ : إمَّا مَعَ رَجَائِهِ إنْ كَانَ مَعَ هَوَى نَفْسٍ وَإِمَّا مَعَ خَوْفِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَحْبُوبٍ لَهَا . وَكُلٌّ مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ . فَمَبْدَأُ الْعِلْمِ الْحَقِّ وَالْإِرَادَةِ الصَّالِحَةِ : مِنْ لَمَّةِ الْمَلَكِ . وَمَبْدَأُ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ : مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ : يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ } . وَالشَّيْطَانُ وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ إذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ وَسْوَسَ فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُ ذِكْرِ اللَّهِ سَبَبًا وَمَبْدَأً لِنُزُولِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى : تِلَاوَةُ كِتَابِهِ وَفَهْمُهُ وَمُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : " وَمُذَاكَرَتُهُ تَسْبِيحٌ " .

ــــــــــــــــــــــــــــ
وقال :

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْشَاهُ إلَّا عَالِمٌ ؛ فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } . وَالْخَشْيَةُ أَبَدًا مُتَضَمِّنَةٌ لِلرَّجَاءِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ قُنُوطًا ؛ كَمَا أَنَّ الرَّجَاءَ يَسْتَلْزِمُ الْخَوْفَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ أَمْنًا ؛ فَأَهْلُ الْخَوْفِ لِلَّهِ وَالرَّجَاءِ لَهُ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الَّذِينَ مَدَحَهُمْ اللَّهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَيَّانٍ التيمي أَنَّهُ قَالَ : " الْعُلَمَاءُ ثَلَاثَةٌ " . فَعَالِمٌ بِاَللَّهِ لَيْسَ عَالِمًا بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ عَالِمًا بِاَللَّهِ ، وَعَالِمٌ بِاَللَّهِ عَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ . فَالْعَالِمُ بِاَللَّهِ هُوَ الَّذِي يَخَافُهُ وَالْعَالِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ . وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِحُدُودِهِ } . وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْخَشْيَةِ هُمْ الْعُلَمَاءُ الْمَمْدُوحُونَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } . وَقَوْلُهُ : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } . فَوَعَدَ بِنَصْرِ الدُّنْيَا وَبِثَوَابِ الْآخِرَةِ لِأَهْلِ الْخَوْفِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا الْوَاجِبَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ يَسْتَلْزِمُ فِعْلَ الْوَاجِبِ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْفَاجِرِ : لَا يَخَافُ اللَّهَ . وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } . قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا لِي : كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ وَكَذَلِكَ قَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ . . قَالَ مُجَاهِدٌ : كُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ حِينَ مَعْصِيَتِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وقتادة وَعَطَاءٌ والسدي وَغَيْرُهُمْ : إنَّمَا سُمُّوا جُهَّالًا لِمَعَاصِيهِمْ لَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُمَيِّزِينَ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهُ سُوءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَتَى مَا يَجْهَلُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُوَاقِعْ سُوءًا ؛ وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ . ( أَحَدُهُمَا ) : أَنَّهُمْ عَمِلُوهُ وَهُمْ يَجْهَلُونَ الْمَكْرُوهَ فِيهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَنَّ عَاقِبَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَآثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ ؛ فَسُمُّوا جُهَّالًا لِإِيثَارِهِمْ الْقَلِيلَ عَلَى الرَّاحَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ . فَقَدْ جَعَلَ الزَّجَّاجُ " الْجَهْلَ " إمَّا عَدَمُ الْعِلْمِ بِعَاقِبَةِ الْفِعْلِ وَإِمَّا فَسَادُ الْإِرَادَةِ ؛ وَقَدْ يُقَالُ : هُمَا مُتَلَازِمَانِ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي الْكَلَامِ مَعَ الجهمية . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ عَاصٍ لِلَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ ، وَكُلَّ خَائِفٍ مِنْهُ فَهُوَ عَالِمٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا لِنَقْصِ خَوْفِهِ مِنْ اللَّهِ إذْ لَوْ تَمَّ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَعْصِ . وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا . وَذَلِكَ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْمَخُوفِ يُوجِبُ الْهَرَبَ مِنْهُ وَتَصَوُّرَ الْمَحْبُوبِ يُوجِبُ طَلَبَهُ فَإِذَا لَمْ يَهْرُبْ مِنْ هَذَا وَلَمْ يَطْلُبْ هَذَا ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ تَصَوُّرًا تَامًّا ؛ وَلَكِنْ قَدْ يَتَصَوَّرُ الْخَبَرَ عَنْهُ ، وَتَصَوُّرُ الْخَبَرِ وَتَصْدِيقُهُ وَحِفْظُ حُرُوفِهِ غَيْرُ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ . وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَوَّرُ مَحْبُوبًا لَهُ وَلَا مَكْرُوهًا ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُصَدِّقُ بِمَا هُوَ مَخُوفٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ وَلَا يُورِثُهُ ذَلِكَ هَرَبًا وَلَا طَلَبًا . وَكَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ وَمَكْرُوهٌ وَلَمْ يُكَذِّبْ الْمُخْبِرَ بَلْ عَرَفَ صِدْقَهُ ؛ لَكِنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ بِأُمُورِ أُخْرَى عَنْ تَصَوُّرِ مَا أُخْبِرَ بِهِ ؛ فَهَذَا لَا يَتَحَرَّكُ لِلْهَرَبِ وَلَا لِلطَّلَبِ . وَفِي الْكَلَامِ الْمَعْرُوفِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَيُرْوَى مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعِلْمُ عِلْمَانِ فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ . فَعِلْمُ الْقَلْبِ هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ ؛ وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ } . وَقَدْ أَخْرَجَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ . وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا . وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا } . وَهَذَا الْمُنَافِقُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَحْفَظُهُ وَيَتَصَوَّرُ مَعَانِيَهُ وَقَدْ يُصَدِّقُ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ . وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا . كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَلَيْسُوا مُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ إبْلِيسُ وَفِرْعَوْنُ وَغَيْرُهُمَا . لَكِنْ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ ؛ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ التَّامُّ وَالْمَعْرِفَةُ التَّامَّةُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ لَا مَحَالَةَ ؛ وَلِهَذَا صَارَ يُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ : إنَّهُ جَاهِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ .

قال :

وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْعَقْلِ " - وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْأَصْلِ : مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَكَثِيرٌ مِنْ النُّظَّارِ جَعَلَهُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ - فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِلْمٌ يُعْمَلُ بِمُوجِبِهِ فَلَا يُسَمَّى " عَاقِلًا " إلَّا مَنْ عَرَفَ الْخَيْرَ فَطَلَبَهُ وَالشَّرَّ فَتَرَكَهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ النَّارِ : { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } . وَقَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } . وَمَنْ فَعَلَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ ؛ فَمِثْلُ هَذَا مَا لَهُ عَقْلٌ . فَكَمَا أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِهِ ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ خَشْيَتَهُ وَخَشْيَتُهُ تَسْتَلْزِمُ طَاعَتَهُ . فَالْخَائِفُ مِنْ اللَّهِ مُمْتَثِلٌ لِأَوَامِرِهِ مُجْتَنِبٌ لِنَوَاهِيهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدْنَا بَيَانَهُ أَوَّلًا . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى { فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } { الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } . فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَخْشَاهُ يَتَذَكَّرُ ، وَالتَّذَكُّرُ هُنَا مُسْتَلْزِمٌ لِعِبَادَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ } . وَقَالَ : { تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } . وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } سَيَتَّعِظُ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ . وَفِي قَوْلِهِ { وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ } إنَّمَا يَتَّعِظُ مَنْ يَرْجِعُ إلَى الطَّاعَةِ . وَهَذَا لِأَنَّ التَّذَكُّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ التَّأَثُّرَ بِمَا تَذَكَّرَهُ ؛ فَإِنْ تَذَكَّرَ مَحْبُوبًا طَلَبَهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ مَرْهُوبًا هَرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } . فَنَفَى الْإِنْذَارَ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ قَوْلِهِ : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْإِنْذَارَ مِنْ وَجْهٍ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ مِنْ وَجْهٍ ؛ فَإِنَّ الْإِنْذَارَ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ . فَالْإِنْذَارُ مِثْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّخْوِيفِ فَمَنْ عَلَّمْتَهُ فَتَعَلَّمَ فَقَدْ تَمَّ تَعْلِيمُهُ وَآخَرُ يَقُولُ : عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ . وَكَذَلِكَ مَنْ خَوَّفْتَهُ فَخَافَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَمَّ تَخْوِيفُهُ . وَأَمَّا مَنْ خُوِّفَ فَمَا خَافَ ؛ فَلَمْ يَتِمَّ تَخْوِيفُهُ . وَكَذَلِكَ مَنْ هَدَيْتَهُ فَاهْتَدَى ؛ تَمَّ هُدَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } . وَمَنْ هَدَيْتَهُ فَلَمْ يَهْتَدِ - كَمَا قَالَ : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } - فَلَمْ يَتِمَّ هُدَاهُ كَمَا تَقُولُ : قَطَّعْتُهُ فَانْقَطَعَ وَقَطَّعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ . فَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ : فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ أَثَرُهُ لَمْ يَكُنْ تَامًّا وَالْفِعْلُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا قَابِلًا تَمَّ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ . وَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يُورِثُ طَلَبَهُ وَالْعِلْمُ بِالْمَكْرُوهِ يُورِثُ تَرْكَهُ ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّى هَذَا الْعِلْمُ : الدَّاعِيَ وَيُقَالُ : الدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِرَادَةِ الْمَعْلُومِ الْمُرَادِ ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ وَسَلَامَتِهَا وَأَمَّا مَعَ فَسَادِهَا فَقَدْ يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِاللَّذِيذِ فَلَا يَجِدُ لَهُ لَذَّةً بَلْ يُؤْلِمُهُ ، وَكَذَلِكَ يَلْتَذُّ بِالْمُؤْلِمِ لِفَسَادِ الْفِطْرَةِ ، وَالْفَسَادُ يَتَنَاوَلُ الْقُوَّةَ الْعِلْمِيَّةَ وَالْقُوَّةَ الْعَمَلِيَّةَ جَمِيعًا كَالْمَمْرُورِ الَّذِي يَجِدُ الْعَسَلَ مُرًّا : فَإِنَّهُ فَسَدَ نَفْسُ إحْسَاسِهِ حَتَّى كَانَ يُحِسُّ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِلْمَرَّةِ الَّتِي مَازَجَتْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ فَسَدَ بَاطِنُهُ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } . وَقَالَ : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } . وَ " الْغُلْفُ " : جَمْعُ أَغْلَفَ وَهُوَ ذُو الْغِلَافِ الَّذِي فِي غِلَافٍ مِثْلِ الْأَقْلَفِ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَانِعَ خِلْقَةً أَيْ خُلِقَتْ الْقُلُوبُ وَعَلَيْهَا أَغْطِيَةٌ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } و { طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلَّا قَلِيلًا } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } . وَكَذَلِكَ قَالُوا : { يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ } قَالَ : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } أَيْ لَأَفْهَمَهُمْ مَا سَمِعُوهُ . ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ أَفْهَمَهُمْ مَعَ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا { لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } فَقَدْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا وَلَوْ فَهِمُوا لَمْ يَعْمَلُوا . فَنَفَى عَنْهُمْ صِحَّةَ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَصِحَّةَ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ وَقَالَ : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } . وَقَالَ : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } . وَقَالَ : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وَقَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ ؛ جُعِلُوا صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا أَوْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ صَارُوا كَالصُّمِّ الْعُمْيِ الْبُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ نَفْسُ قُلُوبِهِمْ عَمِيَتْ وَصَمَّتْ وَبَكِمَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } " وَالْقَلْبُ " هُوَ الْمَلِكُ وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ وَإِذَا صَلَحَ صَلَحَ سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ سَائِرُ الْجَسَدِ فَيَبْقَى يَسْمَعُ بِالْأُذُنِ الصَّوْتَ كَمَا تَسْمَعُ الْبَهَائِمُ ، وَالْمَعْنَى : لَا يَفْقَهُهُ وَإِنْ فَقِهَ بَعْضَ الْفِقْهِ لَمْ يَفْقَهْ فِقْهًا تَامًّا فَإِنَّ الْفِقْهَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ تَأْثِيرُهُ فِي الْقَلْبِ مَحَبَّةَ الْمَحْبُوبِ وَبُغْضَ الْمَكْرُوهِ ؛ فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ هَذَا لَمْ يَكُنْ التَّصَوُّرُ التَّامُّ حَاصِلًا فَجَازَ نَفْيُهُ لِأَنَّ مَا لَمْ يَتِمَّ يُنْفَى كَقَوْلِهِ لِلَّذِي أَسَاءَ فِي صَلَاتِهِ : { صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ } . فَنَفَى الْإِيمَانَ حَيْثُ نَفَى مِنْ هَذَا الْبَابِ . وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ وَصْفِهِمْ بِوَجَلِ الْقَلْبِ إذَا ذُكِرَ وَبِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ إذَا سَمِعُوا آيَاتِهِ . قَالَ الضَّحَّاكُ : زَادَتْهُمْ يَقِينًا . وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : خَشْيَةً . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَصْدِيقًا .


بوركتم
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:54 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.