أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
14807 79324

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الأخوات العام - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-01-2009, 08:26 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,646
افتراضي نصائح من درر شيخنا الألبـاني الهُــمام الى حُجـاج بيت الله الحرام - جـ 1

نصائح من درر شيخنا الألبـاني الهُــمام الى حُجـاج بيت الله الحرام - جـ 1

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى وجعل الفردوس الأعلى مأواه - في مقدمة كتابه القيّم:
[حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواها عنه جابر - رضي الله عنه -]:

[... وعندي بعض النصائح أريد أن أقدمها إلى القراء الكرام، والحجاج إلى بيت الله الحرام عسى الله - تبارك وتعالى - أن ينفعهم بها ، ويكتب لي أجر الدال على الخير بإذنه، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
ومما لا ريب فيه أن باب النصيحة واسع جدا، ولذلك فإني سأنتقي منه ما أعلم أن كثيرا من الحجاج في جهل به أو إهمال له. أسأل الله - تعالى - أن يعلمنا ما ينفعنا ويوفقنا للعمل به فإنه خير مسؤول.

أولا: إن كثيرًا من الحجاج إذا أحرموا بالحج لا يشعرون أبدًا أنهم تلبسوا بعبادة تفرض عليهم الابتعاد عما حرم الله - تعالى - من المحرمات عليهم خاصة، وعلى كل مسلم عامة، وكذا تراهم يحجون ويفرغون منه ولم يتغير شيء من سلوكهم المنحرف قبل الحج، وذلك دليل عملي منهم على أن حجهم ليس كاملا إن لم نقل : ليس مقبولا .
ولذلك فإن على كل حاج أن يتذكر هذا وأن يحرص جهد طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه من الفسق والمعاصي، فإن الله - تبارك وتعالى - يقول : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [سورة البقرة : 197 ].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (أخرجه الشيخان).
والرفث : هو الجماع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - تعالى -: (وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث، فلهذا ميّز بينه وبين الفسوق، وأما سائر المحظورات كاللباس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها، فلا تفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين).
وهو يشير في آخر كلامه إلى أن هناك من العلماء من يقول بفساد الحج بأي معصية يرتكبها الحاج، فمن هؤلاء الإمام ابن حزم - رحمه الله - تعالى - فإنه يقول: (وكل من تعمد معصية - أيُّ معصيةٍ كانت - وهو ذاكر لِحِجّهِ منذ يُحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة فقد بطل حجه ...). واحتج بالآية السابقة فراجعه فإنه مهم في كتابه (المحلى) (7/ 186).

ومما سبق يتبيّن أن المعصية من الحاج إما أن تفسد عليه حجّهُ على قول ابن حزم، وإما أن يأثم بها، ولكن هذا الإثم ليس كما لو صدر من غير الحاج، بل هو أخطر بكثير، فإن من آثاره أن لا يرجع من ذنوبه كما ولدته أمه كما صرح بذلك الحديث المتقدم . فبذلك يكون كما لو خسر حجته لأنه لم يحصل على الثمرة منها وهي مغفرة الله – تعالى - فالله المستعان .

وإذا تبيّن هذا فلا بد لي من أن أحَذرَ من بعض المعاصي التي يَكثر ابتلاء الناس بها ويُحْرِمون بالحج ولا يشعرون إطلاقا بأن عليهم الإقلاع عنها، ذلك لجهلهم، وغلبة الغفلة عليهم وتقليدهم لآبائهم :

1. الشرك بالله - عز وجل -:
فإن من أكبر المصائب التي أصيب بها بعض المسلمين جهلهم بحقيقة الشرك الذي هو من أكبر الكبائر ومن صفته أنه يحبط الأعمال {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر 65]؛ فقد رأينا كثيرا من الحجاج يقعون في الشرك وهم في بيت الله الحرام، وفي مسجد النبي - عليه الصلاة والسلام - يتركون دعاء الله والاستغاثة به، إلى الاستعانة بالأنبياء بالصالحين، ويحلفون بهم ، ويدعونهم من دون الله - عز وجل - والله - عز وجل - يقول : {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ غ‍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر 41]؛ والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، وفي هذه كفاية لمن فتح قلبه للهداية. إذ ليس الغرض الآن البحث العلمي في هذه المسألة وإنما هو التذكير فقط.

فليت شعري ماذا يستفيد هؤلاء من حجهم إلى بيت الله الحرام، إذا كانوا يصرون على مثل هذا الشرك ويغيرون اسمه فيسمونه : توسلا، تشفعا، وواسطة ! أليست هذه الوساطة هي التي ادّعاها المشركون من قبل يبررون بها شركهم وعبادتهم لغيره - تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر 3].
فيا أيها الحاج قبل أن تعزم على الحج يجب عليك وجوبًا عينيًا أن تبادر إلى معرفة التوحيد الخالص وما ينافيه من الشرك وذلك بدراسة كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن من تمسك بهما نجا، ومن حاد عنهما ضل. والله المستعان.

2. التزين بحلق اللحية: وهذه المعصية من أكثر المعاصي شيوعا بين المسلمين في هذا العصر، بسبب استيلاء الكفار على أكثر بلادهم، وَنقلِهم هذه المعصية إليها، وتقليد المسلمين لهم فيها، مع نهيه - صلى الله عليه وسلم - إياهم عن ذلك صراحة في قوله - عليه الصلاة والسلام - (خالفوا المشركين احفوا الشوارب وأوفوا اللحى) رواه شيخان، وفي حديث آخر: (وخالفوا أهل الكتاب).

وفي هذه القبيحة عدة مخالفات :

الأولى :مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم الصريح بالإعفاء .
الثانية : التشبه بالكفار .
الثالثة : تغير خلق الله الذي فيه طاعة الشيطان في قوله كما حكى الله - تعالى - ذلك عنه : {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [سورة النساء 119].
الرابعة : التشبه بالنساء وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فعل ذلك . وانظر تفصيل هذا الإجمال في كتابنا (آداب الزفاف في السنة المطهرة) (ص 131 – 126).

وإن من المشاهدات التي يراها الحريص على دينه أن جماهير من الحجاج يكونون قد وفروا لحاهم بسبب إحرامهم، فإذا تحللوا منه، فبدل أن يحلقوا رؤوسهم كما ندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلقوا لحاهم التي أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بإغفائها !. فإنا لله وإنا إليه راجعون .

3. تختم الرجال بالذهب: لقد رأينا كثيرا من الحجاج قد تزينوا بخاتم الذهب، ولدى البحث معهم في ذلك تبين أنهم على ثلاثة أنواع: بعضهم لا يعلم تحريمه ولذلك كان يسارع إلى نزعه بعد أن نذكر له شيئا من النصوص المحرمة كحديث (نهى - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب) متفق عليه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟) (رواه مسلم).
وبعضهم على علم بالتحريم ولكنه متبع لهواه : فهذا لا حيلة لنا فيه إلا أن يهديه الله.
وبعضهم يعترف بالتحريم ولكن يعتذر بعذر هو كما يقال أقبح من ذنب - فيقول: إنه خاتم الخطبة. ولا يدري المسكين أنه بذلك يجمع بين معصيتين : مخالفة نهيه - صلى الله عليه وسلم - الصريح كما تقدم، وتشبه بالكفار، لأن خاتم الخطبة لم يكن معروفا عند المسلمين إلى ما قبل هذا العصر، ثم سرت هذه العادة إليهم من تقاليد النصارى.
وقد فصلت القول في هذه المسألة في (آداب الزفاف) أيضا (ص 138 - 139) وبينت فيه أن النهي المذكور يشمل النساء أيضا خلافا للجمهور، فراجع (ص 168 - 139) فإنه مهمٌ جدا.

ثانيـــًـا: ننصح لكل من أراد الحج أن يدرس مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة، قبل أن يباشر أعمال الحج، ليكون تاما مقبولا عند الله - تبارك وتعالى -.

وإنما قلت: على الكتاب والسنة لأن المناسك قد وقع فيها من الخلاف - مع الأسف - ما وقع في سائر العبادات، من ذلك مثلا: هل الأفضل أن ينوي في حجه التمتع أم القران أم الإفراد ؟ على ثلاثة مذاهب والذي نراه من ذلك إنما هو التمتع فقط، كما هو مذهب الإمام أحمد وغيره، بل ذهب بعض العلماء المحققين إلى وجوبه إذا لم يَسُق معه الهدي، منهم ابن حزم، وابن القيم، تبعا لابن عباس وغيره من السلف، وتجد تفصيل القول في ذلك في كتاب (المحلّى) و(زاد المعاد) وغيرهما.

ولست أريد الآن الخوض في هذه المسألة بتفصيل، وإنما أريد أن أذكر بكلمة قصيرة تنفع إن شاء الله - تعالى - من كان مخلصا وغايته اتباع الحق، وليس تقليد الآباء أو المذهب، فأقول:

لا شك أن الحج كان في أول استئنافه - صلى الله عليه وسلم - إياه جائزا بأنواعه الثلاثة المتقدمة، وكذلك كان أصحابه - صلى الله عليه وسلم - منهم المتمتع، ومنهم القارن، ومنهم المفرِد لأنه - صلى الله عليه وسلم - خيّرهم في ذلك كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (من أرد منكم أن يُهلّ بحَجٍ وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يُهل بحج فليُهِل، ومن أراد أن يُهِلَّ بعمرة فليهل ...) ". ( رواه مسلم).

وكان هذا التخيير في أول إحرامهم عند الشجرة [1] كما في رواية لأحمد (245 /6). ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يستمر على هذا التخيير، بل نقلهم إلى ما هو أفضل وهو التمتع دون أن يعزم بذلك عليهم أو يأمرهم به وذلك في مناسبات شتى في طريقهم إلى مكة، فمن ذلك حينما وصلوا إلى (سرِف) وهو موضع قريب من التنعيم، وهو من مكة على نحو عشرة أميال، فقالت عائشة في رواية عنها ...: "فنزلنا سرِف قالت : فخرج إلى أصحابه فقال : (من لم يكن منكم أهدى فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا. قالت : فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه [ممن لم يكن معه هدي]). الحديث (متفق عليه). والزيادة لمسلم.

ومن ذلك لَمّا وصل - صلى الله عليه وسلم - إلى (ذي ُطوى) وهو موضع قريب من مكة وبات بها، فلما صلى الصبح قال لهم: (من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة) أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس، ولكنا رأيناه - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة وطاف هو وأصحابه طواف القدوم، لم يدعهم على الحكم السابق وهو الأفضلية بل نقلهم إلى حكم جديد وهو الوجوب فإنه أمر من كان لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى عمرة ويتحلل فقالت عائشة - رضي الله عنها -: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن ساق الهدي أن يَحل، قالت : فحَلّّ من لم يكن ساق الهديَ ونساؤه لم يسقن. فأحللن ...) (متفق عليه).

وعن ابن عباس نحوه بلفظ : (فأمرهم أن يجعلوها عُمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول الله أيّ الحِلّ ؟ قال : الحِلّ كله ) متفق عليه . وفي حديث جابر نحوه وأوضح منه كما يأتي فقرة (33 – 45).
قلت: فمن تأمل في هذه الأحاديث الصحيحة، تبين له بيانا لا يشوبه ريب أن التخيير الوارد فيها إنما كان منه - صلى الله عليه وسلم - لإعداد النفوس وتهيئتها لتقبل حكم جديد قد يصعب ولو على البعض تقبله بسهولة لأول وهلة ألا وهو الأمر بفسخ الحج إلى العمرة لا سيما وقد كانوا في الجاهلية - كما هو ثابت في (الصحيحين) يرون أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج، وهذا الرأي وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أبطله باعتماره - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات في ثلاث سنوات كلها في شهر ذي القعدة، فهذا وحده وإن كان كافيا في إبطال تلك البدعة الجاهلية، فإنه ولا قرينة هنا، بل لا يكفي - والله أعلم - لإعداد النفوس لتقبل الحكم الجديد، فلذلك مهّدَ له - صلى الله عليه وسلم - بتخييرهم بين الحج والعمرة مع بيان ما هو الأفضل لهم، ثم أتبع ذلك بالأمر الجازم بفسخ الحج إلى العمرة كما تقدم.

فإذا عرفنا ذلك، فهذا الأمر للوجوب قطعا، ويدل على ذلك الأمور التالية:

الأول: أن الأصل فيه الوجوب إلا لقرينة، ولا قرينة هنا، بل والقرينة هنا تؤكده وهي الأمر التالي وهو :

الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أمرهم تعاظم ذلك عندهم كما تقدم آنفا ولو لم يكن للوجوب لمْ يتعاظموه ألم ترَ أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أمرهم من قبل ثلاث مرات أمْرَ تخيير، ومع ذلك لم يتعاظموه فدل على أنهم فهموا من الأمر الوجوب وهو المقصود .

الثالث: أن في رواية في حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : (... فدخل عََلَيّ وهو غضبان، فقلت : من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار ! قال : أوَما شعرتِ أني أمرتُ الناس بأمرٍ فإذا هم يتردّدون، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سُقت الهدي معي حتى أشتريه ثم أحلّ كما حَلوا ). رواه مسلم والبيهقي وأحمد (6/ 175) .
ففي غضبه - صلى الله عليه وسلم - دليل واضح على أن أمره كان للوجوب، لا سيما وأن غضبه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لترددهم، لا من أجل امتناعهم من تنفيذ الأمر، وحاشاهم من ذلك، ولذلك حلوا جميعا إلا من كان معه هدي كما يأتي في الفقرة (44).

الرابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - : لما سألوه عن الفسخ الذي أمرهم به : (ألِعامِنا هذا أم لأبد الأبد ؟) فشبك - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في أخرى وقال : (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد). كما يأتي في الفقرة (24).
فهذا نص صريح على أن العمرة أصبحت جزءا من الحج لا يتجزأ، وأن هذا الحكم ليس خاصا بالصحابة كما يظن البعض بل هو مستمر إلى الأبد.

الخامس: أن الأمر لو لم يكن للوجوب لكفى أن ينفذه بعض الصحابة، فكيف وقد رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكتفي بأمر الناس بالفسخ أمرا عاما فهو تارة يأمر بذلك ابنته فاطمة - رضي الله عنها - كما يأتي (فقرة 48)، وتارة يأمر به أزواجه كما في (الصحيحين) عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أزواجه أن يَحللن عام حجة الوداع قالت حفصة : فقلت : ما يمنعك أن تحل ؟ قال: (إني لبدت رأسي ...) الحديث. ولما جاء أبو موسى من اليمن حاجا قال له - صلى الله عليه وسلم -: (بم أهللت) ؟ قال: أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: هل سقت من الهدي؟ قال: لا. قال: ( فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حِل ...) الحديث.
فهل هذا الحرص الشديد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على تبليغ أمره بالفسخ إلى كل مكلف لا يدل على الوجوب ؟ اللهم إن الوجوب ليَثبُت بأدنى من هذا !.

ولوضوح هذه الأدلة الدالة على وجوب الفسخ بَلهَ التمتع لم يسع المخالفين لها إلا التسليم بدلالتها، ثم اختلفوا في الإجابة عنها فبعضهم ادعى خصوصية ذلك بالصحابة، وقد عرفت بطلان ذلك مما سبق .
وبعضهم ادعى نسخه ولكنهم لم يستطيعوا أن يذكروا ولو دليلا واحداً يحسن ذكره والردّ عليه، اللهم إلا نَهْيُ عمر - رضي الله عنه - وكذا عثمان وابن الزبير كما في (الصحيحين) وغيرهما.

والجواب من وجوه :

الأول : أن الذين يحتجون بهذا النهي عن المُتعة لا يقولون به، لأن من مذهبهم جوازها، فما كان جوابهم عنه فهو جوابنا .

الثاني : أن هذا النهي قد أنكره جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عليّ، وعمران بن حصين، وابن عباس، وغيرهم .

الثالث : أنه رأي مخالف للكتاب، فضلا عن السنة، قال الله- تعالى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } [البقرة 196].

وقد أشار إلى هذا المعنى عمران بن حصين - رضي الله عنه - بقوله : (تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينزل فيه القرآن). وفي رواية: (نزلت آية المتعة في كتاب الله - يعني متعة الحج - وأمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج , ولم ينه عنها رسول الله - صلى الله عيه وسلم - حتى مات ) قال رجل برأيه بعد ما شاء) . (رواه مسلم).
وقد صرح عمر - رضي الله عنه - بمشروعية التمتع، وأنّ نهيَه عنه، أو كراهته له، إنما هو رأيٌ رآهُ لعلةٍ بدت له فقال : (قد علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا مُعَرّسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم) رواه مسلم وأحمد .

ومن الأمور التي تستلفتُ نَظرَ الباحث أن هذه العلة التي اعتمدَها عمر - رضي الله عنه - في كراهته التمتع هي عينها التي تذرّع بها الصحابة الذين لم يبادروا إلى تنفيذ أمره - صلى الله عليه وسلم- بالفسخ في ترك المبادرة فقالوا : (خرجنا حُجّاجا لا نريد إلا الحج، حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، أُمِرْنا أن نُفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني من النساء ...) انظر الفقرة (40).
وقد رد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: (أبالله تعلموني أيها الناس ؟ قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، افعلوا ما آمركم به، فإني لو لا هديي لحللت كما تحلون) (فقرة 42).

فهذا يبيِّن لنا أن عمر - رضي الله عنه - لو استحضر حين كَرِهَ للناس التمتع قول الصحابة هذا الذي هو مثل قوله، وتذكر معه رد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم لما كره ذلك ونهى الناس عنه .
وفي هذا دليل على أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو قول من أقواله، فيجتهد برأيه فيخطئ، وهو مع ذلك مأجور غير مأزور والعصمة لله وحده ثم لرسوله .

وقد يقول قائل : إن ما ذكرته من الأدلة على وجوب التمتع وعلى رد ما يخالفه واضح مقبول، ولكن يشكل عليه ما يذكره البعض أن الخلفاء الراشدين جميعا كانوا يفردون الحج , فكيف التوفيق بين هذا وبين ما ذكرت ؟.

والجواب : أنه سبق أن بينا أن التمتع إنما يجب على من لم يسق الهدي، وأما من ساق الهدي فلا يجب عليه ذلك، بل لا يجوز له وإنما عليه أن يقرن وهو الأفضل، أو يفرد، فيحتمل أن ما ذكر عن الخلفاء من الإفراد إنما هو لأنهم كانوا ساقوا الهدي . وحينئذ فلا منافاة والحمد لله .

وخلاصة القول : أن على كل من أراد الحج أن يلبي عند إحرامه بالعمرة، ثم يتحلل منها بعد فراغه من السعي بين الصفا والمروة بقص شعره . وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يُحرم بالحج.
فمن كان لبّى بالقِرانِ أو الحج المفرد فعليه أن يفسخ ذلك بالعمرة إطاعة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - والله - عز وجلّ - يقول : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [سورة النساء 80].
وعلى المتمتع بعد ذلك أن يقدّم هدْيا يوم النحر، أو في أيام التشريق، وهو من تمام النسك، وهو دم شكران وليس دم جبران، وهو - كما قال ابن القيم - بمنزلة الأضحية للمقيم وهو من تمام عبادة هذا اليوم فالنسك المشتمل على الدم بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية وهو من أفضل الأعمال فقد جاء من طرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أفضل، فقال: (العج الثج) وصححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي وحسنه المنذري.
والعج : رفع الصوت بالتلبية.
والثج : إراقة دم الهدي.

وعليه أن يأكل من هديه كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما يأتي بيانه (فقرة 90) ولقوله - عز وجل - فيما يُذبح من الهدي في منى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الحج 28].

وقد اتصلنا بكثير من الحجاج فعرفنا منهم أنهم مع كونهم يَعلمون أن التمتع أفضل من الإفراد فكانوا يُفردون ثم يأتون بالعمرة بعد الحج من التنعيم وذلك لئلا يلزمهم الهدي.
وفي هذا من المخالفة للشارع الحكيم والاحتيال على شرعه ما لا يخفى فساده، فإن الله بحكمته شرع العمرة قبل الحج، وهم يعكسون ذلك، وأوجبَ على المتمتع هدْياً، وهم يفرون منه ! وليس ذلك من عمل المتقين، ثم هم يطمعون أن يتقبل الله حجهم، وأن يغفر ذنبهم، هيهات هيهات، فــ{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [ المائدة : 27 ] وليس من البخلاء المحتالين؛ فكن أيها الحاج متقيا لربك متبعا لسنة نبيك في مناسِكك عسى أن ترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك .

ثالثــًــا: واحذر يا أخي أن تدع البيات في منى ليلة عرفة، وكذا البيات في المزدلفة ليلة النحر، فذلك من هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم - لا سيما والبيات في المزدلفة حتى الصبح ركن من أركان الحج على الراجح من أقوال أهل العلم . ولا تغتر بما يزخرَفُه لك من القول بعض من يسمون بـ(المطوفين) فإنهم لا همّ لهم إلا قبض الفلوس، وتقليل العمل الذي أخذوا عليه الأجر كافيا وافيا على أدائه بتمامه، وسواء عليهم بعد ذلك أتم حجك أم نقص، أتبعتَ سنة نبيك أم خالفت ؟ ! .

رابعــًــا: واحذر أيضا يا أخي من أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام وفي غيره من المساجد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ) . قال الراوي : لا أدري قال : أربعين يوما أو شهرا أو سنة . رواه الشيخان في (صحيحيهما) . وكما لا يجوز لك هذا، فلا يجوز لك أيضا أن تصلي إلى غير سترة، بل عليك أن تصلي إلى أي شيء يمنع الناس من المرور بين يديك . فإن أراد أحد أن يجتاز بينك وبين سترتك فعليك أن تمنعه. وفي ذلك أحاديث وآثار أذكر بعضها:

1. ( إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر من وراء ذلك.
2. (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره وليدرأ ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان).
3. قال يحيى بن كثير : ( رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام فركز شيئا أو هيأ شيئا يصلي إليه ). رواه ابن سعد (7/ 18) بسند صحيح.
4. عن صالح بن كيسان قال : (رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه) .( رواه أبو زرعة الرازي في (تاريخ دمشق) (91 /1) وكذا ابن عساكر في (تاريخ دمشق) (8 /106/ 2) بسند صحيح .
ففي الحديث الأول: إيجاب اتخاذ السترة، وأنه إذا فعل ذلك فلا يضره من مرّ وراءها .
وفي الحديث الثاني: إيجاب دفع المار بين يدي المصلي إذا كان يصلي إلى سترة، وتحريم المرور عمدًا وأن فاعل ذلك شيطان. وليت شعري ما هو الكسب الذي يعود به الحاج إذا رجع وقد استحق هذا الاسم: (الشيطان؟!).

والحديثان وما في معناهما مطلقان لا يختصان بمسجد دون مسجد، ولا بمكان دون مكان، فهما يشملان المسجد الحرام والمسجد النبوي من باب أولى، لأن هذه الأحاديث إنما قالها - صلى الله عليه وسلم - في مسجده فهو المراد بها أصالة والمساجد الأخرى تبعا.
والأثران المذكوران نصان صريحان على أن المسجد الحرام داخل في تلك الأحاديث، فما يقال من بعض المطوّفين وغيرهم أن المسجد المكي والمسجد النبوي مستثنيان من النهي، لا أصل له في السنة، ولا عن أحد من الصحابة، اللهم سوى حديث واحد رُوي في المسجد المكي لا يصح إسناده، ولا دلالة فيه على الدعوى كما سيأتي بيانه في (بدع الحج) (الفقرة 124).

خامسًا: وعلى أهل العلم والفضل، أن يغتنموا فرصة التقائهم بالحجاج في المسجد الحرام وغيره من المواطن المقدسة، فيُعلموهم ما يلزم من مناسك الحج وأحكامه على وفق الكتابة السنة، وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى أصل الإسلام الذي من أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب، ألا وهو التوحيد فإن أكثر من لقيناهم حتى ممن ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة التوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات، كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وكثرة أحزابهم، إلى العمل الثابت في الكتاب والسنة، في العقائد. والأحكام، المعاملات، والأخلاق، والسياسة، والاقتصاد، وغير ذلك من شؤون الحياة، وأن أي صوت يرتفع، وأي إصلاح يزعم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم فسوف لا يجني المسلمون منه إلا ذلا وضعفا، والواقع أكبر شاهد على ذلك والله المستعان .

وقد تتطلب الدعوة إلى ما سبق شيئا قليلا أو كثيرا من الجدال بالتي هي أحسن كما قال الله - عز وجل - : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة النحل 125]. فلا يصدنك عن ذلك معارضة الجهلة].ا هـ.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-01-2009, 06:04 PM
أم عبدالله الأثرية أم عبدالله الأثرية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 729
افتراضي

رحم الله شيخنا الألباني رحمة واسعه لله دره صدق وبر
وجزاك ربي الجنة أختي الحبيبة " أم عبدالله نجلاء الصالح " على هذا الإنتقاء الطيب والجهد المبارك جعله الله في موازين حسناتك
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن ينير بصائرنا للحق وما يرضيه عنا سبحانه


__________________
وعظ الشافعي تلميذه المزني فقال له: اتق الله ومثل الآخرة في قلبك واجعل الموت نصب عينك ولا تنس موقفك بين يدي الله، وكن من الله على وجل، واجتنب محارمه وأد فرائضه وكن مع الحق حيث كان، ولا تستصغرن نعم الله عليك وإن قلت وقابلها بالشكر وليكن صمتك تفكراً، وكلامك ذكراً، ونظرك عبره، واستعذ بالله من النار بالتقوى .(مناقب الشافعي 2/294)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-01-2009, 08:45 PM
طالبة علم طالبة علم غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 513
افتراضي

__________________
وما أنا إلا ناقلة للخير والشكر موصول لمن أنقل عنه من باب الدلالة على الخير


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-02-2009, 03:35 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

جزاك الله خيرا على هذا الانتقاء السديد وجعله في موازين حسناتك ورحم الله الإمام الألباني رحمة واسعة على نصحه للمسلمين.
والموضوع قيم ويستحق التثبيت
لا حرمك الله الأجر أختنا الفاضلة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-03-2009, 02:51 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

وهذه درر من العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-:

(( هذه فوائد تتعلق بالمناسك تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفتها:

الفائدة الأولى: في آداب الحج والعمرة:


قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ} [البقرة: 197]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله".

فينبغي للعبد أن يقوم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين، فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وينبغي أن يشغل هذه المشاعر العظيمة بالذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار؛ لأنه في عبادة من حين أن يشرع في الإحرام حتى يحل منه، فليس الحج نزهة للهو واللعب يتمتع به الإنسان كما شاء من غير حد كما يشاهد بعض الناس يستصحب من آلات اللهو والغناء ما يصده عن ذكر الله ويوقعه في معصية الله، وترى بعض الناس يفرط في اللعب والضحك والاستهزاء بالخلق وغير ذلك من الأعمال المنكرة كأنما شرع الحج للمرح واللعب.

ويجب على الحاج وغيره أن يحافظ على ما أوجبه الله عليه من الصلاة جماعة في أوقاتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وينبغي أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة، وأن يرحم ضعيفهم خصوصًا في مواضع الرحمة كمواضع الزحام ونحوها، فإن رحمة الخلق جالبة لرحمة الخالق، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

ويتجنب الرفث والفسوق والعصيان والجدال لغير نصرة الحق أما الجدال من أجل نصرة الحق فهذا واجب في موضعه. ويتجنب الاعتداء على الخلق وإيذاءهم؛ فيتجنب الغيبة والنميمة والسب والشتم والضرب والنظر إلى النساء الأجانب، فإن هذا حرام في الإحرام وخارج الإحرام، فيتأكد تحريمه حال الإحرام.

وليتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم إذا رمى الجمرات رمينا الشيطان، وربما شتم المشعر أو ضربه بنعل ونحوه مما ينافي الخضوع والعبادة ويناقض المقصود برمي الجمار وهو إقامة ذكر الله عز وجل.


الفائدة الثانية: في محظورات الإحرام:

محظورات الإحرام: هي التي يمنع منها المحرم بحج أو بعمرة بسبب الإحرام، وهي ثلاثة أقسام:

قسم يحرم على الذكور والإناث، وقسم يحرم على الذكور دون الإناث، وقسم يحرم على الإناث دون الذكور.

فأما الذي يحرم على الذكور والإناث فمنه ما يأتي:

1- إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره وكذلك إزالته من بقية الجسد على المشهور، لكن لو نزل بعينيه شعر يتأذى منه ولم يندفع أذاه إلا بقلعه فله قلعه ولا شيء عليه، ويجوز للمحرم أن يحك رأسه بيده برفق، فإن سقط منه شعر بلا تعمد فلا شيء عليه.

2- تقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين إلا إذا انكسر ظفره وتأذى به فلا بأس أن يقص المؤذي منه فقط، ولا شيء عليه.

3- استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن أو غيرهما، أما الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام فإنه لا يضر بقاؤه بعد الإحرام؛ لأن الممنوع في الإحرام ابتداء الطيب دون استدامته، ولا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب إلا إذا كان قد ذهب طعمه وريحه بالطبخ ولم يبق إلا مجرد اللون فلا بأس.

4- النظر والمباشرة لشهوة.

5- لبس القفازين وهما (شراب) اليدين.

6- قتل الصيد وهو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب والحمام والجراد، فأما صيد البحر فحلال فيجوز للمحرم صيد السمك من البحر، وكذلك يجوز له الحيوان الأهلي كالدجاج.

وإذا انفرش الجراد في طريقه ولم يكن طريق غيرها فوطئ شيئًا منه من غير قصد فلا شيء عليه؛ لأنه لم يقصد قتله ولا يمكنه التحرز منه.

وأما قطع الشجر فليس حرامًا على المحرم؛ لأنه لا تأثير للإحرام فيه، وإنما يحرم على من كان داخل أميال الحرم سواء كان محرمًا أو غير محرم، وعلى هذا فيجوز قطع الشجر في عرفة ولا يجوز في منى ومزدلفة؛ لأن عرفة خارج الأميال، ومنى ومزدلفة داخل الأميال. ولو أصاب شجرة وهو يمشي من غير قصد فلا شيء عليه، ولا يحرم قطع الأشجار الميتة.

وأما الذي يحرم على الذكور دون الإناث فهو شيئان:

1- لبس المخيط وهو أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة كالقميص (والفنيلة) والسروال ونحوها، فلا يجوز للذكر لبس هذه الأشياء على الوجه المعتاد. أما إذا لبسها على غير الوجه المعتاد فلا بأس بذلك مثل أن يجعل القميص رداء، أو يرتدي بالعباءة جاعلًا أعلاها أسفلها فلا بأس بذلك كله، ولا بأس أن يلبس رداءً مرقعًا أو إزارًا مرقعًا أو موصولًا.

و يجوز لبس السبتة وساعة اليد ونظارة العين وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه؛ لأن هذه الأشياء لم يرد فيها منع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وليست في معنى المنصوص على منعه، بل قد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يلبس المحرم فقال: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولاالخفاف"، فإجابته -صلى الله عليه وسلم- بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس دليل على أن كل ما عدا هذه المذكورات فإنه مما يلبسه المحرم، وأجاز -صلى الله عليه وسلم- للمحرم أن يلبس الخفين إذا عدم النعلين لاحتياجه إلى وقاية رجليه، فمثله نظارات العين لاحتياج لابسها إلى وقاية عينيه، وأجاز الفقهاء على المشهور من المذهب لباس الخاتم للرجل المحرم.

ويجوز للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ولا ثمنه، وأن يلبس الخفين إذا لم يجد النعلين ولا ثمنهما لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال وهو يخطب بعرفات: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس السراويل".

2- تغطية رأسه بملاصق كالعمامة والغترة والطاقية وشبهها، فأما غير المتصل كالخيمة والشمسية وسقف السيارة فلا بأس به؛ لأن المحرم ستر الرأس دون الاستظلال، وفي حديث أم الحصين الأحمسية قالت: "حججنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافعًا ثوبه على رأس النبي -صلى الله عليه وسلم- يظلله من الشمس" وفي رواية: "يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة"، رواه أحمد ومسلم، وهذا كان في يوم العيد قبل التحلل؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرمي الجمار في غير يوم العيد ماشيًا لا راكبًا.

ويجوز للمحرم أن يحمل المتاع على رأسه إذا لم يكن قصده ستر الرأس، ويجوز له أيضًا أن يغوص في الماء ولو تغطى رأسه بالماء.

وأما الذي يحرم على النساء دون الذكور:


فهو النقاب وهو أن تستر وجهها بشيء وتفتح لعينيها ما تنظر به، ومن العلماء من قال لا يجوز أن تغطي وجهها لا بنقاب ولا غيره إلا أن يمر الرجال قريبًا منها؛ فإنه يلزمها أن تغطي وجهها ولا فدية عليها سواء مسه الغطاء أم لا.

وفاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.

الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر؛ فيجوز أن يفعل ذلك وعليه فديته كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه حين حمل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر من رأسه على وجهه؛ فرخص له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحلق رأسه ويفدي.

الحالة الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور إما جاهلًا أو ناسيًا أو نائمًا أو مكرهًا فلا إثم عليه ولا فدية لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. وقال تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. فقال الله تعالى: قد فعلت. وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وهذه نصوص عامة في محظورات الإحرام وغيرها تفيد رفع المؤاخذة عن المعذور بالجهل والنسيان والإكراه، وقال تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95]. فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمدًا، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره وتعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمدًا فلا جزاء عليه ولا إثم.

لكن متى زال العذر فعلم الجاهل وتذكر الناسي واستيقظ النائم وزال الإكراه فإنه يجب التخلي عن المحظور فورًا، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال ذلك أن يغطي الذكر رأسه وهو نائم فإنه ما دام نائمًا فلا شيء عليه، فإذا استيقظ لزمه كشف رأسه فورًا، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه فعليه الفدية.

ومقدار الفدية في المحظورات التي ذكرناها كما يأتي:

1- في إزالة الشعر والظفر والطيب والمباشرة لشهوة ولبس القفازين ولبس الذكر المخيط وتغطيته رأسه وانتقاب المرأة الفدية في هذه الأشياء في كل واحد منها إما ذبح شاة، وإما إطعام ستة مساكين، وإما صيام ثلاثة أيام يختار ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة، فإن اختار ذبح الشاة فإنه يذبح ذكرًا أو أنثى من الضان أو الماعز مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة أو سبع بقرة، ويفرق جميع اللحم على الفقراء ولا يأكل منه شيئًا، وإن اختار إطعام المساكين فإنه يدفع لكل مسكين نصف صاع مما يطعم من تمر أو بر أو غيرهما، وإن اختار الصيام فإنه يصوم الأيام الثلاثة إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة.

2- في جزاء الصيد فإن كان للصيد مثل، خير بين ثلاثة أشياء:

إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مكة، وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعامًا يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يومًا. فإن لم يكن للصيد مثل خير بين شيئين: إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعامًا يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.

مثال الذي له مثل من النعم الحمام ومثيلها الشاة فنقول لمن قتل حمامة: أنت بالخيار إن شئت فاذبح شاة، وإن شئت فانظر كم قيمة الشاة وأخرج ما يقابلها من الطعام لفقراء الحرم لكل واحد نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يومًا.

ومثال الصيد الذي لا مثل له الجراد فنقول لمن قتل جرادًا متعمدًا: إن شئت فانظر كم قيمة الجراد وأخرج ما يقابلها من الطعام لمساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يومًا... )).



المصدر: (المنهج لمُريد العمرة والحج) للعلامة ابن عثيمين، نقلا من موقعه -رحمه الله-.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-07-2009, 04:23 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,646
افتراضي

جزى الله خير الجزاء أخواتي الأحبة " إيمان الدوري " و" طالبة علم " على المرور والدعاء .

و كذلك الحبيبة " أم زيد " على الإضافة القيمة.

أثقل الله لكن ّ أحبتي الموازين، وبارك فيكن ولكنّ وعليكنّ، وزادكنّ من فضله.

وجزى الله شيخنا الهمام محمد بن صالح العثيمين وصنوه الكرام من سلفنا الصالح خير الجزاء، وبارك قي جهودهم ونفع بعلمهم.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-13-2009, 12:29 AM
مناصرة الرسول مناصرة الرسول غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
الدولة: عمان-الأردن
المشاركات: 278
افتراضي

جزاك الله خيرا أمي الغاليـــة
" أم عبد الله نجلاء الصالح "
وبارك فيك وفي علمك وعملك
ورحم الله إمامنا الألباني
أسأل الله - تعالى - أن يرزقنا وإياكــم حجـــا مقبولا إلى بيته الحرام
إنه خيــر مسؤول





رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-22-2009, 10:40 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,646
افتراضي

اللهم آمين وإياكم ولكم بمثل وزيادة ابنتي الحبيبة : " أم طارق مناصرة الرسول" - صلى الله عليه وسلم - .

شكر الله لك على المرور والدعاء . وبارك فيك ولك وعليك، وجزاك خير الجزاء

وعوداً أحمد يا الغالية سررت بعودتك لا حرمنا الله منك ومن إطلالتك .
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:28 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd.