صورة ما أشيع عن المذكور قبل الوقوف على الحقيقة = العلامة ابن سعدي

[ابوعبد المليك]

قال العلامة السعدي رحمه الله :

حضر بعض الناس درس الشيخ في الصويطي، وكان قد تكلم على بعض الآيات والأحاديث بكلام مقيد كما سيأتي بيانه، ففهم هذا الحاضر أن الشيخ يقول:

إن ألفاظ القرآن قطعية ومعانيه غير قطعية من غير قيد للموضوع، وأن الأحاديث آحاد لا تفيد اليقين، فتناقلته الألسن وحمل على محامل سيئة، ولم يبحثوا مع الشيخ المذكور ولا شافهوه عن الكلام الذي فهموه، ثم قالوه، ولا بد أنه تلقاه من له غرض أو اغترار فوقع ذلك
وصار من آثاره إبراء حكم للشيخ أن يتوجه حالًا.

وأنا من حين بلغني عرفتُ أن المنقول خلاف ما فهموه، لما أعرفه من علم الرجل وعقله وتوقيه لما ينتقد، ومعرفته بحال الوقت، فبحثت مع الشيخ شفاهيًّا عما قيل عنه، فنفى نفيًا باتًّا أنه قال هذا القول، فقال: كيف أقول قولًا أعتقد أن من قاله فهو ضال، وإنما الناقل عني متوهم، وأنا مستعد لمقابلة من يدعي عليَّ أني قلت، وتفهيمه أن الأمر على خلاف ما فهموا، وإنما الناقل عني متوهم، وإنما قلت حين تكلمت على قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ }

قلت أولًا: إن الأمر بالوصية؛ من العلماء من يرى أنه على وجه الوجوب، ومنهم من يرى أنه مستحب، وكل مسألة فيها خلاف بين العلماء المعتبرين فإنها ليست من القطعيات؛ إذ لو كانت قطعية لاتفق العلماء عليها، وأن الآية الكريمة منسوخة بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث»

والحديث هذا من الآحاد، ومع أن الآحاد لا تفيد القطع فالجمهور على أنه ناسخ للآية؛ لأن الحديث ليس في البخاري، ولا مسلم، ومن العلماء من تكلم فيه، فلم أقل على وجه العموم: إن الأحاديث كلها آحاد لا تفيد اليقين، كيف والأحاديث منها المتواتر الذي يفيد القطع، والصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول، واتفق على صحته وقبوله، ومنها ما هو دون ذلك؟!
ولو أنهم حين سمعوا عني بحثوا معي لفهمتهم مرادي ولأقنعتهم، هذه صورة الجاري بلا زيادة ولا نقص.

أقول: فتعلم من هذا أن البلاء كله من سوء التفاهم، ومن قلة القراءة، ومن الجبن عن المباحثة شفاهيًّا والشجاعة بالسعاية الضارة، ومن اختلاف التعبيرات، والأساس لذلك هو الهوى.
والواجب على الإنسان الناجح لو وقف على ما ينتقد جزمًا يقينًا

يشيع الأمر الذي ما في إشاعته إلا الضرر والقيل والقال، وأن يبتغي في النصيحة خصوصًا في حق مثل هذا العالم القائم بواجبه وزيادة، الغريب عن وطنه الذي له الحق الأكبر على أهل البلد وفي جبر خاطره، والمذكور جدًّا متكدر، ولأننا نخفف عليه الأمور ونهونها، ونقنعه بكل ما نقدر عليه، وأن الناس لا يجهلون مقامه وكذلك غيرنا، فحصل بعض الطمأنينة.

ولما جاءت برقيتكم الأخيرة للأمير من جمعته وبقائه وأرجوك تكتب للمذكور مكتوبًا مستوفيًا يُطَمْئن خاطره مع أنه عاوزك؛ لأنه يعرف أن الأمور من غير جهتك،

والله يتولى توفيق الجميع، ويمن على الجميع بالعافية، والسلام."

محبك عبد الرحمن السعدي

مجموعة مراسلات نادرة ص 479