أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
55004 86507

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-11-2009, 07:34 PM
علي بن محمد أبو هنية علي بن محمد أبو هنية غير متواجد حالياً
نائب المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 523
افتراضي صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء

بقلم: علي بن محمد أبو هنية

الحمد لله باسط اليدين بالرحمة, والصلاة والسلام علي نبي الأمة, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
ما أوقع الناس أنفسهم في ضائقة إلا جعل الله لهم منها فرجاً, وسهل لهم منها مخرجاً, فما أعظم تفضله ـ سبحانه ـ علينا, وما أكرم إحسانه إلينا, فإذا أذنب العبد وجبت في حقه التوبة, وإذا زل أو عصى شرعت له الرجعة والأوبة. لذلك شرع الله ـ عز وجل ـ الشرائع والأحكام العظيمات, التي فيها المخرج من المُلمات, والنجاة في المدلهمات, لتستوي بها مصالح العباد, ويكونَ عمار البلاد, فإن تشريع الله ـ جل وعلا ـ كله خير للمؤمنين, إذا وسع عليهم بالنعم, فإن ذلك ليحمدوه ويشكروه ويثنوا عليه, وإذا ضيَّق عليهم فإنما هو ليستغفروه ويتوبوا ويرجعوا إليه.
ومن هذه الشرائع التي شرعها ـ سبحانه ـ لعباده إذا انحبس عنهم المطر, وأجدبت الأرض وقل الثمر؛ "صلاة الاستسقاء", ولما كانت هذه الصلاة من شرائع الله العظيمة التي تمس الحاجة إليها, كان لزاماً على المسلم أن يتعلم أحكامها, ليكون على بينة من أمره, ويمضي على بصيرة في عبادة ربه.
فشرعت في بيان أحكام "صلاة الاستسقاء" في موضوع هذا العدد, محاولاً الترجيح في أكثر مسائلها الخلافية, بناءً على ما صح من الدليل, موفقاً بين أقوال أهل العلم, ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
الاستسقاء:
لغةً: طلب سقي الماء من الغير للنفس أو الغير.
وشرعاً: طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص. "فتح الباري"(3/179)
مشروعية صلاة الاستسقاء:صلاة الاستسقاء مشروعة ثابتة بالأسانيد الصحيحة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه, وقال بها جماهير أهل العلم من أهل السنة.
قال الشوكاني: " وقد دلت الأحاديث الكثيرة على مشروعية صلاة الاستسقاء, وبذلك قال جمهور العلماء من السلف والخلف, ولم يخالف في ذلك إلا أبا حنيفة, مستدلاً بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة‏.‏
واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما‏:‏ ‏" ‏أن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ـ صلى الاستسقاء ركعتين‏ ".‏ وهي مشتملة على الزيادة التي لم تقع منافية فلا معذرة عن قبولها". "نيل الأوطار"(4/431)
حكمها:اتفق أهل العلم على استحباب الاستسقاء عند الحاجة إليه, وأن صلاة الاستسقاء سنةٌ مؤكدة, غير واجبة.
قال النووي: " مذهبنا أنها سنة متأكدة, وبهذا قال الأئمة كافة, إلا أبا حنيفة فإنه قال: ليس في الاستسقاء صلاة ". "المجموع" (5/42)
وقال ابن قدامة: " صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة‏,‏ ثابتة بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه ـ رضي الله عنهم‏ ـ".‏ "المغني" ( 2/283)
الكيفيات التي ورد بها استسقاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
ذكر ابن القيم في "زاد المعاد"(1/439) عدة أوجه:
أحدها: يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
قال أنس رضي الله عنه: "دخل رجل المسجد يوم الجمعة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائم يخطب, فقال: يا رسول الله, هلكت الأموال, وانقطعت السبل, فادع الله يغيثنا. فرفع رسول الله يديه ثم قال: " اللهم أغثنا, اللهم أغثنا ". متفق عليه
الوجه الثاني: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعد الناسَ يوماً يخرجُون فيه إلى المصلى.
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "شكا الناس إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قحوط المطر, فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت عائشة: فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر, فكبر وحمد الله ـ عز وجل ـ ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم, واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم, وقد أمركم الله ـ عز وجل ـ أن تدعوه, ووعدكم أن يستجيب لكم. ثم قال: الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, ملك يوم الدين, لا إله إلا الله يفعل ما يريد, اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين. ثم رفع يديه فلم يترك الرفع حتى بدا بياض إبطيه, ثم حول إلى الناس ظهره, وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه, ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين, فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله, فلم يأت مسجده حتى سالت السيول, فلما رأى سرعتهم إلى الكِن ضحك ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى بدت نواجذه, فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير, وأني عبد الله ورسوله". رواه أبو داود(1508) وحسنه الألباني
الوجه الثالث:أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استسقى على منبر المدينة استسقاء مجرداً في غير يوم جمعة، ولم يُحفظ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الاستسقاء صلاة.
الوجه الرابع: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استسقى وهو جالس في المسجد، فرفعٍ يديه، ودعا اللَّهَ عز وجل.
الوجه الخامس: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استسقى عند أحجار الزيت قريباَ من الزَّوراء.
الوجه السادس: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استسقى في بعض غزواته لمَّا سبقه المشركون إلى الماء، وأصاب المسلمينَ العطشُ.
قلت: والمقصود تفصيله في هذا المبحث هو الوجه الثاني.
قال الشيخ ابن عثيمين: "وهناك أيضاً صفات أخرى، وليس لازماً أن تكون على الصفة التي وردت عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أي: طلب السُقيا، فللناس أن يستسقوا في صلواتهم، فإذا سجد الإنسان دعا الله، وإذا قام من الليل دعا الله عز وجل. "الشرح الممتع"(2/443)
قلت: ولكن على ألا يخرج ذلك عن حدود المشروع, كفعل بعض أئمة مساجد زماننا باستسقائهم في الصلوات المفروضة, كصلاة العشاء وغيرها, فتجده يقنت في الركعة الأخيرة, ويستسقي ويؤمن المصلون خلفه, وكذلك أداء صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة في المسجد, وخاصة في المسجد الأقصى. فلو أنه استسقى على المنبر في خطبة الجمعة لكان كافياً, كما تقدم عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ, فلمَ هذه الزيادات المخترعة المبتدعة؟
صفة صلاة الاستسقاء:
وقع اختلاف في صفة صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للاستسقاء, وأنا ذاكر هنا الراجح من صفتها ـ إن شاء الله ـ, جملة وتفصيلاً.
بالجملة:
إذا أجدب الناس وقُحطوا, وضاق بهم الحال, وعدهم الإمام يوماً يخرجون فيه للاسستقاء, فيخرجون إلى المصلى في وقت الضحى, أو أي وقت آخر يتفقون عليه, متخشعين, متضرعين, متواضعين, ويخرج الكبير والصغير, والرجل والمرأة إلى المصلى, فيصلي بهم الإمام ركعتين‏, كباقي الصلوات, ولكن‏ بغير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة, يجهر فيهما, ويقرأ ما تيسر من القرآن, ثم يصعد المنبر إن وجد, وإلا خطب على الأرض مستقبلاً الناس خطبة واحدة, يعظهم ويذكرهم بها, ثم ينفتل متوجهاً إلى القبلة, ويتوجه المصلون مثله, فيقلب رداءه ـ الأيمن على اليسر, والأيسر على اليمن, أو باطنه لظاهره, وظاهره لباطنه ـ, ولا يقلب المصلون أرديتهم, ثم يرفع يديه ويبالغ في الرفع دون المأمومين, ويجعل باطن كفيه مما يلي الأرض, وظهورهما مما يلي السماء, ويدعو في سرِّه بما شاء من دعاء يناسب الموقف, والأولى أن يلتزم بالوارد, ويفعل المصلون مثله.
بالتفصيل:
الصلاة: وقتها:قال ابن قدامة: " ليس لصلاة الاستسقاء وقت معين‏,‏ إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف, لأن وقتها متسع فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي, والأولى فعلها في وقت العيد, لما روت عائشة:‏" أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج حين بدا حاجب الشمس". رواه أبو داود, ولأنها تشبهها في الموضع والصفة فكذلك في الوقت". "المغني"(2/286)
قال الحافظ ابن رجب: "وقت صلاة الاستسقاء وقت صلاة العيد.... ولا يفوت وقتها بفوات وقت العيد، بل تصلى في جميع النهار. "فتح الباري" (6/292)
مكانها:صلاة الاستسقاء مكانها المصلى وليس المسجد.
قال النووي: " والسنة أن يكون في المصلى, لما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " شكا الناس إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قحوط المطر, فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ". ولأن الجمع يكثر فكان المصلى أرفق بهم ". المجموع (5/29)
من الذي يخرج إليها:يخرج لصلاتها الكبير والصغير, والرجل والمرأة.
قال ابن عثيمين: " ذكر بعض العلماء أنه ينبغي أن يخرج معه الصبيان والعجائز والشيوخ؛ لأن هؤلاء أقرب إلى الإجابة، وبعضهم قال: يخرج أيضاً بالبهائم الغنم والبقر يجعلها حوله، لكن كل هذا لم ترد به السنة، وما لم ترد به السنة فالأولى تركه، كان الناس يخرجون على عادتهم الشيخ، والكبير، والصغير. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"(16/353)
الخروج إليها بخشوع وتضرع: قال ابن عثيمين: " وينبغي أن يخرج بخشوع وخضوع وتضرع, خروج المستكين لله ـ عز وجل ـ, المفتقر إليه, الراجي فضله، فإن ذلك أقرب إلى الإجابة؛ لحديث عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى ". "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"(16/352)
الأذان والإقامة لها:قال ابن قدامة: " ولا يسن لها أذان ولا إقامة ولا نعلم فيه خلافاً, ولأنها صلاة نافلة فلم يؤذن لها كسائر النوافل ". "المغني"(2/285)
قال الحافظ ابن حجر: " قال ابن بطال: أجمعوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء". "فتح الباري"(3/207)
عدد ركعاتها:هي ركعتان عند الجماهير من العلماء.
قال ابن قدامة: " لا نعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافاً في أنها ركعتان ". "المغني"(2/284)
صفتها:ذهب الشافعي إلى أن صلاة الاستسقاء يكبر فيها الإمام كما يكبر في صلاة العيدين, واستدل لمذهبه بما جاء عن ابن عباس: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى فيها ركعتين كما يصلي في العيدين ". أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في (إرواء الغليل/665), وذهب مالك وبعض العلماء إلى أن صلاة الاستسقاء ركعتان كسائر الصلوات, والراجح أنها ركعتان مثل صلاة الفجر بدون تكبيرات كتكبيرات العيد, لعدم ثبوت ذلك عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وحديث ابن عباس المتقدم يقصد به تشبيهها بصلاة العيد بتقديم الصلاة على الخطبة. والله أعلم
الجهر فيها, وماذا يقرأ الإمام: عن عبد الله بن زيد قال‏:‏ ‏"‏خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستسقي‏,‏ فتوجه إلى القبلة يدعو, وحول رداءه ثم صلى ركعتين‏,‏ جهر فيهما بالقراءة‏ ". متفق عليه
قال ابن رشد: "واتفقوا على أن القراءة فيها جهراً". "بداية المجتهد"(1/394)
قال الألباني: " أما الجهر فيها فصحيح ثابت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عبد الله بن زيد المذكور في الكتاب وهو مخرج في " الإرواء " ( 3 / 133 ), وأما تعيين السورتين المذكورتين ـ أي سورتي: سبِّح والغاشية ـ فلا يصح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن في سنده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري وهو ضعيف جداً. انظر " تلخيص المستدرك " للذهبي و" نصب الراية " للزيلعي و" إرواء الغليل " ( 3 / 134 ) و" الضعيفة " ( 5631 ) . فالصواب أن يقرأ ما تيسر لا يلتزم سورة معينة" . "تمام المنة" ص264
صلاتها جماعة: قال ابن عثيمين: " والأفضل أن تكون جماعة كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ". "الشرح الممتع"(2/443)
الخطبة:
الخطبة قبل الصلاة أو بعدها:ثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قدم الخطبة على الصلاة, وأنه أخرها عنها.
قال صديق حسن خان: " وقد روي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه خطب قبل الصلاة وخطب بعدها فالكل سنة ". "الروضة الندية"(1/394)
وقال ابن عثيمين: " وعلى هذا فتكون خطبة الاستسقاء قبل الصلاة، وبعدها, ولكن إذا خطب قبل الصلاة لا يخطب بعدها، فلا يجمع بين الأمرين، فإما أن يخطب قبل، وإما أن يخطب بعد ". "الشرح الممتع"(2/453)
خطبة واحدة لا خطبتان:للاستسقاء خطبة واحدة فقط, تستفتح بالحمد كباقي الخطب, يعظ بها الإمام الناس ويذكرهم, ولا يجوز قياسها على خطبة الجمعة, بأن تجعل خطبتين, لعدم ورود ذلك.
قال ابن عثيمين: " أما الخطبة فإنها خطبة واحدة ". "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"(16/355) قلت: وانظر: "المغني"(2/290), وبدائع الصنائع (1/381)
الدعاء:
ما ثبت في السُّنة من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: من جملة أدعيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " اللهم أغثنا اللهم أغثنا". كما في الصحيحين من حديث أنس, وعن جابر بن عبدالله قال: أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بواكي, فقال: " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار, عاجلاً غير آجلٍ ". قال: فأطبقت عليهم السماء. رواه أبو داود(1169) وصححه الألباني, وعن عبد الله بن عمرو قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا استسقى قال: " اللهم اسق عبادك وبهائمك, وانشر رحمتك, وأحي بلدك الميت ". رواه أبو داود(1176) وصححه الألباني.
الدعاء سراً لا جهراً: قال ابن قدامة: " ويستحب أن يدعو سراً حال استقبال القبلة, وإنما يستحب الإسرار ليكون أقرب من الإخلاص, وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع, وأسرع في الإجابة‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏(ادعوا ربكم تضرعا وخفية).‏ واستُحب الجهر ببعضه ليسمع الناس فيؤمنون على دعائه ". "المغني"(2/288) وانظر"فتح الباري لابن رجب"(6/289)
صفة رفع اليدين في الدعاء: يجعل الداعي باطن كفيه مما يلي الأرض, وظاهرهما مما يلي السماء, مع المبالغة في رفعهما للإمام دون المأمومين.
قال الحافظ ابن حجر: " وأما صفة اليدين في ذلك, فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استسقى, فأشار بظهر كفيه إلى السماء ". ولأبي داود من حديث أنس أيضاً: " كان يستسقي هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه ". قال النووي: قال العلماء: السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلاً ظهور كفيه إلى السماء, وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء. انتهى. وقال غيره: الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهراً لبطن كما قيل في تحويل الرداء, أو هو إشارة إلى صفة المسئول, وهو نزول السحاب إلى الأرض ". "فتح الباري"(3/212) وانظر: "المجموع" (5/36) و"سبل السلام"(1/334) و"فتح الباري لابن رجب"(6/306 ـ 309) وفيه تفصيل بديع.
ويشرع للمأمومين رفع الأيدي: فقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: "باب رفع الناس أيديَهم مع الإمام في الاستسقاء", وضمَّنه حديث أنس بن مالك: وفيه: " فرفع الرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون ".
قلب الرداء:
وقته:إذا فرغ الإمام من الخطبة, استقبل القبلة وحول رداءه.
قال الحافظ ابن حجر: " محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعاء "."فتح الباري"(3/208)
صفته: وصفة قلب الرداء أن يجعل ما على اليمين على اليسار‏,‏ وما على اليسار على اليمين, أو أن يقلبه ظهراً لبطن, وفي زماننا هذا قَلَّ لبس الأردية, بل كاد يكون معدوماً, وحل مكانه العباءة ( البشت), أو المشلح, أو الفروة, أما الغترة أو الشماغ فلا تحل مكانه, وقد سئل شيخنا ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن الشماغ هل يكون بديلاً للرداء؟ فاجاب بقوله: "لا ليس بديلاً له، وربما الفروة أو المشلح نعم، لأن الشماغ أقرب ما يكون للعمامة فلا يدخل في الحديث". "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"(16/360)
قلب الرداء للإمام وحده دون المأمومين: قال الحافظ ابن حجر: " واستحب الجمهور أيضاً أن يحول الناس بتحويل الإمام, ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ: "وحول الناس معه". وقال الليث وأبو يوسف: يحول الإمام وحده. واستثنى ابن الماجشون النساء, فقال: لا يستحب في حقهن ". "فتح الباري"(3/187)
قلت: يقصد حديث عباد بن تميم الأنصاري ثم المازني عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: " قد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة. قال: ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن, وتحول الناس معه ". قال الألباني: " حديث عبد الله بن زيد أخرجه أحمد بسند قوي لكن ذكر تحول الناس معه شاذ كما حققته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ( 5629 ) ". "تمام المنة" ص264
وجاء في "بدائع الصنائع" (1/382): " وأما القوم فلا يقلبون أرديتهم عند عامة العلماء, وعند مالك يقلبون أيضاً, واحتج بما روي عن عبد الله بن زيد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حول رداءه وحول الناس أرديتهم. وهما يقولان: إن تحويل الرداء في حق الإمام أمر ثبت, بخلاف القياس بالنص على ما ذكرنا, فنقتصر على مورد النص. وما روي من الحديث شاذ على أنه يحتمل أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرف ذلك فلم ينكر عليهم فيكون تقريراً, ويحتمل أنه لم يعرف لأنه كان مستقبل القبلة مستدبراً لهم, فلا يكون حجة مع الاحتمال ".اهـ
قلت: فإذا كانت عمدة من قال بقلب أردية المأمومين زيادة: "وتحول الناس معه" في مسند أحمد, فقد علمت أنها شاذة كما تقدم من كلام الألباني والكاساني, وإن كان نصاً آخر فإنهم لم يوردوه مع شدة حاجتهم إليه, والاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل صحيح, ولا دليل هنا يعول عليه, فلم يثبت في السنة إلا قلب النبي لردائه, ولم يأتِ ذلك في حق المأمومين. ثم على فرض صحة الزيادة عند أحمد: " وتحول الناس معه ". فإنها تحتمل تأويلاً آخر, ألا وهو التحول إلى القبلة, لأنهم كانوا يستقبلون الخطيب قبل ذلك, وهذه هي السنة في استماع الخطبة, ولأن لفظ الحديث: ثم تحول إلى القبلة, وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن, وتحول الناس معه ". فالأصل عطف التحول على التحول, لا عطف التحول على التحويل. فبهذا يُعلم خطأ الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في قوله: " ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ: (وحول الناس معه)". فإن لفظه في المسند: " وتحول الناس معه". وليس: "وحول الناس معه".
ولكن مع هذا فإن الزيادة ضعيفة كما تقدم.
الحكمة منه: الأصل اتباع سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون السؤال عن الحكمة, فهو قدوتنا, قال ـ سبحانه ـ: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ). ولكن علَّل بعض أهل العلم ذلك بأنه من باب التفاؤل بتغير الحال.
قال ابن العربي: " هو أمارة بينه وبين ربه، قيل: له حول رداءك ليتحول حالك ". "سبل السلام"(1/331)
وقال الدهلوي: "وتحويل ردائه حكاية عن تقلب أحوالهم, كما يفعل المستغيث بحضرة الملوك". "حجة الله البالغة"(2/38)

والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد
محرم 1428هـ
1/2007م
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-12-2009, 10:31 AM
أبو عبد الله إياد الشريف أبو عبد الله إياد الشريف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: فلسطين - القدس
المشاركات: 194
افتراضي

جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل
__________________
قال البخاري رحمه الله"باب العلم قبل القول والعمل"
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-12-2009, 10:58 AM
عبدالله المقدسي عبدالله المقدسي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القدس
المشاركات: 544
افتراضي

جزاك الله خيرا.
__________________
[COLOR="Purple"][FONT="ae_Cortoba"][CENTER]كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض يوما خيلا وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أفرس بالخيل منك فقال عيينة وأنا أفرس بالرجال منك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وكيف ذاك قال خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم لابسو البرود من أهل نجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت [COLOR="Red"]بل خير الرجال رجال أهل اليمن والإيمان يمان إلى لخم وجذام و عاملة[/COLOR][/CENTER][/FONT][/COLOR]
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.