أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
31890 | 107599 |
|
#1
|
|||
|
|||
فوائد إخْفَاء الدُّعَاء
قال تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} قال شيخ الاسلام كما جاء في المجموع 15/15: وَفِي إخْفَاءِ الدُّعَاءِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ: " أَحَدُهَا " أَنَّهُ أَعْظَمُ إيمَانًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ الدُّعَاءَ الْخَفِيَّ و " ثَانِيهَا " أَنَّهُ أَعْظَمُ فِي الْأَدَبِ وَالتَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْمُلُوكَ لَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُمْ وَمَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ لَدَيْهِمْ مَقَتُوهُ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَإِذَا كَانَ يَسْمَعُ الدُّعَاءَ الْخَفِيَّ فَلَا يَلِيقُ بِالْأَدَبِ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا خَفْضُ الصَّوْتِ بِهِ و " ثَالِثُهَا " أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ وَالْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الدُّعَاءِ وَلُبُّهُ وَمَقْصُودُهُ. فَإِنَّ الْخَاشِعَ الذَّلِيلَ إنَّمَا يَسْأَلُ مَسْأَلَةَ مِسْكِينٍ ذَلِيلٍ قَدْ انْكَسَرَ قَلْبُهُ. وَذَلَّتْ جَوَارِحُهُ وَخَشَعَ صَوْتُهُ؛ حَتَّى أَنَّهُ لَيَكَادُ تَبْلُغُ ذِلَّتُهُ وَسَكِينَتُهُ وَضَرَاعَتُهُ إلَى أَنْ يَنْكَسِرَ لِسَانُهُ فَلَا يُطَاوِعُهُ بِالنُّطْقِ. وَقَلْبُهُ يَسْأَلُ طَالِبًا مُبْتَهِلًا وَلِسَانُهُ لِشِدَّةِ ذِلَّتِهِ سَاكِتًا وَهَذِهِ الْحَالُ لَا تَأْتِي مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ أَصْلًا و " رَابِعُهَا " أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَاصِ و " خَامِسُهَا " أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي جَمْعِيَّةِ الْقَلْبِ عَلَى الذِّلَّةِ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ يَفْرُقُهُ فَكُلَّمَا خَفَضَ صَوْتَهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي تَجْرِيدِ هِمَّتِهِ وَقَصْدِهِ لِلْمَدْعُوِّ سُبْحَانَهُ و " سَادِسُهَا " - وَهُوَ مِنْ النُّكَتِ الْبَدِيعَةِ جِدًّا - أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى قُرْبِ صَاحِبِهِ لِلْقَرِيبِ لَا مَسْأَلَةِ نِدَاءِ الْبَعِيدِ لِلْبَعِيدِ؛ وَلِهَذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ زَكَرِيَّا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}فَلَمَّا اسْتَحْضَرَ الْقَلْبُ قُرْبَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ قَرِيبٍ أَخْفَى دُعَاءَهُ مَا أَمْكَنَهُ. وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {لَمَّا رَفَعَ الصَّحَابَةُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَهُمْ مَعَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إِنَّ الَّذِى تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ} " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} وَهَذَا الْقُرْبُ مِنْ الدَّاعِي هُوَ قُرْبٌ خَاصٌّ لَيْسَ قُرْبًا عَامًّا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ دَاعِيهِ وَقَرِيبٌ مِنْ عَابِدِيهِ وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وقَوْله تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} فِيهِ الْإِرْشَادُ وَالْإِعْلَامُ بِهَذَا الْقُرْبِ و " سَابِعُهَا " أَنَّهُ أَدْعَى إلَى دَوَامِ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ فَإِنَّ اللِّسَانَ لَا يَمَلُّ وَالْجَوَارِحَ لَا تَتْعَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَمَلُّ اللِّسَانُ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ. وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ يَقْرَأُ وَيُكَرِّرُ فَإِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَطُولُ لَهُ؛ بِخِلَافِ مَنْ خَفَضَ صَوْتَهُ و " ثَامِنُهَا " أَنَّ إخْفَاءَ الدُّعَاءِ أَبْعَدُ لَهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ وَالْمُشَوِّشَاتِ فَإِنَّ الدَّاعِيَ إذَا أَخْفَى دُعَاءَهُ لَمْ يَدْرِ بِهِ أَحَدٌ فَلَا يَحْصُلُ عَلَى هَذَا تَشْوِيشٌ وَلَا غَيْرُهُ وَإِذَا جَهَرَ بِهِ فَرَّطَتْ لَهُ الْأَرْوَاحُ الْبَشَرِيَّةُ وَلَا بُدَّ وَمَانَعَتْهُ وَعَارَضَتْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ يُفْزِعُ عَلَيْهِ هِمَّتَهُ؛ فَيَضْعُفُ أَثَرُ الدُّعَاءِ وَمَنْ لَهُ تَجْرِبَةٌ يَعْرِفُ هَذَا فَإِذَا أَسَرَّ الدُّعَاءَ أَمِنَ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ و " تَاسِعُهَا " أَنَّ أَعْظَمَ النِّعْمَةِ الْإِقْبَالُ وَالتَّعَبُّدُ وَلِكُلِّ نِعْمَةٍ حَاسِدٌ عَلَى قَدْرِهَا دَقَّتْ أَوْ جَلَّتْ وَلَا نِعْمَةَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَإِنَّ أَنْفُسَ الْحَاسِدِينَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمَحْسُودِ أَسْلَمُ مِنْ إخْفَاءِ نِعْمَتِهِ عَنْ الْحَاسِدِ. وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} الْآيَةُ. وَكَمْ مِنْ صَاحِبِ قَلْبٍ وَجَمْعِيَّةٍ وَحَالٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَحَدَّثَ بِهَا وَأَخْبَرَ بِهَا فَسَلَبَهُ إيَّاهَا الْأَغْيَارُ وَلِهَذَا يُوصِي الْعَارِفُونَ وَالشُّيُوخُ بِحِفْظِ السِّرِّ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَالْقَوْمُ أَعْظَمُ شَيْئًا كِتْمَانًا لِأَحْوَالِهِمْ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا وَهَبَ اللَّهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَجَمْعِيَّةِ الْقَلْبِ وَلَا سِيَّمَا فِعْلُهُ لِلْمُهْتَدِي السَّالِكِ فَإِذَا تَمَكَّنَ أَحَدُهُمْ وَقَوِيَ وَثَبَّتَ أُصُولَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ فِي قَلْبِهِ - بِحَيْثُ لَا يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَاصِفِ فَإِنَّهُ إذَا أَبْدَى حَالَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى لِيُقْتَدَى بِهِ وَيُؤْتَمَّ بِهِ - لَمْ يُبَالِ. وَهَذَا بَابٌ عَظِيمُ النَّفْعِ إنَّمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُهُ. وَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ الْمَأْمُورُ بِإِخْفَائِهِ يَتَضَمَّنُ دُعَاءَ الطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ عَظِيمِ الْكُنُوزِ الَّتِي هِيَ أَحَقُّ بِالْإِخْفَاءِ عَنْ أَعْيُنِ الْحَاسِدِينَ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ شَرِيفَةٌ نَافِعَةٌ و " عَاشِرُهَا " أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ ذِكْرٌ لِلْمَدْعُوِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَضَمِّنٌ لِلطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ فَهُوَ ذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ سُمِّيَ دُعَاءً لِتَضَمُّنِهِ لِلطَّلَبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} " فَسَمَّى الْحَمْدَ لِلَّهِ دُعَاءً وَهُوَ ثَنَاءٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ مُتَضَمِّنٌ الْحُبَّ وَالثَّنَاءَ وَالْحُبُّ أَعْلَى أَنْوَاعِ الطَّلَبِ؛ فَالْحَامِدُ طَالِبٌ لِلْمَحْبُوبِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُسَمَّى دَاعِيًا مِنْ السَّائِلِ الطَّالِبِ؛ فَنَفْسُ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ مُتَضَمِّنٌ لِأَعْظَمِ الطَّلَبِ فَهُوَ دُعَاءٌ حَقِيقَةً بَلْ أَحَقُّ أَنْ يُسَمَّى دُعَاءً مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ دُونَهُ
__________________
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون: "ذكر الناس داء،وذكر الله دواء" قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له" السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره" الفتاوى السعدية 461 https://twitter.com/mourad_22_ قناتي على اليوتيوب https://www.youtube.com/channel/UCoNyEnUkCvtnk10j1ElI4Lg |
|
|