أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
135896 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-04-2020, 10:48 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,070
افتراضي هل الخلاف في مسائل الشرع قصور أو مزية ؟

...
.

. . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد العالِمين، وبعد.
يتساءل البعضُ: لماذا يكون في الشريعة مسائل خلافية مع أن الكل يستدل بالقرآن والسنة؟
وهذه المسألة التي يظنها ضعافُ الإِيمانِ، ومن يجهل دينَه، وأعداءُ الملةِ أَنها قُصور في الشريعةِ، أو ضعفٌ في طرقِ الاستدلال، وغير ذلك من الافتراءات التي يُشوش بها أَعداءُ الدين على الشريعة الإسلامية، ويتخذها بعضُ ضعاف الإيمان ذريعةً للترخص واتباع الهوى.
والحقيقةُ أَن الأمرَ ليس كما يتصور مَن ليس له أدنى عنايةٍ في العلم الشرعي؛ فإن هذا من حكمةِ الله –تعالى- أَن تكونَ الشريعةُ على هذه السِّمَةِ. وليس كل مسائل الشريعة فيها خلافٌ، فهناك ثوابتُ وإِجماعاتٌ كثيرةٌ خاصة في الأصول والكليات، والمسائل الخلافيةُ تكون عادةً في الفروع الفقهية.
وأَسباب الخلافِ تعودُ إلى أمورٍ كثيرةٍ أَهمها إختلافُ أفهامِ الناس وعقولِهم، فهذه طبيعة بشرية، وسمة إنسانية، فليس كلُّ أهلِ العلم أَذهانُهم على نَسقٍ واحد، ولا على درجةٍ واحدةٍ من الفَهم والإدراك لمعاني النصوص ومدلولاتِها الواسعةِ التي تُتيح أَحيانا صوراً شتى من الاستنباطات وطرقاً كثيرة من الاستدلالات، ولا يوجد من البشر مَن يستطيع أن يحيطَ بعلم الشريعة سوى نبيٌّ. وأسباب الخلاف في الشريعة كثيرةٌ استوعبها شيخُ الإسلام في رسالته القيمة "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
لكن ما الحكمة من وقوع الخلاف في مسائل الشريعة، وما فائدة ذلك؟
لا شك أن وقوع الخلاف في مسائل الشريعة فيه من الحكم والفوائد الكثيرة التي قد لا ندرك كثيرا منها. لكن سأحاول أن أذكر شيئا مما بدا لي في هذا الجانب.

فمن الحكم في حصول الخلافُ في الشريعةِ أن تبقى عبادةُ الاجتهادِ والبحثِ والنظر قائمةً، حتى تبقى أذهانُ الفقهاء والعلماء حاضرةً وجاهزةً لكل ما يستجدُّ من الأمور، وحتى تُحفظ قواعدُ الشريعةِ وأصولُها ولا تُنسى؛ وذلك بكثرة المُدارسة والبحثِ والنظر في أَوجهِ الاستنباط، ومدلولاتِ خطاب الشرع، وكثرة التفريعات على القواعد، فتحصل الدُّربةُ لطلاب العلم وأهلِه، وتتوسع مداركُهم وفهومُهم، فمسألةٌ صغيرةٌ كالخلافِ في صوم السبت في النافلة –مثلا- لما تُطالع النقاشَ العلمي فيها –لا العصبي- ترى من أَبواب العلم وقواعدِه واستنباطاتِه الكثيرةِ التي ما كانت لتظهرَ لولا هذا الخلاف العلميُّ، والحوار المنهجي وليس الهمجي، فكيف بمسائلَ كثيرةٍ هي أكبرُ وأَدقُّ وأجلُّ؟

ومن الحكم في الخلاف في مسائل الفقه: حتى تتميز مراتبُ أَهل العلم ودرجاتُهم وصِدقُهم في سعيِهم وبذلِهم الجهودَ المضنيةِ في البحث والنظر والاستدلال، وما يترتب عليه من الأجور ورفعٍ للدرجات، فيظهر لكبار أهل العلم وعظماء الشريعةِ من دقائق العلم ما لا يظهر لغيرهم، فيظهرُ فضلُهم وعِظَمُ شأنِهم، وعُلوُّ كعبِهم في العلم، فيُعنى بأقوالِهم فيما امتازوا به ما لا يُعنى بغيرها، وتكون استنباطاتهم وتأصيلاتهم وتقعيداتهم أُصولا كليةً يسيرُ عليها طلبةُ العلم والفقهاء من بعدهم، ويبنون عليها من التفريعات النافعة التي ما كانت لتحصل لولا وجود الخلاف في الأفهام، والتنوع في الاستنباط، كما حصل من وجود المذاهب الأربعة وغيرها من المدارس العلمية.

ومن الحكم كذلك: أَنّ نصوصَ الشريعة ليست كلُّها أَوامرُ على صيغةِ: افعل، أو: لا تفعل.. ولكن كثيرا منها جاء بصيغةٍ تكون فيها مرونةٌ وقابلةٌ للنظر والاستدلال والاستنباط؛ لتوائمَ جميع البشر على اختلاف أحوالِهم وطبائعهم وحوائجهم على اختلاف أعصارهم وأمصارهم. والله -سبحانه- يُيَسر لعلماء الشريعة في كلِّ عَصر ومِصرٍ من الفهم والإدراك لنصوص الشريعة، ويفتح عليهم بحكمته وتقديره، ما يوائمُ أَحوالَ ذاك الزمان أو ذلك المكان.

وكذلك من حكم وجود الخلاف في الشريعة: أن يحصل تمحيص النوايا، وابتلاء السرائر، وما يَخفى في القلوب مما لا يطلع عليه إلا علام الغيوب؛ فهنالك أمر مهم لا يتَنّبهُ له الكثير من الناس وهو أَن اللهَ يريد أَن يرى منا سبيلَ الوصول إلى الحقِّ وحرصَنا عليه، وتَطَلُّبَنا له، وهل سلَكْنا الطريقَ الصحيحَ في ذلك؟ وهذا هو الذي نُحاسب عليه، أما ما نتوصل له من البحث فلسنا محاسبين عليه، فقد جاء في الحديث: (إذا اجتهد الحاكمُ فأصابَ فله أَجران، وإن أخطأ فله أجرٌ) إذن حين يغلط المجتهدُ فله في ذلك أَجرٌ؛ لأنه سعى في طرق الاستنباطِ الشرعيةِ المأمورٍ بها للوصول إلى الحق، وأدى هذه العبادة على وجهها، فإن أخطأ الحقَّ فليس عليه وِزرُ ما ليس بيدِه مما لم يُقَدِّر الله له أنْ يطلعَ عليه من الصواب في تلك المسألة، إنما نيَّتُه وصدقُه في تحرِّيه وبحثِه عن الحق.
والاجتهاد لا يكون من العلماء فقط، بل من طلاب العلم والعوام كذلك، لكن كل بحسبه، فالعالم له أدواته من الفهم والنظر والاستنباط وطالب العلم له قراءته وبحثه بحسب درجة تحصيله، والعاميُّ أيضا يبحث من خلال سؤالِ من يثقُ به، أو يقرأ ما استطاع، أو يجتهد في اختيار من يقلدُ في دينِه الذي يراه أتقى وأعلم من غيره. والمهم في ذا كله تجنب الهوى وحظِّ النفس. { ولَيسَ عَليْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }.
فالعاميُّ في سؤالِه وبحثه إن قصد معرفةَ الحقِّ وما هو مرادُ الله في هذه المسألةِ، فهو في عبادة وله أجر؛ لذلك جاء في الحديث: ( الإثمُ ما حاك في النفس وتردَّدَ في الصدر وإنْ أفتاك الناس ) فالمسلم عندما يستفتي ويحصل على إجابة فإن لم يطمئنَّ لها قلبُه، ولم تسترحْ لها نفسُه، وشعر أن فيها إثما وحرجا، فلا يحلُّ له الأخذُ بها، بغض النظر عما هو الصواب والخطأ فيها، فهو فيما ظهر له في امتحان وابتلاء، ولو كان الصواب على خلاف ما تصوّر في نفسِه.
ومن بحث وسأل من أجل أن يجد الجوابَ الذي يلائمُ هواه، ويوافقُ مصالحَه، فهذا وإن أَصابَ الحقَّ فهو آثم في نيَّتِه هذه. ومَن لم يتبين له الصوابُ في المسألة الخلافية واشتبه عليه الأمر فعليه أن يتوقف فيها ويحتاط، وهنا تأتي عبادة اتقاء الشبهات كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والتي يغفل عنها كثير من الناس، فيَتبَيّنُ بذلك صاحبُ الهوى ويتميز صاحبُ التُّقى.
لكن قد يضطر العامي أحيانا للأخذ برخصةِ عالم وإنْ لم يترجح له شيء؛ وهذا بحسب المسألة وما يحوط بها من أحوال واحتياجات.

وكذلك من الحكم في وجود الخلاف: لِيتبيّنَ مَن يتخذُ الرأيَ المخالفَ ذريعةً للتعصبِ، وسبيلا للتحزب، سواء تعَصّب لِما أَلِفه واعتادَه فيما اشتهر عليه قومُه من العمل في المذهب الذي ساروا عليه، أو ورثوه عن آبائهم، أو تحزَّبَ تَعمُّداً لمخالفةِ من يُبغضُ ممن ليس من حزبه، وغيرِ ذلك من الأسباب، خلافا لمن يبحث عن الحق ويطلبُه بجهدِه، ويقولُ به ولو خالف هواه ورأيَ أشياخِه وأحزابه.
وقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن زياد الأسدي قال: لمّا سار طلحةُ والزبيرُ وعائشةُ إلى البصرة بعث عليٌّ عمارَ بنَ ياسر وحسنَ بن عليٍّ فقدما علينا الكوفةَ، فصعدا المنبرَ، فكان الحسنُ بن عليٍّ فوق المنبر في أَعلاه، وقام عمارٌ أسفلَ من الحسنِ، فاجتمعنا إِليه فسمعتُ عماراً يقول: (إِن عائشةَ قد سارت إلى البصرةِ، ووالله إنها لزوجةُ نبيِّكُم -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، ولكنّ اللهَ -تبارك وتعالى- ابتلاكُم ليعلمَ إِياه تطيعون أم هي).
فانظر إلى فقه عمارٍ -رضي الله عنه- كيف حث الناسَ على التجردِ لاتباع الحق، وعدم النظر للمتبوع من البشر؛ وإن كان المتبوعُ أَمَّ المؤمنين –رضي الله عنها- زوجَ النبيِّ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، وهي وأَبوها أحبُّ الناس إليه، ولم تأخذه في ذلك العاطفةُ لخيرِ امرأة وطِئَتِ الأرضَ ذاك الزمان، ما دام أنه يرى أن الصوابَ جانَبها.

ومن الحكم في ذلك: رِفعةُ درجةِ العالم، وظهورُ إخلاصِه وصدقِه؛ وذلك لما يتبين له أن أخطأ في مسألةٍ وجانبه الصوابُ فيها، فتجده مُنقادا بنفسٍ طائعةٍ رضيّةٍ راضخةٍ للحق، مجانبةٍ للكبر، فيقول: كنت أقول كذا وكذا، فبان لي أن الصوابَ خلافُ ما قلت، والحق فيما قاله غيري، فلا أَيسرَ على نفسِه، ولا أحلى على قلبِه من أن يقول: أَخطأتُ؛ لأن دين الله في قلبِه أغلى وأعلى، واللذة الأكمل في نفسِه ظهورُ الحقِّ ولو على يدِ غيره، أو بلسان خَصمِه. وسيرةُ السلف في هذا الشأنِ لا تخفى.

وبالمقابل فيه كشف المُدّعين العلمَ، الزاعمين الفهمَ؛ لما ترى الواحدَ منهم وقد قامت عليه الحجةُ، وبانَ له الدليل، وانقشع له الضباب، ولم يبقَ له من حجتِه إلا خيطُ السرابِ، وإذ به تأخذُه حَميَّةُ الجاهلية، وعصبيةُ التقليد، وأَنفةُ الجبان الذي يخشى أن يقولَ: كنت مخطئا، ظانّا أن هذا موطن الرجولة ومكمن البطولة، فإذ به يهبطُ من علياء الكرامةِ إلى حضيضِ الذلِّ والخذلان؛ { لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} نسأل الله السلامة.

ومن الحكم كذلك: ظهورُ الأُخوة الإيمانية الحَقّةِ في أجملِ صورها، وأعلى مراتبها التي يريدها الله لخُلَّصِ أوليائه، فتجدُ أَكابرَ أهل العلم وإن اختلفوا في مسائلَ عديدةٍ لا يمنعهم ذا من أَن تبقى قلوبُهم صافيةً نقيةً، خاليةً من الضغائن؛ لأنهم تآخوا على توحيد الله وتعظيم شرعِه، فلا يؤثر في قلوبِهم الصادقةِ تخاصمُ أَفهامِهم، ولا تَنوُّعُ اجتهاداتهم، ولا اختلافُ آرائهم؛ لأنهم يعلمون أن كُلًّا سلك شرعَ الله، وغايتُه الحقُّ، وما التوفيق له إلا بإذن الله. وهذا لا يكون إلا للأَصفياء من أولياءِ الله المتقين. قال يونسُ الصَدَفيُّ: ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يوما في مسألةٍ ثم افترقنا، ولَقِيَني فأخذ بيدي، ثم قال: يا أَبا موسى! ألا يَستقيمُ أنْ نكونَ إِخوانا وإِن لم نتفق في مسألة.

ومن الحكمة في ذلك: أن تظهر عبادةُ التوكلِّ والاستعانةِ في أعلى مقاماتها، وأرقى مراتبها؛ كما قال ابنُ القيم: (فأَعظمُ التوكُّلِ عليه التوكلُ في الهدايةِ وتجريدِ التوحيدِ) فيستعين العالمُ الربانيُّ وطالبُ الحقِّ ربَّه، متجردا من هواه، قاصداً هداه، داعيا راجيا أن ينال شرفَ إظهارِ الحقِّ، وبيانَ مرادِ المولى –سبحانه- في شرعه؛ فيُعمِلُ ذِهنَه وفكره، وينظر سبلَ الاستنباط، وطرق الدلالة التي أتاحها الله له؛ ليستخرجَ غوامضَ الفقهِ، ودقائقَه ولطائفَه؛ مَحبةً في ظهورِ الحقِّ الذي يريدُه مولاه ويرضاه، ولو جانب هواه، وخالف مبتغاه، وهو متوكل عليه مستعين به، يعلم أنه لا حيلة له إلا بما يسره الله له.

ومن الحكم في ذلك حصول التنافس بين أهلِ العلمِ وطلبته على مَرِّ العصور، فلا يَبقى العلمُ حِكرا على جيل دون جيل، فيتسابقُ أولوا الألباب، وذَووا الحِجا، في اعتلاء مراكب الفطنةِ والذكاء، وإِعمال العقول ونَحْتِ الأفهام، والغوص في بحورِ العلم، واستخراج كنوزه ولآلئه، وسَبْر غوامضِه، واستخراج دقائه، فيبقى العلم غَضّا طريا لا تنالُ طالبيه السآمة، ولا دارسيه المَلالة، متجددا مع كثرةِ الحادثاتِ، وتجددِ النازلاتِ، لا جامدا مملاً، ولا صامتا مُقِلا؛ ليواكبَ مستجداتِ العصور، ونوائبَ الدهورِ، لا كما صورته المذهبيةُ المَقيتةُ في السطور، وحاولت إلجامَه حينا من الدهور؛ فتظهرَ لذةُ العلم في دِقةِ البحث، وتتجلى متعةُ العقل في حِيازةِ الفَهم، والعلومُ كلُّها يجدُ أهلُها فيها لذةً؛ لكنَّ علمَ الشريعةِ امتاز عن بقيَّةِ علوم الدنيا بشيءٍ زائدٍ لا يعرفُه أولئك، وهو لذة إِخلاصِ النيِّة لله في بيان الحق وإظهاره؛ ليجدوا من لذةِ العبودية لله سوى ما يجدونه من لذة العلم ما يجعل علمَ الشريعةِ أَعلى العلومِ وأشرفَها.

ومن الحكم كذلك أن يظهرَ فضلُ الشريعةِ، وعُلوُّ شأنِها ورفعتُها، وعِظَمُ قَدْرِها عند أَهلِها، مفاخرين بذلك أعداءهم، مبارزين خصومهم، ؛ وذلك بكثرةِ المشتغلين بها عبر القرونِ، جَمعاً وبحثاً وتصنيفاً وتحقيقاً وتأليفاً وتدريساً وتفسيرا، وشرحا للمتون، ومقارنةً بين المذاهب، وتمييزاً للآراء والأقوال؛ تمحيصاً لها، وتحقيقا لصوابها من خطئها، ودفعا لما تُلقى به من الشبهات والتشكيكات، ودرءا لتعارض ضغفِ الفُهوم وسَقمِها مع صحةِ النقول ووضَحِها، لا تَمَلُّ أذهانُهم، ولا تَكِلُّ ألسنتُهم، ولا تَنْضُبُ محابرُهم، ولا تجِفُّ أقلامُهم، فكان لدينا أوسعُ وأكبرُ مكتبةٍ علميةٍ أتحفت الدنيا بمعارفها، ولم يعرفْ لها التاريخُ مثيلاً في تنوُّعِ علومِها، وكثرةِ تصانيفِها، وغزارَةِ بحوثِها، ودِقةِ فنونها، دون توقُّفٍ لعجلةِ التأليفِ والتصيفِ عبرَ القرون ولو للحظة، خلافا لجميع المذاهب والأديان الأرضية الوضعيةِ والمحرفة؛ ليكونَ لعلماء الشريعةِ وفقهاءِ الأُمّة وحُرّاسِ المِلَّةِ نصيبٌ من وصفِ الله تعالى لنبيِّه –صلى الله عليه وسلم- وصحبِه –رضوان الله عليهم- وذلك في قوله تعالى: { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ }.

هذا ما تيسر لي والحمد لله رب العالمين.
__________________
.
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-03-2023, 10:04 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,070
افتراضي

.
ومما بدا لي من الحكمة في وجود الخلاف عدم التشدد أو التساهل في بعض المسائل الخلافية المعتبرة في حال اختلاف الأحوال والظروف، التي تجعل كفةَ النظر تتأرجحُ بين الاعتباراتِ المختلفةِ لكل قول؛ فالحكمة تدفع طالب العلم على التعامل مع هذه المسائل دون اطراحٍ لقول المخالف بالكلية، ويستفيد منه في أحوال وملابسات يكون فيها قول مخالفه له حظٌّ قوي من النظر.

فمثلا: لو أنّ طالبَ علم يرى وجوبَ تغطيةِ وجهِ المرأةِ أَمامَ الأجانب، وهو يسير مع زوجته ليلا في طريق قليل المارّةِ، خافتِ الإضاءةِ، وأرادت زوجته أن ترفعَ نقابَها عن وجهها لبعض الضيق أَصابها منه، فليس هاهنا من الحكمة أن يعامل كشفَها لوجهها في مثلِ هذا الموطن كما لو أن أرادت أن تكشفَ شعرَها، فيشتدَّ عليها ويعنفها.

وفي المقابل لو أن طالبةَ علم ترى عدمَ وجوب النقاب، وألجأَتها الحاجةُ إلى الدراسة في الجامعةِ المختلطة، فليس من الحكمة هنا أن تطرح قول المخالف وهي في موطن تتأجج فيه الفتن وتجتمع، تمكث فيه لساعات طويلةٍ بين الشباب المراهقين، وقد اشتدت غلمتهم، وتأججت شهواتهم؛ لِما عاينوه من المناظر التي لا تقوى قلوبهم الضعيفة على صد أثرها ورد كيدها، ووازعهم الديني والأخلاقي قد أُلقيَ في غَيابةِ الجُبّ ينتظر بعضَ السيارة، وهي في وسط هذه المعمعة، وجهها يُنظر إليه طوال النهار، ثم تقول: الأمر فيه سَعَة، والمسألة خلافية والراجح عدم الوجوب، ولا يحملها الورعُ والتقوى على صَونِ نفسِها، والخروج من الخلاف في موطن أَشدّ ما تكون الحاجةُ فيه إِلى قول المخالفِ الذي كأنه ما صِيغَ ولا حُبك إلا من أجل هذه الظروف.

ومثل آخر: في حال الجمع بين الصلاتين بعذر المطر، فإمام المسجدِ الحكيم، في حال اضطرب نظرُه في تحقق العذر، ينظر لقول مخالفه بقوة واعتبار؛ لئلا يدفعه الاعتيادُ على الجمع، والإلحاحُ من المصلين، على التساهلِ في شرطٍ من شروط الصلاة.

والأمثلة كثيرة، والإشارة تكفي. لكن أنبه إلى أني لم أقصد في ضرب هذه الأمثلة ترجيح قول على قول، ولا تأثيم المخالف في اختلاف الأحوال؛ إنما قصدت التنبيه إلى النظر إلى الحِكم وأسرار التشريع، والتماس مواطن العذر للمخالف في مختلف الأحوال، وتوسيع دائرة التدبر، وعدم حصر الحق في رأي مجتهد ليس قوله أولى بالصواب من مخالفه إلا بما ترجح للناظر من دلالات، وما بدا له من إشارات، تظهر وتخفى باختلاف الأحوال والأشخاص. وأن يحوط ذلك ويصونه التقوى والورع.
والله أعلم.
__________________
.
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:27 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.