أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
12975 94165

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-29-2010, 05:44 PM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 790
افتراضي بين منهجين (17) : الأصول والضوابط الشرعية الحاكمة للجمعيات الإسلامية .

بين منهجين (17) : الأصول والضوابط الشرعية الحاكمة للجمعيات الإسلامية .

العمل لهذا الدين , ودعوة الناس إليه من أفضل القربات عند الله تعالى مصداق ذلك قوله سبحانه [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] ؛ وقد أخذ هذا العمل أشكالا وصورا شتى ؛ فمنها المنصوص عليه شرعا , ومنها الحادث , وهذا الحادث كثير جدا منه المحمود الموافق للشرع , ومنه المذموم المخالف له , ومن الصور الحادثة للعمل لهذا الدين ودعوة الناس إليه : (المراكز العلمية , والجمعيات الدينية , والجمعيات الخيرية ؛ ... إلخ) .
ولما كانت هذه الصور من الوسائل الدعوية الحادثة وقع الخلاف فيها وحولها ؛ ما بين مجيز لها بإطلاق , ومانع منها بإطلاق , وما بين مجيز للتعامل معها بإطلاق , وما بين مانع من هذا التعامل مطلقا , وما بين متوسط بين الطرفين ؛ وغال من الجهتين ؛ فاقتضى المقام تخصيص هذه الحلقة من سلسلة (بين منهجين) لبيان أهم الأصول والضوابط الشرعية الحاكمة للجمعيات الإسلامية ؛ جاعلا عمدتي -في هذه الحلقة- البيان الذي صدر عن أهل العلم في مركز الإمام الألباني مشايخنا (مشهور بن حسن , وعلي الحلبي , ومحمد موسى , وفتحي الموصلي –حفظهم الله-) بخصوص (الموقف الشرعي من الجمعيات الحادثة) , وهو على الرابط :
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/sh...ad.php?t=12302
جاعلا الكلام في محاور تأصيلية علمية –بحتة- بعيدا عن الكلام في واقع الجمعيات المعاصرة ؛ فأمرها كما قال مشايخنا في بيانهم : "إن الجمعيات الإسلامية –القائمة- ذات التوجهات السلفية ليست على رتبة واحدة –واقعا- ؛ فلا يصح القول أنها –كلها- بدعية , ولا أنها –جميعا- حزبية , ولا أنها –كافة- سلفية محضة , والعبرة –في الحكم عليها- بنظامها الداخلي , وبتوجهات وسلوكيات وممارسات القائمين عليها وولاءاتهم وبراءاتهم ؛ ثم يكون الحكم عليها –مدحا أو قدحا- بحسب ما قام فيها من موجبات ذلك –شرعا- , وقد تمدح في جوانب وتقدح في أخرى".
فأقول –مستعينا بالله- :

المحور الأول : الأصول الشرعية التي تقوم عليها الجمعيات الإسلامية .
قال مشايخنا –وفقهم الله- في بيانهم : "لا بد -قبل البحث في التفصيل- من العناية بالتأصيل , ولا بد من تقعيد كليات شرعية تضبط الخلاف في هذه المسألة –كما في غيرها- , وهذه الكليات –هنا- لا يختلف عليها احد من أهل العلم -فيما نعلم- , ومنها :
أولا : أن العبرة في مسألة الجمعيات وغيرها من التجمعات –الحادثة- بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني , وأن الأسماء لا تغير من حقائق المسميات , فلا فرق بين تسميات الجمعية والمركز والمنتدى والملتقى –وأمثالها- , فحقيقتها –جميعا- واحدة .
ثانيا : الاجتماع أصل شرعي وضرورة بشرية وحاجة فطرية لا تقوم مصالح بني آدم إلا بها , والاجتماع المحمود –شرعا- هو ما كان على مقتضى الشرع وسيلة وقصدا وعليه يعقد الولاء والبراء , وأما ما كان على خلاف ذلك فهو من قبيل الاجتماع المذموم , فإن كانت الموالاة والعطاء والتقريب والمناصرة فيه , والمعاداة والمخالفة والمنع الإبعاد عليه كان اجتماعا حزبيا ممنوعا منه شرعا وعقلا وعرفا .
ثالثا : إن الأصل هو مشروعية العمل الجماعي القائم على الاجتماع والتعاون والتناصر والتواصي , وهي مطالب شرعية دلت عليها نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ] , وقوله [إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] , وقوله [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] .
رابعا : لا تتعلق الحرمة في مسألة الجمعيات الحادثة بذاتها –إسما وبناءً- , وإنما بما تقع به الجمعية –المعينة- من مخالفات شرعية , فالتحريم فيها –إن كان- فلغيرها لا لذاتها , وهذا يختلف من جمعية إلى أخرى" .
قلت : ومن أبرز الأصول التي قام عليها القول بمشروعية تشكيل الجمعيات الإسلامية الآتي:

الأصل الأول : التعاون الخيري مطلب شرعي وحاجة ضرورية .
الاجتماع والتعاون بين بني البشر حاجة فطرية وضرورة دينية , جبلت عليها الطبائع الإنسانية بله الحيوانية عموما , وقد حث القران عليها وجعلها قاعدة عامة خوطب بها المؤمنون , في العديد من النصوص منها قوله [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ].
قال الإمام الطبري في تفسيره (9\490) :"يعني جل ثناؤه بقوله: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى] وليعن بعضكم، أيها المؤمنون، بعضًا [عَلَى البِرِّ] وهو العمل بما أمر الله بالعمل به , [وَالتَّقْوَى] هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه".
قال ابن القيم في زاد المهاجر (6-7) :"فان الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] , وقد اشتملت هده الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم فان كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله , وواجب بينه وبين الخلق .
فأما ما بينه وبين الخلق : من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله"
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28\54) مخبرا عن صنيع نفس وإخوانه في باب التعاون على البر والتقوى وعدم البخل به :"وتعلمون : أنا جميعا متعاونون على البر والتقوى واجب علينا نصر بعضنا بعضا أعظم مما كان وأشد , فمن رام أن يؤذي بعض الأصحاب أو الإخوان لما قد يظنه من نوع تخشين - عومل به بدمشق أو بمصر الساعة أو غير ذلك - فهو الغالط .
وكذلك من ظن أن المؤمنين يبخلون عما أمروا به من التعاون والتناصر فقد ظن ظن سوء , وإن الظن لا يغني من الحق شيئا".

الأصل الثاني : الاجتماع الدعوي أصل شرعي .
وهذا الاجتماع للتعاون على البر والتقوى دليل واضح ظاهر على مشروعية العمل الجماعي الدعوي , وقد دل عليه أيضا قوله تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمة يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ وَيَأمرونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] .
قال الطبري في تفسيره (7\90-91) :"يعني بذلك جل ثناؤه [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ] أيها المؤمنون [أمة] ، يقول: جماعة [يَدْعُونَ] الناس[إلى الخَيْرِ]، يعني إلى الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده [وَيَأمرونَ بِالمَعْرُوفِ] , يقول: يأمرون الناس بإتباع محمد –صلى الله عليه وسلم- ودينه الذي جاء به من عند الله [وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ] يعني وينهون عن الكفر بالله والتكذيب بمحمد وبما جاء به من عند الله، بجهادهم بالأيدي والجوارح، حتى ينقادوا لكم بالطاعة, وقوله [وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] يعني: المنجحون عند الله الباقون في جناته ونعيمه".
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية تفسير ابن كثير (2\91) :"والمقصود من هذه الآية أن تكون فرْقَة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه".

الأصل الثالث : للاجتماع البشري أن يحكم برأس منظم .
وهذا الاجتماع على فعل الخير مضبوط بمشروعية أن يكون للمجتمعين رأس مقدم كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28\390-391) :"فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي –صلى الله عليه وسلم- [إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم] رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وابي هريرة . وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : [لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم] , فأوجب –صلى الله عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع , ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة . وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم . وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ؛ ولهذا روي : {أن السلطان ظل الله في الأرض} , ويقال (ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان) , والتجربة تبين ذلك".
وقال أيضا في مجموع الفتاوى (28\62) :"وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم ؛ والتناصر لدفع مضارهم ؛ ولهذا يقال : الإنسان مدني بالطبع . فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة . وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة ؛ ويكونون مطيعين للأمر بتلك المقاصد والناهي عن تلك المفاسد فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة أمر وناه . فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم ؛ مصيبين تارة ومخطئين أخرى".
وقال الشيخ ابن عثيمين في سلسلة لقاء الباب المفتوح (ش\104) جوابا عن السؤال التالي -مبينا مشروعية اتخاذ الرأس المنظم- :"السؤال: بخصوص الدعوة عندنا بالتنظيم خاصة, فنوزع المنطقة عندنا خاصة جمعية إحياء التراث, حيث تتوزع على عدة قطع, وكل قطعة لها مسئول, والمسئول هذا يرجع إلى مسئول أعلى منه, كتنظيم دعوي, من ناحية دروس وغيره, فالسؤال هنا: هل المسئول هذا طاعته واجبة أم لا؟
الجواب: إذا كان إذا التنظيم من قبل ولي الأمر فإنه يجب التمشي بما يقول؛ لأنه نائب عن ولي الأمر الذي تجب طاعته في غير معصية الله.
وأما إذا كان تنظيماً داخلياً لا علاقة للحكومة فيه، فهؤلاء إن رضوا أن يكون هذا أميرهم فطاعته واجبة, وإن لم يرضوا فلا يجب طاعته".
تنبيه : كلام الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- المراد به الترتيب والتنسيق والنظام الإداري ؛ لا البيعة الحزبية ؛ ولهذا قال شيخنا الحلبي في كتابه (منهج السلف الصالح –الطبعة الثانية- : "قد يكون تجويز الشيخين الفاضلين [ابن عثيمين , والفوزان] لهذا الأمر من باب الترتيب، والتنسيق، والنظام الإداري.. لا من باب الإمارة الحزبية، أو البيعة غير الشرعية، والإلزام بما لا يلزم!! , ولكن؛ يجب الانتباه إلى خطر التعميم في الفتوى، والذي قد يستغل لمآرب أخرى! وأهداف بالشر أحرى!! فتنبه...".
قلت : ولا تلازم بين العمل الجماعي الدعوي المنظم , وبين التنظيمات الحزبية المذمومة ؛ كما نبه إلى هذا الشيخ الألباني –رحمه الله- في الهدى والنور (ش\792) جوابا على السؤال التالي :
"السائل : هل هناك تلازم بين التحزب المذموم , والعمل الجماعي المنظم في الدعوة إلى الله؟
الشيخ : العمل الجماعي المنظم في الدعوة إلى الله قد يكون حزبا , وقد لا يكون حزبا , أنا شخصيا ومعي بلا شك ناس أفاضل لا يرون مانعا من تقسيم الأعمال بين أفراد المسلمين بين وجماعاتهم ؛ فكل جماعة تقوم بواجب على النحو الذي ذكرته آنفا بالنسبة للمجددين , ولكن كما أننا لا نتصور تعاديا بين أولئك المجددين ؛ وإنما تجمعهم دائرة الإسلام الواسعة على ما قد يكون في كل فرد من هؤلاء الأفراد من نقص كما ألمحت إليه آنفا , كذلك أقول في الجماعات التي تنظم أمرها للقيام بالدعوة إلى الإسلام ؛ إذا كانت هذه الجماعات ليس بينها تباغض وتدابر وتعادي يصل الأمر إلى أن يتحزب الفرد في هذه الجماعة على الجماعة الأخرى بالباطل , هذه الجماعات لا بد من وجودها , لكن لا بد أن تكون مرتبطة بمنهج وبمبدأ موحد لا بد من هذا تماما".

الأصل الرابع : العمل الدعوي الجماعي مضبوط بالشرع وسيلة وقصدا .
إن الدعوة إلى الخير تكون بالقول تارة , وبالفعل تارة أخرى , وهذه الدعوة مضبوطة بالشرع وسيلة ومقصدا , مسائل ودلائل , فهذا ما أرسل الله به نبيه –صلى الله عليه وسلم- .
فلا ريب أن الله بعث محمدا بالهدى ودين الحق , وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به , فدينه أكمل الأديان وشرعته أحكم الشرائع , فبعثه الله تعالى على المحجة البيضاء ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها بعده إلا هالك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11\622-623) : "وقد أمر الله الرسول بكل معروف ونهى عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كل خبيث وثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- في الصحيح أنه قال [ما بعث الله نبيا إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم] .
وثبت عن العرباض بن سارية قال [وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون قال فقلنا يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال أوصيكم بالسمع والطاعة فانه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة] , وثبت عنه أنه قال [ما تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به] , وقال [تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك].
وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع من الكتاب والسنة كثيرة وترجم عليه أهل العلم في الكتب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة كما ترجم عليه البخاري والبغوي وغيرهما فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين .
وكان السلف كمالك وغيره يقولون : (السنة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) , وقال الزهري : (كان من مضى من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة) .
إذا عرف هذا فمعلوم أنما يهدى الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة وإلا فانه لو كان ما بعث الله به الرسول لا يكفى في ذلك لكان دين الرسول ناقصا محتاجا تتمة".
ولا يعدل عن الطريقة السنية النبوية الأثرية في دعوة المخلوقين وإيصال الخير إليهم إلا جاهل بها أو متثاقل عن إتباعها أو صاحب قصد سيء , فالرسول –صلى الله عليه وسلم- قد بعثه الله تعالى بمقاصد ووسائل , ومسائل وأدلة في عموم الدين , فيها الغنية عن سلوك الطرق البدعية الحادثة ؛ كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (11\624-635) :"إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين على الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة أو عاجز عنها.
فان الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التى أغناهم الله بها عن الطرق البدعية .
فلا يجوز أن يقال إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة فانه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر انه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية التى ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي .
بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهم خير أولياء الله المتقين من هذه الأمة تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية وأمصار المسلمين وقراهم قديما وحديثا مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية .
فلا يمكن أن يقال : أن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية بل قد يقال إن في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية عاجزا عنها ليس عنده علم بالكتاب والسنة وما يخاطب به الناس ويسمعهم إياه مما يتوب الله عليهم فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إما مع حسن القصد إن كان له دين , واما أن يكون غرضه الترؤس عليهم وأخذ أموالهم بالباطل كما قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ] .
فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل أو عجز أو غرض فاسد".
فالأصل في الوسائل الدعوية أن تكون توقيفية حالها في ذلك حال مقاصدها , وليس معنى أنها توقيفية أن يكون قد نص الشرع على كل جزء منها بعينه , بل معناه أن لا تخالف الشرع كما صرح بذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين جوابا عن السؤال التالي الموجه غليه ضمن سلسلة الفتاوى الثلاثية :
"سؤال : كثر الكلام في وسائل الدعوة من حيث كونها توقيفية أم لا، فما القول الفصل في هذه المسألة؟
الجواب: القول الفصل أن وسائل الدعوة ما يتوصل به إلى الدعوة وليست توقيفية، لكنه لا يمكن أن تكون الدعوة بشيء محرم كما لو قال قائل: هؤلاء القوم لا يقبلون إلا إذا طلبتم الموسيقى أو المزامير أو ما أشبه ذلك.. هذه محرمة، وأما غير ذلك فكل وسيلة تؤدي إلى المقصود فإنها مطلوبة".
وزاد الشيخ -رحمه الله- الأمر وضوحا بقوله في سلسة لقاء الباب المفتوح (ش\21) جوابا على سؤال اعترض فيه السائل على بعض الوسائل الدعوية بحجة أنها توقيفية , فقال الشيخ في معرض جوابه :"أما قوله: إن وسائل الدعوة توقيفية: فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية, فما دامت وسيلة فإننا نسلكها إلا أن تكون محرمة، نسلكها وإن لم يرد نوعها في الشريعة؛ ما لم تكن محرمة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
ألسنا الآن نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت؟! هذه وسيلة، فهل كانت هذه الوسيلة موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟! .
الجواب: غير موجودة! .
ألسنا نقرأ الكتب بلبس النظَّارة من أجل تكبير الحرف أو بيانه؟! هذه وسيلة لقراءة الكتب وتحصيل العلم، فهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟! .
الجواب: غير موجود! .
ألسنا نضع في أذن الأصم أو خفيف السمع سماعة ليسمع ما يُلقَى من الخير؟! .
الجواب: بلى! , وهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- ؟! .
ما دمنا أقررنا بأنها وسيلة، فإننا ننظر إلى الغاية، فإذا كانت الوسيلة محرمةً حَرُمَت في ذاتها.
فلو جاء أناس وقيل لكم عنهم: هؤلاء الجماعة لا يقربون منكم حتى تضربوا لهم بالمعازف، ويرقصوا عليها! قلنا: هذه لا نستعملها؛ لأنها وسيلة محرمة. أو قيل: لا يقبل هؤلاء الدعوة إلى الله إلا أن تكون الداعية امرأة شابة جميلة! فهل نأتي بامرأة شابة جميلة؟ لا.
إذاً.. فالوسائل جائزة، وعلى حسب ما هي وسيلة إليه، ما لم تكن ممنوعة شرعاً بعينها فإنها تُمْنَع".

الأصل الخامس : جواز التعاقد على ما لا يخالف الشرع من الوسائل .
وللمسلمين في مجال العمل الدعوي وغيره أن يتعاقدوا ويتفقوا على ما يستلزمه العمل الدعوي من وسائل ومتطلبات لم يأت الشرع بإلغائها , لقوله –صلى الله عليه وسلم- [المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا].
قال شيخ الإسلام في رسالة قاعدة في المحبة (ص\129-130) :"لكن هذا إنما كان ظاهرا في أيام الخلفاء الراشدين , وبعدهم كثرت العقود الموافقة للشريعة تارة والمخالفة لها أخرى , فلا جرم كان الحكم العام في جميع هذه العقود أنه يجب الوفاء فيها بما كان طاعة لله ولا يجوز الوفاء فيها بما كان معصية لله كما قال النبي في الأحاديث الصحيحة [ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق] ...... .
وأما المعاملات في الدنيا فالأصل فيها أنه لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله فلا حرام إلا ما حرم الله ولا دين إلا ما شرعه وإذا لم يحرم إلا ما حرمه الله ورسوله فكأن ما كان بدله بدون التعاقد يجب بالتعاقد فإن العقد يوجب على كل واحد من المتعاوضين والمتشاركين ما أوجبه الآخر على نفسه له , ولهذا قال النبي [المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا] , وهذا الموضع كثر فيه غلط كثير من الفقهاء بتحريم عقود وشروط لم يحرمها الله".

المحور الثاني : فتاوى أهل العلم المجيزة لتشكيل الجمعيات الإسلامية .
قال مشايخنا من أهل العلم في مركز الإمام الألباني : "ولما تقدم من أصول شرعية كلية فقد جاءت فتاوى كبار العلماء : كالرئاسة العامة للإفتاء , والشيخ ابن باز , والشيخ الألباني , والشيخ ابن عثيمين , كلها دالة على جواز تشكيل الجمعيات والمراكز وغيرهما من المؤسسات الحادثة الداخلة في باب الوسائل الدعوية" .
قلت : قد أيد تشكيل مثل هذه المنظمات الدعوية كبار أهل العلم المعاصرين , منهم:
أولا : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد , كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات (2\374-376) ؛ مبينا موقف الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد , من الجمعيات الإسلامية المعروفة بسلامة المنهج المنتشرة في العالم الإسلامي : "وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلى أن للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بحمد الله جهودا في مختلف البلاد الإسلامية والبلاد التي فيها أقليات , وتشاركها في ذلك رابطة العالم الإسلامي , وبعض الدول والمؤسسات الإسلامية , أسأل الله أن ينفع بهذه الجهود وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم , وأن يوفق القائمين على ذلك لما يحب ويرضى .
فقد قامت الرئاسة بمواصلة نشر رسالة الإسلام في ربوع أفريقيا وأوروبا , وأمريكا وآسيا وأستراليا , لإيصال كلمة الحق إلى الناس بما توزعه من المصاحف والكتب بواسطة الدعاة والمرشدين وما يقومون به من محاضرات ودروس ولقاءات واتصالات بشتى الطبقات , وبأنواع الثقافات , ومن خلال المساجد والمدارس والجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تدعمها , وتساهم في تأسيسها وبنائها , بواسطة دعاتها المنتشرين في سائر أرجاء الأرض ... .
كما وضعت مكاتب ومشرفين لمتابعة أعمال الدعاة , وتوزيعهم حسب حاجة تلك البلدان , وبحث ما فيه مصلحة لدعم الجمعيات الإسلامية المعروفة بسلامة الاتجاه بعد التأكد من حاجتهم بالكتب الإسلامية والكتابة إلى المؤسسات التعليمية لتزويدهم بالمقررات المدرسية , كما تقوم بالمساهمة في إكمال مشروعاتهم التي تعود على المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم كالمساهمة في بناء المساجد وترميمها وتزويدها بالمصاحف , وتوثيق المؤسسات الإسلامية للاطمئنان على سلامة القائمين على العمل وصدقهم , وذلك بإعطائهم توصيات خاصة لمحبي الخير لمساعدتهم في عملهم الخيري , وإرسال الوفود من الرئاسة لتفقد أحوال الأقليات ومعرفة احتياجاتهم الضرورية".
ثانيا : ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- حيث قال في مجموع الفتاوى والمقالات (5\194) :"وأن هذه الندوة المباركة تتعلق بالإسلام والمسلمين في جنوب شرق آسيا , ولا شك أن هذه المنطقة من الدنيا في أشد الحاجة إلى النشاط الإسلامي , وتكاتف الدعاة إلى الله عز وجل , وإنشاء الجمعيات الإسلامية , والمراكز الإسلامية , والجامعات الإسلامية , والمدارس والمعاهد الإسلامية ,وتوفر النشاطات الإسلامية من منشآت ومستشفيات , وغير ذلك ؛ مما يعين المسلمين هناك على معرفة دينهم ويساعدهم على كفاح أعدائهم".
ثالثا : ومنهم أيضا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- ؛ حيث قال في سلسلة الهدى والنور (ش\590) : "أي جمعية تقام على أساس من الإسلام الصحيح المستنبطة أحكامها أساسا من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومما كان عليه سلفنا الصالح , فأي جمعية تقوم على هذا الأساس فلا مجال لإنكارها واتهامها بالحزبية .
لأن ذلك كله يدخل في عموم قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} , والتعاون أمر مقصود شرعا وقد تختلف وسائله من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان ومن بلدة إلى أخرى , ولذلك اتهام جمعية تقوم على هذا الأساس بالحزبية أو بالبدعية فهذا لا مجال إلى القول به , لأنه يخالف ما هو مقرر عند العلماء من التفريق بين البدعة الموصوفة بعامة بالضلالة , وبين السنة الحسنة , السنة الحسن : هي طريقة تحدث وتوجد لتوصل المسلمين إلى أمر مقصود ومشروع نصا , فهذه الجمعيات في هذا الزمن لا تختلف من حيث وسائلها عن الوسائل التي جدت في هذا العصر لتسهل للمسلمين الوصول إلى غايات مشروعة , فما نحن الان في هذه الجلسة من استعمال المسجلات على أشكالها وألوانها إلا من هذا القبيل , إنها وسائل أحدثت ؛ فإذا استعملت فيما يحقق هدفا وغرضا شرعيا فهي وسيلة مشروعة وإلا فلا , كذلك وسائل الركوب الكثيرة والمختلفة اليوم من السيارات والطيارات ونحو ذلك هي أيضا وسائل ؛ فإذا استعملت في تحقيق مقاصد شرعية فهي شرعية وإلا فلا".
وقال نفس السلسلة (ش\358) مبينا أن الحكم في الجمعيات عام لكل بلاد المسلمين وليس مختصا ببلد دون آخر , وذلك في معرض رده على السؤال التالي :"س\ما رأيك بالجمعيات الخيرية التي تقام على أساس ديني –أساس مساعدة الفقراء والمحتاجين- ومن أجل أعمال خيرية , ولا علاقة لها بالدولة ولا بالحكم ولا بالبرلمانات ؟, هل هذا جائز ؟.
الجواب\ إذا كانت الجمعية الخيرية كما تقول , وهذا يعود بنا إلى أن نقول أن القضية واحدة في كل البلاد الإسلامية , إذا كان عندكم جمعية خيرية , وعندنا أيضا يمكن أكثر من جمعية خيرية , في سورية أيضا وهكذا , والجواب : يشمل كل هذه الجمعيات في كل بلاد الدنيا وبخاصة الذين يعيشون في بلاد الكفر في أوربا في أمريكا ... إلخ , إذا كانت هذه الجمعيات قائمة على الأحكام الشرعية فهي جائزة وهي داخلة في عموم قوله تعالى {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين} , إذا الحض على طعام المسكين , هذا أمر مشروع ... .
ونحن ننصح أن يكون في كل جمعية خيرية صندوقان : صندوق لأموال الزكاة حتى تصرف لأهل الزكاة , وأهل الزكاة منصوص عليهم في القران الكريم {إنما الصدقات للفقراء ... الآية}.
وصندوق ثاني : مبرات تصرف في سبل الخير , وهي أعم من صرف الزكاة في المصارف المعروفة .
هذا مثال : فإذا كانت الجمعية الخيرية قائمة على الأحكام الشرعية فنعما هي , وإلا فلا فرق حينذاك بين جمعية الهلال الأحمر وبين الصليب الأحمر".
بل وكذَّب –رحمه الله- من ينسب إليه القول بحرمة العمل الدعوي المنظم وذلك في معرض جوابه على سؤال حول حكم تنظيم المسلمين أنفسهم بعامة والسلفيين بخاصة للقيام بالأعمال الدعوية –فقال بعد مقدمة طويلة- في سلسلة الهدى والنور (ش\371) : "لذلك أنا أقول كلمة قد يستغربها بعض إخواننا ولكني اعتقد أنه الحق وهو : لا أرى مانعا من أن يكون هناك جماعات متعددة لكن ضمن منهج واحد , إلا أن كل جماعة لها عملها الخاص بها بحيث أنه تجمعهم الدعوة الواحدة والغاية الواحدة , ولا يتباغضون , ولكن باختصاص كما في الأفراد ففي الجماعات , ونسبة القول أننا لا نجيز ذلك هو من الكذب الذي ينسب إلينا".
رابعا : ومنهم فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- , حيث قال في مجموع الفتاوى والرسائل (16\39) :
"من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم....... -حفظه الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم المؤرخ 32 رمضان 1397هـ وصل، سرني صحتكم الحمد لله على ذلك، وأسأله أن يتم نعمته على الجميع ويرزقنا شكرها، كما سرني نبأ وصول جوابي على كتاب الأخ .... حول تأخير صلاة العيد، وأشكر جمعيتكم على عنايتها بذلك، وأسأل الله أن يرزقنا جميعاً البصيرة في دينه والثبات عليه.
كما أفيدكم بأني أحب مواصلة الكتابة والتعرف على أحوال الجمعية لأن هذا يهم الجميع.
وقد تضمن كتابكم المذكور أربع مسائل بل خمساً:
المسألة الأولى: تأسيس مركز إسلامي في مدينة.... وأنا أؤيد فكرة تأسيسه للأسباب التي ذكرها مؤيدو الفكرة، ولما فيه من ظهور شأن الإسلام، وبيان اعتزاز أهله به وعنايتهم بشؤونه، ثم إنه لابد أن يلفت نظر أهل المدينة فيجتمع إليه من يمكن دعوته إلى الإسلام فيسلم إذا خلصت نية الداعي، وسلك طريق الحكمة في دعوته، ففكرة تأسيسه فكرة جيدة نبيلة نافعة للإسلام والمسلمين إن شاء الله.
والأسباب التي ذكرها المعارضون مدفوعة بكون بعضها غير وارد إطلاقاً وبعضها غير مؤثر".
وقال أيضا –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والرسائل (16\225) :"من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
كتابكم الكريم المؤرخ 27 من الشهر الماضي وصلني قبل أمس أي يوم الأربعاء 10 من الشهر الحالي، سرنا صحتكم الحمد لله على ذلك، ونسأل أن يديم علينا وعليكم نعمته، ويرزقنا شكرها.
كما سرنا كثيراً تكوين جمعية إسلامية من الطلبة والعمال المسلمين في المدينة التي أنتم فيها في ....، تهتم هذه الجمعية بأمر الإسلام والمسلمين، فنسأل الله أن يثبتهم على ذلك، وأن يرزقهم البصيرة في دين الله، والحكمة في الدعوة إليه".

بل حتى الشيخ ربيع المدخلي يرى مشروعية تشكيل الجمعيات القائمة على البر والتقوى, كما قال في كتاب (جماعة واحدة لا جماعات) : "نعم , ليس هناك نص من كتاب ولا سنة ولا قول أحد من سلف الأمة ينكر التعاون على البر والتقوى بل فيها دعوة حارة إلى التعاون على البر والتقوى وقد كان سلف الأمة قد وعى هذه التوجيهات وطبقوها فملأوا الدنيا براً وإحساناً لكنه ما كان على شكل المؤسسات والجمعيات الموجودة الآن والتي استفادتها الجمعيات والمؤسسات الحالية من أهل الغرب , ومع أننا نقول بجواز هذه الجمعيات القائمة على البر والتقوى ...".

المحور الثالث : الضوابط الشرعية الحاكمة لعمل الجمعيات الإسلامية .
لما كانت الجمعيات الإسلامية من الصور الحادثة للوسائل الدعوية قد استمدت مشروعيتها من باب المصالح المرسلة ؛ كان لا بد من التعامل معها بحذر وترقب كما نبه إلى ذلك العلامة الشنقيطي في المصالح المرسلة (ص\21) بقوله :"فالحاصل أن الصحابة –رضي الله عنهم- كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية، وأن جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن زعموا التباعد منها، ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك، ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال" .
ولهذا كان من الضروري ملاحظة القيود والضوابط الشرعية في عمل هذه الجمعيات والمراكز والمؤسسات الدينية كي لا تكون واجهة أو معبرا للوقوع في الحزبية المذمومة ؛ كما أشار إلى هذا المعنى مشايخنا من أهل العلم في مركز الإمام الألباني بقولهم في بيانهم: "ان القول بجواز تشكيل الجمعيات وفق الضوابط الشرعية -والتي من أهمها النزول على أقوال ونصائح وتوجيهات العلماء المعتبرين ودوام الرجوع إليهم لمعرفة أحكام ما يستجد من أحداث– ليس معناه ولازمه أن يجاز ذلك في كل وقت وكل مكان , فمثلا بالنسبة لواقع السلفيين في العراق –وفق ظرف البلد الحالي- لا نرى جواز إقامة جمعية للسلفيين فيه , ولو تغيرت الظروف والأحوال فيصار إلى مناقشة أهل العلم –مجددا- للفتوى إما بالجواز أو بالمنع ؛ فلا يصح القول بالجواز مطلقا , ولا بالمنع المطلق , ذلك أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال , وما كان منها مبنيا على اعتبار الموازنة بين المصالح والمفاسد فقد يقال بحرمته في ظرف , ويقال بمشروعيته في ظرف آخر ".
قلت : ومن أهم الضوابط الشرعية التي ينبغي اعتبارها في عمل الجمعيات الدينية التالي :

الضابط الأول : وجود الحاجة الشرعية المعتبرة الداعية لقيام هذه التجمعات الحادثة , أو لاستمرارها بعد تشكيلها ؛ فلا يصار إلى تشكيل هذه التجمعات بله تكثيرها إن انتفت الحاجة الشرعية معتبرة لقيامها , ذلك أن تكوين الجمعيات إنما استمد مشروعيته من باب المصالح المرسلة , فالأصل فيه العدم لكن قيل بمشروعيته للمصلحة , وما استفاد مشروعيته من هذا الباب فانه لا يتوسع فيه الا بقدر الحاجة لأنه على خلاف الأصل, وكل ما كان على خلاف الأصل فيقتصر فيه على قدر الضرورة والحاجة –كما هو مقرر عند أهل العلم-في مظانه-.
قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الضعيفة ( 1\451) :"إن ما شرع للحاجة والمصلحة ينبغي أن يوقف عندما تقتضيه المصلحة ولا يزاد على ذلك".
مع لزوم الحذر مما قد يستلزمه العمل بالمصالح المرسلة من المفاسد , كما قال العلامة الشنقيطي –رحمه الله- في رسالة المصالح المرسلة (ص\23) :"يستوجب الحذر التام من العمل بالمصالح المرسلة خوف استلزامها بعض المفاسد التي تتجدد في المستقبل كما ذكرنا آنفاً".
ولهذا ؛ فلما كان الغرض من تلك الجمعيات هو تحقيق مصلحة دعوية مزعومة فلا يتوسع في تكوينها إلا بالقدر الذي يحقق المصلحة , بل يتعين القول بتحريم تشكيلها إن ترتب على قيامها مفاسد أرجح من المصالح المرجو تحصيلها من تكوينها جريا على الأصل الشرعي المعتبر الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (20\48) حيث قال:"أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما".
ولهذا قال مشايخنا من أهل العلم في مركز الإمام الألباني : "إن القول بجواز تشكيل الجمعيات وفق الضوابط الشرعية -والتي من أهمها النزول على أقوال ونصائح وتوجيهات العلماء المعتبرين ودوام الرجوع إليهم لمعرفة أحكام ما يستجد من أحداث– ليس معناه ولازمه أن يجاز ذلك في كل وقت وكل مكان , فمثلا بالنسبة لواقع السلفيين في العراق –وفق ظرف البلد الحالي- لا نرى جواز إقامة جمعية للسلفيين فيه , ولو تغيرت الظروف والأحوال فيصار إلى مناقشة أهل العلم –مجددا- للفتوى إما بالجواز أو بالمنع ؛ فلا يصح القول بالجواز مطلقا , ولا بالمنع المطلق , ذلك أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال , وما كان منها مبنيا على اعتبار الموازنة بين المصالح والمفاسد فقد يقال بحرمته في ظرف , ويقال بمشروعيته في ظرف آخر".

الضابط الثاني : أن تكون مرجعيتها إلى أهل العلم الموثوق بهم لمعرفة أحكام الشرع فيما يقع لهم من حوادث .
لما كانت الجمعيات الإسلامية من النوازل العصرية , وكانت الحوادث المرتبطة بها كثيرة تبعا لاختلاف الظروف والمستجدات ؛ كان لا بد للقائمين على الجمعية من أن تكون لهم مرجعيات علمية موثوق بها ؛ كما جاء في بيان مشايخنا المتقدم وفيه : " إن القول بجواز تشكيل الجمعيات وفق الضوابط الشرعية -والتي من أهمها النزول على أقوال ونصائح وتوجيهات العلماء المعتبرين ودوام الرجوع إليهم لمعرفة أحكام ما يستجد من أحداث" .
قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في الهدى والنور (ش\792) : "من الضروري إذن بالنسبة للقائمين على الجمعيات الخيرية أن يكونوا علماء وفقهاء".
قلت : ومقصود الشيخ –رحمه الله- أن يكون للعلماء والفقهاء حق القيام بالإشراف على نشاط وعمل الجمعيات الخيرية التي يتعين عليها الرجوع إليهم , لا أن يكونوا هم من المشتغلين بالعمل الدعوي الخيري ؛ كما قال –رحمه الله- في سلسلة الهدى والنور (ش\778) : "رأيي أن اشتغال الجماعة المسلمة بالجمعيات الخيرية ؛ هذا يصرفهم عن الواجب الأول , لأن القيام بمشاريع خيرية ؛ يستطيع أن يقوم بها العامة من الناس ؛ وليس الخاصة ؛ فالخاصة يجب عليهم أن يقوموا بما لا يستطيع أن يقوم به الآخرون , ولا ينبغي أن يتنزلوا ليعملوا –ولو كان العمل عملا خيريا- فيضعوا ما هو الواجب عليهم , أو على الأقل الأوجب عليهم ؛ فنحن رأينا كثيرا من الإخوان الذين قامت دعوتهم على أساس الدعوة إلى الكتاب والسنة وبخاصة منهما التوحيد ؛ شغلوا بالمشاريع الخيرية عن متابعة الدعوة التي كانوا نذروا أنفسهم لها , ولذلك ما نرى لطلاب العلم أن يشغلوا أنفسهم بمثل هذه الأمور التي هي تعتبر من النوافل , وليست من الفرائض , هذا ما عندي على ما سألت .
السائل : طيب يا شيخ إذا كان القائم عليها –مثلا- هؤلاء –طلاب العلم- يكون [دورهم] الإشراف فقط يا شيخ , وعندهم الدروس في المساجد , وعندهم الدعوة , وعندهم أنشطتهم الإسلامية الأخرى , إنما قيامهم بالإشراف فقط , والقائمين عليها في العمل وفي التنفيذ وفي المتابعة من عامة الناس ؛ لكن أولئك يوجهون هؤلاء العامة من أجل [سلوك] الطريق الصحيح ؟
الشيخ : لا مانع حينما يكون الأمر كما تقول , لكن أنا قصدي : توفير الجهود لما هو الأوجب بالنسبة للذين يستطيعون القيام بما هو الأوجب , هذا غرضي" .
وثمرة هذا الضابط ما قرره الشيخ –رحمه الله- في الهدى والنور (ش\792) بقوله : "بالنسبة إلى الجمعيات أظن أن من المتفق عليه بيننا أن الجمعية الخيرية لا بد أن تكون قائمة على الأحكام الشرعية ,ونحن نسأل الآن وأرجوا أن يكون الجواب واضحاً , هل كل جمعية خيرية في العالم الإسلامي تعتقدون أنها قائمة على الأحكام الشرعية .. , الآن أليس من الضروري – بالنسبة للقائمين على الجمعيات – أن يكونوا علماء وفقهاء؟! هل كذلك الجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي ؟!...
أعني : أنه أي مشكلة تعرض لهذه الجمعية ينبع الجواب والفتوى منها , وليس لترسل إلى دار استفتاء في البلد الفلاني أو المفتي الفلاني فتأخذ كما قلت – بارك الله فيك – بالفتاوى الشرعية , لا أريد تماما كالصراف , الصراف يجب أن يكون عالما بأحكام الصراف و إلا وقع في الربا – صح – هو قد يأخذ بالفتاوى الشرعية , ولكن أين كثرة الأعمال التي تعرض سبيله لا تساعده أن يسأل وأن ينتظر الجواب , لا بد أن ينظر الجواب من نفسه تماما , فالغرض بارك الله فيك في كل من هذا الكلام هو أن الجمعيات الخيرية يجب أن تقوم على الأحكام الشرعية أي من بعض القائمين على هذه الجمعيات , وهذا مع الأسف عزيز جداً اليوم في العالم الإسلامي .
أنا أضرب لكم مثلاً , بعض الجمعيات تخلط أموال الزكاة بأموال الصدقات , وهذا لا بد أنكم تعرفون شيئًا من هذا فتوضع أموال الزكاة في المشاريع العامة مثلًا , كأموال الصدقات بينما الزكوات لها مصاريفها المنصوص عليها في الكتاب والسنة , ولماذا ؟ لأن القائمين عليها من رئيس ومرؤوس هم طلاب خير ـ صح ـ لكن كما قيل :
أوردها سعد وسعد مشتمل ......... ما هكذا يا سعد تورد الإبل
وهؤلاء لا بد أن يكونوا علماء , وهذا نحن بحاجة إلى علماء في المسائل التي تعم المسلمين كافة , ولا نجد هؤلاء العلماء إلا القلة مع الأسف الشديد ... .
هل تتصورون جمعية إسلامية سلفية خيرية يكون لها صندوق لحفظ المال المتوفر لديها , لا يوضع هذا المال في بنك من البنوك ,وهل هذا موجود ؟ أنبئوني بعلم ؟.. .
هؤلاء القائمون هم من أهل العلم والفضل والصلاح والتقوى نفترض الأمر أنهم كذلك !!. أليس كذلك ... وهم يرون أن إيداع المال الخيري في البنك الذي يتعامل بالربا يجوز ؟! .. , كيف يتأولون قوله عليه السلام ـ حين ذلك ـ : [لعن الله آكل الربا وموكله ] ...؟!
لذلك نحن بحاجة إلى ما ذكرناه آنفًا , ومن ضرورة إقامة الأحكام الشرعية في كل معاملاتها ومنها الجمعيات , الخيرية , على أننا نعود ونذكر بأننا لا ننصح إخواننا طلاب العلم أن يشغلوا أنفسهم بهذا العمل الخيري , لأن لهذا العمل ناسا آخرين , ممن لم يطبعوا على حب العلم , والرغبة في طلب العلم , إذًا لكل مجاله , وما أشار إليه الأستاذ آنفًا من أن الجمعيات تترتب من وراءها بغضاء وشحناء وتعالي ...إلخ . هذا مع الأسف أمر واقع , لكن أنا في اعتقادي أنه لا بد مما ليس منه بد , لابد من تحقيق مخالفة التحذير المضمون في قوله تعالى :{ولا تحاضون على طعام المسكين} . فيجب أن نتحاضض على طعام المسكين , ومن ذلك هذا التعاون الخيري , ولكن لا يكون خيريا إلا بربط هذا المشروع بالأحكام الشرعية , وأن يقوم به غير طلاب العلم".

الضابط الثالث : أن تكون الجمعية واضحة في عقيدتها ومنهجها وأهدافها ووسائل عملها .
ذلك أننا في زمان كثرت فيه الفتن وسعى فيها كل مغرض يتفنن في سبل الإيقاع بالشباب في حبائل أهل الأهواء فاقتضى المقام الانتساب إلى الحق على جهة التفصيل , أما السكوت عن التصريح التفصيلي والرضا بالإجمال -مع قيام الداعي وانتفاء المانع- ؛ فإنما يكون علامة على تبني خلاف الحق المفصل في الباطن , كما نبه إلى هذه الفائدة شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى (5/30) :"لا ريب أن من لقي الله بالإيمان بجميع ما جاء به الرسول مجملا مقرا بما بلغه من تفصيل الجملة غير جاحد لشيء من تفاصيلها أنه يكون بذلك من المؤمنين ؛ إذ الإيمان بكل فرد , فرد من تفصيل ما أخبر به الرسول وأمر به غير مقدور للعباد , إذ لا يوجد احد إلا وقد خفي عليه بعض ما قاله الرسول , ولهذا يسع الإنسان في مقالات كثيرة لا يقر فيها بأحد النقيضين لا ينفيها ولا يثبتها إذا لم يبلغه أن الرسول نفاها أو أثبتها , ويسع الإنسان السكوت عن النقيضين في أقوال كثيرة إذا لم يقم دليل شرعي بوجوب قول أحدهما .
أما إذا كان أحد القولين هو الذي قاله الرسول دون الآخر فهنا يكون السكوت عن ذلك وكتمانه من باب كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب ومن باب كتمان شهادة العبد من الله , وفي كتمان العلم النبوي من الذم واللعنة لكاتمه ما يضيق عنه هذا الموضع .
وكذلك إذا كان أحد القولين متضمنا لنقيض ما أخبرا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- والآخر لا يتضمن مناقضة الرسول لم يجز السكوت عنهما جميعاً , بل يجب نفي القول المتضمن لمناقضة الرسول -صلى الله عليه وسلم- , ولهذا أنكر الأئمة على الواقفة في مواضع كثيرة حين تنازع الناس فقال قوم بموجب السنة وقال قوم بخلاف السنة وتوقف قوم : فأنكروا على الواقفة , كالواقفة الذين قالوا لا نقول القرآن مخلوق ولا نقول إنه غير مخلوق هذا مع أن كثيرا من الواقفة يكون في الباطن مضمرا للقول المخالف للسنة ولكن يظهر الوقف نفاقا ومصانعة فمثل هذا موجود".
ولهذا قال الشيخ ربيع المدخلي في كتاب (جماعة واحدة لا جماعات) : "قد سبق مراراً أن السلفيين أهل السنة حقاً -الذين ينسب إليهم عبد الرحمن عبد الخالق هذه الفتاوى- ، لا يمنعون من قيام جمعيات ومؤسسات للبر والإحسان إذا كانت هذه الجمعيات ذات عقيدة واحدة -عقيدة الحق وعقيدة الأنبياء- , وذات منهج واحد هو منهج الحق ومنهج الأنبياء , ودعوة واحدة هي دعوة اللَّه ودعوة الإسلام الحق , وكانت تحت راية إمام المسلمين وطاعته , أما إذا كانت هذه الجماعات والجمعيات قائمة على عقائد فاسدة ومناهج ضالة وتنهب أموال المسلمين لمصالحها .
وأغراضها وتتضارب مناهجها وبرامجها وتصادم عقائدها ومناهجها كتاب اللَّه وسنة نبيه , ويتبادلون التهم والاشاعات الكاذبة وتدور المعارك الدموية فيما بينهم ويجتمعون حيث يجمعهم الهوى والباطل ضد دعوة الحق ودعاة الحق حتى يصل بهم الأمر إلى حرب الجهاد السلفي القائم على تجمع صحيح وجهاد صحيح وعقيدة صحيحة فيسفكون دماءهم ويسقطون إمارتهم ويهدمون مدارسهم فإن مثل هذه الجمعيات والمؤسسات قد أنكرها السلفيون بناء على البراهين الواضحة من كتاب اللَّه وسنة رسوله , ومنهج السلف الصالح".

الضابط الرابع : أن لا يكون فيها إلزام أحد لأحد على موافقة الغير بقول أو بفعل لم تلزم به الشريعة ؛ وإلا كان الملزم لغيره بما ليس في الكتاب والسنة مبتدعا مشرعا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى ولا رسوله كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (5/17-18) : "ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس ويوجب عليهم إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا يحظر عليهم إلا ما حظره الله ورسوله فمن وجب ما لم يوجبه الله ورسوله وحرم ما لم يحرمه الله ورسوله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله وهو مضاه لما ذمه الله في كتابه من حال المشركين وأهل الكتاب الذين اتخذوا دينا لم يأمرهم الله به وحرمه ما لم يحرمه الله عليهم وقد بين ذاك في سورة الأنعام والـعراف وبراءة وغيرهن من السور".
وقال -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى (5/18-19) :"ولهذا كان أئمة أهل السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد ولا يكرهون أحدا عليه , ولهذا لما استشار هارون الرشيد مالك بن أنس في حمل الناس على موطئه قال له : (لا تفعل يا أمير المؤمنين فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تفرقوا في الأمصار فأخذ كل قوم عمن كان عندهم وإنما جمعت علم أهل بلدي) أو كما قال .
وقال مالك أيضا : ( إنما أنا بشير أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة ) .
قال أبو حنيفة : (هذا رأي فمن جاءنا برأي أحسن منه قبلناه) .
وقال الشافعي : ( إذ صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط ) .
وقال : ( إذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فإني أقول بها ) .
وقال المزني في أول مختصره : (هذا كتاب اختصرته من علم أبي عبد الله الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره من العلماء ) .
وقال الإمام أحمد : (ما ينبغي للفقيه ان يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم) .
قال : (لا تقلد دينك الرجال لن يسلموا من أن يغلطوا) .
فإذا كان هذا قولهم في الأصول العلمية وفروع الدين لا يستجيزون إلزام الناس وإكراههم على أقوال لا توجد في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تؤثر عن الصحابة والتابعين ولا عن أحد من أئمة المسلمين".
ولهذا قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في سلسلة الهدى والنور (ش\736) جوابا على السؤال التالي المتعلق بآليات عمل بعض الجمعيات :
"السائل : حديثي يا شيخ عن الأخوة الذين هم أصلا على الكتاب والسنة , وعلى منهج السلف من الاختلافات ؛ إما هذا يؤمن بإمارة كإمارة السفر –ليست بيعة- مجرد إمارة لتنظيم الحال , وهذا يقول : ما من داع لتسميتها بهذه الصورة ؛ وإنما هذا رئيس ونائب رئيس [يعني : للجمعية] ؛ كلها تنظيم لإدارة الدعوة ؛ وإن سمي بأمير أو غير أمير ؟
الشيخ : لا مانع أبدا من هذا , لكن لا يرتبوا أحكام الإمارة الكبرى على هذه الإمارة ؛ هذا هو المهم , يعني : فلان –ارفع لفظة الأمير- رئيس هذه الجماعة! فلان رئيس الشركة هذه! فلان مدير المدرسة! ماذا في هذا ؟! لا شيء فيها .
لكن مدير المدرسة أمر بأمر هو في الأصل أنه مباح شرعا ؛ لكن لا يجب على الآخرين أن يتبنوه كما لو كان أمير المؤمنين هو الذي أمر , فهذه الأحكام المتعلقة بالإمارة الكبرى إذا لم تعط للإمارة الصغرى –دعنا نسميها إمارة- إذا لم تعط هذه الأحكام الخاصة بالإمارة الكبرى للإمارة الصغرى ؛ فلا مانع من تسميته أمير ؛ لأن الحقيقة تتعلق بالمعاني , وليس بالألفاظ .
فهذا البيت على تواضعه إذا لم يكن فيه تنظيم ؛ يكون فيه فوضى –ما يستقيم العمل- ... إلخ .
فهذا التنظيم لا بد منه ؛ لكن التنظيم الواقع اليوم –مثلا- : أن رئيس الحزب الفلاني إذا أمر الجماعة –أي : المنتمين إليه- أن تقاطعوا الجماعة الفلانية ؛ خلاص وجب تنفيذ هذا الأمر ؛ فهذا لا يجوز في الإسلام , وهذا يقع كثيرا وكثيرا جدا بين الأحزاب".

الضابط الخامس : أن لا تنعقد راية الولاء على موافقة التجمع , أو البراء على مخالفته ؛ بل الولاء والبراء , والعطاء والمنع الواجب فيهما أن يكونا تبعا للاستحقاق الذي أوجبته الشريعة ؛ وإلا فخلاف هذا من صنيع الحزبيين من أهل البدع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى (5/18) :"ولهذا كان من شعار أهل البدع : أحداث قول أو فعل وإلزام الناس به وإكراههم عليه , والموالاة عليه والمعاداة على تركه ؛ كما ابتدعت الخوارج رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه , وابتدعت الرافضة رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه , وابتدعت الجهمية رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه".
وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في لقاءات الباب المفتوح (ش\149) : "الجماعات المتفرقة المتحزبة التي طفحت على سطح الماء في هذه الآونة الأخيرة، بينما كان الشباب قبل سنوات اتجاههم سليم لا يعتقد أحدهم أن الآخر مضاد لله، أو أنه في جانب وهو في جانب، لكن بدأت في الآونة الأخيرة ما نزغ الشيطان بين شبابنا من التحزب والتحمس لطائفة معينة أو لشخص معين، حتى صار الولاء والبراء موقوفاً على من يحب هذا الشخص أو لا يحبه، ولا شك أن هذه وصمة عظيمة ومرض فتاك يذيب الأمة ويمزق شملها ويفرق شبابها، فنصيحتي لأبنائي الشباب وإخواني: أن يدعوا هذا التحزب وأن يدعوا تصنيف الناس وألا يهتموا بالشخص المعين، ويجعلوا الولاء والبراء موقوفاً على الموالاة أو البراءة منه، وأن يأخذوا بالحق أينما كان ويدعوا الباطل أينما كان".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (28\288) مبينا حرمة إعطاء الإمام لمن لا يستحق العطاء : "ولا يجوز للإمام أن يعطي أحدا ما لا يستحقه لهوى نفسه من قرابة بينهما أو مودة ونحو ذلك ؛ فضلا عن أن يعطيه لأجل منفعة محرمة منه كعطية المخنثين من الصبيان المردان الأحرار والمماليك ونحوهم والبغايا والمغنين والمساخر ونحو ذلك , أو إعطاء العرافين من الكهان والمنجمين ونحوهم".
وأما إن كان العطاء على موافقة التجمع , والمنع على مخالفته كان حزبية مقيتة مذمومة ؛ كما قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- في كتاب فضائح ونصائح (ص\58) : "الجمعيات عندنا في اليمن جمعيات مغلفة وهي مبدأ الحزبية مثل" جمعية الحكمة والإحسان والإصلاح" فهم يزعمون أنها لبناء المساجد وحفر الآبار وكفالة الأيتام والواقع أنها لاختلاس أموال الناس ومن كان معهم على بدعتهم أعطوه ومن أنكر عليهم بدعتهم منعوه وآذوه فنسأل من الله أن يغنينا من فضله".

الضابط السادس : أن لا تكون الجمعية مقصودة لذاتها ؛ فالمقصود من تكوين هذه التجمعات هو أن تكون وسيلة لتحقيق مصلحة للمسلمين ؛ فهي شرعت من باب الوسائل فلا ينبغي أن تكون مقصودة لذاتها , وبالتالي لا يشنبغي دعوة الأفراد للانخراط في صفوفها بقصد تكثير عدد أفرادها –لغير حاجة معتبرة- , ومتى ما كانت الدعوة إليها لذاتها كانت دعوة بدعية , وهذا هو حقيقة الفرق بين البدع والمصالح المرسلة , كما قرر ذلك الشاطبي رحمه الله في الاعتصام ( 2\129-135) .
ولهذا قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والرسائل (17\608) جوابا عن السؤال التالي :
السؤال : "إن خلافاً يدور بين الشباب في بلدنا حول جواز إقامة جمعيات خيرية تقوم برعاية المساكين والأيتام، وتنشئة الشباب على القرآن بتوفير الجو المناسب لهم للقيام بحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية ؛ فبعض الشباب يرى أن ذلك بدعة لا تجوز؛ لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا في عهد الصحابة الكرام –رضي الله عنه- ويصل الخلاف إلى حد الشتائم والسباب والتوتر، الذي يظهر لمن عنده أدنى بصيرة أنه يخالف روح الإسلام، الذي ينهى عن الاختلاف والتدابر والتنابز بالألقاب.
فنرجو يا فضيلة الشيخ أن توجه نصيحة لهؤلاء الشباب مصحوبة بالفتوى الشرعية، فإنه ظهر لي أن الجميع يحبونكم ويثقون بعلمكم، جزاكم الله خيراً ورعاكم؟.
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :
لا بأس بتكوين لجنة لقبول الصدقات والزكوات وغيرها من النفقات الشرعية؛ لأن ذلك من الوسائل إلى ضبط هذه الأمور تحصيلاً وتوزيعاً، وهذا مقصود شرعي لا يقصد به إلا ضبط هذه الأشياء، وما كان وسيلة لمقصود شرعي فلا بأس به ما لم يقصد التعبد بنفس الوسيلة".

المحور الرابع : الموقف من الجمعيات الحادثة .
تتفاوت الجمعيات والمراكز الإسلامية بالتزامها بالضوابط الشرعية التي تحكم نظامها ومنهجها , ما بين ملتزم بضوابط الشرع , وبين مخالف لها مقل في مخالفته , أو مفرط فيها , والضابط الذي يحكم العلاقة بهذه التجمعات الإسلامية هو نفسه الذي يحكم العلاقة بالمسلمين أنفسهم , فيوالى كل من هذه التجمعات بحسب قربها من الحق والشرع وتخالف وتفارق بحسب مخالفتها ومفارقتها للشرع , فتوافق على ما وافقت الشرع فيه , وتخالف على ما خالفت فيه الحق , بحسب مصلحة الشرع في الهجر أو القرب .
فأما الموالاة والموافقة المطلقة , أو المفاصلة والمعاداة المطلقة فهذا ليس من وسطية أهل السنة والجماعة في شيء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28\213) :"فإن أقواما جعلوا ذلك عاما فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به فلا يجب ولا يستحب وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات .
وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية ؛ بل تركوها ترك المعرض ؛ لا ترك المنتهي الكاره أو وقعوا فيها وقد يتركونها ترك المنتهي الكاره ولا ينهون عنها غيرهم ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابا أو استحبابا فهم بين فعل المنكر أو ترك النهي عنه وذلك فعل ما نهوا عنه وترك ما أمروا به . فهذا هذا . ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه . والله سبحانه أعلم".
وعلى هذا الأصل بنى مشايخنا من أهل العلم في مركز الإمام الألباني قولهم في بيانهم حول التعاون مع الجمعيات ؛ فقالوا : "وأما التعاون والتعامل مع هذه الجمعيات فالأصل هو التعاون على البر والتقوى ؛ ولكن لا يقال بجوازه ولا بمنعه مطلقا –أيضا- , على اختلاف صوره , بل لا بد من اعتبار النظر إلى جملة من الأمور قبل الحكم عليه ؛ إذا لا بد أن ينظر فيه إلى حال الجمعية , وإلى نوع المخالفة الواقعة فيها وحجمها –لو وجدت- , وإلى الدوافع والعواقب والمآلات , وإلى نوع التعامل والتعاون ومقداره وحجمه ومصلحته ومفسدته ؛ ثم يعطى لكل صورة ما يناسبها من حكم" .
وقد وجه أهل العلم في كلامهم وبعض أجوبتهم إلى الموقف الواجب اتخاذه من الجمعيات الحادثة كلٌ بحسبه , ومن ذلك :

أولا : مدح الجمعيات بما قام فيها من موجب ذلك , وذمهما بحسب موجبه .
إن القائمين على التجمعات الإسلامية ذا التزموا بما تقدم من ضوابط كان لهم من المدح والثناء بحسب التزامهم , كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع فتاويه (8\181) :"وفي زمننا هذا -والحمد لله- توجد الجماعات الكثيرة الداعية إلى الحق , كما في الجزيرة العربية : الحكومة السعودية , وفي اليمن والخليج , وفي مصر والشام , وفي أفريقيا وأوربا وأمريكا , وفي الهند وباكستان , وغير ذلك من أنحاء العالم , توجد جماعات كثيرة ومراكز إسلامية وجمعيات إسلامية تدعو إلى الحق وتبشر به , وتحذر من خلافه .
فعلى المسلم الطالب للحق في أي مكان أن يبحث عن هذه الجماعات , فإذا وجد جماعة أو مركزا أو جمعية تدعو إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تبعها ولزمها .
كأنصار السنة في مصر والسودان , وجمعية أهل الحديث في باكستان والهند , وغيرهم ممن يدعو إلى كتاب الله , وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- , ويخلص العبادة لله وحده , ولا يدعو معه سواه من أصحاب القبور ولا غيرهم".
وقال كذلك الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه جماعة واحدة لا جماعات (ص\63-64) :"فأقول إني إلى يومي هذا لا أعرف أحداً من السلفيين يحرم العمل الجماعي المشروع - القائم على منهج الكتاب والسنة وما عليه المسلمون قديماً وحديثاً- ، وأكبر دليل على هذا واقع السلفيين في كل مكان ، إذ لهم مدارس وجامعات لها إداراتها ومسئوليها وأساتذتها وميزانياتها. ولهم جمعيات في الهند وباكستان وبنجلاديش وغيرها.
ولهم مساجد ومشاريع تقوم كلها على أعمال جماعية ، وفي السعودية لهم وزارات عديدة منها وزارة العدل يتبعها عشرات المحاكم ، ووزارة التعليم العام ووزارة التعليم العالي يتبعها الجامعات وكل ذلك يقوم على التنظيم الإداري والعلمي والمالي ، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ووزارة الحج . . . إلى آخر الوزارات .
وقامت فيها مراكز ومكاتب لدعم الجهاد ولإغاثة المنكوبين والعون للفقراء والمساكين وغير ذلك من الأعمال الجماعية المنظمة.
ولأنصار السنة في مصر والسودان مدارس ومساجد وأعمال تقوم على العمل الجماعي ، وفي اليمن مدارس ومساجد قائمة على العمل الجماعي ، وما سمعنا من عالم أو طالب علم سلفي يحارب العمل الجماعي المشروع ويحرم ويبدع أهله .
وإذا كان القصد من العمل الجماعي هو ما ذكرناه وأشباهه فلا داعي أبداً إلى التأليف والتأصيل فيه والأخذ والرد الذي أدى إلى الطعن والتجريح وكان ضرره أكثر من نفعه" .
وأما إن خالف المنخرطون في العمل الجماعي المنظم شيئا مما تقدم سواءً ما كان منها على هيئة منظمات أو جمعيات أو مؤسسات, ونحو ذلك , فاتخذت من ذات التجمع مقصدا , أو أخذت ترفع لها شعارات ليست في الكتاب والسنة , تلزم الناس بها , وتوالي عليها , وتعادي من فارقها , أو تسعى إلى تفريق جمع المسلمين بلسان الحال فضلا عن لسان المقال , واتخذت من ذات التجمع مقصدا , ففي مثل هذه التجمعات الحزبية يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى (4\136-137) : "والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة ، أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها فإن الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة .
فالواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة أو جمعية ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد ، ومن تجاوز هذا واستمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله ، فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة ، حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله بإتباعه في قوله جل وعلا : [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ].
ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا , لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم ، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن ، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم ، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق ، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه".
وقال–رحمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات (2\96-97) :"لا شك أن الاختلاف من أعظم البلاء ومن أسباب إضاعة الجهود ومن أسباب ضياع الحق فاختلاف الجمعيات والمراكز الإسلامية فيما بينها يضر الدعوة الإسلامية والطريق الوحيد أن يجتهدوا في التوفيق فيما بينهم في مطالبهم، وهي أن يعملوا جميعا على المطلب الذي فيه عزة الإسلام وسلامة المسلمين, والواجب على كل جمعية وكل مركز وكل جماعة تريد الآخرة أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يخلصوا لله في عملهم وأن يكون همهم نصر دين الله؛ حتى يجتمع الجميع على الحق عملا بقوله تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى]" .

ثانيا : التعاون معها على البر والتقوى .
وهذا التعاون يدخل في باب الاجتماع والتعاون على أفعال البر والتقوى مما يدخل في مسمى العلم الصحيح والعمل النافع والدعوة إلى الخير , وهو حقيقة مقتضى قوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] , ولهذا قال الشيخ عبد العزيز بن باز –حرمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات (28\248-249) جوابا عن السؤال التالي: "هل يجوز التعاون مع الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة ؟ وإلى أي مدى يمكن التعاون ، نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا ؟.
الجواب : يشرع التعاون مع جميع المسلمين على البر والتقوى ، بل يجب ذلك مع الاستطاعة ؛ لقول الله عز وجل : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، وقوله سبحانه : {وَالْعَصْرِ , إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .
ومن التعاون على البر والتقوى ومن التواصي بالحق والصبر عليه ، توضيح الأحكام الشرعية والتحذير من البدع ، وإيضاح العقيدة الصحيحة التي درج عليها سلف الأمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان , ومن التعاون والتواصي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهجر من يستحق الهجر" .
وبناء على هذا الأصل ؛ جاء تعاون أهل العلم مع بعض الجمعيات الحادثة , ومن ذلك :

أولا : تعاون الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد , كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات (2\374-376) ؛ مبينا موقف الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد , من الجمعيات الإسلامية المعروفة بسلامة المنهج المنتشرة في العالم الإسلامي : "وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلى أن للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بحمد الله جهودا في مختلف البلاد الإسلامية والبلاد التي فيها أقليات , وتشاركها في ذلك رابطة العالم الإسلامي , وبعض الدول والمؤسسات الإسلامية , أسأل الله أن ينفع بهذه الجهود وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم , وأن يوفق القائمين على ذلك لما يحب ويرضى .
فقد قامت الرئاسة بمواصلة نشر رسالة الإسلام في ربوع أفريقيا وأوروبا , وأمريكا وآسيا وأستراليا , لإيصال كلمة الحق إلى الناس بما توزعه من المصاحف والكتب بواسطة الدعاة والمرشدين وما يقومون به من محاضرات ودروس ولقاءات واتصالات بشتى الطبقات , وبأنواع الثقافات , ومن خلال المساجد والمدارس والجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تدعمها , وتساهم في تأسيسها وبنائها , بواسطة دعاتها المنتشرين في سائر أرجاء الأرض ... .
كما وضعت مكاتب ومشرفين لمتابعة أعمال الدعاة , وتوزيعهم حسب حاجة تلك البلدان , وبحث ما فيه مصلحة لدعم الجمعيات الإسلامية المعروفة بسلامة الاتجاه بعد التأكد من حاجتهم بالكتب الإسلامية والكتابة إلى المؤسسات التعليمية لتزويدهم بالمقررات المدرسية , كما تقوم بالمساهمة في إكمال مشروعاتهم التي تعود على المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم كالمساهمة في بناء المساجد وترميمها وتزويدها بالمصاحف , وتوثيق المؤسسات الإسلامية للاطمئنان على سلامة القائمين على العمل وصدقهم , وذلك بإعطائهم توصيات خاصة لمحبي الخير لمساعدتهم في عملهم الخيري , وإرسال الوفود من الرئاسة لتفقد أحوال الأقليات ومعرفة احتياجاتهم الضرورية".

ثانيا : تعاون الشيخان ابن باز والعثيمين –رحمه الله- مع بعض الجمعيات , كما نقل ذلك العلامة عبد المحسن العباد –مقررا له ومقرا به- في رسالته (رفقا أهل السنة) ؛ حيث قال –حفظه الله- : "أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء والبحث عنها، سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة، ثم التحذير ممن حصل منه شيءٌ من هذه الأخطاء، ومن هذه الأخطاء التي يُجرح بها الشخص ويحذر منه بسببها تعاونه مثلاً مع إحدى الجمعيات بإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات، وهذه الجمعية قد كان الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله يُلقيان عليها المحاضرات عن طريق الهاتف، ويعاب عليها دخولها في أمر قد أفتاها به هذان العالمان الجليلان، واتهام المرء رأيه أولى من اتهامه رأي غيره، ولا سيما إذا كان رأياً أفتى به كبار العلماء، وكان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جرى في صلح الحديبية يقول: يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين".

ثالثا : تعاون الشيخ الألباني –رحمه الله- مع بعض الجمعيات في الدعوة إلى الله , كما في تعامله مع جمعية إحياء التراث وإجابته دعوتهم لزيارة الكويت , وإلقائه المحاضرات التي جرت بترتيبهم وتنظيمهم , كما جاء في الشريط المرقم (197) من المتفرقات الصوتية للشيخ الألباني في القرص الحادي عشر من سلسلة أهل الحديث والأثر ؛ وهو عبارة عن تسجيل صوتي لواحدة من الجلسات العلمية التي عقدها الشيخ الألباني في الكويت استجابة لدعوة جمعية إحياء التراث , كما جاء في كلمة مقدم الجلسة –بين يدي الشيخ-رحمه الله-: "هذا اللقاء من جملة اللقاءات المتعددة التي تعقد مع فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني , والذي يزور البلاد بدعوة من (جمعية إحياء التراث الإسلامي) ؛ ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بهذه الجلسة...".
بل وكان الشيخ الألباني –رحمه الله- ينشر بعض مقالاته في (مجلة التمدن الإسلامي) , التي تصدرها (جمعية التمدن الإسلامي) , كما قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في مقدمة رسالة (خطبة الحاجة) (ص\5) : "ويعود الفضل الأول بنشرها [رسالة خطبة الحاجة] إلى الأخ الفاضل أحمد مظهر العظمة رئيس تحرير مجلة التمدن الإسلامي بدمشق حيث نشرت في مجلة " التمدن الإسلامي " الغراء أقدم مجلة إسلامية باقية في سورية وكان لجهودها خلال خمس وثلاثين سنة الأثر الطيب المحمود في تعميم الثقافة الإسلامية . زادها الله توفيقا وسؤددا وكتب الصحة والعافية للأخ العظمة لمتابعة جهاده وإشرافه المبارك الميمون , وقد يسر الله لي أن أنشر فيها عددا كبيرا من "سلسلة الأحاديث الصحيح" و "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وعددا من البحوث والتعليقات , وقد قامت الجمعية بعد ذلك بفرزها في رسالة مستقلة".
وقال في تمام المنة (ص\9) : "هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمها أصحابه وكان السلف يفتتحون بها خطبهم في دروسهم وكتبهم ولي فيها رسالة لطيفة جمعت فيها طرق حديثها وألفاظها وذكرت فيها فوائد تتناسب مع موضوعها وقد طبعت قريبا على نفقة جمعية التمدن الإسلامي بدمشق".
بل كان الشيخ الألباني –رحمه الله- لما أن كان في سوريا يلقي دروسه ومحاضراته في أوساط جمعية الإخوان المسلمين , كما قال في الأشرطة المفرقة (ش\145) : "موقفنا صريح بالنسبة للإخوان المسلمين منذ زمن قديم , منذ إن كان للإخوان حريتهم في سوريا وكان لهم مقرهم في العديد من المواطن, كنت أنا معهم في اجتماعاتهم وفي أسفارهم ورحلاتهم كأني واحد منهم وكان من آثار ذلك والفضل لله عز وجل وحده إن كثيرا من إخواننا الإخوان المسلمين تلقوا الدعوة السلفية بكل رحب وسرور ولسنا بحاجة أن نضرب أمثلة كثيرة على هذه الثمرة التي اقتطفناها من صحبتنا للإخوان المسلمين , فحسبنا مثالاً رجلان مشهوران في العالم الإسلامي كله وليس فقط صفوف الإخوان المسلمين , أحدهم أخونا عصام العطار والآخر أخونا زهير الشاويش".
ولما أن استقر به المقام في الأردن كان الشيخ –رحمه الله- يلقي دروسه ومحاضراته في المراكز التابعة لجمعية الإخوان المسلمين –أيضا- , كما قاله شيخنا مشهور –حفظه الله- : "كان شيخنا أول مجيئه إلى الأردن يدرس في دار الإخوان المسلمين في الزرقاء , ويحضر دروسه فيها السلفيون , والشيخ –رحمه الله- كانت الأمور عنده متضحة –على خلاف غيره الكثير ممن لم تتميز عندهم- لكنه كان يلين مع الإخوان لجملة أسباب منها : ( غربته , وقلة مجيئه إلى الأردن , ولم يكن الإخوان حينها يظهرون له ولدعوته العداء , كما أنه كان قد وضع في بعض إخوان سورية عرق سلفي –ولا زال عندهم هذا العرق-)".
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=8280

ثالثا : مناصحتها فيما وقعت فيه من تقصير ومخالفات -وفق ضوابط الشرع-.
لما كانت هذه المنظمات قائمة على تجمع بشري مبني بدرجة أساس على النظر الاجتهادي في المصالح والمفاسد والترجيح بينها , فضلا عن التعامل مع وسائل حادثة في الشرع يتطلب الحكم عليها إدراك لفقه التعامل مع نوازل العصر , والخطأ البشري متجذر فيهم , كان من الطبيعي أن تكون في كثير من هذه التجمعات شيء من الأخطاء وبعض من جوانب التقصير ؛ من معاص أو بدع كان لا بد من لزوم مناصحتهم –كما هو غيرهم- عملا بحديث تميم الداري عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : [الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعاماهم}.
ومن النصيحة لهم ما نقله الحافظ ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (ص\80-81) عن ابن الصلاح –قوله- : "والنصيحةُ لعامة المسلمين : إرشادُهم إلى مصالحهم ، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ، وستر عوراتهم ، وسدِّ خلاتهم ، ونصرتهم على أعدائهم ، والذبّ عنهم ، ومجانبة الغش والحسد لهم ، وأنْ يحبَّ لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ، وما شابه ذلك" .
ثم قال ابن رجب : "ومن أنواع نصحهم بدفع الأذى والمكروه عنهم : إيثارُ فقيرِهم وتعليمُ جاهلهم، وردُّ من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردِّهم إلى الحق ، والرفقُ بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضررٍ له في دنياه".
واما السكوت المطلق عن أخطائهم ومخالفاتهم الشرعية فلا ؛ ورحم الله الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- حيث قال في لقاءات الباب المفتوح (ش\156) جوابا على التساؤل التالي : "السؤال: بعض أخواننا الدعاة إلى الله عز وجل في البلاد رأوا أن من المصلحة أنهم يتفقون مع الصوفية في عدم الكلام في المحاضرات أو في الخطب في الاستواء مثلاً أو الاستغاثة وغيرها من الأشياء، واستدلوا باتفاق النبي -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود، فهل الاستدلال صحيح يا شيخ؟ ما توجيهكم؟
الجواب: لا هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن هذا الذي تذكر هو قوله تعالى: [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] ، المداهنة في الدين لا تجوز، والرسول (عليه الصلاة والسلام) إنما صالح اليهود على ألا يعتدي أحد على أحد، لا على أن نرضى بدينهم أبداً ولا يمكن يرضى الرسول بدينهم أبداً، وهذا الذي تذكر يعني الرضا بما هم عليه من الباطل، فالمصالحة على هذا الوجه هي مداهنة في الواقع، والمداهنة محرمة، لا يجوز لأحد أن يداهن أحداً في دين الله، بل يجب بيان الحق مهما كان .
لكن من الممكن إذا رأوا من المصلحة ألا يبدءوا بالإنكار قبل كل شيء، وأن يبدءوا أولاً بالشرح الصحيح، فمثلاً إذا تكلم عن الاستواء كما قلتم يشرح معنى الاستواء ويبين حقيقته دون أن يقول ويوجد أناس يفسرونه بكذا إلا بعد أن يتوطن الناس ويعرفوا الحق ويسهل عليهم الانتقال من الباطل إلى الحق".

رابعا : هجر ما كان منها مستحق للهجر ؛ بضوابط الهجر المعتبرة –شرعا-.
وإن كانت هذه التجمعات قد اشتملت على المجاهرة بترك الواجبات وفعل المحرمات والدعوة إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة , فعند ذلك يتعين هجرها والتحذير منها وعدم إعانتها , ويكون الهجر منضبطا بالراجح من المصالح والمفاسد , كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28\205-207) :"والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الامة التي ظهر أنها بدع . وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة : إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون ؛ فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية ؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شرا من المنافقين الذين كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم ... ,وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه} , فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها ؛ بخلاف الباطنة فإن عقوبتها على صاحبها خاصة .
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم ؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله .
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا.
وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر ؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قوما ويهجر آخرين , كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح .
وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كذلك .
ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم .
وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه .
وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله ؛ فالطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صوابا , فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجرا غير مأمور به : كان خارجا عن هذا . وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله".
ولهذا قد صدرت فتوى عن اللجنة الدائمة تحذر من معاونة الجماعات الواقعة في الشرك أو البدعة , وذلك في مجموعها (28\41-42) جوابا على السؤال التالي :"السؤال : بناء على قوله تعالى : [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] ، يقال إنه يجب التعاون مع كل الجماعات الإسلامية ، وإن كانت تختلف بينها في مناهج وطريق دعوتهم ، فإن جماعة التبليغ طريق دعوتها غير طريق الإخوان المسلمين أو حزب التحرير أو جماعة الجهاد أو السلفيين . فما هو الضابط لهذا التعاون ؟ وهل ينحصر مثلا في المشاركة في المؤتمرات والندوات ؟ وماذا عند توجيه الدعوة إلى غير المسلمين ؟ حيث قد يكون هناك التباس كبير لدى المسلمين الجدد ، فإن كل جماعة من هذه الجماعات سوف توجههم إلى مراكزهم وإلى علمائهم ، فيكونون في حيرة من أمرهم . فكيف يمكن تفادي هذه الأمر ؟
الجواب : الواجب التعاون مع الجماعة التي تسير على منهج الكتاب والسنة وما عليه سلف الامة في الدعوة إلى توحيد الله سبحانه ، وإخلاص العبادة له ، والتحذير من الشرك والبدع والمعاصي ، ومناصحة الجماعات المخالفة لذلك ، فإن رجعت إلى الصواب فإنه يتعاون معها ، وإن استمرت على المخالفة وجب الابتعاد عنها والتزام الكتاب والسنة ، والتعاون مع الجماعة الملتزمة لمنهج الكتاب والسنة يكون في كل ما فيه خير وبر وتقوى من الندوات والمؤتمرات والدروس والمحاضرات ، وكل ما فيه نفع للإسلام والمسلمين , وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" .

وأما إن كانت المصلحة في ترك الهجر ؛ فعند ذلك لا يصار إليه , كما قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في أشرطة الفتاوى المتفرقة (ش\6) ؛ جوابا على السؤال التالي : "السائل : هل يجوز التعاون مع رجل أشعري العقيدة في مجال الدعوة إلى الله بحجة أن هذا الخلاف في العقيدة لا يترتب عليه مفاسد بل أن عدم التعاون معه قد يؤدي إلى تفريق جهود المسلمين ؟
الشيخ : إذا كان التعاون مع مثل هذا الرجل لا يؤدي به التعاون معه إلى أن يتهاون في عقيدته فذلك مما يجوز بلا شك بل أنا أعتقد أن المؤمن القوي الإيمان من مصالحه الدينية أن يتعاون مع المسلمين الآخرين الذين انحرفوا عن العقيدة السلفية بسبب من الأسباب القديمة أو الحديثة ، الأولى بهذا المؤمن السلفي أن يتعاون مع هؤلاء لأنه سيجد الفرصة المناسبة لتبليغ الدعوة السلفية إليه , والذي وقع ونعرف نحن ذلك بالتجربة أن أولئك المخالفين سيكون موقفهم من هذا المؤمن الصالح السلفي أحد أمرين إما أن يستجيبوا لدعوته فيميلون إلى تقبل المذهب السلفي والانحراف عن مذهبهم الخلفي وهذا وقع كثيراً وإما أن يرفضوه ومذهبه وأن يأبوا هم أن يعاملوه بل يعود الأمر عليه وليس عليهم" .
وقال الشيخ عبد الله العبيلان جوابا على السؤال التالي : "السؤال : هل يجوز التعاون مع المبتدعة في القضايا الكبرى للأمة؟و هل يجوز الجهاد معهم إذا توفرت شروطه؟ أن بعض الأخوة يقولون لا يجوز ذلك ؟.
الجواب : يجوز التعاون معهم فيما يحبه الله , إذا لم يكن ذريعة لظهور بدعتهم قال ابن القيم -رحمه الله- [في] زاد المعاد (ج3\333) : "ومنها أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه وإن منعوا غيره فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله لا على كفرهم وبغيهم ويمنعون مما سوى ذلك فكل من التمس المعاونة على محبوب لله مرض له أجيب إلى ذلك كائنا من كان ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه" ".
http://www.obailan.net/news.php?action=show&id=99

قلت : وتنبه ولا تغفل ضبط أهل العلم لهذا التعاون مع أمثال هذه الجمعيات الواقعة في البدع والمنكرات المخالفة للكتاب والسنة أو الإجماع ؛ فهم قد ضبطوه بالتالي :
الضابط الأول : وهو ما جاء في فتوى الشيخ الألباني –رحمه الله- من أن يكون المتعاون مع أهل البدع :"قوي الإيمان من مصالحه الدينية" , أي قوي في منهجه وعلمه .
الضابط الثاني : وهو ما جاء في فتوى الشيخ الألباني –رحمه الله-أيضا- من أن "التعاون مع مثل هذا الرجل لا يؤدي به التعاون معها إلى أن يتهاون في عقيدته" .
الضابط الثالث : وهو ما جاء في فتوى الشيخ العبيلان –حفظه الله- من أن مشروعية التعاون "إذا لم يكن ذريعة لظهور بدعتهم".
فإن كان التعاون معهم مفضيا إلى ذلك كان من قبيل الإعانة على الإثم والعدوان ؛ ولهذا فقد أوصى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –رحمه الله- في مجموع فتاويه (1\228-229) بعدم معونة بعض المبتدعة على بناء ما يتقوون به من أماكن , حث قال :"من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود رئيس الديوان الملكي ... ... الموقر , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد تلقيت خطاب سموكم رقم 37-4-5-د في 21-1-82هـ وما برفقه وهو الالتماس المرفوع إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم من محمد عبد الحامد القادري وشاه أَحمد نوراني وعبد السلام القادري وسعود أَحمد دهلوي حول طلبهم المساعدة في مشروع جمعيتهم التي سموها ((كلية الدعوة والتبليغ الإسلامية)) وكذلك الكتيبات الثلاثة المرفوعة ضمن رسالتهم.
وأَعرض لسموكم أَن هذه جمعية لا خير فيها، فانها جمعية بدعة وضلالة. وبقراء الكتيبات المرفقة بخطابهم وجدناها تشتمل على الضلال والبدعة والدعوة إلى عبادة القبور والشرك الأمر الذي لا يسع السكوت عنه. ولذا فسنقوم إن شاءَ الله بالرد عليها بما يكشف ضلالها ويدفع باطلها. ونسأَل الله أَن ينصر دينه ويعلي كلمته. والسلام عليكم ورحمة الله".
الضابط الرابع : أن لا يكون التعاون معها مفضيا إلى تغرير العامة بها , كما نبه على هذا الضابط الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- حيث قال في سلسلة لقاء الباب المفتوح (ش\58) : "إذا كان هذا الرجل مجاهراً بما عنده من البدعة؛ فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتعامل معه وأن يتردد عليه؛ لأنه وإن كان لا يتأثر به فقد يغتر به غيره، بمعنى: أن الناس ينخدعون ويظنون أن هذا المبتدع على حق، فالذي ينبغي ألا يتردد الإنسان على أهل البدع، مهما استفاد منهم مالياً أو علمياً؛ لما في ذلك من التغرير بالآخرين".
وقال –رحمه الله- في برنامج فتاوى نور على الدرب (ش\188) جوابا عن السؤال التالي :"السؤال : بارك الله فيكم على هذا التوجيه الطيب من مصر مستمع رمز لاسمه بـ ع. م. أ. يقول في هذا السؤال زوجة لم أدخل بها بعد تقوم بتحفيظ القرآن الكريم في أحد المساجد للطرق الصوفية بدون أجر النقاط هل هذا العلم حلال وهل هذا العمل فيه موالاة للطرق الصوفية ونقاط تأتي إن شاء الله؟
الشيخ: إذا كانت هي هذه المرأة تدرس القرآن الكريم دراسةً صحيحة ليس فيها بدعة فلا حرج عليها أن تدرس في هذا المسجد الذي ينتابه أهل التصوف .
وإن كان الأفضل أن تذهب إلى مسجدٍ آخر لأن لا يساء الظن بها .
ولأن لا يكون بهذا إعزازٌ لموقف هؤلاء المتصوفة .
وأما إذا كان يخشى على الصبيان المتعلمين يخشى عليهم من أن يغتروا بعمل هؤلاء المتصوفة فإنه لا يحل لها أن تدرس في هذا المسجد وكذلك إذا كان من المعروف عند الناس أن كل من يدرس في هذا المسجد منتسبٌ لأهل التصوف فإنه لا يجوز أن يدرس في هذا المسجد نعم".

.
__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-29-2010, 10:19 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " (28/212) :
" فَإِذَا تَعَذَّرَ إقَامَةُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِمَنْ فِيهِ بِدْعَةٌ مَضَرَّتُهَا
دُونَ مَضَرَّةِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ : كَانَ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ مَعَ مَفْسَدَةٍ
مَرْجُوحَةٍ مَعَهُ خَيْرًا مِنْ الْعَكْسِ . وَلِهَذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيهِ تَفْصِيلٌ ."
وقال شيخ الإسلام الثاني تلميذه ابن القيم ـ رحمه الله ـ
" في زاد المعاد" (3/267) :
"أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة
من حرمات الله تعالى أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه وإن منعوا غيره فيعاونون على
ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى لا على كفرهم وبغيهم ويمنعون مما سوى ذلك "

جزاك الله خيرا أبا العباس ونفع بك ؛ بحث قيم جدا .
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-30-2010, 09:51 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

جزاك الله خيراً شيخنا أبا العباس ونفع الله بك
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-30-2010, 01:29 PM
أبوعبدالرحمن-راجي عفوربه- أبوعبدالرحمن-راجي عفوربه- غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 1,939
افتراضي

بارك الله في الشيخ أبي العباس
فدعم كتابكم بين منهجين بالشيخ ابن باز والعثيمين كما هو ملاحظ ينتشر بدون وجود صيانات
والحمد لله ذلكم بأنه لو اعترض عليهم بعدم فقه المنهج لانكشفو وإن سكتوا ولا أقول عن غيظ انتشر الحق فالحمد لله أن الحق دائما يصول ويجول ويعلو ولا يعلى عليه .
__________________
قال الشيخ ربيع:
وكان من أقوم الدعاة إلى الله بهذه الصفات الشيخ بن باز -رحمه الله- وهو مشهور بذلك والشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله- فلقد كان حكيماً رفيقاً لا يواجه الناس بسوء ولا فحش ولقد انتشرت دعوته بهذه الحكمة من اليمن إلى مكة ونجران في زمن قصير وقضى بعد عون الله بدعوته الحكيمة على كثير من مظاهر الجهل والشرك والبدع ، وكان من أبعد الناس عن الشدة والتنفير وكان يشبهه في أخلاقه : الحلم والحكمة والأناة والرفق تلميذه النجيب الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- فقد ساعد في نشر الدعوة السلفية شيخه القرعاوي رحمه الله بهذه الأخلاق وبالعلم الذي بثه وكانا لا يسبان بل ولا يهجران أحداً حسب علمي ويأتيهم الجاهل والفاسق والزيدي والصوفي فيتعاملان معهم بالعلم والحلم والرفق والحكمة الأمور التي تجعل هذه الأصناف تقبل الحق وتعتنق الدعوة السلفية الخالصة .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-30-2010, 02:36 PM
راشد بن عبيد بن إسماعيل راشد بن عبيد بن إسماعيل غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 165
افتراضي بارك الله فيك وزادك علما

كانوا يقولون:إذا كان الرجل على الأثر فهو على الطريق
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-30-2010, 05:18 PM
جاسم العنزي جاسم العنزي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: العراق الجريح
المشاركات: 193
افتراضي

بوركت يا ابا العباس ونفع الله بك ، بحث قيم ،المضحك المبكي ان بعض من ينسب الى طلبة العلم واظنك تعرفه لم يسمع بهذه التأصيلات الشرعية فضلا على ان يقول بها ، بل يعتبر مجرد اسم جمعية بدعة !!!!! ويعتبر من يذكره بهذه الاصول والضوابط السلفية ، ناقلا له الفتاوى العلمية من علماء الدعوة السلفية مدافعا عن الجمعيات الحزبية !! ويلحق بالحزبيين كائنا من كان وبأي قيود ! وصدق القائل سرت مشرقا وسار مغربا شتان بين مشرق ومغرب .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-30-2010, 08:39 PM
أبومُحَمَدالمَوصِلي أبومُحَمَدالمَوصِلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 330
Lightbulb

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك شيخي ابو العباس

قولك


اقتباس:
ثالثا : إن الأصل هو مشروعية العمل الجماعي القائم على الاجتماع والتعاون والتناصر والتواصي , وهي مطالب شرعية دلت عليها نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ] , وقوله [إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] , وقوله [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] .
رابعا : لا تتعلق الحرمة في مسألة الجمعيات الحادثة بذاتها –إسما وبناءً- , وإنما بما تقع به الجمعية –المعينة- من مخالفات شرعية , فالتحريم فيها –إن كان- فلغيرها لا لذاتها , وهذا يختلف من جمعية إلى أخرى"
.
أفهم منه جواز الجمعيات الخيرية الخالية من البدعة والشرك والتحزب المذموم

وعدم جواز الجمعيات التي تفضي إلى الحزبية والبدعة والشرك
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03-30-2010, 09:52 PM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 790
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبومُحَمَدالمَوصِلي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك شيخي ابو العباس

قولك


ثالثا : إن الأصل هو مشروعية العمل الجماعي القائم على الاجتماع والتعاون والتناصر والتواصي , وهي مطالب شرعية دلت عليها نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ] , وقوله [إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] , وقوله [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] .
رابعا : لا تتعلق الحرمة في مسألة الجمعيات الحادثة بذاتها –إسما وبناءً- , وإنما بما تقع به الجمعية –المعينة- من مخالفات شرعية , فالتحريم فيها –إن كان- فلغيرها لا لذاتها , وهذا يختلف من جمعية إلى أخرى" .


أفهم منه جواز الجمعيات الخيرية الخالية من البدعة والشرك والتحزب المذموم

وعدم جواز الجمعيات التي تفضي إلى الحزبية والبدعة والشرك

الأخ المفضال أبو محمد الموصلي -وفقه الله- :

أولا : ما اقتبسته من كلام فهو ليس من قولي أنا , وإنما هو قول مشايخنا (مشهور حسن , وعلي الحلبي , ومحمد موسى نصر , وفتحي الموصلي) -حفظهم الله أجمعين- , كما جاءفي بيانهم الخاص بالجمعيات , وذكرت رابطه في أول الموضوع ؛ فلو ترجع إليه كاملا .

ثانيا : قولك (أفهم منه جواز الجمعيات الخيرية الخالية من البدعة والشرك والتحزب المذموم) .
أقول : فهمك حقّ , وهو صريح فتاوى أهل العلم المتقدمة ؛ لكن لا بد من ضبطه , بما تقدم من ضوابط , ولعلك من أوائل من اطلع هلى أصل تقرير هذه الضوابط قبل نحو ستة أعوام ونصف ؛ عندما سطرتها في رسالة (الضوابط الشرعية لقيام الجمعيات الدينية) , والتي كتبتها ردا على بعض أصحاب التوجهات الحزبية عندما استشهدوا ببعض أقوال أهل العلم -ومنه قول الشيخ ربيع المتقدم- على جواز تشكيل الجمعيات ؛ فبينت في هذه الرسالة : أن الخلاف ليس في الجواز , وإنما في الالتزام بالضوابط الشرعية الحاكمة لقيام هذه الجمعيات , ومن أهمها ضابط عدم الإلزام بتوجيهات الجمعية !!!

ثالثا : قولك (وعدم جواز الجمعيات التي تفضي إلى الحزبية والبدعة والشرك) .
أقول : مثل هذه الجمعيات التي تفضي إلى ما ذكرت -على جهة القطع أو غلبة الظن , لا التوهم والتخمين- يمنع منها -قطعا- لأنها صارت مبنية على أصل الإعانة على الإثم والعدوان , كما أنه يمنع من قيام غيرها -وإن كانت غير مفضية إلى ما ذكرت- لكن كان قيامها مفض إلى فرقة واختلاف مفسدته أعظم من مصلحة قيام الجمعية .
لكن مرد الفتوى بمشورعية قيام الجمعيات أو بمنع قيامها مرده لأهل العلم الموثوق بهم , كما هو بين في توجيه مشايخنا في بيانهم المشار إليه سابقا ؛ فلو ترجع إليه .

.
__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-31-2010, 12:04 AM
ابو الزبيرالموصلي ابو الزبيرالموصلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: العراق الموصل
المشاركات: 734
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا ابوالعباس مثلك تكون الرجال اسال الله العلي العظيم ان يحفظك ويرعاك ويسددك امين
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-31-2010, 10:00 PM
أبومُحَمَدالمَوصِلي أبومُحَمَدالمَوصِلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 330
Lightbulb

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو العباس مشاهدة المشاركة

الأخ المفضال أبو محمد الموصلي -وفقه الله- :

أولا : ما اقتبسته من كلام فهو ليس من قولي أنا , وإنما هو قول مشايخنا (مشهور حسن , وعلي الحلبي , ومحمد موسى نصر , وفتحي الموصلي) -حفظهم الله أجمعين- , كما جاءفي بيانهم الخاص بالجمعيات , وذكرت رابطه في أول الموضوع ؛ فلو ترجع إليه كاملا .

ثانيا : قولك (أفهم منه جواز الجمعيات الخيرية الخالية من البدعة والشرك والتحزب المذموم) .
أقول : فهمك حقّ , وهو صريح فتاوى أهل العلم المتقدمة ؛ لكن لا بد من ضبطه , بما تقدم من ضوابط , ولعلك من أوائل من اطلع هلى أصل تقرير هذه الضوابط قبل نحو ستة أعوام ونصف ؛ عندما سطرتها في رسالة (الضوابط الشرعية لقيام الجمعيات الدينية) , والتي كتبتها ردا على بعض أصحاب التوجهات الحزبية عندما استشهدوا ببعض أقوال أهل العلم -ومنه قول الشيخ ربيع المتقدم- على جواز تشكيل الجمعيات ؛ فبينت في هذه الرسالة : أن الخلاف ليس في الجواز , وإنما في الالتزام بالضوابط الشرعية الحاكمة لقيام هذه الجمعيات , ومن أهمها ضابط عدم الإلزام بتوجيهات الجمعية !!!

ثالثا : قولك (وعدم جواز الجمعيات التي تفضي إلى الحزبية والبدعة والشرك) .
أقول : مثل هذه الجمعيات التي تفضي إلى ما ذكرت -على جهة القطع أو غلبة الظن , لا التوهم والتخمين- يمنع منها -قطعا- لأنها صارت مبنية على أصل الإعانة على الإثم والعدوان , كما أنه يمنع من قيام غيرها -وإن كانت غير مفضية إلى ما ذكرت- لكن كان قيامها مفض إلى فرقة واختلاف مفسدته أعظم من مصلحة قيام الجمعية .
لكن مرد الفتوى بمشورعية قيام الجمعيات أو بمنع قيامها مرده لأهل العلم الموثوق بهم , كما هو بين في توجيه مشايخنا في بيانهم المشار إليه سابقا ؛ فلو ترجع إليه .

.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياك الله شيخي الكريم ووفقك لكلِ خير

جزاك الله خير على توضيح الفقرة الثالثة من إقتباسي لكلامك المنقول عن العلماء وفقهم الله

والحقيقة كنتُ أقصد نقلك فوقعت مني سهواً كلمة " قولك "
عموماً بِتُ الآن أُدين الله تعالى بما تفضلتَ به من نقلك لعلماءنا وفقهم الله

الشيخ حسن مشهور " والشيخ علي الحلبي " والشيخ محمد " والشيخ فتحي سلطان الموصلي "

بعد أن تعلمنا سابقاً أن الجمعيات كلها غير صحيحة

من دون تفريق بين الضوابط والشروط المذكورة في موضوعك

وفي بلدنا الموصل اليوم من يُعيرنا بمسألة الجمعيات بعد أن قلنا فيها

أنها لاتجوز للأسباب التي أنت تعرفها ولم أكن اعلم حينها أن هناك تفريق بين هذه الجمعية وتلك

وبعد أن وصلني خبر تأسيس مركز الشيخ الألباني رحمه الله وعلى أيدي مشايخنا الكرام

توقفتُ بالمسألة وراجعتُ الكثير من اقوال العلماء فتراجعتُ عن مسألة عدم الجواز

وخصوصاً أني لم أكن أُفرق بين الجمعيتين

واليوم أقول " الحقُ أحقُ أن يُتَبَع "

والفضل لله تعالى أولاً ثم لمشايخنا الكرام وفقهم الله

وسأقول لمن لم يخالف بين الجمعيتين ويخلط بين الأمرين كما كنتُ أنا افعل ذلك سابقاً

تريث وارجع إلى أقوال العلماء ولاترمي من قال بالجواز وفق الشروط الضوابط المذكورة

أنه وقع في الحزبية وتحزب بعد أن كان يحاربها ولايقبل بها

وأنت تعرف هؤلاء جيداً وأفضل مني وسأضع أمامهم ماجاء في مقالك هذا

ليتبين لهم الحق من الباطل

ولاخير فينا إن لم نرجع للحق ولأقوال هؤلاء العلماء وفقهم الله

أشكرك شيخي أبي العباس على التوضيح والإهتمام لتلميذكم أبو محمد الموصلي

وفقك الله لمايحبه ويرضاه
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.