ما هو الحكم الذي يدل عليه لفظ ( خبيث ) ؟

[أبي عبد الله]

ما هو الحكم الذي يدل عليه لفظ ( خبيث ) ؟
تكلم الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في شرحه لحديث عن رافع بن خديج رضي الله عنه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث )(1) :
فقال:
( إطلاق " الخبيث " على ثمن الكلب يقتضي التعميم في كل كلب .
فإن ثبت تخصيص شيء منه وإلا وجب إجراؤه على ظاهره .
والخبيث من حيث هو لا يدل على الحرمة صريحا ، ولذلك جاء في كسب الحجام أنه خبيث ولم يحمل على التحريم ، غير أن ذلك بدليل خارج وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره .(2) ، ( ولو كان حراما لم يعطه )(3) .
فإن ثبت أن لفظة الخبيث ظاهرة في الحرام ، فخروجها عن ذلك في كسب الحجام بدليل ، لا يلزم منه خروجها في غيره بغير دليل .)(4)
وجه الدلالة :
انه جعل لفظ الخبيث لا يدل على الحرمة صراحة ، لكن ظاهرها يدل على الحرمة , وقد لا يدل على الحرمة في بعض المواضع لوجود دليل ، ومن المعلوم انه لا يشترط في دلالة اللفظ ان تكون من الصريح لكي يحتج بها ، بل يكتفى بالظاهر من اللفظ ليكون حجة .
فقول الإمام عن لفظ الخبيث انه لا يدل على الحرمة صراحة ، لا ينافي كونه يدل على الحرمة ظاهرا ، فيصح الاستدلال بلفظ الخبيث على التحريم .
القول المختار :
والذي يظهر والله أعلم اختياره هو أن لفظ الخبيث يدل على التحريم ، وذلك لقوله تعالى: ( يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )(لأعراف: من الآية157) .
فقد قال الشنقيطي رحمه الله:
فإن قيل : ما كل خبيث يحرم لما ورد في الثوم أنه خبيث ، وفي كسب الحجام أنه خبيث ، مع أنه لم يحرم واحد منهما ؟
فالجواب :
أن ما ثبت بنص أنه خبيث كان ذلك دليلاً على تحريمه ، وما أخرجه دليل يخرج ، ويبقى النص حجة فيما لم يقم دليل على إخراجه ، كما هو الحكم في جل عمومات الكتاب والسنة يخرج منها بعض الأفراد بمخصص وتبقى حجة في الباقي .) (5)
______________________________

(1) أخرجه مسلم باب تحريم ثمن الكلب برقم 2932.
(2) أخرجه البخاري ، باب خراج الحجام ، برقم 2118 ، ومسلم ، باب هل تحل أجرة الحجامة ، برقم 2954 .
(3) هذه الزيادة بين القوسين عند أبي داود في سننه باب كسب الحجام برقم 2969 بلفظ ( ولو علمه خبيثا لم يعطه ) .
(4) إحكام الأحكام 3/106.
(5) أضواء البيان 2/62.