((العِلم وَالعُلَمَاء وَوَفَاة الشَّيخ محمُود أبو خُوصَة)) لشيخنا فُؤاد أبُو سعيد .

[محمود بن محمد حمدان]

العِلم وَالعُلَمَاء وَوَفَاة الشَّيخ محمُود أبو خُوصَة

خطبة جُمعة لشيخنا أبي المنذر فؤاد بن يُوسُف أبو سعيد -حَفِظهُ اللهُ- .

الحمد لله الذي كرَّم بني آدم على العالمين، وكرَّم العلماءَ منهم والدعاةَ على الناس أجمعين، وشرَّف الرسلَ والأنبياءَ وجعل لهم مكانة فوق الخلق أجمعين، وشرَّف وكَّرم، وصلى وباركَ وأنعمَ على سيد الأولين والآخرين، نبيِّ الله، محمدِ بن عبد الله، صلى عليه اللهُ وسلمَ وبارك، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد؛
أيها الناس! إنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، ألا أيها الناس! إنكم موقوفون في صعيد واحد، يَنْفُذُكم البَصَر، ويسمعكم المنادي، ألا وإنَّ الشقيَّ من شقيَ في بطن أمه، ألا وإنَّ السعيد من وعظ بغيره.
إن الله سبحانه وتعالى شرَّف هذه الأمةَ بنبيِّها عليه الصلاة والسلام، وأكرمها بورثةِ الأنبياءِ من العلماءِ والدعاةِ الكرام، وتوكَّل سبحانه بنفسه للحفاظ على دينها بحفظ كتابه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9]. أما عن العلماء والدعاة؛ فقد قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدْنَاكُمْ"، ثُمَّ قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ، وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ". رواه الترمذي وعن أَبي أُمَامَة -رضي الله عنه-، وقال: (حديث حسن). وبموت نبيِّنا صلى الله عليه وسلم؛ لم يمت دينُنا، بل حمله إلينا أصحابُه وأحبابُه، ومِن بعدهم أتباعُهم، ثم تلاميذُهم ممَّن عاشوا في القرون المفضلة، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ". قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ. رواه البخاري .
ثم نقله اللاحقُ عن السابق، من العدولِ الثقات، والرجالِ الأثبات، فنفَوا عنه ما أُلصِق به مما هو ليس منه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَذَرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ». السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي (10/209). مشكاة المصابيح - (1 / 53) ح(248)
ولكن الأعمارَ قصيرة، والأعمالَ التي قاموا بها مباركةٌ وكثيرةٌ وكبيرة، وهكذا جيلٌ عن جيل، وعلماء يورِّثون علماءَ ودعاة،
وفي آخر الزمان ينتهي علم الشرع والدين ويتوقف، ويرفع القرآن ولم تبقَ منه في الأرض آية، ويبقى الناس في حاجة ملحَّة للفتوى والاستفسار، والبحث عن أجوبة شافية على أسئلة وقضايا تجدُّ عليهم، فيتخذون من الجهلة في الدين، ومعدومي الحظ من الشريعة، والخاوين من العلم؛ فيجدون مَنْ يجيبهم ويفتهم، ويتصدَّر لهذا الأمر الخطير من ليس هو من أهله فيفتي بغير علم من الشرع والدين، عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». متفق عليه واللفظ لمسلم.
وينتج عن هذه الفتاوى الشر المستطير، فينتشر الفساد، ويعم الظلم، وتؤكل الأموال بالباطل، وتنتهك الأعراض، وتسفك الدماء، وتزهق الأرواح، ويفشو الخوف، ويضمحلُّ الأمن والعدل، ويعود الناس إلى عبادة الأوثان، وتقديس الأضرحة والمقامات؛ بالطواف حولها، والذبحِ لها أو عندها، ويُدعا ويُستغاث بغير الله، فهذا يستغيث بالبدوي والخضر، وآخر يستغيث بالحسين، ولا تجد مجالا ولا مكانا لذكر الله.
وتصبح كربلاءُ أفضلَ من مكة، والنجفُ الأشرفُ؛ أشرفَ من الكعبة، ويُحَجُّ إلى (قم بإيران) وإلى (نظام الدين بدهلي في الهند).
وما ذاك إلاَّ نتيجة، عدم طاعة العلماء، أو ذهابهم وموتهم، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ".
فإذا مات العالم صار في الإسلام ثلمة لا تسد، فمَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ لاَ تُجْبَرُ، وَثُلْمَةٌ لاَ تُسَدُّ، وَهُوَ نَجْمٌ طُمِسَ، مَوْتُ قَبِيلَةٍ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِمٍ.
والعلماء -بعلمهم- مصابيحُ الدجى، ومناراتٌ يُهتدى بها، فكلَّما انطفأ مصباح زاد الظلام، وكلَّما هُدِمت منارة زاد التيه والضلال، والبعد عن الصراط المستقيم.
ففي هذا الزمن الذي عاصرْتُه وشهدْتُه كان عصرا ذهبيا، فقد حوى خِيرة العلماء، وخَير الدعاة إلى الله على بصيرة، نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله تعالى، منهم الشيخ محمود أبو خوصة، والشيخ سليم شراب، وهؤلاء أخذت عنهم العلمَ والعملَ مباشرة، والشيخُ عبدُ العزيز بنُ باز، والشيخُ محمدُ العثيمين، والشيخُ ناصرُ الدين الألبانيّ، وهؤلاء أخذتُ العلمَ عنهم عن طريقِ كتبهم، ومقابلاتي لهم كانت قليلةً، وجلساتي معهم نادرة.
والشيخُ مقبلُ الوادعيّ، والشيخُ بكرٌ أبو زيد، والشيخُ عبدُ الله بنُ جبرين، والشيخُ أحمدُ النجميّ، والشيخُ محمد بن عبد الوهاب البنا وغيرهم كثير.
وهؤلاء قد قُبِضوا كلُّهم ولم يبقَ منهم أحد، ولم ولن يأتيَ أحدٌ مثلُهم، وكلُّهم توفيَ في عَقْد واحد، ما عدا شيخي الشيخ سليم شراب، الذي توفي قبل هؤلاء جميعا ببضع سنين، فأول من توفي في هذا العقد هو الشيخ عبد العزيز بن باز 27 محرم 1420هـ، وآخرهم شيخي الشيخ محمود أبو خوصة آخر يوم من أيام عام 1430هـ، والذي قضى حياته باحثا عن الحقيقة ناصرا للسنة، محذرا من البدعة، مركزا على التوحيد والمنهاج، آمرا بالمعروف في أنحاء غزة، ناهيا عن المنكر في نواحيها، كان يصدع بالحق لا يخاف لوم اللائمين، ولا عقاب المعاقبين، حتى طرده اليهود من التدريس، لجهره بالحق في الدين، ابتنى مسجدا لله في بيته، يعلِّم فيه ويدرس ويخطب، ويدعو إلى الله على بصيرة معه المشايخ الشيخ سليم والشيخ مجدي المصري، والتلاميذ وطلاب العلم والدعاة، حتى صار المسجد أكبر من جامعة، وهو الذي عرف الشيخ سليم بي، وكان هو رحمه الله تعالى السبب في ذهابي عن طريق الشيخ سليم إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لأدْرس في العلم الشرعي، كبقية الطلاب المبتعثين، فرجعنا بعد التخرج على العهد سائرين، ولديننا معلمين، وعلى المنهاج ثابتين، فجزى الله علماءنا ومشايخنا أجمعين، وغفرَ للأحياء منهم والميّتين.

***

عباد الله! فماذا حدث بعد موتهم وذهابهم؟ في خلال هذه العشر سنين؛ حدث تغير سريع، واتخذا اتجاها معاكسا، وزاد التفرق والتشرذم بين المسلمين، وانتشر الجهل وزهد الناس في العلم، وتقومُ مجموعةٌ من العلماء والدعاة المخلصين، جاهدين ومجاهدين لرأب الصدع، ولمِّ الشمل، وتوحيدِ الكلمة على كلمة التوحيد، لكن زاد الخرق على الراقع، ظهر الرويبضة، وصارت الكلمةُ للُكعِ بن لُكع، وتُفُقِّهَ لغير الدين، وغزت النساء الشوارع والأسواق، ومات المخلصون كمدا، وانتفخ أهل الشهوات والشبهات فرحا، واستُلِبت ديار المسلمين دارا دارا، وطمع فيهم كل عدوٍّ، ونعق فيهم الناعقون فاتبعوا كل ناعق، وأثيرت الفتن في كل بلد من بلداننا، واختلف أصحاب المنهج الواحد، وتفرق أصحاب الوطن الواحد، وتقاتل أهل الدين الواحد، وكلٌّ يدعي أنه هو الحقُّ وسواه باطل، وكلٌّ يزعم أنه الصواب المطلق، وغيره الخطأ المطلق، فلا أمل للقاء، ولا رجاء في الإصلاح، إلاّ إن أراد الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يجعلنا بكتاب الله مستمسكين، ولهدي رسوله صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار الصحابة والسلف الصالح مقتفين.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى! اللهم تولَّ أمرَنا، وارحم ضعفَنا، واجبر كسرَنا، واغفر ذنبَنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالَنا! اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رشدٍ يعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويذلُّ فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء! اللهم مكِّن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد! اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وردنا إلى دينك رداً جميلاً،
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم غيثا مغيثا سحا غدقا هنيئا مريعا مجللا
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا بلاء ولا فتنة،
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه، يا سميع الدعاء!

وكتب أبو المنذر فؤاد

الجمعة 8محرم 1431هـ
يوافق 25/12/2009 رومي

نقلته لكم من الموقع الرسمي لشيخنا أب المُندر–سلمه الله- (محمود)

.

[أبو الأزهر السلفي]

جزاك الله كل خير..
ورحم الله الشيخ أبا خوصة..
وبارك في في تلاميذ الشيخ وأبناءه..

[جهاد حلس]

جزاك الله خيراً أخي الحبيب محمود
وجزى الله الشيخ فؤاد خير الجزاء
زرته قبل أسبوع في مكتبته العامرة ، وكانت مقابلتي الأولى له !
جلسنا من العصر حتى المغرب، فأمتعني ونفعني وحباني وأكرمني ، فعجبت من تواضعه وخلقه
ولكني للأسف في طريق المجيئ إليه ضللت الطريق ، فلا تسل عن حالي ساعتها :)
ولكنها كانت رحلة ممتعة
لا تنسى أن تبلغه سلامي

[محمود بن محمد حمدان]

حفظك الله أستاذ أبا الأزهر ...


وحياكم الله أخي الحبيب (جهاد)
وهلا أخبرتني بنتك للزيارة ، حتى أوفر عليك الوقت ..!!
ولكن لا بأس (ملحوقة)! (ابتسامة) ..

وإن شاء الله يصل سلامك لشيخنا .



أسأل الله أن يرحم الشيخ (محمود)، وأن يبارك في تلاميذه ومحبيه. آمين

[حسين بن أحمد حمد]

جزاك الله أخي محمود على هذا الموضوع المهم


ولا شك أن العلماء موتهم ثلمة كبيرة في الإسلام ، ما أصيبت الأمة مصيبة أعظم من فقدهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ".

[محمد بن محمد بن محمد زقوت]

بارك الله فيك أخي محمود علي نقلك الطيب
وبارك الله في شيخنا الفاضل أبا المنذر أدامه الله

ورحم الله شيخنا الشَّيخ محمُود أبو خُوصَة وأسكنه فسيح جناته ونفعنا بعلومه آمين

هذا قدر الله وسنة الله في الحياة فلا مفر من هادم اللذات ومفرق الجماعات


أما عن العلماء والدعاة؛ فقد قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدْنَاكُمْ"، ثُمَّ قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ، وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ". رواه الترمذي

[محمود بن محمد حمدان]

حيا الله بتلامذة شيخنا أبي المنذر ..

الأخوان الفاضلان أبو عبد الرحمن حسين حمد ، وأبو يوسف محمد زقوت ..


نسأل الله لنا ولكم مزيد توفيق .