أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
96824 89571

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر القرآن والسنة - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-13-2014, 03:17 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي شرح الأريعين النووية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ) [آل عمران : 102] ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ) [النساء : 1 ، 2] ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ) [الأحزاب : 70 - 72] ([1]).
أما بعد : فهذا شرح لمتن : " الأربعين النووية مع زيادة ابن رجب عليها" وأصله هذا الشرح دروس قمت بتحضيرها لبعض الأخوات , قامت بإلقائه عليهن زوجتي أم عبد الرحمن _ حفظها الله في طاعته _ ثم رأيت أن أكتبه وأنشره رجاء أن ينتفع به المسلمون , والله أعلم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه : أبو مسعود عبد الله بن محمد أحمد بن إبراهيم الطالب بمرحلة الدكتوراه بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في مساء السادس عشر من شهر ذي القَعْدَة من عام خمس وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة (16/11/ 1435 هـ) بالمدينة النبوية .

جرت عادة العلماء عند شرح متون العلم بذكر ترجمة لصاحب المتن , وسأذكر بحول الله وقوته ترجمة مختصرة لصاحب المتن , والغرض منها أخذ العبرة من علمائنا الذين سلفوا .
أ _ اسم المصنف ونسبه وكنيته وبلده ومنزلته ومذهبه الفقهي :
الشيخ محيي الدين النووي يحيى بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة بن حزام الحازمي العالم ، أبو زكريا ثم الدمشقي الشافعي العلامة شيخ المذهب الشافعي ، وكبير الفقهاء في زمانه([2]).
نستفيد من هذه الجزئية من الترجمة فوائد :
1_ التلقيب ب (محي الدين) ينبغي تركه ؛ فقد أورده الشيخ بكر أبو زيد _ رحمه الله_ من المناهي اللفظية وقال : ( قال أحمد بن فرح اللخمي الإشبيلي :(( وصح عن النووي أنه قال : لا أجعل في حل من لقبني : محي الدين )) )([3]) , فكان النووي رحمه الله تعالى يكره تلقيبه بمحيي الدين ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يكره تلقيبه بتقي الدين ، ويقول : ( لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر ) ([4]).
وقال الشيخ بكر أبو زيد _ رحمه الله _ : ( وتكره التسمية بكل اسم مضاف من اسم أو مصدر أو صفة مشبهة مضافة إلى لفظ ( الدين) ولفظ ( الإسلام ) مثل : نور الدين ، ضياء الدين ، سيف الإسلام ، نور الإسلام ... وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين ( الدين ) و ( الإسلام ) ، فالإضافة إليهما على وجه التسمية فيها دعوى فجة تطل على الكذب ، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم ، والأكثر على الكراهة ؛ لأن منها ما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه ، وكانت في أول حدوثها ألقاباً زائدة عن الاسم ، ثم استعملت أسماء , وقد يكون الاسم من هذه الأسماء منهياً عنه من جهتين مثل : شهاب الدين ، فإن الشهاب الشعلة من النار ، ثم إضافة ذلك إلى الدين ، وقد بلغ الحال في إندونيسيا التسمية بنحو : ذهب الدين، ماس الدين!.
وأول من لقب في الإسلام بذلك هو بهاء الدولة ابن بويه ( ركن الدين ) في القرن الرابع الهجري , وكان التغالي بهذه الألقاب معروفا ، حتى كانت لا تصدر إلا بمراسيم سلطانية ، وربما بذل مال طائل للحصول عليها ، ثم ابتذلت حتى سمي بها من لا خلاق له في الإسلام ، حتى قال الحسن بن رشيق القيرواني :
مما يزهدني في أرض أندلس ... ... أسماء معتضد فيها ومعتمـــد
أسماء مملكةٍ في غير موضعها ... ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد ) ([5])
2_ كان النووي من العلماء فعلى المسلم وطالب العلم السعي لتحصيل هذا الشرف العظيم , فالعلماء من أحب الناس إلى الله تعالى , وليس هذا الأمر مستحيلا ؛ فالنووي وغيره من علمائنا ما صاروا علماء بين يوم وليلة ولكنهم تدرجوا حتى وصلوا .
3_ كنيته أبو زكريا : الكنية من السنة وكانت كنية رسولنا عليه الصلاة والسلام (أبو القاسم) , ولا يشترط وجود الولد للكنية فكنية أمنا عائشة رضي الله عنها (أم عبد الله) ولا ولد لها , وقد يكنى الصغير : فقد كنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طفلا (أبا عمير) .
4_ الشافعي : فيه جواز التمذهب بمذهب من مذاهب أهل السنة الفقهية الأربعة مع عدم التعصب لها ومع الحرص على طلب الدليل , وذلك لضبط علم الفقه وتصور مسائله فالنووي وغيره كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهم الله كانوا منتسبين إلى مذاهب وطلبوا العلم وتفقهوا بها ثم لما صاروا يميزون وقوي عودهم تحرروا من تلك المذاهب ولم يتعصبوا لها
5_ كبير الفقهاء في زمانه : الفقه نعمة عظيمة قال عنا رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( من يرد الله به خيرا يفقهه )([6]) والفقه هنا معناه عام يشمل جميع الدين .
ب _ همته في العلم والتحصيل والتصنيف :
( وقد حفظ القرآن ... ، وقرأ ربع العبادات من المذهب في بقية السنة ، ثم لزم المشايخ تصحيحا وشرحا ، فكان يقرأ في كل يوم اثنا عشر درسا على المشايخ ، ثم اعتنى بالتصنيف فجمع شيئا كثيرا ، منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله ، فمما كمل شرح مسلم ... ومما لم يتممه ولو كمل لم يكن له نظير في بابه : "المجموع" ، ... وقد كان من الزهادة والعبادة والورع والتحري والانجماح عن الناس على جانب كبير ، لا يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره ، وكان يصوم الدهر) ([7]) .
نستفيد من هذه الجزئية من الترجمة فوائد :
1_ الاهتمام بالقرآن أولا وهكذا نجد علمائنا يبدؤون به كما مر معنا في ترجمة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .
2_ علو الهمة في طلب العلم والجد والإجهاد فقرأ رحمه الله ربع العبادات من المذهب في جزء من السَّنَة .
3_ طلب العلم على المشايخ , فعدم الطلب عليهم من أسباب عدم التوفيق , إلاّ من لم يجد الشيخ , فيطلب العلم عن طريق الوسائل الحديثة مع سؤال العلماء عمّا أشكل عليه ومن علو همة النووي رحمه الله أنه : لزم المشايخ تصحيحا وشرحا ، فكان يقرأ في كل يوم اثنا عشر درسا , وبعض الناس لا ينشط لدرس واحد في الأسبوع والله المستعان .
4_ حرص العالم وطالب العلم المؤهل على التأليف والتصنيف في العلم , وهذا من وسائل نشر العلم ومن الصدقة الجارية كما في الحديث : عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة إلّا من صدقة جارية أو علم ينتفع به ...))([8]) وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته : علما علمه ونشره , وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن السبيل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته))([9]) , ومن علو همة النووي رحمه الله في التصنيف أنه مات ولم يُكمل بعض الكتب التي بدأ في تأليفها .
5_ الحرص على الجمع بين العلم ونشره والعبادة فهي ثمرة طلب العلم وقد كانت سيرة السلف الصالح الرحلة في طلب العلم ثم الرجوع لبلادهم واشتغالهم بالعلم ونشره والتأليف فيه والعبادة , فكان النووي رحمه الله من أهل الزهد في الدنيا والزهد درجة عالية معناه : ترك ما لا ينفع في الآخرة , والزهد من أسباب محبة الله لعبده كما في الحديث : (( ازهد في الدنيا يحبك الله ))([10]) , وكان من أهل الورع ومعناه : ترك ما يضر في الآخرة , وكان متحرِّيَا فالمسلم يتحرى الحلال وما لا يسخط الله تعالى , وكان منجمحا عن الناس ؛ لأن المسلم يُخالط الناس في الخير ويعتزلهم في الشر , ومن اجتهاده في العبادة كان يصوم الدهر , وهذا إن ثبت عنه فخطأٌ منه رحمه الله مع وافر علمه ولكن هذا لا يحط من منزلته فطريقة أهل السنة رد الخطأ الوارد من العلماء مع حفظ مكانتهم وعدم تنقصهم , وأما صوم الدهر فقد نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : (( في صوم الدهر لا صام ولا أفطر ))([11]) .
ج_ ( وقد باشر تدريس الاقبالية نيابة عن ابن خلكان ، وكذلك ناب في الفلكية والركنية ، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية ، وكان لا يضيع شيئا من أوقاته ، وحج في مدة إقامته بدمشق ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للملوك وغيرهم توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب من هذه السنة بنوى ، ودفن هناك رحمه الله وعفا عنا وعنه )([12])
ونستفيد من هذه الجزئية من ترجمته :
1_ اشتغاله رحمه الله بالتدريس في عدد من المدراس الشرعية منها : الإقبالية والفلكية والركنية , بل كان رئيس لدار الحديث الأشرفية , فلم يقتصر على التدريس في المساجد بل امتد نفعه حتى وصل إلى تلك المدارس الشرعية , وكما سبق فهذا من ثمار العلم : تعليم الناس .
2_ كان لا يضيع شيئا من أوقاته : وهذا من أهم صفات طالب العلم ؛ لأنه بحرصه على وقته يحصل العلم , وينشره .
3_ وأما حجه لبيت الله الحرام فهذا من ثمار العلم الحرص على العبادة , وكذلك كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للملوك وغيرهم : وهذا من ثمار العلم الدعوى إلى الله بالرفق واللين مع الرؤساء والملوك وغيرهم , كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه ولا عزل عن شيء إلا شانه ))([13]) ومن الرفق واللين بالرؤساء أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر في السر لا في العلن كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية وليأخذ بيده وليخل به فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه ))([14]) وكل هذا من ثمار العلم الشرعي .
4_ توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب من هذه السنة بنوى : ( فمولده عام 631هـ ووفاته في نوى عام 676 هـ من قرى حوران بسورية وإلى نوى نسبته )([15]) , فنلاحظ قِصَر حياة النووي _ رحمه الله فعاش في هذه الدنيا خمسة وأربعين سنة (45سنة) فقد جعل الله تعالى البركة في عمره , فصار من علماء الأمة في هذا العمر القصير, وملأ الدنيا من المصنفات والكتب النافعة مثل : كتاب رياض الصالحين الذي لا يكاد يخلو منه بيت من بيوت المسلمين وكتاب الأذكار وهذه الأربعين النووية , وغيرها من الكتب , وقد كان شيخنا عبد المحسن بن حمد العباد _ حفظه الله في طاعته _ يقول في دروسه : هناك بعض العلماء بارك الله تعالى في أعمارهم وماتوا وأعمارهم ليست طويلة , ومع هذا نفع الله بعلومهم ومصنفاتهم الكثيرة فقال شيخنا : ( بل إن _ من العلماء _ مَنْ ألف المؤلفات وخلف من العلم الواسع وعمره ليس بطويل ، كما ذكروا عن أبي بكر الحازمي أنه توفي وعمره خمس وثلاثون سنة ، وعنده المؤلفات العظيمة الكثيرة ، منها : "كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار"، ومنها : "شروط الأئمة الخمسة" ، وله كتب متعددة , قال عنه الذهبي لما ذكره في كتابه : "من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" : مات وعمره خمس وثلاثون سنة , مات شاباً طرياً , ومثله في المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمة الله عليه ، مات وعمره خمس وثلاثون سنة وعنده المؤلفات الواسعة نظماً ونثراً في الفقه وفي العقيدة وفي المصطلح وفي الحديث، وكذلك الإمام النووي له المؤلفات الواسعة ، منها "المجموع" ، وهو من أوسع كتب الفقه ، أي : من الكتب التي جمعت فقه الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ، فكتابه(المجموع شرح المهذب)، وكتاب المغني لابن قدامة من أوسع الكتب التي تعنى بالفقه وجمع كلام الفقهاء من صحابة وتابعين وغيرهم ، والمجموع هو كتاب واسع ، ولم يتمه ، وله المؤلفات الكثيرة الواسعة ، ومات وعمره خمس وأربعون سنة , وكذلك الإمام الشافعي مات وعمره أربع وخمسون سنة ، وكذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه معروف في فضله وفي علمه وفي عدله ، ومات وعمره أربعون سنة , فالحاصل أن العلم يُحَصَّل بالجد والاجتهاد ، والأمر كما قال يحيى بن أبي كثير اليمامي : لا يُسْتَطَاعُ العلم براحة الجسم )([16]) .






([1]) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يفتتح بها غالب خُطَبِه, وقد أخرج مسلم بعضها وهو : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله , أما بعد : ) "صحيح مسلم" (2/497) ح868 , ك : الجمعة , باب : تخفيف الصلاة والخطبة , وانظر تخريجها في جزء "خطبة الحاجة" للألباني , المكتب الإسلامي , بيروت , ط /1400هـ .

([2])البداية والنهاية (13 / 326)

([3]) "معجم المناهي اللفظية ومعه فوائد في الألفاظ للشيخ بكر أبو زيد (25 / 11 ) .

([4]) تسمية المولود ص25. للشيخ بكر أبو زيد

([5]) تسمية المولود ص25. للشيخ بكر أبو زيد .

([6]) صحيح البخاري (1 / 39) ح 71 .


([7]) البداية والنهاية (13 / 326) .

([8]) رواه مسلم (3 / 1255) ح 1631 .

([9]) قال الألباني : خرجه ابن ماجه (1 / 106) بإسناد حسن ، ورواه ابن خزيمة في (صحيحه) أيضا والبيهقي كما قال المنذري . "أحكام الجنائز" (ص177) .

([10]) سنن ابن ماجه (2 / 1373) ح 4102 , وقال الشيخ الألباني : صحيح .

([11]) "سنن النسائي" (4 / 207) ح 2381, وقال الشيخ الألباني : صحيح .

([12]) البداية والنهاية (13 / 326 _327) .

([13]) رواه أحمد في المسند (6 / 206) ح 25750, وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .

([14]) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (3 / 329) وقال :هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ,وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ( 5 / 229 ) ورجاله ثقات , وقال الألباني في ظلال الجنة (2 / 274) ( صحيح لغيره ) .

([15]) "الأعلام للزركلي"(8 / 149) .


([16]) "شرح سنن أبي داود" لعبد المحسن بن حمد العباد (3 /141_ 142) .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-25-2014, 10:29 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الثاني من شرح الأربعين وتتمة الخمسين

19 /11 الدرس الثاني :
بسم الله الرحمن الرحيم
أصل تأليف الأربعين النووية وبيان منزلتها :
أنه قد جمع العُلماء جموعاً من كلماتِه - صلى الله عليه وسلم – الجامِعَةِ , فقد أعطي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم وهو كما قال الزُّهري -رحمه الله-: جوامِعُ الكَلِم-فيما بَلَغَنَا- أنَّ اللهَ تعالى يجمع له الأُمورَ الكثيرةَ التي كانت تُكْتَبُ في الكُتب قبلَه في الأمرِ الواحدِ والأمرينِ ، ونحو ذلك([1]) .
وكان من العلماء الذين جمعوا بعض أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام الجامعة الحافظُ أبو عمرو بنُ الصَّلاحِ - رحمه الله – فقد أملى مجلساً سمَّاه " الأحاديث الكلّيَّة " جمع فيه الأحاديثَ الجوامعَ التي يُقال : إنَّ مدارَ الدِّين عليها ، وما كان في معناها مِنَ الكلمات الجامعةِ الوجيزةِ ، فاشتمل مجلسهُ هذا على ستَّةٍ وعشرين حديثاً , ثمَّ إنَّ الفقيهَ الإمامَ الزَّاهِدَ القُدوةَ أبا زكريا يحيى النَّوويَّ -رحمةُ اللهِ عليهِ- أخذَ هذه الأحاديثَ التي أملاها ابنُ الصَّلاحِ ، وزادَ عليها تمامَ اثنينِ وأربعينَ حديثاً ، وسمى كتابه بـ " الأربعين "، واشتهرت هذه الأربعون التي جمعها ، وكَثُرَ حفظُها ، ونفع الله بها ببركة نيَّة جامِعِها ، وحُسْنِ قصدِه - رحمه الله -([2]) .
ثم زاد على الأربعين النووية الحافظ الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ثمانية أحاديث كلية أيضا ، وعليها مدار فهم بعض الشريعة، فصارت خمسين حديثا ، وهي التي شرحها في كتابه المسمى "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم"([3]).
التأليف في الأربعينيات من الأحاديث النبوية :
إنَّ من الموضوعات التي ألَّف فيها العلماء في حديث رسول الله أحاديث الأربعين ، وهي جمع أربعين حديثاً من أحاديث رسول الله ؛ لحديث ورد في فضل حفظ أربعين حديثاً من أحاديث رسول الله ، ذكر النووي في مقدمة الأربعين له وروده عن تسعة من أصحاب رسول الله سمَّاهم .([4]) ولفظه كما أورده النووي _ رحمه الله _ في "مقدمته للأربعين" : عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله ابن مسعود ومعاذ بن جبل ، وأبي الدرداء ، وابن عمر ، وابن عباس ، وانس بن مالك وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيرات بروايات متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء " . وفي رواية: " بعثه الله فقيهاً عالماً " , وفي رواية أبي الدرداء : " وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً " , وفي رواية ابن مسعود قيل له : " أدخل من أي أبواب الجنة شئت " , وفي رواية ابن عمر " كُتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء " واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف على كثرت طرقه ([5]) , وذكر النووي _ رحمه الله _ أنَّ اعتمادَه في تأليف الأربعين ليس على ذلك الحديث الضعيف، بل على أحاديث أخرى، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (( ليبلِّغ الشاهد منكم الغائب ))([6]) ، وقوله: (( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ))([7]) الحديث .([8])
ولكن الذي اشتهر هو تأليف النووي ، فتأليفه هو الذي اشتهر من بين المؤلفات الكثيرة في الأربعين؛ وذلك لأن الأحاديث التي جمعها كلها من جوامع الكلم؛ لأن من العلماء من كان يجمع أربعين حديثاً في موضوع واحد، وأما النووي فقد جمعها واختارها من جوامع الكلم، وذكر اثنين وأربعين حديثاً، وزاد ابن رجب الحنبلي رحمه الله عليها ثمانية، وألف في شرحها كتابه الذي سماه : "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم "
, وهو من أحسن الكتب ومن أوضحها وأجمعها وأكثرها فوائد؛ لأنه شرح تلك الأحاديث الخمسين في مجلد كبير، وهو شرح نفيس، مشتمل على الآثار عن السلف، وعلى التحقيق في بعض المسائل؛ لأنه رحمه الله على منهج السلف وعلى طريقتهم، فشرحه نفيس جداً، لا سيما وهو مظنة لذكر الآثار([9]) .
بيان منزلة و أهمية الأربعين النووية والحث على دراستها :
قال النووي _ رحمه الله _ مبينا أهميتها : ( ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخُطب، وكلها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها , وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله ، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك ، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام أو ثلثه أو نحو ذلك , وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث، لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات وذلك ظاهر لمن تدبره، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة ) ([10]) .
فهذه الأحاديث تدور عليها أمور الدين ، فمنها ما يتصل بالإخلاص، ومنها ما هو في بيان الإسلام وأركانه، والإيمان وأركانه، ومنها ما هو في بيان الحلال والحرام، ومنها ما هو في بيان الآداب العامة، ومنها ما هو في بيان بعض صفات الله -جل وعلا- وهكذا في موضوعات الشريعة جميعا , فهذه الأحاديث الأربعون، وما يزيد عليها أيضا، فيها علم الدين كله، فما من مسألة من مسائل الدين إلا وهي موجودة في هذه الأحاديث من العقيدة، أو من الفقه، , فالعناية بها مهمة؛ لأن في فهمها فهم أصول الشريعة بعامة، وقواعد الدين، فإن منها الأحاديث التي تدور عليها الأحكام كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- مفصلا([11]).











([1]) أخرجه : البخاري 9/47 عقب الحديث ( 7013 ) تعليقاً .

([2]) "جامع العلوم والحكم" (2 / 5)

([3])" شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ"(1 / 4) .


([4]) "فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين" لعبد المحسن بن حمد العباد(1 / 2)

([5]) مقدمة النووي للأربعين , وقال الألباني رحمه الله : (تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة ليست قاعدة مضطردة - كما هو مشروح في علم المصطلح -، فكم من حديث كثرت طرقه، ومع ذلك ضعفه العلماء كحديث: "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ..." وغيره. "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (14 / 181) ح6575 .

([6]) صحيح البخاري (4 / 1599) ح 4144 .

([7] ) نن أبي داود (2 / 346) ح 3660 , قال الحاكم فيالمستدرك (1 / 86) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ , وقال الشيخ الألباني : صحيح .

([8]) "فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين" لعبد المحسن بن حمد العباد(1 / 2)

([9])"فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين" (28 / 257)

([10]) مقدمة النووي للأربعين .

([11]) " شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ"(1 / 4) .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-17-2015, 11:16 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الثالث :


5/12/1435
بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث الأول.. عَنْ عُمَرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال : سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه _ يقول : (( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امريء ما نوى فمن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ فهِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُوْلِهِ ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُها أو امرأةٍ يَنْكِحُهَا فهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليهِ )) . رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ ([1]) .
والكلام على هذا الحديث في مطالب ..
المطلب الأول مكانته وفضله .. اتَّفقَ العُلماءُ على صحَّته ، ومما يبين أهميته أنّ البخاريُّ رحمه الله بدأ به كتابَه" الصَّحيح "، إشارةً منه إلى أنَّ كلَّ عملٍ لا يُرادُ به وجهُ الله فهو باطلٌ ، ولهذا قال عبدُ الرَّحمانِ([2]) بنُ مهدي _ رحمه الله _: ( مَنْ أَرادَ أنْ يصنِّفَ كتاباً ، فليبدأ بحديثِ (( الأعمال بالنيات ))([3]) وهذا الحديثُ أحدُ الأحاديثِ التي يدُورُ الدِّين عليها.
فإذا هذا الحديث ؛ حديث الأعمال (( إنما الأعمال بالنيات)) : يحتاج إليه في كل شيء؛ يحتاج إليه في امتثال الأوامر، وفي اجتناب النواهي، وفي ترك المشتبهات، فالمسلم إمّا أن يفعل الأوامر أو يجتنب النواهي أو يقف أمام أمر مشتبه لا يدري أحرام هو أم مباح فيتركه وكل ذلك لا يكون صالحا إلا بالنية الصالحة ([4]) .
المطلب الثاني .. شرح الحديث الأول
المسألة الأولى في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنّما الأعمالُ بالنِّيَّات )) ، يقتضي الحصرَ على الصَّحيح ، فالمعنى : العمل الصحيح هو المحصور فيما توفرت فيه النية الصالحة , مثل قولك : إنما الرسول الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام , فختم الرسالة محصور في بالنبي عليه الصلاة والسلام فقط , ولا نبي بعده , كذلك الأعمال لا تكون صالحة إل بالنية الصحيحة الصالحة ([5]) .
المسألة الثانية ما معنى الأعمال بالنيات ؟ معناه النية شرط لصحة العمل وقبوله , ولا يحصل الأجر على العمل إلا بتوفر النية الصالحة([6]).
المسألة الثالثة ما معنى الأعمال في الحديث ؟ : هي العبادات بمختلف أنواعها سواء أقوال لسان مثل : قراءة القرآن , أو أعمال جوارح : مثل الصلاة , أو عمل قلب مثل : محبة الله تعالى , فكلها لا تكون صحيحة إلا بتوفر ووجود النية .
وأما العادات كالأكل والشرب والنوم فإنَّ صَاحبَها يُثاب عليه إذا نوى بها التقوِّي على الطاعة : كأن يأكل وينوي بأكله الاستعانة به على الصلاة ([7]).
المسألة الرابعة ما معنى النية في الحديث ؟ النيَّةَ في اللُّغة العربية القصد والإرادة ([8]) : تقول : نوى زيد مدينة الخرطوم : يعني قصدها وأرادها .
وأما النية في القرآن والسنة لها معنيان : أحدهما : النية المميزة : وهي تفرق بين العباداتِ المتشابهة في الصورة بعضها عن بعضٍ ، كتمييزِ صلاة الظُّهر مِنْ صلاةِ العصر فكلاهما في الظاهر أربع ركعات والقراءة سرا فلو أراد المسلم القضاء وجمع بينهما في القضاء في وقت واحد فالذي يميز بينهما النية ، وكذلك الصيام صورته واحدة فالذي يميز بين صوم الفرض والنفل هي النية فقط .
وكذلك النية المميزة تميز وتفرق بين العباداتِ و العادات ، كتمييز الغُسلِ من الجَنَابةِ مِنْ الغسل للتَّبرُّد والتَّنظُّف ، مثل من ذهب للبحر وغطس فيه فقد يغطس بنية العبادة وغسل الجنابة مثلا أو قد يغطس بنية إزالة الحرارة أو النظافة فالذي فرق بين الغسلين النية مع أن صورة الغطس واحدة .
والمعنى الثاني للنية : الإخلاص لله تعالى ، وتأتي في النصوص بلفظ الإرادة كثيراً ، كما في قوله تعالى : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ } آل عمران : 152، أو لفظ (( الابتغاء )) ، كما في قوله تعالى : { إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } الليل :20 ([9])
المسألة الخامسة ما المراد بالنيات في الحديث هل النية المميزة والنية بمعنى ألإخلاص ؟ بلى الحديث يشمل نوعي النية : فالعمل لا يكون صحيحا إلا إذا توفرت فيه النية المميزة له عن غيره إذا كان مشتبها بغيره , وكذلك لا يكون صحيحا إلا إذا توفرت فيه النية بمعنى الإخلاص لله تعالى([10]) .
المسألة السادسة معنى وإنما لكل امرئ ما نوى معناه لا يحصلُ له مِنْ عمله إلاّ ما نواه به ، فإنْ نَوى خيراً حصل له خير ، وإنْ نَوى به شرّاً حصل له شرٌّ ، ([11]) , وهذا يدل على أن العمل لا بد أن يكون خالصا لله -جل وعلا- حتى يكون مقبولا، ويؤجر عليه العبد، ([12]) .
المسألة الثامنة معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( فَمَنْ كانت هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِه ،فهجرتُهُ إلى الله ورسولِهِ ، وَمَنْ كانت هجرتُه إلى دنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ ينكِحُها ، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه :لما ذكر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الأعمالَ بحسبِ النِّيَّاتِ ، وأنَّ حظَّ العاملِ من عمله نيَّتُه مِنْ خيرٍ أو شرٍّ ، ذكر بعدَ ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي صُورتُها واحدةٌ ، فقد يهاجر رجلان وصورة هجرتهما في الظاهر واحدة ولكن الفارق بينهما النية فهذا أراد وجه الله وذاك أراد الدنيا .
وأصلُ الهجرةِ : هِجرانُ بلدِ الشِّرك ، والانتقالُ منه إلى دارِ الإسلام ، كما كانَ المهاجرونَ قَبلَ فتحِ مكَّة يُهاجرون منها إلى مدينة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وقد هاجرَ مَنْ هاجَرَ منهم قبلَ ذلك إلى أرض الحبشة إلى النَّجاشيِّ .
فأخبرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ هذه الهجرةَ تختلفُ باختلافِ النيات والمقاصدِ
بها ، فمن هاجَرَ إلى دار الإسلام حُبّاً لله ورسولِهِ ، ورغبةً في تعلُّم دينِ الإسلام ، وإظهارِ دينِه حيث كان يعجزُ عنه في دارِ الشِّركِ ، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقاً ، وكفاه شرفاً وفخراً أنَّه حصل له ما نواه من هجرتِهِ إلى الله ورسوله([13]) .
وأما معنى : فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله : أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا لم يُرِد إلا الدار الآخرة , فهجرته إلى الله ورسوله ثوابا وأجرا وسيجد الجزاء الأحسن عند الله عز وجل ([14]) .
ومن كانت هجرتُهُ لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها : يعني كانت هجرته من دارِ الشِّرك إلى دارِ الإسلام لطَلَبِ دُنيا يُصيبها كمن كان تاجرا ، أو امرأةٍ ينكِحُها في دارِ الإسلام ، فهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليه مِنْ ذلكَ ، ليس لهما أجر الهجرة .
وفي قوله : (( إلى ما هاجرَ إليه )) تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدُّنيا ، واستهانةٌ به ، حيث لم يذكره بلفظه([15]) فلم يقُل فهجرته إلى التجارة أو النكاح وذلك لأنه أنه لا ثواب له فيها ولا أجر، وقد يكون عليه فيها وزر([16]).
وسائر الأعمال كالهجرةِ في هذا المعنى ، فصلاحُها وفسادُها بحسب النِّيَّة الباعثَةِ عليها ، كالجهادِ والحجِّ وغيرهما([17]), فمن جاهد ليقال شجاع فهجرته إلى الشجاعة لا ثواب له فيها ومن حجّ البيت ليقال حاج فلان فهجرته لا ثواب له فيها .
المسألة التاسعة ما يُسْتَفَاد من الحديث 1 ـ أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها الصالحة وأنَّ ثواب العامل على عمله على حسب نيَّته. 3 ـ النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة 4- فضل الهجرة لتمثيل النَّبيِّ بها والهجرة معناها: الترك، هجر يعني: ترك، وهي ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام أو ترك بلد تظهر فيه البدعة إلى بلد لا تظهر فيه البدعة، وإنما تظهر فيه السنة، أو القسم الثالث: ترك بلد تظهر فيه الفواحش والمنكرات إلى بلد تقل فيه الفواحش والمنكرات ظهورا. 5ـ أنَّ الإنسانَ يُؤجرُ أو يؤزر أو يُحرم بحسب نيَّته لا بحسب الفعل فقطفلم ينتفع المنافقون بأعمالهم وذلك لذهاب نيتهم الصالحة. ففيه التحذير من إرادة الدنيا بعمل الآخرة .6 ـ أنَّ الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعةً إذا نوى به الإنسان خيراً، كالأكل والشرب إذا نوى به التقوِّي على العبادة. ومن جلس مع غيره وسامره وآنسه من غير باطل فيثاب على هذا المباح إن قصد مؤانسة أخيه المسلم وإدخال السرور عليه وهكذا. 7_ فوائد النية بالنسبة للأعمال : أ ـ تميز العبادة من العادة : مثل تميز غسل الجنابة عن غسل التبرد والتنظف .ب ـ تميز العبادات بعضها من بعض : مثل تميز صلاة الظهر عن صلاة العصر . ج ـ تميز المقصود بالعمل أهو الله وحده أم لا ؟ فهذا الحديث يمثل نصف الدِّين , لأنه ميز العبادات الباطنة وحديث عائشة رضي الله عنها" من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " نصف الدين , لأنه ميز العبادات الظاهرة. 8_ يدل الحديث على وجوب تعاهد النية والعناية بها ومعالجتها . 9_ النية الصادقة لابد لها أن تكون مع المتابعة حتى تقبل عند الله وهما شرطا قبول العمل .10 _ النية لا تكفي عن العمل فلا بد من وجود العمل إلا صاحب العذر كالصحابة الذين أرادوا الغزو مع رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يجدوا ما يركبوا عليه وهم البكاؤون . 11_ من أساليب التعليم : ذكر قاعدة ثم ذكر مثال يوضحها : ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة وهي : " إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر لها مثالاً يوضحها وهو " الهجرة " .12 _قال ابن المبارك : ( رب عمل كبير تصغره النية ) ودلالة ذلك من الحديث أن الرجل الذي هاجر قد عمل عملاً من أجلِّ الأعمال وهو الهجرة ، لكن صغر العمل وذهب أجره لفساد نيته .13 _التحذير من فتنة النساء لقوله ( أو امرأة .. ) وخصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر فقال " أو امرأة ينكحها " مع أنها داخلة في قوله " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " ففيه الإرشاد للحذر منها على وجه الخصوص .16_ الوساوس التي ترد على النية لا تؤثر عليها ما لم تغير أصل النية ، فالنية الفاسدة هي ما كانت بدايتها لغير الله أو أن صاحبها غير نيته بعد أن كانت صالحة وصرفها لغير الله تعالى ولذلك قال في شأن النية الفاسدة الباطلة " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " فأصل نيته إرادة الدنيا " لدنيا " ومن عرف هذا سلم الوساوس التي تفسد النية بإذن الله سبحانه .17_ دل الحديث على أن إخلاص النية لله ، وإرادة العمل وجه الله سهل المنال بإذن الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بهذا الحديث الأعرابي في باديته ، والعامي والجاهل ولم يخص أناساً دون غيرهم , لكن الشأن الصعب تصفية النية من الشوائب وكمالها وقوتها وصدقها وهذا موطن التفاضل ومن عرف هذه سهل عليه أن يحقق أصل النية ويسعى في كمالها لا كما يعتقد البعض أن تحقيق النية من الصعوبة بمكان ولا يستطيع عليه إلا القليل من الناس([18]).

([1]) أخرجه: البخاري 1/2 ح ( 1 ) ، ومسلم 6/48 ح( 1907 )

([2])الإِمَامُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَنْبَرِيُّ . "سير أعلام النبلاء" - (9 /192_ 193)

([3]) قول عبد الرحمان بن مهدي هذا ذكره الترمذي في " الجامع الكبير " عقيب حديث
( 1647 ) .

([4])شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ (1 / 6)

([5])انظر : شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ (1 / 6)

([6])شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ (1 / 7)

([7])شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ (1 / 7 _8)فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين (1 / 7)

([8]) انظر : كتاب العين : 996 ، والصحاح 6/2516 ، ولسان العرب 14/343


([9])جامع العلوم والحكم (3 / 11 _14)

([10]) شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ (1 / 9)

([11]) جامع العلوم والحكم (3 / 11)

([12])شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ - (1 / 10)

([13])جامع العلوم والحكم (3 / 21 _23)

([14])شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ (1 / 14 _15)

([15])جامع العلوم والحكم (3 / 21 _23)

([16])شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ - (1 / 15)

([17])جامع العلوم والحكم (3 / 21 _23)

([18]) انظر : فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 9) تعليقات تربوية على الأربعين النووية (1 / 1) الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - (1 / 1) : شرح الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله المؤلف : سليمان بن محمد اللهيميد(1 / 4)شرح الأربعين النووية صالح آل الشيخ - (1 / 15)شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية لابن دقيق العيد(1 / 6) .






رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:44 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.