أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
71780 85137

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-17-2013, 05:23 AM
أسامة أسامة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: غزة - فلسطين
المشاركات: 365
افتراضي حذارِ ذهاب العقول وغيابها في الفتن. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

حذارِ ذهاب العقول وغيابها في الفتن
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء:1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70، 71).
أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
إخواني في الدين! هذه كلماتٌ أعددتها من كتب السنة أُلقيها عليكم، وخطبةٌ أخص بها نفسي وأقصدُ نصيحتكم، وأنا بشرٌ معرَّض للخطأِ والصواب، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، فمن وجد صوابا فالحمد لله، ومن وجد خطأ فلا يشنع عليَّ، وليستغفر لي الرحمن الرحيم، فإنه غفور رحيم.
هذه الخطبة جعلتها بعنوان:
(حذار ذهاب العقول وغيابها في الفتن)
فأقول وبالله التوفيق:
إن الفتن تطلُّ علينا برؤوسها من هنا وهناك بين الحين والحين، ودخانها يظهر بين الفَيْنة والفَينة، وعقولُ أهلها تطير من رؤوسهم، وهي من قدرِ الله سبحانه وتعالى؛ فبها يُفتَضح المنافقون ويُحصدون، وبها يُمتحَنُ المؤمنون ويمحَّصون، وبها يمتازُ الخبيثون من الطيبين، ونتيجتُها يرتفع الصابرون عند ربهم درجات، ويهوي المشركون والظالمون في النار دركات، الفتنُ نارُ، يشعلُها شياطينُ الجن، ويحرِّكها السفهاءُ من شياطينُ الإنس ليلَ نهار، فحذارِ -أيها المؤمن- أن تكونَ من حطبِها ووقودها حذار.
لا تكن يا عبد الله! ممن زين لهم الشيطانُ في الأرضِ فأغواهم، بل كن عبدا من عباد الله الذين أخلصوا لله فأنجاهم. الشيطان أخذ على نفسه عهدا، وقطع عليها وعدا منذ خُلق آدم ليغرقنَّهم في الفتن، فـ{قالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (الحجر: 39، 40).
ألا واعلموا أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً». مسلم (2813). فـ«إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ، قَالَ: فَيَخْرُجُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ. وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ. فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَبَرَّهُمَا. وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ. فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيَجِيءُ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى زَنَى. فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ. فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ». صحيح ابن حبان (14/ 68، ح 6189)، الصحيحة (1280)
فتنٌ على المسلمين تتوالى، كلما جاءت فتنة هان على الناس ما قبلها، استمعوا إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: (هَذِهِ مُهْلِكَتِي)، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: (هَذِهِ هَذِهِ)، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ،...". مسلم (1844)
فتنٌ فيها العقول مُغَيَّبة، والأفهام ذاهلة، والآراء ضالَّة، فتن تجعل قارئ القرآن ينسلخ منه، ويحمله على غير معناه، فتنٌ تغرُّ حاملَ كتابِ الله فيكفِّر المسلمين ويستبيحُ دماءهم، فأين العقول؟ وأين العقلاء؟
فقد ثبت أَنَّ حُذَيْفَةَ =رضي الله تعالى عنه= قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ؛ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ، حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ»، قَالَ: قُلْتُ: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟) قَالَ: «بَلِ الرَّامِي». صحيح ابن حبان (1/ 281، ح 81)، حسنه في الصحيحة (3201)
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: (اتَّقُوا فِتْنَةَ الْعَابِدِ الْجَاهِلِ، وَالْعَالِمِ الْفَاجِرِ، فَإِنَّهُمَا فِتْنَتَانِ، يَفْتَتِنُ بِهِمَا كُلُّ مَفْتُونٍ). معجم ابن المقرئ (ص: 49، رقم 55)، وقَالَ: الْحَسَنُ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا الْعَالِمُ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهِلٍ». حلية الأولياء (9/ 24)
فتن في بدايتها أمن وأمان، وسهولة ويسر، وسلم وسلام، فلا يعرف خطرها إلا العالمون، وفي نهايتها الخراب والدمار، والقتل وسفك الدماء، وزهق أرواح الأبرياء، قَالَ أَبُو مُوسَى: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا»، قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْهَرْجُ؟) قَالَ: «الْقَتْلُ»، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ»، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا! تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ». سنن ابن ماجه (3959)
أين العقول؟ أين عقلُ من يبيعُ دينَه بدنيا زائلة، مالٍ أو منصب أو جاه أو شهوة، أو عَنْزٍ؟؟!!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». مسلم (118) [معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر]
وفي رواية: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: صَحِبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ أَقْوَامٌ خَلَاقَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرٍ، أَوْ بِعَرَضِ الدُّنْيَا".
قَالَ الْحَسَنُ: (وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ صُوَرًا وَلَا عُقُولَ، أَجْسَامًا وَلَا أَحْلَامَ، فَرَاشَ نَارٍ وَذِبَّانَ طَمَعٍ، يَغْدُونَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَيَرُوحُونَ بِدِرْهَمَيْنِ، يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دَيْنَهُ بِثَمَنِ الْعَنْزِ). مسند أحمد ط الرسالة (30/ 353، ح18404). (يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دَيْنَهُ بِثَمَنِ الْعَنْزِ) فأين عقول الناس؟ وأين عقلاء الناس؟ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: «هُمُ النَّاسُ، وَهُمُ النَّسْنَاسُ , وَأُنَاسٌ غُمِسُوا فِي مَاءِ النَّاسِ»، وقَالَ: «عُقُولُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ زَمَانِهِمْ» مصنف ابن أبي شيبة (7/ 178، رقم 35125، 35126)
أين العقول؟ وأين العقلاء؟ أين من يفكِّر؟ أين من يتدبَّر؟ أين من يتبصر؟! عندما يقود الناس ويلي أمرهم رويبضة؟
"إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ". قِيلَ: (وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ؟!) قَالَ: "السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ". مسند أحمد ط الرسالة (13/ 291، ح7912)
لقد دعا بعض الصحابة على نفسه بالطاعون عندما خاف الفتن، عَنْ عُلَيْمٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى سَطْحٍ مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَبْسًا الْغِفَارِيَّ، وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ عَبسٌ =رضي الله تعالى عنه=: (يَا طَاعُونُ خُذْنِي)، ثَلَاثًا يَقُولُهَا، فَقَالَ لَهُ عُلَيْمٌ: (لِمَ تَقُولُ هَذَا؟! أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ فَإِنَّهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَلَا يُرَدُّ فَيُسْتَعْتَبَ"!) فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا". مسند أحمد ط الرسالة (25/ 427، ح16040). (يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا) فأين العقول والعقلاء؟
عن أبي الزاهرية، قال: (إذا قُذِفَ قومٌ بفتنة؛ فلو كان فيهم أنبياء لافتُتِنوا، يُنزعُ من كلِّ ذي عقلٍ عقلُه، ومن كلِّ ذي رأيٍ رأيُه، ومن كلِّ ذي فهمٍ فهمُه، فيمكثون ما شاء الله، فإذا بدا لله ردَّ عليهم عقولَهم ورأيَهم وفهمَهم، فيتلهَّفوا على ما فاتهم)، وقال بقية: (على ما كان منهم). الفتن لنعيم بن حماد (1/ 64، ر قم 114)،
والمؤمن غير معصوم، تقعُ منه الزلة بعد الزلة، ويقع هو في الفتنة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ: الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ =الدنيا=، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَّنًا تَوَّابًا نَسِيًّا إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ". المعجم الكبير للطبراني (11/ 304، ح 11810)، صحيح الجامع الصغير (5735)، والصحيحة (2277). (مُفْتَّنًا) [بالتشديد أي ممتحنا يمتحنه الله بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتَّن: الممتحن الذي فُتِن كثيرا].
العقول في الفتن عند العقلاء، أتباعِ سنة النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»، مسلم (2948)، [المراد بالهرج هنا: الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه؛ أن الناسَ يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد] العقلاء، فيلجئون إلى العبادة. فأما السفهاء فيخوضون في الفتن، وينشغلون بها عن عبادة الله، فخسروا أيَّ خسران!!
أين العقول؟ والعقلاءُ؛ كيف يصدقون الدجالين الكذابين مثيري القلاقل والفتن؟ الذين حذرنا منهم دينُنا، «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ». مسلم (7).
أين العقول؟ والفتنُ تثار، ونيرانها تشتعل باستمرار، وفيها تجوز الصلاة خلفَ أئمةِ الفتن، ومن ليس بأهلٍ للإمامةِ والصلاة، أو في وجود الإمام وولي الأمر الشرعي، الذي لا تجوز الصلاة إلا بإذنه، دخل عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، -وَهُوَ مَحْصُورٌ- فَقَالَ: (إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، =أي ولي أمر المسلمين=، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ؟) =فهل نصلي خلفه أو نترك الجماعة؟ أو نصلي في بيوتنا؟= فَقَالَ:
«الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ». البخاري (695)، وأمرهم ألا يتركوا صلاة الجماعة في الفتنة؛ ولو خلفَ إمامٍ لا يرتضى، دفعا لزيادة الفتن.
العقلاء لا يشاركون في الفتن لئلاّ يصيبهم أذاها، ويَسْلموا من شرِّها وتَبِعاتِها، ويلزموا بيوتَهم، ويُكَسِّروا أسلحتَهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». البخاري (3601)
وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا. أَلَا؛ فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ". =أي ابتعدوا عن مسرحها واجتنبوا مكانها=. قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟) قَالَ: «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟) قَالَ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»، مُسلم (2887).
كل هذا فرارا بالدين من الفتن، ففي رواية: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» البخاري (19).
عافانا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتوبوا إلى الى واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛
الفتنة لا تُشاركْ فيها لا بلسان ولا بسلاح، وإن طَلب منك ذلك مسئولٌ أو قائد، فلا تطعْ فيها أحدا، قَالَتْ عُدَيْسَةُ بِنْتُ أُهْبَانَ: لَمَّا جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ =رضي الله تعالى عنه= هَاهُنَا الْبَصْرَةَ، دَخَلَ عَلَى أَبِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا مُسْلِمٍ! أَلَا تُعِينُنِي عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟) قَالَ: (بَلَى!) قَالَ: فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ، فَقَالَ: (يَا جَارِيَةُ! أَخْرِجِي سَيْفِي)، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ، فَسَلَّ مِنْهُ قَدْرَ شِبْرٍ، فَإِذَا هُوَ خَشَبٌ، فَقَالَ: (إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَّخِذُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ، فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ)، قَالَ: (لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ وَلَا فِي سَيْفِكَ). سنن ابن ماجه (3960).صحيح الجامع (760)، الصحيحة (1380)
عليٌّ رضي الله تعالى عنه يطلب من أحد رعيته مساعدته في قتال معاوية رضي الله تعالى عنه، فيعتذر إليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيقبل عذره، والحق مع علي رضي الله تعالى عنه. فأين عقول المسلمين والرسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلَمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ =أي البخل=، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ». قَالُوا: (وَمَا الْهَرْجُ؟) قَالَ: «الْقَتْلُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
من العاقل؟ ومن هو السعيد؟ الجواب في قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، مشكاة المصابيح (3/ 1488، ح 5405)
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله، فقد قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. (الأحزاب:56)
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الطاهرين، وعلى الصحابة الكرام الطيبين، ذوي القَدْرِ العليِّ، والمقامِ الجليِّ: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعلى سائر العشرة المبشرين، وكلِّ الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رُشْد، يُعز فيه أهل طاعتك، ويذلُّ فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء!
اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وانشر رحمتك على البلاد والعباد، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكِّس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء!
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، أنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين!
اللهم رحمتَك ولطفَك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى يا رب العالمين! اللهم امسح عَبْرَتهم، وسكِّن لوعتَهم، وفرِّج همَّهم، ونفِّس كربهم، وعجِّل فرجَهم، وقرِّب نصرَهم، وادحرْ عدوَّهم، وزد إيمانهم، وعظِّم يقينَهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادةً لهم ولنا في الإيمان واليقين، ولا تجعلْه فتنةً لنا لهم في الدين، واجعلْ لنا ولهم من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! واجعلِ اللهم هذا البلدَ آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، واصرف اللهمَّ عنا الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم احفظ أمنَنا، وأبدل معاصينا طاعات، وسيئاتنا حسنات، وفرقتنا وحدة، واختلافنا ألفة ورحمة.
اللهم اجعل مكان البدع سننا، ومكان الضلالة هدى، ومكان العيلة غنى، اللهم املأ قلوبنا سكينة وأمنا وأمانا، وتقوى وإيمانا، اللهم بارك لنا في أعمالنا وأرزاقنا وآجالنا، وأهلينا وأولادنا، وجيراننا وسائر المسلمين.
اللهم اجعل ذلك دائماً مستقراً مستمراً يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن توليَ علينا خيارَنا، وألاَّ توليَ علينا شرارَنا، اللهم احفظ مصر والشام وسائر بلاد الإسلام، واحفظنا معهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}. (العنكبوت: 45)
ألَّف بين جُمَلها، وجَمع من المظان: أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد.
الزعفران- المغازي- الوسطى- غزة.
9 شوال 1434 هلالية،
وفق: 16/ 8/ 2013 شمسية.
__________________
إن الدعوة السلفية دعوة بالحسنى، وليست حركةً حزبيَّة، دعوة لدين الإسلام دين السلم والسلام، والأمن والأمان، نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:36 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.