أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
15838 103800

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام > مقالات فضيلة الشيخ علي الحلبي -حفظه الله-

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-04-2010, 08:25 PM
علي بن حسن الحلبي علي بن حسن الحلبي غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,679
افتراضي تذكيرُ الكِرام، وتحذيرُ اللِّئام مِن القولِ بـ(اللاّزمِ) و(الإلزام)!!

تذكيرُ الكِرام، وتحذيرُ اللِّئام مِن القولِ بـ(اللاّزمِ) و(الإلزام)!!


... كثيرونَ -اليومَ- مَن (يُلزِمُونَ!) غيرَهُم بأقوالٍ لا يلتزمُونها! أو أحكامٍ لا يَقولونَ بها -بقواعدَ باطلة! وآراءٍ عاطلة!-...

وفي هذا مِن الظُّلْمِ والجُرأةِ عليهِ ما لا يعلمُ قدرَهُ إلاّ ربُّ العالمِين؛ فتراهُم -هداهُم الله- يُخطِّئونَ قولاً مِن قائل! أو مسألةً في كتابٍ! أو جُملةً مِن رسالةٍ! ثُمَّ يَبْنُونَ (!) على ذلك إلزامَ المُثنِي على الكتابِ، أو المُقِرّ بالرِّسالةِ، أو الناقل عن القائل -ولَو في جانبٍ جيِّدٍ مِن ذلك!- أنَّه قائلٌ (بكُلِّ) ما في هذه الرسالةِ! أو ذلك الكتاب -أو ذلك القائل- ممّا قد يكونُ فيه -أو عندَه- (بعضُ) الخطأِ، أو (شيءٌ) مِن الخَلَل!!!

فكيف الحالُ -إذن- إذا كانت تخطئتُهم -تلك- ليست لمسألةٍ صريحةِ الغَلَطِ، واضحةِ البُطلانِ، وإنَّما هي لعبارةٍ حمَّالةِ أوجُهٍ، أو مُجْمَلة مُبهمةٍ -في الكتابِ أو الرسالةِ-مثلاً-؛ فالأمرُ أنْكَى وأشدُّ؟!

والواجبُ الشرعيُّ العدلُ في مثلِ هذه الحالِ أنْ يُقالَ:
إذا قُصِدَ بهذه الكلمةِ كذا وكذا -مِن وُجوهِ الخَلَلِ-..؛ فهذا خطأٌ، وغلطٌ، و.. و..
وإذا قُصِدَ بها كذا وكذا -مِن وُجوهِ الصَّوابِ-؛ فهذا حقٌّ -مع الاحترازِ مِن الموافقةِ للمُجمَلِ منها-.

ورحِمَ اللهُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميَّةَ القائلَ في «الردِّ على البَكريِّ» (2/705):
«ولا يُشترطُ في العُلماءِ إذا تكلَّمُوا أنْ لا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ مِن ألفاظِهِم خلافَ مُرادِهِم!

بل ما زالَ النَّاسُ يَتَوَهَّمُونَ مِن أقوالِ النَّاسِ خِلافَ مُرادِهِم، ولا يقدحُ ذلك في المتكلِّمِين بالحقِّ».

أمَّا إطلاقُ الأحكامِ -جِزافاً-؛ بدونِ تفصيل، ومِن غيرِ تأصيل؛ فهذا سلوكٌ شائنٌ دخيل...

هذا إذا فَرَضْنَا (!) -جَدَلاً- أنَّ الثَّناءَ المُجْمَلَ يلزمُ منهُ قَبُولُ الغَلَطِ المُتضمَّنِ المُفصَّل!! وليس الأمرُ -يقيناً- كذلك!

فإذا بِنا -اليومَ- نسمعُ ونقرأُ:

فلانٌ أثْنَى على فُلانٍ.. إذَن هو قائلٌ بما عندَهُ مِن ضلالات!

وفُلانٌ مَدَحَ الرِّسالةَ الفُلانيَّةَ.. إذَن هو قائلٌ بما فيها مِن كُفريَّات!!

وفُلانٌ أقرَّ الكتابَ الفُلانيَّ.. إذَن هو قائلٌ بما فيه مِن انحرافات!!!

وكُلُّ هذا -هكذا- باطلٌ -جدًّا-...

ويزدادُ هذا السُّلوكُ بُطلاناً وفساداً إذا كان انتقائيًّا (!) بحيثُ لا يُحكَمُ به على (عبدٍ لله) -أوّل!-، بما يُحْكَمُ به -نفسِه- على (عبدٍ لله) -ثانٍ!-!!

وحينئذٍ؛ يعظُمُ البَلاء! وتشتدُّ اللأواء!!

إذ كُلُّ ذلك تحكُّمٌ في تحكُّم، وتَشَهٍّ في تَشَهٍّ، وهوىً في هَوىً -إلزاماً بما لا يلزم-!!

ولقد ذكَّرَنِي هذا التناقضُ -العريض المريض- الجامع بكلِّ إسفاف: بين الاعتساف والإرجاف! -بقصَّة ذلك الشيخ (غيرِ الفقيه!)؛ الذي أمَرَ (مُريديه) -وعَوَّدَهُم- على (احترامِهِ)، وتقديرِه: بشتَّى الصُّور، وكافَّة التصرُّفات؛ فكان مِن ذلك برمجتُهُ (!) لمُريدِيه -إذا (دخل) المجلسَ- أنْ (يُوَجّه) له كُلُّ واحدٍ منهُم -يوماً- حذاءَهُ! ويُغَيِّرَ اتِّجاهَهُ مِن جهةِ الدَّاخلِ مِن المجلسِ إلى جهةِ الخارجِ -منه-تسهيلاً على لُبْسِ الشيخِ حِذاءَهُ! وتيسيراً له بأنْ لا (يَتْعَبَ) في عكسِ تَوْجِيهِهِ مِن الدُّخولِ إلى الخُروجِ!!-!

فجاءَ (الشيخُ) -مرَّةً- فلمْ يجِد (حِذاءَهُ!) مُوجَّهاً إلى جِهةِ الخارجِ!! فقال -غاضِباً مُغضَباً-: أين التلميذ (الكافِر!) الذي عليه -اليوم- واجبُ تحويل الحذاء؟!»!

فقام التلميذُ المقصودُ -قائلاً-: هَأَنذا -يا شيخَنا-!

... ثم تجرَّأ (!) -على غيرِ عادةِ التَّلاميذ!- وكان ذكيًّا- قائلاً-: «ولكِنْ؛ لماذا حكمتَ عليَّ -شيخَنا- بالكُفْرِ؟!»!

فقال الشيخُ (غيرُ الفقيهِ) -بصراحةٍ!- شارِحاً-: «ألا تعلمُ -يا بُنَيَّ- أنَّ عدمَ احترامِكَ لشيخِك (!) هو عدمُ احترام لما يحملُهُ في صدرِهِ مِن عِلمٍ! وأنَّ عدمَ احترامِكَ لهذا العلمِ هو عدمُ احترام للقُرآنِ الكريمِ! وأنَّ عدمَ احترامِكَ للقُرآنِ الكريم فيه إهانةٌ لله -تعالى- والرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلم-! وأنَّ إهانةَ الله -تعالى-، والرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- كُفْرٌ! وأنَّ مَن فَعَلَ ذلك (!) فهو كافرٌ»!!!

... إنَّ أُسلوبَ (الإلزامِ) -المُمارَسَ حاليًّا بشكلٍ فظيع مُريع -وبين كثيرٍ مِن السلفيِّين -وللأسفِ الشَّديدِ -أسلوبٌ فاسدٌ شنيع، يُشبِهُ -إلى حدٍّ كبيرٍ جدًّا -تلك المهزلةَ النَّكْراءَ الجامعةَ بينَ (الشيخ) وحذائه! و(التلميذ) وذكائِهِ!!

إنَّ الإلزامَ (الصحيحَ) هو -فقط- ما يلتزمُهُ المُلزَمُ به، ويَقبَلُهُ، ويُقِرُّ به.

أمَّا إذا خالَفَهُ، ورَفَضَهُ، وردَّهُ؛ فهذا هو الإلزامُ المرفوضُ السَّيِّئُ القبيح، والباطلُ المُنكَر غيرُ الصحيح...

وَفِي كَلاَمِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي «مَجْمُوعِ الفَتَاوَى» (20/217) مَا يُبَيِّنُ أحكامَ مسألةِ (الإلزام) -تماماً-، وَيُوضِحُهُ؛ قَالَ:
«الصَّوَابُ: أَنَّ مَذْهَبَ الإِنْسَانِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَهُ إِذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ وَنَفَاهُ؛ كَانَتْ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ كَذِبًا عَلَيْهِ([1])...».


وقالَ -رحمهُ اللهُ- فِي (6/461) -مِنْهُ-:
«وَلاَزِمُ المَذْهَبِ لاَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا، بَلْ أَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ أَقْوَالاً وَلاَ يَلْتَزِمُونَ لَوَازِمَهَا...».

وَمِنْ ذَلِكَ -شَرْحًا، وَتَفْصِيلاً، وَتَأْصِيلاً -قَوْلُهُ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي «القَواعِدِ النُّورَانِيَّةِ الفِقْهِيَّةِ» (ص 127-130) -وهو في «مجموع الفتاوى» (29/40-44) -له -وإِنْ كانَ طويلاً -مع شيءٍ مِن الاختِصار-([2]):
«وَكَما أَنَّ العَالِمَ -مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَالأَئِمَّةِ- كَثِيرًا مَا يَكُونُ لَهُ فِي المَسْأَلَةِ الوَاحِدَةِ قَوْلاَنِ فِي وَقْتَيْنِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ فِي النَّوْعِ الواحِدِ مِنَ المِسَائِلِ قَوْلاَنِ فِي وَقْتَيْنِ، فَيُجِيبُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهَا بِجَوابٍ فِي وَقْتٍ، وَيُجِيبُ فِي بَعْضِ الأَفْرَادِ بِجَوَابٍ آخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ....

وَهَذَا الاخْتِلافُ فِي عَيْنِ المَسْأَلِةِ أَوْ نَوْعِهَا -مِنَ العِلْمِ- قَدْ يُسَمَّى تَنَاقُضًا
-أَيْضًا!-؛ لأَنَّ التَّنَاقُضَ اخْتِلاَفُ مَقَالَتَيْنِ بِالنَّفِي والإِثْبَاتِ....

وَلِهَذَا يُشَبِّهُ بَعْضُهُمْ تَعَارُضَ الاجْتِهَادَاتِ مِنَ العُلَمَاءِ بِالنَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ فِي شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ -مَعَ الفَرْقِ بَيْنَهُمَا-؛ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ ثَابِتٌ بِخِطَابِ حُكْمِ اللَّهِ: بَاطِنًا وَظَاهِرًا، بِخِلافِ أَحَدِ قَوْلَيِ العَالِمِ -المُتَنَاقِضَيْنِ!-.

هَذَا فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فِيمَا يَقُولُهُ([3])؛ مَعَ عِلْمِهِ بِتَقْوَاهُ، وَسُلُوكِهِ الطَّرِيقَ الرَّاشِدَ.
وَأَمَّا أَهْلُ الأَهْوَاءِ وَالخُصُومَاتِ(1)؛ فَهُمْ مَذْمُومُونَ فِي مُنَاقَضَاتِهِمْ؛ لأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلا حُسْنِ قَصْدٍ لِمَا يَجِبُ قَصْدُهُ.


* اللازمُ نوعان:
وَعَلَى هَذَا؛ فَلازِمُ قَوْلِ الإِنْسَانِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: لازِمُ قَوْلِهِ الحَقّ؛ فَهَذَا مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَهُ؛ فَإِنَّ لازِمَ الحَقِّ حَقٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنِ الْتِزَامِهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ.
وَكَثِيرٌ مِمَّا يُضِيفُهُ النَّاسُ إلَى مَذَاهَبِ الأَئِمَّةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ([4]).

وَالثَّانِي: لاَزِمُ قَوْلِهِ الَّذِي لَيْسَ بِحَقٍّ؛ فَهَذَا لاَ يَجِبُ الْتِزَامُهُ؛ إذْ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ! وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ التَّنَاقُضَ وَاقِعٌ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ غَيْرِ النَّبِيِّينَ([5]).

ثُمَّ إنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَلْتَزِمُهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ:
- فَقَدْ يُضَافُ إلَيْهِ.
- وَإِلاَّ؛ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ قَوْلٌ لَوْ ظَهَرَ لَهُ فَسَادُهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ([6])؛ لِكَوْنِهِ قَدْ قَالَ مَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ بِفَسَادِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَلاَ يَلْزَمُهُ.


* تفصيلٌ جيّد ماتعٌ:
وَهَذَا التَّفْصِيلُ -فِي اخْتِلافِ النَّاسِ فِي لاَزِمِ المَذْهَبِ: هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ، أَوْ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ؟- هُوَ أَجْوَدُ مِنْ إطْلاقِ أَحَدِهِمَا؛ فَمَا كَانَ مِنَ اللَّوَازِمِ يَرْضَاهُ القَائِلُ -بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُ-: فَهُوَ قَوْلُهُ، وَمَا لاَ يَرْضَاهُ: فَلَيْسَ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا([7]).

وَهُوَ الفَرْقُ بَيْنَ اللاَّزِمِ الَّذِي يَجِبُ الْتِزَامُهُ، مَعَ مَلْزُومِ اللاَّزِمِ الَّذِي يَجِبُ تَرْكُ الْمَلْزُومِ لِلُزُومِهِ.

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا؛ عُرِفَ الفَرْقُ بَيْنَ الوَاجِبِ([8]) مِنَ المَقَالاتِ، وَالوَاقِعِ(2) مِنْهَا.

وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي اللَّوَازِمِ الَّتِي لَمْ يُصَرِّحْ هُوَ بِعَدَمِ لُزُومِهَا.

فَأَمَّا إذَا نَفَى -هُوَ- اللُّزُومَ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ اللاَّزِمُ بِحَالٍ([9])؛ وَإِلاَّ: لأُضِيفَ إلَى كُلِّ عَالِمٍ مَا اعْتَقَدْنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ؛ لِكَوْنِهِ مُلْتَزِمًا لِرِسَالَتِهِ!

فَلَمَّا لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ مَا نَفَاهُ عَنِ الرَّسُولِ -وَإِنْ كَانَ لازِمًا لَهُ- ظَهَرَ الفَرْقُ بَيْنَ اللاَّزِمِ الَّذِي لَمْ يَنْفِهِ، وَاللاَّزِمِ الَّذِي نَفَاهُ.

وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نَصَّ عَلَى الحُكْمِ نَفْيُهُ لِلُزُومِ مَا يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنِ اجْتِهَادَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ.


* بين أهل العلم، وأهل الأهواء:
وَسَبَبُ الفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ وَأَهْلِ الأَهْوَاءِ -مَعَ وُجُودِ الاخْتِلافِ فِي قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا-: أَنَّ العَالِمَ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ حُسْنِ الْقَصْدِ وَالاجْتِهَادِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ فِي الظَّاهِرِ بِاعْتِقَادِ مَا قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا، لَكِنِ اعْتِقَادًا لَيْسَ بِيَقِينِيٍّ، كَمَا يُؤْمَرُ الحَاكِمُ بِتَصْدِيقِ الشَّاهِدَيْنِ ذَوَيِ الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَا فِي البَاطِنِ قَدْ أَخْطَآ أَوْ كَذَبَا، وَكَمَا يُؤْمَرُ المُفْتِي بِتَصْدِيقِ المُخْبِرِ العَدْلِ الضَّابِطِ، أَوْ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، فَيَعْتَقِدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الاعْتِقَادُ مُطَابِقًا.

فَالاعْتِقَادُ الْمَطْلُوبُ: هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ العِبَادُ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ فِي البَاطِنِ بِاعْتِقَادٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ -قَطُّ-.


* قصدُ الحقّ.. وسلوكُ سبيلِهِ:
فَإِذَا اعْتَقَدَ العَالِمُ([10]) اعْتِقَادَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ -فِي قَضِيَّةٍ-أَوْ قَضِيَّتَيْنِ- مَعَ قَصْدِهِ لِلْحَقِّ، وَاتِّبَاعِهِ لِمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ مِنَ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ؛ عُذِرَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ؛ وَهُوَ الْخَطَأُ المَرْفُوعُ عَنَّا.

بِخِلافِ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ(1)؛ فَإِنَّهُمْ {إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُوَيَجْزِمُونَ بِمَا يَقُولُونَهُ -بِالظَّنِّ وَالهَوَى- جَزْمًا لاَ يَقْبَلُ النَّقِيضَ! مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِجَزْمِهِ؛ فَيَعْتَقِدُونَ مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِاعْتِقَادِهِ -لاَ بَاطِنًا وَلاَ ظَاهِرًا-، وَيَقْصِدُونَ مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِقَصْدِهِ، وَيَجْتَهِدُونَ اجْتِهَادًا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ! فَلَمْ يَصْدُرْ عَنْهُمْ مِنَ الاجْتِهَادِ وَالقَصْدِ مَا يَقْتَضِي مَغْفِرَةَ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ!

فَكَانُوا ظَالِمِينَ -شَبَهًا بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ-، أَوْ جَاهِلِينَ -شَبَهًا بِالضَّالِّينَ-.
فَالْمُجْتَهِدُ -الاجْتِهَادَ العِلْمِيَّ المَحْضَ- لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ سِوَى الْحَقِّ، وَقَدْ سَلَكَ طَرِيقَهُ...

وَأَمَّا مُتَّبِعُ الهَوَى المَحْضِ؛ فَهُوَ: مَنْ يَعْلَمُ الحَقَّ وَيُعَانِدُ عَنْهُ...


* شُبْهة، وشَهْوة:
وَثَمَّ قِسْمٌ آخَرُ -وَهُوَ غَالِبُ النَّاسِ-؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ هَوًى فِيهِ شُبْهَةٌ؛ فَتَجْتَمِعُ الشَّهْوَةُ وَالشُّبْهَةُ([11])...

.. فَالمُجْتَهِدُ المَحْضُ مَغْفُورٌ لَهُ، أَوْ مَأْجُورٌ...
وَصَاحِبُ الهَوَى المَحْضِ مُسْتَوْجِبٌ لِلْعَذَابِ...
وَأَمَّا المُجْتَهِدُ الاجْتِهَادَ المُرَكَّبَ مِنْ شُبْهَةٍ وَهَوًى؛ فَهُوَ مُسِيءٌ...


.. وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى دَرَجَاتٍ، بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ، وَبِحَسَبِ الحَسَنَاتِ المَاحِيَةِ».


قلتُ:
هذا كلامُهُ -رحمهُ اللهُ-، وهو كلامٌ فَصلٌ -لمَن يعقلُ-...


وأَقُولُ -أخيراً-:
... مَعْذِرَةً -مِنْ إِخْوَانِنَا، وَ(مُخَالِفِينَا!)- عَلَى هَذِهِ الإِطَالَةِ الَّتِي لَمْ أَسْتَطِعْ تَرْكَهَا، أَوِ التَّخَلُّفَ عَنْهَا؛ حَتَّى يَفْهَمَ أكثرَ -مَنْ يفهمُ مِن (كريم أو لاَ يَفْهَمُ -مِن (لئيم) (!)-، بَلْ حتّى يَفْهَمَ مَنْ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَفْهَمَ -ممّن هو في الجهلِ قاعدٌ أو مُقيم-!!



لَعَلَّ.. وَعَسَى -يا رحمنُ يا رحيم-..

* * * * *

([1]) أفلا تعقلون؟! وربَّكم تتَّقون؟!

([2]) والعناوينُ الجانبيَّةُ -والحواشي- مِن إضافتِي...

([3]) تأمَّلْ وجوهَ التَّفريق؛ بالنَّظرِ العميق، والحُكمِ الدَّقيق.
نسألُ اللَّهَ -تعالى أَنْ يجعلنا أهلاً للتقوى، وعلى سَنَن الطريق الرّاشد، وسُلوك الصراط القويم...

([4]) ولا يُقالُ: تقوَّل، أو: حرَّف!

([5]) فَتَأَمَّلُوا -رَعَاكُمُ اللَّهُ-...

([6]) فَكَيْفَ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ (إِلْزَامٍ) -لاَ عَدْلَ فِيهِ- بكفريَّاتِ (وحدة الأديان)، أو ضلالات المُرجِئةِ، -وغيرِهِما- ممّا نَحْنُ مِنْهُ -وَاللَّهِ- أَبْرِيَاءُ، رُغْمَ تلكَ (الإِلْزَامَات) الواهيات، المَنْقُوضَةِ بِمَا يَرُدُّهَا مِنْ صَرِيحِ المقالاتِ والكَلِمَات...
... وَكُلُّ ذَلِكَ (اتِّكَاءً) عَلَى عِبَارَاتٍ مُوهِمَةٍ غَيْرِ صَرِيحَة، وَ(كَتْمًا) لِمَا يُنَاقِضُهَا مِنْ تَقْعِيدَاتٍ صَحِيحَةٍ فَصِيحة...
وَمَعَ ذَلِكَ أَقُولُ -فِي نَفْسِي (لي = وَغَيْرِي!)-: «وَأَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟!»!

([7]) أي: لَفْظِيًّا.
وَهَذَا لاَ يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ؛ حَاشَا النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ -كَمَا سبقَ مِن كلامِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ-؛ فَتَأَمَّلْ.

([8]) أين هذا الذي يعرفُ هذه الفروقَ الدقيقة؟!

([9]) اللَّهُ أَكْبَرُ.
فَقَارِنُوا -يَا عُقَلاَءُ!- وَاحْكُمُوا...

([10]) تأمَّلْ -أَيْضًا- تفريقَهُ الدقيقَ -هذا -رحمَهُ اللَّهُ-.

([11]) وَخُصُومُنَا (الإِسْلاَمِيُّون!!!) -حزبيِّين وتكفيريِّين؛ غُلاةً ومُتهاوِين! -وللأسَفِ- مِنْ هذَا الصِّنْفِ؛ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ!!
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-04-2010, 09:02 PM
عماد عبد القادر عماد عبد القادر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المملكة الأردنية الهاشمية
المشاركات: 3,334
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن حسن الحلبي الأثري مشاهدة المشاركة

ويزدادُ هذا السُّلوكُ بُطلاناً وفساداً إذا كان انتقائيًّا (!) بحيثُ لا يُحكَمُ به على (عبدٍ لله) -أوّل!-، بما يُحْكَمُ به -نفسِه- على (عبدٍ لله) -ثانٍ!-!!


وحينئذٍ؛ يعظُمُ البَلاء! وتشتدُّ اللأواء!!



كلا له حكمه ووضعه !!!!

بحسب القرب والبعد ....
.................
__________________


كما أننا أبرياء من التكفير المنفلت وكذلك أبرياء من التبديع المنفلت
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-04-2010, 09:32 PM
أحمد جمال أبوسيف أحمد جمال أبوسيف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,209
افتراضي

أحسن الله إليكم شيخنا
ومتعنا بكم
وكان الله لكم
مقال ماتع ولكن أين من يفهم؟؟!!!
__________________
{من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع}
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-05-2010, 12:39 AM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا على هذه المقالة العلمية التربوية ,
ونفع بكم الإسلام والمسلمين , وأعادك إلى أهلك سالما غانما .
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-05-2010, 12:57 AM
رضوان بن غلاب أبوسارية رضوان بن غلاب أبوسارية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر.العاصمة.الأبيار
المشاركات: 2,896
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله

اقتباس:
بَلْ حتّى يَفْهَمَ مَنْ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَفْهَمَ -ممّن هو في الجهلِ قاعدٌ أو مُقيم-!!

لَعَلَّ.. وَعَسَى -يا رحمنُ يا رحيم-..
صدقت شيخنا لعل وعسى يا رحمان يا رحيم اجمع كلمتنا ووحد صفوفنا وبارك في دعوتنا

حفظك الله يا شيخ ورعاك وزادك حلما
محبك ابوسارية
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-05-2010, 09:52 AM
قاسم بن عامر قاسم بن عامر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 117
افتراضي

شيخــــــــــــنا ،جزاك الله خيرا على الإفادة!!
__________________
عن عبدالله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:***الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى،ارحمـــوا من في الأرض يرحمكم من في السماء، والرحم شجنة من الرحمن،فمن وصلها وصله الله ،ومن قطعها قطعه الله***
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-05-2010, 05:12 PM
الليبي الأثري الليبي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 201
افتراضي

وَفِي كَلاَمِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي «مَجْمُوعِ الفَتَاوَى» (20/217) مَا يُبَيِّنُ أحكامَ مسألةِ (الإلزام) -تماماً-، وَيُوضِحُهُ؛ قَالَ:
«الصَّوَابُ: أَنَّ مَذْهَبَ الإِنْسَانِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَهُ إِذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ وَنَفَاهُ؛ كَانَتْ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ كَذِبًا عَلَيْهِ([1])...».



بوركتم شيخنا...
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-05-2010, 07:17 PM
أبو أنس أبو أنس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: جيجل -الجزائر
المشاركات: 180
افتراضي

أحسن الله إليكم شيخنا
ومتعنا بكم
وكان الله لكم
مقال ماتع ولكن أين من يفهم؟؟!!!
__________________
أبو أنس جمال الخطابي -الجيجلي-
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-06-2010, 02:49 AM
لؤي قريع لؤي قريع غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 50
افتراضي

اقتباس:
ويزدادُ هذا السُّلوكُ بُطلاناً وفساداً إذا كان انتقائيًّا (!) بحيثُ لا يُحكَمُ به على (عبدٍ لله) -أوّل!-، بما يُحْكَمُ به -نفسِه- على (عبدٍ لله) -ثانٍ!-!!
!!!!!!!!!!!!
الله المستعان
جزاك الله خيرا شيخنا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-06-2010, 10:57 PM
ابو الزبيرالموصلي ابو الزبيرالموصلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: العراق الموصل
المشاركات: 734
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا ونفع الله بك
رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:23 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.