أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
93654 89571

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الأخوات العام - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-20-2009, 10:56 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي الغــــــــــــيرة

الغيــــــــــــــرة
الجزء الأول (1)

‏23 /01‏ /1430 هـ.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : -

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله - تعالى - يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرةُ الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله) (متفق عليه). [صحيح الجامع 1901] و [مختصر مسلم 1930].

أثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفة الغيرة لله - تعالى -، ونحن نثبتها له - سبحانه - كما جاءت، وكما بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، ولا نفي، ولا تأويل باطل، فهو سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوما لأصحابه : (إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه، أشهدَ أربعا، فقام سعد بن معاذ متأثرا، فقال : يا رسول الله ! أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني أنتظر حتى أُشْهِدَ أربعا ؟! ، لا والذي بعثك بالحق !، إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحنّ بالرأس عن الجسد، ولأضربن بالسيف غير مصفَح، وليفعل الله بي ما يشاء، فقال - صلى الله عليه وسلم - ، أتعجبون من غيرة سعد !! واللهِ لأنا أغيرُ منه، والله أغيرُ مني، ومن أجل غيرة الله حرًم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة) (متفق عليه) انظر : [مشكاة المصابيح جـ 3 رقم 3309].

يغار سعد بن معاذ - رضي الله عنه – ورسول الله - صلى الله عليه وسلم – أغيّرُ منه، والله – تبارك وتعالى – أغيَرُ منهما، ومن أجل غيرة الله حرًم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

يغار الله - تبارك اسمه - على عباده أن ينتهكوا محارمه وقد بين لهم حدوده، ويغار - سبحانه - على عباده أن يكونوا عبيدا للمخلوقين، بأن يجعلوا له شركاء وهو خالقهم.

وما ارتقى الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - أجمعين أشرف المقامات، إلا باكتمال عبوديتهم لله - تبارك تعالى - وحده، وتوقفهم عند حدوده، وغيرتهم على دينه - سبحانه - ونبذهم لما سواه.
فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضوان عليهم - أجمعين، من أشد الناس غيرة على دينهم وأعراضهم.

فما الغـــــــــــيرة ؟ .


الغيرة :- هي شعور فطري في النفس الإنسانية ، ُخلُق، وعاطفة تنشأ من الحب الشديد للتملك، والأنانية، تبدو جلية عندما يشك العبد أو يخاف أن يؤخذ منه أو يتحوَل عنه من يحبّه ويرغب فيه، أو أن ينافسه أحد عليه.

الغيرة لها أوجه عدة، منها :


1. غيرة من الشيئ :- لحب الإستئثار بالمحبوب، يكره أن يزاحمه أحَدٌ عليه، ويخافُ أن يشاركه فيه، كغيرةٍ من محبة، وغيرةٍ من تفوق، بمنصب أو مال، أو جاه، أو جمال.
فترى الطفل بالفطرة يبكي، يغار إذا رأى أمه تحمل طفلاً غيره. ويغار أحد الأبناء لإهتمام الأب أو الأم بأخ آخر له. وتغار الأم على ابنها إذا تزوج وابتعد عنها قليلا. وتغار الأخت، والأخ، وتغار الزوجة، والزوج، وأبناء الزوج، وزوج الأم، وزوجة الأب، والأقارب، والجيران، والباعة في الأسواق، والأقران.

2. غيرة على الشيء : وهي شدة الحرص على المحبوب أن يفوز به الغير دونه، أو يشاركه في الفوز به، أو أن يسيء إليه. كالغيرة على الدين، والأعراض، والأوطان، والحرمات أن تنتهك أو يعبث بها العابثون.

3. غيرة محمودة، وغيرة مذمومة : فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (مِنَ الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يكره، فأما الذي يحب، فالغيرة في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة) [صحيح الجامع 5905].

كيف نفرق بين غيرة [الأنانية وحب التملك] وهي الغيرة العادية الموجودة بالفطرة، وغيرة [ما يحبه الله - تبارك وتعالى - وما يكرهه] - أي الغيرة في الريبة،والغيرة في غير الريبة -؟.

إن غيرة الفطرة إذا هُذبَتْ بالإيمان، والتقوى، وطاعة الله - تبارك وتعالى - دون تعدٍّ لحدوده وشرعه كانت : [غيرة محمودة] يُحبها الله - تعالى - ويرضى عنها، كغيرة المؤمن من شهوات نفسه على نفسه، وعلى قلبه، ومن إعراضه عن الحق على إقباله، ومن الصفات السيئة على الصفات الحسنة لديه.

وكذلك غيرة المؤمن مِنْ غيرهِ لِرَبّه : بأن يغضب لحدود الله، لمحارم الله – تعالى - إذا انتُهكَت، ولحقوقه - سبحانه - إذا تهاون بها الغير، إنها ـــ الغيرة المحمودة ـــ التي يُحبها الله - تبارك وتعالى - ويرضاها.

لأن الغيرة إذا تركت ولم تُهذّب وَتُصْقَل بالتربية الإيمانية، ترعرعت بأصحابها أمراض القلوب، كالكبر، والشح، والبخل، والغش، والغل، والغيبة، والنميمة، والتحسس، والتجسس، والحقد، والحسد، والشك، وسوء الظن، والظلم، والعقوق، واستبدلت أحكام الله - تبارك وتعالى - وشرائعه بالعصبية والأهواء، والتقليد الأعمى، كما هو واقع المسلمين في أيامنا !!.

وانقسمت الأمة شيعا، وأحزابا - [ ويقولون غيرة ] - أزهقت الأرواح، وقطعت الأرحام، وانتهكت الحرمات، وانتشرت الفواحش .

فأيـــــــــــــــــــــن الغـــــــــــــــــــــــيرة ؟؟.


إنها " غيرة بغير حق " إنها غيرة أنانية، وسوء خلق، وسوء اتباع ... إنها :

[ غيرة مذمومة ] يكرهها الله - سبحانه -، ذلك ما لم تكن [ غيرة مرضية ] تحتاج إلى علاج عند الأطباء، إلى جانب العلاج الإيماني.

4: - غيرة مرضية، وهي أنواع، أذكر منها :

1:- الغيرة العصابية : - إن للعوامل البيئية، كالحروب، والفقر، والكساد الإقتصادي، كذلك التربية غير الإيمانية أثر هام في هذه الغيرة المرضية المذمومة ، فالبُعد عن الرحمن، وكثرة الفسوق والعصيان، وعدم القناعة، وعدم الرضى بالقضاء والقدر، من الأسباب الرئيسية في الغيرة المرضية ، والأمــراض النفسيــة، والإضطرابات الشخصية، وذلك بسبب الفـــراغ الروحي، والجــزع، واليأس، والقنوط، والخوف على المستقبل.
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال : - (عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن اصابته سراء شكر وكان خيرا له، وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرا له) (صحيح) (رواه أحمد ومسلم عن صهيب - رضي الله عنه -) انظر : [الصحيحة 146] و [مختصر مسلم 2092].

2: - والغيرة الذهانية : - يظهر على المريض شك بعد ضعف، أو إحباط بعد تكرار فشل، ومثله ما يظهر على بعض الأزواج " الوهم المرضي الضلالي " وهو ما يسمى " بمرض ذهان الغيرة " أو "مرض عطيل ".

إذ أن عُطيل قــتل زوجته بعد عدة محاولات جنسية فشل فيها معها، فتخيل أنها تخونه، ولا تظهر على المريض أعراض عقلية أخرى. نسأل الله العافية والسلامة. ونحمد الله على نعمة الإسلام.

3 : - ويصاب بالغيرة المرضية، مرضى التهـابات الدماغ وأورامه، وعتًة الشيخوخة، والزهايمر، وبعض حالات التسمم بالرصاص، والإكتئــاب الدوري، والأمراض العصابية والعقـلية التي تشمل " الفصام الإختلالي "، وتحدث غالبا في سن متأخـرة.

4: - كذلك يصاب بالغيرة المرضية مدمني الكحول، ومن يتعاطى الحشيش، والمنشطات، يشعر أحدهم بالغيرة حين يثمل فقــط، وقد يتطور هذا الشعور ليصير عـادة تشتد بسرعة وتزداد، حتى تصبح غيرة مرضية، وقد تؤدي إلى العنف أو إلى ما لا تحمد عقباه.

هذه هي الغيرة المرضية، أما الغيرة العادية : فهي غريزة بشرية فطرية، قد تكون عند النساء والرجال على حد سواء، وقيل أنها في النساء أشد.

وعلى كل حال لا ينبغي إطلاق العنان لها ــ [إفراطا وتفريطا]، بل يجب أن توزن بميزان الشرع الذي جاء من لدن حكيم عليم، وأن يراعي العبد فيها الأدب مع الله - تبارك وتعالى -، فلا يحلّ حراما، ولا يحرمُ حلالا، ولا يتعدى حدودا.

إن الغيرة إن وجدت بشكل لا يطاق، كانت [غيرة مذمومة] لا يطيب معها عيش ولا يهدأ بها بال.

يغار أصحابها غيرةً عمياءً ــ وأحياناً حقداً وحسدا ــ فيعينونَ على فراق أزواج، وعقوق آباء، وقطع أرحام، وحرمان ميراث، وشهادة زور، وضياع حقوق، وانتهاك حرمات.

ولشدة غيرتهم، منهم من يذهبون إلى العرافين والدجالين، يرضون حاجة في أنفسهم، أو غلاً في صدورهم، لا يهمهم إن وقعوا في حبال الشرك وخسروا الدنيا والآخرة.
قال الله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة ــ 8] .

ملامح شخصية الغيور " غيرة مذمومة " :


1: - إحساس داخلي بالنقص، وضعف القــدرة والكفاءة.
2: - تضارب بين الطموحات، والقدرة على إنجازاتها.
3: - حساسية مفرطة، يصحبها قلق، وسوء ظن، وشك.
4: - اتباع الهوى، والتقليل من شأن الآخرين، واتهامهم بعدم الفهم والتقدير، بسبب الأنانية .
5: - المبالغة في الإعجاب بالنفس وتقييمها بعيدا عن حقيقتها.
6: - إلقاء اللوم على الآخرين عند الفشل والإحباط، فإن لم يستطع، أحال الأمر للمسّ، والسّحر، والحسد .
7: - سُرعة الغضب، وعدم تمالك النفس، والعجـلة، وعدم الأناة والتثبت.
وقد قُتلت أختٌ بسبب قذف عِرْضٍ تبيَن فيما بعد أنها منه بريئة !!.
وطلقت أخرى ظلماً، لزيارة أخ لها في الرضاع، لم يقتنع زوجها بهذه الأخوة !!.

تقول أخت : يغار عليَ زوجي من الأهل، والأرحام، حتى من الأبناء !!.

وكم من بيت نُقِضَت أركانُهُ فتهاوى لمَكيدة الآباء والأمهات، والأبناء، والبنات، والإخوة، وزوجات الإخوة، والضرائر، وحتى الأخوات، وغيرهم بسبب الغيرة ؟؟!! .

ناهيك عن غيرة الكثير من النساء على الأزواج، يتزوج الرجل، فإذا بزوجه المصون تغار عليه من أمه، وأخته ، بل من جنس النساء.

ومنهن من تعتبر السيارة بمثابة الضرة لها فتغار منها، وتغار كذلك من الأصحاب، والعمل، والهواية، والقراءة، والكتابة، والدعوة، لأنها تعتبر أن كل ذلك يشغل زوجها عنها، ويصرفه عن حقها.

تقول أخت : بالكاد أرى زوجي أنا وأبنائي، إنه غارق في عمله، وسفره ، فهل الحياة الزوجية والأبوة مادة فقط ؟؟ أين الجانب الروحي فيها ؟؟.

وتقول أخرى : بالكاد ينفق زوجي على أهل بيته، يقتّر عليهم تقتيرا، أمّا الغرباء والأصحاب، فينفق عليهم بغير حساب، فمن الأوْلى ؟؟.

وتقول أخرى : إذا حان موعد عودة زوجي إلى البيت، كان الجميع في حالة استنفار، بسبب الرعب القادم ! ضَرْب، شَتم، تَحقير، تأنيب، وَعُبوس، لا يَجْرُؤ أحد أن ينبس ببنتِ شفه !.
أما مع الغير، فيتعامل معهم بحسن خلق، " طيب، ولطف، وبشاشة "، نحسدهم عليها !! فمن الأوْلى ؟.

وهذا ما يُعاني منه كثيرٌ من الأزواج أيضا، ويقولون من الأوْلى ؟؟.

يقول أحدهم : - تتفانى كثير من النساء في أداء العمل إن كانت موظفة، وأما حق الزوج، والبيت، والأبناء، فتعده أمراً ثانوياً في قائمة اهتماماتها، ناهيك عن الشكوى والتذمر والتسخط . فمن الأوْلى ؟؟.

ويقول آخر : - مِنْهُنّ من تَتزَيّن للعمل، للصديقات، للشارع، للأسواق، إلا للزوج ... فلا !! فمن الأوْلى ؟؟.

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره) (حديث صحيح) انظر : [السلسلة الصحيحة 1838].
فإن ذكّرها الزوج بالله لمخالفاتها الشرعية، أو أنكر عليها، أو منعها، اتهمته بالتسلط والتخلف، أو بالغيرة من تفوقها، أو بالخيانة وَتَحَوَلِ قلبِهِ عنها.

وقد تتسع دائرة الخلاف بينهما، لتنهارَ لَبنَةٌ مِن لبنات المجتمع، والضحية للأسف هم " الأبناء ".

فينبغي على كلا الزوجين أن يزن الأمور بميزان التقوى، والمودة، والرحمة، فيما بينهما، فيراعي كل منهما مشاعر شريكه، ويعرف حقَه عليه، ويسارع إلى تهيئة أسباب الراحة، والسعادة، والطمأنينة، والهدوء النفسي، وتحقيق الرغبات لديه، ما دامت في طاعة الله - تبارك وتعالى -.
وألاَ ينصرف كل منهما بمشاغله عن أهل بيته، فينمو الشعور بالإهمال والحرمان، والحزن، والقلق، ويؤجج نيران الغيرة والشك في القلوب.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ فقلت : بلى يا رسول الله، قال : صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينيك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وفي رواية [وإن لزورك عليك حقا] وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإنّ لك بكل حسنة عشرُ أمثالها، فإذَنْ ذلك صيام الدهر كله) قال : إني أجَدُ قُوّة، قال : (فصم صيام نبي الله داود، ولا تزد عليه، نصف الدهر) فكان عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - يقول بعدما كبر : [يا ليتني قَبِلتُ رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (متفق عليه).

من محاضرات الملتقى الأسري للجنة النسائية بمركز الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -.

بقلم وتقديم : أم عبدالله ــ نجلاء الصالح


يُتبع - إن شاء الله تعالى -
______


(1): [نشر الجزء الأول هذه المحاضرة في مجلة الأصالة عدد رقم 50].
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-23-2011, 01:01 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي الغيــــــــــــــرة - الجزء الثاني -

الغيــــــــــــــرة
الجزء الثاني (1)

‏23 /01‏ /1430 هـ.

لقد كانت الغيرة موجودة حتى في بيت النبوة، بين نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فها هي أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها -، لما انقضت عدتها من أبي سلمة - رضي الله عنه -، أرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبها، فقالت إن لي بنتا وأنا امرأة غيور ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أما إبنتها فندعو الله أن يُغنيها عنها، وأدعو الله ان يَذهب بالغيرة) صحيح رواه مسلم [3/918].

وكانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من أحبّ نساءِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، وأشدّهِنّ غيرة، لكنها لم تمنَعْهُ بحبها له حقاً مَنَحَهُ الله - تعالى - إياه، أو شرعاً أدَاه .

ولقد أهدته إحدى زوجاته - صلى الله عليه وسلم - إناءً به طعام في يوم عائشة - رضي الله عنهن - فألقته فكسرته، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (طعام بطعام، وإناء بإناء) [صحيح الجامع 3911].
وفي رواية : (طعام كطعامها، وإناء كإنائها) [صحيح الجامع 3912].

وقد قالت - رضي الله عنها - : ( ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجه - رضي الله عنها -، وما رأيتُها قط، ولكن كان يُكثِر ذِكرَها ، وَرُبما ذبح الشاة ثمَ يقطعها أعضاءً ثمَ يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ؟ فيقول : إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد) (متفق عليه).
وفي رواية: قالت - رضي الله عنها - : فأغضبتُهُ يوماً فقلت : خديجة ؟ فقال : إني رزقت حبها) [مختصر صحيح مسلم 1672].
وعنها أيضا - رضي الله عنها - قالت : (استأذنَتْ هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك، فقال : " اللهم هالة بنت خويلد "، فغرت. فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها) [مختصر مسلم 1674].

قال شيخنا الألباني يرحمه الله - تعالى - في التعليق على الحديث : زاد أحمد في رواية : ( قالت : فتمعر وَجْهُهُ تمعراً ما كنت أراهُ إلا عند نزول الوحي، أو عند المخيلة، حتى ينظر أرحمةٌ أم عذاب) [وإسناده على شرط مسلم].
وفي رواية أخرى له قال : (ما أبدلني الله - عزّ وجلّ - خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بيَ الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزفني الله - عز وجل - منها ولدها إذ حرمني أولاد النساء).
وفي رواية أخرى له وللطبراني ذكرها الحافظ في الفتح (7/ 107 ) من طريق نجيح عنها بلفظ : (فغضب حتى قلت : والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير) [مختصر صحيح مسلم صفحة : 445 - الحاشية -].

وعنها - رضي الله عنها - أنها قالت : قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حسبك من صفية كذا وكذا ".
[ قال بعض الرواة : تعني قصيرة ] فقال - صلى الله عليه وسلم - : (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) [صحيح الجامع 5140].

الله أكبر!! كلمة " قصيرة "، لو مزجت بماء البحر لمزجته، فكيف بكلام كثير من الناس في زماننا هذا، وما الذي سيمزجه ؟؟.
رحمــــــــــــــاك ربي !

أما لنا في حُسْن عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعشرته، وتوجيهه، وفي حُسْنِ خلق أمّهات المؤمنين والصحب الكرام - رضوان الله عليهم - أجمعين أسوة حسنة ؟؟ .

أخي في الله ... أختاه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما تحابَ رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله - عز وجل - أشدهما حباً لصاحبه) (حديث صحيح) انظر : [الصحيحة 450].
وعنه - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما تحاب إثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه) (حديث صحيح) انظر : [صحيح الجامع 5594].

إنها دعوة إلى سباق ... سباق محبة في الله - عز وجل -، لننال محبته - سبحانه -، سباق إلى الأفضل، سباق إلى سعادة الدارين : الدنيا والآخرة مع من نحبهم في الله، وبالذات مع الأزواج، لأن الغيرة فيهم وعليهم أشدّ.
فما أجمل أن يجمع بين الزوجين حبٌ في الله ، إلى جانب المودة والرحمة !!.

إنها سعادة الدنيا : بالتوافق، والإنسجام، وراحة النفس، والطمأنينة والقناعة، والرضا والتسليم لأمره، والمسابقة إلى الخيرات بإذنه، وتقديم محبة الله ورسوله على الأهواء والشهوات، واغتنام الأوقات سوياً في الطاعات، فذلك خيرٌ من ضياعِهِ هدراً بالمشــاكل والخلافــات.
وسعادة الآخرة : لقوله تعالى : {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ۝ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [سورة يس 55 ـ 56].

إن المحبة فضل من الله - تبارك وتعالى - يؤتيه من يشاء من عباده، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، قد تتحول بكثرة المشاكل، والصدَ، والعناد، والعتاب، والبعد عن المنهج الرباني القويم الذي ارتضاه - سبحانه -، مما يحمل الطرف الآخر على البحث عن المودة، والرحمة ، والراحة، ليسكن إليها.

أختــــــــاه ! فلنتق الله في أنفسنا ... فلنتق الله في أزواجنا ... فلنتق الله في أبناءنا ... ولنتق الله فيمن نحب !!.

نعم نغار ... نغار عليهم من نسمةِ هواءٍ تؤذيهم، ومن أيّ عملٍ يُرْديهم !! .

نعم نغار ... لكن ليس بالقدر الذي يجعلنا كالطوْق حول أعناقهم، يتمنون زواله !!.

نعم نغار ... لكن لا ينبغي أن نمنعهم حقاً منحَهُم الله - تعالى - إياه، بل نرضى ونسلم لقضاه !!.

ونسأل الله - تعالى - أن لا يجعلنا ممن قال - سبحانه - فيهم : {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [سورة البقرة 85 - 86].

إن المحبــّــة لا تأتي بفرض الذات، ولا بالسّيطرة وحب التملك، ولا يُسعى إليها بالمعاصي، والظلم، والشعوذة والتعاليق والحجب، بل إن ذلك كله من أهم أسباب زوالها.

فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما تواد إثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما) (حديث صحيح) انظر : [صحيح الجامع 5603].

أخي في الله ... أختـــــــــاه : - إنَ فاقد الشيء لا يُعطيه، فكونوا على ثقة بأنفسكم، وامنحوا الكثير من المحبـــــة والثقـــــــة لمن حولكم، تجدونهم أكثر لكم حبا، وأشد بكم تمسكا.
كونوا عوناً لهم على طاعة الله، وتقوى الله، ومحبة الله وما والاه.

وادعوا الله - تعالى - أن يجمعكم بهم مع المتحابين في جلاله، وأن يظلكم يظله يوم لا ظل إلا ظله.
وتذكروا قوله - تعالى - : {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [سورة الزخرف 67 ].
وقوله - تعالى - : {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ۝ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [سورة عبس 32 – 37].

وعليكم بالغيرة المحمودة، إذ أنها خاصية النفوس الشريفة الزكية، التي زُيّنتْ بتقوى الله - تعالى - والرّضى بقضاه، وَهُذّبَتْ بالأخلاق الكريمة، وَنُقيتْ من الأخلاق الذميمة، وَتَوَقّفَتْ عند حدود الله ابتغاء مرضاة الله - سبحانه -، " توحيداً واتباعا ".

إن الغيرة على الأعراض في الجاهلية، كانت تعد من مكارم الأخلاق، نشبت بسببها حروب، وغزوات، ووئدت بنات، غيرة عليهن !، خشية وقوعهنّ بالفاحشة إن كبرن، وما قد يُلحِقنَ بأهليهنّ من عار !!.

وبعد أن منَ الله علينا بالإسلام حرّم وأد البنات، وحث على حفظ الحقوق، ودرء المفاسد، وَحَرّم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وشرع الجهاد بشروطه، لتصان النفس والدين، ويصان العرض والأرض، ومن قتل دون ذلك نال الشهادة.

فعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) صحيح رواه : (أحمد) انظر : [صحيح الجامع 6445].

فما بال المسلمين في أيامنا ؟؟غارت الغيرة من نفوسهم، وذهب الحياء، فذهب ماء الوجوه وبهاؤها، إلا ما رحم ربي .

من النساء من تغار من الكافرات والمتبرجات، فتقلدهن تقليدا أعمى، في اللباس، والتسريحة، والمشية، والكلام وفي السلوك، والأخلاق، فكثر التبرج، والإختلاط، والسفور، والفسق، والفجور. نسأل الله العافية .

وللأسف لحقَ بهنّ ــ أشباه الرجال ــ يَحثون المسير نحو متاع دنيوي زائل، ويضعون أمر الدين جانبا، يجاهرون بالمعاصي ... أغان ساقطة، وأفلام هابطة، وملابس خليعة، ومناظر ومسامع يندى لها الجبين، ثم ... يحمد الله أصحابها على توفيقه !!.

الله أكبر !! لقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

يشقى أحدهم بحياته ، ويُشقي من حوله !! يغضب، يثور، يضرب، وقد يُطلق لأتفه الأسباب، ولا يغار ، ولا يحرك ساكناً إذا شَتَمَ أو سَمِعَ من يَشْتِم الذات الإلهية، أو الدين !! .

وآخر لا يُحَرّكُ ساكناً إذا رأى أخته، أو زوجته أوابنته، متبرجةً كاسيةً عارية، في المجالس المختلطة، أو أماكن العمل، واللهو، والأسواق. وقد يدفعهُنّ إلى الخبث هو بنفسه، ليكنّ سلعاً رخيصةً لتحقيق متاعٍ زائل !! .

يتنحى جانباً ليدَعَ مَحارمَهُ، يخلون مع غير ذي محرم منهن، أو يسافرن بلا محرم، ولا يَرى في ذلك بأسا !! . فهل يأمَن عليهنّ من شياطين الإنس والجن ؟؟ أم على قلوب أقفالها ؟؟.

فعن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) (صحيح) (رواه الترمذي) انظر : [مشكاة المصابيح جـ 2 رقم 3118].

وفي رواية :- (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال : (انطلق فحُجّ مع امرأتك) (متفق عليه). انظر : [مشكاة المصابيح جـ 2 رقم 2513].

لقد قدّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفر الصحابي مع امرأته ليكون مُحْرَما لها في سفرها إلى الحج، على الجهاد في سبيل الله !! ألا ليت قومي يعتبرون !.

قال شيخنا الألباني رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مأواه : (ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لإبنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي، ثمَ يأبى أن يراها الخاطب في دارها وبين أهلها بثياب الشارع ! وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لايغارون على بناتهم – تقليدا منهم لأسيادهم - الأوروبيين – فيسمحون للمصوّر أن يصوّرهنّ وهنّ سافرات سفورا غير مشروع، والمُصوّر رجل أجنبي عنهم، وقد يكون كافرا، ثم يقدّمن صورهن إلى بعض الشبان، بزعم أنهم يريدون خطبتهن، ثم ينتهي الأمر على غير خطبة، وتظلّ صوَر بناتهم معهم ليتغزلوا بها، وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها، ألا فتعساً للآباء الذين لا يغارون، وإنا لله وإنا إليه راجعون ) انتهى كلامه. انظر : [السلسلة الصحيحة1/ 208 - 209 رقم 99].

لقد ذم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الديوث الذي تبلَدت أحاسيسه ، يَرى الخَبَثَ في أهل بيتِهََ فيقرّه ولا يغار عليهم، وَتَوَعًدَهُ الوعيدَ الشديد بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا، الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر) (صحيح) رواه الطبراني في الكبير عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه -. [صحيح الجامع 3062].
وفي رواية :- (ثلاثة لايدخلون الجنة : العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء) صحيح رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر - رضي عنهما - . [صحيح الجامع 3063].

احترام غيرة الآخرين

إنه لخلق جميل علمنا إياه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ، ألا وهو احترام مشاعر الآخرين باحترام غيرتهم، ومنه احترام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغيرة الصحابة - رضي الله عنهم- ، ولنا فيهم أسوة حسنة .
فعن جابر- رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفاً من أمامي، فقلت : مَنْ هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال، ورأيت قصراً أبيض بفنائِهِ جارية، فقلتُ : لمن هذا القصر ؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك فقال عمر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! أوَ عليكَ أغار ) (متفق عليه).
وقد أخرجه مسلم من وجه آخر مختصرا. انظر : [الصحيحة 1405] و [صحيح الجامع رقم: 3478].

وكذلك احترام أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها وعن أبيها - ، لغيرة زوجها الزبير - رضي الله عنه -، فقد قالت : (جئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثمَ قال : إخ إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرتُ الزبيرَ وغيرَتَهُ، وكان أغيرَ الناس، فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَي قد استحييت فمضى) (متفق عليه).

إنه الحياء... شعبة من شعب الإيمان ، إنه الحياء.... لا يأت إلا بخير ، ذكَرتْ غيرةَ زوجها - رضي الله عنه -، فحفِظتْهُ في الغيب والشهادة - رضي الله عنها وأرضاها -.

اللهم ثبت الإيمان في قلوبنا، وفقهنا في ديننا، وردّنا إليك رداً جميلا.

من محاضرات الملتقى الأسري بمركز الإمام الألباني - رحمه الله تعالى - .


بقلم وتقديم : أم عبدالله ــ نجلاء الصالح

______

(1): [نشر الجزء الثاني من هذه المحاضرة في مجلة الأصالة رقم العدد 51].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-23-2011, 07:45 AM
ام البراء ام البراء غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 952
افتراضي

سلمت يمينك أمي الفاضلة أم عبدالله..وجزاك الله كل خير على بحثك الطيب..وأسأل الله أن يُخلقنا بأخلاق سلفنا الصالح ويعفو عن زللنا وخطئنا..
ولو تكرمت أمي الطيبة..هلا شرحت لنا حديث ((إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه، أشهدَ أربعا، فقام سعد بن معاذ متأثرا، فقال : يا رسول الله ! أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني أنتظر حتى أُشْهِدَ أربعا ؟! ، لا والذي بعثك بالحق !، إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحنّ بالرأس عن الجسد، ولأضربن بالسيف غير مصفَح، وليفعل الله بي ما يشاء، فقال - صلى الله عليه وسلم - ، أتعجبون من غيرة سعد !!...)
فظاهر الحديث أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أثنى على سعد-رضي الله عنه-لغيرته ولم يُنكر عليه،لكن أشكل علي قوله -رضي الله عنه-:(لا والذي بعثك بالحق.....وليفعل الله بي ما يشاء).
جزاك الله كل خير ونفع بك ولا حُرمنا من دررك.
__________________
زوجة أبي الحارث باسم خلف
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-06-2011, 07:11 PM
أم عبدالله الأثرية أم عبدالله الأثرية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 729
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام البراء مشاهدة المشاركة
سلمت يمينك أمي الفاضلة أم عبدالله..وجزاك الله كل خير على بحثك الطيب..وأسأل الله أن يُخلقنا بأخلاق سلفنا الصالح ويعفو عن زللنا وخطئنا..
ولو تكرمت أمي الطيبة..هلا شرحت لنا حديث ((إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه، أشهدَ أربعا، فقام سعد بن معاذ متأثرا، فقال : يا رسول الله ! أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني أنتظر حتى أُشْهِدَ أربعا ؟! ، لا والذي بعثك بالحق !، إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحنّ بالرأس عن الجسد، ولأضربن بالسيف غير مصفَح، وليفعل الله بي ما يشاء، فقال - صلى الله عليه وسلم - ، أتعجبون من غيرة سعد !!...)
فظاهر الحديث أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أثنى على سعد-رضي الله عنه-لغيرته ولم يُنكر عليه،لكن أشكل علي قوله -رضي الله عنه-:(لا والذي بعثك بالحق.....وليفعل الله بي ما يشاء).
جزاك الله كل خير ونفع بك ولا حُرمنا من دررك.

أسمحي لي أختي أم البراء بنقل ما وجدته في صحيح البخاري - باب الحدود

باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله

6454 حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة قال قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني


الحاشية رقم: 1

[ ص: 181 ] قوله ( باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله ) كذا أطلق ولم يبين الحكم ، وقد اختلف فيه : فقال الجمهور عليه القود ، وقال أحمد وإسحاق : إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه .

وقال الشافعي : يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ، ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم . وقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح إلى هانئ بن حزام : " أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما ، فكتب عمر كتابا في العلانية أن يقيدوه به وكتابا في السر أن يعطوه الدية " .

وقال ابن المنذر : جاءت الأخبار عن عمر في ذلك مختلفة ، وعامة أسانيدها منقطعة ، وقد ثبت عن علي أنه سئل عن رجل قتل رجلا وجده مع امرأته فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء وإلا فليغط برمته ، قال الشافعي : وبهذا نأخذ ، ولا نعلم لعلي مخالفا في ذلك .

قوله : ( حدثنا موسى ) هو ابن إسماعيل وعبد الملك هو ابن عمير ، ووراد هو كاتب المغيرة بن شعبة ، وثبت كذلك لغير أبي ذر .

قوله : ( قال سعد بن عبادة ) هو الأنصاري سيد الخزرج .

قوله : ( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف ) كذا في هذه الرواية بالجزم ، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهل حتى آتي بأربعة شهداء الحديث ، وله من وجه آخر : " فقال سعد : كلا والذي بعثك بالحق ، إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك " .

ولأبي داود من هذا الوجه
: " أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله الرجل يجد مع أهله رجلا فيقتله؟ قال : لا . قال : بلى والذي أكرمك بالحق " ، وأخرج الطبراني من حديث عبادة بن الصامت لما نزلت آية الرجم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد جعل لهن سبيلا الحديث .

وفيه : " فقال أناس لسعد بن عبادة : يا أبا ثابت قد نزلت الحدود ، أرأيت لو وجدت مع امرأتك رجلا كيف كنت صانعا؟ قال : كنت ضاربه بالسيف حتى يسكنا ، فأنا أذهب وأجمع أربعة؟ فإلى ذلك قد قضى الخائب حاجته فأنطلق ، وأقول : رأيت فلانا فيجلدوني ولا يقبلون لي شهادة أبدا ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كفى بالسيف شاهدا ثم قال : لولا أني أخاف أن يتتابع فيها السكران والغيران " ، وقد تقدم شرح هذا الحديث في " باب الغيرة " في أواخر كتاب النكاح ويأتي الكلام على قوله : " والله أغير مني " في كتاب التوحيد ، وفي الحديث أن الأحكام الشرعية لا تعارض بالرأي .
__________________
وعظ الشافعي تلميذه المزني فقال له: اتق الله ومثل الآخرة في قلبك واجعل الموت نصب عينك ولا تنس موقفك بين يدي الله، وكن من الله على وجل، واجتنب محارمه وأد فرائضه وكن مع الحق حيث كان، ولا تستصغرن نعم الله عليك وإن قلت وقابلها بالشكر وليكن صمتك تفكراً، وكلامك ذكراً، ونظرك عبره، واستعذ بالله من النار بالتقوى .(مناقب الشافعي 2/294)
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-18-2011, 05:27 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبدالله الأثرية مشاهدة المشاركة
أسمحي لي أختي أم البراء بنقل ما وجدته في صحيح البخاري - باب الحدود

باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله

6454 حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة قال قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني

الحاشية رقم: 1

[ ص: 181 ] قوله ( باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله ) كذا أطلق ولم يبين الحكم ، وقد اختلف فيه : فقال الجمهور عليه القود ، وقال أحمد وإسحاق : إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه .

وقال الشافعي : يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ، ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم . وقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح إلى هانئ بن حزام : " أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما ، فكتب عمر كتابا في العلانية أن يقيدوه به وكتابا في السر أن يعطوه الدية " .

وقال ابن المنذر : جاءت الأخبار عن عمر في ذلك مختلفة ، وعامة أسانيدها منقطعة ، وقد ثبت عن علي أنه سئل عن رجل قتل رجلا وجده مع امرأته فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء وإلا فليغط برمته ، قال الشافعي : وبهذا نأخذ ، ولا نعلم لعلي مخالفا في ذلك .

قوله : ( حدثنا موسى ) هو ابن إسماعيل وعبد الملك هو ابن عمير ، ووراد هو كاتب المغيرة بن شعبة ، وثبت كذلك لغير أبي ذر .

قوله : ( قال سعد بن عبادة ) هو الأنصاري سيد الخزرج .

قوله : ( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف ) كذا في هذه الرواية بالجزم ، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهل حتى آتي بأربعة شهداء الحديث ، وله من وجه آخر : " فقال سعد : كلا والذي بعثك بالحق ، إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك " .

ولأبي داود من هذا الوجه
: " أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله الرجل يجد مع أهله رجلا فيقتله؟ قال : لا . قال : بلى والذي أكرمك بالحق " ، وأخرج الطبراني من حديث عبادة بن الصامت لما نزلت آية الرجم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد جعل لهن سبيلا الحديث .

وفيه : " فقال أناس لسعد بن عبادة : يا أبا ثابت قد نزلت الحدود ، أرأيت لو وجدت مع امرأتك رجلا كيف كنت صانعا؟ قال : كنت ضاربه بالسيف حتى يسكنا ، فأنا أذهب وأجمع أربعة؟ فإلى ذلك قد قضى الخائب حاجته فأنطلق ، وأقول : رأيت فلانا فيجلدوني ولا يقبلون لي شهادة أبدا ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كفى بالسيف شاهدا ثم قال : لولا أني أخاف أن يتتابع فيها السكران والغيران " ، وقد تقدم شرح هذا الحديث في " باب الغيرة " في أواخر كتاب النكاح ويأتي الكلام على قوله : " والله أغير مني " في كتاب التوحيد ، وفي الحديث أن الأحكام الشرعية لا تعارض بالرأي]. قال الشيخ الألباني : (ضعيف) انظر : [سنن أبي داود 4/ 143 رقم 4417].
جزى الله ابنتيّ الحبيبتين " أم البراء " و " أم عبدالله الأثرية" خير الجزاء على المرور والدعاء.

وشكر الله للغالية " أم عبدالله الأثرية" المشاركة القيمة، زادكما الله فضلاً وعلما، وبارك فيكما وعليكما.

إن القلوب إذا تعلّقت بالحق، وهذّبت بضوابط الشرع الحكيم تزكو النفوس وتطهر، وعلى قدر شرفها تعلو الهمم.

لقد كان سعد بن عبادة - رضي الله عنه - سيداً في قومه معروفاً بشدّة غيرته، لا يرضى الخبث في أهله، قال : [يا رسول الله ! أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني أنتظر حتى أُشْهِدَ أربعا ؟! ، لا والذي بعثك بالحق !، إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحنّ بالرأس عن الجسد، ولأضربن بالسيف غير مصفَح، وليفعل الله بي ما يشاء].

وذلك على وجه التعجّب من الإنتظار حتى يجمع الشهود، لا على وجه الإعتراض.

كما كان مِن هلال بن أمية - رضي الله عنه - عندما قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال : يا رسول الله ! إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟.

أي : هل يُترك من يفعَل الفاحشة، بينما من رأى الخبث بأمّ عينه في أهله، يبحث عن شهود أربع، حتى يأتي بالبينة ؟، وقد يفرّ من فعل فعلته فلا شهود ولا بينة.

لم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد بن عبادة - رضي الله عنه - غيرته بل وافقه عليها، لأنها كانت غيرة بحقّ... غيرة محمودة، وذلك لقوله :(أتعجبون من غيرة سعد !! واللهِ لأنا أغيرُ منه، والله أغيرُ مني، ومن أجل غيرة الله حرّمَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن...). وأمّا الحُكْمُ فقد جعل الله منه فرَجاً وَمَخرَجا.

روى الإمام البخاري - رحمه الله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : البينة أو حداً في ظهرك، فقال : يا رسول الله ! إذا رأى أحدُنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول البينة وإلا حَدٌّ في ظهرك، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، فليُنْزِلَنّ اللهُ ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (1) فقرأ حتى بلغ : {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فجاء هلال فشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله يعلمُ أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة، وقفوها وقالوا : إنها موجبة، فقال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن) (صحيح) (رواه البخاري).

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند تفسير هذه الآية : [{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فيها فرجٌ للأزواج وزيادةُ مَخْرَجٍ إذا قذفَ أحدهُم زوجته، وَتَعَسّرَ عليه إقامة البيّنة، أن يُلاعنها كما أمر اللهُ - عزّ وجلّ -، وأن يُحْضِرها إلى الإمام فيَدّعي عليها بما رماها به من الزنا، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} فإذا قال ذلك بانت منه بنفس هذا اللعان عند الإمام الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وحُرّمتْ عليهِ أبَداً، ويُعطيها مهرها، ويتَوَجّب عليها حدّ الزنا، ولا يَدْرأ عنها العذاب إلا أن تُلاعِن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، - أي : فيما رماها به - {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فخصّها بالغضب، كما أنّ الغالب أن الرجل لا يتجشّم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادقٌ معذور، وهي تعلمُ صدقهُ فيما رماها به، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحقّ ثمّ يحيدُ عنه] أ.هـ . انظر : [تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 355].

وقد كان الحكم في أول الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة - شهادة أربعة شهود - حُبست في بيتٍ فلا تُمَكّن من الخروج منه إلى أن تموت، وذلك لقوله الله - تعالى - : {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [سورة النساء 15].

فالسبيل الذي جعله الله هو : الناسخ لذلك، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وذكر الرجل بعد المرأة، ثم جمعهما فقال : واللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا (3) فنسخ ذلك بآية الجلد فقال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) قال الشيخ الألباني : (حسن الإسناد) انظر : [ سنن أبي داود 4/ 143 رقم 4413].

إن المؤمن إذا عرف قدر الرب - تبارك وتعالى - استشعر شؤم المعصية، فيغار لربه من نفسه على نفسه، بأن يجعل شيئاَ من أقواله أو أفعاله لغير ربه.

ويغار من غيره لربه إذا انتهكت حقوقه وتعدّت حدوده، أو إذا تهاون بها المتهاونون حفظاً للحقوق، ودرءاً للمفاسد والفتن .
أين نحن من أخلاق سلفنا الصالح !! ومن غيرة سلفنا الصالح !!.
وقانا الله وإياكم من المفاسد والفتن ما ظهر منها وما بطن.
_______

(1)الآية : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور : 4].
(2) الآيات : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ۝ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [سورة النور : 6 - 9].
(3) [سورة النساء 16].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-18-2011, 07:15 AM
ام البراء ام البراء غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 952
افتراضي

جزاكما الله خيرا أمي الفاضلة أم عبدالله نجلاء الصالح وأختي الطيبة أم عبد الله الأثرية..

وتصديقا لقولك-حفظك الله- :(وذلك على وجه التعجّب من الإنتظار حتى يجمع الشهود، لا على وجه الإعتراض) وجدت في فتح الباري:

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ " {لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ ؟ فَلَوْ وَجَدْتُ لَكَاعِ مُتَفَخِّذُهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُحَرِّكَهُ وَلَا أُهَيِّجَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟ فَوَاللَّهِ لَا آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلَّا عَذْرَاءَ، وَلَا طَلَّقَ امْرَأَةً فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهَا لَحَقٌّ وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنِّي عَجِبْتُ}.
__________________
زوجة أبي الحارث باسم خلف
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:02 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.