أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
33172 | 58911 |
#131
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } الأحزاب: 5 . روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلاَّ زَيْدَ ابْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ }. وأخرج البخاري وأَحمدُ وغيرُهما عن عاشئة –رضي الله عنها- قالت: أَتَتْ سَهْلَةُ بنتُ سُهيلٍ بنِ عمرٍو، وكانت تحت أَبي حذيفةَ بنِ عتبةَ، رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إِنَّ سالماً مولى أَبي حذيفةَ يدخلُ علينا وأنا فضل (1) وإِنا كنا نراه ولداً، وكان أَبو حذيفةَ تَبَّناه كما تَبَّنى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زيدا، فأَنزل اللهُ: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } وفي "الموطأ" عن ابنِ شِهابٍ أَنه سُئل عن رَضاعةِ الكبير فقال: أَخبرني عروةُ بنُ الزبير أَنَّ أَبا حذيفة بنَ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وكان من أَصحابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان قد شهد بدراً، وكان تَبَّنى سالماً الذي يُقال له: سالمٌ مولى أَبي حذيفةَ، كما تَبَّنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيدَ بنَ حارثةَ، وأَنكحَ أَبو حذيفةَ سالماً، وهو يرى أَنه ابْنُه، أَنْكَحهُ بنتَ أَخيه فاطمةَ بنتَ الوليد بنِ عتبةَ بنِ ربيعةَ، وهي يومئذٍ من المهاجراتٍ الأُوَلِ، وهي من أَفضلِ أَيَامَى قريشٍ، فلما أَنزلَ اللهُ –تعالى- في كتابِه في زيدِ بنِ حارثةَ ما أَنزل؛ فقال: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } ردَّ كلُّ واحدٍ من أُولئك إِلى أَبيهِ، فإِنْ لم يُعْلَمْ أَبوه رُدَّ إِلى مَولاه. فجاءت سهلةُ بنتُ سُهيلٍ، وهي امرأَةُ أَبي حذيفةَ، وهي من بني عامرِ بنِ لؤيٍّ، إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسولَ اللهِ كُنّا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل عليَّ وأَنا فَضْلٌ (1)، وليس لنا إِلا بيتٌ واحدٌ، فماذا ترى في شأْنِه؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَرْضعيهِ خَمْسَ رَضعاتٍ، فيَحْرُم بلَبَنِها (2)، وكانت تراه ابناً من الرضاعةِ. _____________ (1) قال ابن عبد البر في "التمهيد": فإِنَّ الخليلَ ذكرَ، قال: رجلٌ مُتفضلٌ وفَضْلٌ إِذا توَشَّحَ بثوبٍ فخالفَ بين طرفيه على عاتِقِه. قال: ويُقالُ امرأَةٌ فَضْلٌ، وثوبٌ فَضْلٌ. فمعنى الحديث عندي أَنه كان يدخلُ عليها وهي متكشفةٌ بعضَها، مثل الشعرِ واليَدِ والوجهِ، يدخل عليها وهي كيف أَمكنها. وقال ابنُ وهب: (فَضْلٌ) مَكشوفةُ الرأْس والصدرِ. وقيل: الفَضْلُ: الذي عليه ثوبٌ واحدٌ ولا إِزارَ تحتَه، وهذا أَصحُّ؛ لأَنَّ انكشافَ الصدرِ من الحُرَّةِ لا يجوز أَن يُضافَ إِلى أَهلِ الدينِ عندَ ذي مَحرمٍ، فضلاً عن غيرٍ ذي مَحرمٍ؛ لأَنَّ الحُرَّةَ عَوْرَةٌ مجمعٌ على ذلك منها إِلا وجهَها وكفَّيْها. (2) وفي نسخة: (فتَحرَّم) قال الدكتور د. تقي الدين الندوي: قوله: (فتَحرم) قال القاري: بتشديد الراءِ المفتوحة، أَي: فصار حراماً بلبنِك، أَي بسببٍ رَضاعَك، والخطاب للمرأةِ، أَو للَبَنِها، شك من الراوي، وهو إِما التفات في المبنى أَو نقلٌ بالمعنى. انتهى. ولا يخفى ما في ضبطِه، والظاهرُ أَنَّ (تحرّم) صيغة الحاضر خطابا إلى سهلة أي: فتَحَرُّمُه عليك بلبنِك، هذا إذا كان من التفعيل، ويمكن أن يكون ثلاثيا، ويمكن أن يكون على صيغة المجهول وفي "موطأ يحيى": فيَحرُم بلبنها.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#132
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } الأحزاب: 23 . روى البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما، واللفظ للبخاري، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ [ لَيَرَانِي ] اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، [ زاد مسلمٌ وغيرُه: فهَابَ أَنْ يَقولَ غيرَها ]. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ- ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا صَنَعَ! قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نَرَى -أَوْ نَظُنُّ- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } إِلَى آخِرِ الآيَةِ. وعند مسلم: فَنَزَلتْ هذه الآيةُ.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#133
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } الأحزاب: 25 . روى النَّسائيُّ وابنُ خُزيمةَ وأَبي يَعلى وغيرُهم عن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ –رضي الله عنه- قال: شَغلَنا المشركون يومَ الخندقِ عن صلاةِ الظهرِ حتى غربتِ الشمسُ، وذلك قبل أَن ينزلَ في القتالِ ما نزلَ؛ فأَنزلَ اللهُ -عز وجل: { وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ } فأَمرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأَقامَ لِصلاةِ الظهرِ، فصلَّاها كما كان يُصليها لوقتِها، ثم أَقام للعصرِ، فصلاها كما كان يُصليها في وقتِها، ثم أَذَّن للمغربِ فصلَّاها كما كان يُصليها في وقتِها. قال الأَلباني: صحيح. وزاد أَبو يعلى في "مسنده" والبيهقي في "الدلائل": وذلك قبلَ أَنْ يَنزلَ: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }. وعند ابنِ أَبي شَيبةَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، حَتَّى كُفِينَا ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ قولُه –تعالى-: { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا }. وجاء في روايةِ أَبي الزُّبير عن نافعِ بنِ جُبير ذِكرُ الأَذانِ لِصلاةِ الظهر، قال: فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ... الحديثَ. وقد بوب عليه النسائي: باب الاِجْتِزَاءِ لِذَلِكَ كُلِّهِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَالإِقَامَةِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. قال الأَلبانِيُّ في "الإرواء": فإذا كان ذِكرُ الأَذانِ في أَوّلِ صلاةٍ محفوظاً في الحديثِ فهو شاهدٌ قويٌّ لحديثِ الباب؛ فإِنَّ إِسنادَه صحيحٌ، وقد رواه ابنُ خزيمةَ وابنُ حِبانَ في صحِيحَيْهِما كما في "التلخيص" (ص 73) مثلَ روايةِ النسائي، وقد ساقها الحافظُ بِذكر الأَذانِ بدلَ الإِقامةِ في كلِّ موطنٍ، والله أعلمُ.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#134
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) } الأحزاب. روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }؛ فَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ، فَتَبَرَّزَ حَتَّى جَاءَ، فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا: { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ }؟ فَقَالَ: وَاعَجَبِي لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ... فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَهُ. وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي! فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ(1). ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟! فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ؛ أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَتَهْلِكِينَ؟ لاَ تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ -اللهِ صلى الله عليه وسلم- وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ، وَلاَ تَهْجُرِيهِ وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ عَائِشَةَ -. وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ(2) لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ عِشَاءً، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَال: أَنَائِمٌ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ! قُلْتُ: مَا هُوَ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ : لاَ بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ؛ طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نِسَاءَهُ. قَالَ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ. فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ مَشْرُبَةً(3) لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، قُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ أَوَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ؟! أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي هُوَ ذَا فِي الْمَشْرُبَةِ. فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً، ثمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْد الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ- فَذَكَرَ مِثْلَهُ... فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ.ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْغُلاَمَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا؛ فَإِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي، قَالَ: أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ -وَأَنَا قَائِمٌ-: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: لاَ. [ زاد في رواية: فقلت: اللهُ أَكبر ] ثُمَّ قُلْتُ - وَأَنَا قَائِمٌ-: أَسْتَأْنِسُ(4) يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ.. فَذَكَرَهُ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ عَائِشَةَ - فَتَبَسَّمَ أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ(5) ثَلاَثَةٍ، [ زاد في رواية: فابْتَدَرَتْ عينايَ، فقال: ما يُبكيكَ يا بنَ الخطابِ؟ فقلت: وما لي لا أَبكي وهذا الحصيرُ قد أَثَّرَ في جنبِكَ، وهذه خِزانتُك لا أَرى فيها الا ما أَرى، وذاك قيصرُ وكِسرى في الأَنهار والثمارِ، وأنت رسول الله وصفوتُه ]. فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، [ وفي رواية: أَلَا تَرضَى أَنْ تكونَ لهم الدنيا ولنا الآخرةُ ]. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا؛ مِنْ شِدَّةِ مَوْجَدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ(6). فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا! فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ فَقَالَ:إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: قَد أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ..} إِلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمًا}، قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. ___________ (1) قال ابن حجر في "الفتح": وفي روايةِ عقيل: فقلتُ: (قد جاءَتْ مَنْ فَعلتْ ذلك مِنْهُنَّ بِعَظيمٍ) بالجيم ثم مُثَناةٌ، فِعلُ ماضٍ من المجيءِ، وهذا هو الصواب في هذه الرواية التي فيها (بعظيم) وأَما سائرُ الرواياتِ ففيها: (خابت وخسرت). (2) قال ابن حجر: أَيْ تَضرُبُها وتُسوِّيها. أَو هو مُتَعدٍ إلى مفعولين، فحُذِف أَحدُهما، والأصلُ تنعلُ الدوابَّ النِّعالَ. ورُويَ: البغال -بالموحدة والمعجمة- وسيأتي في "النكاح" بلفظ: تَنْعلُ الخيلَ. (3) المَشْرُبةُ –بضم الراء وفتحها-: الغرفة المرتفعة. (4) قال ابن حجر: أَي: أَقولُ قولاً أستكشفُ به هل يَنْبسطُ لي أَم لا. ويَكونُ أَولَّ كلامِه: (يا رسولَ اللهِ لو رأَيْتَني). ويحتملُ أَنْ يكونَ استفهاماً محذوفَ الأَداةِ، أي: أَأَسْتأْنِسُ يا رسولَ اللهِ؟ ويَكونُ أَوَّلَ الكلامِ الثاني (لو رأيتني) ويكونُ جوابُ الاستفهامِ محذوفاً، واكتفى فيما أَراد بقرينةِ الحالِ. (5) جمع إهاب، وهو الجلد قبل الدباغ. (6) وهو قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ }.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#135
|
|||
|
|||
.
تضمنت قصةُ سؤالِ ابنِ عباس لعمر –رضي الله عنهم- فوائدَ جَمّةً، ذكر كثيراً منها ابنُ حجرَ –رحمه الله- في الفتح، فقال: وفي الحديث: -سؤالُ العالمِ عن بعضِ أُمورِ أَهلِه، وإِنْ كان عليه فيه غَضاضةٌ، إذا كان في ذلك سنةٌ تُنقلُ ومسألةٌ تُحفظُ. قاله المهلب. -وترقب خَلواتِ العالم ليسأَلَ عما لعله لو سُئِل عنه بحضرةِ الناس أَنكرَه على السائل. ويؤخذُ من ذلك مراعاةُ المروءةِ. -وفيه أَنَّ شِدةَ الوطأَةِ على النساءِ مذمومٌ؛ لأَنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخذ بِسِيرةِ الأَنصارِ في نسائِهم، وترك سِيرةَ قومِه. -وفيه تأديبُ الرجلِ ابنتَه وقَرابَتَه بالقولِ لأَجل إِصلاحِها لزوجها. - وفيه سِياقُ القصةِ على وجهِها، وإِن لم يسأَلِ السائلُ عن ذلك، إذا كان في ذلك مصلحةٌ من زيادةِ شرحٍ وبيانٍ، وخصوصا إذا كان العالم يعلمُ أَن الطالبَ يُؤثر ذلك. - وفيه مهابةُ الطالب للعالمِ وتواضعُ العالمِ له وصبرُه على مُساءَلتِه، وإِن كان عليه في شيءٍ من ذلك غضاضةٌ. - وفيه دخولُ الآباءِ على البناتِ ولو كان بغير إِذنِ الزوجِ، والتنقيبُ عن أَحوالِهِنَّ، لا سيما ما يتعلقُ بالمتزوجاتِ. - وفيه حسنُ تلطفِ ابنِ عباسٍ وشِدّةِ حرصِه على الاطلاع على فنون التفسير. - وفيه طلبُ عُلوِّ الإِسناد؛ لأن ابنَ عباسٍ أَقام مدةً طويلةً ينتظرُ خَلوةَ عمرَ ليأخذَ عنه. وكان يُمكنه أَخذُ ذلك بواسطةٍ عنه ممن لا يَهابُ سؤالَه كما كان يهاب عمر. - وفيه حِرصُ الصحابةِ على طلبِ العلمِ والضبطِ بأَحوالِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-. - وفيه أَنَّ طالبَ العلمِ يجعل لنفسِه وقتا يتفرغُ فيه لأَمرِ معاشِه وحالِ أَهلِه. - وفيه البحثُ في العلم في الطرقِ والخلواتِ وفي حال القعودِ والمشيِ. - وفيه إِيثارُ الاستجمارِ في الأَسفارِ وإِبقاءُ الماءِ للوضوءِ. - وفيه ذكرُ العالمِ ما يقع من نفسِه وأَهله بما يترتب عليه فائدةٌ دينيةٌ، وإِن كان في ذلك حكايةُ ما يُستهجنُ. - وفيه جوازُ ذِكرِ العمل الصالح لِسياقِ الحديث على وجهِه، وبيان ذكر وقت التحمل. - وفيه الصبرُ على الزوجاتِ والإِغضاءُ عن خِطابِهنَّ والصفحُ عما يقع منهن من زَللٍ في حقِّ المرءِ، دون ما يكون من حقِّ اللهِ تعالى. - وفيه جواز اتخاذِ الحاكمِ عندَ الخلوةِ بواباً يمنعُ مَنْ يدخلُ إِليه بغير إِذنه، ويكون قولُ أَنسٍ الماضي في كتاب الجنائز في المرأَةِ التي وعَظَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فلم تعرفْهُ، ثم جاءت إليه فلم تجد له بوابين محمولاً على الأَوقاتِ التي يجلس فيها للناس. قال المهلب: وفيه أن للإِمامِ أَن يحتجبَ عن بِطانتِه وخاصتِه عند الأَمر بِطرقِه من جهةِ أَهلِه؛ حتى يذهبَ غيظُه ويخرجَ إِلى الناس وهو منبسطٌ إِليهم؛ فإِن الكبيرَ إِذا احتجبَ لم يَحسُنِ الدخولُ إِليه بغير إِذنٍ ولو كان الذي يريد أَنْ يدخلَ جليلَ القدرِ عظيمَ المنزلةِ عندَه. - وفيه الرفقُ بالأَصهارِ والحياءُ منهم إِذا وقع للرجلِ من أَهلِه ما يقتضي معاتَبَتَهم. - وفيه أَنَّ السكوتَ قد يكون أَبلغُ من الكلامِ وأَفضلُ في بعض الأَحايينِ؛ لأَنه -عليه الصلاة والسلام- لو أَمر غلامَه بِرَدِّ عمرَ لم يَجُزْ لعمرَ العَوْدُ إِلى الاستئذانِ مرةً بعدَ أُخرى، فلما سكت فهم عمرُ من ذلك أَنه لم يُؤْثِرْ رَدَّه مطلقاً. أشار إلى ذلك المهلب. - وفيه مشروعيةُ الاستئذانِ على الإِنسان وإِن كان وحدَه؛ لاحتمال أَن يكونَ على حالةٍ يَكرُه الاطلاعَ عليها. - وفيه أَنَّ كلَّ لَذةٍ أَو شهوة قضاها المرءُ في الدنيا فهو استعجالٌ له من نعيمِ الآخرةِ، وأَنه لو ترك ذلك لادُّخِرَ له في الآخرةِ. أَشار إِلى ذلك الطبريُّ. واستنبط منه بعضهم إيثارَ الفقرِ على الغنى. وخصَّه الطبري بمن لم يصرفْهُ في وجوهِه، ويُفرقه في سُبلِه التي أَمر اللهُ بوضعِه فيها. وهي مسأَلةٌ اختلف فيها السلفُ والخلفُ، وهي طويلةُ الذيلِ سيكون لنا بها إِلمام إِن شاء الله –تعالى- في كتاب الرقاق. - وفيه أَنَّ المرءَ إذا رأى صاحبَه مهموما استُحبَّ له أَن يحدثَّه بما يزيل همَّه ويُطيِّبَ نفسَه؛ لِقولِ عمرَ: لأَقولنَّ شيئاً يُضحكُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-. - وفيه جوازُ الاستعانةِ في الوضوء بالصبِّ على المتوضيءِ، وخِدمةُ الصغيرِ الكبيرَ، وإِن كان الصغيرُ أَشرفُ نَسباً من الكبيرِ. - وفيه التجملُ بالثوبِ والعمامةِ عند لقاء الأكابر. -وفيه تذكيرُ الحالفِ بيَمينِه إِذا وقع منه ما ظاهرُه نِسيانُها. - وفيه تقويةٌ لِقولِ مَن قال أَنَّ يمينَه -صلى الله عليه وسلم- اتَّفقَ أَنها كانت في أَولِ الشهر؛ ولهذا اقتصر على تسعةٍ وعشرينَ، وإِلا فلو اتفق ذلك في أَثناءِ الشهرِ فالجمهورُ على أَنه لا يقعُ البِرُّ إِلا بثلاثينَ. وذهبت طائفةٌ إِلى الاكتفاءِ بتسعةٍ وعشرينَ؛ أَخذاً بأَقلِّ ما يَنطلقُ عليه الاسمُ. والقصةُ محمولةٌ عند الشافعيِّ ومالكٍ على أَنه دخل أَولَ الهلالِ وخرج به، فلو دخل في أَثناءِ الشهرِ لم يَبَرَّ إِلا بثلاثين. - وفيه التناوبُ في مجلسِ العالمِ إِذا لم تَتَيَّسرِ المواظبةُ على حضورِه؛ لشاغلٍ شرعيٍّ من أَمرٍ دينيٍّ أَو دنيوي. - وفيه قَبولُ خَبرِ الواحدِ ولو كان الآخذُ فاضلاً والمأخوذُ عنه مفضولاً، وروايةُ الكبير عن الصغيرِ. - وفيه أَن الأَخبار التي تُشاعُ ولو كثُرَ ناقلوها إِن لم يكن مرجعُها إِلى أَمر حِسِّيٍّ؛ من مشاهدةٍ أَو سماعٍ لا تستلزمُ الصدقَ؛ فإنَّ جَزْمَ الأَنصاريِّ في روايةٍ بوقوعِ التطليق، وكذا جزمُ الناس الذين رآهم عمرُ عندَ المِنبرِ بذلك محمولٌ على أَنهم شاع بينهم ذلك من شخصٍ؛ بناءً على التوهُّمِ الذي توهَّمَه من اعتزالِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- نساءَه، فظن لكونه لم تَجْرِ عادتُه بذلك أَنه طلقهنَّ، فأشاع أَنه طلقهن، فشاع ذلك فتحدث الناس به. وأَخْلَقَ بهذا الذي ابتدأَ بإِشاعةِ ذلك أَن يكونَ من المنافقين. - وفيه الاكتفاءُ بمعرفةِ الحكمِ بأَخذِه عن القرينِ، مع إِمكان أَخذِه عالياً عمَّن أَخذَه عنه القرينُ، وأَن الرغبةَ في العُلوِّ حيث لا يَعوقُ عنه عائقٌ شرعيٌّ. ويمكن أَن يكونَ المرادُ بذلك أَن يستفيدَ منه أَصولَ ما يقع في غَيْبتِه، ثم يسأل عنه بعد ذلك مشافهةً، وهذا أَحدُ فوائدِ كتابةِ أَطراف الحديثِ. - وفيه ما كان الصحابة عليه من محبةِ الاطلاع على أَحوالِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جَلَّتْ أَو قلَّت، واهتمامهم بما يُهتَمُّ له، لإِطلاق الأنصاريِّ اعتزالَه نساءَه الذي أَشعرَ عنده بأَنه طلقهن، المُقْتَضي وقوعَ غمِّه -صلى الله عليه وسلم- بذلك أَعظمَ من طُروقِ ملكِ الشام الغسّانيِّ بجيوشِهِ المدينةَ لغزوِ مَن بها، وكان ذلك بالنظر إلى أَنَّ الأَنصاريَّ كان يتحقق أَن عدوَّهم ولو طَرقَهُم مغلوبٌ ومهزوم. واحتمالُ خلافِ ذلك ضعيفٌ، بخلاف الذي وقع بما توهمَّه من التطليقِ الذي يتحقق معه حصولُ الغمِّ. وكانوا في الطرف الأَقصى من رعايةِ خاطرِه -صلى الله عليه وسلم_ أَن يحصلَ له تَشويشٌ ولو قلَّ. والقلقُ لِما يُقلقُه والغضبُ لِما يُغضبُه والهمُّ لما يُهِمُّه -رضي الله عنهم. - وفيه أَن الغضبَ والحزنَ يحملُ الرجلَ الوَقورَ على تركِ التأَنّي المألوفِ منه؛ لقول عمرَ: (ثم غلبني ما أَجدُ) ثلاث مرات. - وفيه شدةُ الفزعِ والجزع للأُمور المهمةِ. - وفيه جوازُ نظرِ الإِنسانِ إلى نواحي بيتِ صاحبِه وما فيه، إذا علم أنه لا يكره ذلك. وبهذا يُجمع بين ما وقع لعمرَ وبين ما ورد من النهى عن فضولِ النظرِ. أَشار إلى ذلك النوويُّ. ويحتملُ أَن يكونَ نظرُ عمرَ في بيتِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقع أَولاً اتفاقاً، فرأَى الشعيرَ والقَرَظِ –مثلا- فاستقلَّه فرفع رأسَه لينظرَ هل هناك شيءٌ أَنفسُ منه؟ فلم يَرَ إِلا الأُهَبَ، فقال ما قال، ويكون النهيُ محمولاً على مَن تعمَّد النظرَ في ذلك والتفتيشِ ابتداءً. - وفيه كراهةُ سُخْطِ النعمةِ، واحتقار ما أَنعمَ اللهُ به ولو كان قليلا، والاستغفارُ من وقوعِ ذلك، وطلبُ الاستغفارِ من أَهلِ الفضلِ. - وفيه إِيثارُ القناعةِ وعدم الالتفاتِ إِلى ما خُصَّ به الغيرُ من أُمور الدنيا الفانيةِ. - وفيه المعاقبةُ على إِفشاءِ السرِّ بما يَليقُ بمن أَفشاه.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#136
|
|||
|
|||
.
· قولُه –تعالى-: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } الأحزاب: 35. روى الترمذيُّ والطبرانيُّ عن عِكرمةَ عن أُمِّ عُمارةَ الأَنصاريةِ أَنَّها أَتَتِ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ما أَرى كلَّ شيءٍ إِلا للرجالِ، وما أَرى النساءَ يُذْكرنَ بشيءٍ؟ فنزلت: هذه الآية: { إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ.. } الآيةَ. قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وإِنما يُعرفُ هذا الحديثُ من هذا الوجهِ. قال الأَلباني: صحيحُ الإِسنادِ.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#137
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا } الأحزاب: 37. روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وعند الترمذي وغيره: جاء زَيدٌ يشكو، فهَمَّ بِطلاقِها، فاسْتأْمَرَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: { أَمْسِكْ عليكَ زوجَك واتَقِّ اللهَ } قال: فكانت تَفْخَرُ على أَزواجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ تقول: زَوَجَّكُنَّ أَهْلُكُنَّ، وزَوَّجَّني اللهُ من فوقِ سبعِ سمواتٍ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وعند النسائي في "الكبرى": كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْكَحَنِي مِنَ السَّمَاءِ. وعند مسلم عن أنس قال: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِزَيْدٍ « فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ ». قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهْىَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِى صَدْرِى حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِى، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُكِ. قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّى(1). فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ(2).. الحديثَ أما ما جاء في "مسند أحمد" عن أنسٍ: (أَتى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- منزلَ زيدِ بنِ حارثةَ، فرأَى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- امْرَأَتَه زينبَ وكأَّنَّه دَخَله) فقد قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إِسنادُه ضعيفٌ، وفي مَتْنِهِ غرابةٌ؛ مُؤّمِّلُ بنُ إِسماعيلَ سَيِّءُ الحِفظِ، وقد رواه جماعةٌ من الثقاتِ عن حمادِ بنِ زيدٍ دون قولِه: " فرأَى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- امرأَتَه زينبَ وكأَنَّه دخله ". __________ (1) قال النووي: وفيه استحبابُ صلاةِ الاستخارةِ لِمَن همَّ بأَمرٍ سواءٌ كان ذلك الأَمرُ ظاهرَ الخيرِ أَم لا... ولعلَّها استخارتْ لِخوفِها من تقصيرٍ في حقِّه -صلى الله عليه وسلم. (2) قال النووي: لأَن اللهَ -تعالى- زَوَّجَه إِياها بهذه الآيةِ.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#138
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ } الأحزاب: 51. روى البخاري عن عائشةَ قالت: كنتُ أَغارُ على اللاتي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وأَقولُ: أَتَهَبُ المرأَةُ نفسَها؟! فلما أَنزلَ اللهُ –تعالى-: { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ } قلتُ: ما أَرى ربُّك إِلا يُسارعُ في هواك! وفي مستخرج أَبي عَوانةَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا تَسْتَحْيِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ }، قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَى رَبَّكَ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ! قلت: هذا إسناد صحيح. وقد رواه الحاكم بإسنادِه عن هشام به، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وفيه مُحاضرُ بنُ المُروع لم يروِ له البخاري إلا تَعليقاً ومسلمٌ حديثا واحداً متابعةً، كما قال الشيخ مقبل. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. قال ابنُ حجر في الفتح: قولُها: (ما أَرَى رَبَّكَ إلا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ): أي: ما أرى الله إلا مُوجداً لِما تريدُ بلا تأْخيرٍ؛ مُنزلاً لِما تُحب وتختارُ. وقوله: (تُرجي مَن تشاءُ منهنَّ): أَي: تُؤَخِّرُهن بغير قَسْمٍ، وهذا قولُ الجمهور. وأَخرجه الطبريُّ عن ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ والحسنِ وقتادةَ وأَبي رُزَين وغيرِهم. وأخرج الطبري أيضا عن الشعبي في قوله: (تُرجي مَن تشاءُ منهنَّ): قال: كُنَّ نَساءٌ وَهَبْنَ أَنفُسَهُنَّ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فدخل بِبَعْضِهنَّ وأَرجا بعضَهُنَّ لم يَنْكِحْهُنّ. وهذا شاذٌّ، والمحفوظُ أَنه لم يدخلْ بأَحدٍ من الواهباتِ. وقيل: المرادُ بقولِه: (تُرجي مَن تشاءُ منهنَّ وتُؤْوي إِليكَ مَنْ تَشاءُ): أَنه كان هَمَّ بطلاقِ بعضِهن، فقلن له: لا تُطلقنا واقسِم لنا ما شئتَ، فكان يقسِمُ لبعضِهِنَّ قَسْماً مُستوياً. وهُنَّ اللاتي آواهنَّ، ويَقسِمُ للباقي ما شاء، وهُنَّ اللاتي أَرجأَهُنَّ. فحاصلُ ما نُقل في تأويلِ (تُرجي) أُقوالٌ: أَحدُها: تُطَلِّقُ وتُمسك. ثانيها: تعتزلُ مَن شئتَ منهن بغير طلاقٍ وتَقْسِمُ لغيرِها. ثالثُها: تَقْبلُ من شِئتَ من الواهباتِ وتَرُدُّ مَن شئت. وحديثُ البابِ يُؤَيدُ هذا والذي قبلَه، واللفظُ مُحْتَمِلٌ للأَقوال الثلاثةِ، وظاهرُ ما حَكَتْهُ عائشةُ من استئذانِه أَنه لم يُرْجِ أَحدا منهنَّ بمعنى أَنه لم يعتزِلْ، وهو قولُ الزهري: ما أَعلمُ أَنه أرجأَ أَحداً من نسائه. أخرجه ابنُ أَبي حاتمٍ. وعن قتادةَ: أَطلقَ له أَن يَقسِمَ كيف شاءَ، فلم يقسِمْ إِلا بالسويةِ.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#139
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } الأحزاب: 53. روى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ، لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلاَنِ نَبِيَّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا، أَمْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وفي روايةٍ عن أنس قال: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الآيَةِ آيَةِ الْحِجَابِ، لَمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا الْقَوْمَ فَقَعَدُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ، وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَنَاظِرِينَ إِنَاهُ } إِلَى قَوْلِهِ: { مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } فَضُرِبَ الْحِجَابُ وَقَامَ الْقَوْم. وروى عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ -وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ - فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ؛ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وروى عن عمرَ في حديثه الذي قال فيه: وافقت ربي في ثلاثٍ، وفيه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وروى النسائي في "الكبرى" بإسناد صحيح عن عائشةَ قالت: كُنْتُ آكُلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْسًا فِي قَعْبٍ، فَمَرَّ عُمَرُ فَدَعَاهُ، فَأَكَلَ، فَأَصَابَتْ إِصْبُعُهُ إِصْبُعِي، فَقَالَ: حَسِّ؛ لَوْ أُطَاعُ فِيَكُنَّ مَا رَأَتْكُنَّ عَيْنٌ، فَنَزَلَ الْحِجَابُ. [القَعْبُ: إِناءٌ من خشبٍ مُدور] قال الحافظ في "الفتح": وطريقُ الجمعِ بينها أَنَّ أَسبابَ نزولِ الحجابِ تعددت، وكانت قصةُ زينبَ آخرَها؛ للنصِّ على قِصَّتِها في الآية.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#140
|
|||
|
|||
.
· قوله –تعالى-: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } يس: 12 قال الترمذي: حدثنا محمدُ بنُ وزيرٍ الواسطيُّ حدثنا إِسحاقُ بنُ يوسفَ الأَزرقُ عن سفيان الثوري عن أَبي سفيان عن أَبي نضرةَ عن أَبي سعيدٍ الخدري قال: كانت بَنو سَلِمةَ في ناحيةِ المدينةِ، فأَرادوا النُّقلَةَ إِلى قربِ المسجدِ، فنزلت هذه الآية: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ آثارَكم تُكتبُ. فلم ينتقلوا. قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديث الثوريِّ، وأَبو سفيان هو طريفٌ السعدي. وعند ابنِ ماجة: عن سماكٍ عن عكرمةَ عن ابنِ عباسٍ قال: كانت الأَنصارُ بعيدةً منازلُهم من المسجد، فأَرادوا أَنْ يَقْرُبوا، فنزلت: { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ } قال: فثَبَتُوا. وعن ابن عباس -أَيضا- رواه الطبراني في "الكبير". قال الأَلبانيُّ: صحيح. وأَصلُ الحديثِ في الصحيحين دون ذكر سبب النزول؛ فعند البخاري عن أَنس: أَنَّ بَني سَلِمَةَ أَرادوا أَن يتحولوا عن منازلِهم فيَنزلوا قريباً من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: فكره رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَن يُعْروا المدينةَ، فقال: أَلاتَحْتسبونَ آثارَكم؟ قال مُجاهد: خُطاهُم: آثارُهم؛ أَن يُمْشَى في الأَرضِ بأَرجُلِهم. وعند مسلمٍ عن جابرِ بنِ عبد الله قال: خلت البقاعُ حولَ المسجدِ فأَراد بَنو سَلِمةَ أَنْ يَنْتقلوا إلى قربِ المسجدِ، فبلغ ذلك رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: إِنه بلغني أَنكم تريدون أن تنتقلوا قربَ المسجدِ. قالوا: نَعم يا رسولَ اللهِ قد أَردنا ذلك. فقال: يابَني سَلِمةَ ديارَكُم تُكْتَبْ آثارُكم، دِيارَكم تُكتبْ آثارُكم.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|