أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
53577 | 143586 |
#1
|
|||
|
|||
من كلام الإمام محمد البشير الإبراهيمي عن ثورة الجزائر
قال، رحمه الله، في كلمة ألقاها يوم ١٥ مارس ١٩٥٨م، ضمن فعاليات يوم تضامني مع الجهاد الجزائري في القاهرة.
أيها الإخوان: أما الجزائرُ فقد أعربت عن نفسِها بالأعمال الخالدة التي قامت بها ثورتُها، وبالبطولات المجيدةِ التي قام بها شبابُها الثائرُ، وبما أحيت من شرائع الجهاد، وبما سجلت من المواقفِ الخارقةِ للعادةِ من وقوف العدد القليل من أبنائها- بما يملكون من سلاح يدوي قليلٍ لا يغني فتيلا في مَجرى العادة- في وجه جيشٍ يفوقه أضعافا مضاعفةً في العدد والعدة والسلاح والنظام والتدريب، تسانده جميع الأسلحةُ العصريةُ الفتاكةُ؛ من طائراتٍ ودباباتٍ، ومدافعَ ثقيلةٍ، ووسائلُ مخابرات، وقادةٌ باشروا الحروبَ الاستعمارية، وقادوها في عدة ميادينَ في الشرق والغرب، وتمرنوا على أساليبها ومكائدها، يستمدون لوازمَ الحرب من سلاح وعتاد ومال من مصانع بلادهم وخزائنها، فلا يُرد لهم طلبٌ ولا يتأخر عنهم إمداد، وتعاونهم دول قوية تشفق على الاستعمار أن يتقلص ظله، كأن لها متعة ولذة في إذلال الشعوب الضعيفة واستعبادها، وكأن في نفسها بقيةُ حياءٍ تمنعها من مباشرة ذلك الإذلال والاستعباد بنفسها، فهي لذلك تعين مَن يباشره بكل ما تملك من قوة. أعربت الجزائرُ عن نفسها بذلك كلِّه، وأثبت التاريخُ بشواهده أنها لا تحارب فرنسا وحدَها، وإنما تحارب كلَّ من يمدها بتأييد في الرأي والسياسة ويعينها بالمال والسلاح، وكفى الجزائرَ شرفا أنها- مع ضعفها- تحارب هؤلاء الأعداء الأقوياء المتظاهرين فتنتصر عليهم أجمعين، وأنها مرت بها حقبةٌ غيرُ قصيرةٍ وهي تحاربهم بنفس سلاحهم الذي غنمته من الجيوش الفرنسية، وكفى أمريكا وانجلترا خزيا وعارا وبعدا عن الإنسانية أنهما تعينان القوي على الضعيف. من كتاب [آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي]
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#2
|
|||
|
|||
وقال، رحمه الله:
لم يَحكِ الإسلامُ في عصورِه المتوسطةِ والمتأخرةِ، ولا تاريخُ الثوراتِ عن قتالٍ كانت فيه ملامحُ من الجهادِ الديني، المؤيَّدِ بروحِ الله، وأثارةٌ من آثاره، مثلَ ما شهد من الثورة الجزائرية، ولا عجبَ؛ فالاستعمارُ الفرنسي في الجزائر حارب- أول ما حارب- الإسلامَ ومقوماته، فكانت الثورة على الاستعمار تحمل معنى الانتصارِ للدين، ولمساجدِه التي حطمها المستعمرون، وجردوها من معاني الإسلام وعطلوها، ومعنى النكايةِ في رجال الدين الذين راضَهم الاستعمارُ على السمع والطاعةِ له، حتى أصبحوا جواسيسَ له، وتنكّروا لقومِهم وجامعتِهم، وخانوا أمانةَ الإسلام. ومعنى الانتصار لأوقافه التي تقوم عليها شعائرُ الإسلام، وتتحقق مآثرُه وخصائصُه، وتتجلى بها عدالتُه وإحسانُه. هذا ما قامت به الجزائرُ وحدَها في قسم الجهادِ بالنفس، وهو القسمُ الذي عُلمت أخبارُه بالتفصيل، واستفاضت في العالمين إلى حدِّ التواتر الذي لا يماري فيه أحد، وبه دخلت الجزائر التاريخَ من بابه، وسجلت اسمَها في الخالدين، وأصبح اسمُها مقرونا بالإعجاب والإكبار، وذِكرُ أبنائِها الأبطال مقرونا بالمدح والثناء، وأصبحت بطولتُهم وشجاعتُهم مضربَ الأمثال وحديثَ الركبان، بعد أن كان اسمُها في التاريخ الحديث خاملا مغمورا عند كثير من الشعوب التي تجمعها به كلمة الإسلام. وأما النوع الثاني من نوعي الجهاد المادي، وهو الجهادُ بالمال، وهو الدّعامة المتينة التي تقوم عليها الثورات، فقد قام الجزائريون وحدهم بما تتطلبه الثورةُ من أموال باهظة، والثائرون- إلى الآن- إنما يعتمدون على الأموال الجزائرية، وإذا كانت فرنسا تنفق على جيشها العامل في الجزائر تلك المبالغ الخيالية التي لا تقل عن مليار فرنك يوميا، وقد تزيد إلى مليار ونصف مليار من الفرنكات حتى أثقلت ميزانيتَها، ووقفت بماليّتِها على حافة الإفلاس، لولا إعانةُ أمريكا، التي تكشف عن السوءات، وعرف عنها العالم أنها حاضنة الاستعمار ومرممةُ جداره، وطبيبةُ أنيابه وأظفاره؛ إذا كانت حالة فرنسا هي تلك، فإن الجزائر المجاهدةَ تعتمد على الله وعلى نفسِها وعلى ما أبقاه لها الاستعمار من فتات؛ لأنها علمت أن هذه الثورةَ هي الموقفُ الأخير مع فرنسا، وهو- كما يقولون- موقف حياةٍ أو موت، فكل عزيز يهون في سبيل الشرف والحرية، وإذا هانت الأرواح في هذا السبيل فالأموال أهون مفقود. الثورة تستدعي نفقاتٍ طائلةٍ لتسليح المجاهدين وكسوتهم وإطعامهم وغير ذلك من الأشياء التي كانت كمالية فأصبحت في هذا العصر ضرورية، كالدعاية ووسائلها المتنوعة، ومن ثم كان العبء ثقيلا على الشعب الجزائري، وهو يزداد ثقلا بطول أمد الثورة، ولكن إيمانَ الشعب الجزائري ويأسَه من رجوع الاستعمار الفرنسي عن غَيّه، واعتقادَه الجازمَ بلؤمه وكذبه وإخلافِه للوعود المرةَ بعد المرة، وعدمِ خجله من الخزي والموبقات، أوقفه موقفَ التصميم على الموت، الذي هو خيرٌ ألف مرة مما يَسومه الاستعمارُ كلَّ يوم من الموت المجَزّإ البطيء؛ ولذلك فكل ما يلقاه من فنون التعذيب والسجون والتشريد، وهتك؟؟ الحرمات، والترحيل من الديار، والإبادة الجماعية، وتقتيل الأطفال والنساء والعجائز- الذين لا يجدون حيلةً ولا يهتدون سبيلا- يجده هيِّنًا حلوًا سائغا.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
#3
|
|||
|
|||
وقال الإبراهيمي، رحمه الله:
إن الاستعمارَ الفرنسيَّ في الجزائر هو الذي نوَّع أسبابَ الثورةِ عليه، وكل سببٍ منها يقضي بثورةٍ مجنونةٍ، فكيف بها حين تجتمع؟ فلو أن أهلَ الجزائرَ ثاروا كلُّهم ثورةَ رجلٍ واحد، وثأروا لقتلى تلك المذابح التي سمعتم إجمالَها بقتل أمثالِهم من الأوربيين لَما بلغوا إلى ما تَقَرُّ به العينُ من الثأر المُنيم. والثأر المنيم، عند أجدادِكم العربِ، هو الثأرُ الذي يجلبُ النومَ المُريحَ إلى العيون التي قرَّحها السهرُ في طلب الثأر شهورًا وأعوامًا، حتى إذا أدركته نامت وقرت. ومن خصائص أولئك الأجدادِ التي فقدناها، مع الأسف، أنهم كانوا لا ينامون على وَتَرٍ، يعني أنهم يهجرون النومَ حتى يأخذوا بثأرهم؛ حَميَّةً وأنَفَةً وعلوَّ همةٍ؛ لأن النوم إنما يَطيبُ للخلِّيين الفارغين. ولو أن الجزائرَ ثارت كلَّها ثورةَ رجلٍ واحدٍ؛ غيرةً على ما فعلت فرنسا بدينِها وأوقافِه ومدارسه ومعابدِه، التي ما زالت تعبثُ ببقاياها إلى الآن، لكانت على حقٍّ يُقرها عليه كلُّ مَن له عقل في هذا العالم. ولو أن الجزائرَ كلَّها ثارت ثورةً جامحةً جارفةً تخرب العمران، وتًطمِس المعالمَ، وتَذهب بكل ما شيّدته فرنسا من هياكلِ الحضارةِ في الجزائر؛ غَيرةً على لغتِها وقوميَّتِها التي تعمل فرنسا علانيةً على محوهِما ومسخِ أهلِها، لَما كانت ملومةً ولا موسومةُ بالوحشية. كلُّ شيء عاملت به فرنسا إخوانَكم العربَ المسلمين يدعو إلى الثورةِ، ولو كانت فسادًا في الأرض؛ لأنها ثورةٌ على ما هو أفسدُ.
__________________
. (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|