أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
69793 104572

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الفقه وأصوله > منبر شهر رمضان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-08-2018, 06:50 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي التَّفْصيلُ الفِقهيُّ المَليح في عَدَدِ ركعاتِ صَلاةِ التَّراويح لشيخنا علي الحلبي

التَّفْصيلُ الفِقهيُّ المَليح
في عَدَدِ ركعاتِ صَلاةِ التَّراويح



الحمدُ لله-وحدَه-، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نبيَّ بَعدَه.
أمّا بعدُ:
فتكميلاً للبحثِ العلميِّ المختصَرِ الذي نَشرتُه-أمسِ-حول موضوع (عَدَدِ ركعاتِ صَلاةِ التَّراويح)-وما يَدورُ حولَه-هذه الأيامَ-مِن كثيرِ قولٍ وكلام، ونَقْدٍ ومَلام-مِنه ما هو بعلمٍ، وأكثرُهُ ممّا هو بضدّه!-؛ فأقولُ-وبحولِه-سبحانه-أَصُولُ-:

أورد محدّثُ البلاد الهِندية العلامةُ الشيخُ عُبَيد الله الرحمانيّ المُباركفوري-رحمه الله-تعالى- في كتابِه «مِرعاة المفاتيح شَرْح (مِشكاة المَصابيح)»(4/321-فما بعد) الحديثَ الذي رواهُ البُخاريُّ (1147)، ومسلمٌ (738) عن أبي سلَمةَ بنِ عبد الرحمن، أنّه سأل عائشةَ:كيف كان صلاةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضانَ؟
فقالت: ما كان يزيدُ في رمضانَ -ولا غيرِه- على إحدى عشرةَ ركعةً؛ يصلّي أربعاً، فلا تسألْ عن حُسنِهنّ وطولِهنّ، ثم يصلّي أربعاً، فلا تسألْ عن حُسنِهنّ وطولِهنّ، ثم يصلّي ثلاثاً..
...ثم قال-رحمةُ الله عليه-ما ملخَّصُهُ-وهذا البحثُ-كلُّه-مِن كلامِه ونُقولِه-لا غيرَ-:

(...فهذا الحديثُ نَصٌّ في أنّه - صلى الله عليه وسلم - إنما صلّى التراويحَ في رمضانَ ثمانَ ركعات –فقط-، ولم يُصَلِّ بأكثرَ منها.
قال في «العَرْف الشذي[شرح سنن التِّرمذيّ]» (ص201)[للشيخ محمد يوسُف البَنّوريّ] : هذه الروايةُ رواية «الصحيحين».
وفي «الصحاح»: صلاة تراويحهِ -عليه السلام- ثمانَ ركعات.
وفي «السنن الكبرى»-وغيره- بسند ضعيف- من جانب أبي شَيبة؛ فإنه ضعيفٌ –اتفاقاً-: عشرون ركعة.
وقال في [«العَرْف الشذي»] (ص329، 330): ثم إّن حديث (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهن وطُولهن): فيه تصريحٌ أنه حالَ رمضان، فإنّ السائلَ سأل عن حالِ رمضان –وغيره- كما عند الترمذي ومسلم-.
ولا مَناص مِن تسليمِ أنّ تراويحَه -عليه السلام- كانت ثمانيَ ركعاتٍ....
....ثم؛ مأخوذُ الأئمة الأربعة -مِن عشرين ركعةً- هو عملُ الفاروق الأعظم.
وأمّا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فصحَّ عنه: ثمانُ ركعات.
وأمّا عشرون ركعةً؛ فهو عنه -عليه السلام- بسندٍ ضعيف، وعلى ضعفه اتفاقٌ- انتهى-.
فإن قلتَ: قد ثبت في «الصحيح» من حديث عائشةَ: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل العشرُ الأواخرُ يجتهد ما لا يجتهدُ في غيره! وفي «الصحيح»-أيضاً- مِن حديثها-: كان إذا دخل العشرُ أحيى الليلَ، وأيقظ أهلَه، وشدَّ مئزَرَه:
وهذا يدلُّ على أنه كان يزيدُ في العشرِ الأواخرِ على عادتِه-وهو مخالفٌ لحديثِ أبي سلَمة عن عائشةَ-المذكور-!؟
قلتُ: المرادُ بـ(الاجتهاد): تطويلُ الركعاتِ، لا الزيادةُ في العدد.
قال العَيني: إنّ الزيادةَ -في العشر الأواخر- تُحمَل على التطويل، دون الزيادةِ في العدَد- انتهى-.
وأمّا ما روى ابنُ أبي شَيبة في «مُصنَّفه»، والطبراني في «الكبير»، و«الأوسط»، و«البيهقي» (ج2 ص496) عن ابن عباس: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – (كان يصلّي في رمضانَ عشرين ركعةً سوى الوتر)؛ فهو ضعيفٌ –جداً-، لا يصلُحُ للاستدلال، ولا للاستشهاد، ولا للاعتبار!
فإنّ مدارَه على أبي شَيبةَ إبراهيمَ بنِ عثمان، وهو متروكُ الحديث- كما في «التقريب»-.
قال الزيلعي في «نصب الراية» (ج2 ص153) : هو معلولٌ بأبي شَيبةَ إبراهيمَ بنِ عثمان، وهو متفقٌ على ضعفه، وليَّنه ابنُ عدِيّ في «الكامل».
ثم إنه مخالفٌ للحديث الصحيح عن أبي سلَمةَ بنِ عبد الرحمن، أنه سأل عائشةَ: كيف كانت صلاةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟!
قالت: ما كان يزيدُ -في رمضانَ، ولا في غيرِه- على إحدى عشرةَ ركعةً-...-الحديث-انتهى كلامُ الزيلعي-.
وقال ابنُ الهُمَام في «فتح القدير»-بعد ذِكرِ هذا الحديثِ-:هو ضعيفٌ بأبي شَيبةَ إبراهيمَ بنِ عثمان: متفقٌ على ضعفِه، مع مخالفتِه للصحيح. وقال العيني في «[عُمدة القاري]شرح البخاري» (ج11 ص128)-بعد ذِكرِ هذا الحديث-: وأبو شَيبةَ هو إبراهيمُ بنُ عثمان العَبْسيُّ الكوفيُّ، قاضي واسط، جدُّ أبي بكر أبي شَيبةَ: كذّبه شُعبةُ، وضعّفه أحمدُ، وابن مَعين، والبُخاري، والنَّسائي-وغيرُهم-.
وأورد له ابنُ عدِي هذا الحديثَ في «الكامل» في مَناكيره- انتهى-. وقال البيهقي (ج2 ص496) -بعد روايته-: تفرّد به أبو شَيبةَ إبراهيمُ بن عثمان العَبْسيّ الكوفيّ، وهو ضعيفٌ-انتهى-.
وقال النِّيمَوي في «تعليق آثار السنن» (ج2 ص56) : وقد أخرجه عبدُ بنُ حُميد الكَشِّي في «مسنده»، والبَغَوي في «معجمه»، والبيهقي في «سننه»: كلُّهم مِن طريق أبي شَيبةَ إبراهيمَ بنِ عثمان، وهو ضعيفٌ.
ثم نقل كلامَ البيهقي –المذكورَ-، وجروحَ أئمّة الجرح والتعديل-عن «التهذيب»، و«الميزان»، و«التقريب»-.
وقال الزُّرْقاني في «شرح الموطأ»: حديثُ ابن عباس في عشرين ركعةً: حديثٌ ضعيفٌ.
وهذا –كلُّه- يدلُّ على أنّ حديثَ ابنِ عباس –هذا- ضعيفٌ –جداً- عند جميعِ العُلماء: الحنفية، والشافعية، والمالكية-وغيرهم-.
ومع ذلك؛ قد تفوّه بعضُ الحنفيّةِ -في هذا العصر- بأنّ روايةَ ابنِ عباس -إذ هي مؤيَّدةٌ بآثارِ الصحابةِ- أَوْلى مِن رواية جابرٍ-المتقدمة-وإنْ كان فيها بعضُ الضعف؛ فإنّ جمهورَ الصحابة متفِقةٌ على صلاة التراويح بعشرين ركعةً-انتهى-!
قلتُ: قد تقدّم أنّ حديثَ ابنِ عباس ضعيفٌ-جداً-، قد أطبق الأئمةُ على ضعفِه.
ومع هذا؛ فهو مخالفٌ لحديثِ عائشة-المتفَقِ عليه-؛ بخلافِ حديثِ جابرٍ؛ فإنه صحيحٌ، أو حسنٌ، ولم يضعِّفه أحدٌ ممّن يُعتمَد عليه.
وله شاهدٌ صحيحٌ، وهو: حديثُ عائشةَ؛ فهو أولى بالقَبول، وأحقُّ بالعمل.
وأمّا دعوى تأيُّد حديثِ ابن عباس بعمل جمهورِ الصحابةِ؛ فهي مردودةٌ بما سيأتي مِن حديث السائب بن يزيدَ، قال: أمر عمرُ أُبَيَّ بن كعب، وتميماً الدَّارِيَّ أنْ يقوما للناس بإحدى عشرةَ ركعةً، وبما روى سعيدُ بنُ منصور في «سننه» عن السائب بن يزيدَ، قال: كنّا نقومُ -في زمن عمر بن الخطاب- بإحدى عشرةَ ركعةً.
قال السُّيُوطي: هذا الأثرُ إسنادُه في غاية الصحة.
هذا وقد حاول بعضُهم إثباتَ صحّةِ حديثِ ابنِ عبّاسٍ؛ حيث قال-في «تعليقِه على (المشكاة)»-: حديثُ ابنِ عباسِ في عشرين ركعةً- الذي ضعّفه أئمةُ الحديثِ- هو صحيحٌ-عندي-؛ لِمَا ذكر السُّيُوطيُّ في «التدريب»: قال بعضهم: يُحكَم للحديث بالصحةِ إذا تلقّاه الناسُ بالقَبول -وإنْ لم يكن له إسنادٌ صحيحٌ-، يعني: فحديثُ ابنِ عباس –هذا- حقيقٌ بأنْ يُصَحَّحَ؛ لِمَا تلقَّاه الخلفاء الراشدون، والسابقون الأوَّلون مِن المهاجرين والأنصار، والذي استقرَّ عليه الأمرُ في سائر البلدان والأمصار- انتهى كلامه -ملخَّصاً مختصَراً-!!
قلتُ: التصدِّي لإثبات صحّةِ حديثِ ابنِ عباس -المتفَقِ على ضعفِه- بمثل هذا الكلام الواهي عصبيةٌ باردةٌ، لا يَفعلُ هذا إلا صاحبُ التقليدِ الأجوفِ، والعصبيةِ العمياءِ؛ لأنَّ الصحيحَ الثابتَ عن عمر، هو: جمعُهُ الناسَ على إحدى عشرةَ ركعةً-لا عشرين-كما تقدم-وسيأتي-أيضاً-.
ولو سلَّمْنا أنّ طائفةً من الصحابة والتابعين كانوا يُصلُّون عشرين ركعةً؛ فليس –ههنا- أثرٌ للتلقّي الذي جعله بعضُ العلماء مُوجِباً لقَبول الخبرِ غيرِ الصحيحِ؛ لأنّه لا دليلَ على أنّ حديثَ ابنِ عباس –هذا- قد بلغ هؤلاء الصحابةَ، ولا على أنّهم تعرَّضوا للاحتجاجِ به، واستشهدوا به -عند العمل-، أو استأنسوا به.
وما لم يثبت ذلك لا تصحُّ دعوى وجودِ التلقّي –المصطلَح- الذي يكونُ فيه غِنىً مِن الإسناد.
على أنه قال السُّيُوطيُّ في «التدريب» (ص115) : ممّا لا يَدُلُّ على صحّةِ الحديثِ -أيضاً -كما ذكره أهلُ الأصول-: موافقةُ الإجماعِ له -على الأصحِّ- لجوازِ أن يكونَ المستنَدُ غيرَه. وقيل:( يَدُلُّ)- انتهى-. والحاصلُ: أنّ الثابتَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قيامِ رمضانَ- في الجماعةِ- هو إحدى عشرةَ ركعةً-مع الوتر-لا غير-.
فهي السُّنَّةُ، لا العشرون.
وللهِ دَرُّ ابنِ الهُمَام؛ حيث اعترف بضعفِ حديثِ ابنِ عباس، ومخالفتِه لحديثِ عائشةَ-الصحيحِ-، ولم يتمحَّل لتصحيحِ حديثِ ابنِ عباس، وصرَّح بأن العشرين ليست سنةَ النبي- صلى الله عليه وسلم -.
قلت: ويدلُّ –أيضاً- على كون التراويح ثمانَ ركعاتٍ: ما رُوي عن جابر بن عبد الله، قال: جاء أُبَيُّ بن كعب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إِنه كان منِّي –الليلةَ- شيءُ-يعني: في رمضان-، قال: «وما ذاك -يا أبيّ-؟!»، قال: نِسوةٌ في داري، قُلنَ: إنّا لا نقرأُ القرآنَ، فنصلّي بصلاتك، قال: فصلّيتُ بهنّ ثمانَ ركعاتٍ، وأوترتُ؛ فكانت سُنّةَ الرضا، ولم يقل شيئاً-رواه أبو يعلى، والطبراني –بنحوه- في «الأوسط».
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»- (ج2 ص74) : إسناده حسن- انتهى.
قلتُ: وأخرجه-أيضاً- محمد بن نَصر المَرْوزي في «قيام الليل»، وعبدُ الله بن أحمد في «المسند» (ج5 ص115)-وفي إسناده مَن لم يُسَمّ-.
وسيأتي مزيدُ الكلامِ في هذه المسألةِ).

**

ثم قال –رحمه الله- في (4/329-فما بعد)-بعد إيرادِه حديثَ السائبِ بن يزيدَ، قال: أَمر عمرُ أُبَيَّ بنَ كعبٍ، وتميماً الدَّارِيَّ أنْ يقوما للناسِ بإحدى عشرةَ ركعةً-:
(هذا نَصٌّ في أنّ الذي جَمعَ عليه الناسَ عمرُ -في قيامِ رمضانَ-، وأَمَرَهم بإقامتِه هو (إحدى عشرةَ ركعةً مع الوتر)، وأنّ الصحابةَ والتابعين -على عهدِه- كانوا يصلّون التراويحَ إحدى عشرةَ ركعةً-موافقاً لِمَا تقدّم مِن حديث عائشة: «ما كان يزيدُ في رمضان، ولا في غيرِ رمضان على إحدى عشرةَ ركعةً»-، وموافقاً لِمَا تقدّم مِن حديث جابرٍ: صلّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في شهرِ رمضانَ ثمانَ ركعاتٍ.
فإنْ قلتَ: قال الحافظُ في «الفتح»- بعد ذِكرِ أثرِ عمرَ –هذا-: ورواه عبدُ الرزاق مِن وجه آخر-أي: مِن طريقِ داودَ بنِ قيس-عن محمد بن يوسُف، فقال: إحدى وعشرين...- انتهى-.
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: روى غيرُ مالكٍ -في هذا-:(إحدى وعشرون)، وهو الصحيحُ، ولا أعلمُ أحداً قال فيه:(إحدى عشرة) إلا مالكاً، ويُحتمَل أن يكونَ ذلك –أولاً-، ثم خَفّفَ عنهم طولَ القيام، ونَقَلهم إلى إحدى وعشرين، إلا أنّ الأغلبَ –عندي- أنّ قولَه: (إحدى عشرة) وَهَمٌ- انتهى-.
قلتُ: قال شيخُنا [أبو العُلى المباركفوريّ] في «[تُحفة الأحوذيّ]شرح الترمذي»: قولُ ابنِ عبدِ البَرّ: (إنّ الأغلبَ –عندي- أنّ قولَه: «إحدى عشرةَ» وَهَمٌ) باطلٌ –جداً-.
قال الزُّرْقاني في «شرح الموطأ»- بعد ذِكرِ قولِ ابنِ عبدِ البَرّ-هذا- ما لفظُه: (ولا وَهَم)، وقولُه: (إن مالكاً انفرد به): ليس كما قال؛ فقد رواه سعيدُ بن منصور -مِن وجهٍ آخَرَ- عن محمدِ بن يوسُف، فقال:( إحدى عشرةَ)- كما قال مالكٌ- انتهى كلامُ الزُّرْقاني-.
وقال النِّيمَوي في «تعليق آثار السنن» (ج2 ص52) : ما قاله ابنُ عبدِ البَرِّ مِن وَهَم مالكٍ؛ فغَلَطٌ-جداً-؛ لأنّ مالكاً قد تابعه عبدُ العزيز بن محمدٍ: عند سعيدِ بنِ منصور في «سُننه»، ويحيى بنُ سعيد القَطّان: عند أبي بكر بنِ أبي شيبة في «مُصنَّفه»: كلاهما عن محمد بن يوسُف، وقالا: (إحدى عشرةَ ركعةً)- كما رواه مالكٌ عن محمد بن يوسُف.
وأخرج محمد بن نصر المَرْوَزي في «قيام الليل» مِن طريق محمد بن إسحاقَ: حدّثني محمد بن يوسُف، عن جدِّه السائبِ بن يزيدَ، قال: كنّا نصلّي في زمنِ عمرَ -في رمضانَ- ثلاثَ عشرةَ ركعةً- انتهى-.
قال النِّيمَوي: هذا قريبٌ ممّا رواه مالكٌ عن محمدِ بنِ يوسُف-أي: مع الركعتين بعد العشاء- انتهى كلامُ النِّيمَوي -.
قال الشيخُ: فلمّا ثبَت أنّ الإمامَ مالكاً لم ينفردْ بقولِه:( إحدى عشرةَ)؛ بل تابعه عليه عبدُ العزيز بن محمد-وهو ثقةٌ-، ويحيى بنُ سعيد القَطّان إمامُ الجرح والتعديل-وهو ثقةٌ، متقنٌ، حافظٌ، إمامٌ- على ما قال الحافظُ في «التقريب»-: ظهر لك -حَقَّ الظهورِ- أنّ قولَ ابنِ عبدِ البَرِّ: (إنّ الأغلبَ أنّ قولَه: «إحدى عشرةَ» وَهَمٌ): ليس بصحيح.
بل لو تدبَّرتَ: ظَهَرَ لك أنّ الأمرَ على خلافِ ما قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أن الأغلبَ أنّ قولَ غيرِ مالكٍ -في هذا الأثرِ-:( إحدى وعشرون)- كما في رواية عبد الرزاق-: وَهَمٌ؛ فإنه قد انفرد هو بإخراجِ هذا الأثرِ بهذا الللفظِ! ولم يُخرِجْه –به- أحدٌ غيرُه -فيما أعلمُ-.
وعبدُ الرزّاق-وإن كان (ثقةً حافظاً)- لكنّه قد عَمِيَ في آخرِ عمرِه، فتغيَّر-كما صرّح به الحافظُ في «التقريب»-.
وأمّا الإمامُ مالكٌ؛ فقال الحافظُ في «التقريب»: (إمام دار الهِجرة، رأسُ المُتْقِنين، وكبيرُ المتثبِّتين)؛ حتى قال البُخاري: أصحُّ الأسانيدِ –كلِّها-: مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمر- انتهى-.
ومع هذا؛ لم ينفردْ هو بإخراجِ هذا الأثرِ بلفظِ: (إحدى عشرةَ)؛ بل أخرجه –أيضاً- بهذا اللفظ-: سعيدُ بنُ منصور، وابنُ أبي شيبة-كما عرفتَ-.
فالحاصلُ: أنَّ لفظَ: (إحدى عشرةَ)- في أثرِ عُمرَ بنِ الخَطَّاب- المذكورِ- صحيحٌ، ثابتٌ، محفوظٌ، ولفظُ: (إحدى وعشرين) -في هذا الأثر- غيرُ محفوظٍ، والأغلبُ أنَّه وَهَمٌ- والله- تعالى- أعلمُ- انتهى كلامُ الشيخِ-.
فإنْ قلتَ: قال صاحبُ «الأَوجَزِ»: الظاهرُ –عندي- ما رجَّحَه ابنُ عبدِ البَرِّ؛ لأنَّ جُلَّ الرِّواياتِ نَصٌّ في أنَّها كانت (عشرين ركعة)، لكنْ؛ الوَهَمُ – عندي- فيه-: عن محمد بن يوسُف؛ لأنَّ نسبَةَ الوَهَم إلى الإمامِ أبعدُ مِن النِّسبة إليه.
ويؤيِّدُهُ: روايةُ سعيدِ بنِ منصور.
وقد روى يزيدُ بن خَصِيفَةَ، عن السائبِ بن يزيدَ: أنَّهم كانوا يقومونَ- في عهدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابَ- بعشرين ركعة- انتهى-.
قلتُ: كلامُ صاحبِ «الأوجز» باطلٌ –جِدًّا-؛ لأنَّه لم يَثبت الأمرُ بعشرين -عن عُمَر- بسندٍ صحيحٍ خالٍ عن الكلام.
والآثارُ التي تُذْكَرُ -في ذلك- لا يخلو واحدٌ منها عن مقالٍ؛ فإنَّها إمَّا مراسيلُ مُنْقَطِعةٌ، أو مَوْصولةٌ ضَعيفَةٌ- كما حقَّقَه شيخُنا في «شرح الترمذي»-؛ فكيف تكونُ هي دليلاً على كونِ روايةِ (إحدى عشرةَ)- الصَّحيحةِ- وَهَمًا؟!
وأمَّا نسبةُ الوَهَمِ إلى محمد بنِ يوسُف؛ فهي كنسبةِ الوَهَم إلى الإمامِ مالكٍ: مِمَّا لا يُلْتَفَتُ إليه؛ لكونِها مجرَّدَ ادِّعاءٍ!
وأمَّا روايةُ يزيدَ بنِ خَصِيفةَ، عن السائب بن يزيدَ: فهي عند البَيْهَقيِّ مِن وَجْهَين: في أحدِهما: أبوعثمان عمرو بن عبد الله البَصْريُّ، وفي الآخَرِ: أبو عبدالله الحُسين بن فَنْجَوَيْهِ الدِّينوَريّ ! ولم أقف على ترجمتِهما، ولم يُعرَف حالُهما وأنهما ثقتانِ قابلانِ للاحتجاج، أم لا !).
**

ثُمَّ قال-رحمه الله-تعالى- في (4/331) -:
(واعلَمْ أنَّهم اختلفوا في المُختارِ مِن عددِ الركعاتِ التي يقومُ بها الناسُ: قال العَينيُّ في «شرح البخاري» (ج11 ص126): قد اختلف العلماءُ في العددِ المستحبِّ- في قيامِ رمضانَ- على أقوالٍ كثيرةٍ:
* فقيل: إحدى وأربعون، قال التِّرمذي: رأى بعضُهم أن يصلِّي إحدى وأربعين ركعةً مع الوتر، وهو قولُ أهلِ المدينة، والعملُ على هذا عندهم- بالمدينة-، قال شيخُنا- يعني: العراقي-: وهو أكثرُ ما قيل فيه.
قال العينيُّ: ذكر ابنُ عبدِ البَرِّ في «الاستذكار» عن الأسود بن يزيدَ: كان يُصلِّي أربعين ركعةً، ويوتر بسبعٍ- هكذا ذكره-،ولم يقل: إنَّ الوترَ من الأربعين.
* وقيل: ثمانٍ وثلاثون، رواه محمد بنُ نصر من طريق ابن أيمن عن مالكٍ، قال: يُسْتَحَبُّ أن يقومَ الناسُ في رمضان بثمانٍ وثلاثينَ ركعةً ، ثم يُسلِّمَ الإمامُ والناسُ ، ثم يوترَ بهم بواحدةٍ، قال: وهذا العملُ بالمدينة- قبل الحَرَّةِ- منذ بضعٍ ومائةِ سنةٍ إلى اليوم.
* وقيل: ستٌّ وثلاثون، وهو الذي عليه عملُ أهل المدينة.
وروى ابنُ وهب، قال: سمعتُ عبدَ الله بنَ عمر يحدِّثُ عن نافع، قال: لم أُدرك الناسَ إلا وهم يُصَلُّون تسعاً وثلاثين ركعةً، ويوترون منها بثلاثٍ.
* وقيل: أربعٌ وثلاثون -على ما حُكِيَ عن زُرارة بن أَوْفى-: أنَّه كذلك كان يصلِّي بهم في العشرِ الأخيرِ.
* وقيل: ثمانٍ وعشرون، وهو المرويُّ عن زُرارة بنِ أَوْفى في العِشرين الأَوَّلِين من الشهر، وكان سعيدُ بنُ جُبَير يفعُله في العَشْر الأخِير.
* وقيل: أربعٌ وعشرون، وهو مرويٌّ عن سعيد بن جُبَير.
* وقيل: عشرون، وحكاه التِّرمذيُّ عن أكثرِ أهلِ العلم؛ فإنَّه مرويٌّ عن عمرَ، وعلي- وغيرِهما من الصحابة-، وهو قولُ أصحابِنا الحنفيَّة.
* وقيل: إحدى عشرةَ ركعةً، وهو اختيارُ مالكٍ لنفسِه، واختاره ابنُ العَرَبيّ- انتهى كلام العيني-.
وقال السُّيوطي في رسالته «المَصابيح في صلاة التراويح»: قال الجُورِيُّ-من أصحابنا-، عن مالكٍ، أنَّه قال: الذي جَمَعَ عليه الناسَ عمرُ بنُ الخطَّاب أَحَبُّ إليّ، وهي: إحدى عشرةَ ركعةً، وهي صلاةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
قيل له: إحدى عشرةَ ركعةً بالوتر؟ قال: نعم، وثلاثَ عشرةَ قريبٌ.
قال: ولا أدري مِن أين أُحدِثَ هذا الركوعُ الكثير!- انتهى-.
قال شيخُنا في «شرح التِّرمذي»: القولُ الراجحُ المختارُ الأَقْوى- مِن حيثُ الدَّليلُ- هو هذا القولُ الأخيرُ، الذي اختاره مالكٌ لنفسِه- أعني: إحدى عشرةَ ركعةً ، وهو الثابتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسَّند الصَّحيح.
وبها أَمَرَ عمرُ بُن الخَطَّاب.
وأمَّا الأقوالُ الباقيةُ؛ فلم يَثبُت واحدٌ منها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-بسندٍ صحيحٍ، ولا ثَبَتَ الأمرُ به عن أحدٍ مِن الخلفاء الراشدين-بسندٍ صحيحٍ خالٍ عن كلامٍ-.
ثُمَّ ذَكَرَ حديثَ عائشةَ -المذكورَ-: «ما كان يزيدُ في رمضانَ- ولا في غيرهِ- على إحدى عشرةَ ركعةً»، وحديثَ جابرٍ، قال: صلَّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في شهرِ رمضانَ ثمانَ ركعاتٍ، وحديثَ جابرٍ، عن أُبَيٍّ: في إمامتِهِ للنساء في دارِهِ بثمانِ ركعاتٍ.
ثم ذَكَرَ أثرَ عُمَرَ -الذي نحنُ بصَدَدِ شرحِه-.
قلتُ: واسْتُدِلَّ لِمَن ذهب إلى أنَّ التراويحَ عشرون ركعَةَ- سوى الوتر- بما تقدَّم مِن حديث ابنِ عباسٍ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يصلَّي -في رمضانَ- عشرينَ ركعةً سوى الوتر!
وقد تقدَّم أنَّه حديثٌ ضعيفٌ -جدًّا-، غيرُ صالحٍ للاستدلال.
و: بما روى عبدُ الرَّزَّاق، عن داودَ بن قيس، عن محمد بن يوسُف، عن السائب بن يزيدَ: أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ جَمَعَ الناسَ -في رمضانَ- على أُبَيِّ بنِ كعبٍ، وعلى تَميمٍ الداريٍ: على إحدى وعشرين ركعةً!
وقد تقدَّم أنَّ قولَه: "إحدى وعشرين" -في هذه الرِّواية- وَهَمٌ.
على أنَّه مُضِرُّ للحنفيّةِ؛ مِن حيث إنَّه يستلزمُ أن يقولوا بكونِ التراويحِ ثمانيَ عشرةَ ركعةً! أو بكونِ الوترِ ركعةً واحدةً فَرْدَةً، فَافْهَم!
و: بما روى البيهقيُّ في «المَعْرفة» مِن طريق محمد بن جعفرٍ، عن يزيدَ بن خَصِيفةَ، عن السائب بن يزيدَ، قال: «كُنَّا نقومُ في -زمانِ عمرَ بنِ الخَطَّابِ- بعشرينَ ركعةً، والوترِ».
وصحَّح إسنادَه السُّبْكِيُّ في «شرح المنهاج»، والقارِي في «شرح الموطأ».
وأُجيبَ عنه: بأنَّ في سندِه أبا عثمان البصريَّ، واسمُه: عمرُو بنُ عبدِ الله، قال النِّيمَويُّ في «تعليق آثار السُّنن»: لم أقفْ على مَن ترجم له!
وقال شيخُنا في «شرح التِّرمذي»: لم أقفْ أنا – أيضاً- على ترجمتِه، مع التَّفحُّص الكثيرِ؛ فَمَن يدَّعي صِحَّة هذا الأثرِ؛ فعليه أنْ يُثْبِتَ كونَه ثقةً، قابلاً للاحتِجاج.
ومع هذا؛ فهو مُعارَضٌ بما روى سعيد بنُ منصورٍ في «سُننه»، قال: حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمد: حدَّثني محمدُ بن يوسُفَ: سمعتُ السائبَ بن يزيدَ، يقول: كُنَّا نقومُ- في زمانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّاب- بإحدى عشرةَ ركعةً.، قال السُّيوطي في رسالته «المصابيح»: إسنادُه في غايةِ الصِّحَةِ- انتهى-.
و-أيضاً-: هو معارَضٌ بما روى أبو بكر بِنُ أبي شيبةَ، قال: حَدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّان، عن محمد بن يوسُفَ: أنَّ السائبَ أخبره: أنَّ عُمَرَ جَمَعَ الناسَ على أُبَيٍّ وتميمٍ، فكانا يُصَلِّيان إحدى عشرةَ ركعةً- وإسنادُه صحيحٌ-.
و-أيضاً-: هو معارَضٌ بما روى محمدُ بن نصر في «قيام الليل» مِن طريق محمد بن إسحاقَ: حدَّثني محمد بن يوسُفَ، عن جدِّه السائبِ بنِ يزيدَ، قال: كُنَّا نُصلِّي- في زمنِ عُمَرَ- ثلاثَ عشرةَ ركعةً.
وهو- أيضاً-: مُعارَضٌ بما ذكره المُصَنِّفُ مِن رواية مالكٍ، عن محمدِ بن يوسُفَ، عن السائبِ بنِ يزيدَ، أنَّه قال: أمر عمرُ أُبَيَّ بنَ كعبٍ وتميماً الداريَّ أَنْ يقوما للناسِ بإحدى عشرةَ ركعةً.
فَأَثَرُ السائبِ بنِ يزيدَ -الذي رواه البيهقيُّ- لا يصلُحُ للاحتجاجِ.
فإِنْ قلتَ: روى البيهقي هذا الأَثَرَ في «السُّنن» من طريق ابنِ أبي ذئبٍ، عن يزيدَ بن خَصِيفَةَ، عن السائبِ بنِ يزيدَ، بلفظ: كانوا يقومون على عهدِ عمرَ بنِ الخَطَّابِ- في شهر رمضانَ- بعشرين ركعةً، وصحَّح إسنادَه النَّوويُّ – وغيرُه-!
قلتُ: قال شيخُنا: في إسنادِه أبو عبد الله بنُ فَنْجَوَيْةِ الدِّينَوَريُّ- شيخُ البيهقيِّ-، ولم أقِفْ على ترجمته؛ فَمَن يدَّعي صِحَّةَ هذا الأثِر؛ فعليه أنْ يُثبِتَ كونَه ثقةً، قابلاً للاحتجاج.
وأمَّا قولُ النِّيمَويِّ: (هو من كبار المُحدِّثين في زمانِه، لا يُسأل عن مثلهِ)؛ فَمِمَّا لا يُلْتَفَتُ إليه؛ فإنَّ مجرَّدَ كونِهِ (مِن كبار المُحَدِّثين...) لا يستلزمُ كونَه ثقةً.
تنبيهان:
* الأول: قال صاحبُ «الأوجز»: قال في «الفتح الرَّحْماني»: قال العلامةُ العَينيُّ: احتجَّ أصحابُ الشافعيِّ وأحمدَ بما رواه البيهقيُّ- بإسنادٍ صحيحٍ- عن السائبِ بنِ يزيدَ، قال: كانوا يقومون- على عهد عمر- بعشرينَ ركعةً، وعلى عهدِ عثمانَ وعليٍّ مثلَه!
قلتُ: قال النِّيمَويُّ في «تعليق آثار السُّنن»: قولُه: «وعلى عهدِ عثمانَ وعليٍّ مثلَه»: قولٌ مُدْرَجٌ لا يوجَدُ في تصانيفِ البيهقي- انتهى-.
الثاني: قد جمع البيهقيُّ –وغيرُه- بين رِوايَتَيِ السائبِ -المُختلِفَتَيْنِ المذكورَتَيْنِ-: بأنَّهم كانوا يقومون (بإحدى عشرةَ ركعةً)، ثم كانوا يقومون (بعشرين، ويوترون بثلاث).
قال شيخُنا: فيه: أنَّه لِقائلٍ أنْ يقولَ: بأنَّهم كانوا يقومونَ –أولاً- بعشرين ركعةً، ثم كانوا يقومون بإحدى عشرة ركعة.
وهذا هو الظاهرُ؛ لأنَّ هذا كان مُوافِقاً لِمَا هو الثابتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذاك كان مخالفا له؛ فَتَفَكَّرْ- انتهى-.
قال بعضُ الحنفيَّة: ويُمْكِنُ أنْ يُجْمَعَ بينهما بوجهٍ آخَرَ، وهو أن يقالَ: إنَّ رواية (إحدى عشرين): باعتبارِ مجموعِ ما صَلَّياه، و(إحدى عشرة): باعتبار كلِّ واحدٍ منهما، فكان يصلِّي كلُّ واحدٍ منهما عشراً عشراً، والواحدُ (الوترَ): يُصَلّي مرةً هذا، ومرةً هذا، فيصحُّ النسبةُ إليهما.
وفيه: أنَّ هذا الجمعَ مُضِرٌّ للحنفيَّةِ؛ لأنَّه يدلُّ على أنَّ عُمَرَ جمعَ الصحابةَ على الإيتارِ بركعةٍ واحدةٍ فَرْدةٍ!
وهو مخالفٌ لمذهبِ الحنفيَّة؛ إلا أنْ يقولوا: بأنَّ التراويحَ كانت ثمانيَ عشرةَ ركعةً، لكنْ؛ ليس هذا مذهبَهم؛ فَتَفَكَّرْ.
قلتُ: واستُدِلَّ –أيضاً- للحنفيةِ- ومَن وافَقَهُم- بما روى مالكٌ- ومن طريقِه البيهقيُّ -عن يزيدَ بنِ رُومَان، أنَّه قال: كان الناسُ يقومون- في رمضانَ- في زمانِ عمرَ بن الخَطَّاب- بثلاثٍ وعشرينَ ركعةً.
وفيه: أنَّ هذا الأَثَرَ منقطعٌ، غيرُ صالحٍ للاستدلال؛ لأنَّ يزيدَ بنَ رُومَان لم يُدرك عمرَ بنَ الخَطَّاب- كما صَرَّح به الزيلعيُّ والعَينيُّ- وغيرهما-.
وبما روى ابنُ أبي شيبةَ عن وكيعٍ، عن مالكٍ، عن يحيى بن سعيدٍ: أنَّ عمرَ بنَ الخَطَّابِ أمر رجلاً يُصَلِّي بهم عشرين ركعةً.
وفيه: أنَّ يحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ لم يُدرِك عُمَر- كما اعترف به النِّيمويُّ-.
وقال ابنُ المَدِيني: لا أعلمُه سمع مِن صحابيٍّ غيرِ أنس؛ فهذا الأثرُ منقطعٌ، لا يصلُحُ للاحتجاج .
ومع هذا؛ فهو مخالفٌ لِمَا ثبتَ بسندٍ صحيحٍ عن عُمر: أنَّه أمَر أُبَيَّ بنَ كعبٍ وتميماً الداريَّ أنْ يقوما للناسِ بإحدى عشرةَ ركعةً.
و-أيضاً-: هو مُخالفٌ لما ثبتَ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديثِ الصَّحيحِ، وبما روى – أيضاً- ابنُ أبي شيبةَ عن عبد العزيز بن رُفَيع، قال: كان أُبَيُّ بنُ كعبٍ يُصلّي بالناسِ- في رمضانَ- بالمدينة- عشرينَ ركعةً، ويوتر بثلاث.
وفيه: أنَّ هذا – أيضاً- منقطعٌ، غيرُ صالحٍ للاستدلال؛ لأنَّ عبدَ العزيز بنَ رُفَيع لم يُدرك أُبَيَّ بن كعب-، كما صرَّح به النِّيمَويُّ.
ومع هذا؛ فهو مخالفٌ لِمَا تقدَّم أنَّ عَمَرَ أَمَرَ أُبَيًّا وتميماً أَنْ يقوما للناسِ بإحدى عشرةَ ركعةً!
وهذا – أيضاً- منقطع؛ فإنَّ الأعمشَ لم يُدرك ابنَ مسعود.
و: بما روى البيهقيُّ في «السُّنن» (ج2 ص497)، وابنُ أبي شيبة في «المصَّنف» عن أَبي الحَسْناء: أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ أمر رجلاً أن يصلّي بالناسِ خمسَ ترويحاتٍ- عشرينَ- ركعةً-.
وفيه: أنَّ مَدارَ هذا الأثرِ على أبي الحَسْناء، وهو مجهولٌ- كما قال الحافظُ في «التَّقريب»: وقال الذَّهبي في «الميزان»: لا يُعْرف.
ورواه -أيضاً- البيهقيُّ (ج2 ص496) مِن وجهٍ آخرَ، أي: من طريقِ حَمَّاد بن شُعَيب، عن عطاءِ بنِ السائب، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن عليٍّ، قال: دعا القُرَّاءَ في رمضانَ، فأمر منهم رجلاً يُصلِّي بالناسِ عشرين ركعةً، قال: وكان عليٌّ يوترُ بهم.
وفيه: أنَّ هذا الأثرَ – أيضاً- ضعيفٌ، غيرُ صالحٍ للاحتجاج، بل ولا للاستشهادِ! ولا للاعتبار!
قال النِّيمَويُّ في «تعليق آثار السُّنن»- بعد ذكرِه حمَّادَ بنَ شُعيب-: ضعيف، قال الذَّهَبِيُّ في «الميزان»: ضعَّفه ابنُ معينٍ -وغيرُه-، وقال يحيى- مرَّةً-: لا يُكتَب حديثه، وقال البُخاري: فيه نَظَرٌ، وقال النَّسَائي: ضعيفٌ، وقال ابنُ عَدِي: أكثرُ حديثِهِ ممَّا لا يُتابَع عليه- انتهى كلام النِّيمَويُّ-.
واستُدِلَّ لهم –أيضاً- بآثارٍ أخرى ذكرها النِّيمَويُّ –وغيرُه-، لا يخلو واحدٌ منها عن وَهَنٍ.
تنبيهٌ: قد ادَّعى بعضُ الناسِ أنَّه وقع الإجماعُ على عشرين ركعةً- في عهد عمر-، واستقرَّ الأمرُ على ذلك في الأمصار!
قال شيخُنا: دعوى الإجماعِ على عشرين، واستقرارِ الأمر على ذلك- في الأمصار-: باطلةٌ -جدًّا-!
كيف وقد عرفتَ- في كلام العينيِّ- أنَّ في هذا أقوالاً كثيرة، وأنَّ الإمامَ مالكًا قال: وهذا العملُ - يعني: القيامَ في رمضانَ- بثمانٍ وثلاثين ركعةً، والإيتارَ بركعة- بالمدينةِ-قبل الحَرَّة- منذ بضعٍ ومائةِ سنةٍ إلى اليوم- انتهى-.
واختار هذا الإمامُ إمامُ دار الهجرة لنفسِه إحدى عشرةَ ركعة.
وكان الأسودُ بنُ يزيدَ النَّخَعِيُّ –الفقيهُ- يُصَلِّي أربعين ركعةً، ويوتر بسبعٍ.
وتذَكَّرْ باقي الأقوالِ التي ذَكَرها العينيُّ.
فأين الإجماعُ على عشرينَ ركعةً!؟
وأين الاستقرارُ على ذلك في الأمصارِ؟!).

قلتُ:
هذا آخِرُ كلامِ محدِّثِ الهندِ العلامةِ الشيخِ عُبَيدِ الله الرحمانيِّ المُباركفوري-رحمه الله-في هذا الموضوعِ المهمّ الجليلِ.
واللهُ الموفّقُ لا رَبَّ غيرُه، ولا إله سِواه.




عمّان-الأُردُنّ
في 22/ شعبانَ /1439هجرية
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:29 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.