أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
17178 104572

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الحديث وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 01-26-2018, 06:46 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي الحديث المُدَلَّس وأحكامه

الحديث المُدَلَّس وأحكامه
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (21)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني:
ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب السقط، وإليكم القسم الخامس والأخير الذي بسبب السقط :
الخامس : المُدَلَّس
وهو قسمان : تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ.
قال الحافظ ابن جماعة في المنهل الروي : فالأول تدليس الإسناد : وهو أن يروي عَمَّنْ لقيه أو عاصره([1]) ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، ولا يقول أخبرنا وما في معناه ونحوه بل يقول : قال فلان أو عن فلان أو أن فلاناً قال وشبه ذلك ، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر.
وهذا القسم من التدليس مكروه جداً ، وفاعله مذموم عند أكثر العلماء ومَنْ عُرِفَ به مجروح عند قوم ،لا تقبل روايته بَيَّنَ السماع أو لم يبينه.
والصحيح التفصيل في ما بَيَّنَ فيه الاتصال بـ: سمعت وحدثنا ونحو ذلك فهذا مقبول ، وفي الصحيحين وغيرهما منه كثير ، وذلك لأن هذا التدليس ليس كذباً ما لم يبين فيه الاتصال ، بل لفظه محتمل فحكمه حكم المرسل([2])، إذا لم يثبت التصريح ولو في رواية أخرى.
وظاهره أن ابن جماعة لا يفرق بين تدليس الإسناد والمرسل الخفي ، والصحيح التفريق.
قال الحافظ في النزهة : "والفرق بين المدلَّس والمرسل الخفي دقيقٌ حصل تحريره بما ذُكِر هنا : وهو أن التدليس يختص بمن روى عَمَّنْ عُرِف لقاؤه إياه ، فأما إن عاصره ، ولم يعرف أنه لقيه ، فهو المرسل الخفي.
ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ، ولو بغير لُقي ، لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه، والصواب التفرقة بينهما([3])اهـ ، ثم أخذ الحافظ يدلل على ذلك.
قلت : والمرسل الخفي وكذا المدلس ينجبر ويعضد بمثله ونحوه في المرتبة إن وجد له شاهد أو متابع ، ما لم يكن المدلِّس ِممَّنْ احْتُمِلَ سماعه فإن كان كذلك فحديثه حجة ، وهو مرتبتان عند الحافظ في طبقاته :
الأولى : مَنْ لم يوصف بذلك إلا نادراً كيحيى بن سعيد الأنصاري.
الثانية : مَنِ احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري ، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة.

فائدة :
قال الحافظ في الطبقات : الثالثة : " مَنْ أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ، ومنهم مَنْ رَدَّ حديثهم مطلقاً، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي، قلت : والصحيح أنه يحتج به إذا صرح ولو في رواية أخرى كما تقدم.
الرابعة : مَنِ اتُّفِقَ على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء، والمجاهيل كبقية بن الوليد، وهذا في تدليس التسوية، وقد تقبل الرواية بشرط التصريح في كل السند أو جله كما سيأتي بيانه.
الخامسة : مَنْ ضُعِّفَ بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع إلا أن يُوَثَّقَ من كان ضَعْفُه يسيراً كابن لهيعة" اهـ
قلت : والأخذ بهذه المراتب أسلم لطلبة الحديث حتى لا يحصل الخلط.
القسم الثاني : تدليس الشيوخ وهو أن يسمي شيخاً سمع منه بغير اسمه المعروف ، أو يكنيه ، أو ينسبه ، أو يصفه بما لم يشتهر به كي لا يعرف وهذا أخف من الأول.
وتختلف الحال في كراهيته بحسب اختلاف القصد الحامل عليه، وهو إما لكونه ضعيفاً أو صغيراً أو متأخر الوفاة أو لكونه مكثراً عنه فيكره تكراره على صورة واحدة وهو أخفه.
وقد جرى عليه المصنفون وتسامحوا به ، وأكثر الخطيب منه.
إلا أنه لا بدَّ من النظر في هذا الشيخ الذي حصل به التدليس .
والبحث عن اسمه ليعرف حاله ، فإن كان مقبول الرواية قبل حديثه ، وإن كان دون ذلك فمردود ، وينظر هل سمع أم لم يسمع ، ثم يحكم على روايته بما تستحق.
وهناك نوعان من التدليس مشهوران وهما يندرجان تحت تدليس الإسناد:
الأول : تدليس التسوية : وهو إسقاط ضعيف بين ثقتين سواء سمع أحدهما من الآخر أم لا – وأعني أنه عاصره – ومن مشاهير من عرف بذلك الوليد بن مسلم ، وهذا نوع قبيح إلا أنه لا يعد جرحاً للراوي ، ولكن لا تقبل روايته إن كان ثقة حتى يصرح بالتحديث إلى تلميذ طرف الخبر – أي يصرح بالتحديث عن شيخه وشيخ شيخه ، وهكذا إلى منتهاه ما لم يكن الحديث قد جاء من طريق آخر صحيح أو حسن ، فيه التصريح الذي لا يحتمل غيره.
الثاني : تدليس السكوت : وهذا قبيح أيضاً إلا أن الأول أقبح وهذا محتمل.
وتعريفه : أن يحدث الراوي فيقول : مثلاً حدثنا أو أخبرنا فيسكت ثم يقول : فلان وهكذا ، فسكوته قد يفيد أنه تكلم في نفسه بشيئ لا يفيد أنه سمع ممن حدث عنه ، وإنما بواسطة راوٍ آخر ، أو أنه نفى أن يكون حدثه من تفوَّه به عندما قال : حدثنا.
ولتوضيحه كأن يقول الراوي علانيةً حدثنا: فيسكت ، ويقول في نفسه مثلاً ما حدثنا ثم يقول : هشام وهكذا ، ومعناه أنه ما سمع هذا الحديث من هشام ، وإنما سمعه من غيره ، ففيه شيئ من الانقطاع ، وقد يكون سمعه بالفعل إلا أنه يشك فيه بسبب سكوته ، وممن عرف بذلك عمر بن علي بن عطاء المقدمي وهو من رجال الكتب الستة.
قال الحافظ في تهذيب التهذيب : " قال ابن سعد : كان ثقة ، وكان يدلس تدليساً شديداً يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت ، فيقول هشام بن عروة والأعمش ، وقال : كان رجلاً صالحاً ولم يكونوا ينقمون عليه غير التدليس، وأما غير ذلك فلا ولم أكن أقبل منه حتى يقول حدثنا.
وقال أبو حاتم : محله الصدق ولولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة"([4]) اهـ
وهذا النوع والذي قبله ينبغي أن يتوقف في رواية مَنْ عرف به حتى ظهور الشاهد أو المتابع، والله أعلم
فائدة : هناك تدليسان آخران وهما : تدليس العطف والقطع وكلاهما من تدليس الإسناد أيضاً.
قال الحافظ في الطبقات : " تدليس القطع وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله مثلاً الزهري عن أنس.
وتدليس العطف : وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ، ويعطف عليه شيخا آخر له ، ولا يكون سمع ذلك من الثاني" اهـ.
انتهت أقسام الحديث المردود بسبب السقط.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
([1]) لا يقال : أو عاصره حتى لا يقع الخلط بينه وبين المرسل الخفي ، فالخفي لا تلزم فيه اللقي بخلاف المدلَّس.
([2]) محمد بن إبراهيم بن جماعة، المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ، تحقيق : محيي الدين عبد الرحمن رمضان، دار الفكر ، دمشق، الطبعة الثانية، 1406هـ ، (ص72).
([3]) ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، مصدر سابق ، (ص114).
([4]) أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1404هـ ، 1984م ، (7/ 427).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 01-28-2018, 09:46 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي أقسام الحديث المردود بسبب الطعن في الراوي

أقسام الحديث المردود بسبب الطعن في الراوي
مع بيان ما يتعلق بالحديث الموضوع من أحكام
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (22)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني _

بعد أن انتهيت من أقسام المردود بسبب السقط، أشرع الآن في القسم الثاني، فأقول وبالله التوفيق :
ثانياً : أقسام المردود بسبب طعن.
وينقسم إلى عشرة أقسام : خمسة تتعلق بالعدالة وهي كذب الراوي ، وتهمته به ، وفسقه ، وبدعته ، وجهالته .
وخمسة تتعلق بالضبط وهي وَهَمْ الراوي وفحش غلطه وغفلته ومخالفته لمن هو أوثق منه وسوء حفظه.
وأعلاها في التجريح : كذبه، ثم تهمته به، ثم فسقه، وهكذا حسب ما رتبناها آنفاً.

بيان
أقسام الحديث المردود بسبب الطعن
الأول : الموضوع وهو الحديث المصنوع على رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.

وواضعه : كل راوٍ قالوا فيه كذاب أو دجال أو وضَّاع وشبهها من الألفاظ.
ويُعرف الوضع بأمور منها : إقرار قائله أو ركاكة ألفاظه إذ ألفاظ النبوة لها رونق ونور وبلاغة، ولا يتقن ذلك سوى أرباب الحديث وجهابذته.

وسبب الوضع إما عدم الدين كالزنادقة ، فقد قيل : إنهم وضعوا أربعة عشر ألف حديث.
أو انتصار لمذهب كمأمون بن أحمد السلمي الحنفي من أهل هراة خبيث كذاب ، يروي عن الثقات مثل هشام بن عمار ، ودحيم بن اليتيم أحاديث موضوعة فمما حدث عن أحمد بن عبد الله وهو الكذاب الجويباري الحنفي عن عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مسنداً " يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس ، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة وهو سراج أمتي".
أو تقرباً لبعض الرؤساء والخلفاء والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم وآراءهم كغياث بن إبراهيم حيث وضع للمهدي في حديث " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"([1]) فزاد فيه " أو جناح" وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها بعد ذلك ، وأمر بذبحها ، وقال : أنا حملته على ذلك.
أو غلبة الجهل احتساباً للأجر على زعم الوضاع كما رُوي أنه قيل لأبي عصمة - الملقب بالجامع أي لكل شيء إلا الصدق - من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورةً ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟
فقال : رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعتها حسبة.
أو تكسباً يتكسبون بذلك ويترزقون في قصصهم كأبي سعد المدائني.
أو ليمتحنوا أولادهم، أو ورَّاقين وضعوا لهم أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبدالله بن محمد بن ربيعة القدامي.
أو لإقامة دليل على ما أفتوا به بآرائهم فيضعون كذباً ، كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية إن ثبت عنه.
أو تفاخراً بوجود غرائب ليست عند غيره فيعمد هذا الصنف بقلب سند الحديث ليرغب في سماعه ونحوها من الأمور المنكرة والمحرمة اتفاقاً ، لكونها كذباً على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- .
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
______
([1]) أخرجه أحمد والأربعة إلا ابن ماجه من حديث أبي هريرة ، والحديث صحيح.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 02-09-2018, 08:16 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي تعريف الحديث المتروك والمنكر

تعريف الحديث المتروك والمنكر
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (23)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث عن أقسام المردود بسبب الطعن في الراوي، فأقول وبالله التوفيق :
الثاني : الحديث المتروك وهو حديث الراوي الذي اتهم بالكذب كحديث "إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي ، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأنَّ معي أحد" أخرجه الدارقطني في السنن.
وقال : تفرد به زكريا الوقار وهو منكر الحديث متروك.
فالراوي إذا طعنوا في عدالته وقالوا : متروك ، فحديثه يُسمى بـ : الحديث المتروك.

الثالث : الحديث المنكر وهو حديث الراوي المطعون فيه بفسق أو فحش غلط أو غفلة.
وهو غير المتروك تماماً ، ومثاله حديث " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ، ولا إضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدي الله ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك" أخرجه الترمذي في جامعه.
وفي إسناده : عمرو بن واقد وهو : منكر الحديث.
لكن قد يطلق على الشخص بأنه منكر الحديث متروك ، فتكون النكارة بسبب فسقه أو فحش غلطه أو غفلته ، ويكون ترك حديثه بسبب أنه اتهم أيضاً بالكذب.
ولذا قال الحافظ في تقريبه : بشر بن نمير القشيري بصري متروك متهم.
وقال عن حمزة بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي : متروك متهم بالوضع.
وأمثلة كثيرة غير ما ذكرنا.
فإذا خالف منكرُ الحديث الثقة في حديثه فحديثه منكر ، وحديث الثقة معروف.
سواء كان منكر الحديث أو ضعيفاً مطعوناً بأي طعن من الطعون الأخرى غير وصمة النكارة.

ولتوضيح ذلك بعبارة شاملة نقول :
المنكر : أن يَرْوِيْ الراوي الضعيفُ حديثاً مخالفاً لما رواه مَنْ تقبل روايته ، وتكون النكارة في السند والمتن .

مثالها في السند :
ما أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (2/182) : من طريق حُبيب بضم الحاء المهملة وتشديد التحتية بين موحدتين أولاهما مفتوحة ابن حَبيب بفتح المهملة بوزن كريم أخى حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحجَّ وصام وقَرَى الضيف دخل الجنة" .
قال أبو حاتم : هو منكر، لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً وهو المعروف ([1]).
قلت : ولما كان حُبيبٌ ضعيفاً ، خالف الثقات استحق ما رواه أن يكون منكراً.

ومثاله في المتن :
ما أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط من رواية سليمان بن داود اليمامي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ، وانتفوا الآباط وأحدُّوا الفلقتين"([2]).
فالمعروف ما أخرجه مسلم وغيره برواية الثقات دون زيادة : " وانتفوا الآباط ، واحدُّوا الفلقتين" فهي زيادة منكرة.
وقد زادها في المتن : سليمان اليمامي وهو ضعيف ، وخالف غيره من الثقات الذين لم يذكروها.
والمنكر هنا غير ما قيل فيه : منكر الحديث أو يروي المناكير أو له مناكير أو ربما أتى بالمناكير ونحوها ، إذ قد يقال في الرجل الثقة يروي المناكير ولا يعد ذلك جرحاً للراوي وإنما لروايته إن خالفت ما عليه الثقات.
ومثاله : إبراهيم بن المنذر الحزامي
قال الحافظ في التهذيب : " قال النسائي : ليس به بأس.
وقال الساجي : بلغني أن أحمد كان يتكلم فيه ويذمه وكان قدم إلى ابن أبي داود قاصداً من المدينة ، وعنده مناكير.
قال الخطيب : أما المناكير فقلَّما توجد في حديثه إلا أن يكون عن المجهولين ، ومع هذا فإن يحيى بن معين وغيره من الحفاظ كانوا يرضونه ويوثقونه" اهـ
قلت : وهو من رجال البخاري ولذا قبلوا حديثه ، وأخرج له في صحيحه مما لم يُنكر عليه فليتنبه لهذا الأمر.
ومثال آخر : بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبو بردة من رجال الأمهات الست.
ذكر الحافظ في التهذيب فقال : " قال ابن معين والعجلي ثقة.
وقال أحمد بن حنبل : يروي مناكير ، وطلحة بن يحيى أحب إليَّ منه" اهــ
ومع كل ذلك فحديثه مخرج في الصحيحين.
وقد قال الذهبي كما في الميزان : " ما كل من روى المناكير يضعف".
ويقصد -رحمه الله- حتى يتبين أنه من مناكيره.

وهناك تفصيل دقيق وخلاف يسير نوضحه فوق ما ذكرنا لتمام الفائدة في قولهم في الراوي : منكر الحديث، فأقول وبالله التوفيق :
يستعمله البخاري ويعني به : أنه متهم، ويطلقه على الراوي الضعيف، وعليه درج عامة المتأخرين.
قال السخاوي في فتح المغيث (1/ 373) : " قال ابن دقيق العيد قولهم روى مناكير ، لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه : منكر الحديث ، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق الترك لحديثه ، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة" اهـ
وأما الإمام أحمد فكثيراً ما يطلق منكر الحديث على الفرد الذي لا متابع له ، فمذهبه غير مذهب المتأخرين ، لأن المتأخرين يعدون ذلك جرحاً في الراوي ، وأحمد يعده مما يحتاج إلى متابع فيما انفرد فيه وإن كان ثقة.
لذا يجب أن يقف الباحث على ألفاظ أئمة الجرح والتعديل ، وأن يحمل أقوالهم على محملها الصحيح حسبَ مقصد المتكلم ، وهذا يعني : حاجة الباحث إلى النَّفَس الطويل.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
([1]) ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، مصدر سابق ، (ص99).
([2]) تُطلق الفلقتان في اللغة على القطعتين من الشئ بعد الفلق، وعند ابن عدي وغيره بلفظ : "وأَحِدُّوا القلفتين" وهو أصح في اللغة كما بيناه في كتابنا شمس الضحى في حكم الأخذ من اللحى.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 02-22-2018, 10:47 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي تعريف الحديث المعلول أو المعلل

تعريف الحديث المعلول أو المعلل
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (24)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
الرابع : الحديث المعلول أو المعلل، والأول أصح ، وهو حديث الراوي الذي طُعِن فيه بالوهم.
ومثاله : ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال : " خرج رسول الله -صلى الله عليه و سلم- وإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال : ما هؤلاء ؟
فقيل : هؤلاء ناس ليس معهم قرآن ، وأبي بن كعب يصلي بهم وهم يصلون بصلاته ، فقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : " أصابوا ـ أو نِعْمَ ما صنعوا ".
في إسناده : مسلم بن خالد ، قال الحافظ في التقريب : فقيه صدوق كثير الأوهام.
قلت : فقوله : " صدوق كثير الأوهام " يدل على أنه ضعيف إلا أن يتابع ، وليس له متابعة ينجبر حديثه بها ، ولذا ذكره الحافظ في الفتح 4 / 252 وقال : ذكره ابن عبد البر ، وفيه مسلم بن خالد وهو ضعيف.
وقد يطلق عند بعضهم على : كل حديث تلبس بعلة ذات غموض وخفاء في سنده أو متنه مع أن الظاهر السلامة.
ولهذا النوع أفرد شيخنا مقبل الوادعي رسالة أسماها " أحاديث معلة ظاهرها الصحة" ولم يشترط جمع كل الأحاديث المعلة مما ظاهره الصحة، وقد فاته رحمه الله أكثر مما جمع ، ثم يسر الله أن هذبت كتابه وأدخلته ضمن " الجامع الكبير " وأجبت على كل الروايات المذكورة في كتابه مما هي معلة ومما هي وَهَمٌ منه أو اجتهاد.

ومثال هذا النوع :
حديث " أفرضكم زيد "
أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث أبي قلابة عن أنس " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر " وفيه " وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت " صححه الترمذي والحاكم وابن حبان ، وفي رواية للحاكم " أفرض أمتي زيد " وصححها أيضاً ، وقد أعل بالإرسال ، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح إلا أنه قيل لم يسمع منه هذا ، وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي قلابة في العلل ، ورجح هو وغيره كالبيهقي والخطيب في المدرج أن الموصول منه ذكر أبي عبيدة ، والباقي مرسل.
وكما هو معلوم لدى طلبة الحديث أن رواية أبي قلابة عن أنس في الصحيحين ، فظاهر الرواية الصحة ، لكن هذه الزيادة بعينها معلة بالإرسال لكونها محفوظة بعدم سماع أبي قلابة من أنس.
والقاعدة : أن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 02-27-2018, 02:43 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي تعريف الحديث الشاذ وأحكامُه

تعريف الحديث الشاذ وأحكامُه
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (25)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

الخامس : الحديث الشاذ ، وهو حديث مَنْ تقبل روايته مخالفاً لما رواه مَنْ هو أولى منه ، إما ضبطاً ، أو عدالةً أو كثرةً مقبولةً.
وقد يكون في السند ، وقد يكون في المتن .
مثال الشذوذ في السند :
ما أخرجه الترمذي وابن ماجه : من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس : " أن رجلاً تُوفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يدع وارثاً إلا مولى هو أعتقه".
تابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وحماد بن سلمة وغيرهما.
وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ، ولم يذكر ابن عباس .
قال أبو حاتم : المحفوظ حديث ابن عيينة .
فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ومع ذلك رجَّح أبو حاتم رواية من هم أكثر عدداً منه.
وعُرِفَ من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه.
ومثاله في المتن :
ما أخرجه أبو داود في سننه والترمذي في جامعه : من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه".
وقد صححه بعض المتأخرين ، والذي يظهر أنه شاذ.
قال البيهقي : خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا.
فإن الناس إنما رووه من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله ، وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ .
وعبد الواحد ثقة ، وإنما ردَّ حديثه لمخالفته حديث الحفاظ كما في تدريب الراوي للسيوطي.

وهنا لا بد من تفصيل بخصوص زيادة الراوي الذي يقبل حديثه.
وذلك كالآتي :
أولاً : إن كانت الزيادة منافية لما رواه الثقات فهي مردودة مطلقاً.
ثانياً : إن كانت الزيادة غير منافية وإنما موافقة إما معنى ، أو مفسرة أو تستقل بحكم فمقبولة من الثقة ما لم يكن ممن يهم أو يغرب كثيراً أو يغلط في حديثه وليس كل من يهم في الحديث أو يغلط أو يغرب ترد روايته ولو انفرد ، وإنما ترد رواية من يهم أو يغلط كثيراً حتى يغلب عليه الغلط على الصواب أو يخالف حديث الثقات ، ولذا حسَّنَ الحافظ ابن حجر حديث القاسم بن عبدالرحمن الدمشقي في السبلة - يعني اللحية - رغم أنه قال : صدوق يغرب كثيراً ، وهذا التحسين إنما هو بالنسبة لكون حديثه لا يخالف ما رواه الثقات لأنه بمعنى حديث ابن عمر " وفروا اللحى " ، ولا يعد ما ذكروا فيه مثل ذلك جرحاً لعدالة الراوي وإنما نقص لضبطه ، إذ هذا الباب باب مهم عند المفاضلة والمخالفة لترجيح الأقوى من الروايات على غيره ، أما ذات الوهم فلا يسلم منه أحد مهما بلغ حفظه إلا أنه يتفاوت من شخص لآخر.
فهذا الإمام الذهبي يرد على العقيلي تضعيفه ابن المديني شيخ البخاري بسبب ما قيل في ابن المديني من الوَهَم أو الانفراد ببعض المرويات.
يقول كما في الميزان (5/ 169) : " أفما لك عقلٌ ياعقيلي ؟ أتدري فيمن تتكلم ؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ، ولنزيف ما قيل فيهم ، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات ، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك ، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث ، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ، ولا انفرد بما لا يتابع عليه ، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ، وأكمل لرتبته ، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر ، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها ، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء ، فيعرف ذلك" اهــ
وبهذا فإن حصل شئ من المخالفة في باب الشذوذ فالراجح المحفوظ ، والمرجوح شاذ.
ويجلبنا الكلام ونحن نتحدث عن المخالف في قسم النكارة والشذوذ إلى ذكر هذه المخالفات ، وهي ست : إدراج ، ومزيد على متصل الأسانيد ، وقلب ، واضطراب ، وتصحيف ، وتحريف.
وسيأتي بيان ذلك في الحلقات القادمة بإذن الله.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 02-28-2018, 06:56 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي الحديث المدرج والمزيد في متصل الأسانيد

الحديث المدرج والمزيد في متصل الأسانيد
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (26)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
في اللقائين السابقين تكلمت عن المخالف في قسم النكارة والشذوذ، وهذا يجلبنا - كما قلت في اللقاء السابق - للحديث عن بقية المخالفات في علم المصطلح ، وهي ست : إدراج ، ومزيد على متصل الأسانيد ، وقلب ، واضطراب ، وتصحيف ، وتحريف.
وإليك بيانها مفصلة، فأقول وبالله التوفيق :

أولاً : المدرج ، وهو أقسام :
أحدها : ما أُدرِج في الحديث من كلام بعض رواته فيرويه مَنْ بعده متصلاً فيتوهم أنه من الحديث.

الثاني : أن يكون عنده متنان بإسنادين ، أو طرف من متنٍ بسند غير سنده ، فيرويهما معاً بسندٍ واحد.

الثالث : أن يسمع حديثاً من جماعة مختلفين في سنده أو متنه ، فيدرج روايتهم على الاتفاق ولا يذكر الاختلاف.
وتعمدُ كل واحد من الثلاثة حرام ، وقد صنف الخطيب فيه كتابا سماه: "الفصل للوصل المدرج في النقل" فشفى وكفى.

وهذا يعني أن الإدراج يكون في المتن والسند.
مثاله في المتن : حديث أبي هريرة كما في الصحيحين مرفوعاً : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
فزيادة " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" مدرجة ، وقد أوصلها بعض الرواة بحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- .
والصحيح أنها مدرجة من كلام أبي هريرة.
قال ابن القيم في " حادي الأرواح " ( ص 137 ) : " فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي" اهـ
ومثال الإدراج في الإسناد : ما رواه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال " أن تجعل لله نداً وهو خلقك "
فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلاً لا يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله.
هكذا رواه شعبة ومهدي بن ميمون ومالك بن مغول وسعيد بن مسروق عن واصل.

ثانياً : المزيد في متصل الأسانيد : وهو ما زيد في سنده رجل فأكثر ، والأصل فيه أنه سُمِعَ بهذه الواسطة ، ومتصل بها وبدونها.
ومثاله :
ما أخرجه البخاري وغيره قال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال : بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال : " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار ، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج " إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله ، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"
فالحفاظ يروون هذا الحديث من رواية سليمان عن أبي هريرة بلا واسطة ، فخالفهم محمد بن إسحاق فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير ، فأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلاً وهو أبو إسحاق الدوسي.
وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق ، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية ، ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح ، وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة ، فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 03-15-2018, 05:50 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي الحديث المقلوب

الحديث المقلوب
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (27)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث عن المخالفات التي تطرأ على الحديث سنداً ومتناً، وسنتكلم في هذا اللقاء عن القسم الثالث من المخالفات التي تمت الاشارة إليها، فأقول :

ثالثاً : المقلوب.
ويُؤْتى به غالباً لِيُرَغَّبَ فيه لغرابته ، وهو قسمان :
القسم الأول : أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه آخر في طبقته.
ومثاله كما في تدريب الراوي للسيوطي (1/ 291) : حديث رواه عمرو بن خالد الحراني عن حماد النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً : " إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام".
فهذا حديث مقلوب.
قلبه حماد فجعله عن الأعمش فإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه هكذا أخرجه مسلم في صحيحه ( رقم 2167، 2168/نووي) وأحمد في مسنده رقم (10810) من رواية شعبة والثوري وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز الدراوردي كلهم عن سهيل.
قال السيوطي كما في التدريب : ولهذا كره أهل الحديث تتبع الغرائب فإنه قلَّما يصح منها.
وقلب أهل بغداد على البخاري مائة حديث امتحاناً فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله" اهـ
قلت : وفي ثبوت هذه القصة من حيث الاسناد عن البخاري نظر.
وقد يكون القلب في المتن كقلب الراوي لفظة أو جملة بخلاف ما رواه من هو أولى منه.

ومثاله في المتن بلفظة :
حديث مسلم في السبعة الذين يظلهم الله : " ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله".
فهذا مما انقلب على أحد الرواة ، وإنما هو "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما في صحيح البخاري رقم (1423/ فتح ).

ومثال الجملة : ما أخرجه الطبراني في الأوسط (3 /135 رقم 2715 ) من حديث أبي هريرة مرفوعاً : " إذا أمرتكم بشيء فائتوه ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم".
فإن المعروف ما في الصحيحين مرفوعاً : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم".

القسم الثاني : أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر ، وبالعكس وهذا قد يُقصد به أيضاً الإغراب فيكون كالوضع.
وقد يُفْعَل اختباراً لحفظ المحدث أو لقبوله التلقين.
وقد فعل ذلك شعبة وحماد بن سلمة وأهل الحديث ، ومثله أيضاً ما يُرى عن أهل بغداد أنهم قلبوا على البخاري كما سبق مائة حديث.
قال العراقي كما في التدريب (1/ 294) : في جواز هذا الفعل نظر لأنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثاً ، وقد أنكر حرمي على شعبة لما قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش ، وقال : يا بئس ما صنع" اهــ
وقد يقع القلب غلطاً لا قصداً كما يقع الوضع كذلك.
وقد مثله ابن الصلاح بحديث رواه جرير بن حازم عن ثابت عن أنس مرفوعاً: " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني".
فهذا حديث انقلب إسناده على جرير ، وهو ليحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
هكذا رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ، والحديث متفق عليه من طريق يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وجرير إنما سمعه من حجاج فانقلب عليه.
وقد بَيَّنَ ذلك حماد بن زيد فيما رواه أبو داود في المراسيل : عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عنه قال : كنت أنا وجرير عند ثابت فحدث حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه فظن جرير أنه إنما حدث ثابت عن أنس.
ولا شك أن المقلوب من قبيل الحديث الضعيف.
وأما قلب الشيخ السند أو المتن لاختبار طلابه ففيه نظر لكونه خلاف ما عليه واقع المتن أو السند ، مما قد يفضي للعاقبة غير المحمودة .
نعم قد عُرِف عن بعض الأئمة إلا أن التورع في مثل هذه المواطن أولى بأشياخ وطلاب الحديث بخلاف القلب بسبب الغلط فإنه وإن كان مردوداً إلا أنه قد يُعرف السبب ، ولم يكن متعمداً ممن غلط فيه.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 03-23-2018, 09:22 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي الحديث المضطرب

الحديث المضطرب
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (28)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

من المخالفات التي تطرأ على الحديث سنداً ومتناً : القسم الرابع، وهو المقلوب، فأقول :

رابعاً : المضطرب
وهو الحديث الذي يُرْوَى على أوجه مختلفة متقاومة من حيث الصحة ، فإن ترجحت إحدى الروايات على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح بأن يكون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك فالحكم للراجح ، ولا يكون حينئذ مضطرباً.
والاضطراب قد يقع في السند أو المتن أو من راوٍ أو من رواة.
والمضطرب ضعيف لإشعاره بأنه لم يضبط.

مثاله في السند :
حديث مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نضح الفرج بعد الوضوء " أنه بال ثم توضأ ، ونضح فرجه " والحديث أخرجه الأربعة إلا الترمذي.
فقد اخْتُلِف فيه على أقوال كثيرة :
فقيل : عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن الحكم غير منسوب عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه .
وقيل : عن مجاهد عن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان.
وقيل : عن مجاهد عن الحكم بن سفيان بلا شك .
وقيل : عن مجاهد عن رجل من ثقيف يقال له الحكم أو أبو الحكم وقيل : عن مجاهد عن أبي الحكم أو أبي الحكم بن سفيان .
وقيل:عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا الاختلاف بهذا النمط موجبٌ للإضطراب على قول، والصواب : أنه أمكن الترجيح فدل على صحة هذا الحديث.

ومثال الاضطراب في المتن :
فيما أورده العراقي حديث فاطمة بنت قيس قالت : سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الزكاة .
فقال : " إن في المال لحقاً سوى الزكاة ".
أخرجه الترمذي في سننه رقم (659، 660) من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة.
وأخرجه ابن ماجه في سننه رقم (1789) من هذا الوجه بلفظ : " ليس في المال حقٌ سوى الزكاة".
قال : فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل .
وردَّه السيوطي فقال : لا يصلح مثالاً فإن شيخ شريك([1]) ضعيف فهو مردود من قِبَلِ ضعف راويه لا من قبل اضطرابه ، وأيضاً فيمكن تأويله بأنها روت كلاً من اللفظين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأن المراد بالحق المثبت المستحب وبالمنفي الواجب([2]).
ثم قال : والمثال الصحيح ما وقع في حديث الواهبة نفسها من الاختلاف في اللفظة الواقعة منه -صلى الله عليه وسلم- ففي رواية عند الجماعة : "زوجتكها".
وفي رواية للبخاري : " زوجناكها".
وفي رواية في غير الصحيح : " أمكنَّاكها ".
وفي رواية عند البخاري والنسائي : " ملكتُكها " .
فهذه ألفاظ لا يمكن الاحتجاج بواحد منها حتى لو احتج حنفي مثلاً على أن التمليك من ألفاظ النكاح لم يسغ له ذلك.
ثم قال قلت : وفي التمثيل بهذا نظر أوضح من الأول .
فإن الحديث صحيح ثابت .
وتأويل هذه الألفاظ سهلٌ فإنها راجعة إلى معنى واحد([3]).
قلت : والذي يغلب عليه الظن أن الاضطراب في المتن يمكن دفعه بالتأويل أو الترجيح.
وقد لوحظ ذلك من خلال التتبع لأمثلة المحققين من أهل المصطلح واختلافهم.
فذاك يأتي بالمثال ، وآخر يرده أو يُظْهِرُ التأويل أو الترجيح ونحو ذلك من الدفع والرد ، ولم أقف لأحد على مثال سليم في هذا الباب إلا وعورض بعارض ولا يعني ذلك عدم وجوده بل قد يوجد ولكنه نسبي ، ولذا أعرضت عن ضرب مثال مقطوع فيه لإمكان المعارضة.
بخلاف اضطراب السند فالغالب وجوده وشهرته، والله أعلم.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
___

([1]) شيخ شريك هو أبو حمزة ميمون الأعور ضعفه البخاري وأحمد ويحيى وغيرهم.

([2]) لا يلتفت إلى التأويل طالما والحديث لا يصح ، إنما التأويل فيما ظاهره التعارض بين حديثين فأكثر مما صحَّ سنده.
([3]) انظر تدريب الراوي (1/ 267).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 03-28-2018, 09:00 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي

الحديث المصحف والمحرف وبيان الفرق بينهما
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (29)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

خامساً : المصحف
وهو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير النقط في الكلمة مع بقاء صورته.
مثال التصحيف في الإسناد : ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته من حديث شعبة عن العوام بن مراجم عن أبي عثمان النهدي عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لتُؤَدّنَّ الحقوق إلى أهلها ..".
صحف فيه يحيى بن معين فقال ابن مزاحم بالزاي والحاء فَرُدَّ عليه وإنما هو ابن مراجم بالراء المهملة والجيم.
والحديث في صحيح مسلم من غير رواية عثمان قال : حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل ( يعنون ابن جعفر ) عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء".
ومثال التصحيف في المتن : ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده عن زيد بن ثابت " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم في المسجد " وإنما هو بالراء "احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فيها" فصحفه ابن لهيعة لكونه أخذه من كتابٍ بغير سماع ، ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز له.

سادساً : المحرف
وهو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير الشكل في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها.
ومثال ذلك : ما وقع لبعض الأعراب فإنه رأى في كتاب من كتب الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري " كان يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها".
والعَنَزَة : الحربة ، فظنها بسكون النون ثم روى ذلك بالمعنى على حسب وهمه فقال كان النبي -عليه الصلاة والسلام- :" إذا صلى نُصِبَتْ بين يديه شاة".
وكما يقع التحريف في المتن يقع في الإسناد :
ومثاله في الإسناد : أن تجعل بَشِيراً بفتح الباء وكسر الشين بُشَيراً بضم الباء وفتح الشين.

وبهذا نكون قد انتهينا من المخالفات الست التي هي : الإدراج ، والمزيد على متصل الأسانيد ، والقلب ، والاضطراب ، والتصحيف ، والتحريف، وقد جلبنا لذلك حديثنا سابقاً عن المخالفات التي منها الشذوذ والنكارة، وسنكمل بإذن الله في لقاء الغد الحديث عن ما يتعلق بالحديث المردود بسبب الطعن في الراوي، حيث سنتكلم بإذن الله عن النوع السادس من الطعن في الراوي وهو : " الجهالة".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 03-31-2018, 05:35 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي جهالة الراوي

جهالة الراوي
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (30)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

سنتكلم في هذا اللقاء عن جهالة الراوي التي تعتبر طعناً وسبباً موجباً لرد الحديث، وهذا هو النوع السادس من الطعن في الراوي ، فأقول :
السادس : جهالة الراوي
الجهالة سبب من أسباب الطعن في الراوي ، وتنقسم إلى قسمين :
الأول : جهالة مَنْ سُمِّي وهي نوعان :
الأولى : مجهول العين ، وهو ما روى عنه راوٍ واحد ، وليس له وصف يُعرف به ، ولم يوثقه معتبر.
الثانية : مجهول الحال ، وهو ما عرف وصفه ، وروى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثقه معتبر ، وهو عند بعضهم بمعنى المستور.
وقيل المستور : المجهول الذي جُهِلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر ، وبه قال ابن الصلاح وغيره.
وأما من حيث الاحتجاج فقد قيل : إن مجهول العين لا يعتضد بغيره بخلاف مجهول الحال ، والذي يترجح هو خلاف ذلك، إذ من قال بالتفريق لم يأت بما يتقوى به مذهبه ، والصواب أنهما يصلحان في باب الشواهد والمتابعات لماذا ؟
لأن النظر إلى حال الراوي لا إلى عينه ، والتفريق بينهما يتلخص في أن مجهول الحال مَنْ عُرِفَتْ عينه بنسب أو أدب أو علم أو ورع أو وصف آخر مما حفظه لنا التاريخ بخلاف مجهول العين فلم يُعرف بأي وصف من هذه سوى أنها عرفت عينه وتلكم الأوصاف لم تزدنا معرفة بحال مجهول الحال فالتفريق بينهما إنما هو من حيث أوصاف لا تعلقَ لها بضبط الراوي وعدالته البته ، فكلاهما من حيث المآل متساويان من ناحية حديثية وهذا المطلوب تقريره .
فكل راوٍ لم يُعرف بجرح أو لم يعدله أحد فهو مجهول ، وروايته تعضد بغيرها من غير تفريق بين العين والحال على المختار.
إلا أن بعض المتأخرين كابن حجر وابن القيم وغيرهما يقبلون حديث مجهول الحال إن روى عنه ثقتان فأكثر ، وبه يقول الشيخ الألباني في مواضع من السلسلة الصحيحة بل وفي عامة كتبه.
ومن ذلك قوله في تمام المنة ( ص 20 ) : " نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع([1]) من الثقات ، ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم " اهـ
أما مجهول الحال الذي روى عنه الثقة الفرد مع الضعيف الشديد الضعف فأكثر فلا يُحَسَّنْ حديثه ، ولكن يصلح في الشواهد والمتابعات ؛ لأن رواية الثقة الواحد عنه في حاجة مَنْ يعضدها ، لكي يُحَّسن مع خفيف الضعف ليرتقي إلى الحسن لغيره.
القسم الثاني : جهالة من لم يُسم وهو نوع واحد ويعرف بالمبهم.
والمبهم نوعان :
الأول : موصوف بتوثيق ، كقول الشافعي إذا قال حدثنا الثقة يريد يحيى بن حسان.
فإذا عرف مقصد الراوي بذلك فهو مقام الحجية إذا صح التوثيق فيمن وصف.
الثاني : غير موصوف بتوثيق كقول الراوي حدثني رجل من بني سليم ولم يسمه، فهذا من قسم الضعيف ، والكلام في حاله كالكلام في حال مجهول العين.
إلا أن يكون قد أضافه إلى الصحابة فقال مثلاً : حدثني رجل من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مقبول لأن الصحابة كلهم عدول.
تنبيه : هناك فرق بين المبهم والمهمل عند أهل الحديث فالمبهم ما سبق توضيحه ، والمهمل : أن يروي الراوي حديثاً عن أحد اثنين متفقين في الاسم فقط من كنية أو غيرها ، أو فيه وفي اسم الأب ، أو فيهما وفي اسم الجد ، أو فيهن ، وفي النسبة معبراً عنه بما فيه الاتفاق من غير أن يتميز عن الآخر، كقول وكيع حدثنا سفيان فهذا من المهمل فلا ندري ما المقصود بسفيان هل هو الثوري أو ابن عيينة فكلاهما روى عنه وكيع بن الجراح.
ولمعرفة ذلك يتم البحث والنظر في مظان الحديث حتى يأتي مصرحاً من أصحاب الكتب الأخرى.
فإن لم يجد الباحث أخذ بقاعدة : كل من روى عن متفقي الاسم حُمِلَ من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_____
([1]) تصريحه بالجمع لا ينافي ما قلناه في قبوله الاثنين فأكثر لأن هذه طريقته رحمه الله وطريقة غيره ممن التزموا هذه القاعدة ، وأمثلة ذلك كثير منها ما ذكره في السلسلة الصحيحة (5/437) حيث ذكر رواية للضياء في الأحاديث المختارة فقال : بسنده الصحيح عن ثور بن زيد عن إسحاق بن جابر العدني عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً .
رغم أن في السند إسحاق العدني وهو مجهول حال وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن نافع الصائغ وثور بن زيد ومع ذلك صحح الألباني سند الحديث .
ثم قال رحمه الله : فلعله لذلك قال الحافظ : لا بأس بإسناده" اهـ
قلت : وهذا دليل على أن المتأخرين كابن حجر وغيره لا يقصدون بالجمع في هذا الباب الثلاثة فأكثر بل ويثبت بالثقتين أيضاً .
وفي فتح المغيث للسخاوي (1/ 321ـ322) قال " نعم كثرة رواية الثقات عن الشخص تقوي حسن الظن فيه ، وأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون... وعبارة الدارقطني من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته ، وقال أيضاً في الديات نحوه: اهـ
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:16 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.