أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
64266 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-15-2013, 12:11 AM
ابوعبدالله الخليفي ابوعبدالله الخليفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 248
افتراضي قصة أحمد بن نصر الخزاعي وماذاقال فيه يحي بن معين والأمام أحمد

قال الحافظ ابن كثيرٍ -رحِمه الله تعالى- فِي ((البداية والنهاية)) (10/303-306): ((وفِي سنة إحدى وثلاثين ومائتين كان مقتل أحمد بن نصر الخزاعي -رحمه الله وأكرم مثواه- وكان سبب ذلك أنَّ هذا الرَّجل -وهو أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي-، وكان جدُّه -مالك بن الهيثم- من أكبر الدُّعاة إلَى دولة بني العبَّاس الَّذين قتلوا ولده هذا، وكان أحمد بن نصر هذا لـه وجاهة ورياسة، وكان أبوه نصر بن مالك يغشاه أهل الحديث، وقد بايعه العامَّة فِي سنة إحدى -كذا بالأصل، والصَّواب: إحدى وثلاثين- ومائتين على القيام بالأمر والنهي، حين كثرت الشطار والدعار فِي غيبة المأمون عن بغداد، وبه تعرف سويقة نصر ببغداد، وكان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والدِّيانة، والعمل الصَّالح والاجتهاد فِي الخير، وكان من أئمَّة السُّنَّة، الآمرين بالمعروف والنَّاهيين عن المنكر، وكان ممن يدعو إلى القول: بأنَّ القرآن كلام الله، منزّل غير مخلوقٍ، وكان الواثق من أشدِّ النَّاس فِي القول بخلق القرآن، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سرّاً وجهاراً، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله، وعمُّه المأمون، من غير دليلٍ ولا برهانٍ ولا حجَّةٍ ولا بيانٍ ولا سنَّةٍ ولا قرآنٍ؛ فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله، وإلى الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والقول بأنَّ القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، فِي أشياء كثيرةٍ دعا النَّاس إليها، فاجتمع عليه جماعةٌ من أهل بغداد، والتف عليه من الألوف أعدادٌ، وانتصب للدَّعوة إلى أحمد بن نصر هذا رجلان -وهما أبو هارون السراج يدعو أهل الجانب الشرقي، وآخر يقال له: طالب يدعو أهل الجانب الغربي- فاجتمع عليه من الخلائق ألوفٌ كثيرةٌ، وجماعاتٌ غزيرةٌ، فلمَّا كان شهر شعبان من هذه السَّنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخُزاعي فِي السَّرِّ على القيام بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والخروج على السُّلطان لبدعته ودعوته إلى القول بخلق القرآن، ولما هو عليه وأمراؤه وحاشيته من المعاصي والفواحش وغيرها؛ فتواعدوا على أنهم فِي اللَّيلة الثَّالثة من شعبان -وهي ليلة الجمعة- يضرب طبلٌ فِي اللَّيل فيجتمع الَّذين بايعوا فِي مكانٍ اتفقوا عليه، وأنفق طالبٌ وأبو هارون فِي أصحابه دينارًا دينارًا، وكان من جملة من أعطوه رجلان من بني أشرس، وكانا يتعاطيان الشَّراب، فلمَّا كانت ليلة الخميس شربا فِي قومٍ من أصحابهم، واعتقدا أنَّ تلك اللَّيلة هي ليلة الوعد، وكان ذلك قبله بليلةٍ، فقاما يضربان على طبلٍ في اللَّيل ليجتمع إليهما النَّاس، فلم يجئ أحدٌ وانخرم النِّظام، وسمع الحرس فِي اللَّيل فأعلموا نائب السَّلطنة -وهو مُحمد بن إبراهيم بن مصعبٍ-، وكان نائبًا لأخيه إسحاق بن إبراهيم لغيبته عن بغداد، فأصبح النَّاس متخبِّطين، واجتهد نائب السَّلطنة على إحضار ذينك الرَّجلين، فأحضرا فعاقبهما فأقرَّا على أحمد بن نصرٍ؛ فطلبه وأخذ خادماً له فاستقرَّه، فأقرَّ بما أقرَّ به الرَّجلان، فجمع جماعةً من رءوس أصحاب أحْمد بن نصر معه، وأرسل بهم إلَى الخليفة بسرّ من رأى ، وذلك فِي آخر شعبان ، فأحضر له جماعة من الأعيان، وحضر القاضي أحْمد بن أبِي دؤاد المعتزلِي، وأحضر أحمد بن نصر ولَم يظهر منه على أحمد بن نصر عتبٌ، فلمَّا أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق، لَم يعاتبه على شيءٍ مما كان منه في مبايعته العوام على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وغيره، بل أعرض عن ذلك كلِّه وقال له: ما تقول فِي القرآن؟ فقال: هو كلام الله. قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: هو كلام الله. وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه وحضر، وقد تحنَّط وتنوَّر وشدَّ على عورته ما يسترها، فقال له: فما تقول في ربِّك، أتراه يوم القيامة؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك، قال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة:23]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّكم ترون ربَّكم كمَا ترون هذا القمر، لا تضامُّون فِي رؤيته)). فنحن على الخبر. زاد الخطيب: قال الواثق: ويحك أيرى كما يرى المحدود المتجسم، ويحويه مكان ويحصره النَّاظر؟! أنا أكفر بربٍّ هذه صفته!
قلت -القائل: هو ابن كثيرٍ-: وما قاله الواثق لا يجوز، ولا يلزم ولا يردُّ به هذا الخبر الصَّحيح والله أعلم.
ثم قال أحمد بن نصر للواثق: وحدثني سفيان بحديثٍ يرفعه: (( إنَّ قلب ابن آدم بأصبعين -كذا، الصَّواب: بين إصبعين- من أصابع الله يقلبه كيف شاء ))، وكان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك )).
فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويحك، انظر ما تقول! فقال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من ذلك، وقال أنا أمرتك، قال: نعم أنت أمرتني أن أنصح له. فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرَّجل؟ فأكثروا القول فيه. فقال عبد الرحمن بن إسحاق -وكان قاضياً على الجانب الغربي فعزل، وكان مواداً لأحمد بن نصر قبل ذلك-: يا أمير المؤمنين هو حلال الدَّم، وقال أبو عبد الله الأرمني -صاحب أحمد بن أبِي دؤاد-: اسقني دمه يا أمير المؤمنين. فقال الواثق: لابدَّ أن يأتِي ما تريد، وقال ابن أبِي دؤاد: هو كافرٌ، يستتاب لعلَّ به عاهةً، أو نقص عقلٍ. فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومنَّ أحدٌ معي، فإنِّي أحتسب خُطاي، ثم نهض إليه بالصَّمصامة -وقد كانت سيفًا لعمرو بن معد يكرب الزّبيدي، أهديت لموسى الهادي فِي أيام خلافته، وكانت صفيحةً مسحورةً فِي أسفلها مسمورة بمسامير- فلمَّا انتهى إليه ضربه بها على عاتقه، وهو مربوطٌ بحبلٍ قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه، ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعًا -رحِمه الله- على النّطع ميتًا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، رحمه الله وعفا عنه.
ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه وحزَّ رأسه، وحمل معترضًا حتى أتى به الحظيرة الَّتي فيها بابك الخرمي فصلب فيها، وفي رجليه زوج قيودٍ، وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب فِي الجانب الشَّرقي أياماً، وفِي الغربِي أيامًا، وعنده الحرس فِي اللَّيل والنَّهار، فِي أذنه رقعةٌ مكتوبٌ فيها: هذا رأس الكافر المشرك الضَّالِّ أحمد بن نصر الخزاعيِّ، ممن قُتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين، بعد أن أقام عليه الحجَّة فِي خلق القرآن، ونفي التَّشبيه، وعرض عليه التَّوبة، ومكَّنه من الرّجوع إلى الحقِّ، فأبَى إلاَّ المعاندة والتَّصريح، فالحمد لله الَّذي عجَّله إلى ناره، وأليم عقابه بالكفر، فاستحلَّ بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه.
ثم أمر الواثق بتتبع رءوس أصحابه، فأخذ منهم نحوًا من تسعة وعشرين رجلاً، فأودعوا فِي السَّجون وسموا الظَّلمة، ومنعوا أن يزورهم أحدٌ، وقيدوا بالحديد، ولَم يجرَ عليهم شيءٌ من الأرزاق الَّتي كانت تجري على المحبوسين، وهذا ظلمٌ عظيمٌ.
وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العاملين، القائمين بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وسمع الحديث من حماد بن زيدٍ، وسفيان بن عيينة، وهاشم -كذا بالأصل، وصوابه: هشيم، بالتَّصغير- بن بَشِيرٍ، وكانت عنده مصنفاته كلُّها، وسمع من الإمام مالك بن أنسٍ أحاديث جيدةً، ولَم يحدِّث بكثيرٍ من حديثه، وحدَّث عنه أحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ، وأخوه يعقوب بن إبراهيم، ويحيى بن معين، وذكره يوماً فترحَّم عليه، وقال: قد ختم الله له بالشَّهادة، وكان لا يحدِّث ويقول: إنِّي لست أهلاً لذلك. وأحسن يحيى بن معين الثَّناء عليه جدًّا. وذكره الإمام أحمد بن حنبل يومًا فقال: رحمه الله مـا كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له.
إلَى أن قال: ولَم يزل رأسه منصوبًا من يوم الخميس الثَّامن والعشرين من شعبان من هذه السَّنَة -أعني: سنة إحدى وثلاثين ومائتين- إلى بعد عيد الفطر بيومٍ أو يومين من سنة سبعٍ وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودُفن بالجانب الشَّرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية رحِمه الله، وذلك بأمر المتوكل على الله الَّذي ولَّى الخلافة بعد أخيه الواثق، وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكنانِي -صاحب كتاب ((الحيدة))- على المتوكل، وكان من خيار الخلفاء؛ لأنَّه أحسن الصَّنيع لأهل السُّنَّة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمِّه المأمون، فإنهم أساؤا إلَى أهل السُّنَّة، وقرَّبوا أهل البدع والضَّلال من المعتزلة وغيرهم، فأمره أن ينزل جثة مُحمَّد بن نصرٍ، ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا زائدًا جدًّا.
والمقصود أنَّ عبد العزيز -صاحب كتاب ((الحيدة))- قال للمتوكل: يا أمير المؤمنين ما رأيت، أو ما رُئي أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بن نصرٍ، وكان لسانه يقرأ القرآن إلَى أن دُفن، فوجل المتوكل من كلامه وساءه ما سمع فِي أخيه الواثق، فلمَّا دخل عليه الوزير مُحمَّد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: فِي قلبي شيءٌ من قتل أحمد بن نصر؟! فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنَّار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلاَّ كافرًا. ودخل عليه هرثمة فقال له فِي ذلك فقال: قطعني الله إربًا إربًا إن قتله إلاَّ كافرًا، ودخل عليه القاضي أحمد بن أبِي دؤاد، فقال له مثل ذلك، فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلاَّ كافرًا، قال المتوكل: فأمَّا ابن الزيات فأنا أحرقته بالنَّار، وأمَّا هرثمة فإنَّه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة، فعرفه رجلٌ من الحي، فقال: يا معشر خزاعة هذا الَّذي قتل ابن عمِّكم أحمد بن نصرٍ فقطعوه، فقطعوه إربًا إربًا، وأمَّا ابن أبِي دؤاد فقد سجنه الله فِي جلده -يعني: بالفالج- ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ماله بمالٍ جزيلٍ جدًّا. وروى أبو داود فِي كتاب "المسائل" عن أحمد بن إبراهيم الدَّورقي عن أحمد بن نصرٍ، قال: سألت سفيان بن عيينة: "القلوب بين إصبعين من أصابع الله، وإنَّ الله يضحك ممن يكره في الأسواق"، فقال: اروها كما جاءت بلا كيف )).

__________________
قال الشيخ ابو اليسر زرت الشيخ الالباني في مرض موته فصافحته فنظر اليّ وقال ليس الامر بكثير علم ولا كبير عمل انما هو بالاخلاص وتقوى الله عز وجل . رحمه الله قاله الشيخ ابو اليسر عندما اعطيت له الكلمة في افتتاح مركز الالباني رحمه الله
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-18-2013, 05:19 PM
ابوعبدالله الخليفي ابوعبدالله الخليفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 248
افتراضي

فلمَّا دخل عليه الوزير مُحمَّد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: فِي قلبي شيءٌ من قتل أحمد بن نصر؟! فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنَّار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلاَّ كافرًا. ودخل عليه هرثمة فقال له فِي ذلك فقال: قطعني الله إربًا إربًا إن قتله إلاَّ كافرًا، ودخل عليه القاضي أحمد بن أبِي دؤاد، فقال له مثل ذلك، فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلاَّ كافرًا، قال المتوكل: فأمَّا ابن الزيات فأنا أحرقته بالنَّار، وأمَّا هرثمة فإنَّه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة، فعرفه رجلٌ من الحي، فقال: يا معشر خزاعة هذا الَّذي قتل ابن عمِّكم أحمد بن نصرٍ فقطعوه، فقطعوه إربًا إربًا، وأمَّا ابن أبِي دؤاد فقد سجنه الله فِي جلده -يعني: بالفالج- ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ماله بمالٍ جزيلٍ جدًّا.


والله ان في قصصهم عبرةٌ لمن أذى ولا يزال يؤدي أهل السنة بالقول والفعل والتشويه والازدراء والصاق التهم بالظن وما تهوى الأنفس ألم يسمع أُولئك قول الله تعالى (تالله لتسألنّ عمّا كنتم تفترون) ألم يسمعوا قوله عليه الصلاة والسلام(من رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسهُ الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ) رواه ابوداود (4086)
ان غداً لناظره لقريب ......
__________________
قال الشيخ ابو اليسر زرت الشيخ الالباني في مرض موته فصافحته فنظر اليّ وقال ليس الامر بكثير علم ولا كبير عمل انما هو بالاخلاص وتقوى الله عز وجل . رحمه الله قاله الشيخ ابو اليسر عندما اعطيت له الكلمة في افتتاح مركز الالباني رحمه الله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-21-2013, 12:27 PM
جهاد النايلي جهاد النايلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 128
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوعبدالله الخليفي مشاهدة المشاركة
قال الحافظ ابن كثيرٍ -رحِمه الله تعالى- فِي ((البداية والنهاية)) (10/303-306): ((وفِي سنة إحدى وثلاثين ومائتين كان مقتل أحمد بن نصر الخزاعي -رحمه الله وأكرم مثواه- وكان سبب ذلك أنَّ هذا الرَّجل -وهو أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي-، وكان جدُّه -مالك بن الهيثم- من أكبر الدُّعاة إلَى دولة بني العبَّاس الَّذين قتلوا ولده هذا، وكان أحمد بن نصر هذا لـه وجاهة ورياسة، وكان أبوه نصر بن مالك يغشاه أهل الحديث، وقد بايعه العامَّة فِي سنة إحدى -كذا بالأصل، والصَّواب: إحدى وثلاثين- ومائتين على القيام بالأمر والنهي، حين كثرت الشطار والدعار فِي غيبة المأمون عن بغداد، وبه تعرف سويقة نصر ببغداد، وكان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والدِّيانة، والعمل الصَّالح والاجتهاد فِي الخير، وكان من أئمَّة السُّنَّة، الآمرين بالمعروف والنَّاهيين عن المنكر، وكان ممن يدعو إلى القول: بأنَّ القرآن كلام الله، منزّل غير مخلوقٍ، وكان الواثق من أشدِّ النَّاس فِي القول بخلق القرآن، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سرّاً وجهاراً، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله، وعمُّه المأمون، من غير دليلٍ ولا برهانٍ ولا حجَّةٍ ولا بيانٍ ولا سنَّةٍ ولا قرآنٍ؛ فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله، وإلى الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والقول بأنَّ القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، فِي أشياء كثيرةٍ دعا النَّاس إليها، فاجتمع عليه جماعةٌ من أهل بغداد، والتف عليه من الألوف أعدادٌ، وانتصب للدَّعوة إلى أحمد بن نصر هذا رجلان -وهما أبو هارون السراج يدعو أهل الجانب الشرقي، وآخر يقال له: طالب يدعو أهل الجانب الغربي- فاجتمع عليه من الخلائق ألوفٌ كثيرةٌ، وجماعاتٌ غزيرةٌ، فلمَّا كان شهر شعبان من هذه السَّنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخُزاعي فِي السَّرِّ على القيام بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والخروج على السُّلطان لبدعته ودعوته إلى القول بخلق القرآن، ولما هو عليه وأمراؤه وحاشيته من المعاصي والفواحش وغيرها؛ فتواعدوا على أنهم فِي اللَّيلة الثَّالثة من شعبان -وهي ليلة الجمعة- يضرب طبلٌ فِي اللَّيل فيجتمع الَّذين بايعوا فِي مكانٍ اتفقوا عليه، وأنفق طالبٌ وأبو هارون فِي أصحابه دينارًا دينارًا، وكان من جملة من أعطوه رجلان من بني أشرس، وكانا يتعاطيان الشَّراب، فلمَّا كانت ليلة الخميس شربا فِي قومٍ من أصحابهم، واعتقدا أنَّ تلك اللَّيلة هي ليلة الوعد، وكان ذلك قبله بليلةٍ، فقاما يضربان على طبلٍ في اللَّيل ليجتمع إليهما النَّاس، فلم يجئ أحدٌ وانخرم النِّظام، وسمع الحرس فِي اللَّيل فأعلموا نائب السَّلطنة -وهو مُحمد بن إبراهيم بن مصعبٍ-، وكان نائبًا لأخيه إسحاق بن إبراهيم لغيبته عن بغداد، فأصبح النَّاس متخبِّطين، واجتهد نائب السَّلطنة على إحضار ذينك الرَّجلين، فأحضرا فعاقبهما فأقرَّا على أحمد بن نصرٍ؛ فطلبه وأخذ خادماً له فاستقرَّه، فأقرَّ بما أقرَّ به الرَّجلان، فجمع جماعةً من رءوس أصحاب أحْمد بن نصر معه، وأرسل بهم إلَى الخليفة بسرّ من رأى ، وذلك فِي آخر شعبان ، فأحضر له جماعة من الأعيان، وحضر القاضي أحْمد بن أبِي دؤاد المعتزلِي، وأحضر أحمد بن نصر ولَم يظهر منه على أحمد بن نصر عتبٌ، فلمَّا أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق، لَم يعاتبه على شيءٍ مما كان منه في مبايعته العوام على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وغيره، بل أعرض عن ذلك كلِّه وقال له: ما تقول فِي القرآن؟ فقال: هو كلام الله. قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: هو كلام الله. وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه وحضر، وقد تحنَّط وتنوَّر وشدَّ على عورته ما يسترها، فقال له: فما تقول في ربِّك، أتراه يوم القيامة؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك، قال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة:23]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّكم ترون ربَّكم كمَا ترون هذا القمر، لا تضامُّون فِي رؤيته)). فنحن على الخبر. زاد الخطيب: قال الواثق: ويحك أيرى كما يرى المحدود المتجسم، ويحويه مكان ويحصره النَّاظر؟! أنا أكفر بربٍّ هذه صفته!
قلت -القائل: هو ابن كثيرٍ-: وما قاله الواثق لا يجوز، ولا يلزم ولا يردُّ به هذا الخبر الصَّحيح والله أعلم.
ثم قال أحمد بن نصر للواثق: وحدثني سفيان بحديثٍ يرفعه: (( إنَّ قلب ابن آدم بأصبعين -كذا، الصَّواب: بين إصبعين- من أصابع الله يقلبه كيف شاء ))، وكان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك )).
فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويحك، انظر ما تقول! فقال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من ذلك، وقال أنا أمرتك، قال: نعم أنت أمرتني أن أنصح له. فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرَّجل؟ فأكثروا القول فيه. فقال عبد الرحمن بن إسحاق -وكان قاضياً على الجانب الغربي فعزل، وكان مواداً لأحمد بن نصر قبل ذلك-: يا أمير المؤمنين هو حلال الدَّم، وقال أبو عبد الله الأرمني -صاحب أحمد بن أبِي دؤاد-: اسقني دمه يا أمير المؤمنين. فقال الواثق: لابدَّ أن يأتِي ما تريد، وقال ابن أبِي دؤاد: هو كافرٌ، يستتاب لعلَّ به عاهةً، أو نقص عقلٍ. فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومنَّ أحدٌ معي، فإنِّي أحتسب خُطاي، ثم نهض إليه بالصَّمصامة -وقد كانت سيفًا لعمرو بن معد يكرب الزّبيدي، أهديت لموسى الهادي فِي أيام خلافته، وكانت صفيحةً مسحورةً فِي أسفلها مسمورة بمسامير- فلمَّا انتهى إليه ضربه بها على عاتقه، وهو مربوطٌ بحبلٍ قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه، ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعًا -رحِمه الله- على النّطع ميتًا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، رحمه الله وعفا عنه.
ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه وحزَّ رأسه، وحمل معترضًا حتى أتى به الحظيرة الَّتي فيها بابك الخرمي فصلب فيها، وفي رجليه زوج قيودٍ، وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب فِي الجانب الشَّرقي أياماً، وفِي الغربِي أيامًا، وعنده الحرس فِي اللَّيل والنَّهار، فِي أذنه رقعةٌ مكتوبٌ فيها: هذا رأس الكافر المشرك الضَّالِّ أحمد بن نصر الخزاعيِّ، ممن قُتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين، بعد أن أقام عليه الحجَّة فِي خلق القرآن، ونفي التَّشبيه، وعرض عليه التَّوبة، ومكَّنه من الرّجوع إلى الحقِّ، فأبَى إلاَّ المعاندة والتَّصريح، فالحمد لله الَّذي عجَّله إلى ناره، وأليم عقابه بالكفر، فاستحلَّ بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه.
ثم أمر الواثق بتتبع رءوس أصحابه، فأخذ منهم نحوًا من تسعة وعشرين رجلاً، فأودعوا فِي السَّجون وسموا الظَّلمة، ومنعوا أن يزورهم أحدٌ، وقيدوا بالحديد، ولَم يجرَ عليهم شيءٌ من الأرزاق الَّتي كانت تجري على المحبوسين، وهذا ظلمٌ عظيمٌ.
وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العاملين، القائمين بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وسمع الحديث من حماد بن زيدٍ، وسفيان بن عيينة، وهاشم -كذا بالأصل، وصوابه: هشيم، بالتَّصغير- بن بَشِيرٍ، وكانت عنده مصنفاته كلُّها، وسمع من الإمام مالك بن أنسٍ أحاديث جيدةً، ولَم يحدِّث بكثيرٍ من حديثه، وحدَّث عنه أحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ، وأخوه يعقوب بن إبراهيم، ويحيى بن معين، وذكره يوماً فترحَّم عليه، وقال: قد ختم الله له بالشَّهادة، وكان لا يحدِّث ويقول: إنِّي لست أهلاً لذلك. وأحسن يحيى بن معين الثَّناء عليه جدًّا. وذكره الإمام أحمد بن حنبل يومًا فقال: رحمه الله مـا كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له.
إلَى أن قال: ولَم يزل رأسه منصوبًا من يوم الخميس الثَّامن والعشرين من شعبان من هذه السَّنَة -أعني: سنة إحدى وثلاثين ومائتين- إلى بعد عيد الفطر بيومٍ أو يومين من سنة سبعٍ وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودُفن بالجانب الشَّرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية رحِمه الله، وذلك بأمر المتوكل على الله الَّذي ولَّى الخلافة بعد أخيه الواثق، وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكنانِي -صاحب كتاب ((الحيدة))- على المتوكل، وكان من خيار الخلفاء؛ لأنَّه أحسن الصَّنيع لأهل السُّنَّة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمِّه المأمون، فإنهم أساؤا إلَى أهل السُّنَّة، وقرَّبوا أهل البدع والضَّلال من المعتزلة وغيرهم، فأمره أن ينزل جثة مُحمَّد بن نصرٍ، ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا زائدًا جدًّا.
والمقصود أنَّ عبد العزيز -صاحب كتاب ((الحيدة))- قال للمتوكل: يا أمير المؤمنين ما رأيت، أو ما رُئي أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بن نصرٍ، وكان لسانه يقرأ القرآن إلَى أن دُفن، فوجل المتوكل من كلامه وساءه ما سمع فِي أخيه الواثق، فلمَّا دخل عليه الوزير مُحمَّد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: فِي قلبي شيءٌ من قتل أحمد بن نصر؟! فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنَّار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلاَّ كافرًا. ودخل عليه هرثمة فقال له فِي ذلك فقال: قطعني الله إربًا إربًا إن قتله إلاَّ كافرًا، ودخل عليه القاضي أحمد بن أبِي دؤاد، فقال له مثل ذلك، فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلاَّ كافرًا، قال المتوكل: فأمَّا ابن الزيات فأنا أحرقته بالنَّار، وأمَّا هرثمة فإنَّه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة، فعرفه رجلٌ من الحي، فقال: يا معشر خزاعة هذا الَّذي قتل ابن عمِّكم أحمد بن نصرٍ فقطعوه، فقطعوه إربًا إربًا، وأمَّا ابن أبِي دؤاد فقد سجنه الله فِي جلده -يعني: بالفالج- ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ماله بمالٍ جزيلٍ جدًّا. وروى أبو داود فِي كتاب "المسائل" عن أحمد بن إبراهيم الدَّورقي عن أحمد بن نصرٍ، قال: سألت سفيان بن عيينة: "القلوب بين إصبعين من أصابع الله، وإنَّ الله يضحك ممن يكره في الأسواق"، فقال: اروها كما جاءت بلا كيف )).

الظّاهر أنّ الأصل صحيح ، لأنّ الكلام عن نصر بن مالك والد المترجم ! لا عن أحمد بن نصر ، والله أعلم !
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:52 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.