أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
61247 | 144714 |
#1
|
|||
|
|||
الفوز والخسارة في شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة: ٢٨ - شعبان - ١٤٤٠ الفوز والخسارة في شهر رمضان الخطبة الأولى: الحمد لله رب العالمين أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأسأله المزيد من فضله ونعمه، لا أحصي ثناء عليه كما هو سبحانه أثنى على نفسه، والصلاة والسلام على إمام المتقين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد وعلى أزواجه وذريته وآله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وأهل السنة والجماعة إلى يوم الدين.. أما بعد: عباد الله إن بلوغ رمضان نعمةٌ كبرى، يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون. وواجب الأحياء ذوي القلوب الحية استشعار هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، إنها إن فاتت كانت حسرةً ما بعدها حسرة، أي خسارة أعظم من أن يدخل المرء فيمن عناهم المصطفى بحديثه على منبره في مساءلةٍ بينه وبين جبريل الأمين: « من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين » ؟! من حرم المغفرة في شهر المغفرة فماذا يرتجي؟! فينبغي الاستعداد لشهر رمضان لأنه إنما هو مسابقة للجنة وتهيؤ لدخول الجنة جعلنا الله وإياكم ووالدينا وأزواجنا وأهلينا وأحبابنا من أهل الجنة.. أحبتي في الله لنكون من الفائزين في شهر رمضان، أتدرون من هم الفائزون في رمضان ؟ هم المخلصون الصادقون المحتسبون الأجر من الله سبحانه وتعالى، فكل عمل ليس فيه إخلاص فهو عبث لا نفع منه يرتجى، وإنما الثواب والقبول هو رهين الإخلاص، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه » [ متفق عليه ] وقال عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه: « مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه » [ متفق عليه ]. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه » [ متفق عليه ]. الفائزون هم المتقون: فقد " بين الله عز وجل الحكمة من فرضية الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣ ] لم يقل: لعلكم تجوعون، أو تعطشون، أو يشق عليكم مجانبة الأهل، بل قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٩٣ ] فهذه هي الحكمة من فرض الصوم، ولهذا جاء في الحديث: (رب صائمٍ حظه من صيامه الجوع والظمأ) فما هي التقوى؟ التقوى عبارة عن اتخاذ وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. ولهذا نقول: التقوى: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، وهذا أجمع تعريفٍ للتقوى. فالمقصود الأول من الصيام هو صوم القلب، وهو استقامة القلب، وعبوديته لله عز وجل، وانقياده لأوامر الله ونواهيه، قال الله عز وجل: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } [ الحج: ٣٧ ]. واما الصنف الآخر من الناس فهم الخاسرون.. أحبتي في الله ممَّا يجعل المرء خاسرا في شهر رمضان أن يصوم بطنه، ولا يصوم قلبه، ولا لسانه ولا يده ولا عينه ولا أذنه، قال عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه: « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ » [ رواه البخاري ]. فكيف يرجو الرحمة من الحلال ولم يصم عن الحرام!! أحبتي في الله من جعل الصوم في معزل عن القلب، والشعور، والجوارح، إنما صيامه تعب وجوع وعطش، وليس مسابقة إلى الجنة، وتعرض لنفحات رحمة ربه سبحانه وتعال، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ » [ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وقال عنه الألباني حسن صحيح في صحيح الجامع وفي صحيح الترغيب والترهيب ]. فيا ترى من هذا الذي ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش وليس له من قيامه إلا السهر والتعب؟ إنه من صام عن الطعام والشراب والجماع، ولم يصم عن قول الزور والعمل به وقول الزور هو الكذب. إنه من صام عن الطعام والشراب لكن عينه لم تصم عن النظر إلى الحرام. إنه من صام عن الطعام والشراب، لكنه لم يصم عن الغل والحقد والحسد، والظلم، والغش، والجشع، ومغالاة الأسعار، وكل ما لا يرضي الله عز وجل.. إنه من صام عن الطعام والشراب، وأطلق لنفسه العنان في مشاهدة رمضان البرامج الهابطة، والتمثيليات القبيحة الماجنة، وسماع الغناء والخنا، والنظر إلى العورات، والتكلم بالكلام البذيء.. فهذا هو من حظه من صيامه الجوع والظمأ، لأنه في الحقيقة ما صام، وإن كانت ذمته برئت، ولا نلزمه بقضاء الصيام لكنه حقيقة ما صام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » لأنه ما حقق الفائدة المرجوة من الصوم ألا وهي التقوى، التي هي وصية الله للأولين والآخرين، فالحذر كل الحذر يا عباد الله من طريق الخاسرين في شهر رمضان، فهناك أناس خسروا شهر رمضان وأي خسارة، إنها خسارة مغفرة الذنوب، وخسارة الرحمة، وخسارة العتق من النار، وخسارة الفوز بالجنة، فيا حسرة على من خسر شهر رمضان، ورغم أنفه، وما أبعد التوبة عنه والرحمة.. وإن معظم من يضيعون وقت رمضان في اللهو واللغو هم ممن لم يعظموا حرمة هذا الشهر ولم يعدّوا له العدة، قال الله تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: ٤٦ ]. فلو أراد الإنسان الفوز بما في هذا الشهر من ثواب وأجر لأعد له العدة، ولكن قلّ الوازع الديني والباعث على العمل الصالح، حتى أصبح المسلم لا يعظم هذه الشعائر كما أرادها الله تعالى، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [ الحج: ٣٢ ]، فتعظيم هذه الشعائر الدينية الكريمة يكون بالفرح عند حلولها وإعداد العدة قبل أوانها كما كان يفعل سلف هذه الأمة رضي الله عنهم، قال الله عز وجل: { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس: ٥٨ ]. جعلني الله واياكم من عباده المتقين الطائعين الفرحين بفضله ورحمته.. اقول هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم. ... الخطبة الثانية: الحمد لله الذي فضَّل رمضانَ على شهورِ العامِ، أحمده سبحانَه جعَل الصيامَ أحَدَ أركانِ الإسلام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله خيرُ من صلَّى وصامَ وقام، اللّهمّ صلِّ عليه وعلى آلهِ وصحبه الأئمّة الأبرار الأعلام. أحبتي في الله إنَّ من أعظم ما يتعرض به المسلم إلى الرحمة والمغفرة والعفو والعتق من النار هو التعبد لله عز وجل بأسمائه وصفاته، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماءه، فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة، ويحب التوبة، ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يخطر بالبال، ويحب الستر ويحب الرحمة ويحب المغفرة، ويحب الجود ويحب الكرم، فعلى العبد الذي يريد النجاء أن يتقرب غلى الله بذلك. فتقدير ما يغفره ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه، ويتوب عليه ويسامحه: من موجب أسمائه وصفاته، وحصول ما يحبه ويرضاه من ذلك وليس من الأدب، بل ولا من الدين أن نسأل الله العفو وهو سبحانه عفو يحب العفو، ونحن لا نعفو عن بعضنا، ولا من الدين أن نسأله سبحانه الرحمة والمغفرة، ونحن لا نتراحم فيما بيننا ولا يغفر بعضنا لبعض، فالتعبد لله جل وعلا بأسمائه وصفاته دعاء عبادة أحرى بالقبول والإجابة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (والرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله » [ رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في الصحيحة ]. فهذا وعد لمن رحم الخلق بأن يرحمه الرحمن جل وعلا. واعلموا عباد الله أن العبد كلما كان بالله أعلم كان له أقرب وأتقى وأكثر خشية، والحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أعلم الخلق بالله واتقاهم له وأشدهم له خشية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [ الأحزاب: ٥٦ ] اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وسلم عليه تسليما كثيرا يا رب العالمين. وأسال الله رب العالمين أن يبلغنا جميعا شهر رمضا ويبارك لنا فيه ويجعلنا من عتقائه، ومن الفائزين فيه بمغفرته ورحمته وعفوه ورضوانه وأن يسبغ علينا نعمه وفضله وكرمه وجوده ووالدينا وآبائهم وأمهاتهم وجميع المسلمين آمين آمين آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى أزواجه وذريته وآله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وأهل السنة والجماعة إلى يوم الدين. وبلغنا رمضان وبارك لنا فيه ورزقنا شهوده والبركة فيه أعواما عديدة وأعمارا مديدة بفضله وكرمه ومنته إنه جواد كريم ذو الفضل العظيم.. |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الفائزون في شهر رمضان |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|