أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
14347 94165

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-06-2017, 09:35 AM
عبد الله مختار بدري عبد الله مختار بدري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 202
افتراضي تعقيب على فتوى الشيخ عبد الله آل محمود في الأخذ من الشعر والأبشار- عمر الكنزي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ
تَعْقِيبٌ عِلْمِيٌّ
عَلَى فَتْوى الشَّيْخِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ آل مَحْمود
في مَسْألَةِ (تَرْكِ الأخْذِ مِنْ الشَّعْرِ والأظْفارِ)
لِمَنْ أرَادَ الأُضْحيَةَ

✍(عُمَرُ الكَّنْزِيُّ)

(الحَلقَةُ الأولى)
الحَمْدُ للهِ، وأشْهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ ورسولُهُ
اللَّهُمَّ صَلِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ، وسَلِّمْ تسليماً

أمَّا بَعْدُ
فقَدْ انتَشَرتْ فَتْوى للشيخِ عبدِ للهِ آل محمود –رَحِمَهُ اللهُ-، في وسائلِ التَّوَاصُلِ والمواقِعِ، حوْلَ مَسْألةِ تَرْكِ الأخْذِ مِنْ الشَّعْرِ والأظْفارِ، بَعدَ دخولِ ذي الحِجّةِ، لِمَنْ أرَادَ أنْ يُضَحِيَ..
فَقُمتُ بالبَحْثِ عنْها في موْقِعِ الشَّيْخِ –رَحِمَهُ اللهُ-، فَلَمْ أجِدْها بذاتِ السياقِ في موْقِعِهِ، وما وجدْتُهُ؛ قريباً مِمَّا هو مُنتَشِرٌ..
ووجَدْتُ في الفَتْوى المَنْشُورَةِ، جُملَةً مِنْ الأخْطاءِ، والأوْهامِ التي تَحْتاجُ إلى تَعْقِيبٍ وتَوْضيحٍ وبيانٍ لِبُعْدِها عن الصَّوابِ، ومَيْلِها عنْ الحَقِّ –غَفَرَ اللهُ لنا أجمعينَ-
والأخْطاءُ التي وَقعَتْ في الفَتْوى إجمالاً،-وسيأتي تفْصيلُها تِبَاعاً، بِحَوْلِ اللهِ-:
(1) التَّقْليلُ مِنْ شأنِ حديثِ أُمِّ سَلَمةَ –رضي اللهُ عنْها-، بزَعْمِ تفَرُّدِها بروايتِهِ.
(2) زَعْمُهُ –غَفَرَ اللهُ لَهُ- أنَّ عائشَةَ، أنْكَرتْ على أُمِّ سَلَمَةَ –رضي اللهُ عنْهُما- روايتَها لهذا الحديثِ.
(3) خَطأُهُ بترجيحِ حَديثِ عائشَةَ، علَى حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِزَعْمِ أنَّها "أعْلمُ بأحْوالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأعْرفُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ بحديثِهِ"(!!)
(4) نَفْيُهُ أنْ يكونَ هذا الحُكْمُ، مُشْتَهِراً بينَ الصَّحابةِ، ونَفْيُهُ لِعملِ أحدِ الصَّحابةِ بحديثِ أُمِّ سَلَمَةَ.
(5) رَدُّهُ للعَملِ بالحديثِ بِمَحضِ القياسِ، في مُقابَلةِ النَّصِ.
(6) زَعْمُهُ أنَّ الحديثَ قد (انقَلَبَ) على أُمِّ سَلَمَةَ، ولمْ تُحْسِنْ فَهْمَهُ(!!)

وهذا أوانُ الشُّروعِ في التَّفصيلِ:
(أولاً)
التَّقْليلُ مِنْ شأنِ حديثِ أُمِّ سَلَمةَ –رضي اللهُ عنْها-، بزَعْمِ تفَرُّدِها بروايتِهِ:
قالَ الشيخُ آل محمود –غفرَ اللهُ لَهُ-:
"والواقِعُ أنَّ هذا الحديثَ وردَ من طريقِ أمِّ سلمةَ وحدِها، ولم يروِهِ أحدٌ منْ الصحابةِ غيرُها"
(التَّعليقُ):
فكانَ مَاذا؟! وهل رِوايَةُ الصَّحابيِّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ عَنْ بقِيَّةِ الصَّحْبِ الكِرامِ، يُعَدُّ طَعْنَاً في تِلْكَ الرِّوايةِ؟
(أ) فإنْ كانتْ الإجابَةُ بِنعم؛ فهذا باطِلٌ لا إشْكالِ فيهِ، وكَمْ تَفَرَّدَ صَحابيٌّ بروايةِ حديثٍ، ونَقْلِ سُنَّةٍ لَمْ تُنْقَلْ إلَّا مِنْ طَريقِهِ فحسْبُ؟
بَلْ الرَّاوي الثِّقَةُ الإمامُ –الذي هوَ دونَ الصَّحابةِ- إنْ روَى ما يتَفَرَّدُ بِهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ ذلِك التَّفرُدُ، فكيفَ بالصَّحابةِ؟
وقَدْ ادَّعى الكوثريُّ (!) (انفرادَ) أنسِ بنِ مالِكٍ –رضي اللهُ عنْهُ- ببعضِ الأحاديثِ، ليجعلَ ذلِك مُسَوِغاً للطَّعنِ فيهِ، حَميَةً لأبي حنيفةَ..
فَرَدَّ عليهِ ذَهبيُّ العصْرِ المُعلِميُّ اليمانيُّ، كما في "طليعَةِ التَّنْكيلِ" –المطبوعِ معَ التَّنْكيلِ (1/63)- بقولِهِ:
"أمَّا (الانفِرادُ) فليسَ بمانِعٍ مِنْ الاحتِجاجِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ، بلْ بإجماعِ الصَّحابَةِ والتَّابعين، بل الأدِلَّةُ في ذلكَ أوضحُ، ولم يشترِطْ التَّعدُد إلَّا بعضُ أهلِ البِّدعِ" ا.هـ
والظَّنُّ بالشيْخِ آل محمود، أنَّهُ لا يسيرُ على طريقَةِ أهلِ البِّدعِ.

(ب) وإنْ كانتْ الإجابةُ بِلا؛ فَما مَعنى إيرادِ هذا الكلامِ، وما الحاجَةُ إليهِ؟
على أنَّ دَعْوَى (التَّفَرُّدِ) في نفسِها؛ خطأٌ، ولا تصِحُّ..
وسيأتي مَزيدُ توضيحٍ لهذِه المسألةِ، عِندَ مُناقَشَةِ الخطأِ الرابعِ –إنْ شاء اللهُ-.
(ثانياً)
زَعْمُهُ –غَفَرَ اللهُ لَهُ- أنَّ عائشَةَ، أنْكَرتْ على أُمِّ سَلَمَةَ –رضي اللهُ عنْهُما- روايتَها لهذا الحديثِ:
قالَ الشيْخُ آل محمود:
" وقد أنكرَتْ عائشةُ -رضي اللهُ عنْها- على أُمِّ سَلَمَةَ هذا الحديثَ"
(التَّعْليقُ):
لم يَتَوَجَّهْ إنْكارُ عائشَةَ لأمِّ سَلَمَةَ، ولا إلى حدِيثِها الذي حَدَّثتْ بِهِ، وهي إنَّما سُئلتْ عَنْ أقوامٍ لا يزَالونَ مُحْرِمينَ حتَّى يُنْحَرَ الهَدْيُّ بعْدَ تَقْليدِهِ وإرْسالِهم لَهُ، وعنْ فتْوى يُفتي بِها عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ –رضي اللهُ عنْهُما- في هذا، فإنْكارُها على فتوى ابنِ عبَّاسٍ، ومَنْ نَحَا نَحْوَهُ، وسَلَكَ مَسْلَكَهُ –كمَا نُقِلَ عنْ ابنِ عُمَرَ وغيرِهِ-، ولَمْ تَتَعرَّضْ مِنْ قَريبٍ ولا مِنْ بعيدٍ إلى إنكارٍ على أُمِّ سَلَمَةَ، فلا أدْري مَنْ أينَ للشيْخِ الجزْمُ بهذا؟
ففي "صحيحِ البُخاريِّ" –واللفظُ لَهُ- برقمِ (1700) و"مُسْلِمٍ" برقمِ (1321) مِنْ طريقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا، حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ، قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ»
وفي "البخاريِّ" (5566) و"شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ" للطَّحاويِّ (14/134) بإسنادِهِما إلى الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّ رِجَالًا هَاهُنَا يَبْعَثُونَ بِالْهَدْيِ إِلَى الْبَيْتِ، وَيَأْمُرُونَ الَّذِي يَبْعَثُونَ مَعَهُ بِمَعْلَمٍ لَهُمْ يُقَلِّدُهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ، فَصَفَّقَتْ بِيَدَيْهَا، فَسَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: "سُبْحَانَ اللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي، فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ، وَيُقِيمُ فِينَا لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا يَصْنَعُ الْحَلَالُ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ"
فَلَمْ يَكُنْ السُّؤالُ لعائشَةَ عنْ حديثِ أمِّ سَلَمَةَ أصلاً، حَتَّى يَتَوَجَّهَ إنْكارُها إليهِ، بَلْ عَنْ صَنيعِ أقْوامٍ يبْعثُونَ بالهَدْيِّ، فَيمْتَنِعوا عَمَّا يَمْتَنِعُ عَنْهُ المُحْرِمُ –حَتَّى النِّساء-، فبيَّنَت عائشَةُ أنَّهُم يُخالِفون بصَنيعِهم هذا، ما كانَ عَليهِ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-..
قالَ الحافِظُ في "فتحِ الباريِّ" –مُبيَّناً صِحةَ ما سبقَ- (10/23):
"وَاسْتَدَلَّ الدَّاوُدِيُّ بِقَوْلِهَا (هَدْيُهُ)، عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَتْهُ مَيْمُونَةُ مَرْفُوعًا: "إِذَا دَخَلَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ" يَكُونُ مَنْسُوخًا بِحَدِيث عَائِشَة، أَو نَاسِخاً.
قَالَ ابنُ التِّينِ: وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَصِيرَ مَنْ يَبْعَثُ هَدْيَهُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ بَعْثِهِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ عَلَى مَا (يُسْتَحَبُّ) فِي الْعَشْرِ خَاصَّةً مِنَ اجْتِنَابِ إِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ عُمُومُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ: وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
قُلْتُ (ابن حجر): هُوَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لَا مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، فَوَهِمَ الدَّاوُدِيُّ فِي النَّقْلِ وَفِي الِاحْتِجَاجِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ عَلَى الْمُضَحِّي، أَنَّهُ لَا (يُسْتَحَبُّ) فِعْلُ مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ الْمَذْكُور لغير الْمحرم، وَالله أعلم" ا.هـ
-وترجيحُ (الاستحبابِ) فيما سَبَقَ مِنْ كلامِ ابنِ حجرٍ؛ مرجوحٌ..
والرّاجِحُ (الوجوبُ)-

وسيأتي توْجيهُ كلامِها، حتَّى لا يكونَ مُتَعارِضاً معَ ما حَدَّثَتْ بِهِ أمُّ سَلمَةَ، بتوْجيهينِ، أحدِهما عنْ الإمامِ يحيى بنِ سعيدٍ القَطَّانِ
–ووَافقَهُ عليهِ الإمامُ أحمدُ-، والآخرِ عَنْ الطَّحاويِّ، على طريقةِ (الجَمْعِ)..
وسيأتي (تقديمُ) حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ حتى على طريقةِ (التَرجيحِ) -إنْ شاءَ اللهُ-


(الحَلْقَةُ الثَّانيَةُ)

تَعْقِيبٌ عِلْمِيٌّ
عَلَى فَتْوى الشَّيْخِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ آل مَحْمود
في مَسْألَةِ (تَرْكِ الأخْذِ مِنْ الشَّعْرِ والأظْفارِ)
لِمَنْ أرَادَ الأُضْحيَةَ

✍(عُمَرُ الكَنزِيُّ)


(ثالِثَاً):
خَطأُهُ بترجيحِ حَديثِ عائشَةَ، علَى حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِزَعْمِ أنَّها "أعْلمُ بأحْوالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأعْرفُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ بحديثِهِ"(!!)

قالَ الشيْخُ عبدُ اللهِ آل محمود:
"ومِنْ المعْلومِ أنَّ السَّيدةَ عائشةَ هي أعْلمُ بأحوالِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وأعرفُ مِنْ أمِّ سلَمَةَ بحديثِهِ"

(التَّعْليقُ):
هذا الكلامُ رُبَّما يكونُ لَهُ حَظٌّ مِنْ الوجَاهَةِ، إذا كانَ حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ (فِعلاً) رأتْهُ من رسولِ اللهِ –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-
ولكنَّها نَقلتْ (قولاً) سَمِعَتْهُ، لا (فِعلاً) رأتْهُ..
فأيُّ شيءٍ يجْعلُ عائشَةَ (أعْلمَ) بأحوالِهِ من أُمِّ سَلَمَةَ هُنا؟

هذا مِنْ وجْهٍ..
ومِن وَجْهٍ آخر:
فإنَّ القول بأنَّ عائشَةَ أعْلمُ (بأحوالِ) النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ، مِنْ أمِّ سَلَمَةَ؛ ففيهِ شيءٌ من اللينِ في ترْجيحِ حديثِها، على حديثِ أمِّ سَلَمَةَ بإطلاقٍ(!)..
إذ كلاهُما من زوجَاتِهِ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، ولو قيلَ ذلِك عنْ عائشَةَ في مُقابِلِ غيرِها من الصَّحابةِ –رِجالاً ونِساءً، خلا زوجاتِهِ- لكانَ مَقبُولاً، أمَّا وأنْ يُقالَ في مُقابِلِ إحدَى زوْجاتِهِ، بحيثُ يُرَدُّ حديثُ الأخرى في مُقابِلِ عائشةَ؛ ففيهِ بُعْدٌ..

وكوْنُ عائشَةُ أعْرَفَ منْ أمِّ سَلَمَةَ بحديثِ رسولِ اللهِ –في الجُمْلَةِ-، فهذا لا يمْنعُ مِنْ سمَاعِ أمِّ سَلَمَةَ –بَلْ وانفِرَادِها- مِنْ رسولِ اللهِ، ما لَمْ تَسْمَعْهُ عائشةُ، ولا يُعَدُّ ذلِك مَطْعَناً في سَماعِ أمِّ سَلَمَةَ، فهي مُدْرِكَةٌ واعيَةٌ لِما يُقالُ، حافِظَةٌ لِمَا تسْمَعُ، فاهِمَةٌ لِأوجُهِ التَّفْريقِ بينَ ما يُقالُ للمُحْرِمِ، وما يُقالُ لغيرِهِ..
قالَ الذَّهبيُّ في "سِيَرِ أعْلامِ النُّبَلاءِ" (2/ 203) عَنْها: "وَكَانَتْ تُعَدُّ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ" ا.هـ

أمَّا قولُهُ: "وأعرفُ مِنْ أمِّ سلَمَةَ بحديثِهِ"
فقَدْ بناهُ على أساسٍ لا يصِحُّ، وهو أنَّ عائشةَ قد اعترَضَتْ على أُمِّ سلمَةَ في حديثِها، وهذا ما لم يقَعْ أصلاً –كما بينتُه سابِقاً-، وما بُنيَ على باطِلٍ؛ فهو باطلٌ

وسأضيفُ هُنا المأخَذَ (السَّادِسَ)، لارْتِباطِهِ بِما هُنا، وهو:

(رابِعاً):
زَعْمُهُ أنَّ الحديثَ قد (انقَلَبَ) على أُمِّ سَلَمَةَ، ولمْ تُحْسِنْ فَهْمَهُ(!!)

قالَ الشيْخُ:
"والحاصل: أنَّ هذا الحديثَ عن أمِّ سلمةَ قد انقَلبَ عليها، حيثُ إنَّ أهلَ المدينةِ يُحرِمونَ بالحجِّ عِندَ مُسْتَهَلِ ذي الحِجة، فسمِعتْ أمُّ سلمةَ مِنْ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه نَهى عنْ حَلْقِ الشَّعْرِ، وقَلْمِ الظُفرِ حتى ينْحرَ أضحيتَه، لكونِ دمِّ النُّسكِ يُسمى "أضحية"، -كما في البخاريِّ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحَّى عن نسائهِ بالبقَرِ، يعني بذلك دماءَ النُّسكِ-، فانقلبَ هذا الحديثُ على أمِّ سلمةَ كما فهمته عائشةُ"

(التَّعْليقُ):

(أ) هل يُعْقَلُ أنْ تسمَعَ أمُّ سلَمَةَ فقط النهيَّ عن هذينِ الأمرينِ -قَلْمِ الأظافِرِ، وحلْقِ الشَّعْرِ- دونَ بقيَةِ الأمورِ اللازِمَةِ للمُحْرِمِ؟ فلا يكونُ قَدْ وقَعَ النَّهْيُّ من رسولِ اللهِ –صلَّى الله عليه وسلَّمَ- عنْ بقيَةِ الأمورِ –كتَرْكِ الطِّيبِ، وإتيانِ النِّساءِ- ولا لِمرَّةٍ واحِدةٍ؟ هذا بعيدٌ جِداً.

(ب) تَرْتيبُ النَّهيِّ عنْ هذه المَحْظُوراتِ، إنَّما يكونُ (بالإحرَامِ)، سواءٌ أكانَ في أولِ ذي الحِجَّةِ، أو بعْدَهُ بقليلٍ، أو قبْلَهُ بقليلٍ، ولو سلَّمْنا أنَّ إحرامَ أهلِ المدينةِ يكونُ في أولِ ذي الحِجَّةِ، -كما جَزَمَ بِهِ الشيخُ، فقالَ: "وذلك لكونِ أهل المدينة يُهِلّون بالحجِّ عند طلوعِ هلالِ ذي الحجةِ"-؛
فوقوعُ ذلِكَ مِنْ (جَميعِهم) في ذاتِ اليومِ؛ أمرٌ تستَبْعِدُهُ العادةُ المَعروفَةُ في مثلِ هذا الأمرِ..
فالمَعْقولُ مِنْ صاحِبِ الشَّرْعِ أنْ يُنِيطَ أمرَ النهيِّ عنْ تِلكُم المحْظوراتِ بسببِها، وهُو الدُّخولُ في الإحرامِ، لا بمُجرَّدِ دخولِ الوقتِ (الأغلبيِّ) لإحرامِ أهلِ المدينةِ –لو سَلَّمْنا بِهِ، وسيأتي ما ينْقُضُهُ-، الذي لا ينضَبطُ فيهِ الجميعُ..
بِخلافِ الإحرامِ، الذي بسببِهِ تُمنَعُ المحظوراتُ، لِمَنْ أحرَمَ في أولِ الشَّهرِ، أو قبلَهُ، أو بعْدَهُ..
فكلامَ الشيْخِ آل محمود أنَّ خِطابَ النبيِّ –صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ- كانَ للمُحْرِمينَ؛ لا يُوافَقُ عليهِ مِنْ هذِهِ النَّاحيةِ.

(ج) والعَجيبُ أنَّ رسولَ اللهِ –صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ-، -الذي تُبْنى على أقْوالِهِ وأفعالِهِ الأصولُ، وتُقَعَّدُ القواعِدُ-، خالفَ(!) ما ادَّعاهُ الشيخُ آل محمود عنْ أهلِ المَدينةِ، فخَرَجَ إلى الحَجِّ قبْلَ مُسْتَهَلِّ ذي الحِجَّةِ، بِخَمْسِ ليالٍ..

فقد أخرجَ البُخاريُّ (2952) ومُسلِمٌ (1211) في الصحيحنِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلا نَرَى إِلا أَنَّهُ الْحَجُّ"

فَبَطُلَ بِذلِكَ أصْلُ ما بَنَى عليهِ الشيْخُ آل محمود زعْمَهُ في تَخْطِئةِ أُمِّ سَلَمَةَ، وظَهَرَ أنَّ خُرَوجَ أهلِ المدينةِ إلى الحَجِّ لمْ يَتَعارَفُوا على كونِهِ –ولا بُدَّ- في مُسْتَهلِ ذي الحِجَّةِ..

فإذا كان رسولُ اللهِ، لم يَخْرُجْ في أولِ ذي الحِجَّةِ، فكيفَ يُجْعَلُ الخروجُ في ذلكَ التَّوْقيتِ؛ عَادةً لازِمةً، وطريقَةً مُشْتَهِرَةً لأهلِ المدينةِ، تُسَاقُ الأحاديثُ، وتُروى الرواياتُ، اعتِماداً عليْها، وإشَارَةً إليْها؟!

ولا يُشْكِلُ على هذا، ما جاءَ في البُخاريِّ ومُسلِمٍ، في حديثِ عائشَةَ، قولُها:
"خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ"
فقَدْ قالَ ابنُ حَجَرٍ في "فتحِ الباريِّ" (3/ 609):
"قَوْلُهُ (خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ: قُرْبَ طُلُوعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ "خَرَجْنَا لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ" وَالْخَمْسُ قَرِيبَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، فَوَافَاهُمُ الْهِلَالُ وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا مَكَّةَ فِي الرَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ"

(تَنْبيهٌ):
ثُمَّ انتبَهْتُ إلى أمرٍ آخر –زيادةً على ما سبَقَ-، وهو:
لم يخْرُجْ النَّاسُ مِن المدينةِ حُجَّاجاً إلَّا مَرَّتينِ..
الأولى: لمَّا أمَّرَ رسولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ- أبا بكْرٍ في حجِّ عامِ تسعةٍ، ولم يَخْرُجْ رسولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ- عامئذٍ.
الثانية: حجةُ الوداعِ التي خرجَ فيها رسولُ الله –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-.

وقد بحثتُ عن تحديدِ وقتِ خروجِ أبي بكرٍ في سنةِ تسعٍ؛ فلَم أعثُرْ على تحديدٍ دقيقٍ لذلِك..
ولو تنزَّلْنا وقُلنا إنَّه خرجَ في مُستَهَلِّ ذي الحِجَّة –كما هو زَعْمُ الشيْخِ-..
فقَد خرجَ رسولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ- في العامِ التالي، قبْلَ هِلالِ ذي الحِجَّة بِخمسِ ليالٍ..
فهلْ تكونُ سُنّةُ أبي بكرٍ، قاضيَةً على سُنَّةِ رسولِ الله –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-، بحيثُ يُقالُ: إنَّ عادةَ أهلِ المدينةِ؛ الخروجُ إلى الحجِّ في مُستهلِ ذي الحِجَّةِ؟
وليس هاهُنا عادةً غالِبةً أصلاً..
ومن أينَ ذلِك، والحجُ كانَ مرتينِ فقط، وفي كُلِّ عامٍ، كانَ التَّوقيتُ مُختلِفاً عن الآخرِ؟
ولا أظُنُّ أنَّ الشيْخَ يقْصِدُ: العادةَ التي كانَ عليها أهلُ المدينةِ بعدَ (وفاةِ) رسولِ الله –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-، فهو أعْقَلُ مِنْ ذلِك(!)

(د) لَمْ يسُقْ الشيخُ حُجَّةً واحِدةً على هذا الزَّعْمِ، بَلْ طعَنَ في فَهْمِ أُمِّ المؤمنينَ بغيرِ بيَّنةٍ أصلاً، بل بِمُجرَّدِ التظَنُّنِ، وبِمحضِ التَّخرُّصِ..
وفي هذا فتحٌ لبابِ الطَّعنِ في رواياتِ وأفْهامِ الصحابةِ حالَ نقلِهم للسُّنَّةِ، فيلْتَجيءُ كُلُّ مُبْطِلٍ لسُنَّةٍ من السُّننِ إلى عَدَمِ فَهْمِ الصَّحابيِّ، لكلامِ رسولِ اللهِ –صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-

(هـ) مَكانَةُ أُمِّ سَلَمَةَ في العِلمِ والفِقْهِ، ومَنْزِلتُها مِنْ رسولِ اللهِ؛ تجعَلُ ما نسبَهُ إليها الشيْخُ مِنْ الخطأِ؛ قَريباً مِنْ المُحالِ..
قالَ الذَّهبيُّ في "سِيَرِ أعْلامِ النُّبَلاءِ" (2/ 203) عَنْها: "وَكَانَتْ تُعَدُّ مِنْ (فُقَهَاءِ) الصَّحَابِيَّاتِ" ا.هـ
وقالَ الحافِظُ ابنُ حجرٍ في "الإصَابةِ في تَمْييزِ الصَّحابةِ" (8/ 406):
"وكانتْ أُمُّ سَلمةَ مَوصوفةً بالجمالِ البَارعِ، و(العَقْلِ البَالِغِ)، و(الرأي الصّائبِ)، وإشارتُها على النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يومَ الحُديبيّةَ تدُلُّ على (وُفورِ عقْلِها) و(صوابِ رأيها)" ا.هـ
فكيفَ لِمثلِها أنْ يَخْتَلِطَ عليْها الأمرُ، فتذكرَ ما قيلَ في حَقِّ (المُحْرِمِ)، وتجْعلَهُ في حقِّ (الحَلالِ)؟
وما ذُكِرَ لصاحِبِ الهَدْيِّ، تُخاطِبُ بِهِ صاحِبَ الأُضْحيَةِ؟

وتلْخيصاً لِما سبقَ:
لا يصِحُّ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ –لا أثراً، ولا نَظَراً-، أنْ يكونَ حديثُ أُمِّ سلمَةَ موجَّهاً لِمُريدي الحجِّ من المُحْرمينَ، فأخطأتْ –رضي اللهُ عنْها-، وجعلتْهُ في مُريدي الأضحيَةِ من غيرِ المُحرِمينَ..
بل الحديثُ مُوجَّهٌ لمَنْ أرَادَ الأُضحيةَ مِنْ عمومِ المسلمين، غيرِ المُحْرِمينَ.


(الحَلْقَةُ الثالِثَةُ)
تَعْقِيبٌ عِلْمِيٌّ
عَلَى فَتْوى الشَّيْخِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ آل مَحْمود
في مَسْألَةِ (تَرْكِ الأخْذِ مِنْ الشَّعْرِ والأظْفارِ)
لِمَنْ أرَادَ الأُضْحيَةَ

(تذْكيرٌ بِجُمْلةِ الأخطاءِ الواقِعَةِ في الفتْوى):

(1) التَّقْليلُ مِنْ شأنِ حديثِ أُمِّ سَلَمةَ –رضي اللهُ عنْها-، بزَعْمِ تفَرُّدِها بروايتِهِ.
(2) زَعْمُهُ –غَفَرَ اللهُ لَهُ- أنَّ عائشَةَ، أنْكَرتْ على أُمِّ سَلَمَةَ –رضي اللهُ عنْهُما- روايتَها لهذا الحديثِ.
(3) خَطأُهُ بترجيحِ حَديثِ عائشَةَ، علَى حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِزَعْمِ أنَّها "أعْلمُ بأحْوالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأعْرفُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ بحديثِهِ"(!!)
(4) نَفْيُهُ أنْ يكونَ هذا الحُكْمُ، مُشْتَهِراً بينَ الصَّحابةِ، ونَفْيُهُ لِعملِ أحدِ الصَّحابةِ بحديثِ أُمِّ سَلَمَةَ.
(5) رَدُّهُ للعَملِ بالحديثِ بِمَحضِ القياسِ، في مُقابَلةِ النَّصِ.
(6) زَعْمُهُ أنَّ الحديثَ قد (انقَلَبَ) على أُمِّ سَلَمَةَ، ولمْ تُحْسِنْ فَهْمَهُ(!!)

======================

(خَامِساً):
نَفْيُ الشَّيْخِ عبدِ اللهِ آل محمود أنْ يكونَ هذا الحُكْمُ، مُشْتَهِراً بينَ الصَّحابةِ، ونَفْيُهُ لِعملِ أحدِ الصَّحابةِ بحديثِ أُمِّ سَلَمَةَ
قالَ الشيْخُ –رَحِمَهُ اللهُ-:
"ولكانَ مِن لوازِمِ هذا النّهيِّ، أنْ يشتهِرَ بينَ الصحابةِ، ولم نعلمْ أنَّ أحداً قالَ بِهِ، ما عدا انفراد أُمِّ سلمةَ بحديثِهِ"

(التَّعْليقُ):
وهذا خَطأٌ آخرُ يُضَافُ إلى جُمْلَةِ الأخطاءِ الوَارِدَةِ في الفَتْوى، فقَدْ عَرفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحابَةِ هذا الحُكمَ، وقالوا بِه..
وقَدْ اشْتَهرَ ذلِكَ في مُصنَّفاتِ أهلِ العِلمِ، ولم يكُنْ بالأمرِ الخَفيِّ..
قالَ الإمامُ الطَّحاويُّ في "شَرْحُ مُشْكِلِ الآثَارِ" (14/142):
"وَقَدْ (شَدَّ) هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَمِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، مِمَّنْ لَهُ مَا يُضَحِّي بِهِ، فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ؛ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وسَلَّمَ- أَنَّهُمْ (كَانُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ)" ا.هـ
بَلْ نقلَ ابنُ حَزْمٍ أنَّهُ لا يُعْلَمُ للقائلينَ بالمَنْعِ مِنْ الصَّحابةِ، مُخالِفٌ..
قالَ ابنُ حَزْمٍ في "المُحَلَّى" (6/29):
"وَهَذِهِ فُتْيَا صَحَّتْ عَنْ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لَهُمْ"
وهذا غَريبٌ منْ الشيْخِ –غفرَ اللهُ لنا ولَه-، وهُو عَكْسُ كلامِ أهلِ العِلمِ تمَامَاً،..
فالعُلماءُ يُثبِتون، وهو ينْفِي..
وينْقُلونَ اشتهارَ الحُكمِ بينَ الصَّحابةِ –حتَّى لا يُعْلَمَ لهُم مُخالِفٌ-، وهُو يدَّعي تَفرُّدَ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ(!)

((أَثَرُ سَعيدٍ بنِ المُسيبِ في عَمَلِ الصَّحابةِ بذلِكَ الحُكْمِ)):

أخْرَجَ الحاكِمُ في "المُسْتَدَرَكِ على الصَّحيحينِ" (4/ 246) قالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَتِيكِ فَحَدَّثَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى أُضْحِيَّةَ فِي الْعَشْرِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»
قَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: عَنْ مَنْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟
قَالَ: عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ-" ا.هـ

وإسنادُ الحاكِم؛ صحيحٌ..
(أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ)، قالَ الخَطيبُ في "تاريخِ بغدادَ" (5/ 490):
"سألتُ أَبَا بَكْر البرقاني، عَنْ أَبِي بَكْر الآدمي القارئ، فَقَالَ: لا أعرفُ حاله، ولكن (أَحْمَد بْن عُثْمَان الأدمي)؛ ثقة" ا.هـ.. ووثَّقَهُ الخَطيبُ والذَّهبيُّ.
و(مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ) -المعروفُ بالسِّمسار، ويُلَقَّبُ أيضاً "زنبقة"-، قالَ الخطيبُ
–كما في "تاريخِ بغدادَ" (4/ 472)-:
"سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ الْبَرْقَانِيَّ عَنْ زَنْبَقَةَ شَيْخِ ابْنِ الأَدَمِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ"

وقَدْ أُمِنَ مِنْ تدليسِ قَتَادَةَ، فالرَّاوي عَنْهُ؛ شُعبَةُ..
نَقَلَ البيْهقيُّ في "معْرِفةِ السُّننِ والآثارِ" (1/ 152) عَنْ شُعْبَةَ أنَّهُ قالَ:
"كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ: الْأَعْمَشَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةَ"
ونقلَ أيضاً عنْهُ أنَّهُ قالَ:
"كُنْتُ أَتَفَقَّدُ فَمَ قَتَادَةَ، فَإِذَا قَالَ: "حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ"؛ حَفِظْتُهُ، وَإِذَا قَالَ: "حَدَّثَ فُلَانٌ"؛ تَرَكْتُهُ"
قالَ ابنُ حجَرٍ في "النُّكَتِ على كتابِ ابنِ الصلاحِ" (2/ 631):
"وهِي قاعِدةٌ حَسَنَةٌ، تُقْبَلُ أحاديثُ هؤلاءِ إذا كانَ عنْ شُعبةَ، ولو عَنْعَنوها" ا.هـ

ورَواهُ الطَّحاويُّ في "شَرْحُ مُشْكِلِ الآثَارِ" (14/142)، فقالَ:
"حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَثِيرَ بْنَ أَبِي كَثِيرٍ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ يُفْتِي بِخُرَاسَانَ -يَعْنِي كَانَ يَقُولُ-: "إِذَا دَخَلَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَاشْتَرَى الرَّجُلُ أُضْحِيَّتَهُ، فَسَمَّاهَا؛ لَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ"،
فَقَالَ سَعِيدٌ: قَدْ أَحْسَنَ، كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ, أَوْ يَقُولُونَ ذَلِكَ"
وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ كَثِيرٍ, أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ كَانَ يُفْتِي بِخُرَاسَانَ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّتَهُ وَسَمَّاهَا، وَدَخَلَ الْعَشْرُ؛ أَنْ يَكُفَّ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: عَمَّنْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَصْحَابُهُ، وَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ."

وهو كذلِك إسنادٌ صحيحٌ..
(سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ): ثِقَةٌ، وهو وإنْ كانَ مُدلِساً، فقدْ صرَّحَ بالتَّحديثِ لاسيَّما وهو أوْثقُ الناسِ في قتادةَ..
نعم.. كانَ قد اختلطَ، إلَّا أنَّ الراويَ عنْهُ، يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ؛ مِنْ أثْبَتِ النَّاسِ فيهِ..
قالَ ابنُ عَدِيٍّ في "الكامِلِ في ضُعفاءِ الرِّجالِ" (4/ 451):
"وأثْبَتُ النَّاسِ عنْهُ: (يزيدُ بْنُ زُرَيْع) وخالدُ بْنُ الحارثِ ويحيى بْن سَعِيد، ونظراؤهم (قبلَ اختلاطِهِ)" ا.هـ

فهذا سعيدٌ بنُ المسيبِ ينْقُلُ هذا الحُكمَ عنْ (أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ويَبْعُدُ جِدَّاً أنْ يكونَ هذا الحُكمُ عنْ أمِّ سلَمَةَ فقط، ثُمَّ يدَّعي ابنُ المُسيبِ أنَّهُ عن الصحابةِ –الذي يدُلُّ لفظُها؛ على أكثر مِنْ واحِدٍ-.. ممَّا يدُلُّ على اشتِهارِهِ بينَهُم، وعمَلِهم بِهِ..
فكيفَ لِحُكمٍ مِثلِهِ أنْ يُرَدَّ، أو يُتَمَحَّلَ في تَرْكِ العَمَلِ بِهِ؟

وفي كلامِ الطَّحاويِّ السَّابقِ لمَّا قالَ:
"فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَصْحَابُهُ، وَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ."
ما يُبيَّنُ قوَّةَ العملِ بحديثِ أُمِّ سَلَمَةَ، إذ تَرَكَ الطَّحاويُّ القولَ بما عليهِ إمامُ مذهبِهِ، وأصحابُهُ، ورَجَّحَ العمَلَ بالحديثِ، وبما نُقِلَ عنْ الصَّحابةِ، جَزَاهُ اللهُ خيراً.

(فائدَةٌ):
قالَ الشيْخُ ابنُ عُثيمينَ في "لِقاءِ البابِ المفتوحِ":
"وُهنا قَاعِدةٌ يجبُ أنْ نَعْملَ بِها: إذا جاءتْ النُّصوصُ اللفْظيَّةُ عامَّةً، فلا تَسْألْ:
هلْ عَمِلَ بِها الصَّحابةُ أم لا؟ لأنَّ الأصلَ أنَّهُم عَمِلوا بِها، وعدَمُ العِلمِ بعَمَلِهم؛ ليسَ عِلْماً بعدَمِ عَمَلِهم، فالأصلُ أنَّهم عَمِلُوا بِهِ.
ثم لو فُرِضَ -وهو فرْضٌ مُحالٌ- أنَّهم لمْ يعملوا بها، فهلْ نحنُ نُسألُ عنْ عَمَلِ الصحابةِ، أو عنْ قولِ الرسولِ يومَ القيامةِ؟ عنْ قولِ الرسولِ، كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} هلْ يُمكنُ لأيّ إنسانٍ أن يجدَ حُجَّةً إذا سُئلَ يومَ القِيامةِ عن قولٍ من أقوالِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام عامَّةً هل يُمكنُ أنْ يقولَ: يا رب! لم يعملْ بها الصحابةُ، أو لا أدري هلْ عمِلوا بها أم لا؟ لا يُمكنُ أنْ تكون هذهِ حُجَّةٌ" ا.هـ
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:51 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.