أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
41878 169036

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-30-2010, 12:35 AM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 790
افتراضي بين منهجين (18) : من معالم منهج الإمام أحمد في معاملة أهل الأهواء والبدع -2-.


بين منهجين (18) : من معالم منهج الإمام أحمد في معاملة أهل الأهواء والبدع -2-.



تنبيه : ينظر في المعالم (1ــ6) في القسم الأول من الحلقة -18- من سلسلة (بين منهجين) على الرابط :
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/sh...ad.php?t=16439

المعلم السابع : التفريق بين الداعية للبدعة : المخاصم فيها , وبين من لم يكن كذلك –سوى الجهمية-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (13\125) : "فرق أحمد وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره".
وقال في الفتاوى الكبرى (5\531-532) : "كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في رد الشهادة وترك الرواية عنه والصلاة خلفه وهجره، ولهذا ترك في الكتب الستة ومسند أحمد الرواية عن مثل عمر وابن عبيد ونحوه , ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة".
وقال في مجموع الفتاوى (24\175) : "كان الإمام احمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت".
وقال –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (7\385-386) : "مذهب فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره : أن من كان داعية إلى بدعة فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس وإن كان في الباطن مجتهدا وأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة في الدين لا يؤخذ عنه العلم ولا يستقضى ولا تقبل شهادته ونحو ذلك".
وقال في المسودة في أصول الفقه (ص\239) : "وما علمت لأحمد كلاما بالنهى عن جميع أنواع المبتدعة حتى المرجئة إذا لم يكونوا دعاة - ... ,كما أنه في الجهمي لم أقف له بعد على تقييد بالداعية".
قلت : والروايات الكثيرة المتضافرة عن الإمام أحمد قاضية بصحة ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- , من التفريق بين الداعية والمخاصم , وبين من لم يكن كذلك , ومن ذلك :
ما قاله ابن هانئ في سؤالاته (309) : (وسئل (يعني أبا عبد الله أحمد بن حنبل) أيصلى خلف صاحب بدعة؟ فقال: إذا كان داعية أو يخاصم فيها، أو يدعو إليها، لا يصلى خلفه ولا يكلم. قلت: يبايع أو يشترى منه [أي : المخاصم]؟ قال: يجتنب أحب إلي.
فقلت: فمن كان فيه شيء، إلا أنه لا يخاصم فيه؟ قال: هو أهون.
قلت: فيصلى خلف هذا؟ قال: نعم.
قلت: أفليس هذا صاحب بدعة؟ قال: بلى، ولكن هذا لعله لا يدري، يرجع، وهذا يدعو إليها).
وقال ابن هانئ في سؤالاته (1855) : (سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع، داعية يدعو الى بدعة أيجالس؟
قال: لا يجالس، ولا يكلم، لعله أن يرجع) .
وقال أبو بكر المروذي في العلل (287) : (وسئل أحمد بن حنبل : عمن يكتب العلم ؟ فقال : عن الناس كلهم ، إلا عن ثلاثة : صاحب هوى يدعو الناس إليه ، أو كذاب ، فإنه لا يكتب عنه قليل ولا كثير ، أو عن رجل يغلط فيرد عليه فلا يقبل) .
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/229) : (قال أحمد في رواية الفضل .. قلت : يا أبا عبد الله كيف يصنع بأهل الأهواء ؟ قال : أما الجهمية والرافضة فلا , قيل له : فالمرجئة ؟ قال : هؤلاء أسهل الا المخاصم منهم فلا تكلمه).
وقال ابن مفلح في الفروع (3\267) : "المبتدع المدعي للسنة هل يجب هجره ومباعدته؟
نقل علي بن سعيد [عن الإمام أحمد] (في المرجئ يدعو إلى طعامه أو أدعوه؟ قال: تدعوه وتجيبه إلا أن يكون داعية أو رأسا فيهم) .
ونقل أبو الحارث : (أهل البدع لا يعادون و ولا تشهد لهم جنازة ) .
ونقل حرب: (لا يعجبني أن يخالط أهل البدع)
ورد الخطاب أبو ثابت سلام جهمي، فقال أحمد: (ترد على كافر؟ فقلت: أليس ترد على اليهودي والنصراني؟ فقال: اليهودي والنصراني قد تبين أمرهما) .
قال ابن حامد: فمذهبه في أهل البدع إن كان داعية مشتهرا به فلا يعاد، ولا يسلم عليه، ولا يرد عليه، ولا يجاب إلى طعام ولا دعوة" .
وأخرج الخطيب في الجامع (1583) عن جعفر بن محمد بن أبان الحراني قال : (قلت لأحمد بن حنبل : فنكتب عن المرجئ والقدري وغيرهما من أهل الأهواء ؟ قال : نعم ، إذا لم يكن يدعو إليه ويكثر الكلام فيه ، فأما إذا كان داعياً فلا).
وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/441) عن محمد بن عبد العزيز الأبيوردي : (سألت أحمد بن حنبل : أيكتب عن المرجئ والقدري ؟ قال : نعم ، يكتب عنه إذا لم يكن داعياً) .
وقال الخلال في السنة (3\494) : (كتب إلي يوسف بن عبدالله قال ثنا الحسن بن علي بن الحسن أنه سأل أبا عبدالله عن صاحب بدعة يسلم عليه قال إذا كان جهميا , أو قدريا أو رافضيا –داعية- ؛ فلا يصلي عليه ولا يسلم عليه) .
وروى ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1\182) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: (قيل لأبي: لم كتبت عن عبيد الله بن موسى ثم تركت الرواية عنه، وكتبت عن عبد الرزاق ورويت عنه، وهما على مذهب واحد؟ فقال: أما عبد الرزق فما سمعنا منه مما قيل عنه شيئاً، ولم يبلغنا أنه كان يدعو إلى مذهبه. وأما عبيد الله فإنه كان يدعو إلى مذهبه ويُجاهر به، فتركت الرواية عنه لذلك) .
قلت : وكانت دعوة عبيد الله بن موسى بتحديثه بأحاديث سيئة , كما روى المزي في تهذيب الكمال (19\3689) قال : (قال أبو الحسن الميموني: وذكر عنده ـ يعني عند أحمد بن حنبل ـ عبيد الله بن موسى فرأيته كالمنكر له. قال: كان صاحب تخليط وحدث بأحاديث سوء أخرج تلك البلايا فحدث بها. قيل له: فابن فضيل؟ قال: لم يكن مثله، كان أستر منه، وأما هو فأخرج تلك الأحاديث الردية) .
وفي المعرفة والتاريخ (2\173) قال الفضل بن زياد: (سألت أبا عبد الله. قلت: يجري عندك ابن فضيل مجرى عبيد الله بن موسى؟ قال: لا، كان ابن فضيل أستر، وكان عبيد الله صاحب تخليط، وروى أحاديث سوء) .
وروى العقيلي في الضعفاء (297) عن أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله : حسين الأشقر , تحدث عنه ؟ قال : لم يكن عندي ممن يكذب في الحديث , وذكر عنه التشيع . فقال له العباس بن عبد العظيم : حدث في أبى بكر وعمر . فقلت له : يا أبا عبد الله , صنف بابًا فيه معايب أبى بكر وعمر . فقال : ما هذا بأهل أن يحدث عنه . فقال له العباس : حدث بحديث فيه ذكر الجوالقين , يعنى أبا بكر وعمر . فقال : ما هو بأهل أن يحدث عنه).
ومثله –تماما- وقع للإمام أحمد الذي كان يجل عبد الرحمن بن صالح الأزدي ويستقبله في بيته رغم علمه بتشيعه , لكنه لما تحقق من دعوته لمذهبه بروايته لأحاديث في مثالب الصحابة تركه وهجره , كما روى الخلال في السنة (3\501) عن أبي بكر المروذي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إن قوما يكتبون هذه الأحاديث الرديئة في أصحاب رسول الله , وقد حكوا عنك أنك قلت : أنا لا أنكر أن يكون صاحب حديث يكتب هذه الأحاديث يعرفها ؛ فغضب وأنكره إنكارا شديدا , وقال : باطل معاذ الله أنا لا أنكر هذا ؟! لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته ؛ فكيف في أصحاب محمد .
وقال : أنا لم أكتب هذه الأحاديث ؛ قلت لأبي عبد الله : فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر ؟ قال : نعم يستاهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم .
وقال أبو عبد الله : جاءني عبد الرحمن بن صالح ؛ فقلت له : تحدث بهذه الأحاديث ؛ فجعل يقول : قد حدث بها فلان وحدث بها فلان , وأنا أرفق به , وهو يحتج ؛ فرأيته بعد فأعرضت عنه ولم أكلمه) .
وفي الجرح والتعديل (6\53) عن محمد بن عوف الحمصي قال : (ذكر لأحمد بن حنبل أبو مريم فقال: ليس بثقة، كان يحدث ببلايا في عثمان ، وعامة حديثه بواطيل).
وفي الضعفاء للعقيلي (3\853) عن الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله : (أبو مريم من أين جاء ضعفه؟ من قِبل رأيه، أو من قبل حديثه؟ قال: من قِبل رأيه، ثم قال: وقد حدّث ببلايا في عثمان، أحاديث سوء) .
قال عبد الله بن الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1\419) أنا سأل أباه عن يونس بن خباب؟ فقال: (كان خبيث الرأي. فقلت له: كيف هو في الحديث؟ فقال حدثنا عنه عباد) .
وفي العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره (ص\80) قال المرُّوذي: (وذكر [يعني لأبي عبد الله] يُونُس بن خبّاب فتكلم فيه ولم يرضه وقال: هذا كان يقع في عثمان) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1\179) : (سمعت أبي -رحمه الله- وسئل عن الواقفة فقال أبي : من كان يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي , ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع , ومن لم يكن له علم يسأل) .
قال ابن هانئ في سؤالاته (1881) : (وسئل [يعني أبا عبد الله أحمد بن حنبل] عن: الواقفي أيجالس؟ قال: إذا كان يخاصم، لا يكلم، ولا يجالس] .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1\384) : (سألت أبي مرة أخرى عن الصلاة خلف القدري ؛ فقال : إن كان ممن يخاصم فيه ويدعو اليه فلا نصلي خلفه) .
وقال أبو داود في سؤالاته (135) : قلت لأحمد: (يكتب عن القدري؟ قال: إذا لم يكن داعيًا).
وروى الخلال في السنة (3\561) عن أبي بكر الأثرم قال : (قيل لأبي عبد الله : رجل قدري أعوده ؟ قال : إذا كان داعية إلى هوى فلا) .
وروى الخلال -كذلك- في السنة (3\561) عن إبراهيم بن الحارث قال : (قيل لأبي عبد الله : قدري أعوده؟ قال : إن كان داعية يدعو فلا) .
وقال عبد الله في السنة (1\384) : (سألت أبي -مرة أخرى- عن الصلاة خلف القدري؟ ؛ فقال : إن كان ممن يخاصم فيه ويدعو إليه فلا نصلي خلفه) .
وروى عن ابن قطعن فلما سئل عن ذلك أجاب بأن من روى عنه ليس داعية , كما في الرواية للخطيب (ص\204) : (قيل لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله سمعت من أبي قطن القدري؟ قال لم أره داعية، ولو كان داعية لم أسمع منه) .
وقال إسحاق بن راهويه في سؤالاته للإمام أحمد (9\4764) : (قلت: المرجئ إذا كان داعياً؟
قال: إي والله، يُقصى ويجفى) .
وقال ابن هانيء في سؤالاته (301) : (سألته [يعني أبا عبد الله أحمد بن حنبل] عمن قال الإيمان قول، يصلى خلفه؟ قال: إذا كان داعية إليه لا يصلى خلفه , وإذا كان لا علم لديه أرجو أن لا يكون به بأس).
وقال أبو داود في مسائله للإمام احمد (ص\276) : قلت لأحمد : (لنا أقارب بخراسان يرون الإرجاء فنكتب الى خراسان نقرئهم السلام ؟ فقال : سبحان الله لم لا تقرؤهم السلام ؟ قال : قلت لأحمد : نكلمهم ؟ قال : نعم إلا إن يكون داعيا ويخاصم فيه) .
وقال المروذي في سؤالاته (213) : (كان أبو عبد الله يحدث عن المرجئ، إذا لم يكن داعية او مخاصماً).
وفي الكامل (905) : قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل، وذكر شبابة ؛ فقال: (تركته، لم أرو عنه للإرجاء. فقيل له: يا أبا عبد الله وأبو معاوية؟ قال: شبابة كان داعية) .
قلت –أبو العباس- : وهذه الروايات عن الإمام أحمد كلها دالة على لزوم التفريق بين الداعية إلى البدعة والمخاصم فيها , وبين المتبني لها غير الداعية لها وغير المخاصم فيها ؛ فذات الابتداع –سوى بدعة الجهمية –وما شاكلها في الخطورة- لا يوجب هجرا , ولا تعزيرا ؛ وإن كان موجبا للمناصحة ؛ فلا بد من النظر إلى حال المبتدع بعد النظر إلى نوع بدعته ؛ قبل الحكم بهجره أو عدمه ؛ فليست كل بدعة موجبة بذاتها للهجر , وليس كل مبتدع يجب هجره ؛ على خلاف ما يزعمه (بعض الناس) .


المعلم الثامن : هجر المبتدع منوط بالقدرة والمصلحة –معا- , تبعا لاختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (28\210) : "في مسائل إسحاق بن منصور - وذكره الخلال في كتاب السنة في باب مجانبة من قال : القرآن مخلوق ؛ عن إسحاق أنه قال لأبي عبد الله : (من قال : القرآن مخلوق ؟ قال : ألحق به كل بلية , قلت : فيظهر العداوة لهم أم يداريهم ؟ قال : أهل خراسان لا يقوون بهم).
وهذا الجواب منه مع قوله في القدرية : لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة ومع ما كان يعاملهم به في المحنة : من الدفع بالتي هي أحسن ومخاطبتهم بالحجج يفسر ما في كلامه وأفعاله من هجرهم والنهي عن مجالستهم ومكالمتهم حتى هجر في زمن غير ما أعيان من الأكابر وأمر بهجرهم لنوع ما من التجهم" .
وقال–رحمه الله- في مجموع الفتاوى (28\212) : "إذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد ؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأمورا بها كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك : أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية ؛ فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي . وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم" .
ولهذا فالإمام أحمد أجاز مجاورة الخوارج لمن كان قادرا على إظهار مخالفتهم , وذلك فيما رواه الخلال في السنة (1\156-157) عن الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني أنه سأل أبا عبد الله عن أمر الخوارج عندنا قال: قلت: (إنا في المدينة نظهر خلافهم ونصلي في جماعة ونجمع، غير أنهم إن كتبوا إلى الوالي بأمر لم يجد الوالي بدا من أن ينفذه ، فقال: يظهرون مخالفتهم؟ قلت: نعم، قال: أكره مجاورتهم، قلت: إذا كانت معيشته فيها؟ يعني في البلد الذي هم فيه، قال: أرجو أن لا يكون به بأس، وإن وجدت محيصا فتخلص).
ووجه –كما تقدم- لا إلى هجر الجهمية فحسب ؛ بل وهجر من تكلم معهم , أو ردّ السلام عليهم ؛ وذلك في حال القوة والاقتدار .
بينما هو نفسه وجه إلى مداراة الجهمية –وهم شر من الخوارج- وترك عداوتهم -في خراسان- ؛ لأن أهل السنة لا طاقة لهم بذلك ؛ كما جاء في مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه (2\565) : سأل إسحاق الكوسج الإمام أحمد -رحمه الله- فقال له : (مَن يقولُ : القرآن مخلوق ؟ قَالَ : ألحق به كل بلية .
قُلْتُ : يقال له : (ك ف ر ؟) , قَالَ : إي والله ، كل شر وكل بلية بهم .
قُلْتُ : فتظهرُ العداوة لهم أو تداريهم ؟ قَالَ : أهل خراسان لا يقوون بهم ، يقول كأن المداراة).
ونصح - من ردّ شهادة القدرية- بقبول شهادتهم في الأمصار التي لهم الغلبة فيها ؛ كما في العلل ومعرفة الرجل (2595) قال عبد الله بن أحمد: (سمعت محمد بن يحيى بن سعيد القطان. قال: لما ولي معاذ بن معاذ قضاء البصرة أبى أن يجيز شهادة القدرية , قال: فكلمه أبي، وخالد بن الحارث , وقالا له: قد عرفت أهل هذا المصر , قال: فكأنه تساهل بعد).
وتريث في الإمام أحمد في الكلام في أهل الكوفة , كما روى الخلال في السنة (2\373) عن أبي جعفر حمدان بن علي أنه سمع أبا عبد الله قال : وكان يحيى بن سعيد يقول : (عمر وقف وأنا أقف) , قال أبو عبد الله : وما سمعت أنا هذا من يحيى , حدثني به أبو عبيد عنه , وما سألت أنا عن هذا أحدا , أو ما أصنع بهذا ؟! .
قال أبو جعفر : فقلت : يا أبا عبد الله من قال أبو بكر وعمر هو عندك من أهل السنة ؟! قال : لا توقفني هكذا ؛ كيف نصنع بأهل الكوفة ؟!).
وأهل الكوفة كانوا مفضلة –ممن يفضلون عليا على عثمان –رضي الله عنهما- , كما روى الخلال في السنة (2\395) عن صالح بن أحمد قال : سمعت أبي يقول : (أهل الكوفة كلهم يفضلون) .
وكذلك فعل مع أهل واسط كما وروى الخلال في السنة (2\394) عن حمدان بن علي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : (وكان يزيد بن هارون يقول : لا تبالي من قدمت علي على عثمان , أو عثمان على علي , قال أبو عبد الله : وهذا الآن لا أدري كيف هو!! وكان عامة أهل واسط يتشيعون) .
ومثله –أيضا- مع أهل البصرة كما في الكامل (343) عن أبي طالب أحمد بن حميد قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : (جعفر بن سليمان , لا بأس به . فقيل له : إن سليمان بن حرب يقول : لا يكتب حديثه . قال : حماد بن زيد لم يكن ينهى عنه , كان ينهى عن عبد الوارث ولا ينهى عن جعفر إنما كان يتشيع , وكان يحدث بأحاديث في علي ، وأهل البصرة يغلون في علي) .
ولله در ابن القيم حيث قال في الطرق الحكمية (ص\255) معلقا على بعض أقوال الإمام أحمد في عدم قبول شهادة أهل البدع ؛ مبينا أن من كان من أهل البدع : "يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويتركه تقليدا وتعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه ؛ فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا , وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل ؛ فإن كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه مع القدرة على ذلك , ولم تقبل له شهادة , ولا فتوى , ولا حكم إلا عند الضرورة ؛ كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم , وكون القضاة والمفتين والشهود منهم ؛ ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير ولا يمكن ذلك ؛ فتقبل للضرورة".
قلت –أبو العباس- : وفيما تقدم غنية -لأولي الألباب والعقول والإنصاف- عن التوسع في إثبات أن من منهج الإمام أحمد في الهجر اعتبار أحوال الهاجرين قوة وضعفا , واعتبار اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال تبعا لذلك ؛ وفي هذا القدر كفاية لإبطال زعم (بعض الناس) أن هجر المبتدع لا ينظر في إلى القدرة عليه .
وعليه فمنهج الإمام أحمد –في الهجر- صالح للتطبيق في كل زمان ومكان ؛ سواء في حال قوة أهل السنة أو في حال ضعفهم , أو في حال قوة أهل البدع أو حال ضعفهم , فهجر من يستحق -حال القوة والقدرة عليه- هو من منهج الإمام أحمد , وترك هجر من يستحق الهجر -حال ضعف أهل السنة- هو من منهج الإمام أحمد , ومما ليس من منهج الإمام أحمد : إعمال الهجر مطلقا من غير اعتبار لأحوال القوة والضعف تبعا لاختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال !!

المعلم التاسع : ليس كل من هجره الإمام أحمد كان مستحقا للهجر العام شرعا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في المسودة في أصول الفقه (ص\237-239) : "وكلام أحمد يفرق بين أنواع البدع , ويفرق بين الحاجة إلى الرواية عنهم وعدمها , كما يفرق بين الداعي والساكت , مع أن نهيه لا يقتضى كون روايتهم ليست بحجة لما ذكرته من أن العلة الهجران , ولهذا نهى عن السماع من جماعة في زمنه ممن أجاب في المحنة , وأجمع المسلمون على الاحتجاج بهم , وهو في نفسه قد روى عن بعضهم لأنه كان قد سمع منهم قبل الابتداع , ولم يطعن في صدقهم وأمانتهم , ولا أنكر الاحتجاج بروايتهم , وكذلك الخلال ترك الرواية عن أقوام لنهي المروذى , وروى عنهم بعد موته , وذلك أن العلة استحقاق الهجر عند التارك واستحقاق الهجر يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص , كما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة على من أمر أصحابه بالصلاة عليه , وكذلك لما قدم عليه أبو سفيان بن الحارث وابن أبى أمية أعرض عنهما , ولم يأمر بقية أصحابه بالإعراض عنهما , بل كانوا يكلمونهما , والثلاثة الذين خلفوا لما أمر المسلمين بهجرهم لم يأمرهم بفراق أزواجهم إلا بعد ذلك , وهذا باب واسع ... ,وليس كل من لم يأخذ عنه هو نهى غيره عنه , ولا منع كون روايته حجة".
قلت : ومن أمثلة من هجرهم الإمام أحمد , وهم غير مستحقين للهجر العام هجره لمن أجاب في الفتنة من غير قيد ولا حبس ولا ضرب ؛ بل بمجرد التهديد ؛ فكان موقفه منهم متمثلا بالتالي:
أولا : حلف بالعهد أن لا يكلم أحد ممن أجاب حتى يلقى الله , كما رواه أبو يعلى في طبقات الحنابلة (1\404) ؛ عن أبب بكر المروذي قال : (جاء يحيى بن معين فدخل على أحمد بن حنبل وهو مريض فسلم فلم يرد عليه السلام وكان أحمد قد حلف بالعهد أن لا يكلم أحد ممن أجاب حتى يلقى الله فما زال يعتذر ويقول حديث عمار وقال الله تعالى {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر فقال يحيى لا تقبل عذرا فخرجت بعده وهو جالس على الباب فقال إيش قال أحمد بعدي قلت قال يحتج بحديث عمار وحديث عمار مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم فسمعت يحيى بن معين يقول مر يا أحمد غفر الله لك فما رأيت والله تحت أديم سماء أفقه في دين الله منك) .
ثانيا : كان لا يرى الكتابة عن أحد ممن امتحن فأجاب ؛ كما في تاريخ بغداد (6\271) عن سعيد بن عمرو البرذعيُّ ؛ قال : سمعت أبا زرعة يقول : (كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار , ولا عن أبي معمر , ولا يحيى بن معين , ولا أحد ممن امتحن فأجاب) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند الإمام أحمد (14\373) بعد أن روى عن أبيه، عن علي حديثًا: (لم يحدث أبي بعد المحنة عنه بشيء) .
وفي تهذيب الكمال (26\5529) عن حجاج بن الشاعر , قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول: (لو حدثت عن أحد ممن أجاب، يعني في المحنة، لحدثت عن اثنين، أبو معمر، وأبو كريب، أما أبو معمر فلم يزل بعد ما أجاب يذم نفسه على إجابته وامتحانه، ويحسن أمر الذي لم يجب ويغبطهم، وأما أبو كريب فأجري عليه ديناران، وهو محتاج، فتركها لما علم أنه أجري عليه ذلك) .
ثالثا : وضرب –رحمه الله- على حديث كل من أجاب في المحنة ؛ كما قال صالح بن أحمد في سيرة أبيه (ص\74) : (وضرب أبي على حديث كل من أجاب) .
و قال العقيلي في الضعفاء (1237) : "قرأت على عبد الله بن أحمد كتاب العلل عن أبيه، فرأيت فيه حكايات كثيرة عن أبيه عن علي بن عبد الله، ثم قد ضرب على اسمه، وكتب فوقه حدثنا رجل، ثم ضرب على الحديث كله.
فسألت عبد الله، فقال: كان أبي حدثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه، وكان يقول: حدثنا رجل، ثم ترك حديثه بعد ذلك".
رابعا : ولم يشهد جنازة من أجاب في المحنة , كما ترك شهود جنازة أبي نصر التمار ؛ فيما قاله الميموني في سؤالاته (416) : "صح عندي أنه لم يحضر أبا نصر التمار حين مات (يعني أحمد بن حنبل). فحسبت أن ذلك لما كان أجاب في المحنة".
خامسا : ولم يستقبل في بيته أحدا ممن أجاب ورد الباب في وجوه بعضهم , ومنهم إبراهيم بن المنذر الحزامي ؛ كما روى الخطيب في تاريخه (6\180) عن أبي حاتم الرازي قال : (إبراهيم بن المنذر ، وإبراهيم بن حمزة ، إبراهيم بن المنذر أعرف بالحديث ، إلا أنه خلط في القرآن ، جاء إلى أحمد بن حنبل ، فاستأذن عليه ، فلم يأذن له ، وجلس حتى خرج ، فسلم عليه ، فلم يرد عليه السلام) .
وفي نفس المصدر –أيضا- عن أبي بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله، , يعني أحمد بن حنبل ، يقول : (أي شيء يبلغني عن الحزامي ؟! لقد جاء بعد قدومه من العسكر ، فلما رأيته ، أخذتني الحمية . فقلت : ما جاء بك إلي ؟! قالها أبو عبد الله بانتهار ؛ قال : فخرج . فلقي أبا يوسف ، بعني عمه ، فجعل يعتذر).
وروى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (ص\523) عن صالح بن الإمام أحمد قال : (جاء الحزامي إلى أبي –وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد- فلما خرج إليه ورآه ؛ أفلق الباب في وجهه ودخل) .
قلت [ابن الجوزي] : وكذلك فعل بأبي خيثمة ؛ فإنه جاء فطرق عليه الباب ؛ فلما خرج فرآه , أغلق الباب , ورجع مغضبا يتكلم هو ونفسه بكلمات سمعها أبو خيثمة فلم يعد إليه".
بل ومن أمثلة هذا المعلم أن الإمام أحمد هجر ابنيه وعمه لما قبلوا جائزة السلطان , كما قال ابن قدامة في المغني (7\331) : "كان الإمام أبو عبد الله رحمه الله يتورع عنها ويمنع بنيه وعمه من أخذها , وهجرهم حين قبلوها , وسد الأبواب بينه وبينهم حين أخذوها , ولم يكن يأكل من بيوتهم شيئا , ولا ينتفع بشيء يصنع عندهم , وأمرهم بالصدقة بما أخذوه".
وينظر في روايات هذا الهجر في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص\513-518) , ومنها ما رواه عن صالح بن الإمام أحمد قال : (لما قدم أبي من عند المتوكل مكث قليلا ثم قال : يا صالح؟ قلت : لبيك , قال : أحب أن تدع هذا الرزق ؛ فلا تأخذه ولا توكل فيه أحدا ؛ قد علمت أنكم إنما تأخذونه بسببي ؛ فسكت ؛ فقال : مالك ؟ فقلت: أكره أن أعطيك شيئا بلساني وأخالف إلى غيره ؛ فأكون قد كذبتك , ونافقتك , وليس في القوم أكثر عيالا مني , ولا أعذر , وقد كنت أشكو إليك ؛ فتقول : أمرك منعقد بأمري , ولعل الله أن يحل عني هذه العقدة , ثم قلت له : وقد كنت تدعو لي ؛ فأرجو أن يكون الله قد استجاب لك .
قال : ولا تفعل؟! قلت : لا , قال : قم , فعل الله بك , وفعل ؛ فأمر بسد الباب بيني وبينه ؛ فتلقاني عبد الله ؛ فسألني فأخبرته ؛ فقال : ما أقول؟ قلت : ذاك إليك ؛ فقال له مثل ما قال لي ؛ فقال : لا أفعل ؛ فكان منه إليه نحو ما كان منه الي ؛ فلقيتا عمه ؛ فقال : لو أردتم أن تقولوا له , وما علمه اذا أخذتم شيئا !! ؛ فدخل عليه ؛ فقال : يا أبا عبد الله لست آخذ شيئا من هذا ؛ فقال : الحمد لله , وهجرنا وسد الأبواب بيننا وبينه , وتحامى منزلنا أن يدخل منه الى منزله شيء , وقد كان قديما قبل أن نأخذ من السلطان يأكل عندنا , وربما وجهنا بالشيء فيأكل منه ؛ فلما مضى نحو من شهرين كتب لنا بشيء فجيء به الينا فأول من جاء عمه ؛ فأخذ ؛ فأَخِبر فجاء الى الباب الذي كان سده بيني وبينه , وقد كان فتح الصبيان كوة ؛ فقال : ادعو لي صالحا ؛ فجاء الرسول , وقلت له : قل له : لست أجيء ؛ فوجه الي لم لا تجيء؟ فقلت : قل له : هذا الرزق يرتزقه جماعة كثيرة , وإنما أنا واحد منهم , وليس فيهم أعذر مني , وإذا كان توبيخ خصصت به أنا !! فلما نادى عمه بالأذان خرج ؛ فلما خرج قيل لي : إنه قد خرج إلى المسجد ؛ فجئت حتى صرت في موضع اسمع فيه كلامه ؛ فلما فرغ من ا لصلاة التفت إلى عمه ثم قال له : نافقتني وكذبتني , وكان غيرك أعذر منك , زعمت أنك لا تأخذ من هذا شيئا ؛ ثم أخذته , وأنت تستغل مائتي درهم , وعمدت إلى طريق المسلمين تستغله , إنما أشفق عليك أن تطوق يوم القيامة بسبع أرضين ؛ أخذت هذا الشيء بغير حقه ؛ فقال : قد تصدقت , قال : تصدقت بنصف درهم ثم هجره , وترك الصلاة في المسجد , وخرج إلى مسجد خارج يصلي في) .
قلت -أبو العباس- : ومع أن الإمام أحمد –رحمه الله- هجر من تقدم ذكرهم من الأعيان ؛ إلا أنه لم يأمر بهجرهم , ولم يمتحن أحدا بهجرهم , بل قد خالفه في هذا الهجر جمهرة المسلمين ؛ ومن أمثلة ذلك :
إقراره –رحمه الله- لتلامذته بالكتابة عمن هجره –هو- ؛ بل نصيحته –رحمه الله- بالكتابة عنه ؛ كما وقع له مع أبي كريب محمد بن العلاء الذي أجاب في المحنة , وكان يطعن على الإمام أحمد , وذلك فيما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (55\57-58) عن عبد الله بن محمد الوراق قال : (جئنا إلى مجلس أحمد بن حنبل ؛ فقال : من أين أقبلتم ؟ قلنا : من مجلس أبي كريب [محمد بن العلاء] ؛ فقال : اكتبوا عنه فإنه شيخ صالح ؛ فقلنا له : إنه يطعن عليك ؟! قال : فأي شيء حيلتي شيخ صالح قد بلي بي).
وأبو كريب قد ترك الإمام أحمد الرواية عنه لأنه امتحن فأجاب ؛ كما في تهذيب الكمال (26\246) عن حجاج بن الشاعر أنه قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : (لو حدثت عن أحد ممن أجاب يعني في المحنة لحدثت عن اثنين أبو معمر ، وأبو كريب ، أما أبو معمر فلم يزل بعد ما أجاب يذم نفسه على إجابته وامتحانه ويحسن أمر الذي لم يحب ويغبطهم ، وأما أبو كريب فأجري عليه ديناران ، وهو محتاج فتركها لما علم أنه أجرى عليه كذلك).
ومن ذلك –أيضا- استنكار ابنه صالح على أبيه تخصيصه بالهجر بسبب قبوله جائزة السلطان دون سائر من قبلها من المسلمين وهم جماعة كثيرة كما جاء في قوله : (هذا الرزق يرتزقه جماعة كثيرة , وإنما أنا واحد منهم , وليس فيهم أعذر مني , وإذا كان توبيخ خصصت به أنا !!) .
ومنه –أيضا- تعقيب الحافظ الذهبي على ترك أحمد الكتابة عمَّن أجاب في المحنة في ميزان الاعتدال (4\403) حيث قال : "قال سعيد بن عمرو سمعت أبا زرعة يقول : (كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار ولا يحيى بن معين ولا أحد ممن امتحن فأجاب) .
قلت : هذا تشديد ومبالغة والقوم معذورون تركوا الأفضل فكان ماذا؟!".
وقال في سير أعلام النبلاء (11\87) بخصوص هجر الإمام أحمد ليحيى بن معين : "هذا أمر ضيق ولا حرج على من أجاب في المحنة , بل ولا على من أكره على صريح الكفر عملا بالآية , وهذا هو الحق , وكان يحيى رحمه الله من أئمة السنة ؛ فخاف من سطوة الدولة , وأجاب تقية".
وقال في سير أعلام النبلاء الذهبي (10\573) بخصوص أبي نصر التمار : "أجاب تقية وخوفا من النكال، وهو ثقة بحاله ولله الحمد".
ولا زال أئمة الحديث وأساطينه –في عهد الإمام أحمد ومن بعده- يروون عن الثقات الذين هجر الإمام أحمد الرواية عنهم وضرب على حديثهم وأغلق الباب في وجوههم ؛ ورفض الحديث معهم ؛ كأمثال ابن المديني الذي روى عنه (صالح ابن الإمام أحمد –نفسه-) , ويحيى بن معين الذي روى عنه (عبد الله بن الإمام أحمد) , وأبي نصر التمار الذي روى عنه (مسلم) , وزهير بن حرب (أبو خيثمة) الذي روى عنه الشيخان (البخاري ومسلم) , وغيرهم , وهذا كله مؤيد لما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : "ليس كل من لم يأخذ [الإمام أحمد] عنه ؛ هو نهى غيره عنه , ولا منع كون روايته حجة".
قلت : وفيما تقدم من تقرير أبلغ ردٍ على (بعض الناس) الذين يزعمون أنهم على منهج الإمام أحمد سائرون ؛ ثم يخالفونه في باب الهجر فيلزمون بأحكامهم الاجتهادية في الرجال ؛ في الوقت الذي كان الإمام أحمد لا يلزم غيره بمواقفه وأحكامه الاجتهادية في الرجال –كما تقدم- ؛ بل كان –رحمه الله ينهى عن تقليده والتعصب لرأيه , كما هو بين في ... :

المعلم العاشر : نهي الإمام أحمد عن تقليده والتعصب لآرائه .
مع أن الإمام أحمد بن حنبل هو إمام أهل السنة والجماعة إلا أنه –رحمه الله- نهى الأمة عن تقليده والأخذ برأيه , كم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6\215-216) : "والنقل عن أحمد وغيره من أئمة السنة : متواتر بإثبات صفات الله تعالى وهؤلاء متبعون في ذلك ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم . فأما إن المسلمين يثبتون عقيدتهم في أصول الدين بقوله أو بقول غيره من العلماء : فهذا لا يقوله إلا جاهل . و " أحمد بن حنبل " نهى عن تقليده وتقليد غيره من العلماء في الفروع وقال : لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا . وقال : لا تقلدني ولا مالكا ولا الثوري ولا الشافعي ؛ وقد جرى في ذلك على سنن غيره من الأئمة ؛ فكلهم نهوا عن تقليدهم كما نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره من العلماء فكيف يقلد أحمد وغيره في أصول الدين؟.
وأصحاب أحمد : مثل أبي داود السجستاني , وإبراهيم الحربي , وعثمان بن سعيد الدارمي , وأبي زرعة , وأبي حاتم , والبخاري , ومسلم , وبقي بن مخلد , وأبي بكر الأثرم , وابنيه: صالح وعبد الله , وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي , ومحمد بن مسلم بن وارة , وغير هؤلاء الذين هم من أكابر أهل العلم والفقه والدين ؛ لا يقبلون كلام أحمد ولا غيره إلا بحجة يبينها لهم , وقد سمعوا العلم كما سمعه هو , وشاركوه في كثير من شيوخه , ومن لم يلحقوه أخذوا عن أصحابه الذين هم نظراؤه , وهذه الأمور يعرفها من يعرف أحوال الإسلام وعلمائه" .
وأصحاب أحمد –رحمهم الله—هم في تركهم لتقليده عاملون بحقيقة قول الإمام أحمد في ذم التقليد , والأخذ بالرأي في العديد من الأقوال المحكية عنه , ومن ذلك :
قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد (ص\276): سمعت أحمد يقول : (ليس أحد إلا ويؤخذ من رأيه ويترك ، ما خلا النبي - صلى الله عليه وسلم-).
ومنع من أن يلزم الفقيه الناس بمذهبه كما قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1\189) : "وقد قال أحمد في رواية المروذي : (لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم) ".
قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد (ص\276) –أيضا- قال أبو داود : قلت لأحمد : (الأوزاعي هو أتبع من مالك ؟ قال : لا تقلد دينك أحدأ من هؤلاء ، ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخذ به) .
وقال أبو داود في مسائله –كذلك- (ص\275) : سمعت أحمد بن حنبل يقول : (لا يعجبني رأي مالك ، ولا رأي أحد) .
ولم يستثن نفسه –رحمه الله- من ذلك ؛ فقال فيما حكاه عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (2\458) بقوله : "والإمام أحمد كان يقول: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الثوري وتعلم كما تعلمنا) .
فكان يقول لمن قلّده: (حرام على الرجل أن يقلد دينه الرجال) .
وقال: (لا تقلد دينك الرجال فإنهم لَن يسلموا مِن أن يغلطوا) ".
بل ووجه –رحمه الله- إلى هجر الرأي وأصحابه , كما قال ابن هانئ في سؤالاته (1919) : (وسئل (يعني أبا عبد الله أحمد بن حنبل) عن النظر في كتب الرأي؟ فقال: لا تنظر في شيء من الرأي، ولا تجالسهم) .
وقال ابن هانئ في سؤالاته (1930 , 2303) : وسَمِعتُهُ يقول (يعنى أبا عبد الله): (تركنا أصحاب الرأي، وكان عندهم حديث كثير، فلم نكتب عنهم، لأنهم معاندون، لا يفلح منهم أحد).
وأمر بترك كتابة الآراء , واعتبار كتابتها بدعة , وأن من كتبها مبتدع , وأمره بالنهي عمّن كتبها ؛ فيما نقله عنه ابن القيم في الطرق الحكمية (ص\400-401) ونهيه عمّن كتبها حيث قال : "قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول : (هذه الكتب بدعة وضعها) .
وقال إسحاق بن منصور سمعت أبا عبد الله يقول : (لا يعجبني شيء من وضع الكتب من وضع شيئا من الكتب فهو مبتدع) .
وقال إسحاق : سمعت أبا عبد الله وسأله قوم -من أردبيل- عن رجل يقال له : عبد الرحيم وضع كتابا ؟ فقال أبو عبد الله : هل أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل ذا , أو أحد من التابعين , وأغلظ وشدد في أمره , وقال : انهوا الناس عنه وعليكم بالحديث) .
ووجه إلى ترك الرواية عمّن كتب الرأي , كما في تهذيب الكمال (17\3969) قال أبو الحسن الميموني: (سمعت أبا عبد الله، وسئل عن أصحاب الرأي، يكتب عنهم الحديث؟ فقال أبو عبد الله: قال عبد الرحمان: إذا وضع الرجل كتابا من هذه الكتب، كتب الرأي، أرى أن لا يكتب عنه الحديث ولا غيره.
قال أبو عبد الله: وما تصنع بالرأي وفي الحديث ما يغنيك عنه، أهل الحديث أفضل من تكلم في العلم، عليك بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما روى عن أصحابه أبي بكر وعمر فإنه سنة).
وأوضح والد شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- وفي المسودة (ص\239) أن دافع أحمد لمعاملة أصحاب الرأي إنما هو خارج على أصل الهجر , فقال : "في قول أحمد (لا يروى عن أهل الرأي) تكلم عليه ابن عقيل بكلام كثير , قال : في رواية عبد الله (أصحاب الرأي لا يروى عنهم الحديث) , قال القاضي : وهذا محمول على أهل الرأي من المتكلمين كالقدرية ونحوهم .
قلت : ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة , وهو ما ذكرته في المبتدع أنه نوع من الهجرة".
قلت –أبو العباس-: ولهذا فقد خالف الأئمة الأعلام , وشيوخ الإسلام الإمام أحمد في كثير من اختياراته وآرائه , المتعلقة بمسائل الهجر :
فأول من خالفه ولداه (صالح وعبد الله) , حينما قبلوا جائزة السلطان ؛ فكانت سبب هجر أبيهما لهما .
وخالفه تلامذته وأصحابه الذين رووا عن كثير ممّن هجرهم الإمام أحمد ؛ ولا أدل على ذلك من رواية ابنه عبد الله عن أبي خيثمة زهير بن حرب , وعبد الرحمن بن صالح الأزدي , وعبيد الله بن عمر القواريري , ويحيى بن معين , كما في تهذيب الكمال (14\286-288).
وكذلك رواية ابنه صالح عن (علي بن المديني) والذي يعتبر من أبرز شيوخه بعد أبيه –رحم الله الجميع- .
هذا عبيد الله بن عمر القواريري الذي هجره أحمد –أخيرا- روى عنه تلامذته كما في تهذيب الكمال (19\132-133) ومنهم : (البخاري , ومسلم , وأبو داود , وعبد الله بن الإمام أحمد) .
وخالفه –في حياته-قبل هجره لأبي خيثمة- يحيى بن معين في طلب الموافقة على ترك الرواية عن عبيد الله بن موسى العبسي , كما روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14\427) عن أبي زكريا -غلام أحمد بن أبي خيثمة- قال : (كنت جالسا في مسجد الجامع -بالرصافة-، مما يلي سويقة نصر -عند بيت الزيت-، وكان أبو خيثمة يصلي صلواته هناك، وكان يركع بين الظهر والعصر، وأبو زكريا يحيى بن معين قد صلى الظهر وطرح نفسه بإزائه، فجاءه رسول أحمد بن حنبل، فأوجز في صلاته، وجلس، فقال له: أخوك أبو عبد الله أحمد بن حنبل يقرأ عليك السلام، ويقول لك: هوذا تكثر الحديث عن عبيد الله بن موسى العبسي ، وأنا وأنت سمعناه يتناول معاوية بن أبي سفيان , وقد تركتُ الحديث عنه!
قال: فرفع يحيى بن معين رأسه، وقال للرسول: اقرأ على أبي عبد الله السلام، وقل له: يحيى ابن معين يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أنا وأنت سمعنا عبد الرزاق يتناول عثمان بن عفان فاترك الحديث عنه ؛ فإن عثمان أفضل من معاوية!!) .
وخالفه –كذلك- ولداه وبعض خواص أصحابه وتلامذته ؛ فجمعوا أقواله وآراءه في كتاب على خلاف نهيه وأمره بهجر من فعل ذلك , كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (11\330-331) : "وقد دون عنه كبار تلامذته مسائل وافرة في عدة مجلدات، كالمروذي، والأثرم، وحرب، وابن هانئ، والكوسج، وأبي طالب، وفوران، وبدر المغازلي، وأبي يحيى الناقد، ويوسف بن موسى الحربي، وعبدوس العطار، ومحمد بن موسى بن مشيش، ويعقوب بن بختان، ومهنى الشامي، وصالح بن أحمد، وأخيه، وابن عمهما حنبل، وأبي الحارث أحمد بن محمد الصائغ، والفضل بن زياد، وأبي الحسن الميموني، والحسن بن ثواب، وأبي داود السجستاني، وهارون الحمال، والقاضي أحمد بن محمد البرتي، وأيوب بن إسحاق بن سافري، وهارون المستملي، وبشر بن موسى، وأحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد، ويعقوب بن العباس الهاشمي، وحبيش بن سندي، وأبي الصقر يحيى بن يزداد الوراق، وأبي جعفر محمد بن يحيى الكحال، ومحمد بن حبيب البزاز، ومحمد بن موسى النهرتيري، ومحمد بن أحمد بن واصل المقرئ، وأحمد بن أصرم المزني، وعبدوس الحربي قديم، عنده عن أحمد نحو من عشرة آلاف مسألة لم يحدث بها، وإبراهيم الحربي، وأبي جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا، وجعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي، وكان يشبهونه في الجلالة بمحمد بن عبد الله بن نمير، وأبي شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله مطين، وجعفر بن أحمد الواسطي، والحسن بن علي الاسكافي، والحسن بن علي بن بحر بن بري القطان، والحسين بن إسحاق التستري، والحسن بن محمد بن الحارث السجستاني -قال الخلال: (يقرب من أبي داود في المعرفة وبصر الحديث والتفقه)- , وإسماعيل بن عمر السجزي الحافظ، وأحمد بن الفرات الرازي الحافظ.
وخلق سوى هؤلاء، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله , نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة.
وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد، وفتاويه، وكلامه في العلل، والرجال والسنة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك مالا يوصف كثرة.
ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو من مئة نفس من أصحاب الإمام.
ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه عن رجل، عن آخر، عن آخر، عن الإمام أحمد، ثم أخذ في ترتيب ذلك، وتهذيبه، وتبويبه.
وعمل كتاب " العلم " وكتاب " العلل " وكتاب " السنة " كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات.
ويروي في غضون ذلك من الاحاديث العالية عنده، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالامامة والتقدم.
وألف كتاب "الجامع" في بضعة عشر مجلدة، أو أكثر.
وقد قال: في كتاب "أخلاق أحمد بن حنبل" : (لم يكن أحد علمت عني بمسائل أبي عبد الله قط، ما عنيت بها أنا).
وكذلك كان أبو بكر المروذي -رحمه الله- يقول لي: (إنه لم يعن أحد بمسائل أبي عبد الله ما عنيت بها أنت إلا رجل بهمدان، يقال له متويه، واسمه محمد بن أبي عبد الله، جمع سبعين جزءا كبارا).
ومولد الخلال كان في حياة الإمام أحمد، يمكن أن يكون رآه وهو صبي".
وخالف جماهير العلماء الإمام أحمد في مسألة الصلاة على أهل البدع , كما قال ابن قدامة –رحمه الله- في المغني (2\418) : "وقال أحمد : (أهل البدع لا يعادون -إن مرضوا- , ولا تشهد جنائزهم -إن ماتوا-) , وهذا قول مالك .
قال ابن عبد البر : وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله عليه السلام : [صلوا على من قال : لا إله إلا الله]".
وكان ابن عبد البر قد قال في التمهيد (24\132) : "وسائر العلماء غير مالك يصلون على أهل الأهواء والبدع والكبائر والخوارج وغيرهم".
وقال في الاستذكار (3\53) : "وكره مالك من بين سائر العلماء أن يصلي أهل العلم والفضل على أهل البدع".
وكذلك كان لأهل العلم تفصيل في مسألة قبول شهادة أهل البدع –على خلاف إطلاق الإمام أحمد-, كما قال ابن القيم في الطرق الحكمية (ص\254-255) متعقبا ما نقله عن الإمام أحمد في عدم قبول شهادة المبتدعة : "أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم ؛ فهؤلاء أقسام :
أحدها : الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له ؛ فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى , وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ؛ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا.
القسم الثاني : المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق , ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك ؛ فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته ؛ فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات ؛ فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته , وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته .
القسم الثالث : أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويتركه تقليدا وتعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه ؛ فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا , وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل ؛ فإن كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه مع القدرة على ذلك , ولم تقبل له شهادة , ولا فتوى , ولا حكم إلا عند الضرورة ؛ كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم , وكون القضاة والمفتين والشهود منهم ؛ ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير ولا يمكن ذلك ؛ فتقبل للضرورة".
بل وظاهر كلام أصحاب الإمام أحمد في الاستعانة بأهل البدع والأهواء على خلاف قول الإمام أحمد ؛ كما قال ابن مفلح في الفروع (10\248) : "ويحرم بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين, لأن فيه أعظم الضرر, ولأنهم دعاة واليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم, نص على ذلك, وعنه في اليهود والنصارى: لا يغتر بهم, فلا بأس فيما لا يسلطون فيه على المسلمين حتى يكونوا تحت أيديهم. قد استعان بهم السلف .
وظاهر كلام الأصحاب في أهل البدع والأهواء خلاف نص الإمام أحمد".
قلت –أبو العباس- : فهذه هي أقوال الإمام أحمد في النهي عن تقليده والتعصب لرأيه , وهؤلاء هم أبناؤه وتلامذته يخالفونه في حال حياته وبعد مماته في بعض أقواله ومواقفه , بل وهؤلاء هم بعض أعلام أصحاب مذهبه يخالفونه في بعض مسائل الهجر ولم يلتزموا بقوله فضلا عن أن يلكموا به –كما تقدم- ؛ ولم نسمع من أحد كما نسمعه من (بعض الناس) اليوم أن من خالف شيخا (ما) في مسألة تجريح أو هجر معين (ما) أو (أكثر) أنه خارج عن منهج الإمام أحمد ؛ فهل يدرك هؤلاء ما هو منهج الإمام أحمد فعلا ؟!
أم أنهم أعلم بمنهج الإمام أحمد –في الهجر- من أبنائه وتلامذته وكبار أصحابه ؟؟!!

المعلم الحادي عشر : اعتبار الإمام أحمد في الهجر تحقيقه لمقاصده .
يرى الإمام أحمد –رحمه الله- أن هجر البدع مشروع لتحقيق جملة مقاصد منها :
المقصد الأول : ترك الذنوب والبدع المهجورة وأصحابها .
المقصد الثاني : عقوبة فاعل هذه المعاصي ونكاله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (10\177) : "الهجرة مقصودها أحد شيئين : إما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها , وإما عقوبة فاعلها ونكاله .... , ومن هذا الباب هجر الإمام أحمد للذين أجابوا في المحنة قبل القيد ولمن تاب بعد الإجابة ولمن فعل بدعة ما ؛ مع أن فيهم أئمة في الحديث والفقه والتصوف والعبادة ؛ فإن هجره لهم والمسلمين معه لا يمنع معرفة قدر فضلهم كما أن الثلاثة الذين خلفوا لما أمر النبي المسلمين بهجرهم لم يمنع ذلك ما كان لهم من السوابق ؛ حتى قد قيل : أن اثنين منهما شهدا بدرا , وقد قال الله لأهل بدر [اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم] , وأحدهم كعب بن مالك -شاعر النبي , وأحد أهل العقبة-.
فهذا أصل عظيم : أن عقوبة الدنيا المشروعة من الهجران إلى القتل لا يمنع أن يكون المعاقب عدلا أو رجلا صالحا" .
المقصد الثالث : زجر المبتدع لينكف ضرر بدعته عن المسلمين , كما قال ابن القيم –رحمه الله- في الطرق الحكمية (ص\253) : "وإنما منع الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي المعلن ببدعته , وشهادته والصلاة خلفه ؛ هجرا له وزجرا ؛ لينكف ضرر بدعته عن المسلمين ؛ ففي قبول شهادته وروايته , والصلاة خلفه , واستقضائه وتنضيد أحكامه : رضى ببدعته , وإقرار له عليها وتعريض لقبولها منه"
وقال –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (28\205-207) مبينا اعتبار أحمد لهذه المقاصد شيخ الإسلام ابن تيمية : "والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع . وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة : (إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون) . فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية .... .
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله .
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا , وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر ؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ؛ ولهذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتألف قوما ويهجر آخرين ؛ كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح .
وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم , وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه" .
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28\210-212) –مختصرا- : "في مسائل إسحاق بن منصور - وذكره الخلال في " كتاب السنة " في باب مجانبة من قال : القرآن مخلوق - عن إسحاق أنه قال لأبي عبد الله : (من قال : القرآن مخلوق ؟ قال : ألحق به كل بلية . قلت : فيظهر العداوة لهم أم يداريهم ؟ قال : أهل خراسان لا يقوون بهم) .
وهذا الجواب منه مع قوله في القدرية : (لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة) .
ومع ما كان يعاملهم به في المحنة : من الدفع بالتي هي أحسن , ومخاطبتهم بالحجج يفسر ما في كلامه وأفعاله من هجرهم والنهي عن مجالستهم ومكالمتهم ؛ حتى هجر في زمن غير ما أعيان من الأكابر وأمر بهجرهم لنوع ما من التجهم .
- وعقوبة الظالم وتعزيره مشروط بالقدرة ؛ فلهذا اختلف حكم الشرع في نوعي الهجرتين : بين القادر والعاجز , وبين قلة نوع الظالم المبتدع وكثرته , وقوته وضعفه ؛ كما يختلف الحكم بذلك في سائر أنواع الظلم من الكفر والفسوق والعصيان ؛ فإن كلما حرمه الله فهو ظلم ؛ إما في حق الله فقط وإما في حق عباده وإما فيهما .
- وما أمر به من هجر الترك والانتهاء وهجر العقوبة والتعزير إنما هو إذا لم يكن فيه مصلحة دينية راجحة على فعله وإلا فإذا كان في السيئة حسنة راجحة لم تكن سيئة , وإذا كان في العقوبة مفسدة راجحة على الجريمة لم تكن حسنة ؛ بل تكون سيئة ؛ وإن كانت مكافئة لم تكن حسنة ولا سيئة ؛ فالهجران قد يكون مقصوده ترك سيئة البدعة التي هي ظلم وذنب وإثم وفساد وقد يكون مقصوده فعل حسنة الجهاد والنهي عن المنكر وعقوبة الظالمين لينزجروا ويرتدعوا . وليقوى الإيمان والعمل الصالح عند أهله . فإن عقوبة الظالم تمنع النفوس عن ظلمه وتحضها على فعل ضد ظلمه : من الإيمان والسنة ونحو ذلك .
- فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد ؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأمورا بها كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك : أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية .
فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي .
وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم .
فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب : كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرا من العكس . ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل".
فلما كان منهج الإمام أحمد -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- (فيه تفصيل , وأنه يختلف : بحسب حال المبتدع المخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ؛ بين كونه داعية أو غير داعية , وأن الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم , ورجحان المصلحة من عدمها , والتفريق بين أماكن شيوع البدعة والسنة , وبين قلة نوع الظالم المبتدع , وكثرته , وقوته , وضعفه , وأن ألأمر بالهجر إن لم يكن فيه انزجار أحد ولا انتهاء أحد ؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأمورا بها) .
كان من الخطأ البين أن يعاقب الإنسان بالهجر وغيره بأكثر مما يستحق , كما أنه من الخطأ أن تترك عقوبته مع القدرة عليها ووجود الحاجة إليها كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28\213) مبينا حقيقة عبارات السلف في الهجر ومقصودهم منها : "وكثير من أجوبة الإمام أحمد وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسئول حاله أو خرج خطابا لمعين قد علم حاله فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إنما يثبت حكمها في نظيرها ؛ فإن أقواما جعلوا ذلك عاما فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به فلا يجب ولا يستحب وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات .
وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية ؛ بل تركوها ترك المعرض ؛ لا ترك المنتهي الكاره أو وقعوا فيها وقد يتركونها ترك المنتهي الكاره ولا ينهون عنها غيرهم ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابا أو استحبابا فهم بين فعل المنكر أو ترك النهي عنه وذلك فعل ما نهوا عنه وترك ما أمروا به ؛ فهذا هذا , ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه".
قلت –أبو العباس : وفيما تقدم من تقريد بديع لشيخ الإسلام لمنهج الإمام أحمد في الهجر ؛ غنية وكفاية لبيان أن اعتبار رجحان المصالح في الهجر هو من أصول منهج الإمام أحمد في هذا الباب ؛ لا كما يزعمه (بعض الناس) من اعتبار رجحان مصالح الهجر على مفاسده ؛ فكيف بمن يزعم أن الهجر كله مصالح !! ثم هو ينسب هذا النهج الكاسد لمنهج الإمام أحمد.


.
__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-30-2010, 12:08 PM
أبوعبدالرحمن-راجي عفوربه- أبوعبدالرحمن-راجي عفوربه- غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 1,939
افتراضي

بارك الله فيكم
__________________
قال الشيخ ربيع:
وكان من أقوم الدعاة إلى الله بهذه الصفات الشيخ بن باز -رحمه الله- وهو مشهور بذلك والشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله- فلقد كان حكيماً رفيقاً لا يواجه الناس بسوء ولا فحش ولقد انتشرت دعوته بهذه الحكمة من اليمن إلى مكة ونجران في زمن قصير وقضى بعد عون الله بدعوته الحكيمة على كثير من مظاهر الجهل والشرك والبدع ، وكان من أبعد الناس عن الشدة والتنفير وكان يشبهه في أخلاقه : الحلم والحكمة والأناة والرفق تلميذه النجيب الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- فقد ساعد في نشر الدعوة السلفية شيخه القرعاوي رحمه الله بهذه الأخلاق وبالعلم الذي بثه وكانا لا يسبان بل ولا يهجران أحداً حسب علمي ويأتيهم الجاهل والفاسق والزيدي والصوفي فيتعاملان معهم بالعلم والحلم والرفق والحكمة الأمور التي تجعل هذه الأصناف تقبل الحق وتعتنق الدعوة السلفية الخالصة .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-30-2010, 04:25 PM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

بارك الله فيكم أستاذنا الفاضل أبي العباس وجعل ذلك في ميزان حسناتكم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-30-2010, 06:17 PM
عماد عبد القادر عماد عبد القادر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المملكة الأردنية الهاشمية
المشاركات: 3,334
افتراضي

بارك الله فيك
__________________


كما أننا أبرياء من التكفير المنفلت وكذلك أبرياء من التبديع المنفلت
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-30-2010, 07:20 PM
ابو الزبيرالموصلي ابو الزبيرالموصلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: العراق الموصل
المشاركات: 734
افتراضي

جزاك الله خيرا ؛ اصبت بكلامك النفيس الذي لا يفهمه الا من له نصيب في العلم وليس مثل حسير وكسير وثالث ليس فيه خير!!!
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-03-2010, 12:40 AM
الليبي الأثري الليبي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 201
افتراضي

بارك الله فيك أخي أبو العباس على هذه الدرر التي تتحفنا بها...
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-10-2010, 11:42 PM
الليبي الأثري الليبي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 201
افتراضي

مــقال يستحق الـمطالعة
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-10-2011, 08:33 PM
أبو عبد العزيز الأثري أبو عبد العزيز الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 2,568
افتراضي

للتذكير بمنهج الأمام المبجل أحمد بن حنبل
__________________
قال الله سبحانه تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

قال الشيخ ربيع بن هادي سدده الله :
( الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج )

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-10-2016, 08:09 AM
محمد جمعه الراسبي الأثري محمد جمعه الراسبي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 545
Lightbulb

للرفع..
رفع الله قدركم
__________________
(إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد ، والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب : لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم ، فقد قال الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم : (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال تعالي : (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)
الفتاوي ج4 ص (186-187)
بوساطة غلاف(التنبيهات..) لشيخنا الحلبي
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.