أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
35859 151323

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-26-2009, 05:21 PM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 791
افتراضي بين منهجين (12) : ضوابط الحكم على السلفي الذي وقع في خطأ عقدي

بين منهجين (12) : ضوابط الحكم على السلفي الذي وقع في خطأ عقدي .

كل بني آدم خطاء , وكل ساع في نشر دين الله تعالى (بلسانه , أو بقلمه) فلا بد وأن يخطيء ؛ إذا لا معصوم في مجال تبليغ دين الله إلا من عصمه الله سبحانه –بالوحي والتسديد- وهم الأنبياء (صلوات ربي وسلامه عليهم) , ومن لا يعرف له خطأ من المخلوقين في مجال العلم والعمل والدعوة إلى الله ؛ فما ذاك إلا لأنه ليس له عمل لهذا الدين ؛ فالخطأ سجية بشرية لا يسلم منها أحد , وليس ثمة أحد معصوم في بعض جوانب الشرع دون غيرها ؛ فالخطأ منّا واقع لا محالة سواء في العقيدة أو الفقه أو السلوك أو الدعوة ... إلخ .
ومن ذلك الخطأ في الاعتقاد الذي وقع فيه بعض أكابر علماء الملة , وما كان ذلك سببا -عند غيرهم - لرميهم بأوصاف التجريح والطعن ؛ فضلا عن سلخهم عن معتقد أهل السنة والجماعة –بالكلية- وإلصاقهم بمعتقد أهل البدع والأهواء ؛ كما نعاينه في واقعنا المعاصر اليوم , الذي ابتلي أهل السنة المحضة بأناس من بني جلدتهم أعملوا سكاكين تجريحهم في جلود إخوانهم يسلخونهم بها –ظلما وعدوانا- عن المنهج السلفي النقي ؛ ناسبين إياهم إلى فرق البدعة والضلالة –إفكا وبهتانا-؛ بسبب ما اعتبروه أخطاء عقدية وقعوا فيها ؛ ناسبين هذا الصنيع إلى السلف –جهلا وبغيا- ؛ فكان من أثر تلك الأحكام الجائرة أن نسب أعلام في الدعوة السلفية المعاصرة إلى فرق الضلال ومن ذلك :
الحكم على الشيخ محمد سعيد رسلان بأنه : أشعري .
والحكم على شيخنا مشهور بن حسن آل سلمان : بأنه معتزلي , جهمي , بل من غلاة الجهمية .
والحكم على شيخنا علي الحلبي : بأنه مرجئي .
والحكم على الشيخ أبي الحسن المأربي : بأنه رافضي خبيث .
وأما الشيخ ربيع بن هادي المدخلي : فقيل فيه أنه مرجئي , معتزلي , وصاحب "مذهب اعتزالي" , وأنه "على منهج رافضي في الطعن بالصحابة (رضي الله عنهم)" .
وقد تقدم معنا في المقال (11) من سلسلة (بين منهجين) أحكام أخرى صدرت في حق أعلام الدعوة السلفية نسبتهم إلى المناهج التكفيرية الخارجية –ظلما وعدوانا- .

ولم يكتف أولئك بطعوناتهم الجائرة -تلك- حتى زادوا إلى بغيهم افتراؤهم على أئمة السلف والحديث نسبة هذا المنهج الردي إليهم , مستندهم في ذلك قول (بعض الناس) : "كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف فيسقطه أئمة السلف والحديث" .
قلت : وهذا الصنيع بعيد تمام البعد عن هدي السلف , مناقض تماما لطريقة العلماء السلفيين في التعامل مع أخطاء بعضهم العقدية ؛ وبيان ذلك :

[أمثلة لبعض الأخطاء العقدية التي وقعت مِن بعض مَن سلف]
أن المسائل العقائدية –حالها حال غيرها من المسائل الشرعية- متفاوتة في جنسها ووجوب اعتقادها ؛ ويقع فيها الخطأ –كما يقع في غيرها- , وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20\33-36) : "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية -كما قد بسط في غير موضع- كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه:
مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته .
أو اعتقد أن الله لا يرى ؛ لقوله: {لا تدركه الأبصار} ولقوله: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} , كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) وإنما يدلان بطريق العموم .
وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى وفسروا قوله: {وجوه يومئذ ناضرة , إلى ربها ناظرة} بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح .
أو من اعتقد أن الميت لا يعذب ببكاء الحي ؛ لاعتقاده أن قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} يدل على ذلك ؛ وأن ذلك يقدم على رواية الراوي لأن السمع يغلط كما اعتقد ذلك طائفة من السلف والخلف ... .
أو اعتقد أن الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح ؛ لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب والله منزه عن الجهل .
أو اعتقد أن عليا أفضل الصحابة ؛ لاعتقاده صحة حديث الطير ؛ وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: [اللهم ائتني بأحب الخلق إليك ؛ يأكل معي من هذا الطائر].
أو اعتقد أن من جس للعدو وأعلمهم بغزو النبي (صلى الله عليه وسلم) فهو منافق: كما اعتقد ذلك عمر في حاطب وقال: (دعني أضرب عنق هذا المنافق) .
أو اعتقد أن من غضب لبعض المنافقين غضبة فهو منافق ؛ كما اعتقد ذلك أسيد بن حضير في سعد بن عبادة وقال: (إنك منافق تجادل عن المنافقين) .
أو اعتقد أن بعض الكلمات أو الآيات أنها ليست من القرآن ؛ لأن ذلك لم يثبت عنده بالنقل الثابت كما نقل عن غير واحد من السلف أنهم أنكروا ألفاظا من القرآن كإنكار بعضهم: {وقضى ربك} وقال: إنما هي ووصى ربك .
وإنكار بعضهم قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} وقال: إنما هو ميثاق بني إسرائيل وكذلك هي في قراءة عبد الله .
وإنكار بعضهم {أفلم ييأس الذين آمنوا} إنما هي أولم يتبين الذين آمنوا .
وكما أنكر عمر على هشام بن الحكم لما رآه يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها .
وكما أنكر طائفة من السلف على بعض القراء بحروف لم يعرفوها حتى جمعهم عثمان على المصحف الإمام .
وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي ؛ لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به .
وأنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي ؛ لكونهم ظنوا أن الإرادة لا تكون إلا بمعنى المشيئة لخلقها وقد علموا أن الله خالق كل شيء ؛ وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن والقرآن قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى لكن كل طائفة عرفت أحد المعنيين وأنكرت الآخر .
وكالذي قال لأهله: [إذا أنا مت فأحرقوني: ثم ذروني في اليم فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين].
وكما قد ذكره طائفة من السلف في قوله: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} وفي قول الحواريين: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} .
وكالصحابة الذين سألوا النبي (صلى الله عليه وسلم) هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فلم يكونوا يعلمون أنهم يرونه ؛ وكثير من الناس لا يعلم ذلك ؛ إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط".
ومن أمثلة ذلك –أيضا-:
أن عائشة (رضي الله عنها) ما كانت تعتقد أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11\412-413) : "فهذه عائشة أم المؤمنين: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) [هل يعلم الله كل ما يكتم الناس ؟ فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم) : نعم], وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء".
وهذا مجاهد (رضي الله عنه) ينفي أن يكون الله تعالى يرى في الآخرة , ويتأول قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بأنها تنتظر ثواب ربها , فروى الطبري في تفسيره (24\72) : "عن منصور عن مجاهد {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء".
وفي تفسير الطبري (24\73) –أيضا-: "عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث: [فيرون ربهم] فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يرى، قال: يَرى ولا يراه شيء".
وكان الضحاك بن مزاحم يزعم انه أعلم من صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) كما روى الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/1102) عن شهر بن شوذب أنه قال: (كان الضحاك بن مزاحم يكره المسك فقيل له: إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) كانوا يتطيبون به، قال: نحن أعلم منهم) .
وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل نقل عنه أنه أول صفة المجيء بمجيء أمره ., كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستقامة (1\74) : "وقد نقل حنبل عن احمد في كتاب المحنة أنه تأول قوله {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} ؛ فإن الجهمية الذين ناظروه احتجوا على خلق القرآن بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن [البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما], وما يجئ إلا مخلوق ؛ فقال الإمام أحمد: فقد قال الله تعالى {هل ينظرون إلا أن يأتينهم الله في ظلل من الغمام} فهل يجئ الله ؟! ,إنما يجئ أمره كذلك هنا إنما يجئ ثواب القرآن".
وهذا الإمام البربهاري يثبت عقائد بأحاديث موضوعة كما قال في شرح السنة (ص\26) : "والإيمان بحوض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكل نبي حوض إلا صالح النبي (صلى الله عليه وسلم) فإن حوضه ضرع ناقته".
وقال –أيضا-: "واعلم أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل تحت العرش وأرواح الفجار والكفار في بئر برهوت وهي في سجين".
وقال الذهبي في سير أعلام النبوة (14\374) : "ولابن خزيمة عظمة في النفوس وجلالة في القلوب لعلمه ودينه، واتباعه السنة. وكتابه في "التوحيد "مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة، فليعذر من تأول بعض الصفات , وأما السلف، فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده -مع صحة إيمانه، وتوخيه لاتباع الحق- أهدرناه، وبدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه".
وهذا الإمام ابن حبان أطلق كلمة جرت عليه الويلات، وهي قوله: "النبوة العلم والعمل". فزندق وهجر (رحمه الله) ووشي به إلى الخليفة حتى كتب بقتله، ولكن علماء الإسلام المنصفين وجهوا هذا القول وحملوه على أحسن المحامل لما عرف عن ابن حبان من استقامة في الدين والسنة، قال الذهبي (رحمه الله) في سير أعلام النبلاء (16/96) : "هذه حكاية غريبة، وابن حبان فمن كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطإ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها، قد يطلقها المسلم ويطلقها الزنديق الفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي لكن يعتذر عنه، فنقول: لم يرد حصر المبتدأ في الخبر ونظير ذلك قوله (عليه الصلاة والسلام) : [الحج عرفة], ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل بقي عليه فروض وواجبات وإنما ذكر مهم الحج، وكذا هذا ذكر مهم النبوة إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما، وليس كل من برز فيهما نبيا، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى، لا حيلة للعبد في اكتسابها بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح. وأما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كفر ولا يريده أبو حاتم أصلا، وحاشاه".
وهذا الإمام الصابوني كما جاء في مقدمة "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (ص\158-159) ما يدل على أن كان يشد الرحال إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقول: "فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجها إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وأصحابه الكرام".
وهذا الإمام ابن عبد البر: أوَّل صفة الضحك بالرحمة فقال في التمهيد (18\345) : "وأما قوله [يضحك الله] فمعناه يرحم الله عبده عند ذاك ويتلقاه بالروح والراحة والرحمة والرأفة وهذا مجاز مفهوم".
وكذلك أوَّل صفة الحياء ضمن كلامه على حديث الثلاثة الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الثاني منهم: [فاستحيا فاستحيا الله منه] قال كما في التمهيد (1\317) : "وأما قوله في الثاني [فاستحى فاستحيا الله منه] فهو من اتساع كلام العرب في ألفاظهم وفصيح كلامهم والمعنى فيه والله أعلم أن الله قد غفر له لأنه من استحيى الله منه لم يعذبه بذنبه وغفر له بل لم يعاتبه عليه فكان المعنى في الأول أن فعله أوجب له حسنة والآخر أوجب له فعله محو سيئة عنه والله أعلم".
وهو كذلك يجوز التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم كما قال في التمهيد (13\67) : "الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم".
وهذا البغوي أول صفة الرحمة بإرادة الخير , كما قال في تفسيره (1\51) عند تفسير قوله تعالى {الرحمن الرحيم}: "فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى، والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله".
وأول –كذلك- صفة الغضب بإرادة الانتقام , كما قال في تفسيره (1\55) : "قوله تعالى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} يعني صراط الذين غضبت عليهم، والغضب هو إرادة الانتقام من العصاة".
وهذا ابن القيم –رحمه الله- ينتصر بشدة للقول بفناء النار , وأن عذاب الكفار فيها منقطع وليس على جهة التأبيد المطلق , كمما قرر ذلك في العديد من مصنفاته ومنها: شفاء العليل , والوابل الصيب , وحادي الأرواح , ومختصر الصواعق المرسلة .
بل ونسب هذا القول لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- .
وهذا الحافظ ابن كثير أول صفة الحياء بالاستنكاف , فقال في تفسيره (1\207) عند قوله تعالى {إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}: "ومعنى الآية: أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي، أي: لا يستنكف".
وهذا الإمام الذهبي يرى أن الدعاء عند قبور الصالحين مستجاب , فقال في سير أعلام النبلاء (10\107) في ترجمة السيدة نفيسة: "وقيل كانت من الصالحات العوابد والدعاء مستجاب عند قبرها بل وعند قبور الأنبياء والصالحين".
وقال أيضا في السير (9\343) : "وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف [الكرخي] الترياق المجرب، يريد إجابة دعاء المضطر عنده ؛ لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء".

فهذه أمثلة على بعض الهنات التي وقعت لأئمة الدعوة السلفية المتقدمين في بعض مسائل الاعتقاد وقعت لهم , ووقع لمن جاء بعدهم غيرها ؛ لكن تعامل أهل العلم معها بأصلي (العلم بالحلق , والرحمة للخلق) , وذلك من خلال اعتبارهم لجملة من الأصول والضوابط ؛ حالت بمجموعها دون الطعن بمن أخطأ منهم ؛ فضلا عن تبديعه وتسقيطه , ومن ذلك :

[لا بد من التثبت قبل نسبة الأقوال الباطلة إلى المعروفين بسلامة المعتقد]
أولا : لا بد من التثبت في نسبة القول الباطل إلى المعروفين من أهل العلم بسلامة المعتقد والمنهج , فلا يقبل فيهم نقل من نقل عنهم خلاف المعهود من طريقتهم ومعتقدهم , بل لا بد من التثبت من صدور هذا القول عنهم , ومعرفة أدلتهم فيه بعد ثبوته عنهم , ويتأكد لزوم التثبت في الأخبار إن استلزم الخبر الطعن بمن عرف فضله وعلت منزلته , كما دل على هذا المعنى قوله تعالى ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ , قال ابن العربي في أحكام هذه الآية (3\364-365): "هذا أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ومنزلة الصلاح التي حلها المرء ولبسة العفاف التي تستر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً".
ولهذا قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في كتاب العلم (ص\50-52) : "ومن أهم الآداب التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم التثبت فيما ينقل من الأخبار والتثبت فيما يصدر من الأحكام، فالأخبار إذا نقلت فلابد أن تتثبت أولاً هل صحت عمن نقلت إليه أو لا، ثم إذا صحت فتثبت في الحكم ربما يكون الحكم الذي سمعته مبنياً على أصل تجهله أنت، فتحكم أنه خطأ، والواقع أنه ليس بخطأ , ولكن كيف العلاج في هذه الحال ؟
العلاج: أن تتصل بمن نُسب إليه الخبر وتقول نقل عنك كذا وكذا فهل هذا صحيح؟ , ثم تناقشه فقد يكون استنكارك ونفور نفسك منه أول وهلة سمعته لأنك لا تدري ما سبب هذا المنقول، ويقال إذا علم السبب بطل العجب، فلابد أولاً من التثبت في الخبر والحكم، ثم بعد ذلك تتصل بمن نقل عنه وتسأله هل صح ذلك أم لا؟ ثم تناقشه: إما أن يكون هو على حق وصواب فترجع إليه أو يكون الصواب معك فيرجع إليه.... .
أيضاً التثبت أمر مهم؛ لأن الناقلين تارة تكون لهم نوايا سيئة، ينقلون ما يشوه سمعته المنقول عنه قصداً وعمداً ، وتارة لا يكون عندهم نوايا سيئة ولكنهم يفهمون الشيء على خلاف معناه الذي أريد به، ولهذا يجب التثبت، فإذا ثبت بالسند ما نٌقل أتى دور المناقشة مع صاحبه الذي نقل عنه قبل أن تحكم على القول بأنه خطأ أو غير خطأ، وذلك لأنه ربما يظهر لك بالمناقشة أن الصواب مع هذا الذي نٌقل عنه الكلام.
والخلاصة أنه إذا نقل عن شخص ما ترى أنه خطأ فاسلك طرقا ثلاثة على التريب:
الأول : التثبت في صحة الخبر.
الثاني: النظر في صواب الحكم، فإن كان صواباً فأيده ودافع عنه، وإن رأيته خطأ فاسلك الطريق الثالث وهو : الاتصال بمن نسب إليه لمناقشته فيه وليكن ذلك بهدوء واحترام".
فكم من قول نسب إلى عالم وهو مكذوب عليه , أو بتر منه ما يوضح المقصد , أو ضم إليه من غيره ما كان سببا في تحريف معنى القول .

[ضرورة تحقيق مذاهب العلماء وعدم الاكتفاء ببعض أقوالهم الخاطئة]
ثانيا : لا يصح أن تنسب المذاهب لأصحابها بناء على بعض إطلاقاتهم , بل لا بد من جمع أقوالهم في المسألة المعينة , وحمل بعضها على البعض الآخر للوقوف على حقيقة تأصيلاتهم وتقريراتهم , ومن نسب إلى أهل العلم مذاهب بمجرد وقوفه على بعض أقوالهم , فقد تقول عليهم وكذب ونسب إليهم ما ليس فيهم , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح (4/44) : "فإنه يجب أن يُفسَّر كلام المتكلِّم بعضه ببعض، ويُؤْخذ كلامه هاهنا وهاهنا، وتُعرف ما عادته يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلّم به، وتُعرف المعاني التي عُرف أنه أرادها في موضع آخر، فإذا عُرف عُرفُه وعادتُه في معانيه وألفاظه؛ كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده، وأما إذا استُعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وتُرِك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحُمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عُرف أنه يريده بذلك اللفظ، بجعل كلامه متناقضًا، وترك حمله على ما يناسب سير كلامه؛ كان ذلك تحريفًا لكلامه عن موضعه، وتبديلاً لمقاصده، وكذبًا عليه" .
فإن كان بعض كلامه مجملا محتملا لأكثر من معنى كان لا بد من اعتبار الأصل المحكم الذي يتبناه المتكلم في المسألة موضوع البحث , هل هو أصل سلفي معتبر , أم أصل خلفي تالف ؛ فيرد إليه ما اشتبه من كلامه فالكلمة الواحدة قد يقولها السلفي ويعني بها أمرا حقا , وقد يقولها الخلفي والتكفيري فيعنون بها أمرا باطلا كما قال ابن القيم في مدارج السالكين (3/520-521) بعد أن ذكر كلامًا لأبي إسماعيل الهروي ظاهره القول بالاتحاد، فحمله على محمل حسن -مع تخطئته إياه في العبارة- ثم قال: "والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل، وسيرته، ومذهبه، وما يدعو إليه ، ويناظر عليه".
وقال شيخ الإسلام في كلام مجمل لبعض المتصوفة : "هذا كلام مجمل،قد يعني به الصديق معنى صحيحا،ًويعني به الزنديق معنى فاسداً" الاستقامة (1\191).
وقال الذهبي في بعض العبارات الموجملة : "هذا كلام يقوله المعتزلي والسني وكل واحد منهما يقصد به شيئا" تاريخ الإسلام (19\311) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في شريط "عقيدة أهل السنة والجماعة" حول حول بعض عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية المشكلة : "فإذا وُجدت عبارة لا تناسب المعروف من عقيدته، والمعروف من كلامه، وإذا وجد الإنسان في الفتاوى كلمة أُشكلت عليه، أو عبارة أشكلت عليه، فالواجب أن يردها إلى النصوص المعروفة من كلامه، من كتبه العظيمة، هذا هو الواجب على أهل الحق، أن يردوا المشتبه إلى المحكم، كما هو الواجب في كتاب الله، وفي سنة رسول الله عليهالصلاة والسلام، وفي كلام أهل العلم جميعًا".
ونسبة المذاهب إلى المتكلمين من غير اعتبار ما تقتضيه أصولهم الصحيحة يجر إلى نسبة مذاهب قبيحة إلى من هو بريء منها , كما قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/512) "وأخذُ مذاهب الفقهاء من الاطلاقات،من غير مراجعة لما فسّروا به كلامهم، وما تقتضيه أصولهم؛ يجر إلى مذاهب قبيحة".
وتتضح خطورة إغفال هذا المسلك بتعيين بعض المتحاملين لمراد بعض العلماء المعاني الفاسدة من أقوالهم المجملة المحتملة لأكثر من معنى بعضها صحيح وبعضها فاسد , مع أن الأصل في باب الأقوال المجملة هو التوقف وعدم تعيين أحد المعاني إلا بقرينة مرجحة , فكيف بمن يعين المعنى الفاسد ويطعن بالمتكلم لأجله , ويغفل عن اعتبار المعنى الحسن الذي قد يكون مرادا من المتكلم , ويكون موجبا للمدح لا للطعن والقدح .
بل كيف بمن يتصيد العثرات , ويتلقط الزلات , ويتتبع ما سبق به اللسان , أو ما اشتطت به الأقلام ؛ فينسب أصحابها إلى المذاهب الكاسدة الرديّة بمجرد أقوال –خاطئة- خرجت منهم من غر إرادة لما تضمنته أو استلزمته من معان (؟!!) ؛ في الوقت الذي كان عليه أن يدافع عن عوراتهم وأن يسترها ما استطاع , وأن يناصحهم ما وجد إلى ذلك سبيلا .
ورحم الله الشيخ ابن عثيمين حيث قال فيشرح رياض الصالحين (1\494-495) : "ومن النصح أيضا لعلماء المسلمين أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم وزلاتهم وما يخطئون فيه لأنهم غير معصومين قد يزلون وقد يخطئون وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ولا سيما من يتلقى العلم فإنه يجب أن يكون أبلغ الناس في تحمل الأخطاء التي يخطئ بها شيخه وينبهه عليها فكم من إنسان انتفع من تلاميذه ينبهونه على بعض الشيء على الخطأ أو على الخطأ العلمي وعلى أخطاء كثيرة لأن الإنسان بشر لكن الشيء المهم أن لا يكون حريصا على تلقي الزلات فإنه جاء في الحديث [يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل في قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه فضحه الله ولو في بيت أمه] هذا وهم مسلمون عامة فكيف بالعلماء ؟.
إن الذين يلتقطون زلات العلماء ليشيعوها ليسوا مسيئين للعلماء شخصيا وحسب بل مسيئون للعلماء شخصيا مسيئون إلى علمهم الذي يحملونه ومسيئون إلى الشريعة التي تتلقى من جهتهم لأن العلماء إذا لم يثق الناس فيهم وإذا اطلعوا على عوراتهم التي قد لا تكون عورات إلا على حسب نظر هذا المغرض فإنهم تقل ثقتهم بالعلماء وبما عندهم من العلم فيكون في هذا جناية على الشرع الذي يحملونه من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام لذلك من نصيحتك لأئمة المسلمين من أهل العلم أن تدافع عن عوراتهم وأن تسترها ما استطعت وأن لا تسكت بل نبه العالم وابحث معه واسأله ربما ينقل عنه أشياء غير صحيحة وقد نقل عنا وعن غيرنا أشياء غير صحيحة لكن نسأل الله العافية إذا كان لهم هوى وأحبوا شيئا وعرفوا أحدا من أهل العلم يقبل الناس قوله نسبوه لهذا العالم ثم إذا سألت نفس الذي إليه القول قال أبدا ما قلت كذا وقد يخطئ السائل مثلا في صيغة السؤال فيجيب العالم على قدر السؤال ويفهمه السائل على حسب ما في نفسه هو فيحصل الخطأ وقد يجيب العالم بالصواب بعد فهم السؤال لكن يفهمه السائل على غير وجهه فيخطئ في النقل وعلى كل حال من النصيحة لأئمة المسلمين في العلم والدين أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم بل يلتمس العذر لهم لا مانع من أن يتصل بهم فإذا أراد التأكد من شيء سمعه ويرى أنه خطأ فإذا اتصل به ربما بين له وربما يشرح له شيئا لا يعرفه ويظن أنه أخطأ فيه وربما قد خفي عليه شيء فتنبه أنت وتكون مشكورا على هذا وقد قال أول إمام في الدين والسلطة في هذه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه حيث خطب أول خطبة قال للناس وهو يخاطبهم يتحدث عن نفسه : (إن اعوججت فأقيموني) وذلك لأن الإنسان بشر فقوم أخاك ولا سيما أهل العلم لأن العالم خطره عظيم الخطر الزللي والخطر الرفيع لأن كلمة الخطر تكون للعلو والنزول فهو خطره عظيم إن أصاب هدى الله على يده خلقا كثيرا وإن أخطأ ضل على يده خلق كثير فزلة العالم من أعظم الزلات ولهذا أقول يجب أن نحمي أعراض علمائنا وأن ندافع عنهم ونلتمس العذر لأخطائهم ولا يمنع هذا أن نتصل بهم وأن نسألهم وأن نبحث معهم وأن نناقشهم حتى نكون مخلصين ناصحين لأئمة المسلمين".

[الوقوف على نوع الخطأ وحجمه وبابه وهل هو حقيقي أو لفظي]
ثالثا : وعلى فرض وقوع الخطأ والانحراف فلا بد من ضرورة معرفة نوع المسائل التي وقع فيها الخطأ , ومعرفة موقعها بالنسبة لعموم مسائل الشريعة ؛ وهل هي من ظاهر المسائل وجليها والاعتقاد أم من دقيقها وخفيها ؛ وهل الخلاف فيها لفظي أم حقيقي , وهل هي من متضمنات القول أو من لوازمه كما قرر هذا المعنى شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6\56-58) حيث قال : "فان مسائل الدق في الأصول لا يكاد يتفق عليها طائفة إذ لو كان كذلك لما تنازع في بعضها السلف من الصحابة والتابعين وقد ينكر الشيء في حال دون حال وعلى شخص دون شخص .
وأصل هذا ما قد ذكرته في غير هذا الموضع : أن المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية وان سميت تلك مسائل أصول وهذه مسائل فروع فان هذه تسمية محدثة قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين وهو على المتكلمين والأصوليين اغلب لا سيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة .
وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية فعندهم أن الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها ؛ فان الفقهاء كلامهم إنما هو فيها , وكثيرا ما يكرهون الكلام في كل مسألة ليس فيها عمل ؛ كما يقوله مالك وغيره من أهل المدينة .
بل الحق : أن الجليل من كل واحد من الصنفين مسائل أصول , والدقيق مسائل فروع :
فالعلم بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة كالعلم بأن الله على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وانه سميع بصير وان القرآن كلام الله ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر كما أن من جحد هذه كفر .
وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية اوجب من الإقرار بالقضايا القولية ؛ بل هذا هو الغالب ؛ فان القضايا القولية يكفى فيها الإقرار بالجمل وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره .
وأما الأعمال الواجبة فلابد من معرفتها على التفصيل لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة ولهذا تقر الأمة من يفصلها على الإطلاق وهم الفقهاء , وان كان قد ينكر على من يتكلم في تفصيل الجمل القولية للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الواجبة وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة .
وقولنا أنها قد تكون بمنزلتها يتضمن أشياء :
منها : أنها تنقسم إلى قطعي وظني .
و منها : أن المصيب وان كان واحدا فالمخطيء قد يكون معفوا عنه , وقد يكون مذنبا , وقد يكون فاسقا , وقد يكون كالمخطيء في الأحكام العملية .
سواء لكن تلك لكثرة فروعها والحاجة إلى تفريعها اطمأنت القلوب بوقوع التنازع فيها والاختلاف بخلاف هذه لان الاختلاف هو مفسدة لا يحتمل إلا لدرء ما هو اشد منه.
فلما دعت الحاجة إلى تفريع الأعمال وكثرة فروعها , وذلك مستلزم لوقوع النزاع اطمأنت القلوب فيها إلى النزاع بخلاف الأمور الخبرية ؛ فان الاتفاق قد وقع فيها على الجمل ؛ فإذا فصلت بلا نزاع فحسن .
وان وقع التنازع في تفصيلها فهو مفسدة من غير حاجة داعية إلى ذلك , ولهذا ذم أهل الأهواء والخصومات وذم أهل الجدل في ذلك والخصومة فيه ؛ لأنه شر وفساد من غير حاجة داعية إليه .
لكن هذا القدر لا يمنع تفصيلها ومعرفة دقها وجلها .
والكلام في ذلك إذا كان بعلم ولا مفسدة فيه ولا يوجب أيضا تكفير كل من أخطأ فيها إلا أن تقوم فيه شروط التكفير -هذا لعمري في الاختلاف الذي هو تناقض حقيقي- ؛ فأما سائر وجوه الاختلاف كاختلاف التنوع والاختلاف الاعتباري واللفظي فأمره قريب , وهو كثير أو غالب على الخلاف في المسائل الخبرية" .
كما لا بد من التفريق بين المذهب ولازم المذهب , والقول ولازم القول , فكم من قول قاله قائله , ومذهب تبناه صاحبه لو علم ما يجره إليه من لوازم فاسدة لما اعتنقه , والإنسان لا يؤاخذ إلا بما قال أو صرح , لا بما استلزمه قوله ومذهبه , كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5\306) : "لازم المذهب ليس بمذهب ؛ إلا أن يستلزمه صاحب المذهب فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا أو يثبتونها بل ينفون معاني أو يثبتونها ويكون ذلك مستلزما لأمور هي كفر وهم لا يعلمون بالملازمة بل يتناقضون وما أكثر تناقض الناس لا سيما في هذا الباب وليس التناقض كفرا" .
وقال في مجموع الفتاوى (16\461) : "ولازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبا بل أكثر الناس يقولون أقوالا ولا يلتزمون لوازمها . فلا يلزم إذا قال القائل ما يستلزم التعطيل أن يكون معتقدا للتعطيل . بل يكون معتقدا للإثبات ولكن لا يعرف ذلك اللزوم" .
ومن نسب إلى القائل ما استلزمه قوله ومذهبه من غير أن يكون متبنيا له صراحة كان هذا من قبيل الكذب عليه , كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (20\217) : "لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه ؛ فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا عليه" .
ولهذا كما قال ابن القيم في إعلام الموقعين (3\286) : "الواجب على من شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلدها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها , وإلا توقف في قبولها فكثيرا ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الاتباع على قاعدة متبوعه مع أن ذلك الامام لو رأى انها تفضي إلى ذلك لما التزمها , وأيضا فلازم المذهب ليس بمذهب وإن كان لازم النص حقا لان الشارع لا يجوز عليه التناقض فلازم قوله حق وأما من عداه فلا يمتنع عليه أن يقول الشيء ويخفى عليه لازمه ولو علم ان هذا لازمه لما قاله فلا يجوز أن يقال هذا مذهبه ويقول ما لم يقله" .

[المتعين تحسين الظن بمن أخطأ من علماء المسلمين وعدم استعجال طعنهم]
رابعا : المتعين في هذا الباب وأمثاله مما ظاهره تخطئة بعض أفاضل المسلمين هو حسن الظن بهم وحمل كلامهم على أحسن محامله , وإن ترجح خطؤهم في قولهم –فيرد عليه- مع التماس الأعذار لهم , لا أن يحكم عليهم –مباشرة- بالانحراف والخروج عن دائرة أهل السنة والجماعة.
قال الحافظ تاج الدين عبدالوهاب بن علي السبكي في "قاعدة في الجرح والتعديل" ص(93): "فإذا كان الرجل ثقة مشهودًا له بالإيمان والاستقامة؛فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تعود منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله".
وقال الشيخ محمد بن صالح العثمين في "الشرح الممتع" (5/300-301) : "يستحب للإنسان أن يظن بالمسلمين خيرًا، وإذا وردت كلمة من إنسان، تحتمل الخير والشر؛ فاحملها على الخير، ما وجدت لها محملاً، وإذا حصل فعل من إنسان، يحتمل الخير والشر؛ فاحمله على الخير، ما وجدت له محملاً، لأن ذلك يزيل ما في قلبك من الحقد والعداوة والبغضاء، ويريحك، فإذا كان الله عز وجل لم يكلفك أن تبحث وتنقب؛ فاحمد الله على العافية، وأَحْسِن الظن بإخوانك المسلمين، وتعوذ من الشيطان الرجيم ... , وهذا هو اللائق بالمسلم .
أما من فُتن -والعياذ بالله- وصار يتتبع عورات الناس، ويبحث عنها، وإذا رأى شيئًا يحتمل الشر، ولو من وجه بعيد؛ طار به فرحًا، ونشره، فليبشر؛ بأن: [من تتبع عورة أخيه؛ تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، فضحه، ولو في حجر بيته]".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات (14\94) : "وهذه المسألة قد اختلف فيها العلماء من الصحابة ومن بعدهم كغيرها من مسائل الخلاف ، فالواجب على أهل العلم فيها وفي غيرها بذل الوسع في معرفة الحق بدليله ، ولا يضر من أصاب الحق من خالفه في ذلك ، وعلى كل واحد من أهل العلم أن يحسن الظن بأخيه وأن يحمله على أحسن المحامل ، وإن خالفه في الرأي ما لم يتضح من المخالف تعمده مخالفة الحق" .
ورحم الله العلامة الألباني حيث قال في رفع الأستار (ص\32) : "وإن مما يمنع توجيه الطعن في ابن تيمية لقوله بفناء النار علاوة على ما ذكرنا آنفا أن له قولا آخر في المسألة وهو عدم فنائها كما سبق بيانه بالنقل عنه . وإذا كنا لا نعلم أي القولين هو المتأخر فمن البدهي أن الطاعن لا بد له من الجزم بأنه هو الأول ودون هذا خرط القتاد وأما نحن فإن حسن الظن الذي أمرنا به يقتضينا بأن نقول : لعله القول الآخر لأنه موافق للإجماع الذي نقله هو نفسه فضلا عن غيره كما تقدم" .

[ضرورة التفريق بين الخطأ في أصل كلي عقدي وبين الخطأ في بعض فروعه وجزئياته]
خامسا : وعلى فرض ثبوت الخطأ , وأن من أخطأ في قول لم يكن محتملا للصواب مطلقا ؛ فلا بد من ضرورة التفريق بين الخطأ في أصل كلي والخطأ في بعض فروعه ؛ فلا يحكم على من أخطأ في بعض الفروع العقدية –مثلا- مع سلامة أصوله فيها بانه منحرف في أصله , وإلا لحكمنا على خيرة علماء السلف المتقدمين والمتأخرين بأنهم منحرفون في أصول الاعتقاد لما بدر منهم من زلات وهفوات في بعض فروعها , كما قد نبه إلى هذا المعنى الشيخ صالح آل الشيخ –حفظه الله- في شرحه على العقيدة الطحاوية (ش\35) : حيث قال "الشذوذ مرتبتان:
المرتبة الأولى: أن ينفرد ويشذ في أصل من الأصول؛ يعني في الصفات، في الإيمان، في القدر، فهذا بانفراده في الأصل يخرج من الاسم العام المطلق لأهل السنة والجماعة.
المرتبة الثانية: أن يوافق في الأصول؛ لكن يخالف في فرع لأصل أو في فرد من أفراد ذلك الأصل.
مثلا يؤمن بإثبات الصفات وإثبات استواء الرب - جل جلاله - على عرشه وبعلو الرب - جل جلاله - وبصفات الرحمن سبحانه وتعالى؛ لكن يقول: بعض الصفات أنا لا أثبتها، لا أثبت صفة الساق لله - عز وجل -، أو لا أثبت صفة الصورة لله - عز وجل -، أو أثبت أن لله أعينا، أو أثبت لله - عز وجل - كذا وكذا مما خالف به ما عليه الجماعة.
فهذا لا يكون تاركا لأهل السنة والجماعة؛ بل يكون غلط في ذلك وأخطأ ولا يتبع على ما زل فيه بل يعرف أنه أخطأ، والغالب أن هؤلاء متأولون في الاتباع.
وهذا كثير في المنتسبين للسنة والجماعة كالحافظ ابن خزيمة فيما ذكر في حديث الصورة، وكبعض الحنابلة حينما ذكروا أن العرش يخلو من الرحمن - جل جلاله - حين النزول، وكمن أثبت صفة الأضراس لله , وأثبت صفة العضد أو نحو ذلك مما لم يقرره أئمة الإسلام.
فإذا من شذ في ذلك في هذه المرتبة، يقال: غلط وخالف الصواب؛ ولكن لم يخالف أهل السنة والجماعة في أصولهم؛ بل في بعض أفراد أصل وهو متأول فيه.
وهذا هو الذي عليه أئمة الإسلام فيما عاملوا به من خالف في أصل من الأصول في هذه المسائل، وكتب ابن تيمية بالذات طافحة بتقرير هذا في من خالف في أصل أو خالف في مسألة فرعية ليست بأصل".
وقال أيضا في شريط (لقاء مفتوح مع الشيخ صالح ال الشيخ) جوابا على السؤال التالي : "السؤال/ سئل معالي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه المولى وبارك فيه ما الفرق بين العقيدة والمنهج، وما حكم من يستدل بقوله تعالى ?لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا? على أن الشريعة هي العقيدة والمنهاج ولا يوجد فرق هل هذا صحيح؟
الجواب / في قوله جل وعلا {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} أهل التفسير من الصحابة فمن بعدهم على معنى قوله ?شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا? أي سبيلا وسنة.
فالمنهاج هو العقيدة ؛ لأن المنهج هو النهج الذي يسلك والطريق الذي يسلك معلوم أنه تكون معه طرق، فإذن هذا الطريق الذي هو المنهاج هو السبيل وسبيل الله جل وعلا واحد {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
سبيل الله واحد وهو طريقه الموصل إليه وهو منهاج، وكيف تفهم معنى المنهاج ومعنى المنهج ؟.
إذا عرفت أن الأمة تفرقت فرقا، تفرقت إلى فرق شتى وإلى طوائف كثيرة، وتلك الطوائف وتلك الفرق كل فرقة وطائفة اتخذت لها سبيلا واتخذت لها طريقا، ومعلوم أن مجموع ما عليه تلك الطوائف والفرق أن مجموع ما هم عليه هو عقائدهم، ولهذا قال أهل العلم : إن منهج أهل السنة والجماعة هو طريقة أهل السنة والجماعة وهو عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولا يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة المخالفة لطريقة سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن بعدهم إلا بهذا المنهج.
خذ مثلا في أبواب الإيمان لهم منهج لهم عقيدة ، في أبواب القدر لهم منهج ولهم عقيدة , في أبواب الصفات وأسماء الله جل وعلا لهم منهج ولهم عقيدة؛ يعني لهم عقيدة التي هي المنهج مما يميزهم عن غيرهم ، كذلك في أبواب الغيبيات لهم طريقة ولهم منهج ولهم عقيدة ، كذلك في التعامل مع الخلق، التعامل مع الأئمة مع ولاة الأمر مع الحكام لهم منهج ولهم طريقة، التعامل مع الناس مع المسلمين لهم منهج لهم طريقة، التعامل مع أهل العلم لهم منهج ولهم طريقة ولهم عقيدة.
هذه كلها مسطرة في كتب علماء أهل السنة والجماعة، فإذا قيل عقيدة أهل السنة والجماعة يعني منهج أهل السنة والجماعة.
ومن الناس من قد يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة ، والمخالفة على قسمين:
[القسم الأول] : إما أن تكون المخالفة لأصل من أصول أهل السنة والجماعة، فمن خالف في أصل من الأصول فهو مبتدع خارج عن أهل السنة والجماعة.
فمثلا يخالف في أصل الإيمان، ويقول الإيمان قول واعتقاد دون عمل، فهذا يكون خارج عن عقيدة السلف الصالح عقيدة أهل السنة والجماعة.
يقول في القدر بالكسب وأن المرء المكلف محل لفعل الله وأن الفعل ليس بفعله حقيقة؛ وإنما هو محل له؛ قول الأشاعرة أو نحو ذلك، فهذا قول بالجبر فهذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة في الأصل، صاحبه ليس من أهل السنة والجماعة.
كذلك في أبواب الإمامة يخالف في وجوب السمع والطاعة للإمام المسلم يخالف في أصل المسألة فهذا ليس من أهل السنة والجماعة.
كذلك إذا خالف في بعض المسائل المتعلقة بالصحابة فقال أنا أترضى عن الصحابة جميعا إلا واحد، هذا خالف في أصل من أصول أهل السنة والجماعة، فليس منهم، هو مبتدع.
والقسم الثاني : من يوافق في أصل ولكن في بعض أفراد الأصل يبدو له وجهة يتأولها مع إقراره بالأصل هذا نقول هذا مخالف لطريقة أهل السنة والجماعة هذا مخطئ هذا مباين لطريقتهم، ولا يقال يعني في تلك المسألة ولا يقال ببدعته ولا بفسقه؛ لأنه أقر بالأصل ولكن خالف في فرع تحت ذلك الأصل لشبهة عنده.
مثل ما حصل من الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة حين خالف في حديث الصورة المعروف "خلق الله آدم على صورته" وفي لفظ "خلق الله آدم على صورة الرحمن" ونازع في ذلك، وخالف أهل السنة وخالف بقية الأئمة في ذلك، هو سلم بأن باب الصفات مداره على التسليم وأننا نمر الصفات كما جاءت وأننا نسلم ولا ننكر ، وابن خزيمة له كتاب التوحيد شاهد بذلك فهو من أئمة أهل السنة والجماعة ، ولكنه بهذه المسألة غلط وتأول تأولا أبطله أهل العلم ، ولشيخ الإسلام في رد قوله أكثر من مائة صفحة في ضمن رده على الرازي في كتابه نقض أساس التقديس، فرده وبين أنه - يعني الإمام ابن خزيمة - خالف طريقة أهل السنة والجماعة، هو مسلّم بالأصول لكن بدا له فهم في ذلك فهنا يخطأ، وقد قال الذهبي زل زلة عظيمة، ونحو ذلك مما يبين فيه خطأ هذا العالم أو خطأ هذا الرجل أو خطأ من ذهب هذا المذهب، ويشنع على ذلك القول حتى لا يؤخذ به ؛ لكن يبقى للرجل المسلّم بنصوص أهل السنة والجماعة، وبأصول اعتقادهم يبقى من أهل السنة والجماعة لا يخرج عنهم ، بخلاف من يخالف في أصل من الأصول مثل الإيمان أو القدر أو في صفات الله يزعم أن العقل مقدم وأنه إن خالف النقل والعقل وجب تقديم العقل وأن العقل حاكم لا محكوم ونحو ذلك من الأصول، أو خالف في أبواب الإمامة وقال لا تلزم الإمامة، أو لا يلزم السمع والطاعة ، أو يرى الخروج على الولاة أو نحو ذلك، هذا كله يكون خارجا عن أهل السنة والجماعة ، فهذا تحرير هذا المقام، والله الموفق إلى الصواب".
مع التنبيه إلى أن كثرة الأخطاء في الجزئيات الفرعية في باب الحكم على المعينين بدعوى الاجتهاد السائغ قد تؤول أو تدل عل وجود انحراف في أصل هذا الموضوع الذي تكرر الخطا منه في فروعه .
قال الشاطبي –رحمه الله- في الاعتصام (2\200-201) : "أن هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كل في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجئزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببه التفرق شيعا وإنما ينشا التفرق عند وقوع المخالفة في الامور الكلية لان الكليات نص من الجزئيات غير قليل وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب , واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلى فإن المخالفة فيها انشأت بين المخالفين خلافا في فروع لا تنحصر ما بين فروع عقائد وفروع أعمال .
ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة ايضا .
وأما الجزئي فبخلاف ذلك بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة -وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين-".

[الحكم على الانحراف بما يستحقه تخطئة أو تفسيقا أو تكفيرا]
سادسا : وعلى فرض ثبوت وقوع الانحراف الحقيقي في الجانب العقدي ؛ فلا بد أن يعلم أن التحريف والانحراف في الجانب العقدي ليس على مرتبة واحدة بل هو على مراتب , كما قال شارح الطحاوية (ص\73) : "وكل من التحريف والانحراف على مراتب: فقد يكون كفرا، وقد يكون فسقا، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ".
وهذا التفصيل أوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (35\75) : "وكل من كان باغيا أو ظالما أو معتديا أو مرتكبا ما هو ذنب فهو قسمان : (متأول , وغير متأول) .
فالمتأول : المجتهد كأهل العلم والدين الذين اجتهدوا واعتقد بعضهم حل أمور , وأعتقد الآخر تحريمها ؛ كما استحل بعضهم بعض أنواع الأشربة وبعضهم بعض المعاملات الربوية وبعضهم بعض عقود التحليل والمتعة وأمثال ذلك ؛ فقد جرى ذلك وأمثاله من خيار السلف ؛ فهؤلاء المتأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون وقد قال الله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} , وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء , وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام أنهما حكما في الحرث وخص أحدهما بالعلم والحكم مع ثنائه على كل منهما بالعلم و الحكم , والعلماء ورثة الأنبياء ؛ فإذا فهم أحدهم من المسألة مالم يفهمه الآخر لم يكن بذلك ملوما ولا مانعا لما عرف من علمه ودينه .
وإن كان ذلك مع العلم بالحكم يكون إثما وظلما والإصرار عليه فسقا .
بل متى علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفرا".
وقال –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (3\317) مفرقا بين المخطيء المعفو عنه , والظالم لنفسه المسيء إليها في هذا الباب وغيره : "فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلا أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها أو لاتباع هواه بغير هدى من الله فهو الظالم لنفسه وهو من أهل الوعيد ؛ بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله فهذا مغفور له خطؤه" .
وأوضح –رحمه الله- أن أهل البدع المنحرفون في الجانب العقائدي –تبعا لما تقدم- على مراتب أيضا ؛ فقال في مجموع الفتاوى (3\353-354) : "وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم :
المنافق الزنديق فهذا كافر , ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية ؛ فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة وأول من ابتدع الرفض كان منافقا وكذلك التجهم ؛ فإن أصله زندقة ونفاق ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم
ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة ؛ فهذا ليس بكافر ولا منافق ؛ ثم :
قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقا أو عاصيا .
وقد يكون مخطئا متأولا مغفورا له خطأه .
وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه" .
فمن الخطأ البين أن يعامل الجميع معاملة واحدة ؛ على اختلاف مقالاتهم أو أحوالهم ؛ ولله در الشيخ عبيد الجابري حيث قال في (شريط أسئلة شباب مدينة برمنجهام – بريطانيا) جوابا على السؤال التالي : "السؤال : يتردد هنا في بريطانيا كثيراً عن الجرح والتعديل ، وبعض طلبة العلم أو بعض المنتسبين إلى العلم يظن أن له الحق أن يجرح حتى لو كان عنده جرح مفسر يا شيخ؟.
الجواب : "هو في الحقيقة يفرق ، بارك الله فيكم ، بين رد المقالة وجرح القائل ، فرد المقالة هذا الأمر فيها واسع ، ما يخالف الكتاب والسنة يُرد على صاحبه ، ولا يقبل منه كائناً من كان.
لكن جرح القائل الذي أظهر مقالة مخالفة ، هذا لا تستعجلوا فيه ، بارك الله فيكم ، بل أؤكد عليكم - وأنتم إن شاء الله ، والله أنا لكم ناصحون ، وأنا نحب لكم من الخير ما نحبه لنفسنا وأبنائنا الذين هم من أصلابنا ، فنحرص على اجتماع كلمتكم ، ونخشى من التفرق - ردوا إلى أهل العلم ، ردوا الأمر إلى أهل العلم ، من تثقون في دينه وأمانته فالسلفي بشر .. ينسى أحياناً .. ويخطئ أحياناً .. ويجهل أحياناً .. ينسى ، يحصل عنده أمور ، قد يغضب .
فأنت لا تنسى جرح المقال ، هذه مقالة مخالفة للسنة ، هذا الفعل مخالف للسنة ،هذا القول قول المبتدعة ، هذا لا مانع منه ، إذا كنت تحسن ، وعندك ولله الحمد سنة ، رأيت أن هذا القول مخالف للسنة .
فعلى سبيل المثال ، لو أن خطيباً فسر على المنبر {استوى}: استولى ، قال {استوى} أي : أحكم القبضة ، فإنك تستطيع أن ترد عليه ، وتقول هذا كلام المعطلة ، وهذا الأشاعرة ، وهذا بدعة ، وهذا تأويل لاستواء ، والاستواء صفة من صفات الله ، وهذا تأويل له .
لكن الحكم على القائل هذا الشخص بأنه مبتدع ضال ، فهذا لا تتعجلوا فيه ، يناصح ، ويبين له ، وتستشيرون بارك الله فيكم أهل العلم الذين تثقون بهم ، فربما أن هذا الرجل رجع ، فكم من إنسان تُعُجِل في جرحه ورجع ، قال : والله أنا أخطأت ، مادام هذا الكلام مخالفاً لعقيدة السلف ، فأنا راجعٌ عنه ، فلا تتعجلوا بارك الله فيكم في جرح الأشخاص".

[ينسب المخطيء إلى فرق الضلال –بإطلاق- إن كان موافقا لما امتازت به مطلقا]
سابعا : وليس كل من وقع في انحراف عقدي قالت به طائفة من فرق الضلال صحت نسبته إليها ؛ بل لا ينسب إليها إلا إن قال بما امتازت به عن غيرها , وأما إن كان قد قال بما تقوله هي وغيرها فلا يصح ان ينسب لا إليها , ولا إلى غيرها , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (6\664) عند كلامه على مسألة صيغ الأمر وتعلقها بالكلام النفسي : "هذه المسألة هي أخص بمذهب الأشعري : يكون الرجل بها مختصا بكونه أشعريا ، ولهذا ذكر العلماء الخلاف فيها معه .
وأما سائر المسائل فتلك لا يختص هو بأحد الطرفين بها بل في كل طريق طوائف .
فإذا خالفه في خاصة مذهبه لزمه أن لا يكون متبعا له" .
فتأمل بديع كلام شيخ الإسلام –على وجازته- كم حمل من المعاني العلمية الدقيقة :
أولا : فالرجل لا ينسب إلى طائفة حتى يكون قائلا بما يميزها –مما اختصت به من المقالات- عن غيرها .
ثانيا : إن قال الرجل بمقالة اشترك بالقول بها طوائف عدة , فلا يصح أن ينسب لأحدها بمجرد ذلك .
ثالثا : من خالف شيخا في خاصة مذهبه لزمه أن لا يكون متبعا له .
فمن قال بكل ما امتازت به الطائفة نسب إليها مطلقا , كما قال الشيخ محمد أمان الجامي –رحمه الله- في كتابه الصفات الإلهية في الكتاب والسنة () : "لما تكونت المعتزلة بالطريقة التي ذكرناها وضعوا لهم أصولاً خمسة، امتازوا بها من بين الناس وعرفوا بها، ودعوا إليها بكل جرأة، وهي: (التوحيد , المنزلة بين المنزلتين , العدل , الوعد والوعيد , الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ؛ هذه الأصول الخمسة يتفق عليها جميع طوائف المعتزلة على اختلاف بينهم بل لا يعتبر معتزلياً من لم يؤمن بها على تفسيرهم الفلسفي، ولو ادعى أنه منهم.
يقول الخياط -وهو أحد زعمائهم في القرن الثالث- : (وليس يستحق أحد اسم (الاعتزال) حتى يجمع القول بالأصول الخمسة، فإذا اكتملت فيه هذه الخصال فهو معتزلي)".
وأما من خالف بعض فرق أهل الضلال فيما كان من خصائصهم لم تصح نسبته إليهم بإطلاق , بل يقال هو منهم فيما وافقهم فيه مما اختص بهم , وليس منهم فيما خالفهم فيه مما امتازتوا به عن غيرهم .
وهذا ما قرره الشيخ محمد بن صالح العثيمين في معرض رده على من نسب الإمامين الجليلين النووي وأبن حجر العسقلاني إلى أهل البدع -مطلقا- كما في كتاب العلم (ص\199-200) حيث قال : "إن الشيخين الحافظين ( النووي ابن حجر ) لهما قدم صدق ونفع كبير في الأمة الإسلامية ولئن وقع منهما خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما لهما من الفضائل والمنافع الجمة ولا نظن أن ما وقع منهما إلا صادر عن اجتهاد وتأويل سائغ ـ ولو في رأيهما ، وأرجو الله تعالى أن يكون من الخطأ المغفور وأن يكون ما قدماه من الخير والنفع من السعي المشكور وأن يصدق عليهما قول الله تعالى ?إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ? , والذي نرى أنهما من أهل السنة والجماعة، ويشهد لذلك خدمتهما لسنة رسوله الله (صلى الله عليه وسلم) وحرصهما على تنقيتها مما ينسب إليها من الشوائب، وعلى تحقيق ما دلت عليه من أحكام ولكنهما خالفا في آيات الصفات وأحاديثها أو بعض ذلك عن جادة أهل السنة عن اجتهاد أخطئا فيه، فنرجو الله تعالى أن يعاملهما بعفوه.
وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفًا لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعًا فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًّا فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم، كما قال أهل السنة في الفاسق: إنه مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما معه من العصيان، فلا يعطي الوصف المطلق ولا ينفى عنه مطلق الوصف، وهذا هو العدل الذي أمر الله به، إلا أن يصل المبتدع إلى حد يخرجه من الملة فإنه لا كرامة له في هذه الحال".
ومثل هذا قاله الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى والمقالات (28\254-255) ؛ جوابا على السؤال التالي :"السؤال : ما حكم تبديع جملة من أئمة أهل السنة بحجة أنهم أخطأوا في العقيدة مثل النووي وابن حجر وغيرهما ؟.
الجواب : من أخطأ لا يؤخذ بخطئه ، الخطأ مردود مثل ما قال مالك رحمه الله : (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل عالم يخطئ ويصيب ، فيؤخذ صوابه ويترك خطؤه ، وإذا كان من أهل العقيدة السلفية ووقع في بعض الأغلاط ، فيترك الغلط ولا يخرج بهذا من العقيدة السلفية إذا كان معروفا باتباع السلف ، ولكن تقع منه بعض الأغلاط في بعض شروح الحديث أو في بعض الكلمات التي تصدر منه فلا يقبل الخطأ ولا يتبع فيه ، وهكذا جميع الأئمة إذا أخطأ الشافعي أو أبو حنيفة أو مالك أو أحمد أو الثوري أو الأوزاعي أو غيرهم ، يؤخذ الصواب ويترك الخطأ ، والخطأ ما خالف الدليل الشرعي ، وهو ما قاله الله ورسوله ، فلا يؤخذ أحد من الناس إلا بخطأ يخالف الدليل ، والواجب اتباع الحق" .
فلا يخرج من السلفية –الخروج المطلق- من وقع بقليل من الأخطاء العقدية المغتفرة إلى جانب كثير حسناته وإصابته لمعتقد السلف ؛ بل يخشى أن يكون من أخرجه منها هو الخارج عن السلفية -في هذا الباب- لمفارقته طريقة السلف في الحكم على الرجال ؛ كما قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرحه على العقيدة السفارينية (ص\701) : "لا شك أن كل إنسان له أخطاء إلا من شاء الله ؛ سفارينية فيها كلمات يعني تُنتقد ،ولكن إذا كانت مسألة من آلاف المسائل منتقدة هل يقال : إن الرجل [السفاريني] خرج عن أهل السنة والجماعة ؟! أو خرج عن السلفية ؟!.
وما ندري لعل هذا القائل هو الذي خرج عن السلفية ، إذ أن السلف يغتفرون قليل الخطأ في كثير الصواب ويحكمون بالقسط ،أما أن يحكم بالجور وإذا أخطأ إنسانٌ ما في مسألة وتبع فيها مذهباً مبتدعاً في هذه المسألة قيل هذا من هؤلاء هذا أشعري ولا يُؤخذ قوله هذا ليس من طريق السلف ،السلف الصالح (رضي الله عنهم) ينظرون بين الحسنات والسيئات ويحكمون بالقسط".

[ضرورة الموازنة بين المصالح والمفاسد في نقد المعين من أعلام السنة وإشاعة الكلام فيه]
ثامنا : ضرورة الموازنة بين المصالح والمفاسد في نقد المعين من أعلام السنة , ورموز الدعوة , ومراعاة نوع الخطأ وحجمه ومجاله وعواقب الأمور ومآلات الأحكام ؛ فقد يسكت عن نقد المعين من أهل العلم والفضل مع قيام ما يوجب النقد في حقه كما قرر هذا المعنى الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله- في شريط (الفتوى بين مطابقة الشرع ومسايرة الأهواء) : "إذا كانت المسألة متعلقة بالعقائد، أو كانت المسألة متعلقة بعالم من أهل العلم، في الفتوى في شأنه، في أمر من الأمور؛ فإنه هنا يجب النظر فيما يؤول إليه الأمر، من المصالح ودفع المفاسد ، ولهذا ترى أئمة الدعوة -رحمهم الله تعالى- من وقت الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن حسن -أحد الأئمة المشهورين- والشيخ محمد بن إبراهيم ، إذا كان الأمر متعلقًا بعالم، أو بإمام، أو بمن له أثر في السنة؛ فإنهم يتورعون، ويبتعدون عن الدخول في ذلك :
[مثال ذلك أولا :] الشيخ صديق حسن خان القنوجي الهندي، المعروف، عند علماءنا له شأن، ويقدرون كتابه "الدين الخالص" , مع أنه نقد الدعوة في أكثر من كتاب له، لكن يغضّون النظر عن ذلك، ولا يصعدون هذا، لأجل الانتفاع بأصل الشيء، وهو تحقيق التوحيد، ودرء الشرك.
المثال الثاني : الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، المعروف، صاحب كتاب "سبل السلام" وغيره ، له كتاب "تطهير الاعتقاد"، وله جهود كبيرة في رد الناس إلى السنة، والبُعد عن التقليد المذموم، والتعصب، وعن البدع، لكن زلّ في بعض المسائل، ومنها ما يُنسب إلية في قصيدته المشهورة، لما أثنى على الدعوة، قيل: إنه رجع عن قصيدته تلك بأخرى ، يقول فيها :
"رجعت عن القول الذي قد قلت في النجدي" يعني محمد بن عبد الوهاب النجدي، ويأخذ هذه القصيدة أرباب البدع، وهي تُنسب له، وتُنسب لابنه إبراهيم، وينشرونها على أن الصنعاني كان مؤيدًا للدعوة، لكنه رجع .
[المثال الثالث :] والشوكاني أيضًا -رحمه الله تعالى- مقامه أيضًا معروف ... ، الشوكاني له اجتهاد خاطئ في التوسل، وله اجتهاد خاطئ في الصفات، وتفسيره في بعض الآيات، له تأويل، وله كلام في عمر -رضي الله عنه- ليس بالجيد ، وله كلام -أيضًا- في معاوية -رضي الله عنه- ليس بالجيد ، لكن العلماء لا يذكرون ذلك .
وألَّف الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- كتاب "تبرئة الشيخين الإمامين" يعني بهما الإمام الصنعاني والإمام الشوكاني ، وهذا لماذا؟ لماذا فعل ذلك؟.
لأن الأصل الذي يبني عليه هؤلاء العلماء هو السنة ، فهؤلاء ما خالفونا في أصل الاعتقاد، وما خالفونا في التوحيد، ولا خالفونا في نصرة السنة، ولا خالفونا في رد البدع، وإنما اجتهدوا، فأخطأوا في مسائل ، والعالم لا يُتْبَعُ بزلته كما أنه لا يُتَّبَع في زلته ،أي : لا يُقتدى به فيها ، فهذه تُتْرك ويُسكت عنها، ويُنشر الحق، ويُنشر من كلامه ممايُؤَيَّد به .
وعلماء السنة لما زلّ ابن خزيمة -رحمه الله- في مسألة الصورة، كما هو معلوم، ونفى صفة الصورة لله جل وعلا، ردّ عليه ابن تيمية -رحمه الله- في أكثر من مائة صفحة، مع ذلك علماء السنة يقولون عن ابن خزيمة: إنه إمام الأئمة، ولا يرضون أن أحدًا يطعن في ابن خزيمة، لأن كتاب "التوحيد"، الذي ملأه بالدفاع عن التوحيد لله رب العالمين، وبإثبات أنواع الكمالات لله جل وعلا، في أسمائه ونعوته،جل جلاله، وتقدست أسماؤه .
والذهبي -رحمه الله- في "سير أعلام النبلاء" قال: "وزل ابن خزيمة في هذه المسألة"، فإذاً هنا إذا وقع زلل في مثل هذه المسائل، فما الموقف منها؟ الموقف: أنه يُنظر إلى موافقته لنا في أصل الدين، موافقته للسنة، ونصرته للتوحيد، نصرته لنشر العلم النافع، ودعوته إلى الهدى، ونحو ذلك من الأصول العامة، ويُنصح في ذلك ، وربما رُدَّ عليه على حدةٍ ، لكن لا يُقدح فيه قدحًا يلقيه -كذا- تمامًا، وعلى هذا كان منهج أئمة الدعوة في هذه المسائل، كما هو معروف.
وقد حدثني فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان -حفظه الله تعالى- حينما ذكر قصيدة الصنعاني الأخيرة: "رجعت عن القول الذي قلت في النجدي" التي يقال: إنه رجع فيها، أو أنه كتبها، قال: سألت شيخنا محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عنها، هل هي له، أم ليست له؟ قال: فقال لي: (الظاهر أنها له، والمشايخ مشايخنا يرجحون أنها له، ولكن لا يريدون أنه يقال ذلك، لأنه نصر السنة، ورد البدعة، مع أنه هجم على الدعوة، وتكلم في هذه القصيدة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب) .
ثم الشوكاني له قصيدة أرسلها إلى الإمام سعود ، ينهاه فيها عن كثير من الأفعال، من القتال، ومن التوسع في البلاد، ونحو ذلك في أشياء، لكن مقامه محفوظ، لكن ما زلُّوا فيه؛ لا يتابعون عليه، ويُنهى عن متابعته فيه" .
إلى أن قال -حفظه الله- : "لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وهذه القاعدة المتفق علها، لها أثر كبير، بل يجب أن يكون لها أثر كبير في الفتوى" .



.
__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-26-2009, 11:53 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي

أخي الحبيب أبا العباس ! جزاك الله خيرا ؛ دائما تأتي بالجديد المفيد .
بحث محكم كالعادة زادك الله توفيقا .
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-27-2009, 07:50 AM
ابن الوادي ابن الوادي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 69
افتراضي

جزاك الله خير وبارك الله فيك

ياريت لو أحد من المشرفين يعدل
إسم الشيخ أبي الحسن إلى أبي الحسن المأربي

نفع الله بكم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-27-2009, 05:18 PM
أحمد غدير أحمد غدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: الوادي ـ الجزائر
المشاركات: 286
افتراضي

جزاك الله خيرا يا أبا العباس ، على ما بينت وفصلت. نسأل الله الثبات .
لو سكت من لا يعلم لقلّ الخلاف
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-19-2010, 02:55 PM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 791
افتراضي

للرفع في وجه غلاة التبديع الذين يطعنون في عقائد أهل العلم والدين بنوع خطأ أو زلة , أو بما يتوهمونه من ذلك .
__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-31-2012, 08:29 PM
ابوياسرالبيضاوي ابوياسرالبيضاوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المملكة المغربية ( الدارالبيضاء )
المشاركات: 166
افتراضي

بارك الله فيكم
__________________
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه (عليكم بالعلــم فإن طلبه لله عبـــادة، ومعرفتــــه خشيـــــة، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لايعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يُعرف الله ويُعبد، وبه يُمجَّد الله ويُوَحَّد، يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم)
To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-10-2016, 08:04 AM
محمد جمعه الراسبي الأثري محمد جمعه الراسبي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 545
Lightbulb

للرفع..
رفع الله قدركم
__________________
(إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد ، والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب : لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم ، فقد قال الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم : (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال تعالي : (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)
الفتاوي ج4 ص (186-187)
بوساطة غلاف(التنبيهات..) لشيخنا الحلبي
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:56 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.