السلفية في مصر بين ماضٍ عطير ،وحاضرٍ مرير

[عبدالرحيم السليماني]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلفية في مصر بين ماضٍ عطير ،وحاضرٍ مرير (1)

إنَّ الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعدُ :

فما دامت الذئاب تعوي في بطون الوديان وعلى الجبال وعلى السفوح فلا تكاد تسمع للكلاب نباحاً ذلك لأنَّ الكلاب عندما تشمُّ رائحة الذئاب تعوص ولا تنبح ولا يكاد صوتها يخرج من حلوقها ، كيف لا والكلاب ترتعد فرائصها خوفاً وجزعاً ،مما قد ينالها من قرب الذئاب، بيد أنّ الذئاب إن غابت ،خرجت علينا الكلاب تنبح بلا هوادة ،وتجري هنا وهناك بلا حكمة ، وهذا الكلام الذي سقتُه لك توضحه أمثالٌ وحِكم لا ينفك العرب عن تكرارها في كلِّ موقف تمثله ،بيد أني أردت أن أسوقه لك بطريقة أخرى لأنَّ النفس تملُّ تكرار الألفاظ ،وتعافها فلا ضير أن نجري في عروق الأقوال دماء كلماتٍ جديدة ،ولنأت الآن إلى بيان ذلك غير أني قبل أن أبدأ في بيانه أقول مذكراً إخواني إنَّ ضرب الأمثال ليس فيه قياس الألفا ظ على الأشخاص .

....إنَّ المتدبر لحال السلفية في مصر القرن الماضي يجد أنها كانت تزخر بأكابر ضربت بهم الأمثال وكانوا يطوفون البلاد جاهدين في نشر التوحيد وقمع الشرك وأهله وقتل البدعة وذنبها،وإن كان الواحد منهم محدِّثاً لا يُشقُّ له غبار وقد شهد له القاصي والداني كالعلامة أحمد شاكر – رحمه الله – فإنه ما فاته أن يكون كذلك في جُلِّ العلوم كيف لا وتحقيقه لكتاب الشعر والشعراء- مثلاً – لم يُسبَق إليه ولم يأت من يكون عالٍ عليه ،وكتبه في الأحكام والمواريث مازالت تتعلمها الأجيال ولا يستغنى عنها في المحاكم والقضاء ،وكما كان العلامة أحمد شاكر كذلك كان غيره من الأكابر كالعلامة محمود حامد الفقي والعلامة أبو السمح ،والعلامة عبد الرزاق عفيفي، والعلامة محمد خليل هراس ،والعلامة عبد الرحمن الوكيل ،والعلامة محمد عبد الوهاب البنا ،وغيرهم الكثير والكثير كان هؤلاء ثلة من الذين يمثلون السلفية الحَقَّة التي أساس دعوتها التوحيد ونشر السنة وتاريخهم في الدعوة إلى ذلك معروف للعوام قبل الخواص ،غير أنَّ الزمان قد تغير وصار من يمثلون السلفية يلبسونها أثواباً جديدة تمشياً مع أغراضهم تارة وتمشياً مع العصر الحاضر تارة أخرى !!! زعموا!! فصرت ترى السلفيين ما بين داعٍ إلى خروج على الحكام ،وداعٍ إلى حزبيَّة عوراء ،ولاهثٍ خلف تزكيات يجمع لها ويعلقا ويتوسدها ويجعلها الحائط المنيع ،دونما أي التفات لطلب العلم الشرعي ، وراكضٍ خلف كلِّ من يتكلم فيه خاصه !! يرميه ببذيء القول ،وفحشه ومن لا يتكلم يسلم !!،وجامعٍ لجهود غيره من كتبٍ ناسبها إلى نفسه دون أي خجلٍ ،فيسرق ،ويكذب ،ويتجمل ،ويشغل نفسه بعيوب الناس وقد حُشي عيوباً ،ومقلِّدٍ لغيره كالببَّغاء دون أي فكرٍ من تلقاء نفسه أو رجوعٍ إلى كتب السالفين ،وأقوال العلماء الراسخين ،فتجده يتتبع زميله ويقلده بل ويصفه بالإمامة ،وكما يقولون :الأعور في وسط العميان بصير مبصر . وآخذٍ للأوامر من البيت ..... بمكة المكرمة فلا ينفك متصلاً بين الفينة والفينة ،يعلن استمرار الولاء ،والسمع والطاعة العمياء .
والعجيب في ذلك كله أن لسان حال كلِّ واحدٍ من هؤلاء يقول : أنا السلفية .أنا السلفية . أنا السلفية . بل إن بعضهم تجرأ فنطق بها ،وحولها إل باب الأقوال .وإن كنت أجملت لك الكلام في موطن التفصيل ،فاعذرني لضيق وقتي ،وسأتبع ذلكم المقال - إن شاء الله - بما يبين ذلك إن كان في العمر أنفاس .وسأحاول تبيين أسباب انحطاط السلفية في ممثليها لا في ذاتها ،وأسباب علاجها - فيما أظن - ، والله المستعان

كان هذا إجمالاً وسيأتي تفصيل ذلك ببيان ،فانتظروا .والله المستعان