أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
47101 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر العقيدة والمنهج - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-04-2014, 02:18 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي شرح ثلاثة الأصول من الدرس الأول إلى العاشر (1ـ10)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ) [آل عمران : 102] ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ) [النساء : 1 ، 2] ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ) [الأحزاب : 70 - 72] ([1]).
أما بعد : فهذا شرح لمتن : " ثلاثة الأصول مع ذكر أدلتها " لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ وأصله هذا الشرح دروس قمت بإلقائها على بعض الأخوات , ثم رأيت أن أكتبه وأنشره رجاء أن ينتفع به المسلمون , والله أعلم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه : أبو مسعود عبد الله بن محمد بن إبراهيم الطالب بمرحلة الدكتوراه بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في : 5/7/ 1435من الهجرة .


بسم الله الرحمن الرحيم
شرح ثلاثة الأصول وأدلتها

الدرس الأول

هناك كتاب مختصر للعوام والصغار اسمه الأصول الثلاثة , وهناك كتاب أطول منه فيه : ثلاثة الأصول مع ذكر أدلتها [2] , وهذا الثاني قال عنه الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد : " لا يستغني عنه عامي ولا طالب علم[3] .
مكانة الرسالة :
كتاب ذائع الصِّيت معروف عند العامة والخاصة , كتاب مبارك , ألَّفها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب _ رحمه الله تعالى – حتى يبدأ بها الطالب [4] , وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله : قامت هذه الرسالة على أسئلة القبر الثلاثة : من ربك , ما دينك , من نبيك [5], وقال الشيخ إبراهيم الرحيلي _حفظه الله _: هذه الثلاث إذا فاتت الإنسان فلا غِنى له عنها [6] , وتُردّدُ في أذكار الصباح والمساء .
(( المتن )) : { بسم الله الرحمن الرحيم } .
سبب الابتداء بالبسملة :
(1) اقتداء بالكتاب العزيز فإنه مبدوء بالبسملة .
(2) تأسياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكاتباته ومراسلاته .
فائدة البداءة بها :
(1) التبرك بالبداءة باسم الله تعالى .
(2) الاستعانة بالله تعالى على ما يُهتم به .
شرح البسملة :
{ بسم } : جار ومجرور , متعلق بمحذوف فعل مؤخر مناسب للمقام تقديره بسم الله أكتب أو أصنف .. إلخ .
لماذا قدرناه فعل مؤخر ؟
قدرناه فعل مؤخر ؛ لأن الأصل في العمل الأفعال .
وقدرناه مؤخراً لفائدتين :
الأولى : التبرك باسم الله تعالى .
الثانية : إفادة الحصر ؛ لأن تقديم المتعلق ( ما حقه التأخير) يفيد الحصر .
وقدرناه مناسباً : لأنه أدل على المراد , فلو قلنا مثلاً عندما نريد أن نقرأ كتاباً : بسم الله نبتدئ , ما يُدْرَي بماذا نبتدئ , لكن بسم الله أقرأ يكون أدل على المراد الذي أبُتِدئ به
{ الله } : عَلَم على الباري جل وعلا وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء , حتى إنه في قوله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) } [إبراهيم : 1 ، 2] : لا نقول اللفظ الكريم (( الله )) صفة , بل عطف بيان لئلا يكون اللفظ الكريم تابع تبعية النعت للمنعوت .
{ الرحمن } : اسم من الأسماء المختصة بالله جل وعلا, لا يُطْلَقُ على غيره , ومعناه : المتصف بالرحمة الواسعة .
{ الرحيم } : اسم يُطلق على الله تعالى وعلى غيره , ومعناه : ذو الرحمة الواصلة لمن يشاء من عباده . قال تعالى : { يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) } [العنكبوت : 21] .

الأسئلة :
1 / هناك كتابان باسم ثلاثة الأصول فما هما ؟
2 / للكتاب مكانة عظيمة أذكري شيئا منها ؟
3 / يبدأ بالبسملة لأسباب اذكري أحدها ؟
4 / ما فائدة البدء بالبسملة اذكري فائدة ؟
5 / ( بسم ) جار ومجرور مُتعلّق بفعل مؤخر مناسب للمقام : فلماذا عُلق بفعل ؟ ولماذا قُدِّر مؤخراً ؟ ولماذا قُدّر مناسباً للمقام ؟
لماذا أعرب اللفظ الكريم في قوله تعالى : { لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ } عطف بيان ؟
7 / ما معنى الرحمن الرحيم ؟


يتبع إن شاء الله .


بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
قول المصنف رحمه الله تعالى : (( اعلم )) :
فعل أمر من العلم .
1 / تعريف العلم : إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازماً .
2/ مراتب الإدراك للأشياء : سِتّة :
1 / العلم : وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازماً .
2 / الجهل البسيط : وهو عدم الإدراك للشيء بالكليّة : كحال الطفل المولود فجهله بسيط لا يدرك شيئا من أمور العلم .
3 / الجهل المركب : وهو إدراك الشيء على وجه مخالف على ما هو عليه : كم يدرك بأن صلاة الضحى واجب , مع أنها مستحبَّة .
4 / الوهم : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح : كمن يدرك بأن الوتر واجب , والراجح أنه مستحب .
5 / الشك : وهو إدراك الشيء مع احتمال مساوٍ : كمن يدرك بأنه غسل يده في الوضوء ثلاثا أو اثنتين وتساوى عنده الإدراكان , فهنا يبني على الأقل .
6 / الظن : وهو إدراك الشيء مع احتمال مرجوح : كمن يدرك بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله وهو الراجح , والمرجوح تقديم الجهاد على بر الوالدين .
3/ قسما العلم الشرعي :
1/ ضروري . 2 / نظري .
الضروري : يكون إدراك المعلوم فيه ضروريّاً . بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال , كالعلم بأن النار حارة , وأن الواحد نصف الاثنين .
النظري : ما يحتاج إلى نظر واستدلال . كالعلم بوجوب النية في الوضوء .
4/ متى يؤتى بالفعل اعلم :
عند ذكر الأشياء المهمّة , فمراده : كُن متهيئاً متفهماً لما يُلقى إليك من العلوم . والأمور المهمّة في الرسالة هنا هي : أصول الدين .
5/ قول المصنف رحمه الله تعالى : (( رحمك الله )) : فيه :
1/ دعاء للطالب بالرحمة أي أفاض الله عليك من رحمته التي تحصل بها على مطلوبك وتنجو من محذورك .
أي : غفر الله تعالى لك ما مضى من ذنوبك ووفقك وعصمك فيما يُستقبل منها .
أما إذا قُرنت الرحمة بالمغفرة : فالمغفرة لما مضى من الذنوب , والرحمة : سؤال السلامة من ضرر الذنوب وشرها في المستقبل .
2 / تكرار الدُّعاء من المصنف رحمه الله تعالى : كثيراً ما يجمع رحمه الله تعالى عند إرشاد الطالب بتقرير الأصول المهمّة بينها وبين الدعاء له , وهذا من حسن عنايته ونصحه وقصده الخير للمسلمين .
6/ قول المصنف رحمه الله تعالى : (( أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل )) :
هذه المسائل التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى تشمل الدين كله فهي جديرة بالعناية لعظيم نفعها .
7/ قوله : (( يجب )) : أي يلزم كل مُكلّف ذكر وأنثى حراً أو عبداً تعلمها .
والواجب : ما لا يُعذر أحد بتركه : ما يُثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه .
8/ مسائل : جمع مسألة , من السؤال : وهو ما يُبَرهَن عنه في العلم .

الأسئلة :

1 / اذكري ثلاثة من مراتب الإدراك .
2 / العلم قسمان ضروري ونظري , فما هو العلم النظري ؟
3 / ما معنى الرحمة إذا أفردت وإذا قُرِنت بالمغفرة ؟
4 / ما معنى الواجب ؟
5 / مسائل جمع مسألة من السؤال فما هو السؤال ؟


بسم الله الرحمن الرحيم
8/4/1435هـ الدرس الثالث

المتن : ( الأولى : العلم ) : أي المسألة الأولى من الأربع مسائل التي ذكر الشيخ وجوب تعلمها على المسلم والمسلمة : وبدأ بالعلم ؛ لأنّ المسلم والمسلمة لا يمكن أن يدعو الناس إلى دين الله تعالى إلا بعد العلم , فالعلم هو الذي يُصحِّح العمل .
ومما يتعلق بهذه الجزئية من المتن :
1_ العلم إذا أُطلق يُحمل على العلم الشرعي الذي تفيد معرفته ما يجب على المكلف من أمر دينه .
2_ العلم الشرعي قسمان : الأول : فرض عين على الذكر والأنثى والحر والعبد , وفي الحديث : (( طلب العلم فريضة على كل مسلم ))([7]) , وهو كما قال الإمام أحمد _ رحمه الله _ : ( أن يتعلم ما يقوم به دينه ولا يسعه جهله : صلاته صيامه ونحو ذلك ) , وكتعلم أصول الإيمان وشرائع الإسلام وما يجب اجتنابه من المحرمات , وما يحتاج إليه في المعاملات مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الثاني : فرض كفاية : هو القدر الزائد على ما يحتاجه المعيّن , فهذا إذا قام به من يكفي من الناس سقط الإثم عن الباقين .
3_ فضل طلب العلم الكفائي : أفضل من قيام الليل وصيام النهار والصدقة بالذهب والفضة , قال الإمام أحمد _ رحمه الله _ : ( تعلم العلم وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره مما يُتَطَوَّعُ به ) .
4_ سبب تفضيل طلب العلم الكفائي على نوافل العبادات : لأنه الأصل والأساس , وأعظم العبادات وآكد فروض الكفايات , وبه تكون حياة الإسلام والمسلمين , وأما نوافل العبادات إنما هي شيء يخص به صاحبه لا يتعدّى إلى غيره , وطلب العلم الشرعي هو الميراث النبوي , ونور القلوب , وأهله هم أهل الله تعالى وحزبه وأولى الناس به وأقربهم إليه وأخشاهم له وأرفعهم درجات .
المتن : ( وهو معرفة الله تعالى ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ) : هذا بيان لمعنى العلم المطلوب , فهذه هي أصول العلم , وهي الأصول الثلاثة التي يُسأل عنها في القبر فيجب على المسلم أن يتعلمها في الدنيا ويعمل بمقتضاها حتى تسهل عليه الإجابة في القبر
المتن : ( معرفة الله ) : أي بما تعرف به إلينا في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم , من أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله الكاملة التي لا تخلو عن الحكمة , كما أخبر بذلك عن نفسه ,ولا يكون العبد على حقيقة من دينه إلا بعد العلم بالله تعالى بقلبه , ويستلزم ذلك قبول شرعه والإذعان والانقياد له , وتحكيم شريعته .

طريقة التعرف على الله تعالى : يكون ذلك بطريقتين :
1_ بالنظر في الآيات الشرعية : وهي الكتاب والسنة .
2_ النظر في الآيات الكونية : وهي المخلوقات : بذلك النظر يزداد علما بخالقه ومعبوده قال الله تعالى : ( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ) [الذاريات : 20 ، 21] .
المتن : ( ومعرفة نبيه ) : فالمعرفة الواجبة على كل مكلف : كونه واسطة بيننا وبين الله تعالى واسطة تبليغ , وهذه المعرفة تستلزم : قبوا ما جاء به من الهدى ودين الحق , وتصديقه في أخباره وامتثال أوامره واجتناب نهيه وتحكيم شرعه , والرضا بحكمه , قال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) ) [النساء : 65] , وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) ) [النور : 63 ، 64] , قال الإمام أحمد _ رحمه الله _ : ( أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك , لعله إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ) .
المتن : ( ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ) : الإسلام له معنيان : الأول : الإسلام العام : هو التعبد لله تعالى بما شرع منذ أن أرسل الرسل إلى قيام الساعة , قال الله تعالى عن إبراهيم عليه والصلاة والسلام : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) [البقرة : 128] . الثاني : الإسلام الخاص : هو ما بُعث به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم , فهو ناسخ لجميع الأديان السابقة , وهذا الدين الإسلامي هو المقبول النافع عند الله عز وجل : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [آل عمران : 19] .
المتن : ( بالأدلة ) : جمع دليل , وهو ما يرشد إلى المطلوب , والأدلة على معرفة ما سبق نوعان : الأول : أدلة سمعية : وهي أدلة الكتاب والسنة . الثاني : أدلة عقلية : وهي ما يثبت بالنظر والتأمُّل .
أما معرفة الله تعالى بالأدلة السمعية : فواضح ؛ فقد تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته وأفعاله , وأما معرفته بالأدلة العقلية : فها كثير في القرآن الكريم , فكم من آية قال الله عز وجل فيها : ومن آياته كذا وكذا , وهكذا يكون سياق الأدلة العقلية الدالة على الله تعالى .
وأما معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأدلة السمعية : فمثل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) [الفتح : 29] , ومعرفته بالأدلة العقلية : بالنظر والتأمل فيما أتى به من الآيات والبينات التي أعظمها كتاب الله تعالى المشتمل على الأخبار الصادقة النافعة , والأحكام التي فيها المصالح العادلة , وما جرى على يديه من خوارق العادات , وما أخبر به من أمور الغيب التي لا تصدر إلا عن وحي , والتي صدَّقَها ما وقع منها .
قوله ( بالأدلة) : فيه إشارة إلى أنه لا يصلح التقليد في التدين بدين الإسلام , بل إذا لقي الله تعالى فإذا معه حجج الله تعالى وبراهينه , وحتى يخرج من قول القائلين المشركين : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) ) [الزخرف : 23 ، 24] , فالإسلام يؤخذ بالأدلة لا يؤخذ من الأجداد والآباء , بل يتعلم المسلم والمسلمة أحكام الإسلام بالأدلة من الكتاب والسنة ؛ ولو أن الذين عبدوا القبور والأولياء نظروا في الأدلة وفهموها لما وقعوا في الشرك , لكن الذي أوقعهم في هذا البلاء هو تقليد الآباء ومشايخ الضلالة , فالدليل يكون المسلم به على بصيرة من دينه , وهذا المقدار من العلم يجب تعلمه كما سبق : وحتى لا يعمل بشيء لا يعلمه فهذا طريق النصارى : العمل بلا علم .
كيف يكون حال من لا يعلم ويعرف الدليل والاستدلال به ؟ هذا فرضه سؤال أهل الذكر عن أمر دينه , ثم يلتزم بما قالوه له ؛ لأن الله عز وجل قسم الناس إلى قسمين : الأول : أهل الذكر واجبهم تعليم الناس . الثاني : عوام الناس : واجبهم سؤال أهل الذكر عن أمر دينهم قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (43) [النحل : 43 ، 44] , فالتقليد بهذا لاعتبار جائز في العقيدة والأحكام .

الأسئلة :
1/ ما المراد بالعلم إذا أطلق في الكتاب والسنة ؟
2/العلم الشرعي قسمان : اذكريهما وعرفي كل واحد منهما ؟
3/ اذكري شيئا من فضل العلم الكفائي ؟
4/ لماذا كان العلم الكفائي أفضل من نوافل العبادات ؟
5/ كيف نتعرف على الله عز وجل ؟
6/ما هي طريقة التعرف على الله تعالى ؟
7/ ما معنى المعرفة الواجبة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
8/ الإسلام له معنيان ما هما ؟
9/ الأدلة على معرفة الله سبحانه وتعالى ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام نوعان فما هما
10/ كيف تكون معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأدلة العقلية ؟
11/ هل يصح التقليد فيما سبق من معرفة الله تعالى ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام ؟ ومتى يجوز ؟









بسم الله الرحمن الرحيم
8/4/1435هـ الدرس الرابع
المتن : ( الثانية : العمل به ) : أي العمل بما تقتضيه هذه المعرفة , من الإيمان بالله عز وجل والقيام بطاعته , بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من العبادات الخاصة : كالصلاة والصوم والحج , والعبادات المتعدية : كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فالعلم مقصود لغيره فهو بمنزلة الشجرة والعمل بمنزلة الثمرة , فالذي عنده علم لا يعمل به شر من الجاهل , وهو أحد الثلاثة الذين أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة .
ومما يبين أهمية العمل بعد العلم فبسبب العلم يكون العمل عملا صحيحا مستقيما على بصيرة , وإلا وقع في الضلال .
المتن : ( الثالثة : الدعوة إليه ) :
هذه الدعوة لها مراتب : 1/ الدعوة بالحكمة .2/الدعوة بالموعظة الحسنة . 3/ الدعوة بالجدال بالتي هي أحسن .
قال الله تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل (125)
فوائد عن الدعوة إلى الله تعالى :
1/ من شروطها أن تكون على علم وبصيرة قال الله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )(108) [يوسف : 108] فيكون عالما بالحكم الشرعي , وكيفية الدعوة وحال المدعو .
2/ مجالات الدعوة : تكون بالخطابة والمقالات والمحاضرات وحلقات العلم والتأليف وفي المجالس الخاصة بعرض مسألة علمية ثم المناقشة فيها .
3/ فضل الدعوة إلى الله عز وجل : هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وطريقة من اتبعهم بإحسان , وفيها إنقاذ المسلم والمسلمة لإخوانهم وفي الحديث : (( والله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النَّعَم )) ([8]), و (( من دل على خير فله مثل أجر فاعله )) ([9]) .
4/ بماذا يبدأ في الدعوة ؟ بعد أن يُكَمِّلَ المسلم والمسلمة نفسهما بالعلم والعمل يُكَمِّلْ غيره بذلك , فالمسلم كالنحلة يأخذ طيبا ويُعْطِي طيبا, أما لو بدأ بالدعوة قبل العلم فكيف يُكَمِّلُ غيره وهو ناقص ؟ ويبدأ بالأهم فالأهم يدعو إلى الحق وسبيل الرشاد , ونفي الشرك والفساد , فما من نبي وإلا دعا قومه إلى طاعة الله عز وجل وإفراده بالعبادة وينهاهم عن الشرك ووسائله وذرائعه .

الدرس الخامس

المتن : ( الرابعة : الصبر على الأذى فيه ) :
الشرح : أن من قام بدين الإسلام ودعا الناس إليه فقد تحمّل أمراً عظيماً وقام مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام وقصد أن يحول بين الناس وبين شهواتهم واعتقاداتهم الباطلة فحينئذٍ لابُد أن يؤذوه فعليه أن يصبر ويحتسب .
والصبر ثلاثة أقسام :
1 – صبر على طاعة الله تعالى .
2_ صبر عن محارم الله تعالى
3_ صبر على أقدار الله التي يجريها , إمَّا مما لا كسب للعباد فيه , وإماَّ مما يجريه الله تعالى على أيدي بعض العباد من الإيذاء والاعتداء .
ويتعلق بهذه المسألة الرابعة أمور :
1/ أن يعلم المسلم والمسلمة : أهن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول والفعل فصبروا قال الله تعالى : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) ) [الذاريات : 52] .
2/كلما قويت الأذية قرب النصر : وليس النصر مختصا بأن يكون في حياة الداعية فقد يُنصر بعد موته بأن يجعل الله تعالى في قلوب بالخلق قبولا لما دعا إليه وتمسُّكا به .
3/ إذا ترك الداعية إلى الله الصبر وقع في الخطأ والانحراف فيقع في الغلو والتصرف الطائش , فإذا دعا الإنسان وصبر فقد كنّمل غيره .
الأسئلة :
1_ اذكري أهمية العمل بالعلم ؟
2_ اذكري مراتب الدعوة إلى الله تعالى مع ذكر الدليل ؟
3_ قال الله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ) [يوسف : 108 ، 109] : اشتملت الآية على بيان شرط الدعوة إلى الله فما هو ؟
4_ مما يدخل في شروط الدعوة إلى الله تعالى :
(أ‌) العلم بالحكم الشرعي ( )
(ب‌) أن يكون في بلد إسلامي ( )
(ت‌) العلم بكيفية الدعوة ( )
(ث‌) العلم بحال المدعو ( )
(ج‌) أن يكون الداعية خطيبا بليغا ( ) .
5_ الدعوة لها مجالات كثيرة ضاذكري اثنين منها ؟
6_ اذكري دليلا واحدا لبيان فضل الدعوة ؟
7_ بماذا يبدأ الداعية إلى الله في دعوته الناس .
8_ اذكري أقسام الصبر؟
9_ ماذا يحصل للداعية إلى الله تعالى إذا لم يتحل بالصبر ؟




الدرس السادس
17/11/1433
المتن : ( والدليل على قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} )
الشرح : قوله : ( والدليل ) : أي على هذه المراتب الأربع . ( وَالْعَصْرِ ) : أقسم الله تعالى بالعصر , وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال الصالحة للمؤمنين , وزمن الشقاء للمعرضين , ولما فيه من العجائب والعبر للناظرين , والله عز وجل يُقسم بما شاء من مخلوقاته , أمَّا المسلم فلا يقسم إلا بالله تعالى , قال رسولنا عليه الصلاة والسلام : ((من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت )) ([10]).
(الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) : أي جنس الإنسان من حيث هو إنسان في خسار في مسعاه , ولا بُد , إلا من استثناه الله تعالى في هذه السورة , وهو من قام بهذه الخصال : أ_ الإيمان بالله تعالى وهو كل اعتقاد صحيح وعلم نافع .
ب_ العمل الصالح في نفسه وهو ما توفر فيه شروط القبول وهي الإيمان والإخلاص , والمتابعة .
ج_ أمر غيره بالعمل الصالح وهو فعل الخير.
د_ الصبر على ما ناله في ذلك , وتواصوا على أنواع الصبر الثلاثة .
قال ابن القيم رحمه الله : جهاد النفس أربع مراتب :
1_ جهادها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به .
2_ يجاهدها على العمل به بعد تعلمه .
3_ يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه .
4_ يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله تعالى , فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين , فقد أجمع السلف على أن العالم الرباني هو : من عرف الحق وعمل به وعلَّمه .
( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ) : استثنى الله عز وجل الذين آمنوا فإنهم ليسوا في خسر , ففي هذا أعظم ما يوجب الجد والاجتهاد في معرفة الإيمان والتزامه , وفيه فضيلة العلم إذ لا يمكن العمل بدون علم , فالعامل بدون علم ليس له من عمله على طائل , وفي هذه الآية الترغيب في العمل فإنه ثمرة العلم .
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) : أوصى بعضهم بعضا بالإيمان بالله تعالى , وتوحيده , وبالكتاب والسنة والعمل بما فيهما , ومنه الدعوة إليه , بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وأوصى بعضهم بعضا على أداء الفرائض وإقامة أمر الله تعالى وحدوده , ويدخل فيه الحق الواجب والمستحب , وفيه الصبر على الأذى فيه , لأن من قام بالدعوة لا بد أن يحصل له من الأذى بحسب ما قام به .
خلاصة السورة : فيها بيان أن جنس الإنسان في خسار , إلا من استثناه الله تعالى وهو : من كمَّل قوته العلمية بالإيمان بالله تعالى وقوته العملية بالطاعات , فهذا كماله في نفسه , ثم كمل غيره بوصيته بذلك وأمره به , وبملاك ذلك كله وهو الصبر وهذا غاية الكمال البشري .
المتن : ( قال الشافعي -رحمه الله تعالى _:( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم" )
الشرح : هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي الهاشمي القرشي الإمام ولد بغزة سنة 150هـ ومات سنة 204هـ بمصر , وهو من تلاميذ الإمام مالك رحمه الله ومن حرصه الشافعي وانشغاله بالعلم أنه زار محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وبات عنده , وكانوا أهل علم وعبادة , فقدم محمد الماء للشافعي لقيام الليل وفلما أصبحا وجد الماء كما هو فسأله , فقال الشافعي رحمه الله : لم أكن نائما , ولكني تدبرت حديث : (( يا أبا عمير ما فعل النغير )) فاستخرجت منه سبعين فائدة .
ولما جاء الشافعي لمالك رحمهما الله قال له مالك : إني أرى عليك نور العلم فلا تطفئه بالمعصية .

وقال الشافعي رحمه الله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العــــلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
فعلى طالب العلم أن يحذر من المعاصي , فهي سبب لحرمان العلم الشرعي كما ذكر ذلك مالك رحمه الله , وقال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (282 [البقرة : 282] وقال تعالى :( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) [الشورى : 30 ، 31] ) ومن أعظم المصائب حرمان العلم الشرعي .




تابع الدرس السادس
17/11/1433
المتن : ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ) .
الشرح : هذا هو قول الشافعي رحمه الله في سورة العصر , فإنها دلت على العلم والعمل , فهي كافية في الحث على التمسك بدين الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح والدعوة إلى الله تعالى والصبر على ذلك ,وليس مراده أن هذه السورة كافية في جميع الشريعة .
فسورة العصر متضمنة لجميع مراتب الكمال البشري مع اختصارها , فالعاقل البصير إذا سمعها أو قرأها سعى إلى تخليص نفسه من الخسران .
المتن : ( وقال البخاري رحمه الله )
الشرح : هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري , ولد بُبُخَارَى في شوال سنة أربع وتسعين ومائة (194هـ) ونشأ يتيما في حجر والدته , ومما جاء في الثناء عليه أنه : جبل الحفظ , وصاحب الصحيح الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى , وتوفي رحمه الله في خَرْتَنْك بلدة عل فرسخين من سمرقند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين (256هـ).
المتن : (باب العلم قبل القول والعمل )
الشرح : ترجم البخاري رحمه الله تعالى بالبداءة بالعلم ولهذا دليل أثري ونظري .
الدليل الأثري : الآية التي استدل بها البخاري رحمه الله { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [محمد : 19] وذلك أن قول المرء وعمله لا يصلح إذا صدر عن علم وفي الحديث : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ))([11]) , والعلم هو المذكور في قوله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ثم أعقبه بالعمل في قوله : {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } فالعلم شرط في صحة العمل والقول ؛ فهو مقدم عليهما .
أما الدليل النظري العقلي : فالقول والعمل لا يكون صحيحا مقبولا حتى يكون على وفق الشريعة , وذلك لا يكون إلا بالعلم , وهذا في المسائل الجزئية المنتشرة . وهناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته : كالعلم بأن الله تعالى واحد فهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلم .
مناهج ضلت في باب العلم والعمل : من المناهج ما تقدم الدعوة على العلم وأخرى تقدم الحركة والحاكمية على العلم .
والطريق الصحيح : البداءة بالعلم النافع , وإذا قالوا لنا : إلى متى نتعلم ؟ قلنا : حتى تتأهلوا ؛ كما أن طبيب الأبدان لا يزاول الطب إلا بعد العلم , فالحذر من اقتحام مجال الدعوة بلا علم , وقد قال الله عز وجل :{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } [يوسف : 108] والبصيرة العلم , أما من يتعلم ولا يدعو فهذا قصور , فالمسلم يكمل نفسه ثم يكمل غيره , وطريق الدعوة هو طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , لا طريق الذين خاضوا في السياسات والحركات الحزبية التي فرقت المسلمين , فهذه السورة القصيرة فيها الحل لكل المشاكل لو كنا نعقل والله المستعان .




الدرس السابع
28/12/1433هـ 13/11/2012م
فضل سورة العصر : ومما جاء في فضل سورة العصر ما جاء عن أبي مدينة الدارمي رضي الله تعالى عنه وكانت له صُحْبَة للنبي عليه الصلاة والسلام قال : (( كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقبا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) ثم يسلم أحدهما على الآخر ))([12]) .
وقال الألباني رحمه الله : ( وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين : إحداهما : التسليم عند الافتراق , وقد جاء النص بذلك صريحا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة ))([13]) .
الثانية : نستفيدها من التزام الصحابة لها وهي قراءة سورة العصر ؛ لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يُحْدِثُوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله عز وجل إلاّ أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا , ولم لا وقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء فقال: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) } [التوبة : 100] وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والحسن البصري رحمه الله تعالى: (( من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا واقوهما هديا وأحسنها حالا قوما اختارهم الله لصحبه نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ))([14])
المتن : ( فبدأ بالعلم قبل القول والعمل )
الشرح : حيث قال : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ثم أعقبه بالعمل في قوله : {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } ولا يُبدأ إلا بالأهم فالأهم وقال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم : ((نبدأ بما بدأ الله به ))([15]) .
المتن : ( اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن )
الشرح : كل مسلم ومسلمة : مكلف من ذكر وأنثى حر وعبد تجب عليه وجوبا عينيا يُعاقب على تركه , فيجب معرفتهن واعتقاد معانيهن والعمل بمدلولهن , فإن العمل ثمرة العلم .
المتن : ( الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولاً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار والدليل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [سورة الزمل، الآيتين: 15-16] ).
الشرح : خلقنا : أوجدنا بعد أن لم نكن شيئا لعبادته , ودليل ذلك أعني أن الله خلقنا سمعي وعقلي : أما السمعي فكثير ومنه قوله عز وجل {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 11] الآية، وقوله {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الزمر، الآية: 62] .
أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [سورة الطور، الآية: 35] ونستفيد من الآية :
1/ فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئاً، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق،
2/ ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأن كل حادث لا بد له من مُحْدِث .
3/ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام والتناسق المتآلف يمنع منعاً باتاً أن يكون صدفة. إذا الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره، فتعين بهذا أن يكون الخالق هو الله وحده .
ولم يعلم أن أحداً من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [سورة الطور، الآية: 35-37] وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركاً فقال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي"([16]).
ورزقتا : رزقنا النعم لنستعين بها على ما خلقنا له , وأدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل : أما الدليل السمعي من الكتاب : فقال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) } [الذاريات : 58] ومن السنة قول رسولنا عليه الصلاة والسلام في الجنين : (( يبعث إليه الملك فيؤمر بكتب رزقه ))([17]) .
وأما الدليل العقلي: فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب والطعام والشراب خلقهما الله تعالى كما قال : {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَلَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [سورة الواقعة، الآيات: 63-70] ففي هذه الآيات بيان إن رزقنا طعاماً وشراباً من عند الله عز وجل.

الدرس الثامن
28/12/1433هـ 13/11/2012م
المتن : ( ولم يتركنا هملا ) :
الشرح :
أي مُعطّلينَ سُدى شبه البهائم لا نؤمر ولا نُنهى , وهذا هو الواقع الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية :
أما السمعية فمنها قوله تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) } [المؤمنون : 115 - 117] , وقوله تعالى : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) } [القيامة : 36 ، 37] .
وأما العقل : فلأن وجود هذه البشرية لتحيى ثم تتمتع كما تتمتع البهائم ثم تموت من غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكم الله عز وجل , بل هو عبث محض , ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين والمخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء , هذا مستحيل على حكمة الله تعالى .
بل خلقنا الله تعالى لنعبده وحده لا شريك له .
المتن : ( بل أرسل إلينا رسولا ) :
الشرح : هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرسله إلينا بالهدى ودين الحق يتلو علينا آيات ربنا ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة كما أرسل الرسل إلى من قبلنا قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) } [فاطر : 24] , لتقوم عليهم الحُجّة وليعبدوا الله تعالى بما يحبه ويرضاه قال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) } [النساء : 165] , ولا يمكن أن نعبد الله تعالى بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام . فمعرفة إرسال الله تعالى إلينا محمد عليه الصلاة والسلام أصل عظيم من أصول الدِّين يجب علينا معرفته واعتقاده والعمل بمقتضاه .
المتن : ( فمن أطاعه دخل الجنة ) :
الشرح : لأنّ طاعته طاعة لله سبحانه وتعالى , قال تعالى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) } [النساء : 80] , وقال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) } [النساء : 13] , ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ))([18]) .
المتن : (( ومن عصاه دخل النار )) :
الشرح : أعاذنا الله تعالى منها : قال تعالى : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) } [النساء : 14] .
المتن : (( والدليل قواه تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) } [المزمل : 15 ، 16] )) :
الشرح : { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ } : معشر الثقلين بأعمالكم يوم القيامة , وقال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } عدلاً خياراً { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة : 143] ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعى نوح فيقال هل بلغت ؟ فيقول نعم فيدعى قومه فيقال : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقول : من شهودك ؟ فيقول : محمد وأمته , قال : فيؤتى بكم تشهدون أنه قد بلغ فذلك قول الله { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } والوسط العدل([19]) .
{ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا } : هو موسى كليم الله عليه السلام كما أخبر الله تعالى به في غير موضع من كتابه .
{ فعصى فرعون الرسول } : أي عصى فرعون رسول الله موسى عليه السلام وأبى إلاّ التمادي في الكفر والطغيان .
{ فأخذناه أخذا وبيلاً } : شديداً مُهلكاً وذلك بإغراقه وجنوده في البحر , فلم يفلت منهم أحد , ثم بعد ذلك في عذاب البرزخ إلى يوم القيامة ثم عذاب النار قال تعالى :{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } [غافر : 46] , أي : يعرضون عليها في القبر يعذبون بها (( غُدُوَّاً )) أوّل النهار , (( وعشيا )) آخره ((وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )) فهذه عاقبة العاصين للرسل وجزاء المخالفين لأمرهم , أي فاحذروا أنتم أيها الأمّة أن تعصوا نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيحل بكم كما حلّ بهم من عقاب الله تعالى وأليم عذابه في الدنيا والقبر وفي الآخرة نعوذ بالله من ذلك .


يتبع إن شاء الله ..


بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
المتن : ( الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل. والدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن، الآية: 18] ) .
الشرح : أي المسألة الثانية مما يجب علينا علمه : فهو سبحانه المستحق لها وحده ومن سواه لا يستحق شيئا منها ؛ ولأن الشرك أظلم الظلم قال تعالى { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } والظلم وضع الشيء في غير موضعه , وسمى الله المشرك ظالما لأنه وضع العبادة في غير موضعها ، وصرفها لغير مستحقها وأخبر تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر , وإنما يرضى لهم الإسلام , كما قال تعالى { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } المائدة :3 , فالكفر والشرك لا يرضاه الله سبحانه وتعالى , بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة الكفر والشرك والقضاء عليهما، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال، الآية: 39] وإذا كان الله لا يرضى بالكفر والشرك فإن الواجب على المؤمن أن لا يرضى بهما، لأن المؤمن رضاه وغضبه تبع رضا الله وغضبه، فيغضب لما يغضب الله , ويرضى بما يرضاه الله عز وجل ، وكذلك إذا كان الله لا يرضى الكفر ولا الشرك فإنه لا يليق بمؤمن أن يرضى بهما , والشرك أمره خطير قال الله عز وجل : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء، الآية: 48] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة، الآية: 72] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار"([20]) , وفي الحديث " إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا »[21]) الحديث .
وقوله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} : أي وأن المواضع التي بنيت للصلاة والعبادة وذكر الله , أو أعضاء السجود لله فالسجود عبادة لا تجوز إلا لله تعالى , وعبَّر بالمساجد ؛ لأن السجود قِمَّةُ العبادة والخضوع والذل لله رب العالمين , وفي الحديث : (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ؛ فأكثروا الدعاء ))[22]) , فكلما تذلل العبد من ربه اقترب منه , كما قال تعالى : { كلا لا تطعه واسجد واقترب } العلق : 19.
(فلا تدعوا ) أي : تعبدوا ، نهي عام لجميع الخلق الإنس والجن (فيها) إذا كانت بيوت الله , أو بها إذا كانت أعضاء السجود مع الله أحدا , و (أحدا ) نكرة في سياق النهى شملت جميع ما يدعى من دون الله : سواء كان المدعو من دون الله صنما أو وليا , أو شجرة أو قبرا أو جنيا أو قبة أو ضريح أو مشهد أو غير ذلك , فإن دعاء غير الله هو الشرك الأكبر , والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة منه , قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ، { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } .
المتن : (الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، والدليل على قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة، الآية: 22].) .
الشرح : أي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث التي يجب على المكلف معرفتها . واعتقادها . والعمل بموجبها . أن من أطاع الرسول فيما أمر به . واجتنب ما نهى عنه ووحد الله في عبادته , يجب عليه أن يعلم : ، الولاء والبراء , وأصل عظيم جاءت فيه النصوص الكثيرة , ويُكمل به العبد توحيده بالبراءة من الشرك وأهله .
ومن النصوص الدالة على هذا الأصل العظيم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [سورة آل عمران، الآية: 118 : أي لا تتخذوا المنافقين والكفار بطانة تطلعونهم على سرائركم وما تضمرونه لأعدائكم ( من دونكم ) أي من غيركم من أهل الإيمان ( لا يألونكم خبالا) لا يقصرون جهدهم وطاقتهم في إيصال الضرر إليكم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة .
وقول المؤلف رحمه الله : ( لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ) بل يجب عليه أن يصارمهم ويقاطعهم ويعاديهم أشد المعاداة , والمحادون لله هم الكافرون بالله , وقد حرم الله موالاتهم على كل مسلم ومسلمة .
الموالاة : الموادة والصداقة , ومناصرتهم ومعاونتهم على ما هم عليه من الكفر والضلال، ومن معانيها المؤازرة والانتماء , والمظاهرة أن يوالي المشركين بمعنى ينتمي إليهم ويكون في حزبهم وينضم إليهم ويظاهر معهم على المؤمنين فهذا لا يفعله مؤمن يخاف الله تعالى , والموالاة ضد المعاداة , والمحادة هي : المجانبة والمخالفة والمغاضبة والمعاداة , وللمحادة معنيان : أحدهما : أن الكفار كانوا في حد والمؤمنون في حد , المؤمنون في حد الله ورسوله وهو الإيمان , والمشركون في حد إبليس وجنوده وهو الكفر , والقول الثاني : أنه ليس بين الكافرين والمسلمين إلا الحديد , يعني القتال بالحديد وهذا عند قدرة المؤمنين على الجهاد .
المتن : (ولو كان أقرب قريب) : أي ولو كان من حاد الله ورسوله ابنك أو أباك أو أخاك أو عشيرتك . فإن الله قطع التواصل والتوادد والتعاقل والتوارث . وغير ذلك من الأحكام والعلائق وقرب الإنسان بين المسلمين والكفار . فإن القرب إنما هو في الحقيقة قرب الدين لا قرب النسب . فالمسلم ولو كان بعيد الدار فهو أخوك في الله . والكافر ولو كان أخاك في النسب فهو عدوك في الدين . وحرام عل كل مسلم موالاتهم . بل يجب اتخاذهم أعداء وبغضاء .
فالنبي عليه الصلاة والسلام قاتل أعمامه وعشيرته واستحل دماءهم وأموالهم من أجل التوحيد ؛ لأنه لا موالاة بين أهل التوحيد وأهل الشرك ولا ارتباط بينهم قال الله عز وجل { لكم دينكم ولي دين} الكافرون : 6.
هذا هو التوحيد وأما ما يحصل من علماء السوء يعادون دعوة التوحيد ويقفون مع أهل الشرك والخرافيين والصوفيين والقبوريين فهؤلاء ما عرفوا عقيدة والولاء والبراء .









بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العاشر
المتن : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) :
الشرح : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه لا يجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر الإيمان الواجب , بمعنى انَّ هذا مستحيل أن يقع من مؤمن , يعني نفى الوجود , وهذا أبلغ وأبين من مجرد نفي التوحيد أو الإيمان عمن يفعلون ذلك , فهذا مستحيل أن يقع : مؤمن موحِّد من أهل التوحيد يقف مع أهل الشرك وينصرهم ويؤازرهم ويُواليهم ضد أهل الإسلام , هذا لا يوجد لأن من وقع في هذا فقد وقع في الشرك نسأل الله السلامة والعافية . وكذلك صدور ذلك من المؤمن : دليل على ضعف الإيمان بالله تعالى وبرسوله : لأنَّه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئا هو عدَّو لمحبوبه فتجده : يفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يطلب وُدّهم بكل طريق , وهذا لا شك ينافي أصل الإيمان أو كماله الواجب , فالواجب معاداة الكفار وبغضهم والبعد عنهم ولكن هذا لا يمنع نصيحتهم ودعوتهم إلى الحق .

ذكر التفصيل في مسألة موالاة المشركين ومناصرتهم على المسلمين :

الحال الأولى : من ناصر المسلمين خوفاً منهم وطمعاً في دنياهم . وهو مع المسلمين عموماً , ولكن ناصرهم في قضية وفي جزئية فهذا لا يُحكم عليه بالكفر , لأنّ هذا حصل من بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم , حصل من الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه , حيث راسل المشركين بأن النبي صلى الله عليه وسلم متوجه إليهم , وأنزل الله سبحانه وتعالى ثوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوِّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } , { سورة الممتحنة : آية 1 } والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما حكم عليه بالكفر , إذ ليس كل من وقع منه نوع من المولاة للمشركين يكون مشركاً ,والحكم في ذلك لأهل العلم العلماء هم الذين يُقررون هذا أما أن يأتي بعض الناس ويحكم على الناس بالكفر والشرك لمجرد معاملة أو نوع من المولاة , فهذا لا يجوز .
ويمكن أن نسمي هذا النوع المولاة لأجل الدنيا , فحاطب رضي الله تعالى عنه فعل ذلك لحفظ ماله في مكة لا أجل نصرة دين المشركين .
الحالة الثانية : مناصرة المشركين لأجل دينهم وهذا كُفر بالله تعالى .

يتبع إن شاء الله ..




([1]) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يفتتح بها غالب خُطَبِه, وقد أخرج مسلم بعضها وهو : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله , أما بعد : ) "صحيح مسلم" (2/497) ح868 , ك : الجمعة , باب : تخفيف الصلاة والخطبة , وانظر تخريجها في جزء "خطبة الحاجة" للألباني , المكتب الإسلامي , بيروت , ط /1400هـ .

[2] / أفاده الشيخ صالح آل الشيخ في شريط : منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العقيدة .

2 / كما في دروسه في المسجد النبوي .

[4] / أفاده أبو مالك عبد الحميد الجهني في شرحه على الأصول الثلاثة ص43

[5] / أفاده في دروسه في المسجد النبوي حفظه الله .

[6] / أفاده في دروسه في المسجد النبوي حفظه الله .

([7]) قال الألباني رحمه الله : صحيح أخرجه ابن ماجة . انظر : "تخريج مشكلة الفقر" (1 / 48) .


([8]) رواه البخاري ومسلم

([9]) رواه مسلم


([10]) رواه البخاري (11/350) فتح الباري , ومسلم ح1646.

([11]) رواه مسلم .

([12]) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5/215) ح5124 , صححه الألباني في"السلسلة الصحيحة" (6/147)ح2648

([13]) رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وقال الألباني ( حسن صحيح ) انظر :"صحيح الترغيب والترهيب" (3 / 20)



([14]) أخرجه ابن عبد البر"جامع بيان العلم وفضله" (2 / 97) .

([15]) رواه أحمد وغيره وقال الألباني صحيح ما في "صحيح الجامع" ح6745

([16]) رواه البخاري، كتاب التفسير، سورة الطور.

([17]) رواه البخاري ومسلم .

([18]) صحيح البخاري ـ حسب ترقيم فتح الباري - (9 / 114) .

([19])سنن الترمذي - شاكر + ألباني - (5 / 207) وقال الترمذي حسن صحيح قال الشيخ الألباني : صحيح .



([20] ) رواه مسلم (1 / 66) ح280

([21] ) رواه مسلم (5 / 130) ح4578

([22] ) رواه مسلم ح111.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-10-2014, 01:54 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الحادي عشر من شرح ثلاثة الأصول

الدرس الحادي عشر

المتن : ( { وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }[سورة المجادلة، الآية: 22] ) .

الشرح : أي : لا يُوَادُّوْنَ من حَادَّ الله تعالى ,ورسوله ولو كانوا الأقربين , وهم الكافرون , فلا يتجمع الإيمان ومحبة أعداء الله . بل لا تجد المؤمنين إلا محادين من حاد الله ورسوله معادين من عادى الله ورسوله . فإن الموادة المحابة مفاعلة من المحبة , يعني المودة المشتركة , هو يواد الكفار المشركين , وهم يوادونه , ويوَادُّون أبلغ من يودون فعلماء البلاغة يقولون : الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى , يعي الموالاة : تكون فيها المودة والمحبة مشتركة , ولا ريب أن الإيمان الواجب يوجب محادة من حاد الله ورسوله كما أنه يستلزم محبة من يحب الله ورسوله وموالاتهم . فمن والى الكافرين فقد ترك واجبا من واجبات الإيمان . واستحق أن ينفى عنه الإيمان كما في النصوص . وكذا من ترك موالاة المؤمنين فقد ترك واجبا من واجبات الإيمان . واستحق أن ينفى عنه الإيمان ولا يلزم من نفيه عنهم أن ينتفي بالكلية .
وقوله تعالى : { وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }[المجادلة : 22] أي: لا يوادون من حاد الله ورسوله من أهل الشرك ولو كانوا الأقربين كما قال تعالى { لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ } أصدقاء وأصحابا { مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ } الآية وقال { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } إلى قوله { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وختمها بقوله { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } فسماهم فاسقين بذلك.


المتن : {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ } .

الشرح : أي أولئك الذين لم يوادوهم أثبت الله في قلوبهم الإيمان وأرساه . فهي موقنة مخلصة . وكتب لهم السعادة وزين الإيمان في بصائرهم , فكل ذلك بتأييد من الله تعالى .
المتن : {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} :
الشرح : أي قواهم بنصر منه ونور قلوبهم بالإيمان وبالقرآن وحججه . وسمى نصره إياهم روحا لأن به حي أمرهم .

المتن : {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}

الشرح : هذا في الآخرة , والأول في الدنيا : {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ } أي رسخ الإيمان في قلوبهم , وأيدهم الله تعالى بروح منه , أصي في الدنيا , ولذلك من عادى المشركين وولى المؤمنين ينصره الله عز وجل , ومن والى المشركين وعادى المؤمنين يخذله الله عز وجل , والدليل هذه الآية الكريمة , أن الله تعالى وعد الذين يعادون المشركين ولو كانوا أقرب قريب ويوالون المؤمنين أ يؤيدهم الله عز وجل بروح منه , يأتيهم التأييد من الله تبارك وتعالى , وأما في الآخرة : جزاؤهم الجنة : الجنة اسم لدار جمعت أنواع النعيم التي أعلاها النظر إلى وجه الله الكريم . ويدخلهم أي يسكنهم جنات في دار كرامته التي أعدت للمتقين . وسميت باسم البساتين لأنها أشجار مثمرة وأنهار جارية وقصور عالية تجرى من تحت أشجارها ومساكنها المياه و الأنهار , { خَالِدِينَ } دائمين { فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا } .

المتن : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}

الشرح : وهذا أعلى مراتب النعيم وفيه سر بديع وهو أنهم لما أسخطوا القرائب والعشائر في الله . عوضهم الله بالرضى عنهم . وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم . والفوز العظيم والفضل العميم .

المتن :{ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ }

الشرح : لما ذكر هذه النعم أتبعه بما يوجب ترك الموالاة لأعداء الله فقال (أولئك) أي الموالون أولياء الله المصارمون أعداء الله هم (حزب الله) وأنصاره في أرضه وعباده المقربون وأهل كرامته .

المتن : {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

الشرح : الفائزون في الدنيا والآخرة الناجون يوم القيامة , وظهر بهذا أنه يجب على كل مسلم مقاطعة المشركين والبعد عنهم وبغضهم , فتأمل هذه المنح الأربع لأهل ولاية الله تعالى من الموحدين الصادقين _ جعلنا الله منهم _ : الأولى : التثبيت في القلوب : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ } . الثانية : التثبيت في الأقدام : {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} , الثالثة : دخول الجنة , الرابعة : رِضَى الله عنهم ورضاهم عنه , وبهذه الأربع استحقوا أن يكونوا حقا وصدقا : حزب الله تعالى .

تنبيه : بعض الرافضة ( الشيعة) في لبنان يسمون أنفسهم (حزب الله) فلا والله إنما هم حزب الشيطان , فالرافضة الشيعة أبدا لا يكونون حزب الله ؛ فمنذ أن وجدوا وهم حزب إبليس { أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) [المجادلة : 19]} ولكن يسمونها بغير اسمها , هذه هي حرب المصطلحات والله المستعان .

إذن هذه الثلاث مسائل من أجل وأعظم المسائل , ولو أن الداعية إلى الله تعالى سلك هذه المسائل الثلاث في الدعوة وعمل بها لأفلح وأنجح , ولشيخ رحمه الله ضمها إلى بعض لأنها هي الطريق الناجح في الدعوة إلى الله تعالى لا سيما دعوة المشركين القبوريين والخرافيين , فتبدأ معهم بهذه المسائل علمهم إياها شيئا فشيئا , مسألة مسألة , وبذلك تستطيع بإذن الله تعالى وتوفيقه أن تخرجهم من الظلمات إلى النور هداية دلالة وإرشاد والله سبحانه وتعالى هو الموفق .


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-17-2014, 03:07 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدر س القاني عشر من شرح ثلاثة الأصول

الدرس الثاني عشر
خلاصة ما يتعلق بالمسائل الثلاثة السابقة :
أولا : أنها من القضايا الكبرى في الإسلام .
فالأولى : قضية الربوبية , والحكمة من خلق الخلق , والانقياد لأمر الله عز وجل . الثانية : قضية الشرك والحذر منه . الثالثة : قضية البراءة من المشركين .
فهذه المسائل الثلاث من قضايا الدين العظيمة , التي جاءت بها الرسل , واتفقت عليها .
ثانيا : الشيخ رحمه الله تعالى أراد أن ضيعالج البيئة الشركية , وكانت هذه البيئات كثيرة جدا في زمان الشيخ , في الشام ومصر والسودان والمغرب والجاز واليمن والعراق وخراسان وباكستان والهند مع الأسف , وكان الشرك قد انتشر وعمّ الأرض , فالشيخ رحمه الله سلك مسلكا حكيما علميا شرعيا محكا دقيقا في معالجة هذه البيئات الشركية .
فأفضل ما يبدأ به الداعية إلى الله إذا أراد أن يدعو في بيئة شركية أن يبدأ بهذا فيقول لهم : إن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا رسولا بين لنا ووضح لنا وأقام الحجة علينا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار , فيربطهم بالربوبية , كما هي طريقة القرآن , فالله تعالى يُلزم بالألوهية بناء على الربوبية , يذكر المشركين بأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت من باب إلزامهم العبودية والألوهية سبحانه وتعالى , فهذا أول ما يبدأ به الداعية , ويذكرهم بالقضايا التي لا يختلفون فيها حتى يصل بذلك إلى الألوهية لأنها هي المقصودة والغاية , وأما توحيد الربوبية فلا خلاف فيه ولم يقع فيه خصام .
فهذا الأصل يمهد لك فهي طرقة حكيمة في الدعوة , يبين لهم أن الأصل الرجوع إلى الرسول , ومن أطاعه دخل الجنة , ومن عصاه دخل النار , ولو أن الناس التزموا بها الأصل لكثر الخير وانحسر الشر , ولكنهم يتركون هذا الأصل ويقلدون الآباء والأجداد والمشايخ .






رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-24-2014, 02:14 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الثالث عشر من شرح ثلاثة الأصول

الدرس الثالث عشر
4/3/1434هـ 16/1/2013م
المتن : ( اعلم أرشدك الله لطاعته ) :
الشرح : اعلم هذه للتنبيه وللتأكيد , وكلمة ( اعلم ) تدل أن ما بعدها علم يقين وعلم مهم ينبغي عليك أن تعلمه , ولذلك قال لك : ( اعلم أرشدك الله لطاعته ) : ثم دعا لك وهذا من اللطف في التعليم , ومن الترغيب في التعليم أن تدعو للمتعلم , وهذا الدُّعاء الذي ذكره للمتعلم من أفضل الأدعية , ( فالرَّشَد ) : ضد الغَي , وهو الاستقامة على طريق الحق , و ( الطاعة ) : موافقة المراد فعلا للمأمور وتركاً للمحظور , فمضمون الدُّعاء : هداك ووفقك لما ينفعَك في دنياك وآخرتك .
المتن : ( أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين ) :
الشرح : هذه هي الحنيفيّة مأخوذة من الْحَنْف , وهو في اللغة : الميل , ويقولون لمن به ميل في قدمه : أحْنَف , فالأحنف هو الذي في رجله انحناء , فالحنيف المائل عن الشرك قصدا إلى التوحيد , والمستقيم المستمسك بالإسلام , المقبل على الله عز وجل , المعرض عن كل ما سواه , وهوكل ما كان على دين إبراهيم عليه السلام , فالحنيفِّية هي الملّة المائلة عن الشرك المبنيّة على الإخلاص لله عز وجلّ .
( مِلة إبراهيم ) : الحنيفية طريقة وشريعة الخليل إبراهيم وجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي يسيرون عليها في طريقهم الدِّيني , وإبراهيم هو خليل الرحمن قال الله عز وجل : { واتخذ الله إبراهيم خليلا } : النساء : 125 } , وهو أبو الأنبياء , وقد تكرّر ذكر منهجه في مواضع كثيرة للاقتداء به .
( أن تعبد الله وحده مخلصا له الدّين ) : هذه هي حقيقة ملة إبراهيم : عبادة الله بالإخلاص , والإخلاص هو حُبِّ الله تعالى وإرادة وجه , والإخلاص هو التنقية والمراد به : أن يقصد المرء بعبادته وجه الله عز وجل والوصول إلى دار كرامته , بحيث لا يعبد معه غيره , لا ملكاً مقرباً ولا نبي مرسلا قال تعالى : { ألا لله الدين الخالص } أي : الخالص من شوائب الشرك والرّياء .
وعبادة الله بالإخلاص وترك عبادة ما سواه هي المذكورة في قوله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } : سورة النحل :123 وقوله : { إن إبراهيم كان أمة قانتاً وما كان من المشركين } النحل : 120 } ( حنيفاً ) مائلاً عن الشرك إلى التوحيد , ولذلك قال : { ولم يك من المشركين } .
( أن تعبد الله ) : هذه خبر ( أنّ ) في قوله : ( أنّ الحنيفية ) , والعبادة لها مفهوم عام هي : التذلُّل لله تعالى محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه .
والمفهوم الخاص للعبادة : قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – في تفصيلها : العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة : كالخوف والخشية , والتوكل , والصلاة , والزكاة والصيام , وغير ذلك من شرائع الإسلام .

فائدة * : في قوله : ( أن الحنيفية مِلّة إبراهيم أن تعبد الله وحده ) تعبد الله وحده : لك أن تجعل كلمة ( ملة إبراهيم ) خبراً للمبتدأ ( الحنيفية ) أو تجعلها بدلاً . والخبر حينئذٍ كلمة ( أن تعبد الله وحده ) , فيكون تعريف الحنيفية : أن تعبد الله وحده .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-31-2014, 03:05 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الرابع عشر من شرح ثلاثة الأصول


الدرس الرابع عشر
11/3/1434هـ 23/1/2013م

المتن ( وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها )

الشرح : ( وبذلك ) أي بالحنيفية وهي عبادة الله تعالى بالإخلاص في جميع ما تعبدنا الله تعالى به , الذي هو ملة إبراهيم أمر الله بها جميع الناس ، وخلق لها جميع الثقلين الجن والإنس , كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء، الآية: 25] وأمرهم بها في مثل قوله ( اعبدوا ربكم) سورة الذاريات : 56 وبين الله عز وجل في كتابه أن الخلق إنما خلقوا لهذا فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية:56].
المتن : ( كما قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] ومعنى يعبدون يوحدون ) .
الشرح : أي ما أوجد سبحانه وتعالى الثقلين إلا لحكمة عظيمة . وهذه الحكمة العظيمة هي عبادة الله وحده لا شريك له وترك عادة ما سواه ، وأفادت أن الخلق لم يخلقوا عبثا ولم يتركوا سدى , وهذا هو التوحيد وملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي أمر الله عز وجل جميع الناس بإتباعها .
( ومعنى يعبدون يوحدون ) : قال البغوي _ رحمه الله _: (( ( اعبدوا الله ) فمعناه وحدوا الله ))([1]) , فالتوحيد من معاني العبادة وإلاّ فقد سبق معنى العبادة وعلى أي شيء تطلق وأنها أعمّ من مجرد التوحيد .
والعبادة في اللغة العربية : التَّذَلُّل والخضوع , من قولهم : طريق مُعَبَّد , أي : مُذَلَّل قد وطئته الأقدام , وسُمِّيَت وظائف الشرع على المكلفين عبادات ؛ لأنهم يفعلونها لله عز وجل خاضعين ذليلين .
أنواع العبادة : وأعلم أن العبادة نوعان : الأول : عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [سورة مريم، الآية: 93] فهي شاملة للمؤمن والكافر، و البر والفاجر.
والثاني : عبادة شرعية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى وأتبع ما جاءت به الرسل مثل قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [سورة الفرقان، الآية: 63].
فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان لأنه بغير فعله لكن قد يحصل منه من شكر عند الرخاء وصبر على البلاء بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه ؛ لأن العبد فعله بمشيئته وإرادته التي لا تخرج عن مشيئة الله تعالى .


([1]) تفسير البغوي عند سورة هود آية (61) .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-07-2014, 03:08 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الخامس عشر من شرح ثلاثة ألأصول

الدرس الخامس عشر
11/3/1434هـ 23/1/2013م

المتن : (وأعظم ما أمر الله به التوحيد )
الشرح : فهو في الأصل من وحده توحيدا جعله واحدا أي فردا , ووحده قال إنه واحد أحد ، وقال لا إله إلا الله , والواحد الأحد وصف اسم الباري لاختصاصه بالأحدية , فالتوحيد لغة مصدر وحد يوحد ، أي جعل الشيء واحداً وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات،نفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له فمثلاً نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده .
لماذا كان التوحيد أعظم ما أمر الله تعالى به : لأنه أعظم فريضة علما وعملا , ولأجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وبه تكفر الذنوب وتستوجب الجنة ويُنجي من النار , لأنه رأس الأمر وأساس الدين , وبه تقبل الأعمال , فإذا جاء العبد بالتوحيد فليبشر , وإذا تركه وجاء بغيره فلا ينفعه شيء , لا يقبل الله تعالى منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ولا فرضا ولا نفلا , قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [الزمر : 65] الخطاب للنبي عليه لصلاة والسلام , ولما كانت القضية عظيمة وخطيرة كان الخطاب شديدا مع أن الشرك لا يقع من رسول الله عليه الصلاة والسلام , الشرك هو الذنب الذي يحبط العمل , أما الذنوب كشرب الخمر والربا والزنا والظلم والكذب فلا تحبط جميع العمل , فهب كبائر لا يكفر بها المسلم , وأما بعض الفرق الضالة الخوارج والمعتزلة فكفروا أصحاب الكبائر وخلدوهم في النار يوم القيامة , والمعتزلة قالوا : أصحاب الكبائر في الدنيا في منزلة بين المنزلتين : أي بين الكفر والإيمان , وفي الآخرة خالدين في النار .
ومما يدل على أن التوحيد هو الأساس أنّ كل نبي يدعو أولا إلى التوحيد (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [الأعراف : 59]

المتن : ( وهو إفراد الله بالعبادة)
الشرح : في الاصطلاح عرفه المؤلف بقوله: "التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، لا تشرك به نبياً مرسلاً، ولا ملكاً مقرباً ولا رئيساً ولا ملكاً ولا أحداً من الخلق، بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيماً، ورغبة ورهبة، ومراد الشيخ رحمه الله التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه لأنه هو الذي حصل به الإخلال من أقوامهم.
وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو: "إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به".
أنواع التوحيد ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك
والتدبير" قال الله عز وجل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الزمر، الآية: 62] وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سورة فاطر، الآية: 3] وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة الملك، الآية: 1] وقال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 54].
الثاني: توحيد الألوهية وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة بأن، لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه".
الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو "إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل".
ومراد المؤلف هنا توحيد الألوهية وهو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دمهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى نساءهم وذريتهم،، وأكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [سورة النحل، الآية: 29]. فالعبادة لا تصح إلا الله عز وجل، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، فلو فرض أن رجلاً يقرأ إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولكنه يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه فإنه مشرك كافر خالد في النار قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة، الآية: 72] وإنما كان التوحيد أعظم ما أمر الله لأنه الأصل الذي ينبني عليه الدين كله، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، وأمر من أرسله للدعوة أن يبدأ به.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-14-2014, 12:04 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس السادس عشر من شرح ثلالاثة الأصول

بسم الله الرحمن الرحيم

25/3/1434هـ

المتن : (وأعظم ما نهى عنه الشرك. وهو: دعوة غيره معه والدليل إلى قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} (1) [سورة النساء الآية: 36] ) .
الشرح : الشرك النصيب واسم من : أشرك بالله . إذا كفر به ، وهو أعظم ذنب عصى الله به وأي ذنب أعظم من أن يجعل مع الله شريك في ألوهيته أو ربوبيته أو أسمائه أو صفاته , فإذا فرط الإنسان في حق الله تعالى فقد فرط في أعظم الحقوق , وهو توحيد الله عز وجل , وفي الشرك : هضم للربوبية ، وتنقص للألوهية وسوء ظن برب العالمين وهو أقبح المعاصي لأنه تسوية للمخلوق الناقص بالخالق الكامل من جميع الوجوه , وبالشرك تحبط جميع الأعمال . قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان، الآية:13] وقال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [سورة النساء، الآية: 48] وقال عز وجل: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [سورة النساء، الآية: 116] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة، الآية: 72] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء الآية: 48] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظم الذنب أن تجعل لله نداً وهو خلقك"([1]) , وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن جابر، رضي الله عنه: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار"([2]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يدعوا من دون الله نداً دخل النار"([3]) .
( وهو: دعوة غيره معه ) : أي طلب غير الله مع الله وسؤال غيره معه من ملك أو نبي أو ولي أو شجرة أو حجر أو قبر أو جني . والاستعانة به والتوجه إليه وغير ذلك من أنواع العبادة .
( والدليل إلى قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} (1) [سورة النساء الآية: 36 ] ) : استدل المصنف رحمه الله تعالى لأمر الله تعالى بالعبادة ونهيه عن الشرك بهذه الآية , فأمر سبحانه عباده بعبادته وحده لا شريك له ، فإنه الخالق الرزاق المنعم المتفضل على خلقه ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا , فمن لم يعبد اله تعالى فهو كافر مستكبر , ومن عبد الله تعالى وعبد معه غيره فهو كافر مشرك , ومن عبد الله وحده فهو مسلم مخلص .
وقوله ( شيئا ) :نكرة في سياق النهي . فعم الشرك قليله وكثيره ، وقرن سبحانه الأمر بالعبادة التي فرضها عل عباده ، بالنهي عن الشرك الذي حرمه . فدلت على أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة ، وتسمى هذه الآية آية الحقوق العشرة . لأنها اشتملت على حقوق عشرة . أحدها الأمر بالتوحيد ثم عطف عليه التسعة الباقية وابتداؤه تعالى بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك أدل دليل على أنه هو أهمها . فإنه لا يبدأ إلا بالأهم فالأهم . فدلت عل أن التوحيد أوجب الواجبات ، وأن ضده وهو الشرك أعظم المحرمات .
والشرك نوعان : شرك أكبر ، وشرك أصغر .
فالنوع الأول : الشرك الأكبر وهو كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمناً لخروج الإنسان عن دينه.
النوع الثاني : الشرك الأصغر وهو كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يخرج عن الملة , وعلى الإنسان الحذر من الشرك أكبره وأصغره
المتن : (فإذا قبل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ) .
الشرح : في هذا توضيح بأسلوب سهل واضح يفهمه الجميع ولا سيما العامة أي إذا سألك سائل , فال : ما الأصول الثلاثة التي يجب على كل مكلف وعرفتها والعمل بمقتضاها ؟ فهذه الأصول الثلاثة أعظم القضايا ؛ لأن الإنسان إذا وضع في قبره يأتيه ملكان عظيمان ينهرانه ويسألانه عن هذه الأصول الثلاثة ؛ لأن بعض الناس ربما يجهلها , ويقول عن أهل التوحيد : من أين أخذتم هذه الأصول الثلاثة ؟ ما هو دليلها ؟ من أين جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب بها ؟يقال له : اتق الله , الأصول الثلاثة هي التي يسأل عنها كل إنسان في القبر , وهي العلم الذي ذكره المصنف رحمه الله في أول رسالته فقال : العلم : معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة . فكم من الناس الذين يشار إليهم بالبنان ويحملون أعلى ألألقاب والأوسمة وأعلى الدرجات والشهادات والمناصب وهم لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا معنى لا إله إلا الله , ولا ومعنى التوحيد , ولا يفرقون بين معنى توحيد الربوبية والألوهية ولا درسوا هذه الأصول ولا تعلموها , فالشيخ رحمه الله سيوضح أصولا عظيمة تخفى ربما على كثير من الذين ينتسبون للعلم .
الأصول جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرغ منه الأغصان، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [سورة إبراهيم، الآية: 24]. وأورد المؤلف رحمه الله تعالى هذه المسألة بصيغة السؤال وذلك من أجل أن ينتبه الإنسان لها ؛ لأنها مسألة عظيمة وأصول كبيرة ؛ لذلك يجب على الإنسان معرفتها , فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، وأما المرتاب أو المنافق فيقول هاها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

([1])رواه البخاري كتاب التوحيد، باب: قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك". ومسلم، كتاب الإيمان، باب: كون الشرك أقبح الذنوب.

([2]) رواه ومسلم، كتاب الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة.

([3]) رواه البخاري، كتاب التفسير، سورة البقرة باب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً} الآية: 165.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-21-2014, 08:25 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس السابع عشر من شرح ثلاثة الأصول

بسم الله الرحمن الرحيم
17/4/1434هـ

الأصل الأول : معرفة العبد ربه
المتن : ( فقل : معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم )
الشرح : أي بما تعرف به إليه في كتاب ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - . من وحدانيته ، وأسمائه ، وصفاته ، وهذا أصل الأصول ، فيحب علينا معرفته لنعبده على بصيرة ويقين .
ومعرفة الله تكون بأسباب : الأول : النظر والتفكر في مخلوقاته عز وجل فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه وتمام قدرته، وحكمته، ورحمته قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الأعراف، الآية: 185]. وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سورة سبأ، الآية: 46] .
الثاني : النظر في آياته الشرعية وهي الوحي الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فينظر في هذه الآيات وما فيها من المصالح ألعظيمه التي لا تقوم حياة الخلق في الدنيا ولا في الآخرة إلا بها، فإذا نظر فيها وتأملها وما اشتملت عليه من العلم والحكمة ووجد انتظامها موافقتها لمصالح العباد عرف بذلك ربه عز وجل كما قال الله عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [سورة النساء، الآية: 82].
الثالث : ما يلقى الله عز وجل في قلب المؤمن من معرفة الله سبحانه وتعالى حتى كأنه يرى ربه رأي العين قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله جبريل مال الإحسان ؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"([1]).
( معرفة العبد ربه ودينه ) : الذي تعبدنا به ، وهو فعل ما أوجب علينا أن نفعله ، وترك ما أوجب علينا أن نتركه ، و ما تضمنه من الحكمة والرحمة ومصالح الخلق، ودرء المفاسد عنها، ودين الإسلام من تأمله حق التأمل تأملاً مبيناً على الكتاب والسنة عرف أنه دين الحق، وأنه الدين الذي لا تقوم مصالح الخلق إلا به، ولا ينبغي أن نقيس الإسلام بما عليه المسلمون اليوم، فإن المسلمين قد فرطوا في أشياء كثيرة وارتكبوا محاذير عظيمة حتى كأن العائش بينهم في بعض البلاد الإسلامية يعيش في جو غير إسلامي.
والدين الإسلامي -بحمد الله تعالى- متضمن لجميع المصالح التي تضمنتها الأديان السابقة متميز عليها بكونه صالحاً لكل زمان ومكان وأمة، ومعنى كونه صالحاً لكل زمان ومكان وأمة: أن التمسك به لا ينافي مصالح الأمة في أي زمان ومكان وأمة، فدين الإسلام يأمر بكل عمل صالح وينهي عن كل عمل سيء فهو يأمر بكل خلق فاضل، وينهى عن كل خلق سافل.
( ومعرفة ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ) فإنه الواسطة بيننا وبين الله عز وجل ، ولا طريق لنا إلى ما تعبدنا به إلا بما جاء به - صلى الله عليه وسلم - . وهو وإن كان بشرا فأهمية معرفته من أهمية معرفة مرسله وما أرسل به , ومعرفته تحصل بدراسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من العبادة، والأخلاق، والدعوة إلى الله عز وجل، والجهاد في سبيله وغير ذلك من جوانب حياته عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي لكل إنسان يريد أن يزداد معرفة بنبيه وإيماناً به أن يطالع من سيرته ما تيسر في حربه وسلمه، وشدته ورخائه وجميع أحواله نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم، باطناً وظاهراً، وأن يتوفانا على ذلك انه وليه والقادر عليه.
وذكر المصنف رحمه الله هذه الأصول الثلاثة مجملة . ثم ذكرها بعد ذلك مفصلة أصلا أصلا ، تتميما للفائدة ، وتنشيطا للقارئ ، فإنه إذا عرفها مجملة وعرف ألفاظها وضبطها بقى متشوقا إلى معرفة معانيها وهي المقصود بهذه النبذة وما تقدمها من المسائل فلعل بعض تلاميذه قرنها بها .


([1])أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-18-2014, 03:39 PM
أم أُنَيْسة الأثرية أم أُنَيْسة الأثرية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 288
افتراضي

جزاك الله خيرا يا ام مسعود
__________________
قال ابن الجزري رحمه الله في منجد المقرئين:<< ايش اقول .. الهمم القاصرة تصير سائر العلوم داثرة .. والتزاحم على مناصب الدنيا زهد المشتغلين عن طلب الدرجات العلى .. لا حول ولا قوة الا بالله >> ..
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 08-27-2014, 11:37 PM
أم مسعود أم مسعود غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 52
افتراضي الدرس الثامن عشر من شرح ثلاثة الأصول

الدرس الثامن عشر
24/4/1434هـ بسم الله الرحمن الرحيم

الأصل الأول : معرفة العبد ربه
المتن : ( فإذا قيل لك من ربك ) :
الشرح : هذا شروع في تفصيل الأصول الثلاثة التي تقدمت مجملة , ذكرها هنا مفصلة , فكأنه قال : الأصل الأول من أصول الدين الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها , إذا قال لك قائل : من ربك ؟ أي خالقك ورازقك ومعبودك الذي ليس لك معبود سواه وهو الذي أمدك وأعدك ؟
المتن : ( فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه )
الشرح : أي فقل : ربي هو الله تعالى خالقي ومالكي ومعبودي الذي أوجدني من العدم ورباني بالنعم الظاهرة والباطنة , والتربية عبارة عن الرعاية التي يكون بها تقويم الْمُرََبَّى , ويفهم المسلم من كلام المصنف رحمه الله أن الرب مأخوذ من التربية ؛ لأنه قال : ( الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه ) فكل العالمين رباهم الله تعالى بنعمه , وأعدهم لما خلقهم له , وأمدهم برزقه قال الله عز جل في محاورة موسى لفرعون : { فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } سورة طه : 49_50 , فكل أحد من العالمين رباه الله تعالى بنعمه , ونعم الله عز وجل كثيرة لا تحصى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} النحل : 18 , فأوجدهم من العدم وغذاهم بالنعم قال ربنا تبارك وتعالى : {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} الإنسان : 1, أي مر عليه زمن طويل من العصور والدهور لم يكن فيها شيئا , مذكورا أي موجودا بل معدوما , وإنما أوجده الله عز وجل من العدم ورزقه النعم ليعبده .
فالإنسان منذ أن يُخْلَق إلى أن يموت وهو يتقلب في نعمة الله تعالى كما قال تعالى :{ وما بكم من نعمة فمن الله } النحل : 53 , فالله تعالى إذا قطع النعمة عن العبد طرفة عين هلك , ومع هذا فالإنسان {كفور مبين} الزخرف :15, يتقلب في نعمة الله تبارك وتعالى ثم يجحد ربه وخالقه , ويبارزه بالعداوة ويحارب دينه وأولياءه , أرأيتم أظلم من الإنسان ؟{قتل الإنسان ما أكفره } عبس : 17 و {إنه كان ظلوما جهولا} الأحزاب : 72.
(ربي الله الذي رباني ) : في هذا الأدب مع الله عز وجل , وإسداء النعمة إلى المنعم بها فهو الذي رباني , فالمسلم يستشعر هذا منذ أن تنفخ فيه الروح في بطن أمه إلى أن يُدرج في أكفانه , وهو في نعم الله تعالى يغدو ويروح , فيحذر المسلم الغفلة عن هذا ؛ سنين طويلة وهو يتقلب في النعمة وهو في رحمة الله ومنغمس في فضل الله تعالى .
(العالمون ) هم كل من سوى الله عز وجل وهم في قبضة الله تعالى وفي نعمته ورحمته وفضله .
المتن : ( وهو معبودي ليس لي معبود سواه) :
الشرح : هو وحده مألوهي لا غيره , كما أنه سبحانه المنفرد بالخلق والتدبير والرَّزق فهو المستحق أن يُعْبَدَ وحده دون من سواه وهذا مدلول كلمة الإخلاص (لا لإله إلا الله) أن أعبده وأتذلل له خضوعا ومحبة وتعظيما أفعل ما يأمرني به , وأترك ما ينهاني عنه , فليس لي أحد أعبده سوى الله تعالى كما قال الله عز وجل : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } الأنبياء : 25, وقال تعالى : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } البينة : 5.
(وهو معبودي ليس لي معبود سواه) : ما أجمل هذه الكلمات : توحيد وإخلاص وشكر للنعمة وإقرار بالمنعم([1]) بها وشكره عليها .
المتن : ( والدليل قوله تعالى :{ الحمد لله رب العالمين } الفاتحة : 1 ) :
الشرح : الحمد : الثناء على المحمود والوصف بالكمال والجلال مع حبه وتعظيمه (الله) : الاسم الشريف علم على ربنا تبارك وتعالى لا يسمى به غيره. (الرب) : المالك والسيد ولا يطلق إلا على الله تعالى , فهو مربي المخلوقات بالنعم وخالقهم ومالكهم , والمدبر لهم كما شاء عز وجل .
ورب : مضاف والعالمين مضاف إليه , والمراد : جميع المخلوقات , وهذه الآية هي أول آية في المصحف بعد البسملة في أول سورة , وآخر دعوى أهل الجنة , : { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} يونس : 10 , وفيها تفرده بجميع الخلق وربوبيتهم وملكهم , وتصرفه فيهم بما شاء وهو معبودهم ليس لهم معبود سواه , فإن الرب إذا أطلق دخل فيه المعبود وحده دون من سواه .
المتن : ( وكل من سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم ) :
الشرح : العالم : جمعه عوالم وعالمون , فالوجود قسمان : رب ومربوب , فالرب : هو المالك سبحانه , المتفرد بالربوبية والإلهية , والمربوب هو العالم , وهو كل من سوى الله تعالى من جميع الخلائق , وسموا عالم لإنهم عَلَم على خالقهم , ومالكهم ومدبرهم ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد .
( وأنا واحد من ذلك العالم ) : أي : وأنا أيها الإنسان واحد من جملة تلك المخلوقات المربوبة المتعبدة بأن يكون الله وحده هو معبودها وحده , وإذا كان الله تعالى هو ربي وجب عليَّ أن أعبده وحده .

([1]) هذا إخبار عن الله تعالى وليس المنعم من أسماء الله الحسنى .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.