أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
69845 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 04-03-2017, 06:52 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


مواقف بازية شهدتها بنفسي
الشيخ عبدالعزيز الراجحي

- كانت مجالس شيخنا ابن باز مباركة عظيمة النفع، وإن كان قليل الكلام.
ولعنايته بالحديث وتخريجه عند ذكره له،كان لطلابه استحضار لكثير من الأحاديث.
- كانت دروس الشيخ ابن باز رحمه الله إذا انقطعت أسابيع لسفره إلى الحج أو الطائف:
أنكر طلابه أنفسهم في استحضارهم الأحاديث، وأحكامها ، وتخريجها .
- كان للشيخ ابن باز تعليق يسير لعشر دقائق على رياض الصالحين للنووي بمسجده بعد صلاة العصر كل يوم،
لا يحضره إلا أفراد من طلابه إلا أنه نافع جدا .
- زار الشيخُ ابنُ باز الملكَ فهدا ، فأوشك أذان العصر ، فاستأذن الشيخ لدرس العصر وخرج ، مع إلحاح الملك عليه ببقائه ، مع قصر الدرس وقلة الطلاب !
- في مجلس الشيخ ابن باز ، يتخذ الحضور أماكنهم دون تمييز ، فالسابق يجلس حيث شاء ، ومَن أقامه أحد من موظفي الشيخ من مكانه، أنزل الشيخ عليه سخطه!
- كان بعض الأمراء يزورون الشيخَ ابنَ باز بعد صلاة الجمعة في بيته ، حيث درس التفسير ، وكانوا ربما وقفوا عند الباب ، لا يجدون مكانا يجلسون فيه !
- دخل وجيه إلى مجلس ابن باز، فأراد أحد موظفيه التقرب لذلك الوجيه ، فأقام أفريقياً من مكانه ليجلس ذاك فيه، فأخبر الشيخَ، فغضب وزجر موظفَه ونهره.
- كان الشيخ ابن باز رحمه الله، يعول عشرات طلاب العلم في دول العالم كافة، مع مئات الفقراء ، ولم يعلم بحجمهم أحد، ولا يُعرف كثير منهم حتى اليوم!
- عندما مات الشيخ ابن باز رحمه الله ، أعلن أحد أكابر الوجهاء والأثرياء ، تحمل من كان الشيخ يعولهم ، فلما تبيَّن له عددُهم ، ذُهل وانسحب خلسة !
- عندما مات الشيخ رحمه الله، اشتغل كثير من المحسنين بسد مكان الشيخ، وحضر بعض المعالين بحثا عن خليفة للشيخ ، وعجز الجميع عن سد مكانه.
- تطاول شاب على الشيخ ابن باز بألفاظ قبيحة، فعلم الأمير سلمان، وأراد عقوبته وتأديبه، فعلم الشيخُ ، فأبى ورفض قاطعا !
سمعتها من الملك حفظه الله

- أتى شيخ من البادية وسأل ابن باز عن جواز تسميته ابنه بحنظل
فقال : سمه عبدالله أو عبدالرحمن
فقال غاضبا: لم أسألك عن رأيك!
هل يجوز أو لا؟
فقال يجوز!

- أتى رجل عظيم الجثة، فدافع الناس حتى خلص إلى ابن باز في سيارته، فذكر له أنه رضع خمس رضعات،فهل تحرم عليه زوجته!
فابتسم الشيخ متعجبا، وقال: لا!
- أتى صبي الشيخَ ابن باز وطلبه الدعاء أن يكون كابن تيمية ! فابتسم الشيخ ، ودعا له أن يكون عالما ، فأبى عليه إلا أن يدعو له أن يكون كابن تيمية!
- أتى رجل فيه غفلة الشيخَ ابن باز ، فشرع يقص عليه رؤيا طويلة رآها في المنام ! فابتسم الشيخ ، وقال : لا أعبر الرؤى ، وتركه .
- أتى وجيه الشيخَ ابن باز في مسجده قبل إقامة صلاة العصر، وأعطاه قارورتَيْ عطر نفيس، فأخذهما وشكره ، وأعطاهما للجالسَيْنِ بجواره من عموم طلابه!
- ذكر أحد طلاب ابن باز له : أن أستاذه في الجامعة يقول إن النبي ليس بفقيه ! فغضب الشيخ، وقال من يرد الله به خيرا يفقه في الدين،اذهب فقل له أنت كافر!
- كان بعض الأحداث وغيرهم ، يأتون الشيخَ ابنَ باز فيعظونه ! فيتأثر الشيخُ ، ويُرَى هذا في وجهه ، ويُكثِرُ الاستغفار ، ثم يشكرهم ، ويدعو لهم!
- كان الشيخ ابن باز لايأخذ معه أوراقا نقدية مطلقا، ولايصلي فيها، فإذا اتاه محتاج، اقترض ممن حوله ممن يعرفهم، وطلب منهم المجيء إلى بيته لقضائهم.
- لم يكن الشيخ ابن باز يُميّز بين مخاطبيه مطلقا، فيحترم الجميع، ويقيم لهم أقدارا وإن كانوا فقراء وضعفاء أو أحداث أسنان، حتى يُظن أن لهم مكانة!
- كان الشيخ ابنُ باز إذا سلَّم عليه شاب بانفراد ، سأله في أذنه: هل أنت متزوج ؟ ألا تريد الزواج ؟ نحن نعينك ، فالزواج خير وفيه خير .
- كتب إمام مسجد للشيخ ابن باز كتابا يشفع فيه لفقير ذي ديون ، فتفاجأ بجواب الشيخ له ، مصدرا بفضيلة الشيخ فلان بن فلان، فبكى سرورا ، ودعا للشيخ!
- كان الشيخ ابن باز إذا علم بمرض أحد من المشايخ وطلاب العلم، طلب من مخبره أن يرتب له زيارة له، ثم زاره زيارة خفيفة في بضع دقائق،ودعا له وانصرف.
- كان إذا أُعجب الشيخ ابن باز بشاب، خصه وسأله بانفراد، ماذا تحفظ؟ هل تحفظ القرآن؟ بلوغ المرام؟ فإن كان يحفظها فرح ، ودعا له ، أو حثه على حفظها.
- جاء صالح للشيخ ابن باز زمن حرب الصرب على البوسنة، فسأله عن جواز تبرعه لهم ومقاتلوهم يشربون الخمر على الجبهات، فقال : لا تكن عونا على إخوانك.
- جلس فتى إلى جوار الشيخ في الشتاء،فمس الشيخ ثوبه خلسة مع انتباه الفتى واستغرابه، فلما قُضيت الصلاة، همس له الشيخ إن ثوبك رقيق فهل أنت في حاجة؟
- كان الشيخ ابن باز إذا دُعي إلى زواج لبّاه إن استطاع، فيظن العامة أن لذلك العريس مكانة خاصة عنده، وما علموا أنها مكانة الإسلام لجميع من سأله.
- كان الشيخ ربما ترك الدرس، وشرع في الوعظ، فيُبكي قساة القلوب، وإن لم يكن كلامه ككلام القصاص والوعاظ منمقا، لكنها رقة تسري من لفظه إلى القلوب!
- كان الشيخ ابنُ باز إذا علم بطالب علم أتاه مغتربا ، عرض عليه الإقامة عنده في بيته واستضافته ، وألحّ عليه، وإن لم يكن ذا صلة سابقة بالشيخ .
- كان الشيخ ابن باز إذا انتظر الصلاة ، إما يشتغل بالاستغفار ، أو قراءة القرآن ، فإذا قرأ القرآنَ أحدٌ بجواره ، انصت له ، فإن أخطأ صوّبه .
- لايحتاج السائل المحتاج عند الشيخ ابن باز، تنميق كلام، ولا كثرة أيمان، ولا بكاء عين، وإنما يخبره بحاجته ، فيجد اللطف منه رحمه الله والإعانة.
- كان الشيخ ابن باز إذا آنس من طالب علم غير سعودي حرصا واستقامة وعلما ، عرض عليه أن يكتب له بالجنسية ، وكتب له شفاعة خاصة ، وانتظر جوابها .
- سكن طالب علم عربي عند الشيخ ابن باز، وكان حادًا، فتخاصم مع بعض موظفي الشيخ، فخرج وترك بيت الشيخ ، فعلم الشيخ وأبى إلا أن يدفع له إيجار بيته!
- في عام1419هـ أُقيمت احتفالات بالمئوية، بمرور مائة عام على فتح الرياض، فلم يكن أحد يُعلن تحريمها حينذاك إذا سُئل إلا الشيخ ابن باز رحمه الله.
- كان الشيخ ابن باز قليل الغضب، فإن غضب فلله، لايغضب لنفسه ولو شُتم، فإذا سمع ما يكره، استغفر وأكثر التسبيح وانصرف ، ولم يفه بحرف منكر مطلقا .
- كان الشيخ ابن باز إذا غضب لله، أخاف الجميع، وخشي بأسه الجميع، ولم يجدوا شيئا يعصمهم من حزمه ، إلا أن يتركوا ما غضب الشيخُ لأجله ، مما يُنكر.
- كان الشيخ ابن باز حريصا على الفائدة ، لايهمه من أتى بها ، ولا يكترث وإن أتت من صبي صغير ، بل يسأل عن مصدرها ، وربما نادى مرافقَه ليقيدها له.
- كان كثير من عموم الطلاب ، لا يعلمون درجة قبح القول في الأصول أو الفروع ، إلا من وجه الشيخ ، ورفع صوته بلاحول ولاقوة إلا بالله ، وتألمه .
- في أحد دروس جامع ساره بعد صلاة المغرب،أكثر الطلاب على الشيخ ابن باز في ذكر منكرات الدشوش وما تنقله، فغضب،ثم تفاجأنا بعده بأيام بإعلان منعها!
- لا أحصي عدد ما سمعتُ من الشيخ ابن باز رحمه الله (لا أدري)، و(الله أعلم)، فإنه لم يكن يبالي أن يقولها لكل سائل ، إن لم يكن يعلم .
- لم يكن يرضى بالتصوير إذا علم به. وصوروه مرة بمحاضرة له بجامعة الإمام، فسألته هل أباحه ؟ فقال : لم أعلم والله به .
- ما ذكرته عن شيخنا ابن باز رحمه الله، هي أمور شهدتها بنفسي، ولم أذكر ما ذكره لي تلاميذه الثقات من أمور فاتتني وشهدوها ، وإلا فإن ذلك كثير.
- أتى شاب الشيخَ ابن باز ، وطلب منه أن يُحله مما قال فيه، وكان الشاب كسيرا أسفا. فقال : عفا الله عنك ، وغفر لك. فشرع يخبره بما قال فيه، فنهاه!
- كان الشيخ ابن باز يجري الناس جميعا على الظاهر، ويحسن ظنه فيهم، وكان الجميع صالحين وغيرهم يجتهدون في نصحه وعدم غشه، مروءةً أنْ ظن فيهم الخير.
- كان الشيخ ابن باز ينصح المخالفين ، ويقدم بعض الردود عليهم ، وربما ساهم في نشرها، ومع هذا تجدهم معظمين محبين له ، مدركين ألا حظ لنفسه فيها.
- أتى عامل الشيخَ ابن باز في مجلسه شاكياً حبس كفيله لراتبه بضعة أشهر، فغضب وطلب كفيله ووبخه ونصحه، فدفعها، وحذّره أن ينال العامل شيء إذ شكاه.
- كان الشيخ ابن باز لا يسأل أحداً عن قبيلته، أو مدينته فالجميع سواء، إلا لسبب شرعي، إما لسؤاله عن حال الدعوة في منطقته، أو استخدامه له فيها.
- كان الشيخ ابن باز يخص صغار التلاميذ بسؤالهم عن آبائهم، فإن كانوا أحياء حمد الله، وإن كانوا أمواتاً، خصهم بالرعاية، وسأل عن حالهم وحال أهاليهم.
- كان الشيخ ابن باز يخص طلابه وغيرهم ممن يسكنون بالإيجار، بالكتابة لهم إلى المحسنين، بأنهم طلاب علم، صالحون أهل للعطاء ، فيشترون لهم بيوتاً.
- كان ابن باز إذا دخل مجالس الكبراء،فرت شياطينهم ولهجت ألسنتهم بذكر الله،وشرعوا بسؤاله عن دقائق الأحكام ودم البعوض! حتى تخال أنك بين الحواريين!
- أتت أم طالب علم بارز موقوف، تشكي لابن باز إشفاقها على ابنها، فعظّم مقامها وأكرم نزلها، ووجدته مشفقا كإشفاقها، فقرّت عيناً، وطابت نفسا، وانصرفت.
- كان كثير من طلاب الشيخ ابن باز يتخلقون بأخلاقه ، فتعلقهم بالدنيا ضعيف ، ويعظم عليهم مَن فُتن بها، إذ كان إعراضهم عنها كبيرا ، لإعراض شيخهم.
- كان لحضور دروس الشيخ ابن باز لذة وأنس عظيم، يجده كل من حضر، وقد رأيت من العامة ملازمين لدروسه سنين كثيرة لذلك ، وهم لا يحسنون شيئا من العلم.
- كان الملك فهد لا يرى مبتسماً إلا في التلفزيون! أما مجالسه فهو حازم فيها، ولم يكن أحد تراوده نفسه بوعظه ولا نصحه إلا ابن باز فكان ينصحه دوماً ويعظه.
- من قال لك -ممن أدركتُ- إنه يأتي للملك فهد لنصحه فقد كذبك، فلم يكن يلهج بنصحه ووعظه إلا ابن باز فحسب، أما الآخرون فتنقطع أنفاسهم عند مصافحته!
- كان الملك فهد لا يُعظِّم أحدًا ويُحبُّه ، كما يُعظِّم ويُحبُّ الشيخَ ابن باز ، مع كثرة نصحه له ، ووعظه إياه .وكان ابنُ باز يُجله ويحترمه .
مواقف بازية شهدتها بنفسي
كتبها فضيلة الشيخ : عبد العزيز الراجحي
http://twitmail.com/email/74168581
==================
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-22-2018, 07:24 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


ابنة سماحة الشيخ «ابن باز» تكشف تفاصيل خفيّة في حياة والدها


11:05 م, 4 رجب 1437 هـ4370670
تواصل – سمية الوشَلي:
نظّم النادي العلمي بكلية الشريعة قسم الطالبات، سلسلة لقاءات علمية بعنوان: “رحلة في الطلب” تتناول قصة رحلة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله، والتي “حطّت رحالها في الجنان”، حسب وصف الدعوة التي نشرتها كلية الشريعة لحضور سلسلة لقاءات “تروى لعلماء رحلوا وبقيت حكايتهم ترسم لوحة رائعة لحياتهم”.
وعلى هامش الفعالية التي حضرتها «تواصل»، ألقت الدكتورة هند بنت عبدالعزيز الباز، كلمة مطولة عن حياة والدها سماحة الشيخ ابن باز، رحمه الله، بدأتها بذكر فضل العلماء وأهمية معرفة سيرهم، قبل أن تعرّف بـ«حكاية» والدها التالية:
من هو العلامة ابن باز؟
اسمه: عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن باز، رحمه الله، وُلد في الرياض عام 1330 هجرية، وُلد يتيماً فربّته والدته واعتنت به وحرصت عليه، فكانت تنتظره حتى يعود من المسجد وتحثّه على حضور الدروس، وقد حضر درساً في يوم شديد المطر لم يحضره غيره!
في الخامسة عشرة من عمره بدأ بصره يضعف حتى فقده في سن العشرين، فتأثَّرت أمه لذلك، وكانت تبكي حين زارتها جارتها، فنصحتها أن تصلي ركعتين، وتدعو الله أن يرزقه البصيرة، ويجعله عالماً لهذه الأمة! فدعت له، رحمهما الله.
يوم في حياة العلامة
لازم العلامة ابن باز الشيخ محمد بن إبراهيم سنوات طويلة، وأخذ عنه أكثر العلوم، من عقيدة وفقه وحديث وغيرها، وكان أقرب مشايخه إلى قلبه، وأعظمهم أثراً في نفسه، وكان يجل هذا الإمام ويقدره، ولا يستطيع الحديث عنه؛ إذ يغلبه البكاء إذا أراد ذلك.
تميز الشيخ ابن باز بشدة محافظته على الوقت، يغتنم كل لحظة في عبادة أو عمل أو خدمة، وهذا يتجلى في نظام يومه، فكان يستيقظ قبل الفجر بساعة فيصلي 11 ركعة، وعند الأذان يوقظ جميع من في المنزل، ويلقنهم الأذكار، فيمرّ على جميع من في المنزل، فإذا صلى الفجر في المسجد جلس يقرأ أذكاره، وكان حريصاً عليها للغاية لا يتركها، ثم يبدأ درسه بعد الفجر، وكان يمتد لثلاث ساعات في ثلاثة أيام من الأسبوع، فإذا رجع إلى بيته ارتاح نصف ساعة.
وبعد ذلك يتجه الشيخ لعمله في (لجنة الإفتاء)، وإذا لم يكن لديه درس بعد الصلاة جلس في مكتب المنزل تقرأ عليه المعاملات، ثم يتجه للبيت يرتاح قليلاً، قبل أن يتجه لعمله في (الإفتاء)؛ وهو في طريقه لعمله تُقرأ عليه الكتب وينجز المعاملات، سواء طلاق أو غيرها. عند الساعة 2:30 ظهراً يرجع إلى بيته يستقبل الناس، ويتغدى معهم، ثم يذهب لصلاة العصر، وبعد العصر يقرأ عليه الإمام كتاباً فيعلّق عليه، كالأربعين النووية.
يرتاح ساعة في العصر، وربما هي وقت راحته الوحيد، بعد المغرب يستقبل الشيخ الاتصالات، وبعد العشاء إما يكون مرتبطاً باجتماع أو محاضرة وكان حريصاً ألا يرد أي داعٍ يدعوه، وإذا لم يكن مرتبطا تُقرأ عليه المعاملات في مكتب المنزل، ويجلس في استقبال الناس ويتعشى معهم، ولا يدخل بيته إلا الساعة الحادية عشر مساءً أو أكثر أحياناً.
هكذا كان يوم الشيخ في أيام السنة كلها، حتى في الإجازة.
حياة بلا إجازات ولا تنزه
مكث العلامة الشيخ ابن باز 60 عاماً في عمله لم يأخذ إجازةً قط، يعمل حتى في أيام الإجازة، بل ربما أكثر مما يعمله في باقي الأيام.
وكان الشيخ لا يعرف التنزه، ولا يفضِّله، فوقته عامر بالجد وقضاء مصالح المسلمين، فلما قيل له ذات يوم أن يتنزه؛ رفض ذلك، وقال: من أراد التنزه يصعد إلى سطح المنزل يكفيه، إن شاء الله.
السفر في حياة العلامة
وكان الشيخ ابن باز في طريق سفره، سواء في سيارة أو طيارة، تُقرأ عليه المعاملات أو الكتب، أو يقرأ القرآن، وكان حريصاً على سماع أخبار المسلمين.
روى الشيخ عبدالرحمن الدايل أنهم كانوا في طريق سفر مع العلامة الشيخ ابن باز لإلقاء محاضرة في قرية على الطريق بين جدة والمدينة المنورة، فلما طلبهم الشيخ أن يقرؤوا عليه قالوا له: يا شيخ، لو أننا هذه المرة تركنا القراءة لنتفكر في مخلوقات الله ونستمتع بالرحلة؟ فقال الشيخ: اللهم اهدنا فيمن هديت؛ إذن يقرأ الشيخ إبراهيم، وأنت تفكر في مخلوقات الله، وإذا انتهى الشيخ إبراهيم أملي عليك ويتفكر الشيخ إبراهيم في مخلوقات الله!
الاجتهاد في أي وقت وحالة
أحصى الشيخ محمد الموسى بعد صلاة المغرب 60 إجابة لستين سؤالاً أجاب عنها الشيخ العلامة، على الرغم من انشغاله وتوافد الناس عليه، وعدم توقف الهاتف عن الرنين. وبعد الفجر في ساعة ونصف أنجز ما يقارب 40 معاملة!
كان وقته مباركاً، فينجز فيه ما ينجزه رجال عدة، فقد قرأ عليه أحد كتابه في الطائرة من الطائف إلى الرياض 60 صفحة من كتاب (إعلام الموقعين)، في تعبه آخر عمره كان إذا شعر بتحسن طلب الكتاب والمعاملات لتقرأ عليه ويشعر بالراحة وهو يعمل عليها.
دماثة الخلق ورحابة الصدر
تميز الشيخ ابن باز، رحمه الله، بسلامة صدره من الغل والحقد والحسد، فلم يكن ينتقص أحداً، ولا يحمل في صدره للمسلمين إلا كل خير، وإذا بلغه عن أحد زلة أو هفوة أو مقالة فيها خطأ دعا له بالهداية والصلاح، وإذا قابله نصحه النصح الصادق المبني على الموعظة الحسنة، أو يكتب له.
سأله الشيخ عبدالعزيز السدحان مرة: يا شيخ نراك يحبك الناس كلهم: صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، فما سر ذلك؟ فلم يجبه الشيخ ابن باز تواضعاً منه، فلما أعاد عليه قال له: أنا لا أحمل في قلبي غلاً على أحد، ولا علمت عن شحناء بين اثنين إلا سارعت بالصلح بينهما.
السعي في حاجة الناس
وكان الشيخ ابن باز يسعى سعياً حثيثاً لقضاء حوائج الناس، قدر استطاعته، كتبت إليه امرأة فلبينية ذات يوم أنها ترمَّلت، وأنها تعول أيتامها، وليس لديها ما يكفيهم من المال والطعام والشراب، وأن الناس أخبروها أن تكتب إليه، فرقّ لحالها، فكتب إلى الموارد المالية أن يرسلوا إليها فاعتذروا، فطلب أن يقتطعوا من راتبه عشرة آلاف ريال لها ولأبنائها.
وتحكي امرأة من جنوب السودان أنهم في سنة من السنوات أُصيبوا بفيضانات شديدة أصابت مساكنهم حتى اضطروا إلى اللجوء للجبال دون طعام أو شراب، تقول: فوصلتنا إغاثات من رجال معهم الدقيق والماء والأطعمة، والألبسة والفرش للنوم، وكتب عن العقيدة الصحيحة والصلاة، فلما سألناهم عمَّن أرسلهم، قالوا إن الشيخ ابن باز هو من أمرهم بذلك. تقول: فما وصلتنا من الإغاثات غيرها!
الشفاعة لدى المسؤولين
وتميز الشيخ بكثرة شفاعاته حتى قال له بعض المسؤولين، لمَ تشغل نفسك بها؟ فقال: أنا أشفع فإن قبلوا بها فالحمد لله، وإن لم يقبلوا بها فقد عملنا ما علينا.
ومن ضمن شفاعات العلامة ابن باز، رحمه الله: (منح إقامات، وجنسيات، ومراكز علمية، وإخراج من سجون)، ومن شفاعات الشيخ، رحمه الله، أيضاً، أنه حكم على 10 من الدعاة في الصومال بالإعدام في الغد، فقلق عليهم الشيخ، واتصل بالملك عبدالله، وكان حينئذ ولياً للعهد، وأخبره بالقصة، فأوصل الخبر للملك فهد، رحمه الله، فأرسل برقية عاجلة لرئيس الصومال، فأُلغي حكم الإعدام، وبعد سنتين شفع في إخراجهم من السجن، فخرجوا.
ومنها شفاعته للشيخ الألباني، رحمه الله، عند ملك الأردن، فأرسل له يذكره بمقام الشيخ وقدره، فاستجاب لذلك.
حب الفقراء
كان العلامة ابن باز، رحمه الله، متواضعاً محباً للفقراء والمساكين، ولا يأنف من الجلوس معهم. فأرسل أحد الرجال للشيخ يقول: لو جعلتَ مجلساً للخواص ومجلساً للعوام. فلما عرف الشيخ بقوله قال: مسكين هذا، لم يتلذذ بالجلوس مع الفقراء والمساكين، فمن أراد الجلوس فليجلس، ومن تأبى نفسه فليس مجبوراً على ذلك.
واقترح عليه أحدهم فقال: يا شيخ لو تركت الهاتف والتفت للمسؤولين والزائرين، ففتاوى الناس لا تنتهي، وهناك من يقوم بها عنك، فقال: من له حاجة فأنا أضع سماعة الهاتف وأسمع منه، أما أني أترك الهاتف نهائياً فليس بصحيح، فالناس يرون أن أسئلتهم أهم شيء لديهم.
وفي يوم العيد قدم وافد إلى بيت الشيخ غاضباً يصرخ؛ لأن معاملته لم تنتهِ بعد، فغضبوا منه، فرفق به الشيخ وأمر بإكرامه والإحسان إليه.
وكان الشيخ ابن باز حليماً جداً يستقبل الوافدين وكل من جاءه قاصداً، وبعضهم كان ينام عنده بالأشهر، بل بالسنوات، حتى تنتهي معاملته، وما كان يضجر منهم، بل يحسن إليهم.
كان، رحمه الله، متواضعاً مع الصغار، يأنس بهم ويداعبهم ويسألهم بعض الأسئلة حسب أعمارهم، فإن كانوا صغاراً سألهم: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فإن لم يُجِب لقّنه.
وعُرف الشيخ بكثرة إقراضه للناس، وكان يسقط ديونهم عنهم، حتى أنه قبل وفاته أسقط كثيراً من الديون، ففي أحد الأيام أمر كاتبه أن يكتب لرجلٍ أقرضه 700 ألف أنه أسقط عنه دينه، فقال الكاتب: عظم الله أجر هذا الحساب لم يبق فيه شيء، فقال الشيخ: يا ولدي لا تهمك الدنيا أنا أبلغ من العمر 87، وما رأيت من ربي إلا خيراً، وفرق بين من يموت وفيه حسابه مائة مليون، ومن يموت وليس في حسابه شيء، هذا ثقيل الحساب والتبعة، والآخر بعكس ذلك.
الأطفال في حياة العلامة
وللعلامة ابن باز أثر عظيم في نفس الطفل وفي والديه، وإذا جلس مع أبنائه وبناته يلاطفهم ويداعبهم ويسألهم عن مسائل في التوحيد أو في النحو كالإعراب مثلاً.
مما تميز به الشيخ ابن باز زهده، رحمه الله،
فكانت تأتيه كل المناصب، وكان وزيراً، ويترأس كثيراً من المجامع الفقهية، قال كاتبه: إن الشيخ لم يسأل يوماً عن راتبه كم قدره ومتى يأتي، ولم يتكلم ببيع أو شراء، وكان ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر، وكان يكره الحديث عن الأمور الدنيوية البحتة، أو الحديث عن الأثاث أو المنزل، قال له أهله مرة: إن البيت أصبح صغيراً مع كثرة الضيوف، قال: الله المستعان الدنيا “رايحة”، وهذا فيه البركة.
العلامة كان يكره المديح
وكان العلامة ابن باز يكره المديح والثناء، وإذا ألقيت القصائد في وجهه كره ذلك، وربما نبَّه القائل لذلك، وإذا قُرِئت عليه الرسائل فيها مقدمات ثناء، قال: اتركوا المقدمة واقرأوا المقصود؛ فأنا لا أحب سماع ذلك، ويتغير وجهه إذا سمعها ويقول: الله المستعان، الله يتوب علينا جميعاً، ويستعملنا وإياكم فيما يُرضيه.
وجلس مرة أحد الموسرين في مجلس الشيخ ابن باز، وبدأ يتحدث عن نعمة الله عليه، وأنه يبيع ويشتري وعنده أراض ربما تصل قيمتها إلى (45) مليوناً. فقال له الشيخ: ما دامها بلغت 45 مليوناً فماذا تنتظر؟ بعها واصرفها في وجوه الخير، وإلا أعطنا إياها نصرفها في الخير، فحُرج الرجل وسكت.
ومما يميز الشيخ ابن باز، رحمه الله، أنه كان سخياً جواداً بوقته وماله مادياً ومعنوياً، وينفقها في مصالح المسلمين، وعندما كان طالباً صغيراً لا يسلم على أحد إلا دعاه للغداء. وكان يوصي العمال في البيت أن يشتروا أفضل ما في السوق من الفواكه والخضار والطعام والتمر، وعلى الرغم من أن مائدته كانت غير متكلفة، إلا أنها كانت جيدة الطعام.
معاملته لزوّاره
وكان الشيخ ابن باز، رحمه الله، لا يحضر عنده أحد إلا ألح عليه بأن يأكل معه، ولم يكن يتلذذ بالأكل وحده، وما كان يأكل وحده إلا ربما وجبة الإفطار؛ إذ يتناولها سريعاً ثم يخرج لعمله، ولم يكن الشيخ يتبرم من حضور الناس وزيارتهم متى جاؤوا وبأي عدد كانوا، فذات مرة حضر عنده حافلة فيها ما يقارب الخمسين شخصاً في رمضان قبيل الإفطار، فرحب بهم وحياهم، ولم يضجر من حضورهم، وكان الشيخ ربما انتهى راتبه من كثرة صرفه في الخير، بل ربما استدان لكثرة من يتردد عليه من الضيوف وغيرهم.
معاملته لأهله
لم يكن العلامة ابن باز يتبرم من أهله إذا قابلهم، بل يسمع منهم، ويجلس معهم مع إرهاقه وضيق وقته، فكان صدره رحباً يجيب عن أسئلتهم، ولا يتضايق منها.
وكان، رحمه الله، عادلاً شديد العدل بين زوجاته وأبنائه في النفقة وفي المبيت، وإن احتاج أحد أبنائه إلى مال خارجٍ عن نفقته أمر الكاتب أن يقيده حتى يكون على سبيل القرض.
ولم يكن الشيخ ابن باز يرفع صوته أو يتلفظ بكلمة نابية أبداً، ولا يغضب إلا أن بلغه التقصير في الصلاة من أحد أبنائه أو تأخير ونحو ذلك.
وكان إذا سافر إلى مكة أو الطائف يتعاهد أهله بالاتصال، ويسأل عنهم جميعاً حتى أحفاده وأزواج بناته على الرغم من أن الحق له، لكنه كان محسناً رحيماً، رحمه الله.
وكان حريصاً على أخيه الشقيق محمد، رحمه الله، يسأل عنه ويطمئن عليه ويزوره.
وحدد الشيخ ابن باز اجتماعاً للبنات مرتين في الشهر، ومرتين في الشهر للأبناء، فيتدارسون فيها مع الشيخ ويعلّق على ما يقرؤونه، ويسمع منهم، واستمر عليها حتى كثرت مشاغله فانشغل عنها، فكان يجتمع معهم بين فترة وأخرى، فكان يجتمع معهم بعد المغرب إذا دخل، وصلى النافلة في المنزل، فيشرب القهوة ويحدثهم.
وكان يحرص أن يعطي لفتة لطيفة أو موعظة أو فائدة، ولو بطريق غير مباشر، فمثلا: ذات مرة قال لإحدى بناته: يقولون: ما ضُم شيء إلى شيء أحسن من التمر مع القهوة، وأنت ماذا تقولين؟ فأجابت بأمثلة من الطعام أو الشراب، فقال: لا ما أقصد هذا؛ ما ضُمّ شيء إلى شيء أفضل من الإيمان مع العمل الصالح، وكثيراً ما يربط في القرآن الإيمان بالعمل الصالح؛ وهو سبب الفلاح والفوز في الآخرة.
وتذكر إحدى بناته أنه مرةً دخل على ابنته في المرحلة الثانوية، فقال: ما عندكِ فائدة أو كتاب تقرئين علي؟ فكان في يدها كتاب الفيزياء فقرأت عليه مقدمة الكتاب وكان فيها: الشمس منها حياتنا، ولولا الشمس ما نبت الزرع ولم يهطل المطر.. فسألها إن كان هذا مكتوب فعلاً؟ ثم أمرها أن تحضر ورقة فقال لها اكتبي: إن الشمس خلقها الله وسخرها للعباد والبلاد، وهي من مخلوقات الله، ولا يجوز أن ننسب إلى الشمس ولا إلى غيرها إنبات الزرع وإنزال المطر، وهذا شرك، وذكر الآية: ﴿وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾، ثم نبه رئيس مدارس البنات آنذاك بوجوب العناية عند ترجمة المناهج، واختيار نخبة من العلماء لمراجعتها وتنقيحها، ثم أخذ الورقة وأرسلها، وبعد فترة غُيِّرت الكتب في المدارس مزودة بمقدمة الشيخ، رحمه الله.
حفظ الدروس واستذكارها
وتميز العلامة ابن باز في علم الحديث واستحضار الأدلة وحفظه للكتب الستة برجالها وعللها.
قرأ عليه أحد الطلاب ذات مرة سند حديث على أنه في سنن الدارقطني، فقال الشيخ: ما أظن، ليس هذا من رجال الدارقطني، فقال القارئ: نعم يا شيخ، هذا الدارمي، وليس الدارقطني؛ مما يدل على دقة حفظه وضبطه.
وأشاد بتميزه الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين، وقالوا إن الشيخ ابن باز فاقَنا في العناية بالحديث ومعرفة رجاله وعلله، والصحيح من الضعيف فيه.
وفاته رحمه الله
تُوفي الشيخ ابن باز رحمه الله في عام 1420 هجرية، وصلوا عليه في الحرم المكي، وحضر جنازته ما يقارب مليون شخص، فكانت جنازة مهيبة، حزنت الأمة جميعاً على فراقه، فرحمه الله وغفر له وأعلى قدره وجزاه عن الأمة خيراً.

================
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 01-30-2018, 07:25 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


أسلوب العلامة عبد الله بن زيد آل محمود (1327 - 1417 هـ) رحمه الله في تربية أبنائه


كان الشيخ رحمه الله حريصاً على تربية أبنائه التربية الصحيحة، مهتماً بحفظهم من الكسل والانحراف، ومع قسوته أحياناً فإنه كان يحفز فيهم روح المثابرة والاجتهاد.
لقد كان شديد الحرص أولاً على صلاتهم وعبادتهم، ثم على تعليمهم ودراستهم، ثم على حمايتهم من أصدقاء السوء.
فقد كان رحمـه الله يتفقدهم في كل صلاة، ويعاقب المتخلف منهم، ويحرص على حضورهم جميع الفروض، بما في ذلك فرض الفجر.
وحيث إنهم من أمهات مختلفات، فقد جمعهم في مكان واحد في البيت الكبير؛ حتى يتمكن من إيقاظهم، وينتظرهم ثم يصحبهم معه للصلاة، وقد غرس فيهم عادة الصلاة منذ صغرهم، فشبُّوا على حبـِّها والحرص عليها.
كما كان حريصاً على متابعة دراستهم في المدارس، ويشجعهم على أن يكونوا مبرِّزين بين نظرائهم، فإذا رسب أحد أبنائه في إحدى المواد شجَّعه على تعويض ذلك وهو يقول: لكلِّ جوادٍ كبوةٌ.
كما كان يفرغ من وقته بعد صلاة العشـاء لتدريسهم ’متن الآجرومية‘ و’قطر الندى‘ في النحو، كما كان يراجع حفظهم للقرآن و’الأربعين النووية‘ بين المغرب والعشاء، إضافةً لقراءة أحد أبنائه لبضع صفحات من كتابٍ يختاره الشـيخ في التفسـير أو الحديث أو الفقه أو السيرة أو التاريخ، وتكون درساً يومياً يستفيد منه كل من يجلس معه.
وكان يشجع أبناءه على تعلم العلم الشرعي، فإذا اختار ابنه تخصصاً آخر لم يمنعه، وكان يحثُّ أبناءه على التفوق وعدم إضاعة الوقت فيما لا يفيد، ويردِّد: [من البسيط]
قد هَيَّؤُوكَ لأمْرٍ لو فَطِنْتَ له
فَارْبَأْ بنفسِكَ أن تَرْعى مَعَ الهَمَلِ
وكان رحمه الله حريصاً على عدم اختلاط أبنائه بأصدقاء السوء، ويتفقد رفقتهم، ويسأل عن سلوكهم، ويمنعهم من مرافقة من يشكُّ في سلوكه، كما كان يبتعد في سكنه عن المناطق التي يكثر فيها خليط الناس ممن لا يكونون من أهل الصلاح، فإذا كثر الغرباء في منطقته وزاد عددهم انتقل إلى منطقة أوسع وأبعد عن تأثير الغرباء، ووزع فيها أراضي على أبنائه وأقاربه وأنسبائه بحيث يكون الحي متجانساً، وتكون بيئته مناسبةً لحفظ أخلاق الأبناء.
وكان يحرص على جلوس أبنائه معه في المجلس يومياً، وكان مجلسه رحمه الله لا يخلو من ضيوفٍ وزوَّارٍ من مختلف الفئات، وكان فرصةً ليتعلم الصغار أخلاق وطباع الكبار، وعلى الأبناء الاستماع لما يقول الكبار، والجلوس بأدب، كما أن عليهم الترحيب بالضيوف، وتحيتهم مع توديعهم إذا خرجوا.
كما كان الشيخ يأخذ أبناءه الكبار معه في زياراته المختلفة، وكان يسافر بهم معه منذ أن يبلغوا سـن التاسعة؛ وذلك حتى يتعلموا وتصقلهم التجربة بالرغم من كون السـفر قديماً شـاقاً مع عدم وجود طرق معبدة، وتستغرق الرحلة يوماً كاملاً أو يومين للتنقل بين مدينة وأخرى.
وكان رحمه الله يكثر الدعاء لأبنائه، وقد اسـتجاب الله لدعائه، فكان أولاده بارِّين به، واكتسبوا سمعةً حسنةً بين الناس، أهَّلتهم لتولِّي أرفع المناصب.

* كتبها ابنه الشيخ عبد الرحمن.

__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 08-02-2019, 04:18 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي



بين الأميرة الجوهرة والعلامة ابن باز، رحمهما الله

مِن مناقب الأميرة الصالحة " الجوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد " رحمها الله تعالى – زوجة الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله - أنها كانت صَوَّامة ، حيث فُتِحَ عليها في باب صيام التطوع فتحًا ، فقد أمْضَت زَمَنًا تصومُ يومًا ، وتفطر يومًا .
ولَـمَّا أن أمْضَت زَمَنًا وهي تصوم يومًا وتفطر يومًا رَقَّ لحالها زوجها الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - ، وحاول إقناعها بالتخفيف رحمةً بها ، وخشيةً على صحتها ، فلم تُجْدِ محاولات إقناعها نفعًا ، فطلب من الشيخ الإمام "عبد العزيز بن باز" - رحمه الله - الاتصال بها لعله أن ينجح في إقناعها ، ففعل ، إلاَّ أن ردها كان - كما نقله الشيخ "محمد الموسى" - مدير مكتب سماحته - : ( تجاوز الله عنا وعنك يا شيخ ، أنا لم أُخالفْ أمرَ الله - عز وجل - ، وقادرة على أن أصوم اليوم الذي لا يكون فيه الأمير عندي ) انتهى بتصرف يسير ؛ فأكْبَرَ الشيخُ ردَّها ، ودعا لها بالقبول ، وأثنى عليها - رحمهم الله تعالى ، وأسكنهم فسيح جناته - .
عُرِفَت الأميرة الجوهرة بالتدين والسمت والعفاف والحياء والاحتشام طوال سني حياتها وكانت نعم المرأة المكتزنة بحفظ اللسان وتكره ذكر أحد في حال غيبته، صوّامة، قوّامة، حافظة لبيتها، واصلة لرحمها، مكرمة في عطائها،كثيرة الصدقة، لا تعرف القل، لا تبقي في يدها شيء، نعم الزوجة، والأم.
وكانت - رحمها الله - تُكْثِر من بناء المساجد ، ومنها جامع التوحيد ، الواقع في حي الفلاح ، في مدينة الرياض .
http://www.al-jazirah.com/2019/20190708/ln19.htm
__________________
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 07-15-2020, 06:22 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


💎
سوداني يشير إلى قبر بن باز: مات الذي رد إلي روحي !
mwashali mwashali
قبل 7 أيام
– تدوين: محمد بن علي الوشلي الحسني . 20 ذي االقعدة 1441هـ

بسم الله، والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سماحة الوالد الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله، المولود عام 1330هـ، علَم لا يحتاج إلى تعريف، إذ أطبقت شهرته الدنيا، وعرفه القاصي والداني، وصار عند الجميع إمام أهل السنة في هذا العصر، وأصبح مرجع أهل العلم في العالم، ورزق القبول عند العامة والخاصة، إذ عرف بعلمه وزهادته وورعه، وصدقه وحلمه وتواضعه، وحرصه على القرب من الناس عامة، وخدمتهم، وسعيه في قضاء حوائجهم، تقلد مناصب كبيرة وكثيرة، وتعلم على يد علماء كبار، كان أبرزهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وكان الشيخ ابن باز إذا تحدث عن شيخه الأثير بكى وأبكى، كان مثالاً في الهمة والجد، إذ حياته كلها جهاد ومجاهدة لا تعرف الكلل، وبرنامجه اليومي مليء بالعمل والإنجاز، لا يعرف الراحة ولا تعرفه، أدركه الناس هكذا: مثالاً فريداً منذ عرف حتى مات، رحمه الله، وأفسح له في عليين.

حين أعلنت وفاة سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، سارع الناس من شتى مناطق المملكة، متجهين إلى مكة، براً وجواً، للمشاركة في تشييع جنازة الشيخ الإمام، وصلنا مكة صباح يوم الجمعة 28 محرم 1420هـ، واتجه الناس إلى الحرم، وكان الناس جماً غفيراً لا تكاد العين أن تحيط بهم، ولكثرتهم لم يتهيأ لنا أن نرى جنازة سماحة الوالد إلا بمشقة، صلى بنا الجمعة فضيلة الشيخ ابن سبيل رحمه في خطبة موجزة، غالب فيها الشيخ عبراته، فلما قضيت الصلاة حمل الشيخ على الأعناق، فكانت جنازته تموج وتسبح في أمواج الناس الهادرة، واصطف الناس على شرفات المسجد الحرام المطلة على صحن الطواف في منظر مهيب، وهم ينظرون إلى الجنازة وأعينهم تفيض من الدمع حزناً لفراقه، ثم نقلت جنازته إلى السيارة التي أقلته إلى مقبرة العدل، حيث دفن جثمانه الطاهر هناك، رحمه الله رحمة واسعة.

لم نستطع القرب من الجنازة في المسجد الحرام، فضلاً أن نلحق بها، ولم نصل إلى مقبرة العدل إلا بعد أن انفض الجمع، ولم يبق إلا الخُلَّص من تلاميذ الشيخ الإمام ومحبيه، منهم مشايخ كبار، وطلاب علم ودعاة، ووجهاء، وقفوا على قبره رحمه الله، يبكون ويبتهلون، ويلحون في الدعاء أن يغفرالله لسماحة الوالد الإمام، ويرفع مقامه في جنات النعيم، وكان منهم شيخنا ووالدنا وجارنا الشيخ عبدالله بن محمد المعتاز حفظه الله ورعاه، فاتجهت إليه مسلماً ومعزياً، وإذا برجل سوداني عليه علامات الصلاح، يقف ليس بعيداً عن شيخنا المعتاز، لكنه كان يبكي بكاء مراً، فابتدرني الشيخ مستفسراً هل تعرف هذا؟ قلت له: لا أعرفه، فقال هذا له قصة مع الشيخ ابن باز رحمه الله، ولذا فهو يبكي عليه بمرارة، ويرى أن فقده له ليس كفقد الناس له، وأردف الشيخ قائلاً: أخبرك بالقصة لاحقاً “بعدين”.

التقيت بالشيخ حفظه الله بعد ذلك، وسألته عن موضوع الرجل، فذكر لي القصة كما أكتبها اليوم، بمضمونها ومعناها، لا بحروفها ومبناها، وحين عزمت على كتابتها هذه الأيام ذهبت إليه عافاه الله مسلماً، ومذكراً بالقصة، ومستأذناً إياه في تدوينها؛ ليفيد منها الناس، فيدعون له وللشيخ الإمام، وللشيخ الهدية ولصاحب القصة، فذكرها حفظه الله، ولكنه لم يعد يذكر تفاصيلها كاملة، غير أنه شجعني على تدوينها، وها أنا أدونها كما وعيتها يومذاك.

قال لي يومئذ حفظه الله ما خلاصته: هذا رجل سوداني كان من شباب جماعة أنصار السنة بالسودان، التي كان يرأسها فضيلة الشيخ محمد الهدية رحمه الله حينذاك، وكان هذا الشاب نشيطاً ذا همة عالية، لا سيما في القراءة وطلب العلم، وكان نهماً في قراءة المطولات، خاصة التراجم والسير، فقدر له أن عكف على قراءة كتاب سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي رحمه الله، فلما قرأ هذا الكتاب، أورث عنده شكوكاً عظيمة، إذ لم يصدق أن الذهبي يتحدث عن أناس طبيعين، ورأى أن هؤلاء الذين يتكلم عنهم رحمه الله لا يمكن أن يكونوا على الأرض، فهم أشبه بالملائكة لا بالبشر، وبدأ يناقش هذا ويجادل ذاك، حتى ضاق من نفسه، وضاق منه زملاؤه، وتعبت منه جماعته، وكاد الأمر أن يصل به إلى التحلل من الدين، بحجة أنهم يعلمون الناس أموراً مثالية وخيالية، لا تمت إلى الواقع بصلة، فالواقع بعيد عنها كل البعد، وتحققها على الأرض بهذه الصورة أمر بعيد، أو أن الذهبي وأمثاله – عنده – مجرد كذابين خراصين – حاشاهم – يتكلمون من تلقاء أنفسهم عن أشياء غير حقيقية، بل وغير موجودة، أو أنه يكتب عن مخلوقات ليست من أهل الأرض.. إلى آخره.

استمرت به هذه الحال مدة، وبدأ بعض شباب أنصار السنة يتأثرون به، والجماعة لا تدري كيف تعالج الأمر، إذ لم ينفع معه النصح، ولم يعودوا يدرون كيف يتعاملون معه، أيبعدونه أم يؤدبونه، وكان أكثر المهمومين من أمر هذا الرجل هو الشيخ محمد الهدية رحمه الله، إذ هو المسؤول عن هذا الصرح الدعوي الكبير، وهو كذلك مسؤول عن تحصين شباب الدعوة من الشبهات.

وذات مساء كان الشيخ لديه درس أو لقاء، في قاعة مركز أنصار السنة، حضره كافة منسوبي أنصار السنة المحمدية أو غالبهم، وأثناء انعقاد هذا اللقاء تلقى الشيخ الهدية اتصالاً من سماحة الوالد الإمام بن باز رحمهما الله، وبعد إنتهاء الإتصال، استأنف الشيخ لقاءه، لكنه قال للحاضرين بابتهاج وسرور أن هذا المتصل كان بقية السلف الشيخ الوالد ابن باز، وفجأة نهض الرجل صاحب القصة، ووجه حديثه بصوت مرتفع أمام الجميع إلى الشيخ الهدية! بصوت ممتلئاً تعجباً واستغراباً: “مين؟ بقية السلف؟”، ففهم منه الشيخ الهدية لأول وهلة أنه يقلل من مكانة سماحة الشيخ ومنزلته، فبدأ الشيخ الهدية يعرف بسماحته ويتحدث عنه، فقاطعه الرجل قائلاً: الشيخ معروف، “ودوني عند هذا بقية السلف، فإما أن يعالجني مما أنا فيه، أو أنتم تخْلَصوا مني”.

راقت الفكرة للشيخ الهدية، واستحسنها، وبادر بالاتصال بسماحة الوالد الإمام، يشرح له الأمر، ويبلغه رغبة الرجل، فوافق سماحته على الاقتراح فوراً، وكلف من يبعث له بـ “فيزا” دخول، ليأتي إلى المملكة، من أجل طلب العلم على سماحته، فاستعد الرجل للرحيل، وتهيأ للمغادرة، لينتقل إلى الرياض، ليتسنى له رؤية سماحة الشيخ الإمام عياناً، ويتعرف على علمه ودعوته، وسيرته ومنهجه؛ لعله يفيد من ذلك علماً وعملاً، وربما كان علاجاً ناجعاً لما اعتراه من لوثات وشكوك.

وبالفعل انتقل صاحب القصة الى الرياض، ولازم سماحة الشيخ رحمه الله في دروسه، وصاحبه عن قرب، وما لبث إلا قليلاً حتى كان يردد: صدق الذهبي، صدق الذهبي، فقد رأى أنموذجاً يماثل ذلك النوع الذي تحدث عنه الذهبي في سيره، رأى “بقية السلف”، رأى منهج السلف، رأى العلم النافع والعمل الصالح، رأى الإسلام عقيدة وعبادة ومعاملة وأخلاقاً، رأى العلم والدعوة والاحتساب، رأى الجد والاجتهاد، رأى الصبر والاحتمال، رأى السعي في نصح الناس وتعليمهم، رأى بذل النفس والنفيس خدمة للدين وأهله، رأى التواضع واللين وخفض الجناح، رأى السماحة كلها، بما تعنيه هذه العبارة، رآها أمامه تمشي على الأرض، وهنا زالت عنه الغشاوة، وفاق من تلك الغفوة، وكانت الرحلة، وكان العلم، وكان العلاج، رحم الله سماحة الوالد الإمام الشيخ ابن باز، وأخلف على الأمة خيراً.

هذا الرجل هو ذاك الذي أشار إليه شيخنا المعتاز في مقبرة العدل، ذاك الذي كان يبكي على قبر الشيخ أو قريباً منه، يدعو للشيخ، ويتألم على فقده، ويشير إلى قبره ويقول: “مات الذي رد علي روحي”، “مات الذي رد إلي عقلي”، أو كلمة نحوها، هذا الرجل، هو ذاك الذي كان يشك في كل شيء، ويكذب كل شيء، هذا هو الذي كان لا يصدق من كلام السلف أي شيء، حتى رأى هذا الإمام القدوة رحمه الله، فرد الله عليه عقله، واستقرت بذلك نفسه، وهدأ روعه، وحين رأى “بقية السلف” تفرغ بعد ذلك لطلب العلم على منهج السلف، ويدعو إليه، ويصبر على الأذى فيه، ويتمنى لو كان الناس على ما هو عليه، أو على ماكان عليه السلف الصالح: منهج قويم، وعقيدة صافية، وعبادة صادقة، وأخلاق عظيمة، رحم الله الشيخ القدوة، ورحم الله الشيخ الهدية، وحفظ الله شيخنا المعتاز، ووفقنا جميعاً إلى مرضاته، وثبتنا على الدين الحق، وجعلنا ممن يلتزم كتاب الله ﷻ، وسنة نبيه ﷺ، بفهم الصحابة الكرام، والتزام منهجهم، إنه تعالى خير مسؤول.

هذه القصة المؤثرة تؤكد على أهمية القدوات في حياة الأمة الإسلامية، في نهضتها الدينية والعلمية والدعوية والاجتماعية، وأن الأمة لا يمكن أن تنهض إلا بتوفيق الله ثم وجود هذه القدوات بالعدد الذي يمكن للمسلمين أن يتأسوا بهم، ويسيروا على آثارهم، القدوات الراسخون، القدوات الزاهدون، القدوات الباذلون المحتسبون، وأن وجود أمثال هؤلاء نشاط للأمة وحياة، وأن فقدهم أوغيابهم موت وضياع، وأنهم إن فقدوا فواجب على عموم الأمة أن تسعى في إيجادهم أو صناعتهم، وأول الخطوات لذاك، إيجاد البيئات العلمية والدعوية المناسبة، في الجوامع والجامعات، في البيوت والكليات، في المدارس والمناشط، في الإعلام والتعليم، في كل بيئة يمكن أن تُرعى فيها المواهب، وتتخرج منها القدرات والقدوات، وعسى أن يكون ذلك قريبا، والله أسأل أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً، وأن يعيد إليهم أمجادهم، وأن ينصرهم على أعدائهم، إنه جواد كريم، وسلام على المرسلين، والحمدلله رب العالمين.

ملحوظة: استشكل بعضهم العنوان، كونه رد الفعل الى المخلوق، وأحب أن أوضح ما يأتي : أولاً : أن هذه العبارة هي التي سمعتها بنصها، وثانياً: أن المقصود هنا فيما فهمت الرد المعنوي لا ما قد يفهمه المستشكل، ثالثاً: أنني في سياق القصة أشرت ألى العبارة الصحيحة فقلت: فرد الله عليه عقله إلى آخره.. ومع ذلك فملحوظتهم ستؤخذ بعين الاعتبار..شكراً لكل من شجع ودعا وشكر وأحسن الظن، وفقك الله للجميع للصواب، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه خير مسؤول.

حرر فجر يوم السبت: 20 ذي القعدة 1441 هـ

عرضت ما كتبت أعلاه على شيخنا المعتاز ليلة الإثنين 22 ذي القعدة 1441 هـ ، فتأثر جداً، وأثنى ودعا وشكر، حفظه الله، والحمدلله رب العالمين.
https://mwashali.com/2020/07/08/%d8%...mpression=true
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 04-20-2022, 07:08 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


💎💎

18 عاماً في صحبة الشيخ ابن باز رحمه الله

لقد أسرني - رحمه الله - بحسن حديثه، وما محضني من نصح بالاحتساب، وطلب الأجر من الله، موضحاً أن في المجلة وانتشارها نفعاً للإسلام والمسلمين، وقال لي: لا تيأس واصبر إن الله مع الصابرين، وسوف أبذل جهدي في تذليل كل ما يعترض المجلة وعملها، ولكن عليك أن تعرض عليّ كل ما تراه مناسباً، والله الله النصح والإخلاص، وصم أذنيك عن سماع الكلام، وأعمل فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وقد بان لي ذلك أثراً ظاهراً، في كل أمر يعترضني، وفي الإيجابية المرضية، مما خفف عني ثقل العمل، وضعف الجهاز، ومعاناة المتابعة مع العلماء، وأساتذة الجامعات وغيرهم للكتابة في المجلة، لأن المجلة والعمل الإعلامي بعامة، كموقد النار، لابد من وضع الحطب، وإلا خمدت النار.
أخبرت معالي الرئيس العام لتعليم البنات بما قال لي سماحته، وأنني أخجل مستقبلا من تكراره عليه، لما ألبسني من ثوب فضفاض، من توجيهاته ودعواته الصادرة من قبل مؤمن بربه، صادق في توجهه، ونية حسنة، واعتذرت لمعاليه، وحصل مثل هذا عندما عرض عليّ النقل في أمكنة ثلاث مرات.
لكنه قرر الإلحاح على سماحته، والتذرع بالوظيفة القيادية، وأنه لابد من صاحبها ليقوم بالعمل، أو تفريغها لتشغل بمن يسد الفراغ، ويسيِّر العمل,.
وفي يوم السبت طلب معاليه موعداً للسلام على سماحته، فحدده سماحته بيوم الأربعاء بعد صلاة الظهر، لمغزى قصده - رحمه الله - لأن فطنته وذكاءه اللتين وهبهما الله له، جلتا له مغزى الزيارة، وما تهدف إليه.
جاء معاليه في الموعد المحدد، وبالحديث مع سماحته، كان جوابه الهادىء يتعلق بأهمية المجلة، وحاجة الرئاسة لعمل المذكور في مكتبي زيادة على عمل المجلة، مع ثناء أخبرني به معاليه، أعتز به، رفع الله منزلته عند ربه,, ولما استنفد سماحته ما في جعبة معاليه,, طلب الطيب، وأوعز بإحضار صورة قرار تثبيتي على وظيفة بمكتب سماحته، مع الترفيع لمرتبة أكبر من مرتبتي.
وكان هذا قد حيك أمره، خلال الايام، لما بين طلب الموعد وحلوله.
جاءت صورة القرار في ظرف مختوم، ووضعت في يد سماحته، فأعطاها لمعالي رئيس تعليم البنات قائلا له سوف نعطيكم الوظيفة,, وكان وقت الدوام قد أزف على الانتهاء.
لم يقرأها معاليه إلا في السيارة فوجد الأمر منتهيا، وندم على حديثه مع سماحته، خوفا من حسبانه سوء أدب معه، وهو والد للجميع، وتقديره ومكانته راسخة في القلوب: محبة واحتراماً، وأشهد الله أنني ما رأيته في يوم من الأيام متأففا من أحد، ولم تصدر منه كلمة نابية، وقصارى جهده إذا غضب على أحد، وهو لا يغضب ولكن هكذا نحسبه يقول: سبّح سبّح,, أي سبح الله واحمده وكبره, لكن غضبه يشتد لله وللغيرة لدين الله.
وأكون صادقا مع القارىء عندما أقول: إن معالي الرئيس العام لتعليم البنات، عندما هاتفني بعد خروجه من مجلس سماحته ليعتب عليّ لماذا لم أخبره أن الأمر قد انتهى,.
فصاركته أن الأمر بالنسبة لي كان مفاجأة، حيث لم أعلم بذلك إلا منه، ثم لأن التبليغ لم يصلني إلا بعد ذلك، مع مطلع الأسبوع التالي في يوم السبت.
لقد كان أول درس استفدته عمليا من سماحته: الصبر والتحمل، وحسن التوكل على الله، ثم تلتها الدروس الخيرة التي غيرت كثيرا من طباعتي، فكنت مستمرا في عملي، مهتما بما يرضي الله، ثم بما يرضي سماحته، حريصا على الاهتمام بما أرى رغبته تميل اليه,, وإن كنت في الفينة بعد الفينة استفيد دروسا أخرى، علاوة على الناحية العلمية، آخذها من أعمال وأقوال سماحته، جرعات مثلما يصف الطبيب الدواء لمرضاه، حيث تأثرت بسماحته في أمور كثيرة، لأنه مدرسة تعلمت فيها أمورا عديدة: في معاملة الآخرين، وحب السعي في أمورهم، والتواضع معهم، والحرص على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تطبيقا وعملا مع بعد النظر في الأمور وغير هذا من أمور عديدة قل أن تؤخذ من إنسان مجتمعة في هذا الزمان، غير الشيخ عبدالعزيز بن باز المروف عنه تلك السجايا.
وقد سارت الأمور - بحمد الله - على ما يرتجى، وانتظم مسير المجلة، وتذللت الصعاب التي ذاب جليدها، بتصدي أبي عبدالله لها: لنظرته الشمولية في المعالجة، لأن كل أمر يحتكم أمامي، أجد الحل في عرضه عليه فيجيبني بكلمته المعتادة: الله يسهل الأمر، استعن بالله ولا تيأس، ويعلم الله انني لم أقل يوما من الأيام: أن فلانا طويل، أو فلانا قصير، لأن هذا من ابغض الأمور إليه، وهو من الدروس التي استفدتها منه - رحمه الله - فحرصت عليها ثباتا وتطبيقا.
لقد كتب إليه بعض الشباب - هداهم الله - يقول عني: ألم تجد يا سماحة الشيخ من يقوم بالمجلة إلا هذا الذي لم نر له انتاجا غير كتاب ابي الشمقمق - ونسي سامحه الله كل كتبي ومقالاتي وأحاديثي في الإذاعة - ولكن الشيخ مزق رسالته بيده داعيا له بالهداية,, وآخر جاء إليّ طالبا تقصير الثوب، ولما أخبرته أنه فوق الكعب قال: لابد أن يكون في نصف الساق، وغيرهم كثير ممن نحسن بهم الظن، وندعو لهم بالهداية والتوفيق.
طلبت من سماحته بعدما انتظمت المجلة في المسير، وتوافدت البحوث عليها من الكتاب، بأن نجعلها كل ثلاثة أشهر بدلا من الأربعة، فقال: لا هذا يكفي، ومع السنين كنت أعيد الاقتراح وكان جوابه الأول هو جوابه كل مرة.
وفي عام 1405ه كنت مع سماحته في السيارة لصلاة الظهر في الجامع الكبير بالرياض، جامع الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله - فتحدثت معه عن فكرة جمع فتاوى ومحاضرات سماحته، واستعدادي لتجيمع كلما يتيسر من انتاجه العلمي، فوجدت منه الاستبشار وانفتاح الصدر لهذا الموضوع، وأنه كان يفكر في هذا الأمر منذ كان في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لعل الله ينفع به الإسلام والمسلمين في حياته وبعد مماته، وقد أورد الحديث الشريف، الذي جاء فيه: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .
وقد دعا لي بدعوات حمدت الله عليها، وأرجو أن تكون مقبولة عند الله، وفي اليوم التالي قدمت لسماحته خطابا بهذا الخصوص، ضمنته فكرتي، وما أنوي عمله، والخطوات التي يجب أن نسير معها في تجميع مجهودات سماحته, فوافق على الفكرة، وأمر بالشروع في العمل، وزود الأقسام ذات العلاقة في الرئاسة، بتعميدات لكي يمدونني بما لديهم من انتاج سماحته: فتوى أو مقالة أو محاضرة، أو خطابا، وكان لدى أحدهم مجموعة تقترب من مجلد، تشمل موضوعات وفتاوى مختلفة، وفي المستودع رسائل قد طبعت لسماحته عديدة، وفي فترات متباعدة، منها ما كان في الجامعة الإسلامية، ومنها - وخاصة النصائح والفتاوى - ما كان في الخرج عندما كان قاضيا، ومنها ما كان في الرياض، عندما كان مدرسا في المعهد والكلية، ثم بعدما عاد لرئاسة إدارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد عام 1395ه, ومنها ما هو الأفراد.
فبدأت بالتجميع والتبويب، وكانت الصحف وتفريغ الأشرطة، من أشد الأمور لكثرتها، ولأنها تحتاج إلى مساند، يعين في تذليل صعابها,, وذهبت للخرج واتصلت بعدة أشخاص.
ولما بدأت المسيرة أدركت أن دائرة العمل تتسع يوما بعد يوم، وأن العمل يحتاج إلى جهد واطمئنان فعرضت على سماحته امورا عديدة، تعين على سلامة العمل منها:
- الرغبة في تخصيص وقت أعرض على سماحته فيه كل ما يقع تحت يدي لعدم رغبتي اثبات شيء في المجموع إلا بعد تمحيصه وتوثيقه من سماحته مرة أخرى، فوافق على هذه النقطة وقد خصص يوما في الأسبوع ثم زاده إلى يومين,, ومع ذلك نقتنص فرصا أخرى تخفف العمل بما يعرض فيها.
فكنت أعرض عليه ما يرى ترتيبه في المجموع، ويجري تعديلا كبيرا على الأصل، وخاصة في المحاضرات كما كان يتراجع عن بعض الفتاوى، ليلغي بعضها ويعدل كثيرا في البعض الآخر.
ولذا رأيت من الأمانة العلمية والحفظ لسماحته، تسجيل كل تعديل في المسودات، وتوثيقه، وتحديد تاريخ التعديل بوقت العرض, والإشارة في الهامش عند الطبع للأصل، لأن بعض ما جرى تعديله، يتباين مع أصل الشريط مثلا، لكي تعرف أن ما صدر في مجموع سماحته هو الأصل المعدل، وأن الشريط الذي قد يكون متداولا في حكم الملغي، بما جرى عليه من التعديل بأمر وتوجيه سماحة الشيخ، لأنه هو صاحب الحق في ذلك.
ولا تثريب في هذا، فإن علماء الإسلام، عرف عن بعضهم، الرأي الأول والرأي الثاني، والرأي الثاني هو الجديد، والأول هو القديم، ويعتبر ما دون لسماحته في المجموع هو الرأي الثاني المعتمد.
- كما أخبرت سماحته، أن بعض الجهات التي عرضت عليها تعميده بتزويدي بما لديهم من فتاوى وغيرها، تباطأت - ولم أسم له أحدا بعينه، خشية الإثم بكونها نميمة، ولكن كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بال أقوام - ، فكان - رحمه الله - يؤكد هذا بين الفينة والفينة، وإذا كتب جديدا أو مرت به فتوى قديمة أمرني بأخذها من زيد أو عبيد، لأنه أبلغهم بذلك، ولحرصه واهتمامه ومتابعته، فإنني ألجأ عليه عندما يتعثر أمر أمامي، فكان هو الحريص والمتابع أكثر مني.
- وتشاورت مع سماحته في طريقة الترتيب، ومنهجية البحث، فكان يؤيد ويدعو ويحمس على العمل، ويأمرني أن أضع هذه الفتوى في مكان كذا، وبعضهن يؤكد أن تكون في أكثر من موضع لارتباطها بالحالين.
- وقد بعثني للمدينة المنورة بخطابين: أحدهما متكرر لحث مدرسي ومشايخ الجامعة بالكتابة في المجلة وفق القواعد المحددة لذلك، والثاني: لأحد المسؤولين لتزويدي بأعداد مجلة الجامعة، لما فيها من مقالات وفتاوى لسماحته، فصورت ذلك، من الجهات المعنية بالجامعة وعرضت على سماحته ضمن ما عرضت، وخرج في المجموع موثقا ومنسوبا إلى جهته,, أما الملفات الخاصة بسماحته في الجامعة، فأخبرت أنها ضمن محتويات مكتب البيت.
أما اختيار العنوان باسم: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، تأليف الفقير إلى عفو ربه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، فمن سماحته أرادها أن تماثل عنوان مجموع ابن تيمية التي جمعها الشيخ ابن قاسم,,
وقد خرجت كلمة الشيخ في الأجزاء الأول، باجتهاد من المطابع والمصحح، ولكنه - رحمه الله - لم ير هذا، وحذفت كلمة الشيخ في الأجزاء التالية، وفي الطبعة الثانية,, تواضعا منه في عدم تسمية نفسه بالشيخ، مع أن هذه التسمية ثابتة في ألسنة الناس، واستحق المشيخة بجدارة: علما وفقها، ومكانة بين العلماء.
كما كان - رحمه الله - حريصا على خروج هذا المجموع للملأ بالاهتمام والمتابعة، ويسر كلما أخبرته باكتمال جزء من أجزائها، ويتابع مراحل الطبع سؤالا واستقصاء، وبعد صدور الجزء الأول في عام 1407ه طلبت منه زيادة الوقت للعرض على سماحته، فوافق، ولكن الأعمال الأخرى الكثيرة لدى سماحته تزاحم في ذلك، فإذا راجعته قال: الله المستعان، وحاجات المسلمين لا تنقضي، وكل يريد نصيبه.
ومن علمه وسعة اطلاعه، وقوة حافظته التي متعه الله بها حتى آخر لحظة من حياته، أوضح شاهدا واحدا على ذلك، فقد حرص على توثيق حديث شريف، مر بنا في إحدى الكلمات، وأمرني بتحقيقه وبيَّن لي الأبواب التي هي مظنة وجوده فيها في كتب الحديث المعتبرة، وبحثت وطال البحث ولم أستطع الاهتداء إليه، فاعترفت أمام سماحته بالعجز، وقال لي، ونحن في مكتبة بيته بالرياض: بعض المحدثين - رحمهم الله -، يضعون حديثا في غير مظنته: أحضر كتاب الإيمان للشيخ محمد بن عبدالوهاب وترحم عليه وعلى علماء الحديث، فأحضرته وقال: افتح صفحة كذا، وعينها بالرقم، ففتحتها، وقال: اقرأ سطر 12 فقرأت فيه، وإذا بي أقع على الحديث بعينه قال: انظر الهامش ماذا قال فيه؟ فوجدته يحيل إلى النسائي، وحدد الموضع فإذا هو كما قال: في غير مظنته، وفي غير الأبواب التي من المتوقع أن يكون فيها.
فأحضرنا النسائي ووجدنا الحديث فيه، فتم تخريجه, ثم قال - رحمه الله - كتاب الإيمان هذا قرأته آخر مرة منذ أربعين عاماً، عندما كنت قاضيا في الخرج,, وهذا يدل على قوة حافظته وذكائه، وتمكنه في العلم، - رحمه الله - وجمعنا به في مستقر رحمته,, وحدد اسم الشخص الذي قرأ عليه صالح بن حسين .
وفي السنوات الأخيرة، بعدما تكاثرت مشاغل سماحته، كان يأمرنا بتخريج الأحاديث، وعرض ذلك عليه قبل الإثبات، فكنا نجد اختلافا في اللفظ أو زيادة، فيحدد ما يريد إثباته في المجموع باعتباره لفظ مسلم مثلا أو البخاري أو أحمد أو غيرهم ويسنده لمن هو لفظه,, ولا يضجر عندما نراجعه في لفظ حديث أو رده، أو فتوى لها مماثل، وعن أيهما نضع,, بل نجد منه سعة الصدر، والتفهم والبيان الشافي,, وما أذكر في مدة عملي معه، أنني سمعت منه كلمة تأنيب أو قسوة، بل يعلم ويوجه بأدب وتواضع مع الشرح والتوضيح، فهو مع طلبة العلم يقنع بالدليل والشرح، ومع العامة بالفتوى القاطعة،.....


18 عاماً في صحبة الشيخ ابن باز 1
محمد بن سعد الشويعر

ما أقسى فراق من ألفته القلوب، وما أصعب الكلمات التي تعبر عن ذلك الألم، لأن اللسان يتعثر والقلم يتلكأ ويعجز عن تصوير الفجيعة,, ولكن العزاء يتم بالامتثال لأمر الله، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فعله صحابته الكرام، بعد مصابهم بوفاته صلى الله عليه وسلم.
والمصيبة بفراق الشيخ عبد العزيز بن باز، ألمها على المحيطين به, والسابرين أغوار نفسه، والعارفين بطباعه أشد وقعاً وأكثر ألماً، ولا نقول الا ما يرضي الرب: إنا لله وإنا اليه راجعون .
وخدمة العلماء والقرب من مجالسهم فيها خير كثير، لأنهم كحامل المسك، اما ان يحذيك وإما ان تجد منه ريحاً طيباً والشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عرفته عندما كنت طالباً بذكره الحسن وتواضعه الجم وبنصائحه القيمة في كل مناسبة بل في كل مسجد يصلى فيه, وكنت أحرص على حضور احاديثه وتوجيهاته لأنها صادرة من القلب وتدخل في اعماق القلب.
ثم لما تعينت في مدارس البنات جاءتني مهمة في المدينة المنورة، وزرته في الجامعة الاسلامية للسلام عليه فزودني بنصائحه، وارشاداته، وحث على اداء الأمانة في تعليم المرأة، والمحافظة على سترها ومحافظتها على أمر الله.
ثم لما انتقل الى الرياض في عام 1395ه كنت اسعى جاهدا للاستفادة من دروسه ومحاضراته، والاستئناس بما فيها من توجيهات مخلصة نابعة من اخلاص وبصدق,, فتتعارف بكلماته الأرواح وتتمازج الخواطر.
وفي زيارتي له في بيته عام 1398ه ادركت انه على اطلاع بما اكتبه بدليل انه أخذني لغرفة جانبية وحاورني فيما كتبت عن الدعوة الى دين الله، مع الأمم الاخرى في الخارج والموضوع بعنوان: حتى لا ننسى ماذا يراد بنا؟, المنشور في مجلة الدعوة,, فعرض علي سماحته العمل في الدعوة بإحدى الدول الافريقية,, وقد كنت محباً لذلك الا ان ظروفي لا تسمح لي بالبعد عن والدي,, فآثرت الاعتذار لذلك.
ولم يخطر ببالي في يوم من الأيام، أنني سأكون معه تلميذاً انهل من علمه، ومصاحباً لمدة 18 عاماً أتأدب على يديه، واستفيد من كريم سجاياه,, لكنها ارادة الله ولكل شيء سبب.
كانت البداية في شهر رجب عام 1402ه وكنت في مهمة تفقدية تتعلق بعملي: في الليث وخليص والكامل وعندما عدت في عطلة الاسبوع الى مكة لأنها نقطة الارتكاز في العمل اتصلت بوالدي رحمه الله مهاتفاً كالعادة للاطمئنان والسلام فقال لي: ان سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اتصل ثلاث مرات يسأل عنك ويلح في الطلب.
فيممت مطار جدة قاصداً الرياض وفي الطريق كانت ضربات القلب تتزايد، وهواجس النفس تختلج: ماذا يا ترى يريد مني الشيخ,, ولأي سبب كان هذا التكرار والالحاح؟ ثم بدأت استعرض مجريات ايامي وأتحسس سطور كلماتي التي نشرت خلال الفترة الماضية محتسباً الخطأ, وراجياً الا تكون زلتي توجب العتب لأن الخطأ من سمات البشر,, ولكن تأنيب العلماء اشد وقعا من الحسام المهند.
وما أقسى الانتظار، وما أشد ألم تلك الساعات المتثاقلة بين نبأ طلبه - رحمه الله - لي وبين مثولي بين يديه يعبر عن وقعها جفاف الحلق، وكثرة تناول الماء، وعدم الشهية للأكل.
وقد حسم هذا الضجر، وقع كلماته الأبوية الحانية في ظهر الجمعة حيث طلبني للمكتبة، وأمر بوصد الباب فكان من حسن أدبه ودماثة خلقه:أن بدأ الحديث بالسؤال عن صحة الوالدين والاولاد، بعد السؤال عما عندي منهم ثم عرج مثنياً وداعياً لي، على ما اكتبه بالتوفيق والاعانة ومشجعاً بالاستمرار,, وسألني عن منطقة الكامل وأهلها لأنها آخر ما زرت قبل مثولي بين يديه,, وتحدث عنها وعن خليص حديث الخبير الفاهم وسأل عن قضاة كل منهما وعن رجالات من أهلها سؤال العارف الخبير.
ثم قال: الموضوع الذي دعوتك اليه، هو خير ان شاء الله، فقد بحثنا في جلسة هيئة كبار العلماء الماضية موضوع مجلة البحوث الاسلامية واهميتها، وقدمت اسماء عديدة لرئاسة تحريرها منهم فلان وفلان، وعد لي أربعة، ولكن اتفق رأي المجلس عليك انت، وقد فوضوني تكليمك في الأمر واخذ موافقتك فما رأيك؟!.
قلت: انني اعتز بهذه التزكية من كبار علمائنا، ويرفع من قدري ان اكون بقرب سماحتكم,, ولكن ان رأى سماحتكم الآذن لي بإكمال مهمتي بقية الاسبوع القادم او ترون قطعها,, وخلال المدة أدرس الموضوع وأعطيكم رأيي لان الأمر مفاجىء لي,, فقال: لا بأس اكمل عملك ثم أعطنا رأيك.
ودّعته للسفر وفي خلال الاسبوع فكرت في الأمر ودرست موضوع المجلة ثم استخرت الله تعالى فوجدت صدري منشرحاً فجئت لسماحته برسالة من صفحتين ابديت رأيي المتضمن في اهم نقاطه: ان المجلة لا تستأثر بكل وقتي، لأنها فصلية، ومحكمة فهي لا تأخذ من الوقت اكثر من سدسه، والباقي فراغ عندي لا بد ان يستثمر ولذا اقترح ان اعمل معكم بالفترة المسائية واعدكم باذن الله ان تنتظم المجلة، وسلمت الرسالة امين عام هيئة كبار العلماء وخرجت عائداً لمكتبي,, ولم استقر به دقائق حتى هاتفني الأمين بقوله: سماحة الشيخ يطلبك,, فلما حضرت اليه قال: بارك الله فيك، نوافق على ما قلت، ما عدا وقت العمل، فلا بد من التفرغ عندنا وأريدك عندي في مكتبي زيادة على المجلة فشكرته ودعوت له وقلت له: عندي وجهة نظر اخرى، قال: ما هي؟ قلت: سأحررها لسماحتكم الليلة وفي الصباح ان شاء الله اودعها لدى فضيلة الامين,, وقد كان وهي تتضمن مطالب ادارية ومالية وتنظيمية تحتاجها المجلة ضماناً لسير العمل ولم أنس مطلباً شخصياً بتحسين الوضع الوظيفي.
ذهبت لعملي وما إن استقر بي المكان، حتى تحرك جرس الهاتف، واذا بصوت الأمين يخبرني بأنه عرض الرسالة الثانية على سماحة الشيخ وهو يطلبك الآن,, فأجبت الدعوة وحضرت لمجلس سماحته وطلب الاختصار معي، فأخبرني بأنه موافق على ما ذكرت وسوف يعمل جهده في تحقيق كل ما ذكرت ان شاء الله فقلت لسماحته: بقي لي مطلب واحد, قال: ما هو؟ قلت: سأحضره صباح غدٍ فرد علي غفر الله له: بقوله: اللهم أهده.
في الصباح الباكر جئت بالرسالة الثالثة - وقصدي من ذلك الرد على الأقاويل - وسلمتها للأمين العام كالسابقتين ثم ذهبت لعملي، فبادر بقراءتها على سماحته، وطلب منه حضوري ايضاً,, كانت هذه الرسالة تتضمن اقتراحاً بأن يكون عملي عن طريق الندب لمدة عام، لا النقل، على ان يصرف مرتبي من عملي السابق حتى لا أثقل عليهم، بحسب ما يمليه الاتفاق، بين الجهتين، هذا من جانب، ومن جانب آخر وهو المهم كما ذكرت في الرسالة: أن اكون تحت التجربة فان اطمأن الطرفان لبعضهما تم التواصل والاستمرار وأمكن التأصيل والا فكل يذهب الى سبيله، ودار الافتاء تبحث عن بديل وانا اعود الى عملي,, وفترة الاختبار السنوية كفيلة بابانة الحقيقة والقدرة.
حضرت لمجلس سماحته ومقره ذلك الوقت، بأول شارع البديعة، جوار مسجد العبيكان وكان الحديث في المختصر، فقال سماحته رحمه الله: نوافق على ما قلت وهو مناسب ان شاء الله فهل ما زلت متردداً؟ قلت: لا فقد خجلت من سماحتكم بعدما تحملتموني في الايام الثلاثة فقابلتم ترددي برحابة الصدر وحسن الخلق جزاكم الله خيراً, فقال: على بركة الله، وأمر بإعداد ما يلزم بهذا,, ثم قال: لا تذهب الا والرسالة معك لأننا سنسافر بعد ايام قليلة للطائف ان شاء الله,, وستكون معنا ولا بد ان ينتهي الأمر.
وبالفعل تم انجاز الخطاب لمعالي الرئيس العام لتعليم البنات ولما دخلت عليه متأبطاً رسالة سماحته اذا به يخبرني بأن سماحة والد الجميع - رحمه الله - قد هاتفه متعجلاً الأمر، ولا بد ان تأخذ الجواب اليه بعد صلاة الظهر مباشرة، وكان قد رتب كل شيء قبل وصولي استجابة لمطلب سماحته فسلمت الرسالة لمدير شؤون الموظفين.
أمور كثيرة مرت متسارعة وبدون تردد، وما كان لها أن تتم لولا عاملين مهمين: الأول: وقبل كل شيء التوفيق من الله سبحانه وتسهيل الأمور, الثاني: اهتمام سماحته - غفر الله له - شخصياً وحرصه ومتابعته فلا الاجتهاد من الانسان بالذي يجعل الأمور تسير وفق هواه, ولا شفاعة الشافعين بالتي تحرف مسار أمور لم يقدرها الله,, ولكنه العون من الله كما قال الشاعر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
لقد كنا في ايام الدراسة نتحاور فيما بيننا ونتساءل مع مدرسينا: هل الانسان مسير او مخير؟ وكان الجواب الشافي الذي ترتاح اليه القلوب, ما يقوله مدرسونا في علم التوحيد: بأن الانسان مسير ومخير في آن واحد وان عون الله وتوفيقه هو العامل المهم في الأمر، ولذا يجب ان يسأل العبد ربه الخير والهداية، ويستعيذه من الشر وسوء العاقبة، وهذا ما تمثل أمامي في هذه المسيرة العملية وبداية المشوار مع الرجل الفاضل في علمه وخلقه وفي تواضعه وحسن ادبه، وفي منهجه التربوي والتعليمي الفذ، وفي اسلوبه الرفيع في الدعوة الى الله والتعليم بشرع الله، ذلك الهاجس المكين عنده طوال حياته لحرصه واهتمامه بترسم خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل امر صغر او كبر حيث لم اره حاد عن ذلك طوال مرافقتي لسماحته رحمه الله او تراخى لأي سبب من الأسباب التي تعرض.
سلمت رسالة الموافقة من رئيس مدارس البنات لسماحته,, فوجدت منه خلال سنة التجربة، خير مشجع على العمل وخير موجه لمصلحة المجلة، وما يرفع من مستواها، مع النصح وحسن التوجيه وتذليل الصعاب، ولأنني لم اظفر بشيء مما كنت ارنو اليه، فخفت من خيبة الأمل وفي هذه الاثناء تعين لمدارس البنات رئيس جديد، فسألني عن امكانية عودتي لعملي,, مع استعداده لتأمين ما يريحني,, فوافقت بحثاً عن مصلحة عاجلة ولكن ألماً حز في نفسي، عندما هممت بمفارقة الشيخ الذي ارتاحت نفسي للعمل معه وأمدني بتوجيهات وأدعية هي عندي اغلى من نفائس الدنيا.
ولكن القنوط استحوذ على هواجسي، فاتفقت مع معاليه على صيغة مناسبة للاعتذار، وان تكون المبادرة بعدم تمديد الاعارة مني، فكتبت رسالة مطولة لسماحة الشيخ عبد العزيز تتضمن الاعتذار وإبانة السبب وان المصلحة تقتضي عودتي لعملي والبحث عن بديل لعل الله ان يجعل فيه خيراً، يرتفع به مستوى المجلة لعله ممن لديه حماسة وشجاعة تجعلانه يحقق ما لم يتم في فترة التجربة، حيث لم يصدر خلالها سوى عدد واحد وهو السادس ولم تحقق الرسائل التي وجهت لكثير من العلماء والكتاب بالمساهمة في المجلة نتيجة مرضية، وكل ما تحقق هو موافقة وزير الاعلام على رئيس التحرير وموافقة المقام السامي على رفع مكافأة الكتاب وجعلها ثلاث فئات وموافقة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله على دراسة ما اقدمه له من شعارات للغلاف الخارجي للمجلة ليكون ثابتاً وان تكون بحجم متوسط وبدون الوان او زخارف وان تكون الأعداد برقم تسلسلي منتظم وتحديد البنط الذي تطبع به المجلة,, وتعليمات الكتاب بقواعد النشر.
قبل انتهاء عام الاعارة بأسبوع كان خطاب الاعتذار جاهزاً فجئت لشيخي ابراهيم الحصين رحمه الله به وطلبت منه ان يقرأه على سماحته وبعد اطلاعه عليه وادراكه لمضمونه، اعاده الي قائلاً: خذ رسالتك ولن اقرأها على سماحته فانه الذي جاء بك ولا اتدخل في الامر وهذا شيء بينك وبينه فاقرأه انت وخاطبه بما تريد.
ثم ذهبت الى الزميل عبد الله الخريف - رحمه الله - وهو ممن يعرض على سماحته فلما فهم محتوى رسالتي اعادها الي بنفس مقالة الشيخ ابراهيم الحصين - رحمهما الله - ثم ذهبت الى زميل ثالث وكان الرد كسابقيه فلم يسعني الا التشجع وترك الخجل جانباً لان حسن خلقه فرض علي احترامه وترك مراجعته في أي امر، فسلمت عليه بعد عودته من صلاة الظهر اول ما دخل المكتب وطلبت منه خمس دقائق في المختصر لموضوع خاص فانقاد معي - رحمه الله - بيسر وسهولة قائلاً: ابشر,, لما جبله الله عليه من دماثة خلق ورفعة في الادب ولقدوته برسول الله صلى الله عليه وسلم في الانقياد مع من يطلبه لحاجة عليه الصلاة والسلام.
وفي المختصر قال: هات ما عندك؟ قلت: رسالة سوف اقرؤها، وارجو موافقتك على ما فيها, قال: استعن بالله فقرأتها وهو يتملى بل لم يقاطعني فيها حتى انتهيت، وهذا من حسن سمته، وما يتحلى به من أدب جم، الا انه كان يضرب بيده على فخذه، وعرفت فيما بعد السر من الزملاء في العمل ان هذه طريقته اذا اهتم بأمر,.
فلما انتهيت قال: لا تريدنا؟ قلت: بلى والله اريدكم ولكني بلغني من القيل والقال ما اقلق راحتي وكدر خاطري فآثرت العودة لعملي, فقال: أوتهتم بذلك؟ قلت: كيف لا والشاعر يقول: ان البعوضة أدمت مقلة الأسد ولتأثري من ذلك آثرت اخلاء المكان لغيري, فقال رحمه الله: إذاً خل رسالتك في جيبك واستمر في عملك وصم اذنيك وصفوة الخلق لم يسلم فكيف لا نتأسى به,, واصبر وما صبرك الا بالله,, وما يحسك خبرني به,, ثم نهض.

د. محمد الشويعر

https://www.al-jazirah.com/1999/19990604/ar1.htm
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:32 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.