أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
36597 151323

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-28-2013, 08:31 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي سلسلة مقال الخطيب (18) : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى } .


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى }

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي المؤمنين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه المؤتمنين .

أما بعد:

فيقول الله – تعالى - : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [الأنعام : 94] .

في هذا المشهد العظيم من مشاهد الآخرة يبين لنا الله – تبارك وتعالى – حقيقة ما تؤول إليه حال المشركين ، وفيه إثبات القيامة الكبرى والبعث بعد الموت ومجازاة العباد على أعمالهم مؤكداً ذلك بعدد من المؤكدات ومنها : الإخبار عن المستقبل بصيغة الماضي لإفادة أن بعث الناس أمر حاصل لا محالة كالشيء الذي وقع وحصل فصار يُتَحدث عنه { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا } ولم يقل – مثلاً – سوف تأتوننا .

قال القرطبي – رحمه الله - : " قوله - تعالى -: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} هذه عبارة عن الحشر " (الجامع لأحكام القرآن : 7/42) .

وقال ابن جزي – رحمه الله - : " { فرادى } منفردين عن أموالكم وأولادكم أو عن شركائكم ، والأول يترجح لقوله : { وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم } أي ما أعطيناكم من الأموال والأولاد ، ويترجح الثاني بقوله : { وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ } (التسهيل لابن جزي :ص/ 446) .

وكلا المعنيين صحيح ، لأنَّ " الْأَدْيَانَ الْوَثَنِيَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى قَاعِدَتِي الْفِدَاءِ وَالشَّفَاعَةِ " (المنار : 7/523) . التي تتبدد عنهم في الآخرة كما قالوا : {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء : 100 - 101] . وقال – سبحانه - : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر : 18] . وقال : {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } [البقرة : 48] .

فيكون " المعنى : جئتمونا واحداً واحداً ، كل واحد منكم منفرد بلا أهل ولا مال ولا ولد ولا ناصر ممن كان يصاحبكم في الغي ، ولم ينفعكم ما عبدتم من دون الله " (الجامع لأحكام القرآن : 7/42) .

والانفراد حال البعث للحساب والجزاء ليس خاصاً بالكفار بل الخلائق كلهم يأتون يوم القيامة منفردين ، كما قال – تعالى - : { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً } [مريم : 93 - 95] .

{ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } " أي منفردين كما خلقتم. وقيل : عراة كما خرجتم من بطون أمهاتكم حفاة غرلاً بهماً ليس معهم شيء. وقال العلماء : يحشر العبد غداً وله من الأعضاء ما كان له يوم ولد ؛ فمن قطع منه عضو يرد في القيامة عليه. وهذا معنى قوله : " غرلاً " أي غير مختونين ، أي يرد عليهم ما قطع منه عند الختان " (الجامع لأحكام القرآن : 7/42 – 43) .

فعن عَائِشَةَ – رضي الله عنها - ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ: الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَهِمَّهُمْ ذَاكِ " ( متفق عليه ) .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَوعِظَةٍ ، فَقَالَ : " يَا أيُّهَا النَّاسُ ، إنَّكُمْ مَحْشُورونَ إِلَى الله تَعَالَى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء: 103 ] ألا وَإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسى يَومَ القِيَامَةِ إبراهيمُ - صلى الله عليه وسلم - " ( متفق عليه ) .

وعن جابر بن عبد الله : أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فابتعت بعيراً ، فشددت إليه رحلي شهراً ، حتى قدمت الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس ، فبعثت إليه أن جابراً بالباب ، فرجع الرسول فقال : جابر بن عبد الله ؟ فقلت نعم ، فخرج فأعتقني ، قلت حديث بلغني لم أسمعه ؛ خشيت أن أموت أو تموت ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الله العباد - أو الناس - عراة غرلاً بهماً "، قلت : ما بهما ؟ قال: " ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ - أحسبه قال : كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ". ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار ، وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة ". قلت : وكيف ؟ وإنما نأتي الله عراة بهماً ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " (حديث حسن ، الأدب المفرد برقم : 970) .

" وقوله : { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ } أي: من النعم والأموال التي اقتنيتموها في الدار الدنيا {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } ( تفسير ابن كثير : 3/302 ) .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي، مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " ( رواه مسلم ) .

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ " قالوا : يَا رسول اللهِ ، مَا مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ : " فإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ " ( رواه البخاري ) .

وفي قوله – تعالى - :{ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } بيان لحقيقتين حاصلتين يوم القيامة :

الحقيقة الأولى / بطلان الشرك وخيبة آمال المشركين التي كانوا يعلقونها بغير الله .

وقد دلت على ذلك آيات كثيرة منها قوله – سبحانه - : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }[الأنعام : 22 - 24].

وقوله – تعالى - :{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ }[الأنبياء : 98 - 100] .

الحقيقة الثانية / تقطع الصلات التي كانت بينهم وبين آلهتهم في الدنيا . بل وتنقلب عداوات . كما قال – تعالى - : {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}[العنكبوت:25].

وقال – تعالى - :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة : 165 - 167] .

وقال – تعالى - :{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:5-6].

وجمع الله – تعالى – هاتين الحقيقتين في سورة الشعراء فقال : { وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) } .

مثل وقوفك يوم العرض عريانا *** مستوحشاً قلق الأحشاء حيراناَ
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ *** على العصاةِ ورب العرش غَضباناَ
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَل *** فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:03 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.