أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
31012 103800

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-05-2013, 07:52 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب (22) : الحسد أنواعه وأسباب الوقاية منه .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على نعمه ونواله وصلى الله وسلم على محمد وآله . أما بعد :

فقد ثبت عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " الْعَيْنُ حَقٌّ "(متفق عليه).
وعن أبي سعيد – رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من عين الجان وعين الإنس"
( صحيح رواه النسائي برقم : 5494 ) .
وعن عبيد بن رفاعة الزرقي قال قالت أسماء يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين فأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين " (صحيح رواه ابن ماجه برقم : 3510) .

لقد دلت هذه الأحاديث على أن العين حق ، وأنها من أسباب الشر التي تصيب العباد ، وهي خصلة ذميمة ، يشرع للعبد أن يدفع شرها وضررها عنه بالأسباب الشرعية .

والعين قد تكون على سبيل الإعجاب كإعجاب الأم بولدها فيتضرر المعيون فمن أعجبه شيء من نفسه أو ولده أو إخوانه فليدع له بالبركة عند هذا الإعجاب كما قال – صلى الله عليه وسلم - : " عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ " أي : كأن تقول : بارك الله لك في كذا وكذا مما أعجبك .

وقد تكون على سبيل الكراهة فهي الحسد . وللحسد ثلاث مراتب مذمومة :

أحدها : أن يقوم في نفسه كراهة النعمة على المحسود ، وإن لم يتمن زوالها .

الثانية : أن يتمني زوال النعمة عن المحسود . بأن يرتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح .

الثالثة : كراهة أن يحدث الله للمحسود نعمة بل يحب أن يبقى على حاله من جهله أو فقره أو ضعفه أو شتات قلبه عن الله أو قلة دينه فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب .

وهناك نوع رابع من الحسد يقال له : ( حسد الغبطة ) وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير كراهة للنعمة عليه ولا تمني زوالها عنه ، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا " ( متفق عليه ) .

فهذا قريب من المنافسة وقد قال - تعالى -: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ، فهو غير مذموم لأن الحامل لصاحبه عليه كبر نفسه وحبه خصال الخير والتشبه بأهلها والدخول في جملتهم .

والحسد المذموم من أوصاف الكفار من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب ، كما قال – تعالى - :{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [ البقرة : 109] .
وقال :{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء : 54] .
وقال :{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم : 51] .
قال الكلبي كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ثم يرفع جانب خبائة فتمر به الإبل فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها طائفة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله بالعين ويفعل به كفعله في غيره فعصمه الله تعالى وحفظه وأنزل عليه {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } هذا قول طائفة .

وقالت طائفة أخرى - منهم ابن قتيبة - : ليس المراد أنهم يصيبونك بالعين كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن الكريم نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك لولا حفظ الله وعصمته فهذا أشد من نظر العائن .

واعلم – عبد الله - أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب ذكرها ابن القيم - رحمه الله - :

أحدها : التعوذ بالله تعالى من شره والتحصن به واللجوء إليه ، واستعمال الوارد في شرعه ومن ذلك ما جاء عن أبي سعيد قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من عين الجان وعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك "
( صحيح رواه النسائي برقم : 5494 ) .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا »(رواه مسلم).

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَقَعَتْ صِفَةُ الِاغْتِسَالِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عِنْدَ أَحْمَدَ والنسائي وصححه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَاءٍ حَتَّى كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَلُبِطَ أَيْ صُرِعَ وَزْنًا وَمَعْنًى سَهْلٌ فَأَتَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ فَدَعَا عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثم يصب ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ عَلَى رأسه وظهره ثم يكفأ الْقَدَحَ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " . انْتَهَى (انظر السلسلة الصحيحة : 6 / 148 ) .

الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه فمن اتقى الله تولى الله حفظه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لعبد الله بن عباس : " احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ " ( رواه الترمذي ) .

الثالث: الصبر على عدوه بأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً فما نصر أحد على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه كما قال - تعالى - : {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران : 120] .

الرابع: التوكل على الله {وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق : 3] أي : كافيه من كل ضرر .

الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به وكلما خطر له فلا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه ؛ فإن هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه فإذا لم يتعرض له بل انعزل عنه لم يقدر عليه فإذا تماسكا وتعلق كل منهما بصاحبه حصل الشر .

السادس: الإقبال على الله والإخلاص له قال - تعالى - حكاية عن عدوه إبليس : {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص : 81 – 82] ، فالإخلاص من أعظم أسباب النجاة من الأعداء .

السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه فإن الله تعالى يقول {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [ الشورى : 30] . فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب .

الثامن: الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق وإن أصابه شيء كان معاملاً فيه باللطف وكانت له فيه العاقبة الحميدة كما قال – صلى الله عليه وسلم - :" صنائع المعروف تقي مصارع السوء و الآفات و الهلكات " (صحيح الجامع برقم : 3795 ) .

التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه كما قال - عز وجل - : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت : 34 - 35] .

العاشر: وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم قال - تعالى -: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [الأنعام: 17] .

فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن وليس له أنفع من التوجه إلى الله وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.