أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
16329 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07-08-2012, 06:02 PM
أم عامر أم عامر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
الدولة: الإمارات
المشاركات: 79
افتراضي [ تفريغ ] كلمة قيمة حول شهر رمضان - مشهور بن حسن آل سلمان

هذه كلمة قيمة من الشيخ الفاضل: أبي عبيدة مشهور آل سلمان –حفظه الله تعالى- اسأل الله أن ينفعني وإياكم بها:

للاستماع إلى الكلمة:
http://www.mashhoor.net/inside/Lesso...dan07-10-1.mp3

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد :


فكلمتي إليكم –أيها الإخوة الأحبة- ، في هذه الليلة المباركة – في الليلة الأولى من العشر في ليلة العشرين – فيها صلة بالكلمة السابقة ، تكلمت فيما سبق عن الاستقامة بعامة ، واليوم سأتكلم عن معالم تعين القائم في العشر الأواخر على الاستقامة ، وذكرت لكم أن الاستقامة تتولد من مزيج من الهمة والعلم ، فلا يمكن أن ينال الاستقامة إلا من كان على دراية بدين الله ، ولذا فأنا مضطر لأن أبين أشياء مهمة ولكن كل معلم من هذه المعالم يحتاج إلى محاضرة خاصة، فسأضغط الكلام ، وسأتكلم بإذن الله تعالى بما يعين ، والله هو الهادي سبحانه وتعالى.


بداية أنبه على أهمية رمضان بالجملة ، وعلى المقصد الشرعي لرمضان ، إن أردت أن تعلم أهمية رمضان بالمماثلة والمشابهة ، فاعلم أن الله خلق الخلق ، واختار من بينهم محمدًا ، وخلق الأمكنة واختار من بينها مكة ، وخلق الأشهر واختار من بينها رمضان ، فإذا أردت أن تعرف رمضان وفضله بالنسبة إلى غيره ، فاجعل رمضان مثل محمد صلى الله عليه وسلم ، ففضل محمد على سائر الخلف كفضل رمضان على سائر الشهور ، وفضل مكة على سائر البقاع كفضل رمضان على سائر الشهور؛ فإذن نحن الآن في موسم ، وفي مغنم ، وإذا اجتمع هذا الموسم فيه فضل الزمان ، وفضل المكان ، فكان رمضان في العمرة "من أدى عمرة في رمضان [كانت] له كحجة" في حديث أبي حميد الساعدي وفي إسناد صحيح فيه زيادة: "كحجة معي" ، فإذن رمضان ليس كسائر الأشهر.

مما وقع فيه خلاف بين أهل العلم أن هذه العشر – العشر الأواخر من رمضان- مع العشر الأوائل من ذي الحجة ، أيضا فيها فضل ، وقد ثبت في صحيح البخاري : "أن العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من الجهاد في سبيل الله" ، [وقعت مفاضلة بين العلماء حتى نعلم أهمية العشر الآن، حتى نفهم أهمية العشر نجري مقارنة بين العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة الذي يَفضل الجهاد في سبيل الله] وبين العمل الصالح في عشر الليالي الأخيرة من رمضان ، أيهما أفضل ؟

قال العلماء: العمل الصالح في ليالي العشرة الأواخر من رمضان أفضل من العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة ، والعمل الصالح في نهار ذي الحجة في العشر الأوائل أفضل من العمل الصالح في نهار العشر الأواخر من رمضان. ليالي رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة ، ونهار ذي الحجة أفضل من نهار رمضان ، لكن مع هذا فللنهار فضل في رمضان ، ولليالي ذي الحجة فضل ، كيف لا! والله تعالى قد أقسم بها ، فقال: {وليال عشر} وهي الليالي الأوائل من ذي الحجة.
أنتقل إلى المعلم الثاني ، وينبغي أيضا أن ننتبه إليه ، قال بعض السلف: " من سلمت له ليلة القدر من بين سائر الليالي ، ويوم الجمعة من بين سائر الأيام ؛ فهو على خير" فأسأل الله رب العرش العظيم أن تسلم لنا الجُمع ، وأن تسلم لنا ليلة القدر.
ربنا جل في علاه يقول في أوائل الأنعام: {ثم قضى أجلا} هو الله عز وجل ، {وأجل مسمى عنده} لو نظرنا في كتب المطولات ، لوجدنا أن هناك أقوالا عديدة وكثيرة في تفسير الأجل الذي قضاه الله ثم الأجل المسمى عنده ، جماهير المفسرين يقولون: {هو الذي قضى أجلا} أجل الإنسان مِن حمله إلى وفاته ، {وأجل مسمى عنده} أي الأجل الذي يكون من وفاته إلى [بعثه] ، و[هنالك] أقوال أخرى ذكرها الألوسي مثلا –ذكر ثمانية أقوال- ويهمني من أقواله : القول الأخير- ، قال: {وأجل مسمى عنده} أي عمر الإنسان في الطاعات ، {ثم قضى أجلا} أجلك أيها الإنسان في حياتك من ميلادك إلى وفاتك. كم عمر الإنسان؟ إيش الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ، وقل من يتجاوز ذلك" يعني الأغلب يموت قبل هذا ، ["وقل من يتجاوز ذلك"] هذا معنى قول الله تعالى: {ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده} عمر الإنسان في الطاعات. يعني تخيل لو كُتب على قبرك عمرك في الطاعات ، أو لو حُسب عمرك –الكتابة على القبر غير مشروعة- ، لو حُسب عمرك في الطاعات كم يكون عمرك؟ خلص الساعات التي هي عبادة خالصة من حياتك ، من أكلك ، وشربك ، ونومك ، وعملك ، وذهابك ، ومجيئك ، وجلوسك ، والباطل الذي تخوض فيه ، كم عمرك يكون؟ {وأجل مسمى عنده} كم؟ طيب.

نحن آخر الأمم ونحن أحسن الأمم ، ومن قبلنا كان يعيش الواحد منهم الألف والألفين ، نوح مكث يدعو إلى الله عز وجل {ألف سنة إلا خمسين عاما} فأنى لنا أن نلحق بمن قبلنا؟! واحد يعيش ستين سنة ، وآخر يعيش تسعين –هذا عمره في الطاعات ، وهذا عمره في الطاعات- عوضنا ربنا خيرا ، أتدرون بم عوضنا ربنا ؟ عوضنا بيوم الجمعة ، وعوضنا بليلة القدر. يوم الجمعة يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم -في "سنن أبي داود" في حديث أوس بن شرحبيل، يقول: "من غسل واغتسل ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام ، ولم [يلغُ] إلا كتبت له بكل خطوة يخطوها" -من بيته إلى المسجد ، ومن المسجد إلى [البيت] في الذهاب والإياب- "إلا كتبت له بكل خطوة يخطوها قيام سَنة وصيامها" عد أعمارك في الطاعات الآن يزداد العمر الآن كل خطوة يخطوها قيام سنة ، وكل خطوة صيام سنة كريم جواد سبحانه ما أكرمه {وأجل مسمى عنده} إذن قد يطول العمر لكن هذا يحتاج إلى احتساب.

وكذلك ليلة القدر ، فسمعنا في صلاة العشاء في الركعة الثانية عن ليلة القدر {ليلة القدر خير من ألف شهر} الألف شهر كم عام؟ قرابة أربعة وثمانين عاما ، رجل عاش في صلاح ، فأدرك أربعين ليلة قدر ، خمسين ليلة قدر ، كم عمره في الصالحات؟ يفوق [...] تحتاج [لحسابات] ، لكن بلا شك أنه يفوق ، فمن رحمة الله بنا أن خصنا بليلة القدر.

المقصد الأصلي -إخواني- من الصيام وقيام رمضان ومن قيام ليلة القدر ، أولا: لا بد من الاحتساب ، إياك أن تصوم لأن من عادة من تعيش بينهم يصومون ، أو أنك تقوم لأن عادة أفراد الأسرة أو الأصحاب أنهم يقومون فتقوم. فالنبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الثلاثة يقول: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ، "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ، "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" لا بد من الإيمان والاحتساب ، عندي إيمان ويقين وأحتسب على الله عز وجل أني أخرج من رمضان وقد غُفرت ذنوبي.

لذا - إخواني- رمضان من إيش اسم رمضان؟ اسم رمضان من الرمض ، وما هو الرمض؟ أثر الحرق ، فرمضان سمي رمضان : لأثر حرق الذنوب التي تقع على الإنسان وعلى الجوارج وعلى القلوب ، وما أكثرها ! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذن : المقصد من رمضان أن تخرج من رمضان وقد غفر ذنبك ، وهذا أمر واجب عليك ، وليس لك فيه خيار ، فقد ثبت من صحيح السنة عن جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي : رقى الدرجة من المنبر فقال: "آمين" ثم الثانية ، فقال: "آمين" ، ثم الثالثة فقال: "آمين" ، ثم أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن جبريل قد جاءني آنفا فقال: "يا محمد [رغِم أنفُ رجل] -[أو] بعد رجل- أدرك رمضان ولم يغفر له ، [فقل]: آمين ، فقلت: آمين" فالذي يدرك رمضان ويخرج من رمضان ولم يُغفر له ذنبه [يكون] قد دعا عليه أمين السماء ، وأمّن على دعائه أمين الأرض ، دعا عليه جبريل ، وأمن على دعائه محمد عليهما الصلاة والسلام .
فإذن من معالم الاستقامة في رمضان أن تنال [شهادة] غفران الذنوب.

الأعمال الصالحة لها محاور ولها مناح متعددة كما يقول الإمام ابن القيم في "المنار المنيف" ، فبعض الأعمال تحرق الذنوب ، وبعض الأعمال ترفع الدرجات ، وبعض الأعمال تقرب إلى رب البريات ، وأحسن محور من هذه المحاور: القرب إلى الله ، أن تكون تقريبا من الله ، تستشعر أن الله معك ، أن الله يحميك ، أنك تلوذ به ، أنه مولاك سبحانه وتعالى ، هذا المحور الثالث هو الذي ينبغي أن يُحصِّله الصائم ، غفران الذنب هذه الدرجة التي لا بد لكل صائم وقائم أن يحصلها ، لكن بعد ذلك العفو: أثر الذنب الذي قد مُحي ، وغُفر ، أن يمن الله عليك فلا يعاملك بأثره ، السيد قد يخطئ في حقه عبدُه ، فيتجاوز عنه ، ولكن يبقى في نفسه شيء عليه فما يعاتبه ولا يعاقبه ، لكن يبقى في نفسه شيء.

لذا المقصد الأساسي في ليلة القدر أن يكثر العبد من قوله: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" ، إيش العفو؟ يا رب أنت غفرت ، فأنا أطمع الآن بدرجة أخرى أرفع من درجة غفران الذنب إلى درجة أن أثر هذا الذنب لا يمنعني من أن أتقدم في الطاعات ، ومن أن أتقرب إليك ، ومن أن أستشعر بمعيتك ، ومن أن يزول كل عائق قد يكون سببا في عدم تقربي وتقدمي واتساع دائرة العمل الصالح عندي.

أما موضوع الحسنات وهو المحور الثاني الذي اخترناه ، فلا تسألوا عنه ، ففي حديث أبي هريرة في البخاري: "يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحسنة بعشر أمثالها" ثم يقول: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" هذه -إخواني- من دقة المحدثين ، فصلوا القطعة من الحديث التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، والقطعة التي فيها الحديث القدسي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحسنة بعشر أمثالها" هذه الحسنة بعشر أمثالها ، قاعدة عامة ، لكن أكثر ما تتجلى وتظهر في الصيام.

إذن النبي صلى الله عليه سلم يقول: " من صام رمضان [فأتبعه] ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله" رمضان ثلاثين يوم ، شوال ستة أيام ، والحسنة بعشر امثالها ، ثلاثمئة وستين يوما ، تجدد في كل عام ، فكأنك تصوم الدهر كله ، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي" هذا يغنيك عن أن تحسب للحسنات حسابا ، وحتى أقرب ما أريد ، أقول: لو أن رجلا كريما عنده من الأموال ما شاء الله ، وعنده مجموعة من العمال من الأجراء فأحب شخصا منهم ، فقال للمسؤول عن العمال: حاسبوا العمال إلا هذا الشخص حسابُه عندي ، فسيعطيه ما لا يخطر له في بال ! فكأن الله تعالى يقول لنا: سائر الأعمال لها من الثواب والحسنات ما قد أوحيته للنبي صلى الله عليه وسلم أو ما قد بينته في كتابي ، أما الصوم فلا تسألوا عنه فهو لي.

فإذا نظرنا إلى العمل الصالح وهو الصلاة والقيام في محور تكفير الذنوب ، فهذا أمر واجب ، كثرة الحسنات ؛ فهذا أمر لا تسألوا عنه ، أما القرب من رب البريات جل في علاه فهذا الذي يقع للصائم ؛ لأن الله تعالى خلق الإنسان فحرمه في النهار من ملذاته ، وأشغل ليله بمناجاته ، الليل أنت مشغول بالمناجاة ، وفي النهار محروم من اللذات ، فحينئذ النفس تتزكى {قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها}.

ليلة القدر أين تكون؟ كان بعض الصحابة كابن مسعود يقول: "من قام ليالي السَّنة فقد نال ليلة القدر" ، هذا كلام فقيه ، كلام عالم ، إنك "غلام معلَّم" هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ، إيش معنى كلام ابن مسعود؟ بلغ أبي بن كعب ما يقول ابن مسعود ، فقال أبي: والله إنه ليعلم إنها في العشر الأواخر من رمضان ، لكن ابن مسعود يريد أن يقول كلمة أرجو أن تفهموها ، وأرجو الله تعالى أن يرزقنا فقهها والعمل بها ، ابن مسعود يريد يقول: ليلة القدر مقام ومنزلة لا يستحقها كل أحد ، ما يستحقها إلا المشمر في سائر أيام السنة، فيأتي إلى ليلة القدر ، فالله عز وجل يُكرمه بحصيلة أعماله في سائر السنة أن يَنال ثواب ليلة القدر.

أكثر الناس يتسكعون في الطرقات وعلى الملاعب ويصيحون وفي المنتزهات ، ويظنون ليلة القدر تأتي ليلة السابع والعشرين فلا تنام وتبقى واقف وتقول: نلتُ ليلة القدر! وتمشي ، هذه ليلة القدر !!! ليست هكذا ليلة القدر. ومن هذه المشكاة قال سعيد بن المسيب: "من صلى المغرب في جماعة في العشر الأواخر من رمضان نال نصيبا من ليلة القدر" ، ليلة القدر متى تبدأ؟ في قيام رمضان؟ من صلاة التراويح؟ أم تبدأ من أذان المغرب؟ أم بين أذان المغرب والعشاء غير محسوب هذا ؟ ليلة القدر تبدأ من المغرب ، فمن فقه سعيد بن المسيب قال: "من صلى المغرب في جماعة في العشر الأواخر من رمضان نال نصيبا من ليلة القدر".

من رحمة الله بنا أيها الإخوة أن الله تعالى جعل ليلة القدر في العشر الأواخر ، أتدرون لم؟ حتى لما نصل إليها نكون قد هذبنا أنفسنا ، وعودنا أبداننا ، وأخذنا نصيبا من المجاهدة ، ابن مسعود يقول: "المجاهدة تبدأ من أول السنة" من أول شوال تبدأ المجاهدة حتى تأتي ليلة القدر ، فتكون قد أخذت واستعددت ، كالطالب الذي يذاكر للامتحان النهائي الشامل تجده يحسب لهذه الساعة يحسب حساب أوقات طويلة .

إذن ليلة القدر أيها الإخوة من رحمة الله بنا أنها كانت في العشر الأواخر.

الذي يقرأ الأحاديث – وقد بسط ابن حجر في الفتح أقوال العلماء والأحاديث الواردة في ليلة القدر – فيجد أحاديث صريحة تكاد أن تكون صريحة جدا أن ليلة القدر في ليلة الخامس والعشرين ، وأحاديث أخرى الثالث والعشرين ، وأحاديث أخرى السابع والعشرين ، وأحاديث أخرى التاسع والعشرين ، وبعض الأحاديث الواحد والعشرين ، والراجح من أقوال أهل العلم: أن ليلة القدر تكون في ليالي الوتر من العشر الأواخر ، وتكون كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "وتكون دوارة بين هذه الليالي". إيش يعني دوارة ؟ يعني قد تكون في سنة من السنوات ليلة الواحد والعشرين ، وفي سنة أخرى ليلة الخامس والعشرين ، وفي سنة في ليلة السابع والعشرين وهكذا، فليست ليلة القدر فقط ليلة السابع والعشرين ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء العشر: "أيقظ أهله ، وشد مئزره – يعني هجر النساء- وأحيى ليله". كان يطيل في [إحياء الليل.
قيام رمضان كان بعيدا عن الكلفة ، ما كان فيه كلفة في العصر الأول الأنور ، النبي صلى الله عليه وسلم أقام الليل مرتين أو ثلاثة جماعة ، فجاء الصحابة ، خشي النبي صلى الله عليه وسلم إن داوم على قيام رمضان أن يُفرض على الأمة ، فرحمة بهذه الأمة ترك النبي صلى الله عليه وسلم المجاهرة بقيام رمضان ، ورغّبهم فيه وأشار [في] ترغيبه جواز أن يجتمعوا على جماعة في المسجد ، فقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتبت له قيام ليلة" هذا أجر قيام ليلة ، ولكن قد يحصل للإنسان قيام ليلة في ثمان ركعات سريعات تستغرق بعض دقيقات ، ولا يستشعر بالقرب من رب البريات!
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ [أواخر] البقرة قبل أن ينام فقد كفتاه" أي كفتاه عن قيام الليل ، فموضوع أن تنال قيام ليلة سهل ، لكن صعب أن تستشعر بقربك من مولاك ، وأن تستشعر أن الله معك جل في علاه ، وهذا الذي يحتاج إلى جد واجتهاد ، ويحتاج إلى مناجاة وقوف قيام وتعب ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في سائر أيام السنة وفي رمضان وكانت عائشة تقول كما في الصحيحين: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا فلا تسألوا عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسألوا عن حسنهن وطولهن" إيش يعني "عن حسنهن وطولهن"؟ [الصلاة حسناء ، ركوعها كقيامها] ، الاعتدال في القيام كالركوع وهكذا .

وإذا أردتم أن تعرفوا شيئا من معنى المجمل في حديث عائشة ، فانظروا مثلا [إلى] حادثة وقعت لابن عباس – وابن عباس دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل ، وأن يفقهه في الدين ، وكان كذلك- يقول : "بت ليلة عند خالتي ميمونة وكانت نوبتها من رسول الله" [يعني: ليلتها، وكانت ميمونة من أمهات المؤمنين، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم] ، قال: " فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فطلب الوضوء ، فأُعد [له] الوضوء فتوضأ ، ثم قام يصلي " ، في بعض الأحاديث فيه تفصيل فيقول: " فوقفت على يساره ، فأخذني النبي صلى الله عليه وسلم من أذني وجعلني عن يمينه " كان صغيرا ، وقع لبعض الصحابة تفصيل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فاستفتح بالبقرة فقلت يقرأ الخمسين من البقرة فيركع ، قال فقرأ الخمسين وتعداها ، قلت يقرأ المئة ويركع ، قال فقرأ المئة وتعداها ، قلت يقرأ المئة والخمسين ويركع ، قال فقرأ المئة والخمسين وتعداها ، قلت يقرأ البقرة ويركع ، قال فقرأ البقرة واستفتح بالنساء ، فقلت يقرأ الخمسين من النساء ويركع ، قال فقرأ الخمسين وتعداها ، قلت يقرأ المئة من النساء ويركع ، قال فقرأ المئة وتعداها ، قلت يقرأ النساء ويركع ، قال فقرأ النساء [ورجع] إلى آل عمران ، فقلت يقرأ الخمسين ويركع ، قال فقرأ الخمسين وتعداها ، فقلت يقرأ المئة ويركع ، قال فقرأ المئة وتعداها ، قلت يقرأ آل عمران ويركع ، قال فقرأ آل عمران وركع ".

هذا شيء من معنى [قول] عائشة : "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" في ركعة واحدة ، ولهذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم طويلة جدا ، والناس في اقتدائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم متفاوتون ، ولا سيما في طول صلاتهم .
ولذا كان الناس في زمن أبي بكر كل على استعداده فكما في موطأ مالك: كان الناس يصلون القيام في زمن أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عِزين وجماعات متفرقات. عزين: يعني كل واحد يقوم وحده متفرقين، أو كل مجموعة يصلون جماعة ، والناس يصلون صلاة طويلة ، والذي يقرأ في باب قيام رمضان أو قيام الليل في رمضان في موطأ مالك يجد عجبا ! يجد آثار عن متوسطي وصغار التابعين يقولون: كنا نصلي القيام ، ونتكأ على العصيّ من طول القيام ! يعني: يضع عصا يتكئ عليها من شدة القيام، ويقول الأعرج: كنا ننصرف من قيام الليل في رمضان فنستحثُّ الخدم على المسارعة في إعداد السحور مخافة أن يدركنا الفجر.
الليالي كلها كانت لله جل في علاه يصلون صلاة طويلة جدا ، وسمعنا في قيام ليلة أن الناس ثلاثة أقسام: السابقون السابقون ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال ، الله قال عن السابقين: {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} ، وقال عن اليمين: {ثلة من الأولين و[ثلة] من الآخرين} طيب هل (الآخرين) [{وقليل من الآخرين} لهم] زمن محصور؟ أم هم باقون إلى يوم الدين؟ هم باقون إلى يوم الدين ، ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " في كل قرن سابقون" ، فالحمد لله عز وجل الذي خلقنا في هذا القرن ، تخيلوا لو كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أين [موقعنا] من الركب !!! [الحمد لله الذي خلقنا في هذا الزمن حتى نسابق ، حتى نسبق] ، حتى يكون لنا وجود ، لكل قرن سابقون ، فلعل الذي يصلي صلاتنا هذه يكون من السابقين ، ولعل صلاتنا هذه كلها لم تكن بمقدار ركعتين عند الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم.
بقى الحال على هذا الأمر وعمر رضي الله تعالى عنه – المحدث الملهم- يرى تفرق الناس ، يرى أن المعدن الجديد الذي نشأ في الإسلام ليس كالمعدن الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقي يتردد ماذا يفعل؟ يخطر في باله أشياء .

ففي ليلة الواحد والعشرين جمعهم ، جمع الصحابة ، جمع الرجال على أبي ، وجمع النساء على تميم الداري ، وجعل للنساء إماما ، وللرجال إماما ، وأخطأ بعض الرواة فقال : صلى عمر إحدى وعشرين ركعة ، والصواب: إحدى وعشرين ليلة ، لما بقى إحدى وعشرين ليلة جمعهم ، إذن جمعهم في ليلة التاسع ، ولم يصل أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي إلا إحدى عشرة ركعة ، وكانوا يصلون من زمن عمر ، كانوا يصلون من أول الليل ، وكان عمر يمر بهم فيجدهم مجتمعين ، فيقول -كما في صحيح الإمام البخاري- يقول: "نعمت البدعة هذه" هذه البدعة هنا ، أي: الاجتماع ، بدعة لغوية ، هذا الاجتماع فعلهُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وترك النبي المداومة عليه محافة أن يُفرض على أمته ، وعلة الفرض زالت بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ انقطع الوحي ، فاستمر الناس يصلون الصلاة التي نصليها ، والظاهر من صنيع عمر أنه كان لا يصليها ، فكان يمر بهم ويقول: "والله إن التي ينامون عنها خير من التي يصلونها" ، أنا ما أريد أقول لكم إن صلاة القيام الفضل والأجر في الجماعة ليس كالفريضة ، الأجر والفضل في الجماعة في الفريضة وليست في النافلة ، لذا بعض أهل العلم يقولون: من صلى في بيته صلاة طويلة ، ولا تتعطل صلاة المسجد بتخلفه ، فصلاته في بيته أحسن من الصلاة في المسجد ، هذا قول عند بعض أهل العلم ذكره ابن عبد البر في كتابه التمهيد ، ولا سيما إذا كانت هذه الصلاة أشبه ما تكون بالصلاة التي يقولون السريعة جدا ، التي أشبه ما تكون بحركات الرياضة ، وبعض السذج قيدما بل بعض البُله قديما نظر إلى ابنه فوجده يصلي صلاة طويلة ، فلما فرغ من صلاته ضربه! وقال: يا بُني أرأيت لو أرسلتُك بحاجة أكنت تستبطئ؟ فالله الذي يأمرك بالصلاة ؛ يعني: تعجل!! هذا منطق أعوج!! الصلاة بين يدي الله عز وجل كلما طولها الإنسان كان أفضل .

لكن أسألكم : ما الذي يمنعنا من أن نصلي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا معلم مهم من معالم الاستقامة في الصلاة ، أولا: الذي يمنعنا ذنوبنا ، ولذا وقع مفاضلة عند العلماء ، أيهما أفضل: أن يصلي الرجل ركعتين طويلتين يستغرق فيهما الساعة والساعتين ، أو أن يصلي [مثلا] ثمان ركعات في الساعتين ، أيهما أفضل؟ الصواب التفصيل: إيش التفصيل؟ الذي ذنوبه كثيرة ، الأفضل في حقه أن يعدِّد الركعات ؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن العبد إذا قام من الليل يصلي وضعت ذنوبه بين كتفيه ، فكلما [ركع] وقام تناثرت ذنوبه عنه ، وأما الإنسان الذي لا ذنوب له أو ذنوبه قليلة فالأفضل في حقه {وقوموا لله قانتين} أن يطيل القيام .

لذا قال العلماء: أيهما أفضل الاستغفار أم التسبيح والتهليل؟ أيهما أفضل أن تقول: استغفر الله ، استغفر الله ، أم تقول: لا إله إلا الله ، سبحان الله؟ أيضا التفصيل: يقول ابن الجوزي: "الاستغفار صابون العصاة ، والتهليل طِيب الطائعين" ، فبعض الناس يحتاج للصابون ، من كان متسخا متلطخا متلبسا بالمعاصي هذا يحتاج إلى الصابون ، ومن لم يكن كذلك هذا يحتاج إلى الطيب ، هذا يحتاج إلى قراءة القرآن ، وإلى التحميد والتهليل [والتسبيح، ولذا الذي يمنعنا من طول القيام.. أهمها: ذنوبنا، وثانيها: إمامنا.

لما سمع بعض التابعين وهو أبو قزعة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وطولها ، فأراد أن يصلي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو سعيد الخدري كما في صحيح [الإمام] مسلم: "إنك لا [تطيقها؛ إنك لا] تقدر عليها".
والله -يا إخوان- لو أن بعض الناس يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في زماننا وهو لا يعلم أنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقام الدنيا عليه وما أقعدها!
كنت أقرأ حديثين فأستشكلهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الأعلى ، وفي الثانية الغاشية ، وكان يقرأ على المنبر {ق} ، كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم قرآنًا ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من مظنة فقه الرجل : طول صلاته ، وقصر خطبته" من علامة فقه الرجل تكون صلاته طويلة ، وخطبته قصيرة ، اجمعوا معي : الصلاة بالأعلى والغاشية ، والخطبة {ق} ، وإذا ذَكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة ، أو ذكر شيئا [غير] {ق} [طالت قليلا] ، أيهما أطول الصلاة أم الخطبة ؟ والنبي يقول : من علامة فقه الرجل أن تكون صلاته طويلة ، وخطبته قصيرة ، كنتُ أستشكل ذلك ، فذات يوم لما زرت شيخنا الألباني رحمه الله ، فذكرت له هذا الاستشكال ، فقال لي: يا أبا عبيدة ، ألا تذكر ما أخرجه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله [تعالى] عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم طويلا ، ثم يركع ، فيكون ركوعه مثل قيامه ، ثم يعتدل ، فيكون اعتداله كركوعه ، وهكذا ؟ الآن زال الإشكال ، عدوا معي : الأعلى في القراءة وفي الركوع مقدار الأعلى ، والاعتدال [من] التسبيح والتحميد بمقدار الأعلى ، والسجود بمقدار الأعلى ، وبين السجدتين بمقدار الأعلى ، والسجدة الثانية بمقدار الأعلى ، ست مرات ، أيهما أطول: أن تقرأ الأعلى ست مرات والغاشية ست مرات ، أم تقرأ {ق} ، زال الإشكال .

فالصلاة طولها ليس في قيامها ، وإنما طول الصلاة في ركوعها ، وفي حسنها ، لذا قالت عائشة: "كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن" وبعد الحسن قالت: "وطولهن".
لو أن الإمام طوّل في القيام ، ثم طول في الركوع ، ثم طول في الاعتدال ، أيهما الأريح للمأموم: أن يقوم طويلا ، ويركع سريعا ، ويقوم سريعا ، أم أن يقوم طويلا ، وأن يركع طويلا ، وأن يعتدل طويلا ، وأن يسجد طويلا ، أيهما أريح للمأموم؟ الأول أم الثاني؟ والله الثاني ، الثاني أريح ، قيام طويل ، الركوع طويل ، الاعتدال طويل ، السجود طويل. ماذا وراءنا ؟! لماذا نهدر أوقاتنا ؟! لماذا [نترك] هذه القصور التي نتفيأ فيها ، ونتبختر فيها ، قلوبنا ومشاعرنا مع قصور القرآن ومع قصور القيام تنتعش وتستشعر برضوان الله جل في علاه ، لماذا نترك هذه الأوقات للقيل والقال ولما تَعلمون ، وكل أدرى منكم بوقته وبليله ، وكيف يقضي ليله ، فعلى الأقل نأتسي ونقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر ، نوقظ أهالينا ، ونحيي ليلنا ، ونشد مآزرنا ، إيش "وكان يشد مئزره"؟ أي يترك جماع أهله [لا يعطي نفسه حظها من الجماع] في العشر ، يحيي الليل ويشد مئزره ، يجد ويجتهد ويترك اللذة والشهوة ، ويُقبل على الله عز وجل ، ويصبر ويصابر في هذه العشر ، ومقصده أولا أن يعفو الله عنه بعد أن يتيقن أن الله غفر ذنوبه حصَّل أن الله قد غفر الذنب ، ثم يمسح أثر الذنب وهو العفو ، للذنب أثر ، أثر في توسع الخير بين يديك ، الحسنة لها أخوات لكن المعصية تحجبك وتقيدك ، أثر على القلب ، أثر على الرزق ، ولذا العبد في ليلة القدر يسأل ربه العفر وليس المغفرة ، الذنوب زالت الآن ، أطمع بأن أثر الذنب أيضا يزول ، ثم أن يطول عمرك في الصالحات ، يزاد عمرك في الطاعات أربعا وثمانين سنة في ليلة واحدة ، يكون عمرك في الصالحات أربعا وثمانين سنة أفضل من [...] كله ، ولذا هنيئا لمن ينال ثواب ليلة القدر ، وهذا الثواب ، وهذا الأثر يقضي منا أن نجد ونجتهد ، وأن نوجد الاستعداد في نفوسنا بالتحمل ، وألا ندخل في الصلاة ونحن نريد الخروج ، تدري من دخل الصلاة وهو ينتظر أن يخرج الإمام ، فوالله لو قرأ الإمام {قل هو الله أحد} لاستثقل الصلاة!
وأخيرا: ما الذي يعيننا على أن نخشع في صلاتنا ؟ هناك موانع تحول دون الخشوع فينبغي أن تزول ، أولا: هناك أسباب تعين على الخشوع ، فينبغي أن تزول أولا ، ثم هنالك أسباب تعين على الخشوع ، فمن أكثر الموانع التي تمنع الخشوع : التخمة ، كثرة الطعام ، وكثرة [الكلام] اللغو {قد أفلح المؤمنين ، الذين هم في صلاتهم خاشعون} بعد هذا : {والذين هم عن اللغو معرضون} تعلمون ما هو اللغو؟ الكلام الحلال الذي لا فائدة منه ، فالمؤمن مُعرض عن اللغو ، المؤمن لسانه من وراء قلبه ، إن تكلم تفكر.

ومن عدم أسباب الخشوع : {أفلا يتدبرون القرآن أم} أي بل {على قلوب أقفالها} والأقفال في العربية وزن أفعال ، والأفعال جمع قلة ، وجمع القلة من ثلاثة إلى تسعة ، فسبب عدم تدبر القرآن يوجِد على القلب أقفال ، قلب مغلق ، والقلوب كما يقول حذيفة ثلاثة أقسام ، يقول حذيفة عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: "القلوب أربعة: قلب فيه سراج يزهر وهو قلب المؤمن، وقلب منكوس وهو قلب المنافق، وقلب أغلف، وهو القلب الكافر، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق فهو لأيهما غلب"

فمن أسباب عدم الخشوع في الصلاة : الأقفال التي على القلوب هي التي من جراء الذنوب " إن الفتن تعرض على القلوب عوداً عوداً كالحصير ، [فأيما] قلب أشربها [إلا]نُكتت فيه نُكتة سوداء ، و[أيما] قلب أنكرها [إلا] نُكتت فيه نُكتة بيضاء ، حتى [تصبح] القلوب علىقلبين : أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، وأسودمرباداً كالكوز مجخياً " كالكوب المقلوب، تصب فيه مياه المحيطات والبحار ماذا يعلق فيه؟ لا شيء!

بعض الخلق –نسأل الله العافية- السيارة لما تتعدد فيها الحوداث نهايتها تكون إيش؟ سكراب ، بعض الخلق كذلك ، من شدة الذنوب أصبح القلب منكوسا ، أصبح لا ينتفع ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يعرف مَعروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب مِنهواه " إذا وافق الهوى يقولك: اتق الله .
فمن أسباب عدم الخشوع في الصلاة أن المحرك عطلان –محرك الآخرة ومحرك القلب للسفر إلى الله جل في علاه- لا يستطيع أن يحلق [فهو] عطلان فيستثقل ، ومن كان هذا حاله [فليلق] بقلبه بين يدي ربه ، وليبكِ [على قلبه] ، وليقل: يا ربّ ليس لي إلا أنت .

ولذا ذكر الله تعالى فيما قرأ أخونا الإمام –حفظه الله- في {الحديد} بعد قول الله عز وجل الآية التي تاب على إثرها الفضيل بن عياض: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} قال الله بعدها مباشرة : {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها} فكما أن الله يحيي الأرض الموات بالماء ، فإن القلب الميت يحييى أيضا بالذكر والقرآن ، ومن كان هذا قلبه في هذه الليالي فليعرِّض قلبه لهذا الماء ؛ لهذا الذِّكر فلعل الخير ينبت ، ولعل الأوساخ والصدأ يسقط ، ولعل هذا المحرِّك يعمل ، فإن هذا المحرك اشتغل طار الإنسان للجِنان ، فأصبح يحلِّق في الحنان وهو على الأرض .

لذا الصلحاء كشيخ الإسلام لما هددوه بالسجن قال رحمه الله تعالى: "سِجني خلوة ، وقتلي شهادة ، وجنتي معي [في] قلبي [حيثما كنت]" .
قال شيخ الإسلام نفسه في تفسير قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} –وسمعنا هذه الآية اليوم- يقول: "الجنتان: جنة حلقات الذكر في الدنيا ، وجنة الآخرة ، ومن لم يجلس في الجنة الأولى يُحرم من الجنة الثانية".

من أسباب الخشوع في الصلاة: أن تفهم ما تقرأ ، وأنصح إخواني وعلى وجه العجل أنصح كل واحد حتى آباءهم كبار السن ، الذين لا يحسنون القراءة أنصحهم أن يسمعوا تفسير سورة الفاتحة ، الوالد يقول لابنته أو ابنه: هذا تفسير ، اسمعني تفسير سورة الفاتحة ، إيش معنى الفاتحة؟ لن يستطيع أحد أن يحقق العبودية الحقة لله تعالى وهو غافل عن معاني سورة الفاتحة ، ينبغي أن يتأمل ويتدبر ، [تفهم] {الحمدلله} إيش الحمد؟ ليش نقول الحمد وما نقول الشكر لله؟ {الرحمن الرحيم} إيش يعني الرحمن ، وإيش الرحيم ، شو الفرق [بين الرحمن والرحيم]؟ نقرأ ما نعرف ، فإذا أردت أن تحصِّل الخشوع في الصلاة لا بد أن نعرف تفسير [سورة] الفاتحة ، فمن أسباب الاستقامة : أن تُحصل [خصوصا] معاني الفاتحة ، الفاتحة جمعت جميع مقاصد كتب الله [ما في صحف إبراهيم و] التوراة ، والإنجيل ، والقرآن ، كل المقاصد الكلية في الفاتحة. والإمام ابن القيم ألف ثلاث مجلدات في تفسير قول الله تعالى : {إياك نعبد وإياك نستعين}.

ثم من أسباب الخشوع في الصلاة: أن تنوع الأذكار ، لا تجعل الصلاة عادة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم في أذكار الاستفتاح كان يُنوع ، في أذكار الركوع : سبحان ربي العظيم تارة ، سبحان ربي العظيم وبحمده تارة ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح تارة ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك تارة ، تُنوِّع ، يقول العلماء: "أثر تنوع الأذكار على القلب كأثر تنوع الطعام على البدن" ، أرأيت لو أنك طوال شهر رمضان يُقدم لك أشهى وأحب صنف من أصناف الطعام تمله من اليوم التالي أو الثالث ! فكلما تنوع الطعام على البدن انتفع به البدن ، واشتهاه الإنسان ، فحتى تدرك الخشوع في الصلاة ؛ نوِّع الأذكار ، واحفظ إن كنتَ تصلي وحدك من جديد محفوظاتك ، لا يبقى لسانك يردد نفس السورة ، فتصبح صلاتك كأن وضعت شيئا في الكهرباء ، وحركات مدروسة معتادة ، تقول: الله أكبر ، ثم ما تردك نفسك إلا وأنت تقول: السلام عليكم ، السلام عليكم ، لا ؛ لا تقرأ نفس السورة في كل ركعة ، في كل صلاة ، ابق مع القرآن ، جدد محفوظك ، في كل مرة احفظ اقرأ شيئا حتى يجتمع القلب مع العقل ، أي الآلة التي لك فيها التدبر ، سنتدبر، وين نتدبر في العقل أم القلب؟ أين يفقه الإنسان؟ بم تفقه؟ بقلبك . تعرف عقلك مثل إيش؟ مثل دِسكات الكمبيوتر ، مخزون فيها بس ، فتخرج من المخزون -مخزون العقل- محفوظ وتنزله على القلب ، والقلب يبدأ يتدبر ، فإذا هذا القلب أصبح يشتغل كالعادة ، ولا تأتيه مادة جديدة تغسله وتشغله ، فيصبح عمل القلب عملا روتينيا وعمل عادة ، فلا يتأثر ، فمن أسباب الخشوع في الصلاة : أن تقرأ الجديد من محفوظك إن كنت تصلي وحدك.
ومن أسباب خشوعك في صلاة الجماعة : التبكير للصلاة ، تبكر للصلاة ، فإذا جئت والدنيا تشغلك ، والقيل والقال يملأ قلبك وعقلك، تقول: الله أكبر ، والأثر الذي كنت فيه يبقى يجول في نفسك.

ومن أسباب خشوعك في الصلاة: أن تقضي حاجتك قبل دخولك في الصلاة ، ولذا يقول أبو الدرداء: "من علامة فقه الرجل: أن يقضي حاجته قبل دخوله في صلاته" ، تنتظر خبر مهم ، تنتظهر شيء مهم ، هذا الخبر انتبه إليه وخذه قبل الصلاة.
جاء رجل في زمن الإمام أبي حنيفة ، خبأ مالا له ، ثم نسي أين خبأه ، فاغتم غما شديدا ، وبدأ يَسأل ، فقالوا له: جوابك ومسألتك عند أبي حنيفة ، وأبو حنيفة ما أدراك ما أبو حنيفة رحمه الله ! – الإمام مالك كان يقول: لو أن أبا حنيفة أراد أن يقنعك أن أسطوانة المسجد ذهب لاستطاع ، جاءته مرة امرأة تبكي ، تقول: مات أبي ولم يعطوني إلا دينارا واحدا من ميراثه ؟ فقال لها : مات أبوك وترك كذا كذا من الورثة وكذا كذا من المال ، ووزع المال ، قال : ولك دينار ! هي تشكو تقول : مات أي ولم يعطوني إلا دينارا ؟ فلما قالت : لم يعطوني إلا دينارا ؛ هو عرف من قولها من الأقارب الذين ورِثوا وما هو مقدار المال الذي تركه أبوها ! كان رجلا ذا فطنة رحمه الله تعالى . فلما سمع أبو حنيفة ، قال أبو حنيفة – والملهوف كما يقولون يتعلق بأي شيء- فجاء إلى أبي حنيفة ، وقال له: يا إمام لقد خبأت مالي ، وجمعته طوال دهري ، وهو كدي وتعبي ، ولا أدري أين خبأته ، ماذا أفعل؟ قال له: قم الليل ، خرج يقول: يقولون لي اذهب إلى أبي حنيفة ، دلوني على رجل مجنون ، أقول له: ضاع مالي ، يقول لي: قم الليل ! فلما جاء الليل فمِن همه استيقظ ، ما استطاع أن ينام نومه الطويل ، فقال: أجرب وصفة أبي حنيفة ، فقام يصلي ، فجاءه الشّيطان في صلاته وقال: مالك في مكان كذا وكذا ليصده عن صلاته ! ففهم فطنة أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

أهم شيء في الشيطان أن يقطع الصلة بينك وبين الله.
لذا قد يحضر البدن في ليلة من ليالي القدر ، ويغيب القلب ، الشبح موجود ، وليلة لم يَستفد منها شيئا ، هذا نال ليلة القدر؟ هذا لم ينل ليلة القدر ، فليلة القدر أن تدركها أن تستشعر بقربك ، وبمناجتك ولذة هذه المناجاة مع الله جل في علاه ، ليست هي ليلة هكذا أن تصلي ، فإن [...] هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم...

إذن أسباب الخشوع في الصلاة أن تقضي حاجتك قبل صلاتك ، قبل أن تصلي تقضي حاجتك ، وتدخل بين يدي الله جل في علاه ، وأنت تستشعر بأنك تقف بين يدي ملك الملوك.
أسألكم لماذا نتوضأ قبل الصلاة؟ ليش الوضوء قبل الصلاة؟ نتوضأ من أجل النظافة ؟ لا ، قد يكون الإنسان نظيفًا ، طيب لو كان من أجل النظافة لما وجد التيمم ، والتيمم لا نظافة فيه {فإن لم تجدوا ماء فتيمموا} لماذا نتيمم أو نتوضأ بين يدي الصلاة ؟ استعداد نفسي ، تجمع نفسك وقوتك وهمتك ؛ لأن تلقى ربك توجد الاستعداد المسبق حتى تقف بين يدي الله.
ذكروا أن الحسين بن علي وهو يتوضأ كان يصفر ويخضر ، كان يتلون ، ويقول: "أنا مُقبل على لقاء علام الغيوب" ، وأصل الوضوء استعداد ، تستشعر بأنك في صلاتك مستعد لمقابلة ربك ، وجود هذا الاستعداد المسبق ، وجود نية الاحتساب لاسيما في قيام رمضان "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا" مِن الأمور المُعينة على الخشوع في الصلاة؟

هذه معالم كلية أحببتُ أن أنبه عليها ، لعلها إن شاء الله تعالى تعيننا على أن نحصِّل الاستقامة في الليالي المتبقية من رمضان .
أسأل الله رب العرش العظيم ، أن يمن علينا وعليكم بالقبول ، وأن يوفقنا لإحياء ليلة القدر ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تفريغ : أم عامر.
وجزى الله الأخت الفاضلة أم زيد خير الجزاء على ما قامت به من مراجعة للنص.
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
رمضان

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.