أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
34086 104572

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الأخوات العام - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-31-2021, 07:41 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي ..أسباب النصر - كلمة للشيخ عبد العزيز بن باز - شرح الشيخ علي الحلبي

بسم الله الرحمن الرحيم


أسباب النَّصر
كلمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
-رحمه الله-


شرح
فضيلة الشَّيخ علي بن حسن الحلبي
-رحمه الله-


إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ -لَا شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
وبعدُ:
...ولما كانت الظُّروف -ولا بُد- مؤثِّرةً في كلِّ مسلم، ولما كان العلمُ حيًّا، ومؤثِّرًا -أيضًا- في قلوب أهلِه؛ رأيتُ أن أقرأ لإخواني... كلمةً قالها سماحةُ أستاذِنا العلَّامةِ الشَّيخ عبد العزيز بن باز -رحمهُ الله- قبل نحو ثلاثين عامًا،وهي محاضرة ألقاها في (الجامعة الإسلاميَّة) -في المدينة النَّبويَّة-، عنوانُها: (التَّقوى سببُ كلِّ خير).
أقتطفُ منها بعضًا من الكلمات السِّمان التي لها أثرُها في النُّفوس، ولها فِعلُها في العقول والقلوب؛ حتى تكون مُسدِّدَةً لقلوبِنا وعقولنا وألسِنتِنا.
...فنبتدئُ بكلمةِ سماحة الشَّيخ ابن باز -رحمه الله-، ونربطُها بشيءٍ من الواقع الذي نحن فيه، مع أنَّها تبدو وكأنَّها كُتبتْ لهذا الواقع -نفسِه-والله المستعان-.
* قال سماحة الشَّيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-تعالى-بعد مقدِّمة فيها بيان لأهميَّة التقوى-:
«... والإنسان محتاج إلى العلم والبصيرة والهدى، ولا سبيلَ إلى ذلك إلا بالتَّقوى، كما قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾».
أقول:
بعض النَّاس يربط التَّقوى بالعلم ربطَ السَّبب بالمسبَّب! وهذا خطأٌ، فيفهمون على ضوء ذلك قولَ الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾: بأنَّ التَّقوى -وحدَها- هي سببُ العلم، وهذا خطأٌ تكلَّمنا عليه مرارًا، وبيَّنَّا وهاءَه تكرارًا.
ولكنْ -مِن باب التَّوكيد- أقول:
التَّقوى وعاءٌ، والعلمُ هو ما يُصَبُّ في هذا الوعاء، فإذا كان العلمُ بغير تقوى؛ كان وَبالًا على صاحبِه!
وإذا وُجدت التَّقوى بغير عِلم؛ فهي التَّقوى المنقوصة؛ لأن (التَّقوى) مِن: (الاتِّقاء)؛ فكيف تتَّقي شيئًا وأنت لا تَعلم حدودَه، ولا تعرف أحكامَه، ولا تفهمُ أصولَه وفروعَه؟!
إذا اتَّقيتَ اللهَ يجبُ أن تعرفَ ما عند الله من حلال -باتِّباعه-، ومِن حرام -باجتِنابِه-؛ فلذلك قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾؛ فبالتَّقوى تُحَصِّل هذا الفرقانَ الذي تُميِّزُ به بين الحقِّ والباطل، وبين الهدى والضَّلال، وبين الصَّواب والخطأ.
ولكنْ؛ كما قلتُ: التَّقوى -هنا- هي الوعاء الحامي، والجدارُ الفاصلُ بين الفجور -من جهةٍ-، والاستِقامة -من جهةٍ أخرى-، بين الخلل في الإيمان -من طرف-، وبين الاستقامة على أمرِ الله -من طرف آخر-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«والفرقانُ -كما قال أهلُ العلم- هو النُّور الذي يُفصَل به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضَّلال».
أقول:
نعم؛ ولكنْ؛ لا تَقوى إلا بالعلم؛ فقد توجَد تقوى عند بعضِ النَّاس بمعنى: (العبادة)، أو بمعنى: (كثرة الذِّكر)! فنقول: هذا بابٌ حسن؛ لكنَّه ليس هو الأمرَ الواجبَ -كُلَّه-؛ الأمرُ الواجبُ أن تعرفَ حُدودَ الله وأحكامَه، وأن تفهمَ الحلالَ والحرامَ، وأن تعرفَ ما يجبُ عليك من واجب الوقت، أو من الواجب الموسَّع الذي يُمليه عليك شرعُك الحكيم.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«ولا يخفى على من تأمَّل أن (الاجتهادَ في طلب العلم) و(التَّفقُّهَ في الدِّين) مِن جُملة التَّقوى».
أقول:
هذا ما أشرنا إليه، وهذا ما يؤصِّله ويقرِّره سماحةُ أستاذِنا الشَّيخ -رحمه الله-.
وهذا منه تأكيدٌ وتثبيتٌ -زيادة-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وبذلك يحصُلُ النُّورُ والهدى، وهما الفرقان».
أقول:
﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ بماذا يحصلُ الفرقان؟!
بالنُّور و الهدى اللَّذَين هما: الاجتهادُ في طلب العلم، والتفقُّه في دين الله -عز وجل-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فالتَّقوى كلمةٌ جامعةٌ؛ حقيقتُها: الإيمانُ، والعملُ الصالح، كما قال الله -جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾».
أقول:
فهل تتحصَّل لك التَّقوى بغير إيمان؟!
لا يُمكن.
كيف يتحصَّل لك الإيمانُ بغير عمل صالح -على التَّفصيل المعلوم عند أهل العلم-؟!
فالعملُ الصالحُ؛ هو أعظمُ واجبٍ في الإيمان، وبغير العمل الصالح لا يكون المؤمنُ مؤمنًا حقًّا:
﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
فالإيمانُ إذا دخل في القلوب تُرجِم إلى عمل، وتُرجِم إلى قول، وتُرجِم إلى صدقٍ في التَّعامُل، وتُرجِم إلى الشُّكر لله -كما يُريد الله-عزَّ وجلَّ-...
والشُّكر لله: يكون بالقول، ويكون بالعمل، ويكون بالاعتِقاد.
فالتَّقوى حقيقتُها: التزامٌ بأمر الله -كما قال بعضُ أئمَّة التَّابعين-: التَّقوى: عملٌ بطاعة الله، على نور من الله، ابتغاءَ مرضاة الله، واجتِنابٌ لمعصية الله، على نورٍ من الله، ابتغاءَ مرضاة الله.
فهي: علمٌ وعمل، فعلٌ وكفٌّ، التزامٌ وتَرْكٌ.
هكذا تتحصَّل التَّقوى، ويحصلُ عليها أصحابُها من أهل الإيمان.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وكما قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾».
أقول:
هذه هي التَّقوى، وهذا جزاءُ أهل التَّقوى: الحياةُ الطيِّبةُ، والنَّجاةُ عند الله -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة.
وليست التَّقوى مجرَّدَ دعوى!
فكثيرٌ من النَّاس -من سُفهائهم، ومِن رَعاعهم، ومن هَمَجِهم- تأمرُه بطاعة، أو تَنهاهُ عن مُنكر، تأمرُه بِسُنَّة، أو تردعُه عن بدعة؛ فيقول لك: الإيمان في القلب!
هذه مقولةُ أهل العجز، وهذه قالةُ المضلِّين الضَّالِّين، الذين -لا أقول: يحسَبون أنَّهم يُحسِنون صُنعًا-؛ بل أقول: يعلَمون أنَّهم يَفعلون شرًّا!
وإلا: فإنَّ الله -عز وجل- عندما أنزل الكتبَ وأرسل الرُّسلَ، وكان في ذلك أمرُه ونهيُه؛ لم يكن ذلك -فقط- من أجل الثَّقافة! ومن أجل عموم المعرفة! وإنَّما كان ذلك -كلُّه- ابتلاءً لعبادِه؛ ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فالتَّقوى حقيقتُها: إيمانٌ صادقٌ بالله ورسولِه، وبما أخبرتْ به الرُّسلُ عمَّا كان وعمَّا يكون، ثم عملٌ صالح».
أقول:
إِذَنْ: إيمانٌ وعملٌ صالح.
وعليها مَدارُ الصَّلاح، والفلاح، والنَّجاح.
وبسبب هذا -كلِّه- يدخُلُ أهلُ الإيمانِ جنَّة الرَّحمن.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وهو مقتضى (الإيمان) وموجبُه؛ ومن ذلك: التَّعلُّم، والتفقُّه في الدِّين، وهما من التَّقوى -كما تقدَّم-؛ ولذلك رتَّب اللهُ على التَّقوى الفرقان: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾.
لأن مِن شُعَبها: التَّعلُّمَ، والتَّفقُّهَ في الدِّين، والتَّبصُّرَ بما جاء به المصطفى -عليه أفضلُ الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم-».
أقول:
فلا تكونُ التقوى حَقَّةً إلا بالتَّفقُّه في الدِّين، ولا تفقُّهَ في الدِّين إلا بالعلمِ بالكتاب والسُّنَّة، والتَّعلُّمِ لأحكامِهما، والالتزامِ بِهديِهما.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-وهنا يبدأ الكلامُ فيها نحن فيه من نوازلَ ومن فتن-:
«فالإنسانُ قد تضيقُ أمامَه الدُّروبُ، وتُسَدُّ في وجهه الأبوابُ في بعضِ حاجاتِه؛ فالتَّقوى هي المفتاحُ لهذه المضائق، وهي سببُ التَّيسير لها؛ كما قال -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾».
أقول:
فالضِّيق الذي يعيشُه المسلمون -اليوم-، والذي تعيشُه الأمَّة -اليوم-؛ ليس له من فَرَجٍ إلا بالتَّقوى، ليس له من يُسرٍ ولا تيسير -ولا دفعَ لهذا العسر وذاك التَّعسير- إلا بالتَّقوى.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-وتأمَّلوا!-:
«وقد جرَّب سلفُنا الصَّالحُ؛ وم الصَّحابةُ -رضي اللهُ عنهم- وأتباعُهم بإحسان-، كما جرَّب قبلَهم رسلُ الله -عليهم الصَّلاة والسَّلام- الذي بعثهم الله لهداية البشر، وحصَلوا بالتَّقوى على كلِّ خيرٍ، وفتحوا بها باب السَّعادة، وانتصروا بها على الأعداء، وفتحوا بها القلوبَ، وهَدَوا بها البشريَّة إلى الصِّراط المستقيم».
أقول:
عندما قال الله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ ليس ثَمَّةَ مُعارَضةٌ -كما قد يُتَوهَّم- بينهما وبين قول الله -عز وجل-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾؛ فالمقصود بـ(حق التَّقوى) -هنا- ليس كمالَها؛ فهذا الكمال لا يحصل عليه إلا أهلُ العصمة؛ وإنَّما المقصود -هنا- بـ(حق التَّقوى)؛ أن تكون هذه التَّقوى موافِقةً للحق، ليس فيها ما يُتوهَّم أنَّه تقوى! أو يُظنُّ أنَّه تقوى! وليس من التَّقوى!!
لذلك؛ قال في الآية الأخرى -من حيثُ التَّطبيقُ لهذه التَّقوى-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
واللهُ -عز وجل- يعلم حقيقةَ خَلْقِه، وما يُصلِحُهم، وما يَصلُحُ لهم: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؛ فكيف يأمرُهم بما لا يستطيعون؟!
فـ(حق التَّقوى) هو أن تكونَ هي على الحق، لا أن تكون تقوى متوهَّمة، أو موهومة، أو مظنونة!!
لذلك؛ لما قام الرَّسولُ الكريم ﷺ وكذا الصَّحابةُ -رضي اللهُ عنهم-ثم-مِن بَعدِهم- التَّابعون لهم، وأتباعُهم من السَّلف الصَّالح-؛ لما قاموا بالتقوى حقَّ التَّقوى -فيما يستطيعون منها-: نصرَهم اللهُ -تبارك وتعالى-.
من أجل ذا؛ قال بعضُ الْكُتَّاب المعاصرين -عندما قام المسلمون بالتَّقوى، وفتحوا البلادَ، وهَدَوا العبادَ-: وصلت دعوةُ الإسلام من (فَرْغانة) إلى (غانا) -(فَرْغانة) في الاتِّحاد السوفييتي السَّابق، و(غانا) في أقصى أفريقيا-.
أي: أن الله -عز وجل- هيَّأ لهم أسباب الخير والنَّصر -كلَّها-؛ لتشمل الدِّينَ والدنيا -جميعًا-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وإنَّما حصلت لهم القيادةُ للأمم، والذِّكْرُ الجميل، والفتوحاتُ المتتابعةُ بسببِ تَقْواهُم لله، وقيامِهم بِأمرِه، وانتِصارِهم لِدينِه، وجَمْعِ كلمتِهم على توحيدِه وطاعته».
أقول:
هذا هو النَّظرُ الحقُّ الذي يجب أن يكون.
أكثرُنا اليوم -وقد أبالِغ فأقول: كلُّنا! وأخشى مِن هذا!- أكثرُنا -اليوم- يَنظُر إلى معايير النَّصر كما يَنظر إليها الأعداء! كما يَنظُر إليها مَن نحارِبُهم ويُحارِبوننا!!
فإذا كانت نظرتُنا إلى عدوِّنا كنظرةِ عدوِّنا لنا! وإذا كانت معاييرُ النَّصر والتقدُّم هي نفسَ معايير النَّصر والتَّقدُّم عند مَن لا يرقُبون في المؤمنين إلًّا ولا ذِمَّة!! فهذه هي -واللهِ- بدايةُ النِّهاية!!
بمعنى: أنَّ معايير النَّصر عند أهل الإسلام مرتبطةٌ بمقدار نصرِ المسلمين لربِّهم، فأما إذا تخلَّف نصرُ المسلمين لربِّهم؛ فسيتخلَّف -ولا بُدَّ- نصرُ المولى -سبحانه وتعالى- للمسلمين.
فالأعداءُ لَما قصدوا هذه الآليَّةَ في الفهم والتصوُّر، وعاشوا حياةً ماديَّةً قائمةً على الشَّهوات، وقائمةً على الملذَّات، وقائمةً على الأموال والمادِّيَّات، لا يَعرفون النَّصر إلا بالسِّلاح! ولا يَعرِفون من أسبابِه إلا الآلةَ الحربيَّة!
نعم؛ هي مطلوبةٌ في ديننا؛ لكن: في الدَّرجةِ الثَّانية، وليست في الدَّرجة الأولى؛ إنَّما المطلوب في الدَّرجة الأولى -مِنَّا- هو الإيمانُ باللهِ -تعالى- والعملُ الصَّالح.
وعن أبي الدَّرداء -كما في "صحيح الإمام البخاري"- إنَّما تُقاتِلون بأعمالِكم.
ليس فقط -أقول: ليس فقط؛ حتى لا يُفهمَ عنِّي غيرُ ما أقول!- ليس فقط بالسِّلاح والبندقيَّة -و..و.. إلى آخرِه من المادِّيَّات-؛ فهذه في الدَّرجة الثَّانية -كما قدَّمتُ-؛ وأمَّا الدَّرجةُ الأولى: فهي صِلة العباد بِربِّ العباد: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.
فلْنَنظُرْ: ولْنَعتَبِر، ولْنتأمَّلْ:
في (يوم الأحزاب): كيف كانت الْكِفَّة، وكيف صارت؟!
في (يوم بدر): كيف كانت المعايير، وكيف آلَت؟!
وفي المقابل:
في (يوم أُحُد): كيف كانت النَّتائج، وكيف تبدَّلتْ؟!
وفي (يوم حُنَين): كيف كانت الحقائق، وكيف انعكست؟!
هذه -كلُّها- دُروسٌ للأمَّة...
ومع أنَّها دروسٌ للأمَّة، والأمَّة تتلوها، وتتدارسُها، وتتذكَّرها، وتتذاكرُها -آناءَ الليل وأطرافَ النَّهار-؛ فلا تزالُ الأمَّة -وللأسف- واقعةً في الحفرةِ ذاتِها! وملدوغةً من الثُّعبان نفسه! غيرَ متَّعظة بأنفسِها، فضلًا عن أن تتعظَ بغيرِها! و﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«كما أنَّ النَّاس في أشدِّ الحاجة لتكفير السَّيِّئات، وحطِّ الخطايا، وغُفران الذُّنوب.
وسبيلُ هذا: هو التَّقوى -كما قال-عز وجل-: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾».
أقول:
إذَنْ: التَّقوى سببُ هذا الفرقان الذي فيه خيرُ الدُّنيا وخيرُ الآخرة، وقد قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾.
بالأمس القريب ينقُل لي أحدُ إخوانِنا -مِن طلبة العلم- كلمةً عن ذاك المهرِّج الخبيث المسمَّى (حسن نصر الله)!! ماذا يقول؟!
يقول: الدُّعاء سِلاحُ العاجِزين!!
الله أكبر!
أين هذا مِمَّا ورد عن الإمامِ الجليل الفضَيل بن عِياض -بالسَّند الصَّحيح- مِن قوله: «الدُّعاءُ سِلاح المؤمن»؟!
ورُوي ذلك عن الرَّسول ﷺ لكنْ؛ بسند لا يصحُّ.
والْفُضَيل بن عِياض من أئمَّة العلم والزُّهد والعبادة -رحمه الله-تعالى-.
ما فائدةُ هذه الأوامر الإلهيَّة المتوالية بالدُّعاء والتضرُّع والإقبال والإخبات لله -عز وجل- إذا كان الدُّعاء سلاحَ العاجِزين؟!
إذا كان الدُّعاء سلاحَ العاجِزين -وأنت عندك موازينُ (قويَّةٌ) غيرُ هذا السِّلاح الذي هو -كما تقول تكذِب، وتدَّعي وتفتري على الله، وعلى عباد الله!- سلاح العاجزين؛ فأرِنا ماذا عندك!؟!
ولكنَّه -حقيقةً- لا يريد إلا التَّثويرَ، ولا يريد إلا الفتن، ولا يريد إلا الغشَّ للمسلمين؛ لأنَّه يعرفُ -وللأسف- أن أكثر المسلمين عاطفيُّون، وأن أكثر المسلمين متحمِّسون، وأن أكثر المسلمين: كلمةٌ تدفعُهم، وكلمةٌ تُرجِعهم -وللأسف-؛ فهم يَفرحون بهذا الكلام الذي يُثوِّر، وهذه العواطف التي تجعلُ الحرارةَ تجري في العروق، بدلًا من الدِّماء!
وهذا يستطيعُه كلُّ أحد!!
(فيدل كاسترو) -رئيس (كوبا) السَّابق!!- كان يمكُثُ في الخطبة أربعَ ساعات! والنَّاس تجلسُ مستمتعةً!! وهو شيوعيٌّ!!!
وواللهِ؛ لو زاد الدَّرسُ العلميُّ -اليومَ- المبنيُّ على: (قال الله، وقال رسولُه) عن خمس وأربعين دقيقة -أو ساعة-؛ لبدأ طلبةُ العلم يتململون!! -إلا مَن رحمَ اللهُ-؛ لكن: لما كان ذاك وذيَّاك يتكلَّمون بالعواطف، ويُثيرون الحماسات التي ليس لها ضابط ولا رابط؛ فهذا يُعجِب، ويُفرِح!
وإلا؛ فمِن ثِمارِهم تعرفونهم، كما ورد في بعض أخبار بني إسرائيل: عن عيسى ابن مريمَ -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ قال -محذِّرًا حَواريِّيه-: سيكون بعدي أنبياءُ كَذَبة، قالوا: كيف نعرفُهم؟ قال: مِن ثِمارِهم تَعرِفونهم.
فانظروا إلى هذا الذي يسبُّ أصحابَ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ولم يقِف أمرُه عند هذا الحدِّ -كسائر طائفتِه الشِّيعيَّة الشَّنيعة-؛ بل يُكفِّرون الصحابةَ إلا أربعةَ نفرٍ -وفي رواية: تسعةَ نفر!!- كما في كتاب "الكافي" -للكُلِيني-، وهو الكتاب (المقدَّس) -عندهم!-، كما أن "صحيح البخاري" (مقدَّر) -عندنا- وأعظَم؛ وإنَّما التَّشبيه -هنا- من حيث (تقديرُنا) لكتابِنا و(تقديسُهم) لكتابهم!
في كتاب "الكافي في الأصول" -للكُلِيني- يقول: عن أبي جعفر -عليه السلام-وكلُّ واحدٍ من أئمَّتهم يقولون فيه: عليه السلام!- عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: ارتدَّ الذين كانوا مع نبيِّنا محمَّد خلا أربعة نفر!! وفي رواية: تسعة نفَر!
الصَّحابةُ الذين مات النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهو راضٍ عنهم -أكثرُ من مئةِ ألف- هم عند هؤلاء -أشباه اليهود- كُفَّار!! إلا أربعة نفَر، أو: تسعة نفر!!
فهل نتخيَّلُ نصرًا يأتينا من طريقِ هؤلاء الضَّالِّين المضلِّين؟! الذين يتلاعبون بعقول عامَّة المسلمين ورَعاعهم وهمجهم بمجرَّد القول والكلمة!! بمجرَّد التَّكتيك السِّياسي والتَّلاعُب اللَّفظي؟!؟!
... وكنتُ قد نظمتُ شِعرًا -أيَّام (حربِ لُبنان)-بتاريخ: 11 رجب/1427-، قلتُ فيه:
فلا لن نَرتَوِي نَصرًا ... وشِرْكٌ في أراضينا
ذُرَى التَّوحيد جالبةٌ ... لنصرِ الله يأتينا
فيرحمُنا ويُسعدُنا ... ويُفرِحُنا ويَحمينا
ظلامُ الشِّركِ يخدعُنا ... إلى الأرذالِ يُودينا
إلى الأنذالِ يدفعُنا ... وفي الأوحالِ يَرمينا
ودونَ الحقِّ أعناقٌ ... تُدَكُّ بها أعادينا
لتأتي ساعةُ النَّصرِ ... تُفَكُّ بها أحاجينا
تُرَجِّعُنا لأندلسٍ ... ولن ننسَى فِلَسطينا
تأمَّل يا أخي قَولي ... ولا تَعجلْ فتُضنينا
وخَتمُ الشِّعرِ تَبريكٌ ... به تَسمو أمانينا
صلاةُ نبيِّنا الهادي ... رسولِ اللهِ تُنجينا
وفي الجنَّاتِ تجمعُنا ... ألا قُولوها: آمينا
نعم... والله؛ لن ننتظرَ نصرًا مِن (هؤلاء!)؛ ولئن جاءنا ما يُشبه النَّصرَ مما (قد) يَغترُّ به بعضٌ مِنَّا؛ فليس هو إلا فتنةً وتمحيصًا لنا -من جهة- كما قال -تعالى-: ﴿الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾، كما أنَّه استدراجٌ لهم -من جهةٍ أخرى- كما قال -سبحانهُ-: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
هذا الذي ينبغي أن نفهمَه في هذا الباب -على وجهِ الحقِّ والصَّواب-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«ومِن أعظمِ الأجر: الفوزُ بالجنَّة، والنَّجاةُ من النَّار.
وهكذا المسلمون في أشدِّ الحاجةِ للنَّصرِ على أعدائهم، والسَّلامةِ من مكائد الأعداء.
ولا سبيلَ إلى هذا إلا بالتَّقوى -كما قال-عز وجل-: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾».
أقول:
فهُما شرطانِ: الصَّبر والتَّقوى؛ لأنَّ التَّقوى إذا لم يَسبِقها صبرٌ عليها: فقد تتفلَّت أطرافُها، ولا يَثبُتُ صاحبُها، ولا يرتفعُ لواؤُها...
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فالمسلمون إذا صبروا في طاعةِ الله، وفي جهاد أعدائه، واتَّقوا ربَّهم في ذلك بِإعداد الْعُدَّةِ الْمُستطاعة...».
أقول:
ماذا قدَّم؟
قدَّم طاعةَ الله، وعندما قال الله -عز وجل- مُخاطِبًا الفئةَ المؤمنةَ -ممَّن تنزَّل القرآنُ بين ظهرانَيهم على قلبِ رسول الله-، قال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾....
... كان الخطابُ لمن؟
للصَّحابة.
ثمَّ؛ هل كان الخطابُ -للصَّحابة- وهم في فترة الاستضعاف؟ أم في فترة التَّمكين؟!
كان في فترة التَّمكين، وقد امتُحِنوا بالهجرة، وتمحصَّت قلوبُهم، وثبتَ إيمانُهم بالتَّقوى، وقاموا بحقِّ الله: من العبادة، والعلم النَّافع، والعمل الصَّالح.
فلم يكن الأمرُ لهم بالإعداد وهم لا يَزالون في الضَّحضاح والرَّقراق! وإنَّما كان الأمرُ لهم بالإعداد وهم على سويَّة عَلِيَّةٍ من الإيمان، والعلم النَّافع، والعمل الصَّالح.
* لذلك؛ قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فالمسلمون إذا صبروا في طاعةِ الله» هذا أولُ شرطٍ وأعظمُ سبب «وفي جهاد أعدائه، واتَّقوا ربَّهم في ذلك بِإعداد الْعُدَّةِ الْمُستطاعة -البدنيَّة والماليَّة والزِّراعيَّة والسِّلاحيَّة-وغير ذلك-: نُصِروا على عدوِّهم؛ لأن هذا -كلَّه- من تقوى الله.
ومِن أهمِّ ذلك: إعدادُ العدَّة الْمُستطاعة من جميع الوجوه: كالتَّدريب البدَني، والْمِهَني، والتَّدريب على أنواع الأسلحة.
ومن ذلك: إعدادُ المال، وتشجيعُ الزِّراعة والصِّناعة -وغير ذلك ممَّا يُستعان به على الجهاد، والاستغناء عمَّا لدى الأعداء-».
أقول:
لا يُمكن لنا -مهما حلُمنا، ومهما تمنَّيْنا، ومهما تأنَّينا- أن ننتصرَ على عدوِّنا إلا بِسلاحٍ ليس عند أعدائنا، وليس من سلاح -اليوم- عندنا وليس عند أعدائنا إلا التَّقوى، وهو سلاحٌ -للأسف- نحن مُفرِّطون فيه! ولم نَستعمِله إلى هذه السَّاعة حقَّ استِعمالِه كما يُريد الله، وكما طبَّقه رسولُ الله ﷺ!!
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وكلُّ ذلك داخلٌ في قولِه -سبحانه-: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾، ولا يتمُّ ذلك إلا بالصَّبر.
والصَّبرُ مِن أعظم شُعَب التَّقوى، وعَطْفُهُ عليه في قوله -سبحانه-: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ مِن عطْفِ العامِّ على الخاصِّ».
أقول:
يعني: أن الصَّبر مِن شُعَب التَّقوى؛ فكلُّ صبرٍ تقوى، وليست كلُّ تقوى صبرًا.
والنُّصوصُ -آياتٍ وأحاديثَ- في فضل الصَّبر، ومكانته كثيرةٌ جدًّا؛ منها -عمومَ دلالةٍ- قولُه -تعالى-: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾..
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فلا بُدَّ من صبرٍ في جهاد الأعداء، ولا بُدَّ من صبرٍ في رِباط الثُّغور، ولا بُدَّ من صبرٍ في إعداد المستطاع من الذات والبدن القويِّ المدرَّب.
كما أنَّه لا بُدَّ من الصبرِ في إعداد الأسلحةِ المستطاعة التي تُماثِل سلاحَ العدو -أو تَفُوقُه-حسب الإمكان-.
ومع هذا الصَّبر: فلا بُدَّ من تقوى الله في أداءِ فرائضِه، وتركِ محارمِه، والوقوف عند حُدودِه، والانكسار بين يدَيه، والإيمانِ بأنَّه النَّاصر، وأنَّ النَّصر من عنده، لا بكثرةِ الجنود، ولا بكثرة الْعُدَد».
أقول -وهنا الشَّاهد-:
مهما كان عندنا من عَدَدٍ وعُدَد، ومهما كان عندنا من أسلحة، وعَتاد -و.. و.. إلى آخرِه-؛ إذا لم يكن هنالك الصَّبرُ، ولم تكن هنالك التَّقوى، ولم يكن هنالك العلمُ النَّافع والعمل الصَّالح؛ فهذا كلُّه لا يَصلُح ولا يُصلِح.
وللأسف الشَّديد، بَلَغني أن بعضَ ما يُقام في هذه الأيَّام من مسيراتٍ ومظاهرات، يحدُث فيها من الفساد ما لا يعلمُه إلا الله:
وأبرزُ ذلك -وأظهرُه-: أنَّها تجمعُ أهلَ الشَّرِّ و(أهلَ الخير!) -سواء بِسواء!-؛ الكلُّ فيها سواءٌ! -وللأسف-؛ تجد فيها الصَّالحَ وغيرَ الصَّالح، بل تجدُ المسلمَ والشُّيوعيَّ! بل في بعضِها أمسَك الشُّيوعيُّ والقسيسُ والشَّيخُ والمثقَّفُ -وغير هؤلاء!- أيديَهم بأيدي بعض!!
وليس هذا هو الخطرَ الأكبرَ -وإن كان خطرًا-!
بل الخطرُ الأكبرُ -فيما نحن نُمارسُه ونُعايشُه- ما يجري في بعضِ هذه المظاهرات من تكسيرٍ وتحطيمٍ للأشياء التي هي مقدَّراتٌ إسلاميَّة محضَةٌ؛ حتى إنَّ بعضَهم قال: كُسِّرت سيارات، وحُطِّمتْ محلَّات، و.. و... إلخ.
والأسبوع الماضي: كان هناك شيءٌ من هذه المهرجانات والمظاهرات في (استاد عَمان=الأردن)، وأُمِّنت حافلاتٌ (مِن الدَّولة!) حتى يتيسَّر للنَّاس الذهاب والإياب!
وفي آخر (المهرجان): كُسِّرت الكراسيُّ والمقاعدُ! وبدأت الهتافات السَّيئة (جدًّا جدًّا) -التي تزيدُ البلاءَ بلاءً!-، وبدأ السَّبُّ! وبدأ الطَّعنُ واللَّعن!!
إذا كان هؤلاء الذين يقومون بالمظاهراتِ على هذه الدَّرجة من الأخلاق؛ فماذا ننتظر؟!
فإن قيل: هؤلاء مدسُوسون!
فنقول: لماذا نجعلُ للمدسوسِين مكانًا يَندَسُّون فيه بيننا؛ فيُفسِدون لُحمَتَنا وقُوَّتَنا وكلِمَتَنا!؟!
ثم؛ هل المدسوسون هم الأكثر؟!
وللأسف... أمثالُ هذه المظاهرات أشبهُ ما تكون بِتنفيسٍ آنِيٍّ، وقتيٍّ -لا غَيْرَ-!!!
القرضاوي يقول: اجعلوا يوم الجمعة يومَ الغضب!
غَضِبنا؛ ثم ماذا؟!
هل غَضَبُنا يهوِّن ما يقع على إخوانِنا؟!
وهل تجمُّعُنا بهذه الصُّورة يَنفعُهم؟!
واللهِ؛ إن هذا غفلةٌ عن أسرار الإخلاص في التَّقوى والتَّضرُّع إلى ربِّ العالَمين -سبحانه وتعالى-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وأنَّ النَّصر من عنده -تعالى- لا بِكثرة الجنود، ولا بِكثرةِ الْعُدَّة، ولا بِغيرِ ذلك من أنواع الأسباب؛ وإنَّما النَّصرُ من عنده -سبحانه-.
وإنَّما جَعَل الأسبابَ لِتطمينِ القلوب، وتَبشيرِها بأسباب النَّصر، كما قال -جلَّ وعلا-: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ﴾ ماذا قال بعدها -مباشرةً-؟! ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾»
...
أقول:
هذه الأشياء -كلُّها- التي نُناوِرُ بها، ونتعاظمُ بأسبابِها، ونُعِدُّها -هي-فقط- من باب البشائر والتَّطمينات، أمَّا حقيقةُ الأمر؛ فهي: أنَّ النَّصرَ من عند الله: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾.
إذَن؛ الكثرةُ -وحدَها- ليست هي سببَ النَّصر؛ سببُ النَّصر: ما عند الله، ما يعلمُه الله منَّا مِن صبر، ومِن تقوى، ومِن علم نافع، ومِن عملٍ صالح، ومِن استجابةٍ لأمر الله، ومِن استقامةٍ على سُنَّة رسول الله ﷺ.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وقال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾».
أقول: قد ننالُ النصرَ... لكن، هل نَيْلُ النصر -فقط- هو المطلوب؟!
أم لا بُدَّ لِنَيْل النَّصر من أن نكونَ على ما يُرضي اللهَ، حتى يُثبِّتَنا اللهُ عليه؟!
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وقال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾».
أقول: ماذا قال في الآية الثَّانية -مباشرةً-؟
«﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾».
أقول:
النَّصر أساسٌ مَتين، وبُنيَةٌ تحتيَّةٌ -إن جاز التَّعبير- للقيام بالعمل الصَّالح -مِن قبلُ ومِن بعدُ-؛ فلا يمكن أن ينصرَك اللهُ بغير علمٍ نافع، وعمل صالح، وتقوى صادقةٍ لله.
فإذا نصركَ اللهُ: اجعلْ هذا أوسعَ دائرةً، وأشملَ اتِّساعًا ونَشرًا ودعوةً؛ لأن النَّبيَّ ﷺ قال: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لِنفسِه».
وقال -تعالى-: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
الدَّعوةُ هي طريقة الأنبياء والرُّسُل -عليهم السَّلام-؛ فهي -إذَن- على طريقتِهم، وهَدْيِهم، وسَمتِهم؛ لا على أهوائنا! ولا على مواريثِنا! ولا على تجارِبِنا! ولا على تقاليدِنا! ولا على عاداتِنا!!
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وهذه الأعمال -يعني: إقامة الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر- مِن شُعب التَّقوى.
وبهذا يُعلم معنى قولِه -تعالى-: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾».
أقول:
واللهِ؛ لو أنَّنا -نحن المسلمين- تكاتَفْنا مع إخواننا المستضعَفين المقهورين المظلومين، الذين هم -الآن- في حالةِ الضَّنْك، وفي حالة الضَّعف، وفي حالة الشِّدَّة -من تقتيل وتفجير وتدمير، ومِن منعٍ لمبادئ وأساسيَّات الحياة-أيِّ حياة!-ليست-فقط-حياةَ البشر، بل الحياةُ التي يعيشُها البشرُ وغير البشر، وللأسف الشَّديد-أثناء الحصار-!!
ألم يأكل إخواننا في (غزَّة) العلَف الحيواني، ويجعلونه خُبزًا؟!
الذي لا يَعرِف فلْيعرف...
أقول: لو تكاتَفْنا معهم -فقط!- بدُعائنا، بإخلاصِنا، بِصِدقِنا مع ربِّنا، باتِّباعِنا سُنَّة نبيِّنا ﷺ، بِدعوتِنا إلى الله على بصيرةٍ: لكان الحالُ غيرَ الحال، والواقعُ غيرَ الواقع!!!
ولكن...
لا حول ولا قوَّة إلا بالله، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجِعون.
لِمثلِ هذا يموتُ القلبُ من كمَدٍ ... إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فإذا أراد المسلمون النصرَ والعزَّةَ والنَّجاةَ -في الدُّنيا والآخرة-، وتفريجَ الكروب، وتيسيرَ الأمور، وغُفرانَ الذُّنوب، وتكفيرَ السَّيِّئات، والفوزَ بالجنَّات -إلى غير هذا من وجوهِ الخير-؛ فعليهم بِتقوى الله -عزَّ وجلَّ-.
واللهُ وصفَ أهلَ الجنَّة بالتَّقوى، فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾، وقال -عز وجلَّ-: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾، وقال: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾...
آياتٌ كثيرةٌ تُبيِّن أنَّ الجنَّة دارُ المتَّقين، وأنَّ النَّارَ دارُ الفجَّار -والعياذُ بالله-».
أقول:
فهذا هو السَّبيل؛ لا سبيلَ غيرُه..
ومهما حاول المحاوِلون، ونظَّر المنظِّرون؛ فالحقُّ ظاهرٌ، وطَريقُه بَيِّنٌ، ودعوتُه جَليَّة..
فأين مِن هذا الحقِّ الصُّراح الطَّرائقُ الحزبيَّة، والسُّبُل العصبيَّة؛ التي لا تزيدُ بلاءَ الأمَّة إلا وَبالًا، ولا أحوالَها إلا ضَلالًا؟!
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فبيَّن -سبحانه- أنَّه أعدَّ الجنَّةَ لأهل التَّقوى.
فعلمتَ -يا أخي- أنَّك في أشدِّ الحاجة إلى أن تتَّقيَ ربَّك، ومتى اتَّقيتَه -سبحانه- حقَّ التَّقوى؛ فُزتَ بكلِّ خير، ونجوْتَ من كلِّ شرٍّ، وليس المعنى: أنَّك لا تُبتَلى!».
أقول:
... فبعضُ النَّاس يقول: طالما أنِّي على تقوى، وأن التَّقوى سببٌ لكلِّ خير؛ إذَن أنا مُبرَّأ من البلاء، ومن الفتنة، ومن المحنة!
فهذا -بلا شكٍّ- خطأٌ مَحضٌ، وغلَطٌ ظاهرٌ...
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«...بل قد تُبتلى وتُمتَحَن -﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾-.
وقد ابتُلي الرُّسلُ -وهم أفضلُ الخلق، وأفضلُ المتَّقين- حتى يتبيَّن للنَّاس صبرُهم وشُكرُهم، ولِيُقتَدى بهم في ذلك.
فبالابتلاء يتبيَّن شُكر العبد، وصبرُه ونَجاتُه، وقوَّتُه في دين الله -عزَّ وجلَّ-، كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، وقال -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.
فلا بُدَّ من الامتحان والفتنة -كما تقدَّم-، وكما قال -جل وعلا-: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾».
أقول:
﴿...حَتَّى نَعْلَمَ...﴾:
الله يعلم؛ ولكنَّ هذا (العلمَ) -هُنا- يُسمَّى عند العلماء: (عِلمَ الوجود والمشاهَدة):
وهو غيرُ (علم الكتابة)؛ فاللهُ يعلمُ ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، لكنَّ هذا علمُ المشاهدة؛ لكي يُقيمَ اللهُ -تعالى- الحجَّة على عبادِه، وإلا فهو العليم الحكيم -سبحانه وتعالى-.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«وقال -سبحانه-: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.
وقال -سبحانه-: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
فالاختبارُ لا بُدَّ منه: فالرُّسل -وهم خيرُ النَّاس- امتُحِنوا بأعداء الله:
نوحٌ -عليه السَّلام- ماذا جرى معه مِن قومه؟!
وهكذا هودٌ، وصالحٌ -وغيرُهم من الأنبياء-.
وعلى رأسِهم نبيُّنا محمدٌ ﷺ خاتَم النَّبيِّين، وإمامُ المتَّقين، وأفضلُ المجاهِدين، ورسولُ ربِّ العالمين».
أقول:
فقد قال رسول الله ﷺ: «ما أُوذِيَ أحدٌ في اللهِ مِثلَما أُوذِيتُ»، ومع ذلك، ماذا دعا رسولُ الله ﷺ ربَّه؟
قال: «اللهمَّ اغفِر لِقَومي فإنَّهم لا يَعلَمون»، وقد أُوذيَ منهم أشدَّ إيذاءٍ وأعظمَه.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«قد عُلم ما أصاب رسول الله ﷺ في (مكَّة)، وفي (المدينة)، وفي الحروب، ولكنه صَبر صبرًا عظيمًا؛ حتى أظهرَه اللهُ على أعدائِه وخُصومِه، ثم ختَم له -سبحانه وتعالى- أن فتَحَ له (مكَّة)، ودخل النَّاسُ في دين الله أفواجًا.
فلما أتمَّ اللهُ النعمةَ عليه وعلى أمَّتِه، وأكمل لهم الدِّينَ: اختارَه إلى الرَّفيق الأعلى، وإلى جوارِه -عليه الصَّلاة والسَّلام- بعد المحنة العظيمة، والصَّبر العظيم، والبلاء الشَّديد.
فكيف يطمع أحدٌ بعد ذلك أن يَسلَم، أو يقول: متى كنتُ متَّقِيًا -أو مؤمنًا- لن يُصيبَني شيء؟!
ليس الأمرُ كذلك؛ بل لا بُد من الامتحان، ومَن صَبَر حُمِدَ العاقبةَ، كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وكما قال: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
فالعاقبةُ الحميدةُ لأهل التَّقوى متى صبَروا واحتَسَبوا، وأخلصُوا لله، وجاهَدوا أعداءَه، وجاهدوا هذه النُّفوسَ؛ فالعاقبةُ لهم في الدُّنيا والآخرة، كما قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾».
أقول:
فلنُفَعِّل هذا السِّلاح الحقَّ التَّفعيلَ الحقَّ؛ بأن نكونَ على السُّنَّة السَّنيَّة، والطريقة المرضِيَّة، وأن نكونَ كما أرادَنا اللهُ: قائمين بِأمرِه، مُستجيبين لِهدْيِه، لا نُخالِفُ، ولا نتنكَّبُ، ولا نُقصِّر...
الدُّعاءُ منا، وبين أيدينا، ونحن قادرون عليه، ومع ذلك -وللأسف-: نحن مُقصِّرون فيه!
وأمَّا إخواننا هناك -مع دعائنا لهم-: فإنَّنا نُوصيهم بالصَّبر والتَّقوى، كما هي وصيةُ الله، ووصيَّةُ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ووصيَّة أهل الإيمان بعضِهم لبعض.
ونُذكِّرهم بِقول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «العبادةُ في الْهَرْجِ كَهِجرةٍ إِليَّ»؛ لأن النَّاس -حينئذٍ- غافِلون، وعن عقولهم الراجحة بعيدون.
فمَن تفكَّر وتدبَّر وعرَف أن العبادةَ -كالصَّلاة، والصِّيام، والدُّعاء، والقيام- لها مكانُها -وفاعليَّتُها- في ساعة الغفلة،وفي ساعة الرُّعب، وفي ساعة القتل، وفي ساعة الاضطراب، وفي ساعة الفتنة؛ فهل لا يكون لذلك دَورُه؟!
وهل لا يكون لذلك أجرُه؟!
وهل لا يكون لذلك ثمرتُه وغِبُّه؟!
بل سيكون ذلك على أعظم ما يريدُ اللهُ لعبادِه من عزٍّ ونصرٍ وتمكين.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فأنتَ -يا عبد الله- في أشدِّ الحاجة إلى تقوى ربِّك، ولُزومِها، والاستقامة عليها، ولو جرى ما جرى من امتحان».
أقول:
ولو كان هذا الذي فعله اليهود -ومَن والاهم مِن الكفَّار- مِن بطشٍ كُبَّارٍ! ولو تقوَّى علينا مَن تقوَّى من أعداء الإسلام!! فالعاقبةُ للتَّقوى.
واللهِ؛ العاقبةُ للتَّقوى.
... قد أكونُ -الآن- ضدَّ من يُبَشِّرُ النَّاسَ ويُؤمِّلُهم -كثيرًا- أنَّا منصورون!
وإن كنتُ أحبُّ ذلك -وأرغبُ به- كما يحبُّ ذلك كلُّ مسلم؛ لكن -لا قدَّر الله- لو كان هذا الذي فينا امتِحانًا -كسائر الامتحانات والفتن والاختبارات السَّابقة-؛ ماذا يفعلُ هذا الذي أمَّل النَّاسَ -كثيرًا-، وكأنَّه أحياهم في بيئةِ النَّصر العظيم العزيز المؤزَّر، ثم لا يجدُ شيئًا من ذلك أمامَه!!؟!
نحن نحبُّ النَّصر، ونُحبُّ العزَّ، ونحبُّ التَّمكين، ونُحبُّ ذُلَّ الكافرين؛ ولكن؛ على أن نكون في ذلك - على بيِّنة من أمرِنا، أن يكون ذلك على أُسُسٍ ثابتة...
لا أن يكون ذلك -فقط- في الْخُطَب، والمهرجانات، والمظاهرات، والمسيرات؛ تثويرًا للحماسات، وتأجيجًا للعواطف الجارفات!!!
فهذا يستطيعُه كلُّ أحد، بل قد يستطيعُه غيرُ المسلمين أكثرَ مما يستطيعُه المسلمون!
فالمسلمُ له أُسُسٌ وضوابطُ تَحكُمُه وتُحْكِمُه، ولا يجوزُ أن نكون كغيرِنا -هَمَجًا رَعاعًا-؛ ولكن إذا تكلَّمنا بكلمةٍ يجبُ أن نَفهمَها، وأن نُفهِمها -بالحقِّ- غيرَنا.
قد يَسخَطُ غيرُنا تارةً! وقد لا يُعجبُهم كلامُنا حِينًا! ولكنْ؛ سيعلمون -ولو بعد حين- أن حُبَّنا للنَّصر هو الأساس، وأن حُبَّنا لِرفعِ راية الإسلام وعِز المسلمين هو الأصل؛ لكن لا نُؤمِّل المسلمين بِخلاف ما هم عليه! وبِخلاف واقعِهم المنظورِ الأليم! وبخلاف ما هم عليه من ظُروفٍ الكلُّ يعرِفُها! والكلُّ يَراها، لكنَّنا -أحيانًا- قد نَستكبِرُ عن رؤيةِ ما هو منظورٌ أمامَنا؛ لأنَّنا نَركنُ إلى عواطِفِنا وحماساتِنا!!
ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«فأنت -يا عبد الله- في أشدِّ الحاجة إلى تقوى ربِّك، ولُزومِها، والاستقامة عليها -ولو جرى ما جرى مِن الامتحان، ولو أصابك ما أصابك من الأذى، أو الاستهزاء مِن أعداء الله، أو من الْفَسَقة والمجرمين-؛ فلا تُبالِ».
أقول:
والله؛ لن نُبالي؛ لأنَّنا على علمٍ بِوَعد الله، ووعدُ الله حقٌّ.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
* قال الشَّيخ -رحمه الله-:
«واذكُرِ الرُّسلَ -عليهم الصلاة والسلام-، واذكُرْ أتباعَهم بإحسان؛ فقد أُوذوا، واستُهزِئَ بهم، وسُخِر بهم، ولكنَّهم صبَروا، فكانت لهم العاقبة الحميدةُ في الدُّنيا والآخرة».
أقول: وهكذا أتباعُ الرُّسل -عليه السلام-؛ إذا صبروا، واتَّقوا، وأخلَصُوا دينَهم لله...

نسأل الله العظيم، ربَّ العرش العظيم: أن تكون العاقبةُ الحميدةُ في الدُّنيا والآخرة لعباد الله الصَّالحين، وأن يُعجِّل اللهُ النَّصرَ والفرجَ والتَّمكينَ لسائر المسلمين، وأن يُخفِّف اللهُ -عز وجل- عن إخواننا في (غزَّة)، وأن يلهِمَهم الصَّبرَ، وأن يرزقَهم الثَّبات، وأن يؤذِن لهم بالنَّصر، وأن يَكبِتَ عدوَّهم، وأن يخذل مُقاتِلَهم؛ إنَّه -سبحانه- وليُّ ذلك، والقادرُ عليه.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه، وصحبِه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.


[من رسالة: "العدوان الغاشم على غزَّة هاشم"، (81-133)]
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-31-2021, 05:06 PM
الأثرية الأثرية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
الدولة: السودان
المشاركات: 386
افتراضي

جزاك الله خيرا
__________________
العلم قال الله قال رسوله §§ قال الصحابة هم أولو العرفان@
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.