" المتلبس بالشرك هل يُسمّى مشركاً " ؟

[معنُ القزاز]

" المتلبس بالشرك يقال له مشرك سواء كان عالماً او جاهلاً "

و هذا مبنيٌّ على أنّ أسماء الذّم الشرعية كالكافر و المُشرك و المُفسد و الظالم و الطّاغي و نحوها لا تعلُّق لها ببلوغ الحجّة الرسالية ، و بيانُ ذلك : ـ

ـ أوّلا : أنّ الاسلام و الشّرك ضدّان لا يجتمعان و لا يرتفعان جُملةً واحدةً ، بل لا بُد من أحدهِها :

قال تعالى : { هو الذي خلقَكم فمنكُم كافرٌ و منكُم مؤمن } ، و قال تعالى : { فماذا بعد الحقّ إلا الضّلالُ } ..

قال شيخُ الاسلام ـ رحمه الله ـ : (ولهذا كان كل من لم يعبد الله فلا بد أن يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا وليس في بني آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل والنصارى ومن أشبههم من الضلال المنتسبين إلى الإسلام) الفتاوى " 14/284،282 " .

و قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ـ رحمه الله ـ : (من فعل الشرك فقد ترك التوحيد فإنهما ضدان لا يجتمعان ونقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان) . " منهاجُ التّأسيس صـ 12 "

ـ ثانيًا : أنّ لحوقَ إسمِ الكافر و المُشرك و نحوها من أسماء الذّم الشّرعية بالمُتلبّسِ بها لا تعلُّقَ له ببلوغِ الحُجّة الرساليّة ، بل يُسمّى المُتلبّسُ بها مشركا أو كافراً و نحو ذلك و إن لم تبلُغهُ الحجّةُ الرسالية ؛ فكيف بعد بلوغ الحجّة الرساليّة ؟ !! ، و هو نصُّ ما ثبتَ في القُرآن :

قال تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } ؛ فسمّاهُ مُشرِكاً قبلَ سماعِه للحجّة الرسالية .

و قال أيضًا : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } ؛ فسمّاهم كُفّاراً و مشركينَ قبلَ مجيئِ البيّنة .

و قال تعالى ـ عن مشركي العرب ـ : (فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل) فسمَّى آباءهم عابدين لغير الله قبل قيام الحجة عليهم .

و في حديث عدي بن حاتم رضى الله عنه الذي فيه : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال الشيخ أبا بطين تعليقا على هذا الحديث : ( ذمّهم الله وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم عبادةٌ لهُم ..) . " الدررالسنيّة 10/394،393 " .

و قال شيخ الاسلام ـ رحمه الله ـ : (فإن الله سماهم قبل الرسالة ظالمين وطاغين ومفسدين وهذه أسماء ذم الأفعال والذم إنما يكون في الأفعال السيئة القبيحة فدل ذلك على أن الأفعال تكون قبيحة مذمومة قبل مجيء الرسول إليهم لا يستحقون العذاب إلا بعد إتيان الرسول إليهم لقوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) . " الفتاوى 20/38،37" .

وقال أيضاً : (اسم الشرك يثبت قبل الرسالة لأنه يشرك بربه ويعدل به ) الفتاوى " 20/38 ".

وقال الشيخُ عبد اللطيف آل الشّيخ ـ رحمه الله ـ : (فيمن يظن ويعتقد أن كلام أهل العلم وتقييدهم بقيام الحجة وبلوغ الدعوة ينفي اسم الكفر والشرك والفجور ونحو ذلك من الأفعال والأقوال التي سماها الشارع بتلك الأسماء وقال إن عدم قيام الحجة لا يغير الأسماء الشرعية بل يُسمى ما سماه الشارع كفرا أو شركا أو فسقا باسمه الشرعي ولا ينفيه عنه وإن لم يعاقب فاعلها إذا لم تقم عليه الحجة وفرق بين كون الذنب كفرا وبين تكفير فاعله) . " المنهاج صـ316 "

و نقلَ الشيخُ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ في " رسالة تكفير المُعيّن " الإجماع على أنّ : ( أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع ولا يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة) .


ثالثاً : التنبيهُ على أنّ مثارَ الغلَط عند كثيرٍ من إخواننا ؛ هو ظنُّهم أن إطلاق إسم المُشرك أو الكافر على المُتلبّس بشئ من ذلك ؛ يلزمُ منهُ لحوقُه بالمشركين حُكماً ، و هذا معلومٌ بُطلانُه .





و في الاخير : أنصحُ نفسي و إخواني على طلبِ هذه المسائل في مظانّها ، عند الأئمة المُحققين لمذهب السّلف في أصول الدّين لا سيَما شيخ الاسلام ـ رحمه الله ـ و أئمة الدّعوة النّجديّة ـ رحمهم الله ـ فقد أحكموا أصولَ هذه المسائل و فُصولَها ، و لا ينبغي أن تُطلبَ بالفَهم المُجرّد من المتأخرين الذين يكثُر اضطرابُهم في هذا الباب و أمثاله ، و هل أوقعَ المتكلّمين في الخطأ إلا الفهمُ المُجرّد ؛ و لذلك ذكر شيخ الاسلام ـ رحمه الله ـ" أنّ من تحصل له فهم في الكتاب والسنة فقال: إن هذا مذهب السلف؛ لأن السلف عنده لا يخرجون عن دلالة القرآن والسنة" ، قال " فهذه طريقة يستعملها من يستعملها ممن انتحل مذهب السنة والجماعة من متأخري المتكلمين، ومن قلدهم من الفقهاء وغيرهم " ..

و الله الموفّق ..