أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
78019 85137

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الفقه وأصوله > منبر الحج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 11-27-2009, 12:31 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (41)

شـرح كتـاب الحـجّ (41)


تــابــع: البـاب الثّــاني عـشـر:

12-( التّرغـيـب في شُـرب مـاء زمزم، وما جـاء في فضـلِه ).


ذكر المصنّف رحمه الله في هذا الباب جملةً من فضائل ماء زمزم، منها:

أ‌) أنّها خير مياه الأرض.

ب‌) وأنّه شفاء سقم، وطعام طعم.

ت‌) وأنّه لما شُرِب له.

· الحـديـث الأوّل:


1161-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمٍ، فِيهِ طَعَامُ الطُّعْمِ، وَشِفَاءُ السُّقْمِ، وَشَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءٌ بِوَادِي (بَرَهُوتَبِقُبَّةٍ بِـ( حَضْرَمَوْتَكَرِجْلِ

الجَرَادِ
، تُصْبِحُ تَنْدَفِقُ، وَتُمْسِي لاَ بِلاَلَ فِيهَا
)).

[رواه الطّبراني في " الكبير " ورواته ثقات، وابن حبّان في " صحيحه "].

· شـرح الحـديـث:

- قوله: ( خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمٍ ):

يكفي في الدّلالة على فضل ماء زمزم وأنّها خير مياه الأرض: ما جاء في الصّحيحين في حادثة شقّ الصّدر الثّانية ليلة الإسراء، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله

عنه قَالَ:

" لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ... فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ عليه

السّلام، فَشَقَّ جِبْرِيلُ عليه السّلام مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ ".

- قوله: ( فِيهِ طَعَامُ الطُّعْمِ ): سيأتي بيان معناه في شرح الحديث الثّاني.

- قوله: ( بَـرَهُـوتُ ): ويقال ( بُرْهُوت )، كما قال ابن دريد.

وهووادٍ بحضرموت باليمن، كما جاء مصرّحا به في هذا الحديث، وذكر ياقوت الحمويّ في "معجم البلدان" (1/405) أنّه قيل إنّها بئر، وقيل إنّها البلد الّذي فيه

البئر.

وفي "لسان العرب ": هي بئر عميقة بحضرموت لا يستطيع أحد بلوغ قعرها ". اهـ.

وقد كثر كلام النّاس حول هذه البئر، حتّى قيل فيها خرافات، ورُوِيت فيها موضوعات، ممّا جعل الحافظ القيسراني رحمه الله ذكر هذا الحديث في " ذخيرة الحفّاظ

" (3/2816).

من هذه الأخبار المكذوبة ما يُنسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (( إِنَّ فِيهِ أَرْوَاحَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ )) !

ومنها ما يُنسب إلى ابن عبّاس رضي الله عنه: " إنّ أرواح المؤمنين بالجابية من أرض الشّام، وأرواح الكفّار ببرهوت من حضرموت " !

ومنها ما يُنسب إلى عليّ رضي الله عنه أنّه قال:" أبغض بقعة في الأرض إلى الله عز وجل وادي برهوت بحضرموت، فيه أرواح الكفّار، وفيه ماؤها أسود

منتن، تأوي إليه أرواح الكفّار " ! وقد ذكر هذا الأثر عبد الرزّاق في "المصنّف" (5/116).

ومنها ما نسبه الدّيلمي في " مسند الفردوس " (1/418) إلى أنس بن مالك رضي الله عنه.

ومنها حكايات تُحكى عن النّاس، وتناقلها بعضهم عن بعض، فقد حكى الأصمعيّ عن رجل من حضرموت قال: إنّا نجد من ناحية برهوت الرّائحة المنتنة الفظيعة

جدّا، فأنبئنا بعد ذلك أنّ عظيما من عظماء الكفّار مات، فنرى أنّ تلك الرّائحة منه.

ومنها ما يروونه عن سفيان بن عيينة: أخبرني رجل أنّه أمسى ببرهوت، قال: فسمعت منه أصواتَ الحاجّ وضجيجهم.

ومنها ما ذكر أبان بن تغلب أنّ رجلا آواه المبيت إلى وادي برهوت، قال: فكنت أسمع طول اللّيل: ( يا دومة ! يا دومة !) فذكرت ذلك لرجل من أهل الكتاب،

فقال: إنّ الملك الّذي على أرواح الكفّار يقال له (دومة) " !!

وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة " الأحقاف " !

وابن تيمية رحمه الله ناسبا إيّاه إلى أبي سعيد الخرّاز في (4/221).

وذكرها ابن القيّم في "الرّوح" (106-107) فقال:

" وأمّا قول من قال: إنّ أرواح المؤمنين بالجابية، وأرواح الكفّار بحضرموت ببرهوت، فقال أبو محمّد بن حزم: هذا من قول الرّافضة.

وليس كما قال، بل قد قاله جماعة من أهل السنّة. قال أبو عبد الله بن منده: وروي عن جماعة من الصّحابة والتّابعين أنّ أرواح المؤمنين بالجابية ...[ ثمّ ساق

بسند واهٍ
] عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنّه قال: ( إنّ أرواح المؤمنين تجتمع بالجابية، وإنّ أرواح الكفّار تجتمعفي سبخة بحضرموت يقال لها

برهوت
...

[ثمّ ساق من طريق آخر واهٍ أيضا] أنّ كعبا رأى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وقد تكالب النّاس عليه يسألونه، فقال لرجل: سله أين أرواح المؤمنين،

وأرواح الكفّار ؟ فسأله، فقال:" أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببرهوت ".اهـ

ولا شكّ أنّ هذا كلّه ليس عليه دليل صحيح، وإن صحّت عن الصّحابة فيكون ممّا تلقّوه عن أهل الكتاب. وما حملهم على ذلك كلّه إلاّ كون حضرموت هي أرض

عاد بالأحقاف.

مع ملاحظة أنّه ما رواه أحد من أصحاب الكتب المعتمدة إلاّ ابن حبّان في " صحيحه " (7/283) فقال:

" ذكر الأخبار عمّا يُعمل بروح المؤمن والكافر إذا قبضا " –فساق بسنده إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديث قبض روح المؤمن المعروف، ثمّ قال: قال قتادة:

وحدّثني رجل عن سعيد بن المسيّب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: قال:" أَرْوَاحُ المُؤْمِنِينَ تُجْمَعُ بِالجَابِيَتَيْنِ، وَأَرْوَاحُ الكٌفَّارِ تُجْمَعُ بِبَرَهُوتَ: سَبْخَةٍ

بِحَضْرَمَوْتَ "، والنّاظر في سند الأثر لا يشكّ في ضعفه.

- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( كرِجْلِ الجراد )):

رواية الفاكهي في "أخبار مكّة" (2/41) أوضح، إذ قال:" عَلَيْهِ كَرِجْلِ الجَرَادِ مِنَ الهَوَامِّ، يُصْبِحُ يَتَدَفَّقُ، وَيُمْسِي لاَ بِلاَلَ فِيهِ ".

أي: على مائها هوامّ كثيرة، وتمثيله برجل الجراد أسلوب تعرفه العرب، ومنه ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم

قَالَ: (( بَيْنَمَا أَيُّوبُ عليه السّلام يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ ! أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى ؟قَالَ: بَلَى

يَا رَبِّ
، وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ )).

- وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( لا بَلاَلَ فيها )):

قال في " لسان العرب ":

" والبَلاَل: الماء، والبلل .. ويقال: ما في سقائك بَلال، أي: ماء، وكلَ ما يبلّ به الحلق من الماء واللّبن بَلال ".

- تنبيه: قول المصنّف رحمه الله:" ورواه ابن حبّان "، قال الشّيخ الألباني رحمه الله في تعليقه:

" قلت: لم أره في " الموارد "، ولا في " الإحسان "، ولا عزاه إليه السّيوطي في " جامعيه "، نعم، عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "، وأظنّه تبع المؤلّف،

وكنت استظهرت في "الصّحيحة" (1056) أنّه فاته أن يورده في " الموارد "، فلمّا طبع " الإحسان "، ولم نجده فيه غلب على الظنّ أنّ العزو لصحيح ابن

حبّان وهم، والله أعلم ".

والشّاهد من الحديث هو فضل ماء زمزم، وهو أنّها خير ماء على وجه الأرض.

والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #42  
قديم 11-27-2009, 12:32 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (42)

شـرح كتـاب الحـجّ (42)



تــابــع: البـاب الثّــاني عـشـر:

12-( التّرغـيـب في شُـرب مـاء زمزم، وما جـاء في فضـلِه ).


· الحـديـث الثّـاني:


1162-وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ )) .

[رواه البزار بإسناد صحيح].

· شـرح الحـديـث:

- قوله: ( زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ ): قال ابن الأثير رحمه الله:" أي: يُشبِع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطّعام ".

وهذا أبو ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه يوم ضربه أهل مكّة حتّى أَدْمَوه، سأله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم – كما صحيح مسلم– : (( فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ ؟ )) قَالَ:

مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ ! قَالَ: (( إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ )).

( فائدة )

بسبب تسميتها طعاما استدلّ الشّافعيّة أنّ الرّبا يقع في الماء، لأنّه طعام، وأيّدوا ذلك بقوله تعالى عن ماء النّهر في قصّة طالوت:{ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي }.

- قوله: ( وَشِفَاءُ سُقْمٍ ): قال ابن القيّم رحمه الله في " زاد المعاد " (4/393):

" وقد جرّبت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدّة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذّى به الأيّام ذواتِ العدد قريبا

من نصف الشّهر أو أكثر، ولا يجد جوعا، ويطوف مع النّاس كأحدهم، وأخبرني أنّه ربّما بقي عليه أربعين يوما، وكان له قوّة .. يصوم ويطوف مرارا ".

وأيدّ المؤلّف ذلك بالحديث التّالي.

· الحـديـث الثّـالـث:


1163-وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

" كُنَّا نُسَمِّيهَا شُبَاعَةَ-يَعْنِي زَمْزَمَوَكُنَّا نَجِدُهَا نِعْمَ العَوْنُ عَلَى العِيَالِ ".

[رواه الطّبراني في "الكبير"، وهو موقوف صحيح الإسناد].

· شـرح الحـديـث:

- قوله: ( كُنَّا نُسَمِّيهَا شُبَاعَةَ ): على وزن فُعالة، قال الزّبيدي في " تاج العروس ":" شُبَاعَة كقُدامَة: اسم من أسماءِ زَمْزَم في الجاهليّة، هكذا ضَبَطَه

الصَّاغانِيّ، سُمِّيت بذلك لأنّ ماءَها يُروي العَطْشان ويُشبِعُ الغَرْتان ".

ومنهم من ضبطها بفتح الشّين وتشديد الباء، فقال: شَبَّاعة.

- قوله: ( وَكُنَّا نَجِدُهَا نِعْمَ العَوْنُ عَلَى العِيَالِ ):هذا يدلّ على كثرة بركتها.

· الحـديـث الرّابـع:


1164-وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَاءُ زَمْزَمٍ لِمَا شُرِبَ لَهُ ... )).

[رواه الدّارقطني، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد إن سلم من الجارود"-يعني محمّد بن حبيب-.

(قال الحافظ): "سلم منه، فإنّه صدوق، قاله الخطيب البغداديّ وغيره، لكنّ الرّاوي عنه محمّد بن هشام المروزي، لا أعرفه".

· الحـديـث الخـامـس:


1165-وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ )).

[رواه أحمد وابن ماجه، وإسناده حسن].

· شـرح الحـديـثين:

- قوله: ( مَاءُ زَمْزَمٍ لِمَا شُرِبَ لَهُ ... ): أي: هو من أسباب البركة، فما على العبد إذا شربه إلاّ أن ينوي الخير، ويسأله الله تعالى.

وتتمّة الحديث زيادة ضعيفة، لذلك حذفها الشّيخ الألباني رحمه الله، وهي: ( إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شربتهلشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك

قطعه الله، وهي هزمة جبرائيل عليه السّلام، وسقيا الله إسماعيل عليه السّلام ).

والهزمة: بفتح الهاء وسكون الزاي هو: أن تغمز موضعا بيدك أو رجلك فتصير فيه حفرة.

ونلحظ أنّ معناه صحيح، ولكن لا يجوز نسبته إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

- تنبيه: قد ضعّف هذا الحديث طائفة بعبد الله بن المؤمّل راويه عن محمّد بن المنكدر، كالحافظ القيسراني في "ذخيرة الحفّاظ" (4/4779).

قال السّيوطي رحمه الله في " حاشيته على سنن ابن ماجه ":

" هذا الحديث مشهور على الألسنة كثيرا، واختلف الحفّاظ فيه، فمنهم من صحّحه، ومنهم من حسّنه، ومنهم من ضعّفه، والمعتمد الأوّل، وجارَ من قال: إنّ حديث:

(( الباذنجان لما أكل له )) أصحّ منه، فإنّ حديث الباذنجان موضوع كذب، وفي " الزّوائد ": هذا إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمّل ".

وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق ابن عبّاس وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد"، قلت: وقد ذكر العلماء أنّهم جرّبوه فوجدوه كذلك، والله أعلم ".

وقال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/393):

" وابن أبي الموالي ثقة، فالحديث إذًا حسن، وقد صحّحه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعا، وكلا القولين فيه مجازفة ".

- عمل السّلف بالحديث:

كان السّلف الصّالح يسألون الله تعالى بعد شربه، فعن عبد الله بن المبارك أنّه لمّا حجّ أتى زمزم فقال:" اللّهمّ إنّ ابن أبي الموالي حدّثنا عن محمّد بن المنكدر،

عن جابر عن نبيّك صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (( مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ))، وإنّي أشربه لظمأ يوم القيامة ".

والإمام السّيوطي حين شربه دعا ألله أن يصبح مثل الحافظ ابن حجر رحمه الله في الحفظ، فكان له ذلك.

والله الموفّق لا ربّ سواه
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 11-27-2009, 12:32 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (43)

شـرح كتـاب الحـجّ (43)


تــابــع: البـاب الثّــاني عـشـر:

12-( التّرغـيـب في شُـرب مـاء زمزم، وما جـاء في فضـلِه ).


بقيت هناك مسألتان نتطرّق إليهما تتعلّقان بماء زمزم:

- المسألة الأولى: حكم التوضّؤِ منه.

اختلف العلماء في حكم الاغتسال والوضوء من ماء زمزم:

فمنهم من قال: يُكره، وذكروا أنّه رواية عن أحمد، والشّافعيّ، واحتجّوا بأمرين:

أ‌) بأثرٍ عن العبّاس رضي الله عنه: قال ابن تيمية – كما في " مجموع الفتاوى " (12/600) –:

" وقد كان العبّاس بن عبد المطّلب يقول في ماء زمزم: (
لا أحلّه لمغتسل ) ".

ب‌) وبأنّه ماء مبارك، لا يليق استعماله لذلك.

والصّواب – إن شاء الله – هو الجواز، وذلك:

أ‌) لما رواه أحمد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم
دَعَا بِسَجْلٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: (( انْزِعُوا يَا

بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
! فَلَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْتُ )).

[أي: لو رآه النّاس يسقي النّاس لرغبوا كلّهم في اتّباع هديه صلّى الله عليه وسلّم، فيزاحمون بني عبد المطّلب على السّقاية الّتي كانت فيهم، ومن خصائصهم].

ب‌) أمّا قولهم: إنّه مبارك، فهذا لا يمنع من استعماله للطّهارة، بل هو أولى.

وها هو ماء السّماء يقول فيه المولى تبارك وتعالى:{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً } [ق: من الآية9].

فإن قالوا: إنّ بركته أوكد، قيل:

إنّ الصّحابة توضّئوا من الماء الّذي نبع من بين أصابع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يشكّ أحد في أنّه أعظم بركة.

ت‌) ثمّ إنّ أثر العبّاس لم يذكر الوضوء، وإنّما قاله عن اجتهاده، وفعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حجّة في الباب.

والغسل كالوضوء، بجامع الطّهارة. فلعلّه رضي الله عنه
يقصِد نزع النّجاسة به، فكرهه، فهذا له وجه.

قال ابن تيمية رحمه الله:

" والصّحيح أنّ النّهي من العبّاس رضي الله عنه إنّما جاء عن الغسل فقط، لا عن الوضوء،
والتّفريق بين الغسل والوضوء هو لأنّ الغسل يشبه إزالة النّجاسة

ولهذا يجب أن يغسل فى الجنابة ما يجب أن يغسل من النّجاسة
، وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النّجاسات متوجِّه، بخلاف صونِها من التّراب ونحوه من

الطّاهرات، والله أعلم ".

- المسألة الثّانية: حكم حمله خارج مكّة ؟

قد عدّه بعض العلماء من البدع المحدثة، كالإمام الشّقيري في " السّنن والمبتدعات ".

ولكنّ الصّواب هو جوازه لفعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوّلا، ولفعل الصّحابة ومن بعدهم ثانيا.

أ‌) روى التّرمذي، والبخاري في " التّاريخ الكبير " (2/1/173)، والبيهقيّ في " السّنن " (5/202)، وفي " الشّعب" (3/482/4129) عَنْ عَائِشَةَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ: (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَحْمِلُهُ )).

قال في " تحفة الأحوذيّ ":

"
فيه دليل على استحباب حمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكّة ". [والحديث في " الصّحيحة " رقم (883)].

ب‌) روى الطّبرانيّ في " الكبير " (3/28) بسند حسن عن حبيب بن أبي ثابت قال: سألت عطاء:" أَحْمِلُ مِنْ مَاءِزَمْزَمَ ؟ " فقال: " قَدْ حَمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى

الله عليه وسلّم، وَحَمَلَهُ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ رضي الله عنهما.

ت‌) روى البيهقيّ (5/202) عن جابر رضي الله عنه
أُتِي بماء زمزم فشرب، فقالوا: ما هذا ؟ قال: هذا ماء زمزم، قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( مَاءُ زَمْزَمٍ لِمَا شُرِبَ لَهُ )). ثمّ قال:"
قد أرسل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وهو في المدينة - إلىسهيل بن عمرو قبل أن تفتح مكّة: (( أَنْ أَهْدِ لَنَا مِنْ مَاءِ

زَمْزَمٍ
، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَزَادَتَيْنِ )).

قال الشّيخ الألباني رحمه الله في " الصّحيحة ": " وإسناده جيّد". وقد خرّجه رحمه الله في " الإرواء " (4/321).

والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 11-27-2009, 12:33 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (44)

شـرح كتـاب الحـجّ (44)


البـاب الثّالـث عـشـر:

13-( ترهيب من قدر على الحجّ فلم يحجّ، وما جاء في لزوم المرأة بيتَها بعد قضاء فرض الحجِّ ).


· الحـديـث الأوّل:


وتقدّم حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الإِسْلاَمُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الإِسْلاَمُ سَهْمٌ، وَالصَّلاَةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَالصَّوْمُ سَهْمٌ، وَحَجُّ البَيْتِ سَهْمٌ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ سَهْمٌ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ سَهْمٌ، وَالجِهَادُ

فِي سَبِيلِ اللهِ سَهْمٌ
، وَقَدْ خَابَ مَنْ لاَ سَهْمَ لَهُ
)).

[رواه البزّار].

· شـرح الحـديـث:

سبق أن ذكرنا في المقدّمة أنّ الرّاجح من أقوال أهل العلم أنّ الحجّ يجب على القادر على الفور، وذكرنا النّصوص المرهّبة من تركه والتّقاعس عن أدائه.

وهذا الباب يؤكّد ما سبق ذكره، ثمّ يخصّ المرأة بترغيبها بأن تكتفِي بأداء فريضة الحجّ، ولا تتوسّع في الخروج.

- قوله: " وتقدّم حديث حذيفة .." الخ، أي: في " كتاب الصّدقات ".

- قوله: ( الإِسْلاَمِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الإِسْلاَمُ سَهْمٌ ) الإسلام في الجملة الأولى المقصود به الدّين، و( الإِسْلاَمُ ) في الجملة الثّانية المقصود به الشّهادة، لأنّ الإسلام

لا يتمّ إلاّ بها.

ويؤيّد ذلك رواية أخرى عند البزّار نفسِه بلفظ: (( الإِسْلاَمُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الشَّهَادَةُ سَهْمٌ )).

وقد رأى بعض أهل العلم أنّ هذا الحديث يعارض ما هو معلوم من أنّ أركان الإسلام خمسة، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه، وليست ثمانيةً، وممّن تكلّم

عن هذا التّعارض الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله في " التّمهيد " (16/161) حيث قال بعد ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه:

" وعلى هذا أكثر العلماء، أنّ أعمُدَ الدّين الّتي بُنِي عليها خمس، على ما في خبر ابن عمر هذا،
إلاّ أنّه جاء عن حذيفة خبرٌ يخالف ظاهرُه خبرَ ابن عمر هذا في

الإسلام، قال: ((
الإِسْلاَمُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الشَّهَادَةُ سَهْمٌ، وَالصَّلاَةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَحَجُّ البَيْتِ سَهْمٌ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ، وَالجِهَادُ سَهْمٌ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ سَهْمٌ،

وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ سَهْمٌ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لاَسَهْمَ لَهُ )).

قال: وقد ذكرنا فرضَ الجهاد وما يتعيّن منه على كلّ مكلّف، وما منه فرض على الكفاية، وأنّه لا يجري مجرى الصّلاة والصّوم. وأمّا الأمر بالمعروف، والنّهي

عن المنكر فليس يجري أيضا مجرى الخمس المذكورة في حديث ابن عمر رضي الله عنه، لقول الله عزّ وجلّ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ

ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
} [المائدة: من الآية105]".

والصّواب أنّه لا تعارض، وإنّما يقال:

إنّ
الأركان الخمسة المعروفة تجب في كلّ زمان ومكان، وعلى كلّ شخص قادر.

بخلاف
الأمور الأخرى الثّلاثة فهي لا تجب بذاتها، وإنّما تجب عندما يقتضي الأمر ذلك، فعند وقوع المنكر يجب النّهي، وعند ترك الطّاعة يجب الأمر، وعند

وقوع الضّرر بالمسلمين ورفض الكفّار للدّين يجب الجهاد في سبيل الله
.

والدّليل على أنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، ما رواه أحمد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ:

لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عزّ وجلّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالزَّكَاةُ.

وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عزّ وجلّ مَعَهُمْ.

وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ: لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).

فلم يذكر الشّهادة لأنّ الخطاب للمؤمن، ولم يذكر الحجّ لأنّه إنّما يجب على المستطيع.

- ( فائدة ): غاير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كما في سائر الآيات والأحاديث، وذلك: ليدلّ على أنّ الأمر بالمعروف

لا يسقط بالنّهي عن المنكر
، وأنّ النّهي عن المنكر لا يسقط بالأمر بالمعروف، وذلك من وجهين اثنين:

أ‌) فأحيانا يكون نهي ولا يكون أمر، كالسّارق وشارب الخمر، فإنّهما يُنهيان عن الخمر والسّرقة، ولا يؤمران بشيء مقابل ذلك.

ب‌) أنّ الأمر أحيانا يكون مجملا، يقابله عددٌ من المنهيّات، فيأتي النّهي للتّفصيل.

مثال على ذلك
: أنّك تأمر غيرك بالإحسان إلى الزّوجة، ثمّ تفصّل في المنهيّات حتّى يتبيّن معنى الإحسان، فتنهاه عن الشّتم، والتّحقير، وعن البخل والتّقتير،

وعن الضّرب والإيذاء، والتّجاهل والبذاء، وغير ذلك ممّا يضادّ مظاهر الإحسان.

وبهذا تعلم أنّ الواو في قوله تعالى:{ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [التوبة من:112] لها وزنها الثّقيل في الكلام، وأنّها ليست واو الثّمانية الّتي

ذكرها بعض العلماء الأعلام.

والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 11-27-2009, 12:34 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (45)

شـرح كتـاب الحـجّ (45)


تــابـع: البـاب الثّالـث عـشـر:

13-( ترهيب من قدر على الحجّ فلم يحجّ، وما جاء في لزوم المرأة بيتَها بعد قضاء فرض الحجِّ ).


· الحـديـث الثّـانـي:


1166-وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( يَقُولُ اللهُ عزّ وجلّ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي المَعِيشَةِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لاَ يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ )).

[رواه ابن حبّان في "صحيحه"، والبيهقيّ وقال:" قال عليّ بن المنذر: أخبرني بعض أصحابنا قال: كان حسن بنُ حَيّ يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ ويحبّ

للرّجل الموسِر الصّحيح أن لا يتركَ الحجّ خمس سنين "].

· شـرح الحـديـث:

ذهب بعض الشّافعيّة إلى وجوبه كلّ خمسة أعوام كما في " إعانة الطّالبين " (2/285).

والصّواب أنّ هذا الحديث خرج مخرج تأكيد الحجّ كلّ خمس سنوات، لا وجوبه، كما في المصدر السّابق، و" الإقناع " للشّربيني (1/250)،

و" مغني المحتاج " (1/460)، و" كفاية الطّالب الربّاني " (1/650)، و" الثّمر الدّاني " (1/360).

وقد ردّ القرطبيّ رحمه في تفسير لسورة " آل عمران " هذا القول بالحديث الّذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
خَطَبَنَا رَسُولُاللَّهِ صلّى الله

عليه وسلّم
فَقَالَ: (( أَيُّهَا النَّاسُ ! قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا )) فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَاثَلَاثًا،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلّى الله عليه وسلّم:

(( لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ))
ثُمَّقَالَ: (( ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا

مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ
)).

وردّ النّووي هذا القول بإجماع الصّحابة والتّابعين.

وما ذكره المصنّف عن الحسن بن حُييّ، ذكره البيهقيّ في " السّنن الكبرى " (5/262) أيضا عن الحسن بن صالح – وهو أحد كبار التّابعين-، قال رحمه

الله:"
الحجّ في كلّ خمسة أعوام أفضل ".

ووجه التّرهيب من ترك الحجّ في هذا الحديث من وجهين اثنين:

الأوّل: أنّه سمّاه محروما، والحرمان من ألفاظ التّرهيب كما لا يخفى.

الثّاني: أنّ الله تعالى حكم على عبده الّذي لم يحجّ بعد خمس سنوات فقط بالحرمان، فكيف بمن لم يحجّ أصلا ؟!

والله الموفّق لا ربّ سواه.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 11-27-2009, 12:34 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (46)

شـرح كتـاب الحـجّ (46)


تــابـع: البـاب الثّالـث عـشـر:

13-( ترهيب من قدر على الحجّ فلم يحجّ، وما جاء في لزوم المرأة بيتَها بعد قضاء فرض الحجِّ ).


· الحـديث الثّاني، والثّالث، والرّابع، والخامس:


1167-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِنِسَائِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ:

(( هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ )).

قَالَ: فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إِلَّا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَكَانَتَا تَقُولَانِ: وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ إِذْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

قَالَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ:
قَالَتَا: وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ )).

[رواه أحمد، وأبو يعلى، وإسناده حسن، رواه عن صالح مولى التّوأمة ابنُ أبي ذئب، وقد سمع منه قبل اختلاطه].

1168-وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ:

(( هِيَ هَذِهِ الحَجَّةُ، ثُمَّ الجُلُوسُ عَلَى ظُهُورِ الحَصْرِ فِي البُيُوتِ )).

[رواه الطّبراني في "الكبير"، وأبو يعلى، ورواته ثقات].

1169-ورواه الطّبراني في "الأوسط" عن ابن عمر رضي الله عنه:

" أنّ النّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَاَّ حَجَّ بِنِسَائِهِ، قَالَ:

(( إنَّمَا هِيَ هَذِهِ، ثُمَّ عَلَيْكُمْ بِظُهُورِ الحُصْرِ )).

1170-عَنْ ابْنٍ لِأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:

(( هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ )).

[رواه أبو داود، ولم يُسمِّ ابنَ أبي واقد].

· شـرح الأحـاديـث:

- قوله: ( هذه ): أي: هذه الحجّة هي حجّتكنّ الواجبة عليكنّ، فاكتَفِينَ بها. بدليل الرّواية الأخرى: ( إنّما هي هذه الحجّة ).

- قوله: ( ثمّ ظُهُورَ الحُصْر ):
الحُصر: جمع حصير. و( ظهور الحُصر ): هو وجه الحصير الّذي يُجلَس عليه. وفي رواية أمّ سلمة رضي اللهعنها:

(( ثُمَّ الجُلُوسُ عَلَى ظُهُورِ الحَصْرِ فِي البُيُوتِ )).

فهذا
كناية عن القرار في البيوت، كما يقال: عليك بحِلْسِ بيتك، أي: عرصته.

قال ابن الأثير رحمه الله:" أي
إنّكنّ لا تعُدن تخرجن، وتلزمن الحُصُرَ، هي جمع الحصير، الّتي تبسط البيوت بضمّ الصّاد وتسكّن تخفيفا ".

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في " تفسيره ":" يعني:
ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت ".

فقه هذه الأحـاديث:

· هذا الحديث فيه ترغيب شديد للمرأة أن تلزم بيتها، وأنّ النّصوص المرغّبة في الحجّ كلَّ عامٍ، يُستثنى منها النّساء.

· قال الشّيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى معلّقاً على هذا الحديث في " عمدة التّفسير " (3/11):

"
فإذا كان هذا في النّهي عن الحجّ بعد حجّة الفريضة - على أنّ الحجّ من أعلى القربات عند اللهفما بالك بما يصنع النّساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر

من التنقّل في البلاد
؟! حتّى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر ! وحدهنّ دون محرم ! أو مع زوجأو محرم كأنّه لا وجود له ! فأين الرّجال

؟!
أين الرّجال ؟!! " اهـ

· أمرُه صلّى الله عليه وسلّم بالاكتفاء بحجّة الفريضة ليس للوجوب، وإنّما هو للاستحباب، بدليل أنّ نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّمحججن بعد ذلك، وما كان

أمّهات المؤمنين يعصِِين أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .

ثمّ إنّ بعض العلماء – كالحافظ ابن كثير رحمه الله – يرى أنّ هذا الأمر يصرفه عن الوجوب الحديثُ الثّاني الّذي مرّ معنا، وهو قوله تعالى في الحديث القدسيّ:

(( إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي المَعِيشَةِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لاَ يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ )).
فالمرأة تدخل في الخطاب.

· كان عمر رضي الله عنه يمنعهنّ من الحجّ والعمرة، حتّى استأذنّه في الحجّ، فأذن لهنّ.

روى البخاري عَنْ إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال:
أَذِنَ عُمَرُ رضي الله عنه لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ

بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
رضي الله عنهما.

· وخرج نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّهنّ حاجّاتٍ، إلاّ زينبَ بنتَ جحش وسودةَ بنت زمعة.

أمّا زينب رضي الله عنها فكانت قد ماتت، وهي أوّل نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم موتا بعده، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا )) قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ

بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ.

وأمّا سودة بنت زمعة رضي الله عنها، فكانت تقول:"
وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ قَوْلِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ".

والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 11-27-2009, 12:35 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (47)

شـرح كتـاب الحـجّ (47)


البـاب الرّابـع عـشـر:

14-( التّرغيب في الصّلاة في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس، وقباء ).


· شـرح التّبـويـب:

فإنّ المساجد عموما لها من الفضل العظيم، والمقام الكريم ما الله وحده به عليم، فهي أشرف البلاد، وأحبّها إلى ربّ العباد.

ومن بين بيوت الله الّني زادها الله تشريفا وتعظيما، وتمجيدا وتكريما: المساجد الثّلاثة، ومسجد قباء.

وهذه الفضائل أنواع ثلاثة:

النّوع الأوّل: فضائل تشترك فيها المساجد الثّلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النّبويّ، والمسجد الأقصى – أعاده الله للمؤمنين بخير –.

والنّوع الثّاني: فضائل ثبتت للمسجدين: الحرام، والنّبويّ فقط.

النّوع الثّالث: فضائل ثبتت لمسجد بعينه خاصّة.

وهذا ما سوف نراه إن شاء الله في شرح أحاديث الباب وهي خمسة عشر حديثا.

الأحكام الّتي تشترك فيها المساجد الثّلاثة:

- أوّلا: المضاعفة: ويدلّ عليها الأحاديث التّالية:

· الأحاديث الأربعة الأولى:


1171-عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )).

[رواه مسلم والنسائي وابن ماجه].

1172-وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا )).

رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحه" وزاد:

" يَعْنِي فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ ".

والبزّار، ولفظه: أنّ رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

(( صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ مِئَةَ صَلاَةٍ )).

[وإسناده صحيح أيضا].

1173-وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ )).

[رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين].

1174-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )).

[رواه البخاري-واللّفظ له-، ومسلم، والتّرمذي، والنّسائي، وابن ماجه].

· شــرح الأحاديث :

هذه الأحاديث تدلّ على أنّ الأجر يُضاعف في المساجد الثّلاثة، وسيأتي حديث فضل الصّلاة في المسجد الأقصى.

ويندرج تحت هذا مسائل:

( المسألة الأولى): مقدار المضاعفة.

مجموع ما تدلّ عليه هذه الأحاديث أنّ:

أ‌) صلاةً واحدة في المسجد النّبويّ خير من ألف صلاة في غيره.

ب‌) وصلاة واحدة في المسجد الحرام أفضل من مئة صلاة في المسجد النّبويّ، أي: أنّها تفضل مئة ألف صلاة في المساجد الأخرى.

ت‌) وصلاة واحدة في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة، لما رواه الطّبرانيّ والبزّار بإسناد جيّد عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ

صلّى الله عليه وسلّم: (( فَضْلُ الصًّلاَةِ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلاَةِ )).

ومثله جاء عن جابر رضي الله عنه.

وسيأتي دفع ما يُعارض هذا في شرح الحديث التّاسع من هذا الباب.

( المسألة الثّانية ): هل المضاعفة تشمل الفريضة والنّافلة معاً ؟

اختلف العلماء في المراد بالصّلاة المضاعفة، أهي الفريضة، أم الفريضة والنّافلة ؟ قولان:

القول الأوّل: مذهب الجمهور، وهو أنّ المراد جميع الصّلوات سواء الواجبة فرضا أو نذرا، أو النّافلة. [" المعني " (3/251)، و" الأمّ " (1/98)

(2/107)، و" جواهر الإكليل " (1/246)، و" حاشية الدّسوقيّ " (1/399)، و" حاشية قليوبي وعميرة " (1/2/76)، و"الفروع" لابن مفلح

(1/598)].

واستدلّوا بأنّ اللّفظ: (( صَلاَةٌ )) مطلق، ولم يقيّد بفريضة ولا غيرها.

القول الثّاني: وهو مذهب الحنفيّة، أنّ المراد صلاة الفريضة فقط [" شرح فتح القدير "(3/96)، و" حاشية ابن عابدين " (2/524)] وبه قال الزّركشيّ

في " إعلام السّاجد " (246) وهو من الشّافعيّة].

واستدلّوا بما رواه البخاري ومسلم- واللّفظ للبخاري - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( ... صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ )).

والخطاب موجّه إلى أهل المسجد النّبوي. فلو كان فضل الصّلاة عامّا في النّافلة لما رغّب أصحابه رضي الله عنهم والنّساء خصوصا في الصّلاة في البيوت.

ويؤيّد ذلك أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يتطوّع في المسجد إلاّ نادرا.

وهذا القول هو الأوجه، والله تعالى أعلم.

( المسألة الثّالثة ): هل المضاعفة تشمل جميع الحسنات ؟

أكثر العلماء على هذا القول، واستدلّوا:

- بقول الله تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ } [آل عمران:96]، قال القرطبيّ: " جعله الله مباركا لتضاعف العمل فيه،

فالبركة كثرة الخير ".

- وببعض الأحاديث الضّعيفة، بل والموضوعة، كالحديث الّذي رواه البزّار عن ابن عمر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( رمضان بمكّة

أفضل من ألف رمضان بغير مكّة
)).

وكالحديث الّذي رواه الحاكم في "المستدرك" والبيهقيّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( حسنات الحرم: الحسنة بمائة ألف

حسنة
))، وصحّحه الحاكم، وقال الذّهبي رحمه الله (1/460): " ليس بصحيح، وأخشى أن يكون كذبا "، وضعّفه البيهقيّ.

- واستدلّوا بالقياس على الصّلاة، فقالوا: ما تضاعف الأجر إلاّ لبركة المكان والزّمان، فيقاس على الصّلاة غيرها.

والصّواب – والله أعلم – أن يقال: إنّ المضاعفة حاصلة عموما، دون تخصيص بعدد معيّن، من باب أنّ الله يكون أقرب إلى من اقترب إليه، وجاور حرمه،

ونظيره حمايته لأهل الحرمين من فتنة المسيح الدجّال، فإنّه يدخل كلّ مدينة وقرية إلاّ مكّة والمدينة.

ولكن هل المضاعفة تشمل السّيّئات أيضا ؟

هذا ما سوف نراه إن شاء الله لا حقا.

( يتبع )
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 11-27-2009, 12:35 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (48)

شـرح كتـاب الحـجّ (48)


تـابع: البـاب الرّابـع عـشـر:

14-( التّرغيب في الصّلاة في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس، وقباء ).


من المسائل المتعلّقة بالفضل الأوّل للمساجد الثّلاثة وهو المضاعفة:

( المسألة الرّابعة ): هل المضاعفة تشمل السّيئات أيضا ؟

فأكثر العلماء على ذلك أيضا، واستدلّوا:

- بقوله تعالى:{ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: من الآية25].

قال ابن العربيّ في " أحكام القرآن " (3/1276):

" فإنّ المعصية معصيتان: إحداهما بنفس المخالفة، والثّانية: بإسقاط حرمة البلد الحرام ".

وذكر الجصّاص في " أحكام القرآن " (3/230) عن ابن عمر رضي الله عنه أنّه قال:"
ظلم الخادم فما فوق بمكّة إلحاد، وقال عمر رضي الله عنه:

احتكار الطّعام بمكّة إلحاد ".

وروى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "
لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ وَهُوَ بِعَدَنِ أَبْيَنَ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَذَابًا أَلِيمًا ".

- واستدلّوا بآثار عن الصّحابة رضي الله عنهم وغيرهم، منها:

ما ذكره الزّركشيّ في " إعلام السّاجد " (ص132) عن عمر رضي الله عنه قال:"
خطيئة أصيبها بمكّة أعزّ عليّ من سبعين خطيئة بغيرها ".

ونقل عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه اتّخذ دارا بركبة بالطّائف، وقال:"
لأن أُذنب خمسين ذنبا بركبة، أحبّ إليّ من أن أذنب ذنبا واحدابمكّة ".

قال ابن عابدين رحمه الله في "حاشيته" (2/524): " ولهذا
كره جماعة من السّلف المجاورة بمكّة، وقال بعضهم: وبالمدينة لأجل مضاعفة السيّئات ".

- واستدلّوا بالقياس على مضاعفة بعض الذّنوب بالمدينة، كالحديث الّذي رواه الشّيخان عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ )).

وهذه الآثار إن صحّت فهي تدلّ على قبح المعصية بالحرم، لا مضاعفة مقدارها، وهو أصل لا شكّ فيه، فذنب القريب ليس كذنب البعيد، ومن أنعم الله عليه ليس

كمن لم يُنعَم عليه، قال ابن القيّم رحمه الله في " أعلام الموقّعين " (2/129):

"
فإنّ الرّجل كلّما كانت نعمة الله عليه أتمّ كانت عقوبته إذا ارتكب الجرائم أتمّ، ولهذا قال تعالى في حقّ من أتم نعمته عليهنّ من النساء:{ يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ

مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً
(30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا

رِزْقاً كَرِيماً
(31)} [الأحزاب] ..

فإنّ العبد كلّما كملت نعمة الله عليه ينبغي له أن تكون طاعته له أكمل، وشكره له أتمّ، ومعصيته له أقبح، وشدّة العقوبة تابعة لقبح المعصية،
ولهذا كان أشدّ النّاس

عذابا يوم القيامة عالما لم ينفعه الله بعلمه
، فإنّ نعمة الله عليه بالعلم أعظم من نعمته على الجاهل، وصدور المعصية منه أقبح من صدورها من الجاهل، ولا

يستوي عند الملوك والرؤساء من عصاهم من خواصّهم وحشمهم ومن هو قريب منهم
، ومن عصاهم من الأطراف والبعداء، فجعل حد العبد أخفّ من حدّ الحرّ

جمعا بين حكمة الزّجر، وحكمة نقصه، ولهذا كان على النّصف منه في النّكاح، والطّلاق، والعدّة، إظهارا لشرف الحرّية وخطرها، وإعطاء لكلّ مرتبة حقّها من

الأمر، كما أعطاها حقّها من القدر..".اهـ

أمّا المسجد الأقصى فلا يُعلم من قال بمضاعفة السيّئات فيه، وقد حُكِي عن كعب الأحبار القول بهذا، ولا دليل عليه، كما بيّنه الشّوكاني في " فتح القدير "

(3/447)، والزّركشيّ في " إعلام السّاجد " (ص290).

(المسألة الخامسة): ما المراد بالمسجد الحرام الّذي خُصّ بهذه المضاعفة ؟

لقد ذكر الله لفظة المسجد الحرام في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعا، ويراد به أربعة معانٍ:

-
الأوّل: الكعبة ذاتها، كما في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: من الآية144].

-
الثّاني: المسجد حول الكعبة مع الكعبة، ومنه قوله تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} [التوبة: من الآية19].

-
الثّالث: الحرم كلّه، ومنه قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: من الآية1]، وهو إنّما أسري به من

بيت أمّ هانئ، وقيل: من بئر زمزم.

وقوله تعالى:{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: من الآية28].

-
الرّابع: مكّة كلّها، ومنه قوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: من الآية196]، أي: هذا الحكم خاصّ بغير أهل مكّة، أمّا

المكّي فلا يتمتّع.

ولمّا كان للمسجد الحرام هذه المعاني، فقد اختلف العلماء في المراد بالمسجد الحرام الّذي يضاعف فيه أجر الصّلاة على أقوال ثلاثة:

1)
الأوّل: أنّه الحرم بحدوده المعروفة، ذكره ابن كثير، والجصّاص في "أحكام القرآن" (1/72) عن ابن عبّاس وأبي هريرة وعطاء، وهو قول أكثر الأحناف

كما في "حاشية ابن عابدين" (2/525)، واختاره ابن العربيّ من المالكيّة في "أحكام القرآن" (1/72و128)، وبعض الشّافعيّة كما في "إعلام السّاجد"

(ص59)، وبعض الحنابلة كما في "الفروع" لابن مفلح، و"زاد المعاد" (2/128).

2)
الثّاني: أنّ المراد به الكعبة وما حولها من المصلّى، قال به الإمام الشّافعيّ كما في " الأمّ " (1/54-49)، و" المجموع شرح المهذّب" (19/247)

و( /397)، وبعض المالكيّة كما في " شفاء الغرام " للفاسي (1/82)، و" تفسير القرطبي " (2/4/139).

3)
الثّالث: مكّة المكرّمة، وقد قال به بعض الأحناف كما في " شرح فتح القدير " (3/93)، وبعض الشّافعيّة كما في " شرح المهذّب" (7/397)، و" إعلام

السّاجد " (ص119).

وكلّ استدلّ بالمعنى الثّابت للمسجد الحرام.

والصّواب – والله تعالى أعلم – أنّه المصلّى الّذي حول الكعبة مهما اتّسع، وذلك لأمور ثلاثة:

-
أوّلا: لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ

الحرم حتّى يُقصد بالمسجد الحرام الحرم كلّه.

-
)) فقابل مسجده بالمسجد، ولم يقصد بمسجده ثانيا: يؤيّده أنّه أوّل ما يتبادر إلى الذّهن، ولا يُصرف إلى غيره إلاّ بقرينة، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ

مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ
؟ قَالَ: (( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ )) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: (( ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى )).

-
ثالثا: أنّ فضل الصّلاة في المسجد هو من الأحكام المتعلّقة بمواضع الصّلاة، ولا شكّ أنّ من دخل الحرم لا يقال له: قد دخلت المسجد الحرام ! ولا يُلزم

بالدّعاء، والدّخول باليمنى، وعدم رفع الصّوت، وعدم التغوّط فيه، وتحريم مباشرة النّساء فيه، وصونه عن البصاق، وتحريم زخرفته، وكراهة التّشبيك بين أصابعه

فيه، وغير ذلك من الأحكام الخاصّة بالمساجد.

وتبقى منزلة الحرم وحدوده معلومة، وله أحكامه الخاصّة به الّتي تدلّ على تعظيمه، وتشريفه وتفخيمه.

والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 11-27-2009, 12:37 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (49)

شـرح كتـاب الحـجّ (49)


تـابع: البـاب الرّابـع عـشـر:

14-( التّرغيب في الصّلاة في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس، وقباء ).


تحدّثنا فيما سبق عن أوّل فضائل المساجد الثّلاثة، وهي مضاعفة أجر الصّلاة فيها، وبيّنّا مسائل كثيرة تتعلّق بالمضاعفة.

وممّا تشترك فيه المساجد الثّلاث:

2-الاعتكاف:

فالاعتكاف يجوز ويستحبّ في كلّ مسجد جامع على الصّحيح من أقوال أهل العلم.[" الإفصاح " لابن هبيرة (1/256)، و" المدوّنة الكبرى " (1/231)،

و" الأمّ " للشّافعيّ (2/107)، و" الإنصاف " للمرداوي (3/368)].

ولكنّ أفضل وأحسن أنواع الاعتكاف هو ما كان في أحد المساجد الثّلاثة، لما رواه سعيد بن منصور في " سننه " عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ

صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي المَسَاجِدِ الثَّلاَثَةٍ )).

والمقصود هو نفي الكمال المستحبّ، أي: إنّ الاعتكاف الكامل هو ما كان في مسجد من مساجد الأنبياء.

وبعض أهل العلم رجّح وقف الحديث على حذيفة، ومع ذلك فإنّه يحتجّ به لأنّه لا يقال من قِبل الرّأي.

وممّا تشترك فيه المساجد الثّلاثة أيضا:

3-شدّ الرّحال إليها:

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلّى الله عليه وسلّم، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى

وعلّل البغويّ رحمه الله في " شرح السنّة " (2/337)
)).أنّ اختصاصها بهذا لكونها مساجد الأنبياء، ونحن مأمورون بالاقتداء بهم.

لذلك لم يختلف العلماء في استحباب قصد هذه المساجد للصّلاة فيها، كما قال ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (27/26-351-417)، والنّووي في

"المجموع" (8/210).

معنى الحديث:

والقصر في الحديث إضافيّ، بمعنى: أنّه لا تشدّ الرّحال إلى بقعة لتعظيمها إلاّ إلى هذه المساجد.

هذا هو الصّحيح، كما قال ابن تيمية رحمه الله، وخالف هذا المعنى طائفتان:

أ‌)
طائفة قدّرت الاستثناء من المساجد فقط، فقالوا: أي لا تشدّ الرحال إلى مسجد إلاّ المساجد الثّلاثة - كما فعل ابن حزم رحمه الله في "المحلّى" (4/54)-.

من أجل ذلك فهم يُبيحون شدّ الرّحال إلى كل بقعة مقدّسة معظّمة.

ب‌)
وطائفة جعلت القصر حقيقيّا، كابن عبد الهادي في " الصّارم المنكي "(ص20-147)، وعلى قوله لا يشرع السّفر إلى أيّ بقعة إلاّ إلى المساجد الثّلاثة !

قال: وإنّما خرج من هذا العموم السّفر إلى التّجارة، وطلب العلم، وصلة الأرحام بأدلّة أخرى.

حكم شدّ الرّحال إلى غير هذه المساجد:

النّهي في هذا الحديث هو للتّحريم، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله كما في " التّمهيد " (2/62)، و" جواهر الإكليل " (1/185)، وبه قال أكثر أصحاب

الإمام أحمد كما في " الفروع " (3/523)، و" الإنصاف " للمرداوي (3/367).

ومنهم من قال إنّ النّهي للكراهة كالسّبكي في " شفاء السّقام " (ص3-40)، وابن حجر في " الفتح " (3/63-71) وغيرهما، ورأوا أنّ النبيّ صلّى الله عليه

وسلّم كان يقصد مسجد قباء للصّلاة فيه.

والصّواب – إن شاء الله - ما ذهب إليه الإمام مالك ومن وافقه، لما يلي:

· أنّ الأصل في النّهي هو التّحريم كما هو معلوم، ولا صارف إلى الكراهة.

· أنّ الإنكار على من شدّ رحله إلى غيرها ثبت عن بعض الصّحابة، ولا يعلم لهم مخالف كما في " المغني " (3/215-556)، وفي ذلك آثار:

- فقد روى الإمام أحمد والنّسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:

لَقِيتُ أَبَا بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ رضي الله عنه، قَالَ:
مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ فَقُلْتُ: مِنْالطُّورِ. فَقَالَ: أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ إِلَيْهِ، سَمِعْتُرَسُولَ اللَّهِ صلّى

الله عليه وسلّم
يَقُولُ: (( لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِلَى مَسْجِدِي، وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ )).

- وروى الأزرقيّ في " أخبار مكّة " (ص304)، والفاكهيّ في " أخبار مكّة " (1207) بإسناد صحيح كما في " أحكام الجنائز " (ص226) عن قَزْعة

قال: أردت الخروج إلى الطّور، فسألت ابن عمر رضي الله عنه ؟ فقال:
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَىدَعْ عَنْكَ الطُّورَ فَلاَ تَأْتِهِ.

- ومثله جاء عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه أنّه نهى أبا ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه عن السّفر إلى الطّور، وقبل أبو ذرّ رضي الله عنه إنكار أبي

موسى رضي الله عنه، كما ذكره الشّوكاني في " نيل الأوطار ".

ففهمُ الصّحابة مقدّمٌ على فهم غيرهم كما هو معلوم.

أمّا معارضتهم هذا النّهي بذهابه صلّى الله عليه وسلّم إلى مسجد قباء للصّلاة فيه، فإنّه لا تعارض، وبيان ذلك من وجوه:

- الوجه الأوّل: أنّ المنهيّ عنه هو الزّيارة بسفر، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما كان يسافر، فقباء من المدينة، فهو كما لو أراد أحدهم وهو بالمدينة زيارة

البقيع، أو شهداء أحد.

- الوجه الثّاني: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك لمواصلة الأنصار، وتفقّد من تخلّف منهم عن الجمعة، ولذلك خصّ مجيئه إليهم بالسّبت، وسيأتي

الحديث في ذلك إن شاء الله.

- الوجه الثّالث: لو سلّمنا أنّ الذّهاب إلى قباء يدخل في شدّ الرّحال – وهو ليس كذلك -، فيقال: إنّ الّذي نهى عن شدّ الرّحال إلاّ إلى المساجد الثّلاثة، هو

من ذهب إلى قباء، فيضاف مسجد قباء وحده إليها، فلا وجه للتّعميم.

))، والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 11-27-2009, 12:38 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (50)

شـرح كتـاب الحـجّ (50)


تـابع: البـاب الرّابـع عـشـر:

14-( التّرغيب في الصّلاة في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس، وقباء ).


فقد انتهينا من الحديث عن جلّ الفضائل الّتي تشترك فيها هذه المساجد الثّلاثة.

أمّا النّوع الثّاني من الفضائل:

· فهو ما يختصّ بالمسجدين الكريمين: المسجد الحرام، والمسجد النّبويّ.

-
فهما حرمان: وليس ثمّة حرمٌ ثالث للمسلمين غيرهما.

أمّا ما شاع عند العامّة وأشباههم بأنّ المسجد الأقصى هو ثالث الحرمين، فهو من وضع السّياسيّين، الّذين يسوّغون عجزهم وقعودهم عن نصرة المسلمين، فأرادوا

أن يبنوا أمجادهم على أشلاء المستضعفين من إخواننا في فلسطين.

- وإذا سُئِلت: ما معنى أن يكون المسجد حرماً ؟

فقل: إنّه من أجل حرمة المسجد، حَرُم ما حوله، فسمّي ما يحدّه من الجهات الأربع حرماً.

فالشّيء قد يُعظّم أو يُحقّر للمجاورة.

فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّمفي مكّة: (( حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا [هو النّبات الرّطب، فإذا

يبِس فهو حشيش]،
وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، إِلَّا لِمُعَرِّفٍ )) فَقَالَ الْعَبَّاسُرضي الله عنه: إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا ؟ فَقَالَ: (( إِلَّا

الْإِذْخِرَ
)) [متّفق عليه].


وقال في المدينة: (( اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كَمَا حَرَّمْتَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرَمَ )) [رواه أحمد].

· أمّا ما يختصّ به كلّ مسجد عن الآخر: فعلى النّحو التّالي:

1) فأعظم ما يميّز المسجد الحرام:

- هو كونه قبلة، قال تعالى:{ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ }.

- وأنّه أوّل بيت وضع للنّاس، قال تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ }، أي: للعبادة.

- وأنّه محلّ بعض مناسك الحجّ والعمرة.

- وأنّ الله جعله قياما للنّاس، قال تعالى:{ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ } [المائدة من الآية 97]، أي: تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم، وما دام

البيت قائما فلا يزال دين الله قائما.

- وجعل قصده مكفّرا لما سلف من الذّنوب ماحيا للأوزار حاطّا للخطايا، بل لم يرض الله لقاصده من الثّواب دون الجنّة.

- وجعل أجر الصّلاة فيه بمائة ألف صلاة، وقد سبق بيان ذلك.

- وحرّم استقباله أو استدباره ببول أو غائط.

- وأنّ الله أضافه إلى نفسه، فقال:{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ }.

- وأنّه جعله مثابة للنّاس. أي: يثوبون ويرجعون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرا.

بل كلّما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقا:

لا يرجع الطّرف عنها حين ينظرها
*** حتّى يعود إليها الطّـرف مشتـاقا

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:01 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.