أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
96162 89571

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-19-2016, 09:41 PM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,664
افتراضي أحكام الجنائز - الشيخ سلطان العيد

[size="6"]

أحكام الجنائز 1 (أحكام الدفن والمقابر) - الشيخ سلطان العيد

أحكام الجنائز (1): (أحكام الدفن والمقابر)


أما بعد : فيقول الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) . إن اتباع الجنائز حق على المسلم لأخيه المسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست، قيل ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) متفق عليه.


واتباع الجنائز فيه فضل وأجر عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يُصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد)، وفي لفظ: (فقيل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين)، وفي لفظ لمسلم: (أصغرهما مثل أحد). وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن اتبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).


ولا تُتَّبع الجنازة بصوت ولا نار ولا بما يخالف شرع الله، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنازة معها رانة" والرانة: الصائحة، خرجه ابن ماجه. وأوصى عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: "إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار"، وفي لفظ: "أنه نهى أن يتبعه مادح أو نار" رواه أحمد ومسلم. قال قيس بن عباد: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز" خرجه البيهقي ووثق رجال سنده الألباني.


ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم القيام للجنازة إذا مرت، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا رأى أحدكم جنازة، فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه، أو توضع من قَبْل أن تخلفه) متفق عليه. وعن جابر رضي الله عنه قال: مر بنا جنازة فقام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: (إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)، قال العلامة ابن باز غفر الله له: "وهذا يدل على أن السنة القيام للجنازة ولو كانت كافرة، فإن للموت فزعا، وهذا القيام سنة وليس بواجب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام وقعد، فدل ذلك على أن القيام ليس بواجب وإنما هو سنة".


ومن تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع على الأرض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) متفق عليه، قال العلامة ابن باز: "والصواب أن الجنازة إذا وضعت في الأرض جلسوا" أي: قبل اللحد، وقال: "السنة لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع من أعناق الرجال على الأرض.


ولا يشرع للنساء اتباع الجنائز، ولهن الصلاة عليها، لقول أم عطية رضي الله عنها: "والأصل في النهي التحريم، وذلك يدل على تحريم اتباع النساء للجنازة إلى المقبرة، أما الصلاة على الميت فإنها مشروعة لهن كالرجال".


ويشرع الإسراع بالجنازة لقوله صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه، قال الشيخ ابن باز: "السنة الإسراع بالجنازة، ومعنى ذلك أن يكون مشيا قويا دون الرمل؛ ليقدمها إلى الخير إن كانت صالحة".


وأما دفن الميت فهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وهو من نعم الله على عباده، قال الله جل وعلا: ((ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ))، وقال ربنا سبحانه وتعالى: ((أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً))، ودفن الميت فيه فضل وأجر، لما روى أبو رافع رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غسل ميتا فكتم عليه، غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه، أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفَّنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة) خرجه البيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في أحكام الجنائز.


ولا يدفن الميت في أوقات النهي الثلاثة المضيقة إلا لضرورة، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمسُ بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" خرجه الإمام مسلم.


والسنة الدفن في المقبرة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، وأما الشهداء فيدفنون في أماكن استشهادهم في أرض المعركة، ولا ينقلون إلى المقابر، لحديث جابر رضي الله عنه في قتلى أحد، لما أرادوا نقلهم إلى مقبرة المدينة، قال إذ لحق رجل ينادي: "ألا إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت" خرجه الإمام أحمد، وصححه الألباني.


وأما الدفن ليلا، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك، ولكن في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن إنسانا مات بالليل فدفنوه ليلا، فلما أصبحوا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل وكانت ظلمة، وكرهنا أن نشقَّ عليك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قبره فصلَّى عليه)، قال العلامة ابن باز: "هذه الأحاديث تدل على جوز الدفن ليلا، وأما ما جاء في النهي عن ذلك، فهذا إذا كان فيه تقصير في الصلاة عليه"، وقال الشيخ ابن عثيمين: "يجوز دفن الأموات ليلا، إذا قام الإنسان بالواجب، من التغسيل والتكفين والصلاة عليه".


ولا بأس بدفن اثنين وأكثر في قبر واحد عند الضرورة والحاجة الشديدة، لحديث هشام بن عامر قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله! الحفر علينا لكل إنسان شديد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، قالوا: فمن نقدِّم يا رسول الله؟ قال: قدِّموا أكثرهم قرآنا، قال: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد) خرجه أهل السنن وصححه الألباني.


ولا بأس بجمع الأقارب في مقبرة واحدة، لحديث المطلب قال: (لما مات عثمان بن مظعون، أُخرج بجنازته فدفن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسر عن ذراعيه، قال المطلب: قال الذي يخبرني عن ذلك: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال عليه الصلاة والسلام: أتعلَّمُ بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي) خرجه الإمام أبو داود وقال الحافظ: إسناده حسن، قال الموفق ابن قدامة: "ولأن ذلك أسهل لزيارتهم، وأكثر للترحم عليهم".


واللحد أفضل من الشَق إذا كانت الأرض صُلبة لا ينهال ترابها، وإن كانت رخوة تنهال فالشق أولى، لحديث عامر بن سعد أن سعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي هلك فيه: "الحدوا لي لحدا، وانصبوا عليّ اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم" خرجه الإمام مسلم. وفي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: (اللحد لنا والشق لغيرنا)، واللحد معروف وهو الذي يعمل به في بلادنا، وأما الشق فهو أن يحفر في وسط القبر طولا كالنهر، ويبنى جانباه باللبن وغيره، أو يشق وسط القبر فيصير كالحوض، ثم يوضع الميت فيه، ويسقف عليه بأحجار ونحوها، ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت، قال العلامة ابن باز: "وعمل الصحابة وعمل المسلمين، يدل على أن اللحد والشق جائزان، وذكر النووي إجماع العلماء على جواز الأمرين، وقد كان في المدينة لاحد وشاق، ولكن اللحد أفضل، وإذا احتيج إلى الشق جاز، كما في الأرض الرخوة.


ويغطى قبر المرأة عند إدخالها القبر لأنه أستر لها، وقد روي ذلك عن عمر وعلي وأنس وعبدالله بن يزيد والحسن، قال الشيخ ابن باز: "يوضع ثوب على المرأة عند إدخالها القبر، حتى لا يظهر من جسمها شيء"، وذكر العلامة ابن عثيمين أن هذا مما فعله السلف واستحبه العلماء، ويكون هذا التخمير والتسجية إلى أن يُصف اللبن عليها.


وأولياء الميت هم أحق بإنزاله، لعموم قوله تعالى: ((وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ))، فليحذر صاحب الميت وصديقه من التقدم على أقاربه لأنهم أولى، إلا أن يأذنوا له، ولا بأس بإدخال الرجل زوجته قبرها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بُدئ فيه فقلت: وارأساه، فقال: (وَددتُ أن ذلك كان وأنا حيٌّ، فهيأتُك ودفنتك) رواه الإمام أحمد وهو في الصحيح بنحوه.


ويُدخل الميت من قِبل رجلي القبر، لأن عبدالله بن زيد رضي الله عنه صلى على الحارث ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال: "هذا من السنة" رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني. قال الشيخ ابن باز: "هذا أحسن ما ورد في ذلك، وروي في ذلك نوعان آخران، أحدهما: سلّه من جهة القبلة، والثاني: سلَّه من جهة رأس القبر، والأمر في هذا واسع، لكن أحسن ما ورد ما رواه عبدالله بن زيد، لأن قوله من السنة في حكم المرفوع عند أهل العلم.


وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أدخل الميت القبر يقول: (بسم الله وعلى ملة رسول الله)، أو يقول: (بسم الله وعلى سنة رسول الله) خرجه الإمام أبو داود وغيره وصححه الألباني.


ويجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، وعلى هذا جرى عمل أهل الإسلام إلى يومنا هذا، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في البيت الحرام: (قبلتكم أحياءً وأمواتاً) خرجه الإمام أبو داود.


وينبغي أن يقرب من حائط القبر القِبلي، لئلا ينكب على وجهه، ويسند من خلف ظهره بتراب لئلا ينقلب على ظهره.


وتحل عن الميت العقد بعد أن يوضع على جنبه الأيمن في القبر، قال العلامة ابن باز: "هذا هو الأفضل لفعل الصحابة رضي الله عنهم".


ويُنْصَب اللبن على فتحة اللحد، ويسد ما بين اللبن من خلل بقطع اللبن، ويجعل الطين فوق ذلك لئلا يصل التراب إلى الميت.


وبعد الفراغ من سد اللحد يحثي على القبر ثلاث حثيات، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاًً) خرجه ابن ماجه وصححه الألباني. قال العلامة ابن باز: "هذا يدل على أنه يستحب لمن حضر الدفن أن يشارك مع الناس ولو بثلاث حثيات" انتهى كلامه. ولا يزاد على القبر من غير ترابه.


ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر لحديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحدا، وونصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره عن الأرض نحوا من شبر) خرجه البيهقي وصححه ابن حبان.


ويكون القبر مسنما، أي: على هيئة سنام الجمل، لحديث سفيان التمَّار: (أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما) خرجه البخاري.


وتوضع على القبر الحصباء، ويرش بالماء حتى يثبت التراب، وفي سنن أبي داود عن القاسم أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، فإذا هي مبطوحة ببطحاء العرْصَةِ الحمراء) والبطحاء هنا: الحصى الصغار، وروى جعفر بن محمد عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر إبراهيم ابنه الماء، ووضع عليه الحصباء) خرجه البيهقي وقال في الإرواء: "سنده صحيح مرسل".


وله أن يُعلم القبر بحجر أو لبن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم قبر عثمان بن مضعون رضي الله عنه بحجر وضعه عند رأسه وقال: (أتعلَّم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي) خرجه الإمام أبو داود، قال العلامة ابن باز: "لا بأس بوضع علامة على القبر ليعرف، كحجر أو عظم أو حديد، من غير كتابة ولا أرقام، لأن الأرقام كتابة، وقد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، أما وضع حجر على القبر، أو صبغ الحجر بالأسود أو الأصفر حتى يكون علامة على صاحبه فلا يضر" انتهى كلامه غفر الله له.


ويقف الحاضرون بعد الفراغ من الدفن على القبر يدعون للميت بالثبات ويستغفرون له، لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم، وسلُوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) رواه أبو داود والحاكم وصححه.


ولا يجوز بناء المساجد على القبور، لحديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال الخليل المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) خرجاه في الصحيحين.


ولا يجوز اتخاذها مساجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد -يحذر ما صنعوا) خرجاه في الصحيحين أيضا.


ولا يجوز بناء القباب وغيرها على القبور، ولا ترفع أكثر من شبر، لحديث أبي الهياج الأسدي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الهل عليه وسلم: ((ألاّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سوّيته" خرجه الإمام مسلم.


ويحرم إسراج القبور، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج" خرجه أهل السنن وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية غفر الله له.


ولا يجوز اتخاذ القبور عيدا، بأن يتردد إليها الناس في أوقات محددة كيوم العيد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) رواه أبو داود وغيره.


ولا تشد الرحال إلى زيارتها لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) خرجاه في الصحيحين.


وليست المقابر من المواضع التي يُرغب في قراءة القرآن فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) خرجه الإمام مسلم.


ثم اعلم أعزك الله بالسنة، أن تحريم البناء على القبور، وتحريم إقامة المساجد عليها هو قول جميع الأئمة، ونص على ذلك أهل المذاهب الأربعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق أئمة الدين، على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور، ولا أن تعلق عليها الستور، ولا أن تنذر لها النذور، ويجب هدم كل مسجد بُني على قبر كائنا من كان الميت، فإن ذلك من أكبر أسباب عبادة الأوثان" انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو من أعرف الناس بالإجماع والاختلاف.


ألا فاعلموا أن زيارة القبور، ومنها قبر النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة بدون شد رحل، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك حيث قال: (لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد). وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) خرجه الإمام مسلم والترمذي وزاد: (فإنها تذكركم الآخرة).


فالمقصود بزيارة القبور معاشر الإخوان تذكر الآخرة، والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والاستغفار، والعمل بسنة الخليل المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، هذه هي الزيارة الشرعية.


وهناك زيارة بدعية، وهي أن يزورهم لقصد الدعاء عند قبورهم، أو سؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات أو شفاء المرض، وسؤال الله بهم أو بجاههم، وكل هذا بدعة لم يشرعه الله تعالى، وبعض هذه الأمور من الشرك الأكبر، كدعاء الموتى، والاستعانة والاستغاثة بالمقبورين، وسؤالهم النصر والشفاء وطلب المدد منهم.


أما بعد يا معاشر المؤمنين: فلقد تقدم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دفن الميت وزيارته، لكن الفتنة قد عمت بالقبور والمشاهد والأضرحة في زماننا، وخالفوا هدي الخليل المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، تلك القبور التي يزعمون أنها قبور الأولياء والصالحين، بنيت عليها القباب والمساجد، وأقبل الناس إليها أفواجا من كل مكان، يعكفون عندها، ويقبلون جدرانها، ويطلبون المدد والغوث من أهلها، ويتبركون بتربتها، وهذا مشاهد لا يخفى على البصير، قد حمل لواءه رموز التصوف، يأزون أتباعهم إلى هذه الجهالات والبدع والشركيات أزا، ويزينون لهم ذلك، بل يشاركونهم، ثم يَظهرون في القنوات وغيرها زاعمين بأن التصوف يرتقي بالفكر ويهذب النفس، ويطالبون من ينتقدهم بالرجوع إلى كتب علم التصوف، وعدم الالتفات إلى هؤلاء العوام الجهلة أتباعهم.


فيقال: نعم، هلم فلنرجع إلى كتبكم بعدل وإنصاف، ولننظر في عقائدكم المدونة فيها، فالحكم عليهم من كتبهم ومراجعهم الموثوقة عندهم، وبعدها سيظهر لك شيء من الفكر الصوفي المنحرف، وستعلم كيف يقدس الصوفية القبور، حتى شابهوا أولئك الذين عبدوا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وإليك الدليل والبرهان من كتبهم.


يقول محمد أمين الكردي الصوفي في كتابه تلوين القلوب في معاملة علام الغيوب، يقول: "وما يفعله العامة من تقبيل أعتاب الأولياء والتابوت الذي يُجعل فوقهم فلا بأس به"، ويقول في موضع آخر: "كل شأن من شؤون العبادة وطلب العلم والكشوفات مرتبط بالقبور، بل تلقي العلوم وفيضها والتكليف واستمداد كل خير، كل ذلك مرتبط بالقبور".


وألَّف عالمهم أحمد بن الصديق الغُماري الصوفي كتابا ينصر فيه عباد القبور واسمه: إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور، فمشايخهم كما ترى يستحبون ما نهى عنه الخليل المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ولعن فاعله، ألا وهو البناء على القبور، وعوامهم تبع لهم في ذلك، ثم يقولون: لا تلتفتوا لمن يتبركون ويتمسحون ويطوفون بالقبور، مع أنهم ثمرة من ثمارهم، وإذا نظرت في كتاب الطبقات الكبرى للشعراني، وهو من أجلِّ كتبهم عندهم، وجدت فيه تعظيم القباب والإشادة بها وأنها شعار أوليائهم.


ومن ذلك ما أورده في ترجمة شيخهم سعود المجذوب قال: "ودفن بزاويته، وله قبة خضراء، بناها له الباشا سليمان". وقال في ترجمة الشيخ إبراهيم: "وعمر لنفسه قبة وزاوية ودفن بها". وقال في ترجمة نور الدين الشوني: "ودفن عند باب القبة المجاورة لباب المدرسة القادرية". واستمع إلى أبي الهدي الرفاعي الصوفي كيف يصرح بأن حجهم إنما هو إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبر الرفاعي شيخه فيقول:


بيتان حج العارفون إليهما***بيت الرسول وشبله ببطاح


أعني به المولى الرفاعي الذي***خلقت أنامله من الأرباح.


ذكر ذلك في قلادة الجواهر، ويقول أيضا مصرحا بأن قبر الرفاعي هو كعبة أتباعه، يقول:


هو كعبة العشاق فالزم ركنه***وابشر بنور القلب والأفراح.


ونقل الشعراني في طبقاته عن صوفيهم محمد بن أحمد الفرغلي أنه كان يقول: "أنا من المتصرفين في قبورهم، فمن كانت له حاجة فليأت إليَّ قبالة وجهي ويذكرها أقضها له". وقال الشعراني في ترجمة معروف الكرخي: "ويستسقى بقبره". وقال في ابن ضيف الله: "وقبره يزار ويستسقى به الغيث". وقال صاحب كتاب المطرب في مشاهير أولياء المغرب في آخر ترجمة شيخهم أحمد بن عاشر: "وضريحه مقصود للزيارة، وخاصة من أصحاب الأمراض والعاهات"، نعم، يزوره أصحابهم أصحاب الأمراض والعاهات للاستشفاء، هكذا يروج أئمة الضلالة لبدعهم وشركياتهم، ويغررون بعوام المسلمين، ثم يزعمون أن طرقهم مقصودها ترقيق القلوب، والزهد في الدنيا، والرقي بالفكر، كذبوا والله بل هو إفساد للقلوب بهذه البدع والشركيات والخرافات. وههو صوفي آخر محمد بن سعد يقول في قصيدة يمدح بها شيخه التيجاني، ويدعو لتقبيل تربة قبره فيقول:


وقبِّل الترب في فاس بزاوية***فيها الهدى والتقى والحفظ من باس


فيها التيجاني أبو العباس خير فتى***حاز الكمال حبيب العين والراسي


وأما قبر معروف الكرخي فيقول عنه هؤلاء المتصوفة: "إنه ترياق مجرب" يعني: على طريقتهم البدعية.


وأما حديث الصوفية عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجيب، خالفوا السنة، وتركوا ما عليه أهل الإسلام، وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ههو عبدالرحيم البُرَعي من أكابر شعراء الصوفية وأشهرهم، ههو يغلو في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعوه ويستغيث به فيقول مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم في قبره:


يا صاحب القبر المنير بيثرب***يا منتهى أملي وغاية مطلبي


يا من به في النائبات توسلي***وإليه في كل الحوادث مهربي


يا من نرجيه لكشف عظيمة***ولحل عقد ملتو متصعب


يا من يجود على الوجود بأنعم***خضر تعم عموم صوب الصيب


يا غوث من في الخافقين وغيثَهم***وربيعَهم في كل عام مجدب


يا من نناديه فيسمعنا على***بعد المسافة سمع أقرب أقرب


يا سيدي إني رجوتك ناصرا***من جور دهر خائن متقلب


فأقل عثار عُبيدك الداعي الذي***يرجوك إذ راجيك غير مخيب


واكتب له ولوالديه براءة***من حر نار جهنم المتلهب


واقمع بحولك باغضيه وكل من***يؤذيه من متمرد متعصب.


هكذا يقول البُرَعي في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا إله إلا الله، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم هو الموئل والملاذ والمرجى، والمدعو والمغيث والمنادى وغافر الذنب، ويكتب لمن يشاء براءة من النار، ويجيب المضطر إذا دعاه، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عندهم كذلك، فما بقي لله رب العالمين؟ أولم يعلموا بقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ))، وقول ربنا سبحانه لخليله صلى الله عليه وسلم: ((قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))


وإن مما يزيدك ألماً وحسرة : أن الجماعات الدعوية المعاصرة، قامت على هذه المبادئ الصوفية. فأكبر جماعتين إحداهما أعجمية، قامت على أربع طرق صوفية وهي: الجشتية والنقشبندية والقادرية والسهروردية، ويزعمون أنهم أحباب في الله، لا والله بل قد عصوا الله عز وجل، ولبسوا على عوام المسلمين بما يُظهرونه من زهد ورقائق صوفية. أما الجماعة الثانية فعربية تزعم أنها الكبرى الجماعات، يصرح مؤسسها الذي تلقى وترقى في سلم التصوف بأن جماعته صوفية، واعترف في مذكراته أيضا باعتكافه عند قبور مشايخ التصوف ليالي وأياما، وإنشاده في الموالد البدعية.


فإذن هذه المعتقدات لم تمت، بل هي تداهمنا في كل حين، ونخشى والله على دعوتنا السلفية منها، فرحم الله من نصر العقيدة وذبَّ عنها، فإن الراد على أهل البدع مجاهد في سبيل الله، ((وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ))، ((وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)).


وبعد يا معاشر المؤمنين، هل هذا هو الفكر الذي يزعمون في القنوات الفضائية وغيرها الآن، أنهم يحاورون من أجله ليرتقوا بالإنسان، وهل هذا هو السلوك والأخلاق التي تهذب النفوس زعموا؟ إذا كان هذا كلام مشايخهم في كتبهم فكيف بمن دونهم؟ وإذا كان هذا ما أظهروه فكيف بما يخفونه ويسرونه؟ ثم يدعون بعد ذلك أن هذا الشرك وهذه العقائد الضالة، الخلاف فيها يسير غير عسير،


ثم يدّعون بعد ذلك أن هذا الشرك وهذه العقائد الضالة، الخلاف فيها يسير غير عسير، بل يزعمون أنها من مسائل الفقه لا التوحيد ليهوِّنوا الأمر؛ ((أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ))، ((أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ))


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)).


فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام...


الشيخ سلطان العيد

المصدر موقع شبكة شباب السنة[/size]
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-19-2016, 09:44 PM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,664
افتراضي أحكام الجنائز 2 (أحكام صلاة الجنازة) - الشيخ سلطان العيد


أحكام الجنائز (2): (أحكام صلاة الجنازة)



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :


فيقول الله سبحانه وتعالى في المنافقين: ((وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ))، فلما نهي عن الصلاة على المنافقين لكفرهم، عُلم أن الصلاة المؤمنين شريعة قائمة، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين، وربما قال: (صلوا على صاحبكم).


الصلاة على الميت لها فضل عظيم، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يُصلَّى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط) متفق عليه، ولما بلغ ذلك ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة". وسئل الشيخ ابن باز غفر الله له، عمن صلى على خمس جنائز فهل له بكل جنازة قيراط؟ فأجاب بقوله: "نرجوا له قراريط بعدد الجنائز".


والصلاة على الميت معاشر المؤمنين، لها أثر عظيم إن قبل الله شفاعة إخوانه فيه، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له إلا شُفِّعوا فيه) رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه) خرجه الإمام مسلم أيضا. قال العلامة ابن باز: "قال أهل العلم في الجمع بين حديث المائة وحديث الأربعين: إن حديث المائة أولا، ثم تفضل الله وجعل الأربعين يقومون مقام المائة في قبول الشفاعة".


وأما شهيد المعركة فلا يصلى عليه، لحديث جابر رضي الله عنه في قتلى أحد وفيه: (وأمر صلى الله عليه وسلم بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم) خرجه الإمام البخاري. وأما الذي يجرح في المعركة ثم يموت بعد ذلك، فإنه يصلى عليه، وكذلك شهداء غير المعركة يصلى عليهم، كالذي يموت بالهدم والغرق، وكذلك المقتول ظلما، كل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم.


ولا يصلي الإمام الأعظم على الغالِّ وقاتل نفسه، بل يصلي عليه سائر الناس، لحديث زيد بن خالد الجهني: (أن رجلا من المسلمين توفي بخيبر، وأنه ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: صلّوا على صاحبكم فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم قال: إن صاحبكم غلَّ في سبيل الله، قال: ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين) رواه أبو داود وغيره، ولحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بِمَشَاقص فلم يصلِّ عليه) خرجه مسلم. قال العلامة ابن باز: "قاتل نفسه أتى جريمة عظيمة، فلا يصلي عليه الإمام أو كبار البلد والجماعة، ويصلي عليه غيرهم.


ولقد جاءت سنة الخليل المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بالصلاة على من قُتل حدا، فعن جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أبك جنون؟ قال: لا. قال: أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فرَّ، فأُدرِك فَرُجِم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلّى عليه) متفق عليه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه صلى على الغامدية التي اعترفت بالزنا فرجمت.


وتشرع الصلاة على الغائب عن البلد بالنية، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا) خرجاه في الصحيحين. قال العلامة ابن باز غفر الله له: "واختلف العلماء في الصلاة على الغائب، فمنهم من قال: لا يُصلَّى على أحد إلا النجاشي، ومنهم من قال: يقاس على النجاشي من كان مثله، فيصلى على من له شأن في نصر الإسلام والمسلمين، وهذا عليه أئمة الدعوة".


وأما الصلاة على القبر، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: (انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلَّى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا) خرجه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، أو شابّاً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغَّروا أمرها أو أمره، فقال صلى الله عليه وسلم: دلّوني على قبره، فدلّوه فصلى عليها ثم قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم) خرجاه في الصحيحين. قال العلامة ابن باز غفر الله له: "وأكثر ما ورد في الصلاة على القبر شهر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعدٍ بعد شهر، أما ما زاد فالأصل عدم ذلك، أما ما ذُكر من صلاته على قتلى أحد، فيحتمل أنه دعا لهم كدعوات الجنازة، ويحتمل أن هذا خاص به يودع الأحياء والأموات".


وأما موقف الإمام من الرجل والمرأة في صلاة الجنازة، فيقف عند رأس الرجل ووسط المرأة، لحديث أبي غالب قال: "صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا: يا أبا حمزة صلِّ عليها، فقام أنس حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم، فلما فرغ قال: احفظوا" رواه الإمام أحمد وغيره. قال ابن القيم: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم عند رأس الرجل ووَسْط المرأة".


وإذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء، صلى عليها صلاة واحدة، ويجعل الذكور ولو كانوا صغارا مما يلي الإمام، وجنائز الإناث مما يلي القبلة، قال الشيخ الألباني رحمه الله: "ويستحب أن يصفوا -يعني: المصلين- وراء الإمام ثلاثة صفوف فصاعدا، لحديثين رويا في ذلك، الأول عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر، فجعل ثلاثة صفّا، واثنين صفّا، واثنين صفّا).


وأما وقت صلاة الجنازة، فيصلى على الجنازة في أي وقت إلا في ثلاثة أوقات، وهي الواردة في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمسُ بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّف الشمس للغروب حتى تغرب" خرجه الإمام مسلم.


وأما أوقات النهي الأخرى: بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، فلا حرج في الصلاة على الجنازة فيها، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "يصلى على الجنازة بعد الصبح وبعد العصر إذا صُلِّي لوقته" رواه الإمام مالك وصحح إسناده العلامة الألباني.


وأحق الناس بالإمامة في صلاة الجنازة وصيه الذي أوصى أن يصلي عليه ثم الوالي، فإن صلي عليه في المسجد، فإمام المسجد الراتب أولى من الوصي، قال العلامة ابن باز: "إمام المسجد أولى بالصلاة على الجنازة من الشخص الموصى له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه) وإمام المسجد هو صاحب السلطان في مسجده".


أما بعد، وصفة الصلاة على الجنازة على النحو الآتي:


يتوضأ كما أمر الله لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) رواه مسلم.


ثم يقوم الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة، ويصف المأمومون خلف الإمام كصفوف الصلاة المفروضة، لحديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث) متفق عليه.


ثم يكبر الإمام التكبيرة الأولى قائما ويرفع يديه، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي وكبر عليه عليه أربعا، وأما رفع اليدين في التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة، لحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى) رواه الترمذي وحسنه الألباني. قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن المصلي على الجنازة يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها".


ثم يضع يده اليمنى على اليسرى ويستعيذ ويبسمل سرا، ثم يقرأ الفاتحة سرا، لحديث أبي أمامة أنه قال: "السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مُخَافَتَة، ثم يكبر ثلاثا، والتسليم عند الآخرة" رواه النسائي وصححه الألباني. قال العلامة ابن باز: "والجهر بها -أي: الفاتحة- في بعض الأحيان لا بأس به، وإن قرأ معها سورة قصيرة فلا بأس أيضا بل هو أفضل" انتهى كلامه.


ويقرأ سورة قصيرة بعد الفاتحة لقول طلحة بن عبيدالله بن عوف: "صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال: سنة وحق" خرجه النسائي وصححه العلامة الألباني.


ثم يكبر التكبيرة الثانية، رافعا يديه حذو منكبيه أو حذو أذنيه، ثم يضع اليمين على الشمال، قال الشيخ ابن باز: "السنة رفع اليدين مع التكبيرات الأربع كلها؛ لما ثبت عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يرفعان مع التكبيرات كلها، ورواه الدارقطني مرفوعا من حديث ابن عمر بسند جيد".


ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي عليه في التشهد الأخير، لحديث أبي أمامة أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أن السنة في الصلاة على الجنازة، أن أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرّا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه الحاكم والبيهقي وصححه العلامة الألباني.


ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو للميت بما ورد، ويخلص الدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود.


ومن الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في هذا المقام قوله: (اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تُضلَّنا بعده). ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسِّعْ مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّهِ من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلاً خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار) وفي لفظ: (وقِهِ فتنةَ القبر).


ثم يكبر التكبيرة الرابعة ويقف قليلا، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه قائلا: السلام عليكم ورحمة الله. قال العلامة ابن باز: "وقد ثبتت التسليمة الواحدة عن الصحابة". وقال الشيخ ابن عثيمين غفر الله له: "والصحيح أنه لا بأس أن يسلم مرة ثانية، لورود ذلك في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم".


والمسبوق في صلاة الجنازة يعتبر ما أدركه مع الإمام أول صلاته، وما يقضيه آخرها، قال الشيخ ابن باز: "فإذا أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة، كبر وقرأ الفاتحة، وإذا كبر الإمامُ الرابعة، كبر بعده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا سلم الإمام كبر المأموم المسبوق ودعا للميت موجزا، ثم يكبر الرابعة ويسلم".


فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام...


الشيخ سلطان العيد
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-19-2016, 09:45 PM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,664
افتراضي أحكام الجنائز 3 (أحكام التعزية) - الشيخ سلطان العيد


أحكام الجنائز 3: (أحكام التعزية)


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :

فيقول الله سبحانه وتعالى: ((وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ))، وقال تعالى في وصف أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ((أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)).

التعزية : هي التصبير على ما أصاب من مكروه، وهي مشروعة وفيها أجر وفضل، فقد روى عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة) خرجه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزّى أخاه المؤمن في مصيبة كساه الله حُلة خضراء، يُحْبَرُ بها يوم القيامة، قيل: يا رسول الله ما يُحبرُ؟ قال: يغبط) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد وحسنه العلامة الألباني.

وأما صفة التعزية وألفاظها، فإن المعزي يقوم بتعزية المصاب بما يسليه ويصبره، ويحمله على الرضى والصبر واحتساب المصيبة عند الله عز وجل، والثقة به سبحانه، ويكون ذلك بما تيسر من الترغيب في الأجر والثواب، أو بكلام يخفف المصيبة ويُذهب الحزن.

ومما ورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قاله لابنته حين كان ولدها يغرغر يوشك أن يموت، فعزاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب) خرجه الإمام مسلم.

ويحسن أن يقول لمن فقد ولدا: ما رواه معاوية بن قرة عن أبيه قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير، يأتيه من خلف ظهره فيُقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلْقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي لا أرى فلانا؟ قالوا: يا رسول الله، بُنيَّه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بُنيِّهُ؟ فأخبره أنه هلك، فعزَّاه عليه ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا فلان، أيُّما كان أحبَّ إليك، أن تمتَّع به عُمرك؟ أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتح لك؟ قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحبُّ إليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذاك لك) خرجه الإمام النسائي وصححه الألباني.

ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: ما قاله حينما دخل على أم سلمة رضي الله عنها عقب موت أبي سلمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه) خرجه الإمام مسلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عزى عبدالله بن جعفر في أبيه: (اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبدالله في صفقة يمينه) قالها ثلاث مرات. خرجه الإمام أحمد وصححه الحاكم.

ومما يبرِّد حرارة المصيبة عند التعزية في الأحباب على وجه العموم، سواء كان الميت ولدا أو أبا أو أما أو زوجا، أو حبيبا مصافيا وصديقا مخلصا، ما ورد في الحديث أن الله جل وعلا يقول: (ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) خرجه الإمام البخاري.

ولو قال عند التعزية: أعظم الله أجرك، وأحسن عزائك، وغفر لميتك، فلا بأس بذلك.

ثم اعلم أن التعزية لا تحد بثلاثة أيام، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها، فقد عزى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة أيام، كما في حديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما، فما دامت حرارة المصيبة قائمة فلا بأس بالتعزية ولو بعد ثلاث، قال العلامة ابن باز: "العزاء ليس له أيام محدودة، بل يشرع من حين خروج الروح، قبل الصلاة على الميت وبعدها، وقبل الدفن وبعده، وليس لغايته حد، سواء كان ذلك ليلاً أو نهارا، وسواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في المسجد أو في المقبرة، أو في غير ذلك من الأماكن" وقال الشيخ ابن عثيمين غفر الله له: "وقت التعزية من حين يموت الميت أو تحصل المصيبة، إذا كانت التعزية بغير الموت، إلى أن تُنسى المصيبة وتزولَ عن نفس المصاب؛ لأن المقصود بالتعزية تقويةُ المصاب على تحمّل هذه المصيبة واحتساب الأجر".

ومن البدع والمنكرات في العزاء: اجتماع أهل الميت خارج المنزل في أماكن واسعة، سواء كانت في الخيام الكبيرة، أو بفرش الساحات الخالية أمام المنزل، وإنارتها استعدادا لاستقبال المعزين، وإحضار من يقرأ القرآن، وكذلك الاجتماع في منزل الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن، ودعوة الناس لحضور الطعام المقدم، قال جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: "كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة" خرجه الإمام أحمد وابن ماجه. قال العلامة ابن باز: "الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن بدعة، وإنما يؤتى أهل الميت للتعزية والدعاء والترحم على ميتهم، أما أن يجتمعوا لإقامة مأتم بقراءة خاصة، أو أدعية خاصة أو غير ذلك، لو كان هذا خيرا لسبقنا إليه سلفنا الصالح، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما فعله، وكذلك الصحابة من بعده لم يفعلوا شيئا من ذلك، فقد مات الصديق أبوبكر رضي الله عنه وما جعلوا له مأتما، وقتل عمر رضي الله عنه وما جعلوا له مأتما، ولا جمعوا الناس ليقرأوا القرآن".

والسنة أن يصنع أقرباء أهل الميت أو جيرانهم طعاما يرسلونه إليهم، لحديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنه قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم) رواه أبو داود وغيره.

أما بعد، فلقد جاءت هذه الشريعة المباركة بالإحسان إلى المسلم حيا وميتا، ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ))، (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا). ومما ورد في السنة من الإحسان إلى المسلم عند خروج روحه ومفارقة الدنيا، من ذلك:

أولا: أنه يشرع تلقينه إذا كان في حالة النزع، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) خرجه الإمام مسلم.

ثانيا: لا يقول عنده إلا خيرا، لما روت أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون، قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أبا –تعين: زوجها- قد مات، فقال صلى الله عليه وسلم: (قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنة، قالت: فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه، محمدا صلى الله عليه وسلم) خرجه الإمام مسلم.

ثالثا: في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البيت الحرام: (قبلتكم أحياء وأمواتا). وقد سئل العلامة ابن باز: هل يشرع توجيه المحتضر إلى القبلة؟ فأجاب غفر الله له بقوله: "نعم، يستحب ذلك عند أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا)"، وقال في كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة: "يُجعل على جنبه الأيمن، ويوجه إلى القبلة كما يوضع في اللحد".

رابعا: إذا خرجت روحه وأغمض عينيه وقال خيرا، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قُبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه) خرجه الإمام مسلم.

خامسا: يغطى بعد ذلك بثوب يستر جميع بدنه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (((سُجِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حِبِرةٍ).

سادسا: لا يغطي رأس المحرم ولا وجهه إذا مات، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل الذي وقصته راحلته وهو محرم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تخمِّروا رأسه ولا وجهه، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيا).

سابعا: يُعَجَّل بتجهيزه وإقامة حقوقه من غسل وتكفين وصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة)، ويبادر بقضاء دينه بعد موته من ماله، فإن لم يكن له مال وتطوع به بعض الحاضرين فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين) خرجه الإمام مسلم.

ومن ذلك: أن تنفذ وصيته في الثلث فأقل.

ومن ذلك: أنه يجوز لمن حضر الميت كشف وجهه وتقبيله والبكاء عليه بدمع العين، لحديث جابر رضي الله عنه قال: (لما أصيب أبي يوم أحد فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وجعلت فاطمة بنت عمرو تبكيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تبكيه أو لا تبكيه، مازالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رفعتموه) خرجاه في الصحيحين. وقالت عائشة رضي الله عنها في حادثة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: (أقبل أبوبكر حتى دخل فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه، فقبله بين عينيه ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة الأولى التي كتبت عليك فقد متها) خرجه الإمام البخاري. وقالت عائشة رضي الله عنها أيضا: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّل عثمان بن مظعون وهو ميِّتٌ، وهو يبكي عليه الصلاة والسلام، فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خدَّيه) رواه الترمذي وابن ماجه. قال أنس رضي الله عنه في قصة وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم، فقبّله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فَجَعَلْت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا ابن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) متفق عليه.

ويشرع لأهل الميت الصبر والاسترجاع بأن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) .

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام...

الشيخ سلطان العيد

__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:34 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.