أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
72791 89305

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-07-2016, 03:26 PM
أبو العباس أبو العباس غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 790
افتراضي قطع المراء في حكم مناظرة أهل الأهواء -منقول- [ردا على غلاة التجريح].


قَـطْعُ الـمِـرَاء
فِي أَحْكَـام مُناظَرةِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ

كَتبهُ
سَعد بن عبدالله آل بانِيمَة

بِسْمِ اللهِ الرَّحمْنِ الرَّحِيمِ
أَمـّا بعد...:
فإِنَّ العِلمَ كثيرةٌ مسائِلُهُ ، متنوعةٌ دلائِلهُ ،عظِيمةٌ فضائِلهُ ، يـَحـارُ فيها اللبيبُ ، ويغوصُ ويسيحُ في بحارها وأنهارها الضّليعُ
وإِنَّ من العُلُوم الّتي اعتنى أهل العلم في القدِيم والحديث بالكلاَم عليها تقعيداً وتدليلاً ، ما أَسَمَوهُ بـــ : (الجدل) و (المناظرة)!
وهو علم دقِيق ، ومن رُزقَ تعاطيه وحُسن التقرير فيه فالخير كلّه رُزق ، كيف لاَ!.. والقُرآن مليءٌ بالمناظرات ، متنوعٌ في ذكر الحُجَّةِ والأدلَّةِ والدّلاَلات
قَال الإِمامُ ابن قيم الجَوزيّة رَحمهُ الله : «وإذا تأملت القرآن وتدبرته وأعرته فكراً وافياً اطلعت فيه من أسرار المناظرات وتقرير الحجج الصحيحة وإبطال الشبه الفاسدة ، وذكر النقض والفَرقِ والمعارضة والمنع على ما يشفي ويكفي ، لمن بصَّره الله وأنعم عليه بفهم كتابه!» كما في البدائِع 4/ص1540
«ومن رزق فهمــاً في كتاب الله تعالى، ودراية بالسنة النبوية ، وطريقة سلف هذه الأمــة : رأى من المعالم الاٍيمانية، في نصوص المجادلة ووقائع المناظرة ، ما ستخلصه شروطـاً، وأدابــاً، للــرد على المــخالفين :: في تكييف حال الراد، والمردود عليه ، ونوعية الدافع ، وتجلية الطريق ، متى توفرت : ظفر الطالب المحق ببغيته ، وصار بمنأى عنِ الغلط والاٍضطراب وهي قواعد هذا العلم وضوابطه (1)»
ولستُ في هذا المقال كـي أُسهب الكلام عن (المناظرة) وأحكامـها، وتعرِيفها وأنواعها ،وأدابِها وشُروطها ، فحسبك أَنَّها في مكانها ومظانها
لَكن سأتكلم عن قضيّةٍ خطيرة، ومسأَلَة دقيقةٍ ، كثر فيها الخصام والنزاع ، واضطربت فيها الأَراء والأفهام ، وهي مسأَلة (مناظرةُ أَهل الأَهواء والبدع المخالفين لأصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)
وإِنَّ الناظِرَ وَالـمُتأَمل في مدارس أَهل السُّنة بِشتى أَنواعها وإنتمائِتهَا ليَرى شِدَةً من الإِنقسامِ فيما بينها ، وغُلـُواً في كَثير من مُنتِسبيها ومُدعِيها ، كلُّ يَرى أَنّهُ هو الأَحق بـ(السُّنَّة) من غيره!، حتّى وصلَ الحال والبلاء إلى (التّفسيقِ) و (التبديع) بل قدتعداهُ مـداهُ إِلى التكفِيرو (التقتِيل)!
وأَصلُ ومنشأُ كلِّ بلاء هُمـا أَمران ورُكنان (سُوءُ الفَهمِِ) معَ (سُوءِ القصد)!
إِذ ما من مسأَلةٍ من مسائِل العِلم الحقّ إِلاَّ وقد شابها شيىءٌ من الهـوى وحظِ النّفس!
فكان أَنِ اِنقسم النّاس في مسألتنا هذه إِلى (غُلاةٍ) و (جُفاةٍ) وصَاروا فريقان :
قومٌ توسعوا في فتحِ باب المناظرات مع أهل البِدعِ والضلالات ، فكانوا مصرعاً للشُكوك والأَوهام والشُّبهات ، فـجنوا على أَنفسهم وعلى العامّة البلاء والنّكراء!
وهُم من تضافرت كلمات السّلف عنهم وفيهم نُصحاً وتوجيهاً، وتقريعاً وتحذِيراً!
وقابلهم أخرُون أَغلقُوه وقصّروا في جانِب بيان الحقِّ الـمُستلزم لردّ الباطِل معاً
فتركوا أهل الباطل يصُولون ويَجُولون
فضاع أنصار الحقُّ بِسببهم ، وأنتشرت البدع والضلالات بتقصيرهم وعدم مُدافعتعم وردّهم!
والحقّ وسطُ بين طَرفين ، وطريقُ وعِرٌ بين جبلين، ودِين الله بين الغالي فيه ، والجافِي عنه...
ومن حيث الأَصل والحق فإِنَّ الدّارس المُتأملَ للمسأَلة بمجمُوعها يجـد أَنّها لا تخرج عن حاليين واقعيين لأَهل السنّة والجماعة فِيها :

الأَول : حال السّلف بـمنعها والتحذير من الوُلوج لبابها ، وهي كثيرةٌ لا تُـحصى عن سلفِ الأُمّةِ وخلَفِها ، وعليها دارت كلماتهم ، وبها إشتهرت أَقوالهم وأفعالهم
وعند التأَمّلِ في العلل والمقاصد الّتي دارت وبنيت عليها هذه الآثار السّلفية المتضافرة الّتي تمنع من مجادلة ومناظرة أهل البدع ، نـجِدُها تدور على التالي :
تَارةً للنٌّصوص العامّة التي جاءت وتضافرت عن السّلف في الأمر بمجانبة البدعة ومـجالسَة أهلها، كمثل ما رواه ابن بطّة في (الإبانة الكُبرى 2/ص523) عن عبدالرّحمن بن أَبِي الزّناد أَنَّهُ قال : «أَدْرَكْنَا أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ مِنْ خِيَارِ أَوَّلِيَّةِ النَّاسِ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْجَدَلِ وَالتَّنْقِيبِ , وَالْأَخْذِ بِالرَّأْيِ أَشَدَّ الْعَيْبِ , وَيَنْهَوْنَنَا عَنْ لِقَائِهِمْ وَمَجَالَسَتِهِمْ , وَحَذَّرُونَا مُقَاربَتَهُمْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ , وَيُخْبِرُونَا أَنَّهُمْ عَلَى ضَلَالٍ»
وتارةً ذماً ونهياً لِأَصل الـجدلِ والمجادلة، والـمـِراءِ الّذي جاءت نُصوص الشريعةُ متضافرةُ متواترة في النهي عنه وتحريمِهِ، وتأكدت أقوال السلف مُقررة لها ، كمثل مارواهُ اللالكائِيُ في (شرح أُصول الإِعتقاد 1/ص129) عن الفُضيل بن عِياضٍ أَنَّهُ قال : «لَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهُمْ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ»
ومِن العِلل الّتي جاءت في منع السّلف وتضايقهم وتحذيرهم من مغبةِ هذا الباب ما أَوردُه الذهبي في (السِّير 7/ص261) عن الإِمام الثِّقة – سُفْيَان الثَورِي أَنَّهُ قال : مَنْ سَمِعَ بِبِدْعَةٍ، فَلاَ يَحْكِهَا لِجُلَسَائِهِ، لاَ يُلقِهَا فِي قُلُوْبِهِم!)
قال الإِمامُ الذهبِي مُعلقاً : «قُلْتُ: أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ!، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ!!»
وقد قرّر وحرّرَ الإِمام أَبُو القاسم هبةُ اللهِ اللالكائِي هذه المعاني والمقاصد الّتي جاءت مُؤكدةً من خطرِ وويلات فتحُ هذا الباب على مِصرعيهِ ، وأَن السّلاَمة في إِغلاقه والتشديد فيه
فقال : «فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ، ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمداً ودرداً ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلاً ، حتى كثرت بينهم المشاجرة وظهرت دعوتهم بالمناظرة ، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة، حتى تقابلت الشبه في الحجج ، وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا اقراناً وأخداناً ، وعلى المداهنة خلاناً وإخوانًا بعد أن كانوا في الله أعداء وأضداداً، وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههمعياناً، ويلعنونهم جهاراً، وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين!
نسأل الله أن يحفظنا من الفتنة في أدياننا وأن يمسكنا بالإسلام والسنة ويعصمنا بهما بفضله ورحمته».

الثانِي : وهو ما جاء وثبتَ واشتهَر من صنيعِ السّلف يرحمهم الله فِي مناظراتهم لمن تلطّخ ببدعةٍ ، أَو شَذَّ عن منهجِ أهل السّنة بِسبَبِ أَو شُبهَةٍ، وسأسُوق في هذا الباب أَكثر ممّا سقتهُ في الباب الّذي قبله حتى أُبيّن للقاريء أَنَّها لم تكن هذه المواقف عبارَةً عن(قضايا أعيان)!، وإنـَّمـا هِي أَصلٌ شرعِيُُ ، ومسلَكٌ سلَفِيٌ قد تكـرّرَ مرّاتٍ وكرّات..
وها أنا أَسوقُ لك أيها القاريءُ شيئاً من ذلك :
فقد ناظَر الخليفَة الرابعُ عليُّ بمنُ أَبِي طالب الخَوارجَ بـ(حَرُوراء) وكانُوا يومها ثمانِيَةَ أَلاَفٍ ، كما ساق القِصَّة بطٌولها الإِمام أَحمد في (مُسندهِ برقم :656)
وقصة عبدُاللهِ بن عبّاسٍ في مناظَرة (الخَوارِج) أَشهرُ من أَن تُـحكَى ، وفيها :«فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ ، وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ فَخَرَجُوا فَقُتِلُوا أَجْمَعِينَ»كما في (سُنَنِ أَبِي داوُوُد برقم : 4037)
ومُناظرة عُمرُ بن عبدالعَزيزِ (الخَوارِج) أَيضاً ، وُرجوعُ من رجع منهم ، كما ساقها بأسانيدها أَبِي عُمر بن عبدالبر في (جامعِ بيان العِلم وفضله 2/ص148 – وما بعدها)
وقصّةُ مناظَرةُ الإِمامَ أَبِي حنيفةَ النُّعـمـانَ لِقومٍ من (الدّهريّة) أَنكروا وُجود الرّبِ سُبحانه، كما في (شرحِ الطّحاويّة 1/ص35) لاِبنِ أَبي العزّ الحنفِي
وناظَر الإِمامُ الشّافعِيُ حفصُ الفَرد وكان [جهمياً] ، قال حَرْمَلَةَ بْنَ يَحْيَى عنها : «فَطَحَنَ [الشافِعيُ] حَفْصًا الْفَرْدَ وَقَطَعَهُ!» كما في (الحليّة 9/ص115- لأبِي نُعيم)
ومناظراتُ إِمامُ أَهل السُّنَّة أَبي عبداللهِ أَحمد بن حنبل للجهميّة بـحضرةِ الخليفة مشهُورة، كما ساق شيئاً منها الإٍمامُ أَحمد في كتابه (الردُّ على الزنادقةِ والجهميّة ص41 وص57 ) -
أَمّا شيخ الإسلام ابنُ تيميّة فقد ضربَ بسهمٍ وافر في هذه المُناظرات، جمعاً وتقريراً وتحقيقاً ، و كان في مناظرتهِ ابنُ نـجدتها وبـجدتِها كما يُقال!
فقد وقعت لهُ عدّة مناظراتٍ - في عِدةِ مناسباتٍ، قال عنها بُرهان الدّين بنُ مُفلح فِي كِتابهِ (المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد 1/ص138) :«وَأَمَّا مناظرته للخصوم وإفحامهم وقطعهم لَدَيْهِ فَهُوَ ظَاهر، وَكتبه الَّتِى صنفها فهى أشهر من أَن تذكر وتعرف ، فَإِنَّهَا سَارَتْ مسير الشَّمْس فى الأقطار، وامتلأت بهَا الْبِلَاد والأمصار، وَقد جَاوَزت حد الْكَثْرَة، فَلَا يُمكن أحد حصرها وَلَا يَتَّسِع هَذَا الْمَكَان لعَدهَا!!»
وإذا عدّدنا وسردنا المناظرات الّتي وقعت لشيخ الإِسلام مع المبتدعة نَـجِدها كثيرة وافِيرة
أّذكرُ بعضاً منها : مُناظَرتُهُ لرسالة الحمويّة – مناظرتهُ لابن مخلُوف المالكِي في القلعةَ سنَة 706 هـ ، مُناظرتُهُ مع ابن عطاء في حال ابن عربِي سنة 707 هـ ، مُناظرتهُ فيما يتعلّق بالرسالة الواسطيّة ، مناظرتهُ مع الصُّوفي الشيخ ابن هُود بِدمشق – مناظرتُه مع الأحمدية الرِفاعيّة وغيرُها
وقد تَميزَ شيخُ الإسلام ابن تيمية في مناظرتهِ لـخصومه من الفلاسفة وأهل الكلام، فكان يستحضر الدلائل ، ويحررُ الأقوال والمسائِل ، حتّى قالوا في ترجمتهِ : «أَمَّا الـملل والنِّحل، ومقالات أرباب البِدَع الأُوَل، ومعرفة أرباب المذاهب، وما خُصّوا به من الفتوحات والمواهب ؛ فكان في ذلك بحرًا يتموَّج، وسَهماً ينفذُ على السواء لا يتعوَّج!
وأمّا المذاهب الأربعة فإليه في ذلك الإشارة، وعلى ما ينقله الإحاطة والإدارة.
وأما نقل مذاهب السلف، وما حدث بعدهم من الخلف؛ فذاك فنُّه، وهو في وقت الحرب مِجَنُّه ، قلّ أَنْ قَطَعه خصمُه الَّذي تصدّى له وانتصب، أَو خلص منه مُناظره إلاّ وهو يشكو من الأيْن والنَصَب!» كما في (الجامعُ لسيرة شيخ الإسلام ص348 )
«ومِـمّا ينبغي إِدراكهُ وفهمهُ أَنَّ الشريعة قد جاءت باُصولٍ مُحكَمةٍ وبقواعد دقيقةً في مُعاملةِ الـمُخالفين للدّعوة الإسلامية والملّة الحنيفيّة ، سواءً كان الـمُخالفُ من غيرِ الـمُسلمين أَو كان مٌسلماً قد أَخطأ في أُمورٍ دقيقةٍ أَو أُصولٍ جليلةٍ ، ومبنى تلك القواعد والأصول - عند التأملِ - على تحصيل المصالحِ ودفع المفاسِد من جهة، وعلى تحري الحق ورحمة الخلق من جهة أُخرى(2)»
فظَهر بهذه النّقول عن الصّحابةِ والتّابعين والأئمةِ الأربعة مشرُوعية المُجادلَةُ والمُناظرةُ لـمن قال ببدعةٍ أو تلبسَ بُشبهةٍ ، بل والثَناءُ على تلك المناظرات وعلى من قام بِها وتصدّرها
وما نقلناه في القول الأول وأتبعناه في القول الثاني لا تعارضَ بينهما، فإنَّ تلك النّصوص مبنية على العلم والعدل من جهة ، وعن الحِكمة والرّحمة من جهةٍ أُخرى ، ويَتجلى ويتضح ذلك بالأُمور التّالية :

1 – سوء قصد المناظر وعدم اخلاص مراده لله؛ فمن المُعلوم أَن كثيراً من المناظرات قد تشوبها شائِبةُ الهوى والعُلُو على الـخصم المقابِل، فهي من هذه الحيثيّة قد تُمنع وتُحجب لأِنّها لَم يُرد بها وجهُ الله سُبحانَهُ ، قال ابن تيميّة : «وأَمَّا المُناظرة المذمومة من العالِمِ بالحقِّ، فأن يكون قصده مجرد الظلم والعدوان لمن يناظره، ومجرد إظهار علمه وبيانه لإرادة العلو في الأرض، فإذا أراد علوا في الأرض أو فسادا كان مذموما على إرادته!» درء التعارض 7/ص
167 ) وعلى هذا تُحمل قد بعض الرّوايات عن السّلف الّتي جاءت تَمنعُها وتُشنعُ على من أرادها.

2 - الـمُجادَلة والـمُناظرةُ تنقسم من حيثُ ذمَّها ومدحها والأَمر بها والـنَّهي عنها في الكِتاب والسُنَّة وأَقـوال السّلف إِلىَ قسمين :
فقد تكونُ جائِزةً محمودةً وعليه يُحمل قول وصنيعُ من تصدّى لها!
وقد تكونُ محرّمةً مذمومةً وعليه يُحمل من غلظ وشددَ في منعها!
قال الإِمام ابنُ قيم الجوزيّة : «فأَمَّا المناظرة فتقسم إلى (مـحمودةً) و(مذمومة) ، والمحمودة نوعان - والمذمومة نوعان :
وبيان ذلك أن المناظر إمَّا أن يكون عالماً بالحقِّ وإمَّا أن يكون طالبا له ، وإمَّا أن لا يكون عالماً به ولا طالبا له، وهذا الثالث هو المذموم!
وأما الأولان : فمن كان عالماً بالحق فمناظرته التي تحمد أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إِن كان مسترشداً طالباً للحقِّ - أو تقطعه أو تكسره إن كان معاندا غير طالب للحق ولا متبع له، أو توقفه وتبعثه على النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه على الحق وقصده الحق!...... وإمَّا أَن يكون مُعانداً معارضاً فهذا يُجادل بالَّتي هي أحسن ، فإِن رَجَعَ إِلَى الحقِّ وإلاَّ انتقل معه من (الجِدَال) إِلى (الْجِلَادِ)!!..)» (الصّواعقُ المُرسلَةُ 4/ص1276 ).

3 – منَ الـمعانِي والمـحامِل الّتي تُحملُ عليها آثار السّلف هُو سدُّ بابِ الـمُناظَرةِ عمّن قلّ علمهُ وضعفُت أهليتهُ وحُجتهُ.
قالَ أَبو حامدٍ الغزالِي : «فإن العامي ضعيف يستفزه جدل المبتدع وإن كان فاسداً» الإِحياء 1/97

4 – ما جاءَ عن السّلف في مناظرة المخالف يُرَادُ منهُ مقصدان عِظيـمـان :
قال ابن قيم الجَوزيّة : «فلمناظرة المبطل فائدتان :
أحدهما : أن يرد عن باطله ويرجع إلى الحق!
الثانية : أن ينكف شره وعداوته ويتبين للناس أن الذي معه باطل!!»
الصّواعِق المُرسلَةُ 4/ص1276
ومن جميل ما قالهُ الشَوكاني في (البدر الطّالع ص70) - «حكى بَعضهم عَنهُ [ابن تيميّة] أَنَّه قَالَ : من سألني مستفيداً حققت لَهُ، وَمن سألني مُتَعَنتًا ناقصته!!»

5- يُـحملُ صنيعُ السّلف في من جاء عنه أنه ناظر المبتدعةَ على الإضطرار لا الإختيار، قصداً لرجوعهم - وبيان الحقِّ لهم، مع تَوفرِ الأهليّة العلميّة لديه!
وقد علّقَ الإمام أَبُو عمر بن عبدِالبَرّ على ما تقدم عن عمرِبن عبدالعَزيز في مناظَرتهِ للـخوارج بِقوله : «هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ التَّغْلِيظُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْقَائِلُ : (مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ)، فَلَمَّا اضْطُرَّ وَعَرَفَ الْفَلَحَ [الفوز والغلبة] فِي قَوْلِهِ، وَرَجَا أَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهِ لَزِمَهُ الْبَيَانُ فَبَيَّنَ وَجَادَلَ، وَكَانَ أَحَدَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ رَحِمَهُ اللَّهُ» جامع بيان العِلم وفضله 2/ص151

6 – من الـمحاملِ الّتي قصد من خلالها ومنع السّلف مناظَرة هل البدع هو : خشيَة أَن يُرد باطلُ بباطل ولو كان قليلاً، فيصِيرَ هذا الباطِل ولو كان (أَخفَّ) من (الأوّل) شَرعاً وحقاً!!
قال ابن تيميّة : «فكثيرًا ما يردُّ مناظرُ المبتدعِ باطلًا عظيمًا بباطلٍ دونَه، ولهذا كان أئمة السنة ينهون عن ذلك، ويأمرون بالاقتصاد ولزوم السنة المحضة، وأن لا يُردَّ باطلٌ بباطلٍ دونَه!!» جامعُ المسائِل 8/ص238

7 – أَصلُ المُناظرةِ عند السّلف لاَ يُمنع، ولكن ما يترتب عليها هو الّذي يدور (الحُكم) عليه جوازاً ومنعاً!، قال ابن تيميّة : «وأما جنس النظر والمناظرة، فهذا لم ينه السلف عنه مطلقاً، بل هذا - إذا كان حقاً - يكون مأموراً به تارةً ومنهياً عنه أخرى، كغيره من أنواع الكلام الصِّدق!
فقد يُنهى عن الكلام الذي لا يفهمه المستـمع، أو الَّذي يضر المسـتـمع، وعن المناظرات التي تورث شبهات وأهواء، فلا تُفيد علماً ولا ديناً!!» درءُ التعارض 7/ص184

8 - من الـمـحامِل الّتي يُـحملُ عليها مذهب السّلف في تشديدهِم على عدم مُناظرةِ المبتدعة ما أَوردهُ الإمام القاضي عياض في (ترتيب المدارك 1/ص129) «وذكر أَنَّ رجلاً من أصحاب مـحـمَّد[بن سَحنُون]، دخل بمصر حماماً، عليه رجل يهودي فتناظر معه الرجل فغلبه اليهودي، لقلة معرفة الرجل!
فلما حج محمد بن سَحنون صَحِبه الرَّجُل، فلما دخل مصر قال له : امض بنا، أصلحك الله، الى الحمام الذي عليه اليهودي. فلما دنا خروج محمد، سبقه الرجل. وأنشب المناظرة مع اليهودي، حتى حانت الصلاة. فصلى محمد الظهر، ثم رجع معه الى المناظرة، حتى كانت العصر، فصلاها. ثم كذلك العشاء، ثم الى العشاء الآخرة، ثم الى الفجر، وقد اجتمع الناس وشاع الخبر بمصر، الفقيه المغربي يناظر اليهودي، فلما كانت صلاة الفجر انقطع اليهودي، وتبين له الحق وأسلم ، فكبّر الناس وعلت أصواتهم. فخرج محمد وهو يمسح العرق عن وجهه وقال لصاحبه : (لا جزاك الله خيراً!!
كاد أن يجري على يديك فتنة عظيـمة، تناظر يهودياً وأنت بضعف!، فإن ظهر عليك اليهودي لضعفك، افتتن من قدر الله فتنته!!)»
ويُستخرج من هذه الحادثةِ الّتي وقعت للفقيه لاِبنُ سُحنُون المالكِي الحِرصُ علَى رُجوعَ المُبطل على باطلهِ بمُناظرته!، ومنعَ قليلِ العِلم أَن يَلِجَ بابَ المُناظَرةِ لما قد يترتبُ لو أنتصرَ صاحب الباطل من أن يفتتن النّاس به ويُعظمونه ويتبعُونه!

9 – كلام السّلف الـمـانعين والـمُجوزين لمناظرة أهل البدع يدُورعلى (الإجتهاد) و(القُدرة) في تـحقيقِ المصالح وتكميِلها، ودرءُ المفاسِدِ وتقليها ، وهي أُمورٌ عارضةٌ وليست لاَزِمَةٌ!
قال ابن تيميّة : «والمقصود أنهم [السَّلَفُ] نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال!» درء التعارض 7/ص174
وأَنَّ ما جاءَ في المنع من مُناظرةِ المُبتدعةٍ هو من باب (السّلامة) سداً لـما قد يترتبُ عليها ممّا تقدمَ ذكرهُ ، ولكن أَن عُلِمَ أَن بقيامـها تقعُ مصلحةٌ أَكبر، ونفعٌ أَعظَم جازت بل قد تَجِبُ!
إِذ «ما حرم سَدًّا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة!» كما قال في (تفسير آيات أُشكلت 2/ص629) – لاِبن تيميّة يرحمهُ الله

10 - من أعظم ما كان يُميزُ من جاء ذِكرهم من السّلف من لَدن الصحابةِ ومن بعدهم ممن ناظر المُبتدعة وأهل الكلام هُو (الثقَةُ) بما يـحمِلونهُ مِن حقٍّ، وما يعتقدُونه من صِدقٍ، فلم تنازعهم الأباطيل، ولم تعصف بـهمُ الأراجيف ، وللهِ درُّ شيخ الإسلام ابن تيميّة في مناظرة (الواسطيّة) مع خُصومه حين قال لـهم : «أَمهلتُ كُلَّ من خالفنِي ثلاث سنين إِن جاء بحرفٍ واحدٍ عن السَّلفِ، يُخالفُ شيئاً مِمّا ذكرتُهُ كانت له الحُجّة ، وفعلت وفعلت!» (الفَتاوى 6/ص15)
ومن أجلِّي العِبر والصّور ماوقع في مناظرتهِ مع (الرّفاعية) الصُّوفية بحضرة الأمير ، الّذين كانوا يـطلُون أجسامـهُم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادِع ، وطلب منهم أَن يغتسلوهابـالخلِّ ثُمَّ تـحداهم أَن يدخل معهم إلى النّار إِن دعوهُ لذلك ، قال ابن تـيـميّة : «فاستعظم الأمير هجومي على النار وقال: أتقبل ذلك؟ فقلت له : نعم قد استخرت الله في ذلك وألقى في قلبي أن أفعله!!» الفَتاوى 11/ص460

تـتمّةٌ مُـهُمَّـةٌ...:
إن الدعوة للمناظرة بين أتباع التيار (الغَالي) في بِدعةِ (التبدِيع) و(التـفسيق) من باب الخلاف في مسائل الفقه وأصول الحديث والموقف من المخالف , والحكم على الأعيان والجماعات, والموقف منهم ؛ هي من قبيل الدعوة للتناظر في (فروع الشرع) و (دقيق العلم) و (ومفصل مسائل أدوات الفقه), والتناظر في هذه المجالات سنة علمية جارية؛ كما قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/121) –بعد أن ساق مسائل من فروع الشريعة-: «وجدنا أهل العلم في كل عصر يتناظرون ويتباحثون , ويحتج بعضهم على بعض..., وقد وجدنا الأمة متفقة على حسن المناظرة في هذه المسائل , وعقد المجالس بسببها»
وليست هي من قبيل المناظرة بين أهل السنة وأهل البدع في مسائل المعتقد وأصول الدين, والتي تقدمت الآثار عن السلف في منعها والابتعاد عنها –كما يحلو للبعض أن يستشهد-..
الـخُلاصَة....:
فعُلم ممّا تقدم أَن النّصوص الّتي جاءت في مجادلة ومناظرة أهل الأهواء – وماقابَلها من نصوص جاءت في ذم ذلك لا تعارض بينهما، فـالمُناظرةُ والمجادلةُ «لاَيُنهى عنها ولا تُذم لذاتها، كما لاَ يؤُمر بها ولا تُمدح لذاتِها، بل متى ما استوفت أسباب المشروعية في الباعث عليها وعلى موضوعها وفي القائِم بها، وحققت أهدافها فهي مشروعةٌ محمودةٌ، ومتى ما تخلفت عن تحقيقِ أهدافها فهي ممنوعةٌ مذمُومةٌ، وعلى كلِّ حالةٍ من هاتين الحالتين تتنزلُ كلمات السّلف المُبيحةُ والحاظرةُ لهذه المُناظرات والرُدود، والله تعالى أعلم(3)»

الخَاتـمةُ...:
هذا ما جادتِ به النّفس ، وكتبه القَلَمُ، بعد توفيق اللهِ سُبحانه جلّ وعلا، وهُو العَلِيمُ سُبحانَهُ أنّهُ ما كان طمعاً في دُنيا، ولا انتصاراً لطائِفةٍ على حِساب أُخرى، وإِنّـما بياناًوإيضاحاً للحقِّ، ونُصرةِ لأهل الصِّدق، وحَسبيَ أَن أَتـمثلَ قولَ القائِل (4) :

مَا كَانَ عَن حُبٍّ لِمحمدَةٍ **ولم نُرد سُمعةً بالبحثِ والجَدلِ


لكنَّما الحــقُّ أَولَى أَن نُعظِمــهُ ** من الـخِداع بقولٍ غير معـــتدل


ولاَ أَحَبُّ لكم إلاَّ الصَوابِ كـَـمَا **أحبُّه وهو من خير المقاصِــد لِي
وصلّى الله وسلّم على مُحمّد وآله وصحبهِ ومن تبعه إلى يوم الدِّين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرُّدود ص107 – للعلاّمة : بكر أَبُو زيد
(2) (المُقدمات العلمية في تأصيل الأحكام المكيّة ص251) لشيخنا : فتحي الـمُوصلي
(3) (الـمُبتدعةُ وموقف أهل السُّنَّةِ والجماعةِ منهم ص190) د. مُحمّد يُسري
(4) من قصائِد العلاّمة الناقد : عبدالرّحمن المُعلمي اليماني كما في (الأعمال الكاملة 20/ص312)


__________________

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري (2\705) :
"فغير الرسول -صلى الله وعليه وسلم- إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا : فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم؛ بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق
".
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-07-2016, 04:51 PM
سعيد رشيد سعيد رشيد غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: May 2016
المشاركات: 28
افتراضي

موضوع مهم و طرح مفيد
بارك الله فيك و جزاك خيرا على جهودك الطيبة
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-08-2016, 03:47 PM
الليبي الأثري الليبي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 201
افتراضي

بُـوركتَ أَخي الحبيب أَبو العبّاس على حُسن ظنكَ بأخِيك
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-09-2016, 12:52 PM
الباحث عن الحقيقة 2 الباحث عن الحقيقة 2 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
الدولة: بسكرة. الجزائر
المشاركات: 178
افتراضي

تأصيل ماتع بارك الله فيكم وجزاكم خيرا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:07 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.