أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
21154 94165

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-18-2011, 10:10 PM
أمجد المستريحي أمجد المستريحي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: عمان الأردن
المشاركات: 246
افتراضي الجمع بين الصلاتين بعذر المطر



إعمال النَّظر
في مسألة الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر



تأليف
أمجد المستريحي القرشي الحسني

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين،حمداً طيّباً مباركاً فيه،والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،سيّدنا محمّدٍ وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين. وبعـــد :
فهذا جزءٌ لطيفٌ مختصر،جمعتُ فيه الأدلّة النّقليّة على جواز بل سُنّيّة الجمع بين الصلاتين في الحَضَر بعذر المطر،أو البرد،كما ذكرتُ فيه بعضاً من أقوال وآراء العلماءِ والفقهاءِ،أهل الحلِّ والعقد في هذا الشأن.
وكان الدافع لي على خوضِ غِمار هذه المسألة،هو ما لمستُهُ من حيرةِ،بل من ضجيجِ بعض المسلمين من العامّة،حولَ مسألة الجمع بين الصلاتين عند المطر،أو البرد،حتّى أنّ بعض الناسِ صارَ يُحاكي خيالَه في هذه المسألة القطعيّة الثابتة،فتراه إذا ما جمَعَ الإمام بين الصلاتين ولّى هارباً من المسجد بعد الصلاة الأُولى،لوساوس في ذهنه وفكرهِ، قد يكون رائدها الشيطان،ليحرِمَه بذلك فضيلة الجماعة،وليوقعه أيضاً في المخالفة لجماعة المسلمين،وما دَرَى هذا الحائر أنَّ الإمام هو المسئول الوحيد يوم القيامة أمام الله تعالى عن هذا الجمع،وأنَّ المأموم لا شأنَ له في هذا،لأنّه مأمورٌ بمتابعة الإمام .
وقد راعيت في هذا الجزء الإختصار،حتّى يتسنّى لكل من يقع بين يديه، قراءته بكلِّ يُسرٍ وسهولة،وقد سمّيته بـ ( إعمال النَّظر في مسألة الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر )،سائلاً المولى جلَّ جلاله،أن تعمّ فيه الفائدة والنّفع،إنّه جوادٌ كريم . والحمد لله ربِّ العالمين .


أمجد بن يوسف المستريحي
القرشي الهاشمي الحسني
10/11/2003م







( الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر )

بدايةً أقول : إنَّ الجمع بين الصلاتين بعذرِ المطر،أو البرد،رخصة وهديّة من الله تعالى،تفضّلَ بها على عباده المؤمنين،حيثُ أنَّ اليسر ورفع الحرج عن الناس من أسمى مقاصد الشريعة السمحة،قال الله تعالى : ( يريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولاَ يُريدُ بكمُ العُسْرَ )،وقد أصّلَ العلماء قاعدةً أصولية في ذلك،تبين رحمة وسعة الإسلام،فقالوا: (المشقة تجلب التيسير )، وقد صحَّ في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ( إنّ الله تعالى يُحبُّ أن تُؤتى رخصه كما يُحبُّ أن تُؤتى عزائمه ) وفي روايةٍ ( إنَّ الله يُحبُّ أن تُؤتى رُخَصَهُ كما يكرهُ أن تُؤتى معصيته ) ، ومن أخلاق المسلم،ومبلغ أدبه مع ربّه عزَّ وجلّ،أن يتقبّل هذه الرخصة وهذه الهديّة من خالقه،وكأنّي بالذي يُعرِض عنها قد أوقعَ نفسه بالتكبّر على الله تعالى،ورَدَّ هديته التي قد منحها له، ولعمرُكَ يا عبدَ الله أيُّ سوء أدبٍ هذا مع الله جلَّ جلاله . !!!!!
الأدلّة على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر :
******************************
1ـ عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه قال : ( صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوفٍ ولا سفر ) أخرجه مسلم (1/490)ومالك (1/144) وغيرهم،وقد قال الإمام مالك رحمه الله عقب هذا الحديث: ( أرى ذلك الجمع كان في مطر ) ووافقه على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله وجمعٌ غفير من العلماء إضافة إلى أهل المدينة المنوّرة،(المجموع للنووي4)،وفي روايةٍ أُخرى للحديث كما في المسند للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله(1/223)وغيره،أنّه قيلَ لابن عبّاس رضيَ الله عنه: ( وما أراد بذلك ـ يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: أراد أن لا يُحرِجَ أُمّته ) ، وفي رواية أُخرى أنّه قال: ( أراد التوسعة على النّاس ) .
2ـ عن عبد الله بن شفيقٍ قال : ( خطبَنَا ابن عبّاس بالبصرة يوماً بعد العصر حتّى غرَبت الشمس وبَدَت النّجوم وجعَلَ النّاس يقولون : الصلاة الصلاة،فقال ابن عبّاس: أتُعلّمني السُّنّة لا أُمَّ لك ؟ ثم قال : رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمَعَ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء …) رواه مسلم (1/491).
3ـ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه قال : ( جَمَعَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا عِلّة ) أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار1/96) وغيره.
4ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( جَمَعَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء،فقيلَ له،فقال:صنعته لئلاّ تكون أُمّتي في حرج ) أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 10/270) .
5ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( جَمَعَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الصلاتين في المدينة من غير خوف ) أخرجه البزّار كما في ( كشف الأستار 1/332).
6ـ عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه جَمَعَ بين الظهر والعصر بالمدينة وقال: ( أنّه صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمانياً وسبعاً ليس بينهما شيء ) أخرجه النسائي(1/286) وغيره، وأراد بثمانياً الظهر والعصر،وبسبعاً المغرب والعشاء.
7ـ روى الإمام عبد الرزاق في ( المصنّف 2/556 ) عن صفوان بن سليم قال : جَمَعَ عمر بن الخطّاب بين الظهر والعصر في يومٍ مطير .
8ـ وروى الإمام مالك في (الموطّأ 1/145) وابن أبي شيبة في (المصنّف 2/234) والبيهقي في (السُنن 3/168) وغيرهم،أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يجمع بين المغرب والعشاء في المطر .
9ـ وروى البيهقي في ( السنن الكبرى 3/169) وابن أبي شيبة في ( المصنّف 2/235) وغيرهما،عن هشام ابن عروة قال : رأيت أبّان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة،فيصلّيها معه عروة بن الزبير وأبو سلَمة عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن لا يُنكرونه ولا يُخالفونه فكان إجماعاً .
10ـ وذكر الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( بدائع الفوائد 4/90 ) عن نافع قال: كان أهل المدينة إذا جمعوا بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة صلّى معهم ابن عمر .
11ـ روى الأثرم في سُننه عن أبي سلَمة بن عبد الرحمن أنّه قال : من السُنّة إذا كان يومٌ مطير أن يجمَعَ بين المغرب والعشاء . ( فقه السنّة ص 254 ج 1 ) .
12ـ عن موسى بن عقبة : أنَّ عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء إذا كان المطر،وإنَّ سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلّون معهم ولا يُنكِرونَ ذلك .(إرواء الغليل للألباني 40/3)
أقوال العلماء والفقهاء في الجمع بين الصلاتين
1ـ ذكر الخطابي في (معالم السُنَن 1/265) وشيخ الإسلام ابن تيمية في ( الفتاوى 1/264) والنّووي في (المجموع 4/384) : أنّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يُفتي بالجمع بين الصلاتين للمطر والبرد والوحل والطين ولأدنى مشقّة .
2ـ وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول بالجمع بين الصلاتين للمطر النازل ولو كان خفيفاً أو متوقّعاً .مشهور السلمان(الجمع بين الصلاتين ص 46) .
3ـ قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( وأوسع المذاهب في الجمع بين الصلاتين مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فإنّه نَصَّ على جواز الجمع للحرج والشغل ). مجموع الفتاوى 24/28
4ـ يقول الإمام الطرطوشي في ( اللمع في الحوادث والبدع 1/469):والجمع هو الأصل في العبادات،فمتى حصلت العبادة،ولم يحصل فيها الجمع،فإنّما هو عدم صدق،أو مرض في القلب،أو عدم أدب،أو عجب ورياء،أوكبر .
5ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله : ويجمع من قليل المطر وكثيره,ويجمع من قرب من المسجد أو بَعُد . ( كتاب الأُمّ للشافعي).
6ـ يقول الشيخ الفقيه مشهور السلمان : وبعضهم يضيف خطأ الى خطأ، إذ يقوم وينصرف من المسجد عند سماعه الإقامة للصلاة الثانية . ( كتاب أخطاء المصلين ص 428) .
قلت : وفي ذلك يقع المنصرف في عدّة أخطاء ، منها أنه يشوش على المصلين ويخالف جماعة المسلمين ويحرِم نفسه بركة الجماعة،ولو أنه عاد للمسجد في وقت الصلاة الثانية فإنَّ هذا لا يُعوّضه ما فاته من الأجر والفضيلة، لأن الجماعة هي الجماعة الأُولى التي تكون مع الإمام ولا عبرة بالجماعة الثانية لأنها خلاف السُنّة .
ومنها أن المنصرف يفوّت على نفسه أجر وفضيلة قيام ليلة، لأنه قد صحَّ في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : ( من صلّى مع الإمام حتّى ينصرف الإمام من صلاته كُتب له بذلك قيام ليلة ) .
ومنها أيضاً أنّ المنصرف عن الجمع يدع نفسه أسيراً للحيرة والوساوس الشيطانيّة،فترى الشيطان قد ردّه عن الإتيان برخصةٍ وهديّةٍ قد تفضّل الله تعالى بها على عباده .
7ـ يقول القاضي ابن العربي المالكي رحمه الله في ( التاج والأكليل لمختصر خليل 2/156 ) : لا يطمئنّ إلى الجمع ولا يفعله إلاّ جماعة مطمئنّة النّفوس بالسُنّة كما لا يكع عنه إلاّ أهل الجفاء والبداوة . !
8ـ يقول الشيخ الفقيه علي راغب رحمه الله : فهذه الأدلّة كلها تدُلُّ في مجموعها على جواز الجمع في المطر تقديماً وتأخيراً،والمراد بالمطر ما يُطلق عليه اسم مطر،وهو ما يَبُلُّ الثياب بغضّ النظر عَمَّا اذا كانت فيه مشقَّة أو لا،لما رُويَ أنَّ النّبي صلَّى الله عليه وسلَّم جَمَعَ في المطر وليس بين حُجرته والمسجد شيء،وبغضِّ النظر عمَّا اذا كان المطر نازلاً عند الإحرام بالصلاة أم غير نازل،لأنَّ الحديث لم يُعلّل بالمشقَّة فيؤخذ توقيفاً،فإذا وُجِدَ المطر جاز الجمع سواء أكانت فيه مشقَّة أم لا . ( أحكام الصلاة/ص 91ـ92 ).
9ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله : وجمع المطر ثابت عن الصحابة،روى الشافعي في القديم:أنَّ ابن عباس جمع بينهما في المطر.وبالإسناد الثابت عن هشام بن عروة وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن: أنَّهم كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة. ( مجموع الفتاوى 24/82ـ83 ) .
10ـ ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً : ( يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء،ونحو ذلك،وإن لم يكن المطر نازلاً في أصحّ قولي العلماء ).مجموع الفتاوى: 24/30 .
11ـ قال صاحب المدوّنة الكبرى ( 1/115 ) في فقه الإمام مالك رحمه الله: ( وقال مالك: يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر،وإن لم يكن مطر إذا كان طين وظلمة ).
12ـ قال الإمام النووي رحمه الله: ( وذهب جماعة من الأئمّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة،وهو قول ابن سيرين،وأشهب من أصحاب مالك،وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي،عن أبي إسحاق المروزي،عن جماعة من أصحاب الحديث،واختاره ابن المنذر،ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : ( أراد أن لا يُحرِج أمّته )،فلم يُعلّله بمرضٍ ولا غيره ))،شرح النووي 5/219.
13ـ قال الإمام ابن خزيمه رحمه الله: ( لم يختلف علماء الحجاز على أنّ الجمع بين الصلاتين في المطر جائز ).صحيح ابن خزيمه 2/85 .
14ـ قال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله ـ عن الجمع بين الصلاتين في المطر ـ : ( وهو أمرٌ مشهور بالمدينة معمولٌ فيها ).الإستذكار 6/31.
15ـ قال الشيخ المحدّث الألباني رحمه الله ـ بعد ذكره للآثار التي ذكرها الإمام مالك في الموطَّأ،من أن التابعين لم يُنكروا الجمع في الليلة المطيرة ـ : ( وذلك يدلّ على أنّ الجمع للمطر كان معهوداً لديهم،ويؤيده حديث ابن عباس (( من غير خوف ولا مطر ))،فإنّه يُشعر أنّ الجمع للمطر كان معروفاً في عهده صلّى الله عليه وسلّم،وإن لم يكن كذلك لما كان ثمّة فائدة من نفي المطر لتسويغ الجمع،فتأمَّل ).إرواء الغليل 4/30.
16ـ قال الشيخ العلاّمة عبد العزيز بن باز رحمه الله: ( أما الجمع فأمره أوسع،فإنّه يجوز للمريض ويجوز أيضاً للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر بين المغرب والعشاء،وبين الظهر والعصر ).تحفة الإخوان بأجوبة مهمَّة تتعلّق بأُمور الإسلام ،ص121 ،جمع:محمد الشايع.
17ـ قال الشيخ العلاّمة إبن عثيمين رحمه الله: ( الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء في الحضر جائز إذا كان في تركه مشقَّة أو تفويت جماعة ).فتاوى ورسائل ابن عثيمين،15/379 ،جمع:فهد السلمان.
18ـ قال العلاّمة الشيخ عبد المحسن العبيكان: ( ويجوز الجمع بين العشائين لريحٍ شديدة باردة،وهو المذهب،ومذهب مالك،واختاره ابن تيمية والشيخ محمد بن إبراهيم. قال احمد في رواية الميموني: إنَّ ابن عمر كان يجمع في الليلة الباردة ).غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام/شرح العبيكان،6/501.
19ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( فهذه الآثار تدلُّ على أنَّ الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به في المدينة زمن الصحابة والتابعين مع أنَّه لم يُنقَل أنَّ أحداً من الصحابة والتابعين أنكر ذلك فَعُلِمَ أنَّه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك ).مجموعة الرسائل والمسائل،2/41.
20ـ قال فضيلة الدكتور الشيخ محمد موسى نصر: ( والحُجّة فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعل ابن عبّاس رضي الله عنهما وفعل أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعلى رأسهم عمر وابنه عبد الله،وجماهير الأشياخ من السلف كانوا يجمعون مع أُمرائهم دون نكير،ومن أجَلّ أُمرائهم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه،وعمربن عبد العزيز رحمه الله ).إعمال النظر في الجمع في الحضر،ص19.
وأخيراً إليك أخي المسلم هذا الحديث الجامع المانع الفاصل في هذه المسألة:
روى البخاري في صحيحه(666)و ابن ماجة في سُننه وغيرهما من أهل الحديث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يُنادي مُناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة .. ألا أيّها النّاس صلّوا في رحالكم..ألا أيّها النّاس صلّوا في رحالكم ) .
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث في صحيحه بـ:باب الرخصة في المطر والعلَّة أن يُصلّي في رحله.(ب/40) .

فوائد وتنبيهات في مسألة الجمع:
1ـ لا بُدَّ أن أُشير هنا إلى أنَّ جماعة من الفقهاء قد منعوا الجمع بين الصلاتين في الحضر،وقد صنّف الشوكاني في نُصرة هذا الرأي رسالة أسماها ( تشنيف السمع ) وقد اعتمد على زيادةٍ ورَدَت في حديث ابن عبّاس،وهذه الزيادة هي ( أخّرَ الظهر وعَجَّل العصر،وأخّرَ المغرب وعجَّل العشاء )،فقال: إنَّ الجمع بين الصلاتين في الحضر جمع صُوَريّ أو جمعٌ في الفعل،حيثُ تُؤدَّى الصلاة الأُولى في آخر وقتها،والثانية في أوّل وقتها،لا في الوقت .
وقد ضعّف جمعٌ من العلماء المُحقّقين الجمع الصوري منهم الإمام الحافظ النووي رحمه الله حيث بيّن أنّ الزيادة التي جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنه هي زيادةٌ مُدرجة في الحديث،حيث أنّها من كلام بعض الرواة على الإحتمال والظنّ وليست من متن الحديث.( شرح النووي على صحيح مسلم 5/218 ).
قال الإمام ابن قُدَامة المقدسي: ولو كان الجمع صُوَرِيّاً لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح ولا خلاف بين الأُمَّة في تحريم ذلك. ( المُغنِي 2/272 ).
وقال الإمام ابن القيّم عن دعوى الجمع الصوري: هذا أمرٌ في غاية الحرج والعسر والمشقّة وهو مُنافٍ لمقصود الجمع وألفاظ السُّنّة الصحيحة الصريحة تَرُدّه . ( إعلام الموَقّعين 2/423 ).
فليس هناك في الدّين الحنيف شىءٌ إسمه جمعٌ صوريّ، والقول بالجمع الصوريّ قول باطل لادليل عليه البتّه.
2ـ خطَأ إشتراط نيَّة الجمع عند تكبيرة الإحرام أو قبل التحلُّل من الصلاة الأُولى. يقول الشيخ الفقيه مشهور السلمان : الصحيح عند المُحقّقين من العلماء أنّ نِيَّة الجمع تكفي بعد التحلُّل من الصلاة الأُولى قبل الإحرام بالثانية،وإلى هذا ذهب المُزني وخرَّجه قولاً للشافعي،وبه قال بعض أصحاب الشافعي،وقوَّاه النّووي،ورجّحه السراج البُلقيني،وتبعه تلميذه ابن حجرٍ العسقلاني،وهذا ما رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيميّة.
وقال ابن حجرٍ العسقلاني: ويُقوّي ذلك أنّه عليه الصلاة والسلام جَمَعَ في غزوة تبوك،ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه،ولو كان شرطاً لأعلمهم به.( فتح الباري 1/18 )،فلو كان الجمع لا يجوز إلاّ إذا نَووه لبيّن ذلك،ولكانوا يعلمون ذلك،والجمع مثل القصر في هذا الجانب.(القول المُبين في أخطاء المصلين،ص 414ـ416).
3ـ خطأ منع الجمع بين الصلاتين في الحضر إلاّ عند نزول المطر.
نسمع بعض النّاس عندما يهِمّ الإمام بالجمع في الليالي الباردة تلك العبارة التي يعتبرونها فيصلاً بين الحالات التي يُشرع فيها الجمع ويُمنع،وهي: ( إذا كانت السماءُ مُنهَلَّة،والأرضُ مُبتَلَّة،جازَ الجمع )!
وقد تقدّم في سياق الأدلّة وآراء الفقهاء أنَّ مشروعيّة الجمع بين الصلاتين ليست محصورة في المطر فقط،فهي تشمل الوحل والبرد والثلج والمرض والريح الشديدة،بل لمُطلق العذر والحاجة،وهذا ما نَصَّ عليه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
( ومنه تعلم خطأ من يُصرّون على فتح نوافذ المسجد قبل إحرام الإمام بالجمع بين الصلاتين،ليعلموا هل ينزل المطر أم لا ). القول المبين في أخطاء المصلّين ص 422 .
4ـ خطأ منع من كان بيته قريباً من المسجد من الجمع .
سُئِل عن هذا الإمام مالك رحمه الله فأجاب : ما رأيتُ النّاس إذا جمعوا إلاّ القريب والبعيد،فهم سواء يجمعون ، إذا جمعوا جمع القريب منهم والبعيد . ( البيان والتحصيل 1/403 ).
وهذا ما أفتى به الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: ويجمع من قليل المطر وكثيره،يجمع فيه من قَرُب المسجد أو بَعُد . ( الأُمّ للشافعي 1/95 ) .
5ـ صلاة السُنن الرواتب في حالة الجمع .
الأصل أن تُصلّى السُنن الرواتب في حالة الجمع،حيث أنّه لم يَقُم دليلٌ على إلغائها،وهذا لا خلاف فيه عند المالكيّة والشافعيّة والحنابلة.
قال الإمام النووي رحمه الله : وفي جمْع العشاء والمغرب يُصلّي الفريضتين ثم سُنَّة المغرب ثم سُنَّة العشاء. (روضة الطالبين1/402).
وكذلك سُنَّة الظهر البعديّة فإنّها تُصَلَّى بعد الإنتهاء من الجمع في حالة جمع الظهر مع العصر،ولا يُنافي هذا المنع من الصلاة بعد صلاة العصر،فقد ثبت ما يُقيِّد أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر من مثل حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث يقول : نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم عن الصلاة بعد العصر إلاّ والشمس مرتفعة. ( رواه ابو داود 2/42 والنسائي 1/280 وغيرهما )،فهذا وصفٌ ظاهر منضبط ينبغي الإعتماد عليه ويدلُّ على جواز الصلاة حتى بعد العصر،قبل اصفرار الشمس،وعليه فلا وجه لكراهة صلاة سُنَّة الظهر البعديّة وسنة العصر بعد الجمع بين الفريضتين .
6ـ مسألة: رجلٌ جاءَ والإمام يجمع،ووجده في آخر الصلاة الأُولى من المجموعتين ولم يُدرك معه شيءٌ في الأُولى فهل يجوز له الجمع؟
إن أدرك مع الإمام شيء ولو يسير من الصلاة الثانية جاز له الجمع،وهذا ما أفتى به السادة الشافعية ( أُنظر المجموع للنووي 4/220 )والسادة الحنابلة ( المغني مع الشرح الكبير 2/9 ) وأفتى به الجماهير من الفقهاء .
7ـ مسألة : رجل دخل مع جماعة الجمع بين المغرب والعشاء في أوّل الثانية ـ أي العشاء ـ فلمّا قام الإمام للركعة الرابعة من العشاء فارقه بالسلام،ثمَّ دخَلَ معهم ناوياً الجمع فهل يصحُّ جمعه أم لا ؟
الجمع صحيحٌ،ولا إشكال فيه ما دام أنّه أدرك مع الإمام جزء ولو يسير من الصلاة الثانية،وهو ما أفتى به الإمام الشافعي ( الأُمّ 1/200ـ201 ) والإمام أحمد في أحد قوليه ( المغني لابن قُدَامة مع الشرح الكبير 2/57 ) ورجّحه ابن حزم ( ألمُحلّى 4/مسألة/494 )،وهو ما أفتى به الشيخ عمر سليمان الأشقر في كتابه ( مقاصد المُكلّفين ص 250ـ255 ). وعليه الجماهير من العلماء .
8ـ صلاة الوتر متى تُصَلَّى في حالة الجمع ؟
الذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء أنَّ الوتر تُصلَّى بعد الفراغ من صلاة العشاء ولا يُشترط دخول وقتها. ( روضة الطالبين للنووي 1/402 ) و ( المغني مع الشرح الكبير 2/125 ) وانظر ( الجمع بين الصلاتين للشيخ مشهور حسن /ص 158 ) .
9ـ جمع العصر مع الجمعة .
يظنُّ بعض الناس أنَّ جمع العصر مع الجمعة غير جائز،وهذا قولٌ لا دليل عليه البتَّة،إذ يجوز الجمع بين العصر والجمعة في حالتي المطر والبرد،قال الإمام النووي رحمه الله : يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر للمطر. ( روضة الطالبين 1/400 )،وهذا ما عليه الجماهير من العلماء والفقهاء .
هذا وقد ذهب بعض أهل العلم الى عدم جواز الجمع بين الظهر والعصر مطلقاً،!!! وهذا الرأي لا دليل عليه البتَّة أيضاً،إذ جمع الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بين الظهر والعصر في يوم مطير ( تقدَّم تخريجه )،والأدلّة التي سقناها على رخصة الجمع تدلُّ على جواز الجمع بين الظهر والعصر .
10ـ نِيَّة الجمع بين الصلاتين .
هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء،فمنهم من ذهب الى أنَّ النيَّة تُطلب من الإمام والمأموم،ومنهم من ذهب الى أنَّ النيَّة تُطلب من الإمام فقط،والصحيح الذي عليه الجماهير من العلماء،أنَّ النيَّة تُطلب من الإمام فقط،إذ أنَّ نيَّة المأموم من نيَّة الإمام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ولم ينقل قطّ أحد عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أمر أصحابه لا بنيّة قصر،ولا بنيّة جمع،ولا كان خلفاؤه وأصحابه يأمرون بذلك من يُصلِّي معهم. ( مجموع الفتاوى 24/104 ).
11ـ المُنكِر للجمع يجمع مع النَّاس درءاً للفتنة:
ومن حسن الأدب بالمسلم أنه إذا كان منكراً للجمع !!!!! أن يجمع مع جماعة المسلمين،وذلك درءاً للفتنة،وابتعاداً عن الرياء والشبهة،وعليه أن يُتابع الإمام ولا يخرج عليه،لما في ذلك من شَرّ وفتنة،وقد كان الكثير من الصحابة والتابعين يصلون خلف أصحاب المعاصي والفجور والمخالفات،من الأئمّة والخلفاء،ولايخرجون عليهم درءاً للفتنة،فهذا ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلّي خلف الحجّاج،حتى لا تكون فتنة وشرّ يوقع العامّة في عصبيَّة وحزبيَّة.
قال الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله: ( لأنَّ مخالفة الأئمَّة لا تجوز إلاّ فيما لا يَحِلّ،وأما فيما أُبيح فلا يجوز فيه مخالفة الأئمّة إذا حَمَلَهُم على ذلك الإجتهاد ).التمهيد،16/307.
فالأصل الجمع مع الإمام؛عملاً بأصل: ( جمع كلمة المسلمين وتأليف قلوبهم ودرء المفاسد عنهم )،لأنَّ جمع كلمة المسلمين أصل عظيم من أُصول الإسلام،وغاية محبوبة عند الله،قامت عليها الأدلّة من الكتاب والسُنَّة وعمل سلف الأُمَّة؛كانوا يحبون الأُلفة ويكرهون الإختلاف،ويجمعون الأُمَّة على أئمَّتها،حتى ولو على خلاف رأيهم،فيؤثرون المرجوح على الراجح عندهم إذا كان فيه تجميع الأُمَّة وتقويتها.
12ـ الصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة مُفَرّقاً في البيوت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنَّة؛إذ السُنَّة أن تُصَلَّى الصلوات الخمس في المساجد جماعة،وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين،والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرَّقة باتفاق الأئمَّة الذين يُجوّزون الجمع،كمالك والشافعي وأحمد ).مجموع الفتاوى،24/30.
13ـ الجمع بسبب المرض أو العذر .
ذهب الإمام أحمد،والقاضي حسين،والخطابي،والمتولي من الشافعية،وشيخ الإسلام ابن تيميةرحمهم الله: إلى جواز الجمع تقديماً وتأخيراً،بعذر المرض،لأنَّ المشقَّة فيه أشدُّ من المطر،قال الإمام النَّووي: وهو قويّ الدليل. وفي المغني لابن قدامة: والمرض المُبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف .
وتوسَّع الحنابلة،فأجازوا الجمع تقديماً وتأخيراً،لإصحاب الأعذار،وللخائف،فأجازوه للمرضع التي يشقُّ عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة،وللمستحاضة،ولمن به سلس بول،ولعاجزٍ عن الطهارة،ولمن خافَ على نفسه،أو ماله،أو عرضه،ولمن خافَ ضرراً يلحقه في معيشته بترك الجمع.فقه السنَّة،ج2/ص230.
قال الإمام النووي رحمه الله: ( وذهب جماعة من الأئمَّة الى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة،ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: (( أراد أن لا يُحرِج أُمَّته ))،فلم يُعلّله بمرضٍ ولا غيره ).شرح النووي،5/219.
قال ابن المنذر رحمه الله: ( يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض ).وحكاه الخطابي في(معالم السُّنن)عن القفال الكبير الشاشي عن أبي إسحاق المروزي. قال الخطابي: (( هو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر حديث ابن عباس )).غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام،لابن عبد الهادي،شرح الشيخ عبد المحسن العبيكان،6/508.
ختاماً هذا ما تيسّر لي جمعه في هذا المختصر اللطيف حول رخصة الجمع بين الصلاتين في حالتي المطر والبرد ،ولو أردت استقصاء جميع الأدلّة لطال بي المُقام ، ولكن في هذا القدر كفاية لمن أراد السُنّة والهداية و الحمد لله ربّ العالمين . إنتهى .
أمجد بن يوسف المستريحي
القرشي الهاشمي الحسني



تــم بحمـــد اللـــه
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-19-2011, 08:12 PM
عبدالملك الحسني عبدالملك الحسني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 395
افتراضي

جزاك الله خيرا وحفظك وزادك من فضله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-19-2011, 10:50 PM
أمجد المستريحي أمجد المستريحي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: عمان الأردن
المشاركات: 246
افتراضي

وإياكم أخي عبد الملك الحسني
وأسأل الله لي ولكم التوفيق
وحياك الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:13 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.