حكم اللعب بكرة القدم ومشاهدتها عند الإمام الألباني

[أبو عثمان السلفي]

âڑ½ حكم اللعب بكرة القدم ومشاهدتها عند الإمام الألباني
-ج1-

�� قال الإمام الألباني -رحمه الله-:
«...لا شك أن اللعب بالكرة هو شأن كلِّ ألعاب أو شأن كل الألعاب التي تُعرف اليوم إلا ما ندر منها فإنَّ أصلها أعجمي، النَّرد اسمه نردشير مِن فارس، والشطرنج أصله فيما أظنُّ لعله مِن الصين أو غيره مِن البلاد.
الشاهد: كذلك كرة القدم فهذه لعبة وبدعة عصرية جاءتنا مِن البلاد الأوروبية، فإذا أراد المسلمون أنْ يلعبوا بها فأوَّل كل شيء يجب أنْ ينووا التقوِّي -تقوية البدن-؛ استعدادًا لما يجب عليهم أنْ يخوضوا في العهد القريب أو البعيد في لقاء أعداء الله -تبارك وتعالى-؛ فلا بُدَّ -والحالة هذه- أنْ تكون أبدانُهم صلبةً قويَّةً تثبت أمام أعداء الله الأشدَّاء، فقد جاء في الحديث الصَّحيح مِن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ المؤمن القوي أحبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير»، فلا يخلو المؤمن ولو كان ضعيفًا حتى في إيمانه لا يخلو مِن خيرٍ قد يُنجيه مِن الخلود في العذاب يوم يُقال لجهنَّم: {هل امتلأت فتقول هل مِن مزيد}.
فإذا كانت القوَّةُ مرغوبةً في المسلم؛ فإذًا لا مانع -بل لعلَّه يستحبُّ- أنْ يتعاطى المسلم هذا اللعب بهذه النِّية الصَّالحة، فقد جاء -أيضًا- في «الصحيح» قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- في تفسير الآية الكريمة: {وأعدُّوا لهم ما استطعتم مِن قوة} قال -عليه السلام-: «ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ»، فاللعب بالرَّمي سواء كان قديمًا بالقوس، أو حديثًا بالرَّصاص أو القذائف أو نحو ذلك مِن الأسلحة المدمِّرة اليوم؛ فهو مِن الوسائل التي لا بدَّ أنْ يتعاطاها المسلم لتقوية جسمه، ذلك قد يتطلَّب خروجًا عن البلد حتى لا يُصاب بعض المسلمين خطأ بأذى الرَّمي، أما هذه اللعبة -لعبة الكرة-؛ فهذه ليس فيها ما يُخشى منها سوى ما قد أشرنا إليه -آنفًا- ممَّا قد يتعرَّض له اللاعب بالشطرنج؛ فينبغي أنْ نقيِّد الجواز بتلك الشُّروط، ومَن الملاحظ أنَّ أكثر الألعاب وَلْنقُلْ وبخاصة المباريات التي تجري بين فريقين ولو كانا مسلمين؛ فإنِّه لا يُراعى في ذلك حدود الله -تبارك وتعالى-، فقد تفوت اللاعبين بعض الصلوات كصلاة العصر -مثلًا- إذا بدأت المباراة قبل العصر أو صلاة المغرب إذا بدأت المباراة بعد صلاة العصر وقُبيل صلاة المغرب؛ فهذا شرط يشمله ما سبق مِن الكلام، وثمَّة شيء آخر يتعلَّق بهذه اللعبة ومثيلاتها كلعبة كرة السَّلة ونحوها؛ فإنِّ عادة الكفار ما دام أنهم هم الذين ابتدعوا هذه اللعبة أنَّهم يلبسون لها لباسًا خاصًّا، ولباسًا قصيرًا لا يستر العورة الواجب سترها شرعًا؛ فاللباس هذا يكشف عن الفخذ، والفخذ كما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال: «الفخذ عورة»، فلا يجوز للَّاعبَين ولو كانوا متمرِّنين فضلًا عما إذا كانوا مُبارين لغيرهم؛ لا يجوز لهم أنْ يلبسوا هذا اللباس القصير الذي يُسمَّى في لغة الشرع لغة العربية بـ (التُّبَّان)، والتُّبَّان هو السِّروال الذي ليس له كمَّان، ويُسمَّى في بعض البلاد باللغة الأجنبية بـ(الشورت)...
.. لعلها لفظة إنجليزية، فاسمها العربي -احفظوا هذا-؛ لأنَّ مِن الإسلام أنْ نستبدل الذي هو خير بالذي هو أدنى؛ أنْ نستبدل اللفظ العربي باللفظ الأجنبي، أنْ نلغي اللفظ الأجنبي ونحلَّ مكانه اللفظ العربي؛ لأنها لغة القرآن الكريم.
فهذا اللباس التُّبَّان لا يجوز للمسلم أنْ يلبسه أمام أحد سوى زوجته -فقط-، فالذي إذًا يلعب هذه اللعبة أمام مَرأى بعض الناس؛ فذلك حرامٌ لا لذاتها، وإنما لِمَا أحاط بها مِن اللباس غير المشروع، فصار عندنا بالنسبة لهذه اللعبة خاصَّة ألَّا تُلهي كالشطرنج عن بعض الواجبات الشرعية، وبخاصة الصلاة، وثانيًا أن يكون اللباس شرعيًّا ساترًا للعورة، ويأتي ثالثًا أنْ يكون اللَّعب -بما يُسمَّى اليوم اسمًا على غير مسمَّى!- بالرُّوح الرِّياضية، أقول: اسم على غير مسمَّى؛ لأنَّ كثيرًا ما يقع قتال وضرب بين المسلمين المُتبارين فضلًا عن الكافرين، وفي الغرب تقع مشاكل ضخمة جدًّا يروح فيها قتلى، وهم يزعمون أنَّ المقصود مِن هذه الألعاب هو تنمية الرًّوح الرِّياضية، والمقصود بها بطبيعة الحال أنَّ الإنسان لا يحقد إذا ما شعر بأنَّ خصمَه سيتغلَّب عليه أو تغلَّب عليه فعلًا، فالمسلم لا يحقد ولا يحسد؛ فلا ينبغي أنْ تصبح هذه اللعبة أداةَ إفسادٍ للأخلاق؛ فحينذاك ولو توفَّرت الشروط أو الشرطان السابقان مِن حيث عدم أن يكون سببًا لإضاعة الصَّلوات أو لكشف العورات، فلو فرضنا أنَّ هذه اللعبة خَلَتْ من هاتين الظَّاهرتين المخالفتين للشرع، ولكنها تُنمي وتقوِّي في نفوس اللاعبين بها روح الانتقام والحقد والتغلُّب بالباطل على الخصم؛ فحينذاك يكون هذا الأمر مِن جملة الأسباب التي ينبغي منع تعاطي هذه اللعبة.
فإذًا الأصل -ألخِّص الآن ما تقدم- الأصل في الملاهي التي يلهو بها الناس -ما عدا الأربع الخصال المذكورة في حديث جابر- أنَّها باطلٌ -لغوٌ لا قيمة له-، ولا ينبغي للمسلم أنْ يضيِّعَ وقته مِن ورائها؛ اللهمَّ إلا إذا حَسُنَتِ النِّية، ولا أقل فيها أنْ يكون المقصود الترويح عن النَّفس مع ملاحظة الشُّروط التي سبق ذكرها».
[«فتاوى جدة»- شريط: (13)- بتصرف]

�� «السائل: هل يجوز مشاهدة المباريات الرِّياضية لكرة القدم على التَّلفاز مع العلم بأنَّ لباس اللاعبين ليس شرعيًا؟
الشيخ: يجوز مشاهدة المباراة إذا كانت لا تشغل المشاهد عن القيام ببعض الواجبات الدِّينية، كالمحافظة على أداء الصَّلاة في وقتها ومع الجماعة إذا كان مجاورًا للمسجد، ونحو ذلك مِن الأمور التي لا تخفى على المسلم.
السَّائل: طيب يا شيخ -الله يعطيك العافية-: يلبسون قصير لبسهم نصف قصير، يعني ما يستر العورة؟!
الشيخ: بارك الله فيك، هذا اللباس القصير لو كان أمامك الشخص كما ترى في الطرقات فوجهت بصرك إلى العورة، فهذا فعلًا لا يجوز، وهذا أمر واضح ولكن بالنسبة للمباراة التي أنت تسأل عنها، أولا: لا يتوجه بصر الناظر إلى المباراة إلى العورة، لأنه ليس هناك مجالًا لتمكين البصر في العورة، فليس الأمر في التلفاز كالأمر في العراء، يعني ليس النظر في المباراة كالنظر في الأعيان والأشخاص حينما يكونون حقيقة أشخاصًا، فهناك يمكن أن تقع الفتنة كما أشار - عليه السلام - إلى ذلك بقوله: «كُتِبَ على ابن آدم حظُّه من الزنا؛ فهو مدركه لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدِّق ذلك كلَّه أو يكذِّبه»، هذا التسلسل المنطقي الذي يمكن أن يقع في الأشخاص الحقيقيين، المرتبة الأولى هي النظرة، وكما قال -عليه السلام-: «النَّظرة الأولى لك والثانية عليك»، هذه النَّظرة الثانية لا تتحقَّق بالنسبة للمباراة، هذا هو الفرق الذي نراه في ذلك، ولهذا ما دندنا حول النَّظر، لأنَّه هذا النظر في الصورة المنشورة في التلفاز -والحالة هذه- ليست كصورة المرأة المذيعة مثلًا، والتي تثبت أمامك بشعرها ونحرها وذراعها فأنت أو أنا أو غيرنا يُمكِّن نظره منها فهذا لا يجوز، أما المباراة فهي تصرف همة الناظر إلى أن يمتِّعَ بصره بالنظر إلى أفخاذ اللاعبين، لعله وضح لك الفرق -إن شاء الله-؟».
[«فتاوى عبر الهاتف والسيارة»- شريط: (184)]

يتبع -إن شاء الله-

[أبو عثمان السلفي]

⚽⚽ حكم اللعب بكرة القدم ومشاهدتها عند الإمام الألباني
-ج2-

⚽ الإمام الألباني .... وكرة القدم...

نقلنا في الجزء الأول فتوى الإمام الألباني في حكم اللعب بكرة القدم ومشاهدتها، ومِن (باب الفضول) سأتكلم عن حياة الشَّيخ الخاصَّة؛ نظرًا لكثرة القيل والقال في هذا الموضوع!! ولتحقيق بعض الأهداف العامة والخاصة مِن هذا البيان المختصر:

🎯 الهدف الأول: اعتراف الإمام الألباني بأنه كان يحضر المباريات في أول عُمره، قال -رحمه الله-: «كنتُ في أول شبابي -ولا مؤاخذة- أذكر لك شيئًا مِن تاريخ حياتي مِن أجل أنْ تعتبر أنت وغيرك فيمن هو في شبابك-، أنا في أول حياتي كنت مُغرمًا بحضور المباريات في كرة القدم، والمصَّارعة ونحو ذلك..». [«سلسلة الهدى والنور»- شريط: (271)]

🎯 الهدف الثاني: اعتراف الإمام الألباني بأنَّه يحبُّ مشاهدة كرة القدم، فقال -رحمه الله-: «... لكن مثل حكايتي: تحب أنْ تتفرج لكن لا تحب أنْ تلعب [هنا يضحك الشيخ ومَن معه]...». [«سلسلة الهدى والنور»- شريط: (139)]

🎯 الهدف الثالث: مارس الشيخ لعب كرة القدم، وكانت آخر ممارسة للشيخ لهذه الرياضة وصلت إلينا لمّا كان مدرِّسًا في الجامعة الإسلامية (1381- 1383/1961 - 1963م)، يقول الأخ البيروتي:
«راسلني أخي هاني الحارثي -حفظه الله- بالتالي:
بمناسبة ذكر كرة القدم، فالشيخ الألباني لعب كرة القدم، بل وسجَّل أهدافًا في مرمى الخصم، أخبرني بهذه المعلومة الشيخ عبدالله بن صالح المحسن المدرس السَّابق بالجامعة الاسلامية، وأنَّه كان يلعب مع الطلاب في نزهة الطلاب ورحلاتهم.
يقول: وكنت أقول له: تلعب الكرة وأنت الألباني!
فيقول: «وماذا فيها؟! لا تُلهيني عن ذكر الله، وأتقوى بها على طاعة ربي».
يقول الجملة الأخيرة وهو رافع يديه». [«الجديد وما لم يُنشَر من سيرة الإمام المحدِّث محمد ناصر الدِّين الألباني»]

🎯 الهدف الرابع: مِن التَّشدد مراقبة أهل العلم في كيفية تعاملهم وتصرفهم في الأمور المباحة الخاصة بهم، وترك الاقتداء بهم في الأمور المفروضة، والمندوبة، وكيفية تعاملهم مع الأمور المحرمة، والمكروهة، وخاصَّة نحن في زمن الفتن والمحن!!

🎯 الهدف الخامس: التَّحذير مِن أخذ أخبار العالم مِن المجهولين، أو المجروحين، أو المتسلقين على أعتاب هذه الدَّعوة المباركة، أو المندسين الذين كشف الله أمرهم، فجميع محاولاتهم للإنتساب للدعوة السَّلفيَّة بشكل عام! أو إلصاق كلمة (تلميذ الشيخ)(1) بشكل خاص!! باءت بالفشل؛ لأنَّ هذه الدَّعوة تنفي خبثها!!

وقد يكون هذا المتكلم بليدًا لا يعرف إلا القصُّ واللزق! -إنْ أحسن ذلك!-، فيحرف كلام هذا الإمام عن موضعه، فينسب للشيخ أشياء مشوَّهة، أو يأخذ بفتوى مجملة، ويترك المفصَّل الذي يريده الشيخ(!) ومِن ذلك ما نَسب للشيخ -رحمه الله- أنَّه يرى هذه المباريات أنها (مِن اللهو الباطل)! كذا! مِن غير التفصيل المعهود عند الشيخ -رحمه الله-، أو أنَّه شاهد مقتطفات سريعة –فقط-!!!

وهذا مِن مغالطات هذا الحاطب(!)، وبيان ذلك:
▪️ أولًا: بيَّن الإمام الألباني في شرحه لحديث: «كل لهو باطل»، أنَّ الباطل لا يُفهم منه التَّحريم(2).

▪️ ثانيًا: يرى الألباني أنَّ اللعب بهذه الطريقة مِن الوسائل الحديثة لتقوية الأبدان، فقال:
«هي مِن الوسائل الحديثة لتَّقوية أبدان المتلاعبين أو المتبارين لكن الحقيقة إذا كنا نريد أن نستوعب ناس مسلمين يتعاطون هذه اللعبة فهم بحاجة إلى وضع قيود شرعية يتميزون في لعبهم عن الفرق الكافرة أو الفرق الفاسقة». [«سلسلة الهدى والنور»- شريط: (828)]

▪️ ثالثًا: القول أنَه شاهد –فقط- مقتطفات سريعة فهذا غير صحيح! وما بقي إلا أنْ يقيدها أو يزيد عليها أنَّه كان يشاهدها بالإعادة البطيئة!!

⚡ والصَّواب أنَّ الشيخ كان يشاهد بعض المباريات في بعض زياراته، وقد شاهدتُ معه أنا وشقيقي أبو الحسين الدكتور مالك، مبارة كاملة في بيت رجل فاضل هو زوج إحدى قريبات أم الفضل، برفقة ابن أخته صديقنا الأخ رائد أبو زينه –رحم الله الأموات، وأطال الله عمر البقية في طاعته-.
فأي مقتطفات سريعة –هذه- يزعمها ذاك الحاطب؟!!

🥎 ويجب التَّنبيه –هنا-: أنَّ الشيخ -رحمه الله- لم يكن يقصد تتبع المباريات(!) أو أن ينتظر انتصار فريق على فريق!! -كما يفعله عامة المشجعين-.

👈🏼 فهذه أمور شخصيَّة خاصة لأي إنسان، فتهويل الأمر فيها لا يليق بالرَّجل صاحب العقل الرَّاجح، وقد ذكرنا رأي الشيخ في حكم مشاهدة المباريات –وما لها وما عليها- في الجزء الأول.

📌 ومن أقوال الشيخ التي سمعتها منه مباشرة: «الرِّياضة جيدة؛ لكن الرِّياضة الأخلاقية أهم بكثير».
📌📌 وقال وفي شريط مسجَّل: «يجب أن يوجه هؤلاء خُلقيًّا قبل أنْ يربوا بدنيًّا، فلا مانع عندي أنْ يتمرنوا بأي نوع مِن أنواع المعروفة اليوم بالشّروط التي سبق أنْ ذكرتها آنفًا، وأنَّ هذا النَّوع مِن الألعاب لا أعتبرها تشبهًا بالكفار وبخاصة إذا نزلوا في الساحة وكل مَن رآهم حتى مِن الكفار يقولون: هؤلاء مسلمون أو لعلهم يكونون أصوليون!». [«سلسلة الهدى والنور»- شريط: (828)]
والحمد لله رب العالمين.

✒️ وكتب
محمد بن حسين آل حسن
29 جُمادى الأولى 1444
23/ 12/ 2022م

_____
(1) والعبرةُ بمن صَدَق، لا بمن سَبق(!)
(2) «سلسلة الهدى والنور» - شريط: (306).