أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
83406 89305

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-07-2023, 04:14 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Arrow عبودية المؤمنين في نازلة الزلازل


عبودية المؤمنين في نازلة الزلازل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالحمد لله تعالى لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.

اعلموا رحمكم الله أن المصائب (للصابرين) منشأ الإيمان واليقين.

وذلك أن المصيبة التي تنزل بالعبد المؤمن - بنفسه أو أهله أو ماله- هي ابتلاء كما قال الله – تعالى - :{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فيه بيان أن المقصود من الابتلاء بالنوازل رجوع العباد إلى الله – تعالى – إلى دينه وشرعه،
وذلك بتجريد التوحيد إخلاصاً،
وتحقيق المتابعة طاعةً،
والاعتصام بالله – سبحانه – توكلاً، وتضرعاً - رغبةً ورهبةً - ،
وبحبله المتين يقيناً وانقياداً، والصبر على ذلك .


فالبلاء كالنُذُر للغافلين، و(التوبة النصوح) هي المقصد الأصلي من البلاء ، مع ما فيها من الأجر العظيم للصابرين والمحتسبين الذين علموا أن كل شيء يقع فبقضاء الله وقدره وأن ما قدره الله للعبد عاقبته الخير له في الدنيا والآخرة وإن أصابه ما يحزنه وينقص ماله أو أهله.

ولتحقيق هذه المعاني لا بد للعبد عند النازلة من سلوك عبادات تنجلي عندها كل محنة، بل تنقلب إلى منحة، وفيها من تفصيل ما أجملناه أعظم فائدة .

العبادة الأول/ المفزع إلى الله وحده في الشدائد والنوازل دون غيره:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" فَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ مَا يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ النَّوَازِلِ فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ : مِثْلُ دُعَائِهِمْ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ لِنُزُولِ الرِّزْقِ وَدُعَائِهِمْ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالِاعْتِدَادِ لِرَفْعِ الْبَلَاءِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ إنَّمَا يَدْعُونَ فِي ذَلِكَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَطُّ أَنْ يَرْجِعُوا بِحَوَائِجِهِمْ إلَى غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ بَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَدْعُونَهُ بِلَا وَاسِطَةٍ فَيُجِيبُهُمْ اللَّهُ أَفَتَرَاهُمْ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ لَا يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ؟ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } "(مجموع الفتاوى:27/98-99).

العبادة الثانية/ المفزع إلى ذكر الله - المتضمن محبته ورجاءه وخوفه - عند النوازل:
قال ابن القيم – رحمه الله - : " و الذكر (منشور الولاية) الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم فنترك الذكر أحيانا فننتكس
به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات إذا أظلمهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم. فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورءوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً، ويوصل الذاكر إلى المذكور بل يدع الذاكر مذكوراً "(مدارج السالكين:2/423).

العبادة الثالثة/ المفزع إلى الصبر على أداء واجب الوقت في النازلة .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك أداء (واجب الصبر) مع (خلطتك بهم) دون (الهرب منهم)؛ فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه، والأفضل (خلطتهم في الخير) فهي خير من اعتزالهم فيه، (واعتزالهم في الشر) فهو أفضل من خلطتهم فيه، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه " (مدارج السالكين:1/89).

وأصل واجباتها أمران:
1- الصبر عليها بكف لسانه وقلبه وجوارحه عن التسخط على أقدار الله تعالى.
2- والتوبة من الذنوب التي أوجبتها.

فإذا صبر المؤمن على مصيبته، واستغفر من زلته فقد سقى شجرة الإيمان (بالله)، (واليوم الآخر).
فإن الصبر ينمي الإيمان بالله؛ لأنه تسليم مطلق للربوبية بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والاستغفار ينمي الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه تصديق تام بيوم الحساب والجزاء إذ حقيقة المستغفر أنه خائف من النار التي يخشى أن يستوجبها بذنوبه فيطلب من الله إذهابها بالندم وعمل الصالحات.

العبادة الرابعة/ المفزع إلى العبادة امتثالاً للأوامر وتركاً للمحرمات .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " العبد - دائماً - متقلب بين (أحكام الأوامر)، (وأحكام النوازل)، فهو محتاج بل مضطر إلى (العون) عند الأوامر، وإلى (اللطف) عند النوازل.

وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف عند النوازل فإن كمل القيام بالأوامر ظاهراً وباطناً ناله اللطف ظاهراً وباطناً، وإن قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في الظاهر وقل نصيبه من اللطف في الباطن.

فإن قلت وما (اللطف الباطن)؟ فهو ما يحصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق والاضطراب والجزع فيستخذى بين يدي سيده ذليلا له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من الألم وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته بحسن اختياره له وأنه عبد محض يجري عليه سيده أحكامه رضي أو سخط فإن رضي نال الرضا وإن سخط فحظه السخط فهذا اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها"(الفوائد:203).

العبادة الخامسة/ احتساب الأجر في المصيبة كما قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰ⁠لِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ ۝١٥٥ ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ ۝١٥٦ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰ⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ۝١٥٧﴾ [البقرة ١٥٥-١٥٧].

قال السعدي رحمه الله: "فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع، حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل [له] السخط الدال على شدة النقصان. وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط، قولا وفعلا، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب". انتهى من تفسير السعدي.

العبادة السادسة/ الاستبشار بفضل الله ورحمته.
المؤمن إذا سمع قول الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ ﴾ تخف آلامه وتسكن جراحه وتطمئن نفسه إلى التسليم لأمر الله والصبر بيقين أن عاقبته خير ، فأما الميت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِيقُ، وصَاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ". رواه البخاري، ومسلم.

فعادت المصيبة للمؤمن الصابر رحمة وخيرا وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ".

فسبحان من بارك في المؤمن لإيمانه وتصديقه
حتى صارت المحن في حقه منح والمصائب والبليات رحمات وخيرات.


فهنيئا للصابرين بحلاوة الإيمان واليقين.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية






*****



__________________
قناة (المكتبة الورقية) على التليجرام
تضم عددا من الرسائل الدعوية والتعليمية على صيغة (pdf)
كتبها الفقير إلى عفو ربه
حمد أبو زيد العتيبي
على الرابط التالي:

https://t.me/Rasaelpdf
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:15 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.