أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
94738 89571

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-26-2021, 06:54 AM
سيف بلعيد سيف بلعيد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 177
افتراضي (جواب أبي الحسن السليماني على مؤاخذات عبدالمالك رمضاني) (الجواب على المؤاخذة الثانية)

(جواب أبي الحسن السليماني على مؤاخذات عبدالمالك رمضاني)
*(الجواب على المؤاخذة الثانية)* الجزء الأول
#########################################

[ملحوظة: الحواشي هنا وضعت داخل معكوفين: [ ] من أجل ظهورها في مواقع التواصل، وهي في الملف (pdf) في مواضعها، وعددها في هذه المؤاخذة (10) حواشي]
##########################################
• قال الشيخ عبد المالك الرمضاني -حفظه الله-: "زعم الشيخ المأربي أنه لا خلاف في الأصول بين الدعوة السلفية والإخوان والصوفية والتبليغ، لَمَّا ذَكَر هذه الجماعات الأربع(1)!! [حاشية (1) سيظهر لك –أيها القارئ الكريم- أن هذه الدعوى الرمضانية لا وجود لها عندما أسوق نصَّ الحوار غير مبتور –إن شاء الله- نهاية الحاشية (1)].
ثم قال الرمضاني: أَنْقُلُ كلامَهُ بالحرف الواحد، وارْجِعُوا إلى القناة، قال: "أنا في مقامي هذا أُحِبُّ أن أُؤَلِّف وأَجْمَع، وأُعَظِّم الثوابتَ بين هذه الفِرق، ولا أُنِّمي الجزئياتِ والفرعيات التي تُفرّقُنا"(2). [حاشية (2) إذًا كان التلطّف في العبارة مراعاةً لمقام معيَّن، وظروف خاصة تمر بالبلاد أثناء هذا اللقاء. نهاية الحاشية (2)]
ثم قال الشيخ الرمضاني -حفظه الله-:
كلام أبي الحسن بنصه: "أما مسألة ما عند الإخوان المسلمين -وقد يتطور الأمر في الكلام عن الجماعات التي بعد ذلك: صوفية، أو غير ذلك- فأنا في مقامي هذا أُحِبُّ أن أُؤلِّف وأَجْمَع، وأُعَظِّم الثوابت بين هذه الفِرَق، ولا أُنـمِّي الجزئيات والفرعيات التي تُفرِّقُنا"(3). [حاشية (3) سيأتي –إن شاء الله- أن هذا الكلام مقتضى كلام أهل العلم كابن باديس –رحمه الله- وغيره. نهاية الحاشية (3)]
كلام المذيع: (ولكن الفِرَق هذه مِشْ مجتمعة)؟
كلام أبي الحسن: "وإن لم تجْتمع؛ فلأَنْ تفترقَ وقلوبُها فيها مودةٌ ورحمةٌ وسكوتٌ عن المهاترات؛ خيرٌ من أن تَفْتَرِقَ مع المهاترات"!! اهـ.
ثم قال الشيخ الرمضاني -حفظه الله-: "أصبح ما بيننا وبين الإخوان المسلمين، وما بيننا وبين الصوفية الخرافيين، وما بيننا وبين التبليغيين عبارة عن خلاف جُزْئي فَرْعِي فقط(4) [حاشية (4): تأمّل كيف هذا التهويل!! نهاية الحاشية (4)]، ولذلك اعترض المذيع وتعجَّب، وقال: (بَسْ هذه الفِرق غير مجتمعة)، قال الشيخ: "وإن لم تجتمع؛ فلأَنْ تفترق وقلوبُها فيها مودةٌ ورحمةٌ وسكوتٌ عن المهاترات؛ خيرٌ من أن تفترق مع المهاترات".
ثم قال الشيخ الرمضاني -حفظه الله-: "سبحان الله العظيم!! جَعَلَ ردود السلفيين، وعلى رَأْسِهم رَدُّ الشيخِ الألباني، والشيخِ ابن باز، والشيخِ ابن عثيمين -رحمهم الله- وطلبة العلم على الصوفية، صارتْ عنده جزئيات فرعيات، رَدُّوا على الإخوان المسلمين، صارتْ عنده جزئيات وفرعيات، ردُّوا على جماعة التبليغ...".
ثم ذكر الشيخ الرمضاني أن جماعة التبليغ جماعة خُرافية، قامت على رؤيا منامية، وأن عندهم أربعَ طرق صوفية من الغلاة، قال: "والمأربي يقول: ما عندنا إلا جزئيات، واختلاف وردود عبارة عن مهاترات"؟!
قال الرمضاني: "وزاد الطينَ بِلَّةً لَمَّا علَّل، فقال: "الاختلافُ واردٌ، والصحابةُ اختلفوا في فَهْمِ النصوص"!!
قال الرمضاني: سبحان الله، اختلافُ السلفيين مع هذه الجماعات كاختلاف الصحابة فيما بينهم في فَهْم النصوص، هذه مُشْكِلةٌ عظيمة، هَلْ اختلف الصحابةُ في العقيدة؟ الصحابةُ اختلفوا في أمور فقهية، والأحكام العملية" ثم قال الرمضاني -ناقلًا عنِّي- "لكن هناك اختلافٌ في الأصول، وهذا غير موجود في أكثر الجماعات الإسلامية"!!.
قال الشيخ الرمضاني -حفظه الله-: "سبحان الله العظيم! تتعجبون ممن يقول هذا الكلام بين الدعوة السلفية والدعوة الإخونجية -كما يُقال- والدعوة الخرافية الصوفية، والدعوة التبليغية، ليس هناك اختلاف في الأصول".
ثم قال الرمضاني: "قال: هذا غير موجود في أكثر الجماعات الإسلامية، وهناك اختلاف في المسائل الاجتهادية، وهذا وارد، ولا ولاء ولا براء على المسائل الاجتهادية: (يَسَعُني قولي، ويَسَعُك قولُك)".
ثم قال الرمضاني ناقلًا عَنِّي: "ونحن نتكامل ولا نتآكل، وأنت لك قولك، وأنا لي قولي، كُلُّنا نصُبُّ في مَصَبٍّ واحد مع اختلاف وجهات النظر، وليس كلُّ اختلافٍ يُفَرِّقُنا، بل ربما أنا أَتَّفِقُ مع من أخالفه في جزئية، وأخالفُ من أوافقه في العموم، فقد أخالفه في جزئية، وهذا في نظري -عين الإنصاف- وإلا لو جعلنا كُلًّا يَتَكتَّل -أي على قوله- فنكون كما قال القائل:
أنا مِنْ غُزيَّةَ إن غَوَتْ غَوَيْتُ
وإن ترشُدْ غُزَيَّةُ أَرْشُدُ

هذه هي الحزبية، كل واحد منا سيكون لحزبه متعصِّبًا، وهذه الحزبية التي نهانا عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-".
ثم قال الشيخ الرمضاني -حفظه الله-: "إن القضية أصْبَحَتْ وِجْهَة نظر، وأن هذه مُشْكِلةٌ عويصةٌ، ما لها حَلٌّ(5)!! [حاشية (5): وهذا من تهاويله أيضًا. نهاية الحاشية (5)] وأن العوام عندنا -أي في الجزائر- يُفرقون بين الدعوة السلفية ودعوة الإخوان المسلمين، ويَعْرفون أن هؤلاء لا لقاء بينهم، والإخوانُ المسلمون لا يَسْمَحُون إطلاقًا لأي سلفيٍّ يُلْقِي كلمةً على منصّاتهم، والمساجدُ بيوتُ الله، لا يَسْمَحُون بذلك إطلاقًا، والصوفيةُ من باب أَوْلى، كيف ليس هناك اختلاف بيننا والصوفية؟ الصوفية؟!
قال الرمضاني: "هو أطلق هكذا، ما بيَّنَ الصوفيةَ الذين عندهم مفارقاتٌ، قد يُقال: هي خفيفة بالنسبة لما سيأتي، كبدع الأذكار والتوسلات، وما إلى ذلك، إلى الذين يقولون بالحلول ووحدة الوجود...".
ثم ذكر الشيخ الرمضاني عبادة القبور والأضرحة التي عند الصوفية.
ثم قال: "والشيخ يقول: "ليس هناك خلاف بين هؤلاء: الإخوان المسلمون يجعلهم من أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة، وهذا هو مَذْهَبُه، شيء ما يُمكن أن يُقْبَلَ"(6)!! [حاشية (6): وهذا من تهاويله أيضًا. نهاية الحاشية]
ثم ذَكَرَ الشيخ الرمضاني -حفظه الله- شيئًا مما كان عليه الشيخ حسن البنا من زَعْمِهِ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يَحْضُر عند الناس ليلة المولد النبوي، ويَغْفر لهم ذنوبهم، وذَكَرَ أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، ثم قال: "الله أكبر، هذا يُقال: خلاف في الفروع والجزئيات"(7)؟ [حاشية (7): وهذا من تهاويله أيضًا. نهاية الحاشية] وذكر الرمضاني –أيضا- بعض ما قاله الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين بعد الشيخ حسن البنا في كتابه "شهيد المحراب" وإنكارَهُ على من يُنْكِر على من ذهب إلى ضريح يستغيث به ويدعوه.. إلى آخر ما قال!!
قلت: هكذا حَشَد أخونا عبدالمالك التُّهم، وأتى بالكلمة من كلامي؛ وزاد عليها كلاما من عنده، وفسَّر هذا كلَّه بما يوافق هواه، ولكن الحق مؤيَّدٌ ومنصور!!
والجواب على هذه المؤاخذة -بإذن الله- يكون ببيان عدَّة أمور:
الأول: أن هذا اللقاء التلفزيوني كان بعد عودتي من اليمن إلى جمهورية مصر العربية، وبعد انتهاء خَلْع رئيس البلاد: الرئيس حسني مبارك -رحمه الله- ولسْتُ الآن متأكدًا: هل كان وصولي مصر بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، وتولِّي الرئيس محمد مرسي -رحمه الله- حُكْمَ البلاد، وكان هذا اللقاء أثناء الإعداد للانتخابات النيابية، لاختيار أفراد مجلس النواب، أو البرلمان، والذي يُسمَّى في مصر بمجلس الشعب، وقد صرح بذلك المذيع في هذا اللقاء نفسه بقوله: (لكن احْنا بِنِتْكَلَّم دِى الوقت عن السياسة وعن الانتخابات اللي موجودة الآن) أم أن المقصود بذلك الانتخابات التي أتتْ بالرئيس المعزول محمد مرسي؟ وأيًّا ما كان هذا أو ذاك؛ فقد كانت الثورة قد وقعتْ، وخُلع رئيس البلاد، فإما أن يكون الحُكم عند المجلس العسكري المصري آنذاك، أو عند الرئيس مرسي، وقد تشكلتْ الحكومة، لكن على كل حال: قد كان كلامي في هذا اللقاء بعد الانتهاء من فوران الثورة، وأثناء رُكُود الثورة المصرية لا قبلها، والحكم يختلف فيما بين الحَدَثين، كما سأوضِّحه قريبًا –إن شاء الله-!!!
ومعلوم أن الشعب المصري في الأصل شعبٌ سُنِّيٌّ، على طريقة أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة -وإن كان هناك من العلماء من هم أشاعرة أو صوفية في الأصول- وعلى المذهب الشافعي في الفروع الفقهية، والشعب بعلمائه يتبرأون من مذهب الرافضة المعادي عداء صريحًا للسنة وأهلها، إلا الشواذ –بفضل الله عز وجل- ومع كون الشعب سُنِّيًا -في الجملة- إلا أن فيه طرائق صوفية، تختلف من طريقة إلى أخرى في الغلو والإسراف في دُعاء القبور والأضرحة، وهذا شرك أكبر من حيث الحكم على الفِعْل أو الـمُعْتَقَد، أما الشخص الفاعل لذلك: فالحكم عليه يختلف عند علماء أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة: فالجمهورُ أو الأغلبُ من أهل العلم على أن الفرد الذي يفعل ذلك عن جَهْلٍ أو تقليد لمن يظنه عالمـًا -وليس هو كذلك- أو عن تأويل لمن عنده علمٌ وقَصْدٌ للحق؛ كل ذلك عذرٌ ومانعٌ من تكفيره بعينه، وقد كُتِبَتْ في ذلك كُتُبٌ كثيرة، وقد شاركْتُ في التصنيف في هذا الباب بكتابي "المسْلَك السَّهْل في ترجيح العُذْر بالجهل" فما ذكره الشيخ الرمضاني من أدلة على أن هذا كُفْرٌ أكبر؛ لا أنازعه في ذلك، ولنا أربعون سنة، ونحن نُعَلِّم الناس هذا التوحيد، ونقرأ عليهم كتب مشايخ الإسلام في ذلك، لكن المسلم السني إذا وقع في بدعة؛ فلا أُبِّدعُه بعينه إلا بعد استيفاء الشروط لهذا الحكم فيه، وانتفاء الموانع عنه، وكذلك إذا وقع في الشرك؛ فلا أُكفِّره إلا بعد إقامة الحجة عليه، أو إزالة الشبهة عنه، وهذا ما لم أفْعَلْه مع المعيَّن بَعْدُ، عِلْمًا بأن الخوض في قضايا التكفير للمعيَّن أمْرٌ منوطٌ بكبار العلماء، وقضاة الإسلام، وولاة الأمور من ذوي السلطان العلمي وأهل الشوكة، فالأصلُ إبقاء ما كان على ما كان حتى يأتي حُكْمٌ جديد بضوابطه وشروطه، والأصلُ أن الشعب المصري من أهل السنة، فعندما أقول: في هذه الجماعات المنتسبة للتصوف والتمشعر: إنهم من أهل السنة -في الجملة- فباعتبار أن الحكم على الأعيان هو الحكم العام الذي نشأوا عليه في مجتمعهم، وأنهم يُحِبُّون السنة وأهلها، ويتبرؤون من سَبِّ الصحابة -رضي الله عنهم- والمشهور عند العامة: أن من لم يكن رافضيًّا؛ فهو من أهل السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- "بيان تلبيس الجهمية" (3/ 538) –وهو يتكلم عن الأشاعرة على ما عندهم من مخالفات-: "وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة وموافقة السنة ما لا يُوجَدُ في كلام عامة الطوائف؛ فإنهم أقربُ طوائفِ أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهم يُعَدُّون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة ونحوهم، بل هم أهلُ السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهلُ البدع فيها المعتزلة والرافضة ونحوهم" اهـ.
وقال كما في "مجموع الفتاوى" (3/ 356) –وهو يتكلم عن الرافضة-: "وَمِنْهُمْ ظَهَرَتْ أُمَّهَاتُ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ: كَزَنْدَقَةِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَبْعَدُ طَوَائِفِ الْمُبْتَدِعَةِ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا كَانُوا هُمْ الْمَشْهُورِينَ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ، فَجُمْهُورُ الْعَامَّةِ لَا يَعْرِفُ ضِدَّ السُّنِّيِّ إلَّا الرَّافِضِيَّ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا سُنِّيٌّ؛ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَسْت رافضيا".
وقال في "منهاج السنة النبوية" (2/ 221): "فَلَفْظُ "أَهْلِ السُّنَّةِ" يُرَادُ بِهِ مَنْ أَثْبَتَ خِلَافَةَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّوَائِفِ إِلَّا الرَّافِضَةَ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إِلَّا مَنْ يُثْبِتُ الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَيُثْبِتُ الْقَدَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ" اهـ. فتكلم –رحمه الله- عن المعنى العام لأهل السنة، والمعنى الخاص لهذا المصطلح أيضًا، ولا بأس بإطلاق هذا في موضعٍ لمقْصد شرعي، وإطلاق ذاك في موضعٍ آخر لمقْصد شرعي أيضا، كالتأليف، وتفويت الفرصة على الحاقدين الكائدين!!
والصوفية في مصر يقرون مجملًا بأصول أهل السنة، ويظُنُّون أن ما يَصْدُر منهم مع المقبورين من أقوال وأعمال شركية لا يتعارض مع أصول السنة وأحكامها، حسب ما لقَّنَهم علماؤهم الذين يثقون فيهم، فهذا منهج أهل السنة من حيث الإجمال في الحكم على الأعيان، وليس من جهة الحكم على منهج الجماعة والطائفة أو الطريقة، فإن الحكم على ذلك يُصَرَّح فيه بما عندهم من شركيات وضلالات!!
أما ما نسبه الشيخ الرمضاني -حفظه الله- إليَّ أني قلتُ: "لا خلاف في الأصول بين الدعوة السلفية والإخوان والصوفية والتبليغ"!!!
فأنا أُطالبه -وبكل وضُوحٍ وإلْحاحٍ أن يَذْكُر نصَّ كلامي هذا في كل هذه الجماعات التي ذكَرها بإطلاق، وفي أيِّ موضعٍ من كلامي في ذلك اللقاء صرَّحْتُ بما نَسَبَهُ إليَّ الشيخ الرمضاني -أكرمه الله-؟ فإنّ ذِكْر جماعة التبليغ لم يأْت في كلامي بعْدُ، وسيأتي في غير هذا السياق، فإنْ عَجَزَ الرمضاني عن إثباته جَمْعِي وتصريحي بأسماء هذه الفِرَق في هذا الموضع؛ فليَحْكُم على نفسه بنفسه، ولْيَحْكُم على صنيعه من قرأ هذا من طلاب العلم!! فالرجل صاحبُ باعٍ واسع في الدعاوَى، وصاحبُ تهويل مُريب، وبتْر للكلام، وتقديم وتأخير فيه، وإهمال للسياق واللِّحاق، وكل هذا -لا سيما مع إكثاره منه في هذا اللقاء القصير- يثير شكًّا ورَيْبًا في أمر صاحبه، وإن كنتُ قد حَمَلْتُه كثيرًا على حُسْن القَصْد مع سوء الفهم، ولو صَدَر عُشْر معشار ذلك منِّي معه؛ فلربما رماني بالنفاق والزندقة، فإن الغلاة يَشُقُّ عليهم الإنصافُ والاعتدالُ!!
أما عن جماعة الإخوان المسلمين؛ فقد قُلْتُ: إنهم من أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة -في الجملة- والكل يفهم من قولي: "في الجملة" أن هذا التعبير يدل على وجود اختلافات تَكْثُر أو تَقِلُّ، وقد أشرتُ لكثير منها –كما سيأتي إن شاء الله-، هذا فيما يتصل بالمنهج، أما أعيانهم في الغالب فإنهم ينتمون إلى السنة والجماعة، ومنهجهم -باستثناء أهل اليمن منهم- عليه عدة ملاحظات، اشْتهرْتُ بالتحذير منها، وتفنيدها، وبيان مخالفتها لمنهج أئمة السنة، وسأذكر حجتي على استثناء أهل اليمن منهم فيما بعد -إن شاء الله تعالى-.
أما عن الصوفية والتبليغ فحُكْمِي لهما -أي على الأعيان فيهما- باعتبار أنهم جزء من الشعب المصري، وحُكْمي لأعيانهم إنما هو حُكْمٌ في الجملة أيضا بالإسلام والسنة -كما سبق بيانه، وبالشروط السابقة- لكن أين قلتُ عنهم: "لا خلاف في الأصول بين الدعوة السلفية والصوفية والتبليغ" –كما يدّعِي أخونا عبدالمالك رمضاني-؟!
فهذا مجموع كلامي، سأسوقه بين يديك -أيها القارئ الكريم- في ذلك اللقاء، والموضع الذي ذُكر فيه جماعةُ الإخوان، والصوفية، والتبليغ، والرمضاني يَحْكُم بنفسه على صنيعه فيما نسبه إليَّ، وكذا من قرأ هذا الجواب من أهل العلم، وإليكم نصَّ الحوار الذي صَدَر مني في مناخ معيّن من الهجمة الشرسة من النصارى والعلمانيين أو العالـمَانيين على الإسلاميين: (الإخوان والسلفيين بلا استثناء) فهل من الحكمة في هذا المقام: أن أنْشُرَ الغسيل، وأَذْكُر مسائل الخلاف؟ أم من الحكمة: أن أذكر مسائل الوفاق، عسى أن تجتمع القلوب على إصلاح ما أمكن من المصالح في البلاد، وكل هذا كان في زمن الإعداد لانتخابات مجلس النواب أو الرئاسة؟! وهاكَ نصَّ الحوار:
قال المذيع: (عايز أَعْرف رأيكم عن الإخوان المسلمين)؟
فقلت: "الإخوان المسلمون من أهل الإسلام، ولهم جُهْدٌ في خدمة الدين، ولهم تاريخ من أيام الشيخ حسن البنا -رحمه الله- ونحن وهم من أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة، لا نختلف معهم -من حيث الإجمال- نتفق على أصول أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة، وكون أن السلفيين رأَوْا أن يكونوا في حِزْبٍ وحْدَهم؛ فأنا قناعة نفسي، والذي أرتضيه: أنهم يجتمعون جميعًا، ويتنازل هذا لذاك، ويَعْمَلون ائتلافًا، فأنا أُرشَّح في دائرة، وأنت تُرشَّح في دائرة، والجميع يصُبُّ في مصَبٍّ واحد، هذه وِجْهُة نَظَرِي، لكن الأمور الداخلية، وما يجري بينهم البين(8)؛ [حاشية (8): أي بين السلفيين والإخوان في مصر. نهاية الحاشية] فلم أطَّلِع على هذه المسائل(9)،[حاشية (9): وذلك لبُعْدي عن الواقع الدعوي في مصر منذ أكثر من ثلاثة عقود. نهاية الحاشية] ولعلنا نستدرك -إن شاء الله- ونَسْعَى بقَدْر الإمكان إلى تقريب وجهات النظر فيما أمكن، "وما لا يُدْرَك كُلُّه لا يُترَك جُلُّه" اهـ، فتأمل كلامي هنا: هَلْ فيه ذكر للصوفية والتبليغ، كما يَدَّعي الرمضاني، وهل قولي: نحن جميعا نصبُّ في مصبٍّ واحد كان شاملاً للصوفية والتبليغ، كما يهوِّل الرمضاني، أم أنني كنت أتكلم عن السلفيين والإخوان فقط في مصر؟!
وقد قُلْتُ في موضعٍ آخر بعد هذا: "أما مسألة ما عند الإخوان المسلمين، وقد يتطور الأمر إلى ما عند الجماعات التي بعد ذلك صوفية، أو غير ذلك، فأنا في مقامي هذا أُحِبُّ أن أُؤلِّفَ وأَجْمَعَ، وأُعَظِّم الثوابتَ بين هذه الفِرق، ولا أُنِّمي الجزئياتِ والفرعياتِ التي تُفرِّقُ" اهـ.
فقال المذيع: (لكن هذه الفِرَق هي مِشْ مجتمعة؟!!)
فقلت: "وإن لم تجتمعْ؛ فلأَنْ تفترقَ وقلوبُها فيها مودةٌ ورحمةٌ وسكوتٌ عن المهاترات؛ خيرٌ من أن تفترق مع المهاترات.
إذا لم تَسْتَطِعْ شيئًا فَدَعْهُ
وجَاوِزْهُ إلى ما تَسْتطيعُ" اهـ

فأين في كلامي هذا ما نسبه الشيخ الرمضاني إليَّ من قولي: "لا خلاف في الأصول بين الدعوة السلفية والإخوان والصوفية والتبليغ)؟، فهل ذَكَرتُ جماعة التبليغَ -أصْلا- هنا من قريب أو بعيد حتى الآن؟
الجواب: لم أَذْكُرْهم، إنما جاء ذِكْرُهم بعد ذلك عند كلام المذيع عن الجماعات الإسلامية التي تَسْعَى للسلطة.
فقلت له: "وهل السلطة حرامٌ على السلفيين، والإخوان المسلمين، والتبليغ، والصوفية؟ حرامٌ عليهم"؟
فقال المذيع: (وإيه التبليغ والصوفية؟ إيه اللي جاب سِيرتهم دِي الوقت)؟ وهذا الكلام من المذيع يدل على أن ذِكْرَ التبليغ ما جاء في الكلام في هذا اللقاء قبل هذا الموضع، ولذلك قال: (وإيه التبليغ والصوفية؟ إيه اللي جاب سِيرتهم دِي الوقت)؟ أما الصوفية فقد أشرتُ إليهم في المقطع السابق!!
ثم لما قال لي المذيع: (أوقعتم العقلَ المصري في حِيرة، ماذا يَتَّبِع؟ السلفيين، ولَّا الإخوان، ولَّا التبليغ، اقْعُدوا مع بعض، واجتمعوا كِدَهْ، وشوفُوا الصَّحْ، وقولوا لنا، وحْنَ نَمْشي وراكُم).
فقلت له: "نحن نُحب أن العقل المصري لا يَسْمَع عَنَّا من غيرنا، إنما يسمع منا مباشرة، والاختلاف وارد، والصحابة اختلفوا في فهم النصوص، لكن هناك اختلاف في الأصول، وهذا غير موجود في أكثر الجماعات الإسلامية، وهناك اختلاف في مسائل اجتهادية، هذا واردٌ، لا ولاء ولا براء على المسائل الاجتهادية، يَسَعُني قولي، ويَسَعُك قولُكَ، ونحن نتكامل، ولا نتآكل..." إلى آخر ما سبق.
فأنت -أيها القارئ الكريم- ترى أنني عندما ذكرتُ الصوفية والتبليغ -هنا- وتكلمتُ عن الخلاف في الأصول بيننا وبين كثير من الجماعات؛ قلتُ: "وهذا غير موجود في أكثر الجماعات الإسلامية"، فقولي: "أكثر الجماعات الإسلامية" فيه احتراز مني من بعض المذكورين، كالصوفية الخرافية أولًا، ثم التبليغ باعتبار ما هو مذكور عنهم -وقد أشار إلى بعضه الشيخ الرمضاني- فاحْتَرَزْتُ بقولي: "أكثر الجماعات الإسلامية" من البعض الذي توجد خلافات بيننا وبينهم في الأصول كمنهج عام، مثل ما عند الصوفية الخرافية، وأما أفراد التبليغ الذين عرفْتُهُم في مصر واليمن والسعودية والإمارات العربية -وهم قليل جدا- فلا أعرف عنهم أي ممارسات شركية، فإن كان أحد يَعْلمُ شيئًا من ذلك عنهم؛ فـ(فوق كل ذي علمٍ عليم) وكلُّ إنسان يَحْكُم حسب عِلْمِه، وليس الاختلافُ في ذلك مما يُسَوِّغ الحكم على المخالف بالخروج من أهل السنة أو السلفية إلا على قواعد الغلاة المسرفين، كما سيأتي بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- وإلا فأئمة السنة اختلفوا في تجريح الرواة وتعديلهم، وفي الحكم لهم بالسنة أو البدعة، ولم يختلفوا فيما بينهم لذلك؛ فضلا عن أن يبدِّع بعضهم بعضا، ويأمر بهجْرِه، وهَجْر من لم يَهْجُرْهُ -إلى غير ذلك من الخلْط والخبْط الذي نراه اليوم!! وقد ذكرتُ أمثلة لذلك من كلام العلماء بتوسع في كتابي: "القول الأمين في صد العدوان المبين" وسيُنشر قريبًا -إن شاء الله تعالى- وفيه دحض لشبهات الغلاة المنتسبين للسلفية، والمشوِّهين لنقائها وصفائها، وطهارتها ورصانتها، والله المستعان.
وخلاصة ما في هذا الأمر الأول:
أن أخانا الشيخ عبد المالك الرمضاني -حفظه الله- أتى ببعض كلامي، ثم زاد عليه بعضًا من عنده، ثم فسَّر هذا كله بما يحقق هواه، كما حَصَلَ في كلامه تقديم وتأخير، وما ذكرتُهُ عن بعض الجماعات عَمَّمَهُ في بقية الجماعات، ثم نَسَبَ إليَّ التعميم، ولم يَلْتَفِتْ إلى ما قيَّدتُ به كلامي: "أن الخلاف في الأصول غير موجود في أكثر الجماعات"، فمن أين له أنني أطلقتُ ولم أحترز بهذا القيد من منهج الصوفية الطرقية التي تفعل الشرك، وأنني عمَّمتُ ولم أُفصِّل في الصوفية، ومنهم من عنده بدع خفيفة، ومنهم من عنده مُكفِّرات كبرى، كالقول بالحلول والاتحاد، ومنهم فرقة تُعَلِّم أتباعها الشرك الأكبر في الألوهية؟ وكذا من أين له -حفظه الله- أنني لم أحترز بكلامي السابق من بعض الأفراد في هذه الجماعات، وهو الذي وقع أو سوَّغ الشرك الأكبر، إما عن جهل أو تقليد أو تأويل؟ والرمضاني إن نزَّهْتُه عن قصْد السوء بالتقديم والتأخير في عَرْضِهِ لكلامي، وإهْمالِهِ لبعض احترازات كلامي، إلا أن نَفَسَه الحادَّ في الردِّ عليَّ؛ حال بينه وبين رؤية هذه الاحترازات، وإدراك خَطَر آفة التقديم والتأخير، ولَفْلَفَةِ كلام الرجل المفرَّقِ حسب تفرقة الأسئلة الموجَّهة إليه، وجَعْلِهِ جميعَهُ في موضع واحد، فيَظْهر فيه من القُبح والفُحْش ما لم يَظْهر لو أنه ذَكَر كل كلمة في موضعها وسياقها!!
الأمر الثاني: أن الصوفية والتبليغ كمنهج وطريقة في الدعوة نختلف معهما في كثير من الأصول -بل نختلف مع كثير من جماعة "الإخوان المسلمين" في عدد من البلدان، أما أهل اليمن من جماعة الإخوان -والذين يُسَمَّوْن بـ "حزب الإصلاح"- فسيأتي تفصيل الأمر فيهم قريبًا -إن شاء الله تعالى- والخلاف مع الصوفية أكثر وأشهر في ذلك، وأما الأفراد في هذه الطوائف والجماعات؛ فكل يُحْكَمُ عليه بما يستحق، وذلك بعد مراعاة الشروط والموانع -كما هو مُقَرَّرٌ في موضعه- وقد بَسَطْتُ أدلة ذلك في كتابي: "ضوابط التكفير والتفسيق عند أهل السنة" ونَقَلْتُ كلام العلماء في التفرقة بين من يقع في البدعة، لكن الأصل الذي ينطلق منه، وينتمي إليه هو السنة والدفاع عنها، وبين من لا يرفع رأسًا بعقيدة وطريقة أهل السنة، وسأذكر هنا فقط قولًا لشيخنا الألباني -رحمه الله- باعتبار أن الشيخ الرمضاني يجلُّه ويَقْتَدي به -كما هو حالي وحال أكثر طلاب العلم في هذا العصر، وباعتبار أن الرمضاني عزا القول إليه بأنه يخرج جماعة الإخوان مطلقا من أهل السنة والجماعة-!! وسيأتي نقْل ذلك عن الشيخ الألباني -رحمه الله- مفصّلا -إن شاء الله تعالى- بما يَقْطَع دابر هذه المؤاخذات!!
قال السائل: "بارك فيك يا شيخ، سؤال: متى وما هو الضابط في تعيين شخص، ويُقال له: مُبْتَدِعٌ، يعني يُعيَّن على الشخص، ويقال له: مبتدع، ما هو الضابط في هذه المسألة"؟
قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "حينما يكون منهجُهُ مخالفًا للسنة بمعناها الواسع؛ قولًا، وفِعْلًا، وتقريرًا، حينما يكون منهجُهُ هكذا، أما إذا وقع في بدعةٍ ما، أو أكثر من بدعةٍ اجتهادًا، ولو أنه كان في ذلك مُخطئًا؛ فلا يكون مبتدعًا، وإلّا لم ينجُ أحدٌ من الابتداع" اهـ من "سلسلة الهدى والنور" الشريط رقم (614). فتأمل قوله -رحمه الله- الذي يدل على أن من انتمى إلى السنة، واتخذها دينًا ومنهجا؛ فهو سني، وإن وقع في بدعة أو أكثر، ما دام ذلك عن اجتهاد أو تأويل أو خطأ، حتى تقام عليه الحجة، بخلاف من انتمى إلى غير السنة: قولا وفعلا وتقريرا؛ فهو بعينه مبتدع، وما لم نراعٍ هذا القيد؛ فلن يسْلم لنا أحد من الابتداع، والأمر كذلك؛ فإن لازم مذهب الغلاة الحكم بالبدعة على كل سني -مهما نصر السنة- إذا زلّتْ قدمه في بدعة عن اجتهاد أو تأويل أو تقليد سائغ، لكنهم متناقضون، فيبدّعون الشخص، ويحكمون بسنية من هو أشد مخالفة منه!!
ومعلوم أن الكلام في الفضائيات والأشرطة تعتريه -كثيرا- الارتجاليةُ، وقلةُ الدقة في تحرير اللفظ أو العبارة، فلو كان في كلامي الذي في ذلك اللقاء ما يوهم أنني أعُدُّ الخلاف مع منهج المخالفين من الجماعات الإسلامية -الصوفية والتبليغ- بينهم وبين السلفيين إنما هو في المسائل الاجتهادية فقط -مع أن إطلاق هذا لم يقع منِّي، ولله الحمد- ولو حدثَ هذا مني؛ فإن الصريح من كلامي في كتبي وغيرها يوضِّح ما قد يُوهِم خلاف مرادي وموقفي، وهذا حالُ المنْصِفين، الذين يسارعون بنصح من في كلامه خطأ ما، فإن أمكن ذلك؛ وإلا فهم يَحْمِلون مُجْمَلَ كلام الرجل على مُبَيَّينهِ ومُفصَّلِهِ، وفي كثير من الحالات يكون الخلاف لفظيًّا!! وقد كَتَبْتُ كتابًا خاصًّا في هذا الأمر، أردُّ فيه على الشيخ ربيع المدخلي –ختم الله لنا وله بالحسنى- وعلى مقلّديه؛ فكان كالصاعقة على الغلو وأهله –ولله الحمد- وسأذكر بعض ما جاء فيه -إن شاء الله- ومن أراد المزيد؛ فليرجع إلى ذلك الكتاب.
وقد قال شيخ الإسلام في «الرد على البكري» (1/263): "وما زال أهلُ العلم إذا انتهى النِّزاعُ بينهم إلى الألفاظ، مع اتفاقهم على المعاني؛ يقولون: هذا نزاع لَفْظِيٌّ، والنِّزاع اللفظيُّ لا اعتبار به، يستهينون بالنِّزاع في الألفاظ إذا وقع الاتفاق على المعاني التي يَعْقِلُها الأيقاظ، ولكن من كان نزاعه لفظيًّا، وأوهم الناس أن النِّزاع فيما يتعلق بالأصول، ويجعل ذلك من مسائل سَبِّ الرسول؛ عُلِمَ أنه ظلوم جهول...".ا ﻫـ. فاقرؤوا يا غلاة العصر، ويا خفافيش الظلام، واعْقِلوا عن أهل العلم، وعجِّلوا بالتوبة قبل أن يدرككم الموت وأنتم على هذا الحال، وتُعَلِّموا ضلالاتكم من هم وراءكم؛ فطوبى لمن مات وماتتْ معه ذنوبه وسُنَنُهُ السيئة!!
وهاك أمثلةً في تطبيق الصحابة والعلماء بعدهم لقاعدة حَمْل المجمل على المفصَّل:
• فمن ذلك ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-:
وذلك في قصة الإفك، فقد قذف عائشةَ -رضي الله عنها- بالإفك جماعةٌ من المنافقين، ولم يقتصر الأمر عليهم، بل تكلم -أيضًا- في ذلك بعض المشهورين بالصدق، ومنهم حسانُ بن ثابت  شاعرُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فكان هناكَ مَنْ يَسُبُّ حسانَ، وعائشةُ -رضي الله عنها- تنكر على من سبَّه، مُسْتَدِلَّةً -في جملة كلامها- بأنه كان يدافع أو يرد أو ينافح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهاأنذا أسوق خلاصة الروايات أولاً، ثم أتكلم على موضع الشاهد من ذلك -إن شاء الله تعالى-:
فقد أخرج البخاري في «صحيحه»ك/ المغازي برقم (4141)، ومسلم في ك/ التوبة برقم (2770)، من حديث عائشة، في قصة الإفك، وفيه: «قال عروة: كانت عائشة تَكْرَهُ أن يُسَبَّ عندها حسان، وتقول: إنه الذي قال:
فإنَّ أبي ووالدَهُ وعِرْضِي لِعِرْضِ محمدٍ منكم وِقَاءُ».
وأخرج البخاري أيضًا في ك/ المغازي برقم (4145) ومسلم في ك/ فضائل الصحابة برقم (2487)، عن عروة، قال: «ذَهبْتُ أَسُبُّ حسان عند عائشة، فقالت: لا تسُبَّه؛ فإنه كان ينافح عن رسول الله ...».
وأخرج البخاري أيضًا في ك/ المغازي برقــم (4146)، وفي ك/ التفسير برقم (4755، 4756)، ومسلم في ك/ فضائل الصحابة (2488)، عن مسروق، قال: «دخلنا على عائشة -رضي الله عنها- وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرًا، يُشبِّب بأبيات له، وقال:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَـةٍ وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغوافلِ
فقالت عائشة: «لكنَّكَ لَسْتَ كذلك»، قال مسروق: فقلت لها: لِمَ تأذنين له أن يدخل عليك، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 11].
فقالت: وأيُّ عذابٍ أَشَدّ من العَمَى؟ قالت له: إنه كان ينافح -أو يهاجي- عن رسول الله ».
وجْه الشاهد: أن مسروقًا-رحمه الله- أنكر على أم المؤمنين إِذْنَها لحسان  بالدخول عليها، وتلا الآية الكريمة، هذا مع علم عائشة ومسروق وغيرهما بأن حسان بن ثابت قد تاب إلى الله -عز وجل- مما جرى منه في شأن حادثة الإفك، فالذي يظهر لي: أن مسروقًا كان يَظُن أن توبة حسان كانت كتوبة الآخرين من المنافقين الذين أظهروا التوبة، وفي قلوبهم الغيظ على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأهله، وإلا فلماذا يتكلم فيه بعد اشتهار توبته؟! ثم لماذا لم تستدل عائشة عليه في دفع قوله بتوبة حسان؟! إنما دفعتْ عائشةُ هذا الفهمَ الخاطئَ الموجودَ عند مسروق بأمرٍ آخر، فاسْتَدَلَّتْ -في جملة كلامها- بأنه كان ينافح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمنافقون لا يدافعون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل هم العدو، فاعتراضُ مسروق، وجوابُ أم المؤمنين بما سبق، دون أن تشير لتوبة حسان من قريب أو بعيد؛ كل هذا يدل على أنها قد فهمت من مسروق أنه يرميه بالنفاق، أو بشيء من النفاق، ولعل في استدلاله بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 11]. ما يشير إلى ذلك أيضًا.
وبمثل هذا فقُلْ في سَبِّ عروة لحسان، وجواب أم المؤمنين عليه ببيت شعر من قصيدة حسان، التي يَرُدُّ فيها على ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أبوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب، أي: وكيف يكون من المنافقين من يجعل عِرْضَه ووالدَه وجَدَّه فداءً لعرض رسول الله ؟!
فاستدلال مسروق، وجواب عائشة عليه وعلى عروة؛ يدل ذلك كله على أن بعض من كان يقع في حسان -آنذاك- كان مكذّبًا له في توبته الصادقة، متهمًا له بأنه على طريقة المنافقين في أمر الإفك، ولكنَّ وَرَعَ عائشة –رضي الله عنها- يمنعها من أن تقبل ذلك في رجل قد عُرف بمنافحته عن رسول الله  منذ أسلم -وإن كان قد تكلم فيها- كيف وهو القائل -كما في «الفتح» (8/486) ط/الريان-:
فكيف ووُدِّي ما حَيِيتُ ونُصْرَتيِ لآلِ رســولِ اللهِ زَيْنِ المحافــلِ
واعلم أنه قد فَهِمَ البعضُ من إخواننا أن كلام حسان في عائشة ليس بمجمل، وعلى ذلك: فلا شاهد -عندهم- في هذه القصة، وغاب عن ذهنهم أن الشاهد ليس من جهة كلام حسان؛ فإن كلام حسان -رضي الله عنه- في أم المؤمنين خطأ لا يَشُكُّ في ذلك أحد، إنما الإجمال في تحديد ما هو الدافع لحسان في هذا الكلام: هل هو النفاق كابن سلول؟ أم أنها زَلَّةٌ فقط، مع وجود الصدق والإيمان؟! فوقع في حسان من وقع فيه على الاحتمال الأول، ودافعتْ عنه عائشة، مثبتةً له الاحتمالَ الثاني، واستدلَّتْ ببيت شعر له في ذلك؛ كما استدلَّتْ بحال حسان المعروف بالمنافحة دائمًا عن رسول الله ، وهذا استدلال بقرينة منفصلة، غير متصلة بسياق حادثة الإفك،كما أنها غير متصلة بكلام حسان في أم المؤمنين -رضي الله عنهما- فكان هذا دفاعًا منها عن حسان، ودفعًا للنفاق عن شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الاعتراف بالخطأ الذي وقع فيه، ولسان حالها يقول: أي: وإن كان قد تكلم فيَّ مع من تكلم؛ إلا أنه ليس من المنافقين، وحاله غير حالهم، فأين الثَّرى، وأين الثُّريّا؟! والدليل على ذلك حاله المشهور بالدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن أهل بيته، وشعره الصريح في الذب عن عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهلُ بيته -صلى الله عليه وسلم- من عرضه -صلى الله عليه وسلم- فكان هذا من باب دفع أحد الاحتمالين في الأمر المجمل أو المحتمل أو المشتبه، وذلك بالنظر إلى المفصَّل المبين المفسَّر الجلي، والله تعالى أعلم.
• الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-:
قال شيخ الإسلام، كما في «الرد على البكري» (2/663-664): «...ومن الحكايات المعروفة عن الشافعي -رحمة الله تعالى عليه- أن الربيع قال له في مرضه: «يا أبا عبد الله؛ قَوَّى الله ضَعْفَك»، قال: يا أبا محمد، لو قوَّى ضَعْفي لهلكْتُ!! فقال له الربيع: لم أقصُد إلا خيرًا، فقال: لو شَتَمْتَني صريحًا؛ لَعَلِمْتُ أنك لم تقصُد إلا الخير، فقال الربيع: كيف أقول؟ قال: قُلْ: برّأ الله ضَعْفَكَ».
قال شيخ الإسلام: "فإنَّ الشافعي نظر إلى حقيقة اللفظ، وهو نفس الضعف، والربيع قصد أن يسمِّي الضعيف ضعفًا، كما يُسمَّي العادل عدلاً، ثم لما علم الشافعي بحسن قصده؛ أوجب أن يقول: لو سببتني صريحًا- أي: صريحًا من جهة اللغة- لَعَلِمْتُ أنك لم تقصد إلا خيرًا، فقدّم عليه علمه بحسن قصده، ولم يجعل سوء العبارة منتقصًا، وقد يسبق اللسان بغير ما يقصد القلب، كما يقول الداعي من الفرح: «اللهم أنت عبدي، وأنا ربك»، ولم يؤاخذه الله تعالى».اهـ.
ففي هذا بيان أن القصد الحسن، يوجب تأويل اللفظ الظاهر القبيح، فضلاً عن المجمل الذي يحتمل القبيح والحسن على وجه سواء، ومع ذلك فيُرشَدُ المتكلِّم إلى تصحيح لفظه؛ ليوافق قصْدَه الحسنَ، وهذا ما فعله الإمام الشافعي مع الربيع، والله تعالى أعلم.
• الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- وأبو خليفة الفضلُ بنُ الحباب البصري المتوفَّى سنة 305هـ، وترجمته في «النبلاء» (14/7-11)، والخطيب، وهو أحمد بن علي بن ثابت المتوفَّى سنة 463هـ -رحمهم الله جميعًا-:
فقد جاء في «مسائل ابن هانئ» (2/193/2046)، قال: "وسئل -أي أحمد- عن قول شعبة: «إن هذا الحديثَ يَصُدُّكم عن ذِكْرِ الله، وعن الصلاة»؟ فقال: لَعَلَّ شعبة كان يصوم، فإذا طَلَبَ الحديثَ، وسَعَى فيه؛ يَضْعُف فلا يَصُوم، أو يريد شيئًا من الأعمال، أعمالِ البر، فلا يقدر أن يفعله للطلب؛ فهذا معناه». اهـ.
فعلى الرغم من كون ظاهر كلام شعبة؛ يدل على التنفير عن الحديث -ولذا أوَّله العلماء- وهذا الحال معروف عن أهل البدع، الذين يحذِّرون الناس من الحديث وأهله، إلا أن أحمد -رحمه الله- نظر إلى حال شعبة، وهو معروف بالرحلة في الطلب، بل هو أمير المؤمنين في هذا الشأن، فكيف يُحَذِّر مِنَ الحديث مَنْ قضى عُمُرَه في تحصيله ونَشْره، والذبِّ عنه؟! فلما كان هذا الحال متيقنًا؛ لزم تأويل كلام شعبة، وحَمْلُه على مَحْمَلٍ آخر، فأوّلَهُ أحمدُ بما رأيتَ.
وهذا الذي فهمه أحمد، قد فهمه غيره أيضًا: فقد أخرج الخطيب بسنده في «شرف أصحاب الحديث» (ص194) برقم (231) تحقيق الأخ عمرو بن عبد المنعم سليم -حفظه الله- فساق الخطيب سنده إلى أبي خليفة -وهو الفضل بن الحباب البصري- قال: سمعت أبا الوليد -وهو الطيالسي- يقول: سمعت شعبة يقول: «إن هذا الحديثَ يَصُدُّكُم عن ذِكْرِ الله، وعن الصلاة؛ فهل أنتم مُنْتَهُون؟».
قال أبوخليفة: "يريد شعبة -رحمه الله- أن أَهْلَه -أي أهل الحديث المُولَعِينَ بالرحلة- يضيِّعون العمل بما يسمعون منه، ويتشاغلون بالمكاثرة به، أو نحو ذلك، والحديث لا يَصُدَّ عن ذِكْر الله، بل يَهْدِى إلى أمر الله، وذَكَر كلامًا».اهـ.
ثم ساق الخطيب سنده إلى ابن هانئ، فذكر كلام أحمد السابق، ثم قال الخطيب: «قلت: وليس يجوز لأحد أن يقول: كان شعبة يثبِّط عن طلب الحديث، وكيف يكون كذلك؛ وقد بلغ قَدْرُه أن سُمِّي أمير المؤمنين في الحديث؟! كل ذلك لأجل طلبه له، واشتغاله به، ولم يزل طولَ عُمُرِه يطلبه حتى مات على غاية الحرص في جمعه، لا يشتغل بشيء سواه، ويكتب عمَّن دونه في السنن والإسناد، وكان من أشد أصحاب الحديث عناية بما سمع، وأحسنهم إتقانًا لما حفظ». اهـ. فهذا استدلال من هؤلاء العلماء في حمل كلام شعبة المجمل –بل ظاهر الخطأ- على المحمل الحسن بقرينة منفصلة غير متصلة.
فهذا بعضٌ مما ورد في هذا الباب، ومن أراد المزيد؛ فعليه بالرجوع إلى كتابي: "الجواب الأكمل على مَنْ أَنْكر حَمْل المُجْمَل على المُفَصَّل".
وردِّي ما عند الصوفية من عقائد شركية ليس بغريب، وهذا ما حرَّرْته كثيرًا في كتبي المطبوعة وغيرها، وإن كان الاحتجاج بالإحالة على ما في الكتب غير مقبول أو غير كافٍ عند أخينا الشيخ الرمضاني -حفظه الله- حيث استنكر إحالتي من أراد المزيد على ما سبق بالرجوع إلى ما كتبته في ذلك، هذا مع أن الإحالة إلى ما كتب الشخص لمعرفة استقامته أو انحرافه مسألة معروفة عند العلماء –رحمهم الله-(10).
[حاشية (10): فمن ذلك: إحالة شيخ الإسلام –رحمه الله- على كتابه: "الواسطية" لإثبات صحة اعتقاده، ولم يُجِبْ عن اعتقاده في المشهد الذي اجتمع فيه العلماء والقضاة والخصوم بأمر من السلطان لتشويه اعتقاده -رحمه الله تعالى-: وقد قال -رحمه الله- كما في "مجموع الفتاوى" (3/ 203): "ثُمَّ سَأَلَ نَائِبُ السُّلْطَانِ عَنْ الِاعْتِقَادِ.
فَقَالَ شيخ الإسلام: "لَيْسَ الِاعْتِقَادُ لِي وَلَا لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي؛ بَلْ الِاعْتِقَادُ يُؤْخَذُ عَنْ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، يُؤْخَذُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَعْرُوفَةِ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ".
فَقَالَ الْأَمِيرُ: نُرِيدُ أَنْ تَكْتُبَ لَنَا صُورَةَ الِاعْتِقَادِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: "إذَا قُلْتُ السَّاعَةَ شَيْئًا مِنْ حِفْظِي؛ قَدْ يَقُولُ الْكَذَّابُونَ: قَدْ كَتَمَ بَعْضَهُ أَوْ دَاهَنَ، بَلْ أَنَا أُحْضِرُ مَا كَتَبْتُهُ قَبْلَ هَذَا الْمَجْلِسِ بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ قَبْلَ مَجِيءِ التَّتَارِ، فَأَحْضَرْتُ "الواسطية"..." إلى أن قال -رحمه الله- "مَنْ جَاءَ بِحَرْفِ وَاحِدٍ عَنْ السَّلَفِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْت؛ فَأَنَا أَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَنَا أُحْضِرُ نَقْلَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَذْهَبَ السَّلَفِ كَمَا وَضَعْته، وَأَنَا مُوَافِقُ السَّلَفِ، وَمُنَاظِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَجَمِيعُ أَئِمَّةِ الطَّوَائِفِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ مُوَافِقُونَ مَا أَقُولُهُ" اهـ.
قلتُ: فتأمل كيف ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- الأشعرية والصوفية في جملة الفِرق التي توافقه على اعتقاده، ولم يقُلْ أحد كما قال الرمضاني: "هكذا أطْلق شيخ الإسلام ولم يُفصّل، والصوفية فِرق متفاوتة، منهم أصحاب بدع خفيفة في الأذكار والتوسلات، ومنهم أصحاب شرك في توحيد الألوهية، ومنهم القائلون بالحلول والاتحاد"!! وذلك لأنهم يَعْلَمُون أن مراد شيخ الإسلام: الزهّاد والعُبّاد غير الغلاة القبوريين، وإن كان عندهم شيء من الانحرافات في جوانب معروفة، وأما الرمضاني ومن هم على شاكلته من الغلاة؛ فهم أصحاب تصيُّد للألفاظ، وإن كانوا يعرفون أن خصمهم لا يريد الغلاة من الصوفية، وقد كان في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- عند كل هذه الطوائف التي ذكرها مخالفات تقل أو تكثر، ومع ذلك أطلق الكلام؛ لأن المقام ليس مقام تفصيل في الرد على كل فرقة من هؤلاء، أما الغلاة فقد حُرِموا نعمة الفهم السديد في هذه المسائل، إلا من رحم الله وقليل ما هم!!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أيضا، في بيان عقيدة أبي الحسن، كما في "مجموع الفتاوى" (5/ 93): "وَقَالَ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ "الْإِبَانَةَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ" وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ آخِرُ كِتَابٍ صَنَّفَهُ، وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُونَ فِي الذَّبِّ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: فَصْلٌ فِي إبَانَةِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ،..." إلى آخر كلامه، فاستدل بسلامة معتقد أبي الحسن الأشعري في طوره الأخير بما كتبه في كتابه، وإن كان في مواضع أخرى ذكر أن الأشعري لم يتخلص -حتى في طوره الأخير- من كل ما كان عنده من أصول الاعتزال، لكن لكل مقام مقال، وبمجموع كلام الرجل يُعرف قوله في المسألة، أما من هم كالذباب الذي لا يقع إلا على العقير ومواضع العلل؛ فلهم شأن آخر!! وتأمل قوله -رحمه الله-: "وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ آخِرُ كِتَابٍ صَنَّفَهُ، وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُونَ فِي الذَّبِّ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْهِ" وهذه أمور مسلّمة، لكن الغلاة يشككون في البديهيات والمسَلَّمات، ويحاولون إقناع الناس بالافتراءات!!!
وقال -رحمه الله- مُدَلِّلاً على عقيدة أبي الحسن من خلال كتبه: كما في "النبوات" (2/ 631): "وكتاب "مقالات الإسلاميين" للأشعري؛ وهو أَجْمَعُ كتابٍ رأيتُهُ في هذا الفن، وقد ذَكَرَ فيه ما ذَكَرَ أنّه مقالة أهل السنة والحديث، وأنّه يختارها، وهي أقرب ما ذكره من المقالات إلى السنّة والحديث، لكنْ فيه أمور لم يَقُلْها أحدٌ من أهل السنة والحديث" فتأمل كيف أشار هنا إلى بعض ما يؤخذ على الأشعري، وهناك أطلق المدح!!
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (11/ 392): "قُلْتُ: رَأَيْتُ لأَبِي الحَسَن أَرْبَعَة توَالِيف فِي الأُصُوْل، يذكرُ فِيْهَا قوَاعدَ مَذْهَبِ السَّلَف فِي الصِّفَات، وَقَالَ فِيْهَا: تُمَرُّ كَمَا جَاءت. ثُمَّ قَالَ: وَبِذَلِكَ أَقُول، وَبِهِ أَدين، وَلاَ تُؤوَّل".
فكل هذا استدلال من العلماء على صواب وخطأ ما ذكر العالم في كتبه؛ فليْست الإحالة إلى الكتب بمستنكرة، كما استنكر الرمضاني ذلك، وعابَهُ عليَّ، عندما أحلْتُ من أراد معرفة المزيد من كلامي؛ فلْيرجع إلى ما سبق أن حرَّرْتُه في كتبي، ويدَّعي أن هذا ليس جوابا مقبولا!! نهاية الحاشية (10)].
الثالث: نِسْبةُ أخينا الرمضاني -حفظه الله- إليَّ أنني جعلتُ ردود أئمة السلفية في هذا العصر، كسماحة الشيخ ابن باز، وشيخنا المحدِّث الألباني، والشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمهم الله جميعًا- وغيرهم من أهل العلم في ردهم على الصوفية أنها مهاترات؛ فقولٌ لا أعرف دليلَهُ ووجْهَهُ من كلامي في هذا اللقاء، فلو وضَّحَ الشيخ الرمضاني لي أين يُوجد كلامي هذا؛ لكان أنفع لي وله ولغيرنا، وإلا فليس التهويل من أخينا الرمضاني بغريب عليه!! إذ كيف يفهم من قولي للمذيع: "لأن يفترق الإسلاميون وفي قلوبهم مودة ورحمة خير من أن يفترقوا مع المهاترات"، أنني أصف ردود أهل السنة قديما وحديثا على ما عند الصوفية من مخالفات شرعية بأنها مهاترات عقيمة، وطريقة ذميمة؟! فلْيفهم الرمضاني ما شاء، وإلا فمعاذ الله أن أجعل ردود أهل العلم على الفرق المنحرفة: كالصوفية، وبعض ما يُنْقَلُ عن التبليغيين -وإن لم أقف عليه- من المهاترات، كيف هذا، وردودهم مُدَعَّمةٌ بالأدلة، مُبيِّنة للحق، وداحِضَةٌ للباطل؟! بل لو رد من هو دونهم على كثير من أهل السنة السلفيين فيما خالفوا فيه الجادة، وردَّ عليهم ردًّا علميًّا، ولم يتجاوز فيه بالبغي والافتراء –فضلاً عمن ردّ على من هم أكثر انحرافا- لكان مأجورًا على ذلك، بل شَكَرْتُ كثيرًا ممن ردَّ عليَّ في بعض المواضع، وكان الحق حليفَهُ فيها، وإن كان خطأً لفظيًّا، أو توسُّعًا مني في التعبير عن معنى صحيح؛ فَشَكَرْتُهم، وأَعْلَنْتُ رجوعي عن قولي، وهذا شأني -ولله الحمد-، ومن عرفني وليس في قلبه حِقْد عليّ؛ عرف هذا الحال مني، وكُتبي فيها شواهدُ كثيرةٌ لذلك، والفضل في هذا كُلِّه وغيره لله وحده -عزَّ شأنُهُ وجَلَّ قَدْرُه-.

(انتهى الجواب عن الوجه الثالث -ويليه بمشيئة الله تعالى- الجواب عن الوجه الرابع إلى نهاية المؤاخذة الثانية)
__________________
كان اسمي المستعار سابقا ( ولد برق )

صفحتي على فيس بوك

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

صفحتي على تويتر

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:15 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.