( إرشاد العباد إلى قاعدة جليلة في رد بدع أهل الزيغ والعناد )

[محمد أبو إلياس الأثري]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فمن المقرر عند أهل العلم وطلبته أن للسنة النبوية تقسيمات عدة باعتبارات مختلفة ، لذلك عرفوها بقولهم: السنة ما صدرعن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو كتابة أو هم أو ترك.
فمن خلال هذا التعريف يتبين أن من أقسام السنة النبوية تركه صلى الله عليه وسلم، والمقصود بالترك هنا" تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور"(1)ولا يكون هذا الترك سنة إلا بشرطين إثنين:
الأول:وجود السبب المقتضي لهذا الفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تركه ولم يفعله كتركه صلى الله علي وسلم الآذان للعيدين..
الثاني:انتفاء الموانع وانعدام العوارض، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك فعلا مع وجود المقتضي له بسبب وجود مانع منعه من فعله، كتركه صلى الله عليه وسلم قيام رمضان جماعة -بعد ليال- وعلل ذلك بخشية أن يفرض عليهم، فلما أزيل هذا المانع في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد(2).
وفي تقرير هذه المسألة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"والترك الراتب سنَّةٌ كما أن الفعل الراتب سنةٌ، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتضٍ أو فوات شرطٍ أو وجود مانعٍ، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلَّت الشريعة على فعله حينئذٍ، كجمع القرآن في المصحف، وجمع الناس في التراويح على إمامٍ واحدٍ، وتعلُّم العربية وأسماء النقلة للعلم، وغير ذلك مما يُحتاج إليه في الدِّين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه صلى الله عليه وسلم لفوات شرطه أو وجود مانعٍ."إهـ."(3).
وهذا القسم من سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام أصل عظيم وقاعدة جليلة في حفظ الدين من التبديل والتغيير، ورد بدع أهل الزيغ والأهواء، يقول الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله -:"فإن تركه صلى الله عليه وسلم سنةٌ كما أن فعله سنةٌ، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظيراستحبابنا ترك ما فعله، ولا فرق.
فإن قيل:من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟فهذا سؤال ٌبعيد جدًّا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صحَّ هذا السؤال وقُبِل لاستحب َّلنا مستحبٌّ الأذان للتراويح، وقال: من أين لكم أنه لم يُنقل؟واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر الغسل لكل صلاةٍ وقال: من أين لكم أنه لم يُنقل؟واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخرالنداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ورفع بها صوته وقال: من أين لكم أنه لم يُنقل؟واستحبَّ لنا آخرُ لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفعُ المؤذنين أصواتهم كلما ذكر اسم الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةً وفُرادى، وقال: من أين لكم أن هذا لم يُنقل؟واستحبَّ لنا آخر قيام ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أولجمعة من رجب وقال: من أين لكم أن إحياءهما لم يُنقل؟وانفتح باب البدعة، وقال كل من دعا إلى بدعة: من أين لكم أن هذا لم يُنقل؟ إهـ (4).
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-:"فأما ما تركه من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعًا لفعله أو أذن فيه، وَلَفَعَله الخلفاء بعده والصحابة، فيجب القطع بأنه بدعةٌ وضلالةٌ، ويمتنع القياس في مثله"اهـ.(5).
وقال الإمام ابن رجب:-رحمه الله -فأما مااتفقوا على تركه فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعمل به" اهـ .(6).
وقال العلامة الألباني-رحمه الله - :من المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم: أن كل عبادةٍمزعومة لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله، ولم يتقرَّب هو بها إلى الله بفعله، فهي مخالفةٌ لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنةٌ فعليةٌ وسنةٌ تركيةٌ، فما تركه صلى الله عليه وسلم من تلك العبادات، فمن السنة تركها، ألا ترى مثلًا أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونها ذكرًا وتعظيمًا لله عز وجل لم يجز التقرُّب به إلى الله عز وجل ، وما ذاك إلا لكونه سنةً تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد فهم هذاالمعنى أصحابه صلى الله عليه وسلم، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيرًا عامًّا، كما هو مذكورفي موضعه"إهـ (7).
وخلاصة القول :أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن ثلاث حالات :
الأولى: تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر لعدم وجود المقتضي له ،وهذا الترك لا يكون سنة إلا إذا قام المقتضي ووجد..
الثانية: أن يترك صلى الله عليه وسلم فعلا من الأفعال مع وجود المقتضي له بسبب مانع منعه من فعله، وهذا يكون سنة إذا أزيل المانع بعد موته صلى الله عليه وسلم.
الثالثة :أن يترك صلى الله عليه وسلم الفعل مع وجود المقتضي له، وانتفاء موانعه، وهذه هي السنة التركية التي قصدتها بالبحث في هذه المقالة المتواضعة(8).
وبهذا يكون قد تم ما أردته، وانتهى ما قصدته، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)-أنظر "المصباح المنير"ص:292. و"شرح الكوكب المنير"(161/2). و "الوجيز في أصول الفقه"ص:35.
(2)-"صحيح البخاري"(2010).
(3)-"مجموع الفتاوى"(172/26).
(4)-"إعلام الموقعين"(390/2).
(5)-"مجموع الفتاوى"(172/26).
(6)-"فضل علم السلف على الخلف"ص32.
(7)-"مناسك الحج والعمرة"(ص43.
(8)- أصلها مستل من كتاب "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" ص:117 فما بعدها باختصار وتصرف، وزدت عليها ما تراه في موضعه.

[محمد أبو إلياس الأثري]

جزاكم الله خيرا على التصحيح

[محمد أبو إلياس الأثري]

...........................................
رفع الله قدركم في الدنيا والآخيرة.

[ابو العبدين البصري]

جزاك الله خيراً أخي
جمع طيب ونافع بارك الله فيك وزادك من فضله

[محمد أبو إلياس الأثري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر بن عبد الهادي الكرخي

بوركتم أخي الفاضل أبا إلياس .. وجزاكم الله خيراً ..

آمين وإياكم أخي الحبيب عمر بن هادي الكرخي.

[محمد أبو إلياس الأثري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو العبدين البصري

جزاك الله خيراً أخي
جمع طيب ونافع بارك الله فيك وزادك من فضله

آمين وإياكم أخي الغالي أبا العبدين.
وشكرا على مروركم الطيب.

[عبد الله بن مسلم]

بارك الله فيك أخي الكريم.

[عبيدالله الأثري]

بارك الله فيك

[محمد أبو إلياس الأثري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله بن مسلم

بارك الله فيك أخي الكريم.

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبيدالله الأثري

بارك الله فيك

وفيكما بارك الله أخوي الفاضلين.

[محمد أبو إلياس الأثري]

يرفع ......
رفع الله قدر من دعا لأخيه أبي إلياس بدعوة صالحة بظهر الغيب، وفي وقت من أوقات الإجابة.