أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
31495 85137

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر التاريخ و التراجم و الوثائق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-22-2014, 09:57 PM
عادل سليمان القطاوي عادل سليمان القطاوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 80
افتراضي مناقشة الشيخ علي الحلبي لبعض تراجم الرجال في رسالته دلائل التحقيق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان، من التابعين، ومن علماء السلف الصالحين.
أما بعد:
فهذه تعليقات مهمة على رسالة الشيخ علي الحلبي " حفظه الله " بخصوص بعض المسائل والتراجم التي ذكرها في رسالته دلائل التحقيق..

مدخل:
كتب الشيخ علي الحلبي رسالة بعنوان " دلائل التحقيق لإبطال قصة الغرانيق رواية ودراية "
جمع فيها الروايات ونقدها بطريقتين: طريقة حديثية للسند، وطريقة نقدية للمتن.
فأما نقده لأسانيد القصة، فلا غبار عليه في الغالب سوى بعض التعقبات التي سنراها قريباً.
وأما نقده للمتن فقد اعتمد اعتماداً كلياً على كتاب الشيخ محمد الصادق عرجون المؤلف في السيرة بعنوان " محمد رسول الله " صلى الله عليه وسلم.
وقد اتبعه الشيخ علي الحلبي حذو القذة بالقذة، ولا أغالي إن قلت: أن كل نقده لمتون الروايات الواردة في القصة منقول برمته وبحروفه من كلام العرجون.
ولذلك فسأضرب صفحا عن نقد المتن، لأن العرجون لم يأتي بجديد في هذا الباب، فالكلام هو نفس الكلام القديم، ولكن الشيخ عرضه بأسلوب أدبي ولغوي قوي، وحق له وهو صاحب قلم سيال رحمه الله.
أولا: نقد عام للمقدمة:
يقول الشيخ علي الحلبي في مطلع مقدمته للسلسلة الحديثية عن القصة:
" انطلى أمرها على بعض الأئمة، [وأشار لابن حجر] وتوقف فيها بعضهم الآخر [ وأشار للسندي في حاشيته على النسائي]، وسكت عنها قسم ثالث [ وأشار الى الزبيدي في تاج العروس]". اهـ
[دلائل التحقيق لإبطال قصة الغرانيق رواية ودراية (ص7)]
وغير أنه لم يذكر في الفئات الثلاثة الذين لم يعجبه موقفهم من القصة إلا فرداً في كل فئة، إلا أن كلمة انطلى أمرها هذه تهمة لعلماء أجلة كبار، تساوي اتهامهم بالغفلة والجهل متسترة في لفظة انطلى، لأنه إما أن يكون رأيهم في قبول القصة عن اجتهاد منهم فوجب عليه شكرهم في كل حال، وإما أن تكون عن غفلة وجهل فلا يلقي بهم بالا.
ثم نقل الشيخ علي الحلبي في المقدمة الثانية [ص10-16] قرابة الست صفحات من كلام الأستاذ محمد الصادق عرجون في مؤلفه المشار إليه، ذكر فيه الأخير، ما ينبيء عن غفلة شديدة تجاه العلماء والمحدثين من السلف الصالح في القرون الأولى ووصفهم والرواة لهذه القصة بأنها أكذوبة وزندقة، وقد أقره الشيخ ولم يتعقبه، مما أربأ به عن عالم سلفي له قدم صدق في تحقيق كتب السنة، وعلوم الحديث وتبجيل أهله.
فياشيخنا: هل توافق الأستاذ عرجون في وصفه لرواة هذه القصة من العلماء الجهابذة بأنهم جهلة وأغبياء لروايتهم أقصوصة!! الغرانيق ؟
وأنها فرية متزندقة اخترقها غرنوق أبله جهول أو شيخ حاقد على الإسلام زنديق ؟
أو منافق فاجر عربيد ؟ وتلقفها البله المغفلين ؟ الى آخر هذه الأوصاف القاذعة اللازعة ؟
هل ترى أن التابعين والعلماء الذين رووها والذين قبلوها وصححوها بُله مغفلين وزنادقة جهال وفجرة معربدة حاقدين على الإسلام ؟
أهذا قدر السلف والتابعين عندك لتوافق الأستاذ عرجون على هذه الأوصاف التي نقلتها برمتها في المقدمة غناءاً منك عن أن تكتب مثلها كما أحلت في هامشك إلى أنه أفضل من كتب ينقد هذه القصة ؟
هل أعجبك رصف كلامه الأدبي، إلى درجة الوقوع في السلف ورميهم بأقذع التهم ؟
لكم الله يا سلف .... فلو أنك اتبعت طريقة شيخك الألباني رحمه الله، فنقدت القصة بدون هذه التهاويل لقلنا التلميذ يختار رأي الشيخ ولا حرج ..
أما أن تتبع حذو القذة بالقذة لمن نقد القصة نقداً لازعاً متهماً الرواة والأئمة من علماء الحديث والتفسير والسير والمغازي والتاريخ، فهذا هو الخطأ الشنيع الذي نربأ بك عنه...
وأرى أن قولك المنقول أعلاه من مقدمتك الأولى للسلسلة عن هذه القصة لا غضاضة فيه لمن يرى أن القصة باطلة ومردودة ...
وهو رد عام بلا تجريح أو تسفيه لعلماء السلف من الرواة والحفاظ ونقاد الحديث وجهابذته ..
ولكنك ضايقني بعدُ، أنك لما نقلت في آخر الرسالة كلمة القاضي عياض: " ولا شك في ادخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على بعض مغفلي المحدثين ليلبس به على ضعفاء المسلمين ". قلت معلقا في الهامش[ص182]: " ونحن ننزههم عن ذلك بدليل أنهم نقدوا الروايات ومحصوا المرويات وكشفوا الدخيل ونقضوا الزائف ".
فأين هذا التنزيه؟ هل نزهت ابن جرير الطبري وعبد بن حميد وابن مردويه والضياء المقدسي وغيرهم من الحفاظ الثقات؟ إذا كانوا رووا بأسانيدهم، وقام بعض علماء الحديث بالتصحيح، فكيف تلومهم؟ أليس نصرتهم أولى من التهكم بهم؟
فكيف تقول نزهتهم وأنت تدعي أنهم انخدعوا ورووا الباطل وسكتوا عليه؟
وبررت كتابتك في نفس الموضوع الذي ألف فيه شيخك وشيخ العصر الإمام الألباني رحمه الله، بأن نسخ رسالة نصب المجانيق قد نفدت لقدم العهد، وأن هناك مراجع جديدة تكلمت عن الموضوع، وأنه قد استغل هذه القصة بعض الراوندية كسلمان رشدي وأشكاله من الزنادقة..
فرأيت أن كل هذا يعطيك الحق في إعادة الكتابة في الموضوع، ونحن نعلم طول باعك في التحقيق، غير أن اختيارك لكلمات العرجون ليست في محلها.
كما أن الرد على سلمان رشدي المتزندق، وكذا الرد على ابن الراوندي الملحد، لا يحل الإشكال.
وكذلك لا يضرنا تسمية المستشرقين لها بأسماء باطلة كقولهم " سهوة محمد " أو " صلح مع الشرك " أو غير ذلك كما نقلت في رسالتك.
الذي يهمنا أن نحترم السلف فيما نقلوه، ونرد ونقبل ما نقلوه بحلم وعلم لا بتسفيه وتجهيل.

ثانياً: عند سرده لروايات القصة، موصولة أو مرسلة، فاته منها روايات:
- رواية مجاهد بن جبر: كما قال السيوطي في الدر المنثور: وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قَرَأَ النَّجْم فَألْقى الشَّيْطَان على فِيهِ [ ثم ] أحكم آيَاته.
ولها سند صحيح عند ابن جرير في تفسير سورة الزمر بمعنى ما نقل في القصةن فلتراجع.
ومنها: رواية مقاتل بن سليمان، وهي في تفسيره المطبوع في موقعين منه: أولهما في سورة الحج والآخر في سورة الزمر.
انظر تفسير مقاتل، في سورة الحج (2/405) وفي سورة الزمر (3/172).
وسند تفسير مقاتل رواه الأئمة: أَبُو بَكْر محمد بن عقيل بن زَيْد الشّهْرَزُوريّ حدثنا القاضي أَبو عَبْد اللَّه محمد بْن علي حدثنا عبد الخالق ابن الْحَسَن، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثَابِت بن يعقوب التوزي حدثنا أَبِي، حدثنا الْهُذَيْلُ ابن حبيب أَبُو صَالِح الزيداني عن مُقَاتِلٍ بن سُلَيْمَان عن ثلاثين رَجُلاً منهم اثني عشر رَجُلاً من التابعين.
فليراجع من يريد تحقيقه.
ومنها: رواية صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عند ابن إسحاق وذكر البيهقي سنده في دلائل النبوة (2/175) فقال: وَقَدْ رُوِّينَا قِصَّةَ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قِصَّةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ سَمَاعًا مِنْهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَصَمَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ الْقِصَّتَيْنِ، بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْهِجْرَةِ فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي أَحَادِيثَ مَوْصُولَةٍ. اهـ
وصالح حفيد عبد الرحمن بن عوف من فضلاء صغار التابعين.
وسند البيهقي صحيح، إذ إنه من رواية الحاكم أبي عبد الله عن الحافظ أَبي الْعَبَّاسِ الْأَصَمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ[العطاردي] [ وفيه ضعف، لكنه صحيح في روايته السيرة لأنها من كتاب]
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ[ ت199هـ وقد وثق]، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ الْقِصَّتَيْنِ، بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
فالسند صحيح من البيهقي لابن إسحاق إلى صالح، وهو مرسل يضاف إلى المراسيل الأخرى.
فكان لزاماً على الشيخ، أن يشير إلى كل من روي القصة، حتى التي لم تنقل بسند معتبر.

ثالثاً: وقعت للشيخ علي الحلبي مجازفات في تراجم الرجال أذكر أهمها على عجالة:
1- محمد بن السائب الكلبي:
نقل الشيخ الحلبي آخر قول من ابن عدي في محمد بن السائب الكلبي، وهو قوله:
" إذا روى، عَن أَبِي صالح، عنِ ابن عباس ففيه مناكير واشتهر به فيما بين الضعفاء ".
هكذا نقله الشيخ الحلبي .. وحذف من الجملة بيانها الواضح، وهي قول ابن عدي:
" ورضوه فى التفسير وأما الحديث خاصة إذا روى عن .. " الخ
ففرق بين روايته في التفسير وروايته للحديث .
كما حذف الكلمة الأخيرة في هذه الجملة وهي قوله حاكما عليه: " يكتب حديثه " .
وهي واضحة من ابن عدي، وطمسها الشيخ الحلبي عمداً.
فنقل الشيخ في ترجمته ما يريد نقله، وترك عن عمد توضيح ابن عدي وحكمه، وهاهو نصه.
قال: " وللكلبى غير ما ذكرت من الحديث، أحاديث صالحة وخاصة عن أبى صالح، وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه، ولا أشبع منه، وبعده مقاتل بن سليمان، إلا أن الكلبى يفضل على مقاتل لما قيل فى مقاتل من المذاهب الرديئة.
وحدث عن الكلبي: الثورى وشعبة فإن كانا حدثا عنه بالشىء اليسير غير المسند. وحدث عنه ابن عيينة، وحماد بن سلمة، وهشيم، وغيرهم من ثقات الناس ورضوه فى التفسير. وأما الحديث، خاصة إذا روى عن أبى صالح، عن ابن عباس، ففيه مناكير ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه ". اهـ من الكامل في ضعفاء الرجال (7/275).
إذاً: فمن العدل أننا إذا نقلنا قول من تركوا حديثه وكذبوه، نذكر الثقات الذين رووا عنه، مثل: شعبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وهشيم بن بشير، وغيرهم من ثقات الناس.
وقد نقل ابن عدي بعض رواياته عن ابن عباس، وبعضها من صحيح التفسير، ثم قال آخراً:
" وللكلبى غير ما ذكرت من الحديث، أحاديث صالحة وخاصة عن أبى صالح، وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه، ولا أشبع منه ".
وفضله على تفسير مقاتل بن سليمان كما مر.
فالرجل عند ابن عدي الذي استشهدت به، يكتب حديثه للاعتبار، وله عن أبي صالح عن ابن عباس أحاديث صالحة. فالفيصل في رواياته كما قال سفيان الثَّوْريّ:
" اتقوا الكلبي، فقيل له: إنك تروي عنه، قَالَ: أنا أعرف بصدقه من كذبه ".
فالرجل عنده صدق وكذب، فعندما نراه انفرد بحديث أو قصة نكذبه ولا كرامة، أما إذا روى ما يروي الناس فيعتبر به في التفسير لأنه فنه الذي مهر فيه، ولا سيما عن أبي صالح خاصة.
2- عباد بن صهيب:
في رواية للبخاري عند ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (5/557)، قال: سكتوا عنه.
وروى ابن عدي: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنا يَحْيى بن عَبد الرحيم الأَعْمَش، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيى بْنَ مَعِين يقول: عباد بن صهيب أثبت من أبي عاصم النبيل. اهـ
ووقع في الكامل هكذا [ يحيى بن عبد الرحيم الأعمش] وصوابه أَبُو يَحْيى بْنُ عَبد الرحيم، وهو محمد بْنُ عَبد الرحيم البزاز البغدادي المعروف بصاعقة [ت255هـ] الحافظ الثقة، وأما الأعمش فلا أدري ما وجهه، ولعله تحريف أو أن ابن أبي داود وصفه بذلك، فقد جاء في تاريخ بغداد للخطيب (7/109) وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/160) بسنده إلى عبد الله بن سليمان وهو أبو بكر بن أبي داود قال: نا يحيى بن عبد الرحيم الأعشى نا أبو عاصم.. فذكر قصة عن أشعب الطامع. وقال الذهبي عن يحيى : " لا أعرفه ". ولذلك جاء في لسان الميزان قوله: وفي رواية شاذة عن يحيى بن مَعِين: هو ثبت. اهـ فلعله يريد تلك الرواية.
وأبو عاصم النبيل من الثقات الحفاظ، فقول ابن معين عنه هذا معناه أنه عنده ثقة ثبت.
وقد قال يحيى بن مَعِين عن عباد أيضاً: كان من الحديث بمكان، إلا أن الله يضع من يشاء، ويرفع من يشاء. قيل له: فتراه صدوقا في الحديث؟ قال: ما كتبت عنه شيئا.
وجاء في لسان الميزان للحافظ، قال أبو داود: صدوق قدري.
وفي الكامل لابن عدي: قال عبدان بن أحمد: وعباد لم يكذبه الناس إنما لقنه صهيب بن مُحَمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر.
وذكر ابن عدي أحاديث اتهم بها عباد، وقد توبع عليها وقال في آخر ترجمته:
ولعباد تصانيف كثيرة وحديث كثير عن المعروفين وعن الضعفاء، ويتبين على حديثه الضعف، ومع ضعفه يكتب حديثه.
3- السدي الكبير اسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة:
نقل الشيخ تضعيف ابن معين وابن مهدي وتكذيب الجوزجاني له وتليين أبو زرعة.
وكالعادة ينقل الشيخ هذا، ويترك التوثيق وهو كثير جداً.
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. ما سمعت أحداً يذكره إلا بخير، وما تركه أحد.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: مُقَارِبُ الحَدِيْثِ.
وقَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وقال فى موضع آخر: ليس به بأس.
وقال الساجي: صدوق فيه يظر.
وقال عبد الله بن نمير الحافظ الثقة: صالح يكتب حديثه.
وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات، وعده ابن خلفون في الطبقة الثالثة من المحدثين.
وذكره الذهبي فيمن تكلم فيه وهو موثق.
وذكره السمعاني في الأنساب وقال: السدي الكبير، ثقة مأمون.
وقال العجلي: ثقة عالم بالتفسير راوية له.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: له أحاديث يرويها عن عدة شيوخ وهُوَ عِنْدِي مستقيم الحديث صَدُوْقٌ لا بأس به.
أما ما جاء من ذم الشعبي له في التفسير، كما قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيَّ قَدْ أُعْطِيَ حَظّاً مِنْ عِلْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ قَدْ أُعْطِيَ حَظّاً مِنَ الجَهْلِ بِالقُرْآنِ.
فقد قال الذهبي معقباً: مَا أَحَدٌ إِلاَّ وَمَا جَهِلَ مِنْ عِلْمِ القُرْآنِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلِمَ. اهـ
وعند أبو أحمد الحاكم في كتاب «الكنى»، والبخاري في «التاريخ» وابن عدي في "الكامل":
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: كَانَ السُّدِّيُّ أَعْلَمَ بِالقُرْآنِ مِنَ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُمَا اللهُ -.
وَقَالَ سَلْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - شَيْخٌ لِشَرِيْكٍ -: مَرَّ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ بِالسُّدِّيِّ وَهُوَ يُفَسِّرُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُفَسِّرُ تَفْسِيْرَ القَوْمِ.
فقد عاش السدي بعد الشعبي خمسة وعشرون عاماً، فلعل الشعبي كان يكره طريقته في التفسير، ومع ذلك فقد أثنى على تفسيره غيره من الأئمة، كما مر.
وشيوخ السدي والرواة عنه ممن يرجحون ثقته وجلالته.
قال أبو الحجاج المزي: رأى الحسن بن على بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة. اهـ
وقال محمد بن العباس بن أيوب الأخرم الحافظ: لا ينكر له ابن عباس، قد رأى سعد ابن أبى وقاص.
وحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ خَيْرٍ الهَمْدَانِيِّ، وَمُصْعَبِ بنِ مَسْعَدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، وَمُرَّةَ الطَّيِّبِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وعطاء وعكرمة وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
وحَدَّثَ عَنْهُ الأئمة: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَإِسْرَائِيْلُ، وسماك بن حرب، وإسماعيل بن أبى خالد، وسليمان التيمي، وَالحَسَنُ بنُ حَيٍّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالمُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ ابنُ عَيَّاشٍ، وَآخَرُوْنَ.
روى له مسلم في صحيحه وباقي الجماعة سوى البخاري.
وقال مغلطاي: وخرج البستي، والحاكم، وأبو علي الطوسي حديثه في «صحيحهم»!.
وقال الحاكم في " المدخل " فى باب الرواة الذين عيب على مسلم إخراج حديثهم:
تعديل عبد الرحمن بن مهدى أقوى عند مسلم ممن جرحه بجرح غير مفسر. اهـ
يشير الى حكاية تضعيف ابن معين له وكراهة ابن مهدي لذلك، فلعل توثيق ابن مهدي له مشهور ولذلك غضب.
1- أبو صالح باذام:
ذكر الشيخ تضعيفه عن أئمة وارتضاه.
وأَبُو صَالِحٍ مَولَى أُمِّ هَانِئ يقال له بَاذَامُ، وَيُقَالُ: بَاذَانُ.
حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَتِهِ أُمِّ هَانِئ، وَأَخِيْهَا عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَن ابْن أبي خَيْثَمَة: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: أَبُو صَالح مولى أم هَانِئ لَيْسَ بِهِ بَأْس، فَإِذا روى عَنهُ الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِشَيْء، وَإِذا روى عَنهُ غير الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ تَفْسِيْرٌ، قَلَّ مَا لَهُ مِنَ المُسْنَدِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. فعلق الذهبي قائلاً: كَذَا عِنْدِي، وَصَوَابُهُ: بِقَوِيٍّ، فَكَأَنَّهَا تَصَحَّفَتْ، فَإِنَّ النَّسَائِيَّ لاَ يَقُوْلُ: لِيْسَ بِثِقَةٍ فِي رَجُلٍ مُخَرَّجٍ فِي كِتَابِهِ. اهـ
وقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا تَرَكَ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، وَمَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَتْرُكْهُ شُعْبَةُ، وَلَا زَائِدَةُ، ولاَ عَبد اللَّهِ بْن عُثْمَان. اهـ
وروى له أصحاب السنن، وحسن له الترمذي حديث " لعن الله زوارات القبور " وَفِي نُسَخٍ صححه، وكذلك صحح له الحاكم.
وإن كان الجمهور على تضعيفه، فقد وثقه العجلي، وابن شاهين، ورضيه الأئمة أعلاه.
وذكره الإمام الذهبي فيمن تكلم فيه وهو موثق، وقال في مقدّمة كتابه: « هذا فصلٌ نافع في معرفة ثقات الرواة الذين تكلّم فيهم بعضُ الأئمة بما لا يوجب ردّ أخبارهم، أو فيهم بعض اللين، وغيرهم أتقن منهم وأحفظ: فهؤلاء حديثهم إن لم يكن في أعلى مراتب الصحيح، فلا ينزل عن رتبة الحسن. اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه، وهي التي تُكُلِّم فيه من أجلها، فينبغي التوقُّفُ في تلك الأحاديث ». اهـ
فهو عند الذهبي بالاستقراء لكل ما قيل فيه من جرح وتعديل لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن.
وعندما قال عبد الحق الإشبيلي في أحكامه عن أبي صالح: ضعيف جداً.
أنكر هذه العبارة عليه أبو الحسن ابن القطان فقال في بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (5/563). راداً عليه:
فَأَما أَبُو صَالح: باذام مولى أم هَانِئ. فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَد، وَلَا فِي هَذَا النمط، وَلَا أَقُول: إِنَّه ثِقَة، وَلَكِنِّي أَقُول: إِنَّه لَيْسَ كَمَا يُوهِمهُ هَذَا الْكَلَام، بل قَالَ عَليّ الْمَدِينِيّ: سَمِعت يحيى بن سعيد الْقطَّان يَقُول: [فذكر قوله أعلاه].
وَعَن ابْن أبي خَيْثَمَة: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: [ فذكر قوله أعلاه ] لِأَن الْكَلْبِيّ حدث بِهِ مرّة من رَأْيه وَمرَّة عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس، وَقد ذكرنَا قبل أَن ابْن معِين أخبر عَن نَفسه بِأَنَّهُ مَتى قَالَ فِي رجل: لَا بَأْس بِهِ، فَهُوَ عِنْده ثِقَة.
وَضعف الْكَلْبِيّ لَا يَنْبَغِي أَن يعدي أَبَا صَالح، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يمس أَبُو صَالح بكذبة الْكَلْبِيّ عَلَيْهِ، حَيْثُ حكى عَنهُ أَنه قَالَ لَهُ - أَعنِي أَن أَبَا صَالح قَالَ للكلبي -: كل مَا حدثتك عَن ابْن عَبَّاس كذب، وَفِي رِوَايَة: فَلَا تحدث بِهِ.
فَهَذَا من كذب الْكَلْبِيّ، وَهُوَ عِنْدهم كَذَّاب، وَإِن كَانَ ابْن مهْدي ترك الرِّوَايَة عَن أبي صَالح، فَإِن غَيره قَالَ فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ، فَاعْلَم ذَلِك. اهـ
وقد دافع عنه ابن تيمية وحلل أقوال مضعفيه فقال في مجموع الفتاوى (24/350):
وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ : فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا تَرَكَ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَمَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُ فِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتْرُكْهُ شُعْبَةُ وَلَا زَائِدَةُ فَهَذِهِ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْهُ تَعْدِيلٌ لَهُ كَمَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ شُعْبَةَ، وَتَرْكُ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَهُ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَعْلَمُ بِالْعِلَلِ وَالرِّجَالِ مِنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَأَمْثَالِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَأَبُو حَاتِمٍ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ شَرْطَهُ فِي التَّعْدِيلِ صَعْبٌ، وَالْحُجَّةُ فِي اصْطِلَاحِهِ لَيْسَ هُوَ الْحُجَّةَ فِي جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَهَذَا كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ رَضُوهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعَالِيَةِ وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ، لَكِنَّ مُجَرَّدَ عَدَمِ تَخْرِيجِهِمَا لِلشَّخْصِ لَا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: إذَا كَانَ الْجَارِحُ وَالْمُعَدِّلُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُقْبَلْ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا فَيَكُونُ التَّعْدِيلُ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَرْحِ الْمُطْلَقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ مِثْلِ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُ فِي الْحَسَنِ الَّذِي يَحْتَجُّ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا صَحَّحَهُ مَنْ صَحَّحَهُ كَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْجَرْحِ إلَّا مَا ذُكِرَ كَانَ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَسَنِ. اهـ
ونستخلص من هذه الترجمة التي جرنا البحث إليها لأهميتها، أمور، تخص أبا صالح باذام:
أولا: يجب دراسة تراجم الرجال دراسة متأنية، ولا ينبني الحكم على الراوي من خلال ما اشتهر وانتقل في مختصرات التراجم، دون جمع وتمحيص.
وأكثر ما يقع فيه المحققين، أنهم ينقلون ما قيل في الراوي من جرح إذا مالوا إلى تضعيف الحديث، وينقلون ما قيل فيه من تعديل إذا مالوا إلى التصحيح، وكلا المنهجين خطأ، بل الواجب سبر جميع ما قيل فيه والموازنة بينهما للخروج بحكم ثابت في الراوي.
ثانياً: يجب التفرقة بين تفسير الراوي ورأيه، وبين رواياته، فتفسيره اجتهاد منه قد يكون صواباً أو خطأً مع ضرورة صحة الإسناد إليه.
ثالثاً: مع أن أبا صالح قليل الحديث فرواياته لا تنزل عن رتبة الحسن، كما بين شيخ الاسلام.
رابعاً: تفسيره من طريق الكلبي كذب إلا إذا جاء من طريق صحيح عنه.
خامساً: أبو صالح روى عن ابن عباس يقيناً، وتفسيره عنه صحيح إذا نقل من طريق صحيحة، كرواية اسماعيل بن أبي خالد، أو السدي.
وهذه الرواية من طريق السدي عن أبي صالح، وهي من جيد التفسير عن ابن عباس، ليست في مستوى الصحيح، ولا تقارن بالطرق الضعيفة عنه.

2- أسباط بن نصر:
عندما ذكر رواية السدي من طريق أسباط عند ابن أبي حاتم، ضعف أسباط ثم قال: ووثقه بعضهم.
يشير الشيخ إلى توثيق ابن معين له في رواية ابن خيثمة. وكذلك ذكره ابن حبان فى " الثقات ".
وقال البخارى في " تاريخه الأوسط ": صدوق. وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس.
فكان عليه كما ينقل التضعيف ينقل التوثيق ولا يشير إليه إشارة كي يعمي على القاريء.
وكذلك يبين قيمته في رواية التفسير، وقيمة روايته في الفقه والأحكام.

3- أبو بكر المقريء البغدادي:
تابع الشيخ علي الحلبي شيخه الإمام الألباني في تعيين هذا الراوي والحكم عليه بأنه مجهول الحال.. وهو وهم منهما، وبيانه في التالي:
الأول: أن الخطيب ذكر هذا الراوي مكنياً إياه بأبي بكر في طبعة تاريخ بغداد القديمة، ويظهر أنها تحرفت، بدليل أنه لما روى عنه الحديث في نفس الترجمة كناه بأبي حرب.
وهذا كفيل ببيان خطأ ما صدره في أول الترجمة، لأن كنيته في نص الرواية أولي، وقد جاء في السند بصيغة حدثني.
الثاني: أن في طبعة تاريخ بغداد الحديثة الذي حققها الدكتور بشار عواد، ذكر كنيته أبو حرب في أول الترجمة، وكذلك بنفس الكنية في سياق الحديث المذكور الذي رواه الخطيب من طريقه.
فثبت أن ما في النسخة القديمة من تاريخ بغداد خطأ من النساخ أو غير ذلك.
[ انظر تاريخ بغداد الطبعة القديمة (3/68) وانظر طبعة الدكتور بشار في (4/116) ]
الثالث: وهو ما يؤكد ذلك بوضوح: أن الإمام الذهبي عندما ترجمه في تاريخ الإسلام (6/1039) كناه كذلك بأبي حرب فقال: محمد بن عليّ بن حسن، أبو حرب البَغْداديُّ، عَنْ محمود بن خِداش، وَعَنْهُ أحمد بن كامل القاضي وجماعة، توفي سنة ثلاثمائة. اهـ
فبهذا يظهر بوضوحٍ أنه ليس هو المقصود في الرواية أصلاً كي تعل به، ويؤكده:
من هو: أبو بكر المقرئ البغدادي ؟
الرابع: أنه إذا كانت الرواية عند ابن مردويه من طريق أَبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ المقرىء، وليس هو أبو حرب هذا الذي رجحه الألباني، وبالبحث في هذه الطبقة وجدنا من اسمه محمد بن علي المقرئ ويكنى بأبي بكر، ومنسوب صراحة إلى مقرئي بغداد، وهو:
محمد بْن عَلِيّ بْن الهيثم، أبو بكر بْن عَلّون البغداديّ، البزّاز، المقرئ [ولد260هـ وتوفي350هـ].
وقد ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد (3/83) وبين شيوخه والرواة عنه ونقل توثيقه.
وكذلك ذكره الخطيب في ترجمة دبيس فقال: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ بن عَلُّون الْمُقْرِئُ.
ونقل الخطيب عن أبي علي الحسن بْن أحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بن شاذان، البغداديّ مسند العراق الثقة [ت425هـ] قوله عنه: كَانَ ثقةً صالحًا، عاش تسعين سنة. اهـ
فسماه محمد بن علي، وكناه بأبي بكر، ونسبه إلى بغداد، وأنه المقرئ، فأي تصريح أكثر من هذا؟
وقال الذهبي تاريخ الإسلام (7/897):
مُحَمَّدُ بْن عَلِيّ بْن الهيثم، أبو بكر بْن عَلّون البغداديّ، البزّاز، المقرئ. اهـ
وذكره الإمام الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء (2/212)، فقال:
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ أَبُو بَكْرٍ البغدادي البزاز يعرف بابن عَلُّون, مقرئ حاذق مشهور. اهـ
ومن شيوخه: الحافظ ابن أَبِي الدُّنيا [ت281هـ]، والحارث بْن أبي أسامة [ت282هـ] ومحمد بْن غالب بْن حرب [ت283هـ] والعباس بن محمد المعروف بدبيس [ت283هـ] وجمع.
وشيخ أبو بكر المقرئ في رواية ابن مردويه، هو جعفر بن محمد الطيالسي [ت282هـ].
فجعفر من طبقة شيوخه يقيناً، فهو المعني بداهة في هذه الرواية لأن كنيته أبو بكر، واسمه محمد ابن علي، ونسبته البغدادي، وشهرته المقرئ، موافقة لما جاء عند ابن مردويه، بخلاف أبو حرب.
وقد وثق ولم يعرف عنه رواية المنكرات، بل رواياته صحيحة: فقد روى الذهبي من طريقه حديث:
" ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ " وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان (10/392)، فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ .. فساقه.
وساق له الحسن بن شاذان [ت425هـ] في مشيخته الصغرى(ص36( هذا الحديث من طريقه فقال:
أَخْبَرَنَا أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلِي بن الْهَيْثَم الْمقري الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عَلُّونَ نَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبِي نَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. فذكره.
وروى الخطيب حديث: " نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَنْتَبِذَ فِي الْمُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ " من طريقه مكنيا إياه بكنيته فقال: أَخْبَرَنَا إبراهيم بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ الْمُقْرِئُ.
وإذا ثبت توثيقه من ثقة فالرواية حجة بذاتها في وصلها إلى ابن عباس.
وتؤكد كذلك أن أمية بن خالد لم ينفرد بوصله عن ابن عباس، ولا يحق حينئذ إعلال الرواية بذلك.
فكان على الألباني - رحمه الله - أن يقرأ بعد الموضع الأول بخمسة عشرة صفحة فقط ليجد الراوي المقصود، ولا يستعجل فيختار رجلاً يخالف الراوي في كنيته وشيوخه ونسبته.
فإن قيل: لعل الألباني عرف هذا الشيخ ولكنه وجد أبو حرب هو الأقرب لأنه توفي [300هـ] وابن علون هذا توفي في [350هـ] فبينهما نصف قرن، ولذلك رجح الأول.
قلنا: شيخ أبو بكر محمد بن علي المقرئ في سند ابن مردويه هو جعفر بن محمد الطيالسي وهو متوفي في [282هـ] وأبو بكر أدركه وسمع منه لأنه ولد في [260هـ] أي حدث عنه وهو في الثانية والعشرين من عمره، وتحمل السماع يحتمل أقل من ذلك كما هو معلوم.
الخامس: على فرض أن أبا بكر المقرئ هو أبو حرب الذي رجحه الألباني، فأقل أحواله أن يكون مستور الحال، ورواية المستور يعتضد ويستشهد بها ولا تطرح بالكلية.
فالمشهور عند أهل العلم بمصطلح الحديث أن الرواة غير الصحابة، أقل ما يرفع الجهالة عن الواحد منهم، أن يروي عنه اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم. كما قرره الخطيب في الكفاية.
ونقل السخاوي عن الداراقطني: أن من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته.
وابن عبد البر لم يشترط أن يكونا مشهورين في أهل العلم بل يكفي الشهرة وحسب!.
وذهب ابن حبان إلى أن كل من روى عنه راو مشهور فقد ارتفعت جهالة عينه وكل من ارتفعت جهالة عينه ولم يعرف فيه جرح فهو عدل.
أي أن جهالة الحال ترتفع مع جهالة العين إذا لم يعرف فيه جرح للعلماء.
وهذا غلو في التوثيق، وقد رد العلماء عليه مذهبه هذا، وبينوا عواره.
وعدد الرواة قد لا يؤثر في رفع للجهالة، وإنما يحكم عليه بقرينة ضبطه لما يرويه، أو تحديثه عن الثقات، ورواية الثقات عنه.
وبخصوص الراوي في هذا الحديث وهو أبو بكر المقرئ المترجم عند الخطيب والذهبي فيما نقلناه أعلاه، على فرض أنه أبو حرب المقرئ.
فقد روى عنه ثلاثة حفاظ ثقات معروفين وهم:
الأول: الشَّيْخُ الإِمَامُ العًلَّامَة الحَافِظُ القَاضِي, أَبُو بَكْرٍ أحمد بن كامل بن خَلَفِ بنِ شَجَرَةَ البَغْدَادِيُّ, [ت350هـ] تِلْمِيْذُ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، تقلَّد قضاء الكوفة وَحَدَّثَ عَنْ جمع، وَعَنْهُ: الدّارَقُطْنيّ وآخرون. قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ رَزْقُوَيْه: لَمْ تَرَ عينَايَ مِثْلَه.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ بِالأَحْكَامِ وَعُلُوْمِ القُرْآنِ, وَالنَّحْوِ وَالشِّعْر وَالتَّوَاريخِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ مصنَّفَات, وَلِيَ قَضَاءَ الكُوْفَةِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مُتَسَاهِلاً, رُبَّمَا حدَّث مِنْ حِفْظِهِ بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِهِ، وَأَهْلكه العُجْب, كَانَ يختَارُ لِنَفْسِهِ وَلاَ يُقَلِّد أَحداً.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضاً: كَانَ لاَ يَعُدُّ لأَحدٍ مِنَ الفُقَهَاء وَزْناً, أَملَى كِتَاباً فِي السُّنَن, وَتكلَّمَ عَلَى الأَخْبَار. مختصرا من تاريخ الإسلام للذهبي (7/885( و (8/406).
فالتساهل فسره الداراقطني، بأنه كان ربما يحدث من حفظه بما ليس في كتابه، وهذا لا يقلل من ثقته وإمامته، وقد وصفه الذهبي بالحافظ.
وقد عده ابن الجوزي من الضعفاء والمتروكين فلم يصب. وذكره ابن قطلوبغا في الثقات فأصاب.
وله كتاب في السير وتاريخ المحدثين، ونقل الذهبي من تاريخه مراراً.
قَالَ الذَّهَبِي: وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ، وَكَانَ مِنْ بحورِ العِلْم, فَأَخْملَهُ العُجْب. أي برأيه في الفقه.
والثاني: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْد الله بن إسماعيل، أبو علي البَزَّاز العَطَشي البغدادي [ت374هـ] سَمِعَ أبا يعلى، وجعفر بن محمد الفِرْيابي، والباغَنْدِي، وابن جرير. وَعَنْهُ: محمد بن عبد الواحد بن رَزْمَه، والحسن ابن محمد الخلال ووثقه، والحسن بن علي الْجَوْهَري. ووثّقه الخطيب وأَحْمَد بْن مُحَمَّد العتيقي. اهـ
والثالث: شيخ ابن مردويه وهو الحافظ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْبُلِيُّ المكي توفي بعد [357هـ] وأصله من ديبل من بلاد الهند.
حدث عن الثقة محدث مكة وحافظها، محمد بن علي بن زيد المكي الصائغ [ت291هـ] والحافظ الثقة موسى بن هارون بن عبد الله الحمال البغدادى [ت294هـ] وغيرهما من الأئمة.
وتخرج بأبيه، أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي [ت322هـ] الحافظ المسند الكبير.
وحدث عنه الحفاظ أمثال خلف بن القاسم وأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ وتسابقوا على السماع منه، لأنه كان مسند مكة بعد أبيه أبي جعفر الديبلي.
[انظر ترجمته في الأنساب للسمعاني (5/393) وفتح الباب في الكنى والألقاب لابن منده (ص:33) ووصف في الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (1/59): بالعالم المحدث. والإكمال في رفع الإرتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب (3/354) وحدث عنه أبو نعيم كتابة في معرفة الصحابة (1/183)].
هذا من حيث رواية الشيوخ الثقات الحفاظ عنه، وكذلك شيوخه من أكابر الحفاظ والمحدثين.
أما من حيث الرواية، فليس في حديث أبي حرب المقريء ما ينكر، أو يجرح من أجله.
وما ذكره الخطيب من حديثه عن أنس، موجود في الصحيحين من طرق عن أنس بمعناه.
فإذا كان الرواة عنه علماء مشهورين، وروى ما لا ينكر فالرجل حديثه حسن على أقل تقدير.
وعلى فرض أنه مجهول الحال كما رجحه الألباني، فقد قال الألباني نفسه في رده على حسان بن عبد المنان في الصحيحة (7/17):
لو سلمنا جدلاً بأنه [ ضبة بن محصن ] مجهول الحال، - كما زعم مدعي التحقيق – فمثله يصحح حديثه أو على الأقل يحسن بالشواهد والمتابعات .. اهـ
فلو تنزلنا وقلنا أن أبا بكر المقريء مجهول الحال، فلم لا نحسن حديثه الموصول بالشواهد المرسلة الصحيحة عن جمع من التابعين ؟
السادس: أن لهذا الطريق متابعة ليس في سندها أبو بكر محمد بن علي المقرئ الذي أعل الألباني روايته بالجهالة، رواها الإمام السمرقندي [375هـ] في تفسيره، وصرح بعد ذكر مرسلات الغرانيق أنه جاء موصولاً فقال: وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس نحو هذا.
ثم ذكر سنده إلى حديث ابن عباس الموصول فقال:
حدّثنا الخليل بن أحمد [القاضي] قال: حدثنا إبراهيم بن محمد [ الديبلي] قال: حدثنا جعفر بن زيد [محمد] الطيالسي، حدّثنا إبراهيم بن محمد [ابن عرعرة] قال: حدّثنا أبو عاصم[ النبيل]، عن عمار [عثمان] ابن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. فذكره مختصراً موصولاً، لم يذكر شكاً.
والخليل بن أحمد: هو أبو سعيد السَّجْزي القاضي الحنفي.
[هو قاضي سمرقند الخليل بْن أحمد، أبو سعيد السَّجْزي [ت378هـ] شيخ الحنفية، قال مترجموه: شَيْخٌ جليل. مُكْثِر مُحَدِّثْ. مَعْرُوفٌ فَاضِلٌ. وقال الحاكم: وَرَدَ نَيْسَابُورَ مُحَدِّثَاً وَمُفِيدَاً. وروى عن ابن خزيمة والبغوي والسراج وابن صاعد والديبلي وأئمة كثر، وطاف البلاد، وله رحلة واسعة. قال ابن السمعاني في الأنساب (7/83): كان إماما فاضلاً جليل القدر، رحل إلى... وأدرك الأئمة والعلماء. ووصفه في التحبير (1/293) بالحافظ.]
وإبراهيم بن محمد: الظاهر أن صوابه محمد بن إبراهيم أبو جعفر الديبلي [ت322هـ] الحافظ محدث مكة ومسندها والترجيح جاء لأن السمرقندي يروي عن الخليل بن أحمد عن الديبلي، وهو عند الإطلاق لأبي جعفر الأب، وابنه ابراهيم لم يدرك الخليل بن أحمد.
وجعفر بن زيد: صوابه جعفر بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي عُثْمَان أَبُو الفضل الطيالسي البَغْداديُّ الحَافِظ.
وهذه متابعة قوية من أبي جعفر الديبلي لأبي بكر المقرئ، لم أجد من نبه عليها أو ذكرها.
فقد جاء عند ابن مردويه من طريق أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الديبلي الإبن عن أبي بكر المقرئ عن جعفر الطيالسي، وجاء هنا عن أبي جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي الأب عن جعفر الطيالسي.
فتوافق الطريقان هكذا:
ابن مردويه: أبو إسحاق إبراهيم الديبلي – أبو بكر المقريء – جعفر الطيالسي، به موصولاً.
السمرقندي: الخليل بن أحمد - أبو جعفر محمد الديبلي – جعفر الطيالسي، به موصولاً.
وقد عكر الإمام الالباني على هذه الرواية، برواية للواحدي النيسابوري في أسباب النزول جاءت مرسلة، وليس هذا محل بيان ما في تعليقه.

4- محمد بن بشار بندار:
اتهمه الشيخ بوضع!! القصة، لروايته الحديث مرسلاً من طريق غندر عن شعبة.
وهذا إيهام غير جيد، فالطبري أتبع هذا الطريق مباشرة بطريق صحيح آخر فقال: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. به مرسلاً.
فمحمد بن المثنى وهو ثقة ثبت تابع محمد بن بشار على روايته مرسلاً.
وتابعهما يونس ين حبيب الثقة، عند ابن أبي حاتم الإمام فرواه عن يونس عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: مرسلاً.
فماذا يريد الشيخ من هذا الايهام؟ هل يريد اتهام محمد بن بشار بالوضع؟ هذا دونه خرط القتاد.
فمحمد بن بشار شيخ الطبري من الحفاظ الكبار، ولا يضره ما قيل فيه، إذ الجمهور على توثيقه، وبعضهم على تحسين حديثه وصدقه.
قَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: بُنْدَارٌ كَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ، وَقَبِلُوهُ، وَلَيْسَ قَوْلُ يَحْيَى وَالقَوَارِيْرِيِّ مِمَّا يَجْرَحُهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً ذَكَرَهُ إِلاَّ بِخَيْرٍ وَصِدْقٍ. اهـ
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: بُنْدَارٌ وَأَبُو مُوْسَى ثِقَتَانِ، وَأَبُو مُوْسَى أَحَجُّ؛ لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ إِلاَّ مِنْ كِتَابِهِ، وَبُنْدَارٌ يَقْرَأُ كُلَّ كِتَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: وإن كان يقرأ من كل كتاب فإنه كان يحفظ حديثه.
وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ؛ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ "التَّوْحِيْدِ" لَهُ: أَخْبَرَنَا إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي العِلْمِ وَالأَخْبَارِ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ بندار. فذكر حديث أبي ذر في الرؤية يوم الإسراء.
وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن صالح بن أحمد عن أبيه قال:
بندار بن بشار بصري ثقة كثير الحديث.
وقال عنه الدارقطنى: من الحفاظ الأثبات. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: صَدُوْقٌ.
وقَالَ النَّسَائِيُّ: بُنْدَارٌ صَالِحٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
وقال مسلمة بن قاسم: أخبرنا عنه ابن المهراني، وكان ثقة مشهوراً.
ونقل الخطيب في تاريخه عن الخصيب بن عبد الله القاضي: ليس به بأس.
ونقل عن الحسن ابن رشيق أنه قال: صالح.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ في الثقات: كَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، وَيَقْرَؤُهُ مِنْ حِفْظِهِ.
وقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: بُنْدَار بَصرِيّ ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ.
وخلص ابن حجر والذهبي- وهما خلاصة أئمة الجرح والتعديل- إلى أنه: حافظ ثقة.
فكأنهما لم يعبآ بما قيل فيه، لا سيما وقد روى عنه الجماعة بأجمعهم في كتبهم الستة، بل روى له الشيخان في الصحيحين بضع مئات من الأحاديث.
وقال عنه الذهبي في السير: الإِمَامُ، الحَافِظُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ بُنْدَارُ، لُقِّبَ بِذَلِكَ، لأَنَّهُ كَانَ بُنْدَارَ الحَدِيْثِ فِي عَصْرهِ بِبَلَدِهِ. وَالبُنْدَارُ: الحَافِظُ. اهـ وكذا في تهذيب المزي.
وايهام الشيخ الحلبي أن بندار تعني التاجر، خلاف ما قاله الذهبي والمزي وغيرهما.
وقد يكون من معانيها الرجل ذو المال أو التاجر، لكن اسقاطهم هذه التسمية على بندار كانت لحفظه، قال مرتضى الزبيدي في تاج العروس: وبُنْدَارٌ مَعْنَاهُ الحافظُ. اهـ
وقال الذهبي: رَوَى عَنْهُ: السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِم، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا المُطَرِّزُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَصَلانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَه، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
فأما ما نقل فيه من كلام فبيانه في الآتي:
- ما نقله ابنِ سَيَّارٍ عن أَبي حَفْصٍ الفَلاَّسَ أَنَّ بُنْدَاراً يَكْذِبُ فِيْمَا يَرْوِي عَنْ يَحْيَى.
فقد قال الذهبي في الميزان: فما أصغى أحد إلى تكذيبه، لتيقنهم أن بنداراً صادق أمين.
وقال الحافظ في مقدمة الفتح: وضعفه الفلاس، ولم يذكر سبب ذلك، فما عرجوا على تجريحه.
ونقل الذهبي في التاريخ عن ابن سيار الْفِرْهِيَانِيُّ نفسه أنه قال عنه: بُنْدَارٌ ثِقَةٌ. فكأنه لم يعبأ بحكاية الفلاس مع نقله لها.
قال المعلمي اليماني في التنكيل: وإنما أراد عمرو بن علي بالكذب الوهم والخطأ بدليل أنه قد جاء عنه توثيق بندار كما مر، وأن الراوي عنه وهو ابن سيار وثق بندارا.
- وأما ما رواه أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ بُنْدَارٍ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَتَبْتُ عَنْ أَبِي مُوْسَى شَيْئاً، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ بُنْدَارٍ، وَلَوْلاَ سَلاَمَةٌ فِي بُنْدَارٍ، تُرِكَ حَدِيْثُهُ. اهـ
فمراده كما قال الحافظ في مقدمة الفتح: يعني أنه كانت فيه سلامة، فكان إذا سها أو غلط يحمل ذلك على أنه لم يتعمد.
- وأما ما نقله أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ أن ابْنِ مَعِيْنٍ، لما جرَى ذِكْرُ بُنْدَارٍ، لم يَعْبَأُ بهِ، وَيَسْتَضْعِفُهُ، وكذلك كان القَوَارِيْرِيَّ لاَ يَرْضَاهُ، وَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ حَمَامٍ.
فقد عقب الذهبي في الميزان: قلت: احتج به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب.
- وأما قول عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ عنه في حديث " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً " فقَالَ: هَذَا كَذِبٌ.
فمراده الخطأ، لأنه عنده موقوفا من نفس الطريق، فأطلق الكذب يريد به الخطأ، وهو كثير عند الحفاظ والأئمة، وكم من حافظ إمام له أوهام وأخطاء. والمعصوم من عصمه الله.
- وأما ما َقَالَه ابْنُ سَيَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى، وَكَانَ قَدْ صَنَّفَ حَدِيْثَ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ بُنْدَارٌ صَنَّفَهُ، فَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: مِنَّا قَوْمٌ لَوْ قَدِرُوا أَنْ يَسرِقُوا حَدِيْثَ دَاوُدَ، لَسَرَقُوهُ - يَعْنِي بِهِ بُنْدَاراً-.
فهذا ظن سوء، وقد نهينا أن نتهم بالظن على أمر لم يقع. وأبو موسى هو محمد بن المثنى.
وفي التهذيب عن الدارقطني أن عمرو بن علي الصيرفي سئل عنه وعن بندار هذا فقال: « ثقتان يقبل منهم كل شيء إلا ما تكلم به أحدهما في الآخر ». وذلك لما كانت بينهما من المنافسة.
فيجب مناقشة كل ما قيل في الراوي وتحقيق ثبوتها والغاية منها حتى لا نقع في اتهام الثقات.
قال المعلمي اليماني في التنكيل:
وأما استقرار العمل على الانتقاء من رواياته فهذا يقال على وجهين:
الأول: أن يتقى ما تبين أنه أخطأ فيه ويؤخذ غيره.
الثاني: أن لا يؤخذ من رواياته إلا ما توبع عليه. اهـ
فإن أراد الشيخ الحلبي هنا الأمرين فليس فيه ما ينفعه، لأنه لم يتبين خطأه في روايته، وقد توبع متابعة من ثقتين حافظين.
8- أمية بن خالد:
قال عنه: على ثقته يصل المرسلات.
هكذا دون أن يحقق صحة ما قيل فيه واتهم به، وذلك لأنه وجد هذه التهمة تخدمه خدمة جليلة، لأن أمية عنده متهم بوصل الحديث عن ابن عباس، ومن ثم وجد برداً وثلجاً في كلام العقيلي عنه.
فأما ما نقله العقيلي في الضعفاء الكبير (1/128) عن أحمد بن حنبل، فليس فيه ثمة تضعيف، لأنه أظهر العلة التي من أجلها لم يحمده في الحديث، وهي أنه " كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ لَا يُخْرِجُ كِتَابًا ".
وهي ليست بجرح للثقة ولا توهيناً لأمره، مع شهرة تعنت العقيلي في الكلام على الثقات.
فالثقات يحدثون من كتبهم ومن حفظهم، والكتب آكد قطعاً، لكن لا يضعف من حدث من حفظه.
وطالما قد وثق الراوي ولم يروي ما ينكر، فروايته صحيحة محتج بها ولو لم تكن من كتاب.
لأنها من باب الإحتياط كما قال الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/10):
" والأولى به أن يروي من كتابه، ليسلم من الوهم والغلط ويكون جديراً بالبعد من الزلل ".
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/140-141)، في ترجمة ابن المديني، مناقشاً العقيلي؛ لإيراده في الضعفاء:
" أفما لك عقل يا عقيلي؟... وأنا أشتهي أن تُعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه؟ بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث، كان أرفع له، وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر، وضبطه دون أقرانه، لأشياء ما عرفوها، اللهمّ إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء، فيعرف ذلك ... ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ...." اهـ
فما ذكره العقيلي في ترجمة أمية بن خالد، محتجاً به على أنه من الضعفاء، أمران:
الأول: روايته من حفظه، ونقل كلام أحمد فيه، وقد بينا أن هذا ليس بتضعيف.
والثاني: أنه روى حديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود في قصة أبي جهل، وقال معقباً بعد أن ساقه من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: " رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مُرْسَلًا ". اهـ متهماً أمية بوصله.
والحديث لم ينفرد بوصله أمية بن خالد، فقد جاء من طرق شتى غير طريقه، وهو صحيح.
[ قلت: الحديث جاء موصولاً من طرق: رواه أحمد (1/444) وعبد الرزاق في المصنف (36697) من طريق وكيع ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال قال عبد الله. ورواه أبو داود (2709) والطبراني (9/84) من طريق إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن جده حدثني أبو عبيدة عن أبيه.
ورواه الطبراني (9/83) والبيهقي في الكبرى (17792) من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله به. ورواه أيضاً الطبراني (9/83) والبيهقي في الكبرى (17793) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله به. وجاء موصولاً من رواية عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، رواه النسائي في الكبرى (6004) من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود.
ورواه أبو داود الطيالسي (328) ومن طريقه الطبراني (9/85) والبيهقي في الكبرى (17945) من طريق أبو وكيع عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود.
وقال الداراقطني في أطراف الغرائب والأفراد (4/150) عن هذا الحديث: غَرِيب ومعروف بِرِوَايَة أُميَّة بن خَالِد وَتَابعه عَمْرو بن حكام عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ. اهـ فلم ينفرد به أمية بن خالد كما زعم العقيلي.
والحديث ضعفه الألباني في الضعيفة (7/80) من أجل سماع أبي عبيدة من أبيه، وقد جاء عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بمعناه، ورواه الطبراني (11/399) من حديث ابن عباس بمعناه، فالحديث ثابت بهذه الأسانيد ].
فليست التهمة من أمية بن خالد كما زعم العقيلي، وهو من المتعنتين في الجرح كما في الرفع والتكميل (1/408) فراجعه.
وأمية ممن له نقاشات مع شيخه شعبة بن الحجاج، وله كلام في الرجال والأنساب والبلاد وأحوال الرواة، كما جاء في ترجمته، فهو إمام ثقة، وفوق الثقة، وإعلال العقيلي لحديثه مردود عليه.

9- يونس بن محمد بن فضالة:
قال الشيخ: أما يونس فقد ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل دون جرح أو تعديل، وأورده ابن حبان في ثقاته على قاعدته المعروفة في توثيق المجاهيل. اهـ
قلت: يونس بن محمد بن فضالة الظفري، قال عنه البخاري في التاريخ الكبير: يُونُس ابْن مُحَمد بْن أَنَس، الظَّفَرِيُّ، عَنْ أَبيه، رَوَى عَنه: إِدريس بْن مُحَمد، يُعَدُّ فِي أهل المَدِينة. اهـ
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: يُونُس بْن مُحَمد بْن أَنَس، الظَّفَرِيُّ، أبو محمد روى عن أبيه، روى عنه إدريس بن محمد سمعت أبي يقول ذلك.
وقال ابن حبان في الثقات: يُونُس بن مُحَمَّد بن فضَالة الظفري الْأنْصَارِيّ يروي عَن أَبِيه وَله صُحْبَة روى عَنهُ ابن إبْنه إِدْرِيس بن مُحَمَّد بن يُونُس.
وقال في موضع آخر: يُونُس بْن مُحَمَّد بْن فضَالة بْن أنس الظفري كنيته أَبُو مُحَمَّد من أهل الْمَدِينَة يروي عَن جمَاعَة من التَّابِعين روى عَنهُ أَهلهَا مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَة وَهُوَ ابن خمس وَثَمَانِينَ سنة. اهـ
ففي الموضع الأخير ذكر روايته عن جماعة من التابعين ورواية أهل المدينة عنه.
فإن كان البخاري وابن أبي حاتم ترجما له وسكتا عنه، وأثبتا روايته عن أبيه، ثم وثقه ابن حبان وأثبت روايته كذلك عن أبيه وجمع، فكيف يقال بجهالته؟
وقد روى عنه كثير من أهل العلم غير حفيده. فأقل أحواله أن يكون صدوقاً حسن الحديث.
وأنا أتكلم عن روايته بغض النظر عن رواية الواقدي عنه، فنقاشنا هنا في تجني الشيخ علي الحلبي في التراجم.
فلم لم ينقل كلام العلماء بعدل ويضعف الحديث بغيره كما يشاء أو كما يقتضيه البحث العلمي؟
على أن من سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم فلم يذكرا فيه جرحاً أو تعديلاً، فهذا ينفع الراوي، ويؤكده توثيق بعض المتساهلين كابن حبان، فهذا مما يقوي أمره ويحسن به حديثه.
فليس كل من سكتا عنه يتهم بلا تهمة، وهو خطأ شائع من مخرجين ومحققين كثر، يكتفون بضعف الراوي أن يسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وفي الحقيقة هذا السكوت يرفع جهالته، وتزيد قوته إن جاء أي توثيق للراوي من غيرهما ولو مثل ابن حبان.
كما أن توثيق ابن حبان للمجاهيل ليس على إطلاقه، فمن عرفه هو فهو موثق في الغالب، ومن جهله فيوثقه لأنه لم يعرف فيه جرحاً، وهذا هو المنتقد على توثيقه، وهذا معروف مشهور.
10- موسى بن أبي موسى الكوفي:
في مرسل الزهري من رواية ابن أبي حاتم قال: حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي.
فقال عنه الشيخ الحلبي: " شيخ ابن أبي حاتم .. مجهول الحال!! " . كذا قال.
وقد وهم الشيخ في ذلك كله وأبعد النجعة، فأخطأ في تعيينه، وبالتالي في الحكم عليه.
تماماً كما وهم الإمام الألباني في تعيين أبي بكر المقرئ كما ذكرنا من قبل.
فأما خطأ الشيخ الحلبي في تعيينه، فلأن شيخ ابن أبي حاتم هو القاضي أبو بكر مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ الخَطْمِيُّ الفقيه الشافعي [ت297ه].
قَالَ ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وهو ثقة صدوق.
وأبو حاتم يكنيه بكنيته أبو بكر وروى عنه مصرحاً باسم أبيه فقال حدثنا موسى بن إسحاق ويقول: الأنصاري الكوفي الخطمي. كل ذلك ورد عنه في التفسير وبعض ذلك في الجرح والتعديل.
[ وانظر ترجمته عند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/135) وترجمه الذهبي في طبقات الحفاظ (2/175( وسير أعلام النبلاء (13/579( والعبر في خبر من غبر (1/434( وتاريخ الإسلام (6/1058( وترجمه الخطيب في تاريخ بغداد (15/51) وابن عساكر في تاريخ دمشق (60/391) وابن كثير في البداية والنهاية (14/761) وقال: وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا نَبِيلًا عَفِيفًا فَصِيحًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ. وذكره السيوطي في طبقات الحفاظ (ص: 295) ].
فجزم الشيخ الحلبي بأنه موسى ابن أبي موسى الأشعري الكوفي، خطأ لا يقع فيه مبتديء في علم التراجم، إذ إن هذا الأخير جد جد أبي بكر موسى بن إسحاق، ويروي عن أبيه وابن عباس.
وقد اعتمد في ترجمته على قول الحافظ في التهذيب وتقريبه: مقبول.
وقد تبين أنه ليس هو، وأن بينه وبين أبي بكر موسى بن إسحاق أجيال.
والعجب أن يستدرك الشيخ الحلبي في هامشه على الإمام الألباني بأن الشيخ اكتفى بعلة الإرسال فقط، واستدرك هو على الشيخ أنه ضعيف من أجل أن موسى بن أبي موسى مجهول الحال!
واستدراكه خطأ من نواحٍ ثلاث:
الأولى: أنه ليس هو ذاك الراوي، وبينهما مفاوز، فأخطأ في تعيينه.
الثانية: أن من عينه وقال عنه " مجهول الحال " واعتمد قول ابن حجر فيه " مقبول " غير جيد.
فقد نقل عَباس الدُّورِيُّ في تاريخه، عَن يحيى بن مَعِين أنه قال عنه: ثقة.
وذكره ابن حبان في «الثقات». وأشار الذهبي لذلك في الكاشف فقال: وثق.
والراوي إذا وثقه موثق أو ضعفه مضعف، فلا يقال عنه مجهول، وهذا ابن صحابي مشهور، وروى عن صحابيين، ومن الصالحين، ومات شهيداً في أصبهان، ولا يعلم فيه جرحاً، فمثله يحسن حديثه إن لم نقل يصحح لشواهده.
والثالثة: فاته أن الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أخرجه في معرفة الصحابة (4/1954) بسند صحيح إلى الزهري ليس فيه موسى بن أبي موسى المتهم بجهالة الحال!!
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، ثنا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ ثنا إبراهيم ابْنُ الْمُنْذِرِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، ثنا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: فذكره بمعنى رواية المسيبي، وكأن الزهري أو موسى بن عقبة اختصرها هنا أو قالها بالمعنى.
وشيخ أبو نعيم هو محدث البصرة ومسندها: فاروق بن عبد الكبير ابن عمر، أبو حفص الخَطابي البَصْري [ت362هـ].
وزياد بن الخليل هو أبو سهل التستري [ ت290هـ] حدث ببغداد عن مسدد والرمادي وجماعة، ونقل الخطيب والذهبي عن الداراقطني قوله: لا بأس به.
وأما إبراهيم بن المنذر [ت236هـ] فهو أحد الحفاظ، نقل مغلطاي توثيقه عن الخطيب والدارقطني وابن حبان وابن وضاح. ونقل المزي في التهذيب توثيق ابن معين.
فمحمد ابن إسحاق المسيبي عند ابن أبي حاتم، وابراهيم بن المنذر عند أبي نعيم، روياه كلاهما عن محمد بن فليح بن سليمان الأسلمى المدني [ت197هـ] وقد روى له البخاري، والنسائي، وابن ماجه، ووثقه ابن حبان والداراقطني، وقال ابن حجر: صدوق يهم، وقال الذهبي: لينه ابن معين، وصدر ترجمته في " من تكلم فيه وهو موثق " بقوله: مدني ثقة.
ونقل في تاريخ الإسلام قول العُقَيْليّ: لا يُتَابع عَلَى بعض حديثه، فقال الذهبي معقباً: كثير مِن الثَّقات قد تفردوا، فيصحّ أن يقال فيهم: لا يُتابَعُون عَلَى بعض حديثهم. اهـ
وموسى بن عقبة إمام حافظ ثقة.
ورواها البيهقي في الدلائل (2/175( عن موسى بن عقبة من قوله كما سيأتي.
فمرسل ابن شهاب صحيح عنه من طريقيه.
فتضعيفه سند الرواية بهذا لا وجه له، لخطئه في تعيين الراوي، ولقصوره في التخريج.


11- أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن:
قال عنه الشيخ علي الحلبي: ضعفوه جداً.
وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني مولى بني هاشم، وروى له أصحاب السنن.
وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا نعيم يقول: كان أبو معشر كيساً حافظاً.
وقال عبيد الله بن فضالة: سمعت ابن مهدى يقول: كان أبو معشر تعرف وتنكر.
وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبى عبد الله: أبو معشر المدنى يكتب حديثه؟
فقال: حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد، ولكن أكتب حديثه أعتبر به.
وقال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يكتب من حديث أبي معشر أحاديثه عن محمد بن كعب فى التفسير.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر مغازي أبي معشر، فقال: كان أحمد ابن حنبل يرضاه، ويقول: كان بصيراً بالمغازي.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: وسألت علي ابن المديني عن أبي معشر المديني فقال:
كان شيخا ضعيفاً ضعيفاً، وكان يحدث عن محمد بن قيس، ويحدث عن محمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن المقبري، وعن نافع بأحاديث منكرة.
وقال عمرو بن علي: وأبو معشر ضعيف، ما روى عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب ومشايخه فهو صالح، وما روى عن المقبري، وهشام بن عروة، ونافع، وابن المنكدر رديئة لا تكتب.
وقال أبو أحمد بن عدي: وقد حدث عنه الثوري، وهشيم، والليث بن سعد، وغيرهم من الثقات، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.
وذكره ابن البرقي فيمن احتملت روايته فى " القصص ".
وقال الخليلي: أبو معشر له مكان فى العلم والتاريخ، وتاريخه احتج به الأئمة، وضعفوه فى الحديث، وكان ينفرد بأحاديث.
ولما نقل الحافظ ابن حجر قول أبو نعيم: روى عن نافع وابن المنكدر وهشام بن عروة ومحمد بن عمرو الموضوعات، لا شىء. عقب فقال: أفحش فيه القول فلم يصب وصفه. اهـ
فنحن نريد من الشيخ الإنصاف في التراجم، وأن يفعل مثلما فعل الأئمة، فقد رضوه في التفسير والتاريخ، خصوصاً روايته عن محمد بن كعب ومحمد بن قيس كما في قصة الغرانيق.

12- محمد بن حميد الرازي شيخ الطبري:
وهو محمد بن حميد بن حيان التميمي، أبو عبد الله الرازي، وهو من الحفاظ المكثرين، وقد وثقه قوم وكذبه آخرون، ولذا قال الدارقطني: مختلف فيه.
ومع كثرة ما قيل فيه، فالمتابع لترجمته يجد أنه إلى الضعف أقرب، لأن أهل بلده ضعفوه وكذبوه، وهو جرح مفسر بحكايات ثابتة.
غير أن إهمال التوثيق بالمرة – كما فعل الشيخ الحلبي- غير سديد في نظري، لا سيما وتوثيقه من أئمة هذا الشأن، ومن ترجمته وجب علينا مراعاة أمور:
أولها: أنه قد تكون البلية في بعض أحاديثه من شيوخه، كما قال يحيى بن معين: ابن حميد ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدث بها ليس هو من قبله، إنما هو من قبل الشيوخ الذين يحدث عنهم.
والثاني: أنه صحيح الحديث عن غير أهل بلده، كما قاله أحمد وغيره. وقال ابن حبان في المجروحين: كَانَ مِمَّن ينْفَرد عَن الثِّقَات بالأشياء المقلوبات وَلَا سِيمَا إِذا حدث عَن شُيُوخ بَلَده.
الثالث: روايته المغازي عن سلمة بن الفضل الأبرش وهو حسن الحديث، يروى المغازي عن محمد ابن إسحاق، وابن حميد مكثر عن سلمة، وقد ذكر إسحاق بن منصور الكوسج أنها من طريق علي بن مهران وهو من أهل طبرستان، راوية سلمة بن الفضل، وذلك في حكاية ذكرها، وعندي أن علي بن مهران إما أنه غير صادق في هذا، فإنه متهم وغير ثقة، أو أنه كان عنده في كتابه عن شيخه سلمة بن الفضل، فظن أن ابن حميد لم يسمعه من سلمة، فقال ما قال، على أنه قد يكون ابن حميد سمعه من سلمة وعلي بن مهران كلاهما، ولا شيء في ذلك، ولا تهمة فيه. إذ إن سلمة من شيوخ ابن حميد يقيناً، فحديثه في السير عنه لا بأس به، لأن الغالب فيها أنها من كتاب.
هذه أمور يجب على الباحث التفتيش عنها ونقاشها ووضعها في الحسبان، قبل أن يودع الحكم النهائي في الراوي، فإن تراجم الرواة فيمن مثل ابن حميد من المختلف فيهم أو ممن وثق وكذب يجب التقصي في كل حكاية وما المراد منها.
ونحن لا ننكر ما قيل فيه، وكذلك لا نرد قول من وثقه واختبروا حاله كأحمد وابن معين والذهلي وغيرهم.
ولكن هذه الرواية عند ابن جرير من طريق ابن حميد، إنما سبيلها روايات السير والمغازي وهي من كتاب ابن إسحاق، وقد ثبت أن ابن إسحاق روى القصة عن محمد بن كعب القرظي كما قال غير واحد من الأئمة منهم الحافظ ابن حجر.
يضاف إلى هذا: أن الرواية لها طريق آخر ذكرها ابن جرير وهي رواية أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي.

13- داود بن أبي هند:
فقد ضعف رواية أبي العالية من أجل داود بن أبي هند، وصرح أنه ضعيف؟
وداود بن أبي هند: قال فيه ابن المبارك، عن سفيان الثورى: هو من حفاظ البصريين.
وقال عبد الله بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه: ثقة ثقة.
قال: وسئل عنه مرة أخرى، فقال: مثل داود يسأل عنه؟
وقال إسحاق بن منصور: عثمان بن سعيد، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم، والنسائي: ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت. وقال ابن خراش: بصري ثقة.
وقال ابن حبان: كان من خيار أهل البصرة من المتقنين فى الراويات إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: بصرى ثقة جيد الإسناد رفيع، وكان رجلاً صالحاً.
فالشيخ علي الحلبي يتكيء على رواية الأثرم، عن أحمد قوله عن داود: كان كثير الاضطراب والخلاف. وقوله: داود يختلف عنه. اهـ
فضعفه لذلك ولم يبالي بجمهور من وثقه، وهذا ليس من الإنصاف في شيء.
وهو من الحفاظ الثقات وليس عنده إلا هنات لم يسلم منها من هو أجل منه؟
ورحم الله أهل الإنصاف.

14- أبو العالية الرياحي، رفيع بن مهران:
ذكر الشيخ الحلبي أن الشافعي قال في مراسيل أبي العالية: " حديث أبي العالية الرياحي رياح ".
قلت: هذا جنف ظاهر .. فلم يقل الشافعي مراسيله رياح، وإنما قال " حديثه – بالإفراد- رياح "
وقد بين أئمة هذا الشأن أنه أراد حديثاً بعينه وهو حديث القهقهة.
ففي السير للذهبي: وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حَدِيْث أَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ -يَعْنِي: مَا يُرْوَى فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلاَةِ-.
وقال ابن عدي: وعني الشافعي بذلك حديثه في الضحك في الصلاة.
وقال ابن رجب في شرح علل الترمذي: وأما مرسل أبي العالية الرياحي في الوضوء من القهقهة في الصلاة فقد رده الشافعي وأحمد، وقال الشافعي: " حديث أبي العالية الرياحي رياح " يشير إلى هذا المرسل. وأحمد رده بأنه مرسل، مع أنه يحتج بالمراسيل كثيراً، وإنما رد هذا المرسل لأن أبا العالية وإن كان من كبار التابعين فقد ذكر ابن سيرين أنه كان يصدق كل من حدثه، ولم يعضد مرسله هذا شئ مما يعتضد به المرسل، فإنه لم يرو من وجه متصل صحيح بل ضعيف، ولم يرو من وجه آخر مرسل، إلا من وجوه ترجع كلها إلى أبي العالية. اهـ
وقال الذهيي في ميزان الإعتدال: " فأما قول الشافعي رحمه الله: حديث أبو العالية الرياحي رياح، فإنما أراد به حديثه الذي أرسله في القهقهة فقط ". اهـ
قال ابن حجر: وقال الشافعي " حديث الرياحى رياح "ـ يعنى فى القهقهة. اهـ
فلماذا عممت على كل مراسيله، والشافعي إنما قصد حديث القهقهة فقط ؟
قال أبو بكر بن أبى داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبى العالية وبعده سعيد بن جبير، وبعده السدى، وبعده سفيان الثورى.

15- حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ بنِ دِيْنَارٍ البَصْرِيّ:
في رواية أبي العالية عند الطبري من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عنه، قال الشيخ الحلبي: وفي حماد بن سلمة -على جلالته- كلام، إذ إنه " لما كبر ساء حفظه " كما قال البيهقي فيما نقله ابن حجر في تهذيب التهذيب. اهـ
قلت: قال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد، وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثنى عشر حديثا، أخرجها فى الشواهد. اهـ
قلت: وفي كلام الإمام البيهقي أمور:
أولها: أنه لما كبر ساء حفظه، وما قاله البيهقي يرده كلام ابن معين في رواية إسحاق بن منصور عنه قال: ثقة.
وفي رواية عباس الدوري، عن يحيى بن معين قال: حديثه فى أول أمره وآخره واحد. اهـ
وسيأتي قول إبراهيم بن مهدي: « حماد بن سلمة صحيح السماع، حسن اللقي، أدرك الناس، لم يتهم بلون من الألوان، ولم يلتبس بشيء " اهـ
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ فِي رِجَالٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَعَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَمَّادٍ، فَاتَّهَمُوْهُ فِي الدِّيْنِ.
فعلى أي شيء بنى البيهقي جرحه بسوء الحفظ لما كبر؟
قال المعلمي اليماني في التنكيل (1/453( :
الوجه الثاني: أنه تغير بآخرة، وهذا لم يذكره إلا البيهقي، والبيهقي أرعبته شقاشق أستاذه ابن فورك المتجهم الذي حذا حذو ابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات والطعن فيها.. أما التغير فلا مستند له، ونصوص الأئمة تبين أن حماداً أثبت الناس في ثابت وحميد مطلقاً، وكأنه كان قد أتقن حفظ حديثهما، فأما حديثه عن غيرهما فلم يكن يحفظه، فكان يقع له فيه الخطأ إذا حدث من حفظه أو حين يحول إلى الأصناف التي جملها كما مر. ولم يتركه البخاري بل استشهد به في مواضع من الصحيح، فأما عدم إخراجه له في الأصول فلا يوجب أن يكون عنده غير أهل لذلك، ولذلك نظائر.. اهـ
الثانية: وهي أن البخاري لم يروي له في صحيحه إلا استشهاداً.
وقد عتب ابن حبان على البخاري فقال: " لَمْ يُنْصِفْ مَنْ جَانَبَ حَدِيْثَهُ، وَاحْتَجَّ بِأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَبَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، فَإِنْ كَانَ تَرْكُه إِيَّاهُ لِمَا كَانَ يُخطِئُ، فَغَيْرُهُ مِنْ أَقْرَانِهِ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَدُوْنَهمَا كَانُوا يُخْطِئُوْنَ، فَإِنَّ زَعمَ أَنَّ خَطَأَهُ قَدْ كَثُرَ مِنْ تَغَيُّرِ حِفْظِه، فَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ حَمَّادٍ بِالبَصْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَثْلِبْهُ إِلاَّ مُعْتَزِلِيٌّ أَوْ جَهْمِيٌّ، لِمَا كَانَ يُظْهِرُ مِنَ السُّنَنِ الصَّحِيْحَةِ، وَأَنَّى يَبلُغُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ مَبْلَغَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ فِي إِتْقَانِهِ، أَمْ فِي جَمْعِهِ، أَمْ فِي عِلْمِهِ، أَمْ فِي ضَبْطِهِ ".اهـ
واعتذر أبو الفضل ابن طاهر عن ذلك بكلام شريف قال: « حماد بن سلمة إمام كبير مدحه الأئمة وأطنبوا، لما تكلم بعض منتحلي الصنعة، أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يخرج عنه البخاري معتمداً عليه، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم. ومسلم اعتمد عليه لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة أهل النقل على ثقته وأمانته ». اهـ
الثالثة: أن ما اتهم به حماد بن سلمة حتى لم يروي له البخاري، هو ما أشاعه البعض، أنه لما رجع من عبادان رجع وقد دست أحاديث الصفات في كتبه. وأنه كان له ربيب يدسها في كتبه.
نقل الدولابي هذه الحكاية الباطلة عن محمد بن شجاع ابن الثلجي، وعباد بن صهيب، ورده الذهبي فقال: ابن شجاع ليس بمصدق على حماد وأمثاله، وقد اتهم.. وعباد أيضاً ليس بشىء. اهـ
وذكرها الذهبي في التاريخ فقال: وَقَدْ تناكَد الدُّولابِيُّ فَقَالَ فِي " كِتَابِ الضعفاء " فذكر القصة وقال: قُلْتُ: مَا ابْنُ شُجَاعٍ بِمُصَدَّقٍ عَلَى حَمَّادٍ، فَقَدْ رُمِيَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَكَانَ يَتَجَهَّمُ، وَأَمَّا حَمَّادٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فما كان لَهُ كُتُبٌ، بَلْ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى حِفْظِهِ، فَرُبَّمَا وَهِمَ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ، قَدْ قِيلَ فِي سُوءِ حِفْظِهِ وَجَمْعِهِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فِي إِسْنَادٍ وَاحِدٍ بِلَفْظٍ. وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الأُصُولِ إِلا عَنْ ثَابِتٍ. قُلْتُ: مَنِ اتَّهَمَ حَمَّادًا فَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلامِ. اهـ
وفي سند القصة انقطاع بين إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي وحماد بن سلمة، وراجع التنكيل.
وقال المعلمي: كان ابن الثلجي من أتباع بشر المريسي جهمياً داعية عدواً للسنة وأهلها، قال مرة: «عند أحمد ابن حنبل كتب الزندقة» وأوصى أن لا يعطي من وصيته إلا من يقول: القرآن مخلوق. ولم أر من وثقه، بل اتهموه وكذبوه قال ابن عدي: « كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك ». اهـ
وما ذكره أحمد: أنه ضاع كتاب حماد عن قيس بن سعد، وكان يحدثهم من حفظه.
فكان ماذا؟ هل ثبت سوء الحفظ كي يتهم إن حدث من حفظه؟
وقد قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَكُنْ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ كِتَابٌ، سِوَى كِتَابِ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ.اهـ
فعقب الذهبي في تاريخه قائلاً: يَعْنِي كَانَ حَافِظًا يَرْوِي مِنْ حِفْظِهِ. اهـ
وقد ذكر الأئمة عنه من الثناء في علمه وثقته ودينه الكثير، نذكر منها:
قال عبد الله بن أحمد في «العلل»: حدثني أبي قال: حدثنا عفان، قال: سمعت شعبة يقول: إن ابن أخت حميد [ يعني حماد ] جزي خيرًا كان يفيدني، عن محمد بن زياد. اهـ
قال إبراهيم بن مهدي: « حماد بن سلمة صحيح السماع، حسن اللقي، أدرك الناس، لم يتهم بلون من الألوان، ولم يلتبس بشيء، أحسن ملكه نفسه ولسانه ولم يطلقه على أحد فسلم حتى مات ».
وقال علي بن المديني: « من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين ».
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: « إِذَا رَأَيتَ إِنْسَاناً يَقَعُ فِي عِكْرِمَةَ وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ ».
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُطَهِّرٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: « حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عِنْدَنَا مِنَ الثِّقَاتِ، مَا نَزدَادُ فِيْهِ كُلَّ يَوْمٍ إِلاَّ بَصِيْرَةً ».
قال الذهبي: قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ [ الهروي] فِي [ كتاب] الفَارُوْقِ لَهُ: « قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يَغمِزُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيْداً عَلَى المُبْتَدِعَةِ ». اهـ
وحكى أبو الوليد الباجي في " رجال البخاري " أن النسائي سئل عنه فقال: ثقة، قال الحاكم بن مسعدة: فكلمته فيه، فقال: ومن يجترىء يتكلم فيه، لم يكن عند القطان هناك، ثم جعل النسائي يذكر الأحاديث التى انفرد بها فى الصفات، كأنه خاف أن يقول الناس تكلم فى حماد من طريقها.
وأورد له ابن عدي في الكامل عدة أحاديث مما ينفرد به متناً أو إسناداً، ثم قال: وحماد من أجلة المسلمين، وهو مفتي البصرة، وقد حدث عنه من هو أكبر منه سناً، وله أحاديث كثيرة، وأصناف كثيرة، ومشائخ، وهو كما قال ابن المديني: من تكلم فى حماد بن سلمة، فاتهموه فى الدين. اهـ
وقال الساجي: كان حافظاً ثقةً مأموناً.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما حدث بالحديث المنكر.
وقال العجلي: ثقة، رجل صالح، حسن الحديث، وقال: إن عنده ألف حديث حسن ليس عند غيره.
وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ.
وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ: حَدَّثَنَا الحَمَّادَانِ، وَفَضْلُ ابْنِ سَلَمَةَ عَلَى ابْنِ زَيْدٍ، كَفَضْلِ الدِّيْنَارِ عَلَى الدِّرْهَمِ، قال الذهبي: يَعْنِي: الَّذِي اسْمُ جَدِّهِ دِيْنَارٌ، أَفْضَلُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ الَّذِي اسْمُ جَدِّهِ دِرْهَمٌ، وَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى جَلاَلتِهِ وَدِيْنِهِ، وَأَمَّا الإِتقَانُ، فَمُسَلَّمٌ إِلَى ابْنِ زَيْدٍ، هُوَ نَظِيْرُ مَالِكٍ فِي التَّثَبُّتِ. اهـ
وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: قال ابن حبان: سئل عبد الله بن المبارك عن مسائل بالبصرة فقال: ائت معلمي. قيل ومن هو؟ قال: حماد بن سلمة.
وخرج هو وأبو عوانة الإسفرائيني والدارمي وابن الجارود والطوسي والحاكم حديثه في «صحاحهم». اهـ
وقال ابن القطان: هو أحد الأثبات في الحديث، ومتحقق بالفقه، ومن أصحاب العربية الأول.
وقال أبو الفتح الأزدي: هو إمام في الحديث وفي السنة صدوق حجة، من ذكره بشيء وإنه يريد شينه، وهو مبرأ منه.
وكان ابن مهدي يقول: حماد بن سلمة أفضل من سفيان ومنهم كلهم.
وقال أبو إسحاق الحربي: كنا عند عفان فقال له رجل: حدثك حماد؟ قال: ومن حماد؟ قال: ابن سلمة قال: ويلك ألا تقول أمير المؤمنين؟.
وقال وهيب: وكان حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا.
وقال الذهبي في سير النبلاء: كَانَ بَحْراً مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، وَلَهُ أَوهَامٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، وَهُوَ صَدُوْقٌ، حُجَّةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَلَيْسَ هُوَ فِي الإِتقَانِ كَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَتَحَايدَ البُخَارِيُّ إِخرَاجَ حَدِيْثِهِ، إِلاَّ حَدِيْثاً خَرَّجَه فِي الرِّقَاقِ، فَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيٍّ. قال الذهبي: وَلَمْ يَنحَطَّ حَدِيْثُه عَنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ. وَمُسْلِمٌ رَوَى لَهُ فِي الأُصُوْلِ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، لِكَوْنِهِ خَبِيْراً بِهِمَا. اهـ
وكان حماد يتهم من يلحن عليه في حديثه بالكذب، وذلك فيما رواه أبو سعيد الحسن بن عبد الله ابن المرزبان السيرافي في كتاب «أخبار النحويين» بسنده قال حماد بن سلمة: من لحن في حديثي فقد كذب علي. كما في إكمال الكمال لمغلطاي.
والناظر بعد هذه الترجمة يجد أن رواية هشام بن عبد الملك الباهلي، أبو الوليد الطيالسي البصري الحافظ الثقة، عن حماد بن سلمة، وهو القائل: دَخَلْتُ عَلَى دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، فَرَأَيْتُ ثِيَابَ بَيْتِه مُعَصْفَرَةً. أن ثلاثتهم أئمة ثقات، والرواية من طريقهم صحيحة على أبي العالية.
فعلى أي شيء يغمر الشيخ الحلبي رواية حماد بن سلمة هذه وهي مرسلة؟
وعلى أي شيء يضعفها من طريق داود بن أبي هند؟ أهو التعنت، أم الانتصار فحسب؟

16- معمر بن راشد:
عندما ذكر الشيخ رواية قتادة، أعلها بأن معمر في روايته عن البصريين شيء! وقتادة بصري.
واعتمد في ذلك على قول أبي حاتم: ما حدث معمر بالبصرة فيه أغاليط، وهو صالح الحديث.
وقول ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاووس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا، وما عمل فى حديث الأعمش شيئاً.
ولم يشر إلى قول محمد بن كثير الصنعاني [ وهو صدوق]، في ترجمته عن معمر قوله:
جلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما سمعت منه حديثاً إلا كأنه منقش فى صدري.
وقال أبو الحسن ابن البراء: قال على ابن المديني:
نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة - يعنى بعد التابعين - فلأهل البصرة شعبة، وسعيد بن أبى عروبة، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد وذكر باقيهم.
وقال أبو حاتم: انتهى الإسناد إلى ستة نفر أدركهم معمر وكتب عنهم لا أعلم اجتمع لأحد غير معمر، من الحجاز: الزهري، وعمرو بن دينار، ومن الكوفة: أبو إسحاق، والأعمش، ومن البصرة: قتادة، ومن اليمامة: يحيى بن أبى كثير.
وقال العجلي: معمر بن راشد بصري سكن اليمن، ثقة، رجل صالح.
فلم الانتقاء في التراجم يا شيخنا؟ أولو كنت تحتج لحديث وتجمع له الشواهد هل كنت تذكر هذه الهنات لمثل هؤلاء الرواة الثقات مثل معمر وداود بن أبي هند وابن بشار بندار؟

17- الحسين بن الفرج:
ذكر رواية الضحاك وضعفها وحق له ذلك، غير أنه لم يتبين له وجه كون الحسين هذا الذي يروي عنه الطبري هو ابن الفرج كما رجحه الألباني، وهو ترجيح صحيح لتصريح ابن جرير بذلك في تفسيره في أكثر من مكان حتى أنه ذكره بنسبته تلك أكثر من مائتي مرة.
وكذا رجحه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على تفسير ابن جرير.
فكان على الشيخ الحلبي أن يبين لنا سبب شكه كونه الحسين بن الفرج، وما سببه؟

18- كثير بن زيد:
وهو كثير بن زيد الأسلمى السهمي، أبو محمد المدني [ت158هـ] من كبار أتباع التاعين.
نقل الشيخ تضعيفه وأشار إلى أنه وثقه بعضهم!!
يشير بذلك إلى توثيق ابن حبان وابن عمار الموصلي كما في تهذيب الكمال.
وقال أحمد: ما أرى به بأس. وقال ابن المديني: صالح، وليس بقوي.
وسئل أبو زرعة عنه فقال: هو صدوق، وفيه لين.
وسئل أبو حاتم عنه فقال: صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه.
وقال ابن عدي: وَأَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ. ونقل توثيق ابن معين، فقال:
حَدَّثَنَا عَلانٌ [وثقه ابن يونس] حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مريم [الجمحي المصري، وهو صدوق] سَمِعْتُ يَحْيى ابْن مَعِين قَالَ: كثير بن زيد، ثقة. اهـ
وقال ابن حجر: صدوق يخطيء، وقال الذهبي: صدوق فيه لين.
روى له البخاري في "القراءة خلف الإمام"، وفي "الأدب" وأبو داود، والتِّرْمِذِيّ، وابن مَاجَهْ.
ورد ابن حجر على ابن حزم في ادعائه أن كثير بن زيد ساقط واتفقوا على إطراحه، فقال ناقلا عن الخطيب البغدادي: كثير بن زيد لم يوصف بشىء مما قال.
فالرجل حسن الحديث، ولم يضعفه غير النسائي وهو تضعيف غير مفسر، ويقابله توثيق صريح، والإنصاف عزيز، فبغض النظر عن رواية الواقدي عنه، فإن الرجل قد وثق، وهو عند قوم صدوق صالح فيه لين، فيحسن حديثه لشواهده الكثيرة عن جمع من الرواة لهذه القصة.

19- عبد الله بن لهيعة:
ذكر الشيخ الحلبي رواية عروة من طريقه، وقال: رواية عمرو بن خالد عنه بعد احتراق كتبه.
واعتمد قول الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه ابن لهيعة ولا يحتمل هذا منه. اهـ
فيقال أولاً: لم لا يحتمل منه وضعفه يسير، وقد توافقت المراسيل بمثله؟
كما أن ابن لهيعة وإن انفرد برواية عروة، فلم ينفرد بهذه بقصة، وأكثر ما يؤخذ على ابن لهيعة سوء الحفظ، والضعف الناشي عن سوء الحفظ إذا كثرت طرقه - كما هو حال تلك المراسيل - يرتقى درجة فوق الضعف، فيكون حسن مرسلاً.
الثاني: أنه قد خرجت رسائل علمية لتحقيق ما قيل في ابن لهيعة، فوجد أن ما إتهم به من التدليس باطل لا يصح، وأن ما اتهم به من تغير بعد حرق كتبه لم يصح كذلك، وقد يوجد عنده بعض اضطراب في حديثه، أو أخطاء، قل ما يسلم منها الحفاظ، وكلها من الرواة عنه، وهو منها براء.
وقد سبرت روايات إبن لهيعة فوجد أن أكثرها إما صحيح، ووافقه غيره على روايتها، وإما ضعيف وغالبه من الرواة عنه، فقد روى عنه الثقة وغير الثقة، فعلى الأول قالوا العبادلة وأشباههم ممن يعرفون حديثه ويحفظونه، وقد وجد أكثر أحاديث هؤلاء جاء من طرق أخرى تؤكد حفظ ابن لهيعة وثقته وأمانته، وروايات البعض ممن فيهم شيء أغلبها ضعيفة، والآفة منهم لا من ابن لهيعة، والإنصاف يجرنا إلى أنه حسن الحديث ولو انفرد، شريطة أن يروي عنه ثقة صحيح الكتاب ضابط لما يروي عنه.
وقد رواه عن ابن لهيعة الحافظ الحجة، عمرو بن خالد أبو الحسن التميمي الحراني الذي قال عنه الدارقطني: ثقة حجة.
وشيخ الطبراني الذي لم يعرفه الشيخ، هو أبو علاثة الآتي: محمد بن عَمْرو بن خالد الحَرانيّ ثمّ المِصْريُّ، وثقه أبو سعيد بن يونس في تاريخ المصريين، وقد رواه عن أبيه الحافظ الحجة.
وعروة بن الزبير إمام في المغازي والسير وهو المظنة لرواية هذه القصة.
كما أن ابن لهيعة رواها من طريق أبي الأسود كاتب عروة، وصاحب مغازيه، وهي من كتاب، وابن لهيعة يتقوى أمره إن حدث من كتاب.
وقد جاءت القصة مرسلة عن جمع غير عروة، فاتهام ابن لهيعة بهذا مردود لأنه حسن الحديث، لا سيما هنا وقد رواها من كتاب أبي الأسود لمغازي عروة.
وأما أن عمرو بن خالد سمع من ابن لهيعة بعد احتراق كتبه، فهذا يحتاج إلى تحرير.
إذ إن قصة احتراق كتب ابن لهيعة ورد فيها عند ترجمته ثلاث صور:
الأولى: أنه احترقت داره وكتبه واضطرب بعدها ولذلك ضعفه من ضعفه.
الثانية: أنها ما احترقت قط، وابن لهيعة على حاله، وهذا رأي من وثقه.
الثالثة: أن الدار احترقت وبقيت أصوله لم تمسها النار إلا شذراً، وحفظت أصوله كما هي.
وهذا الأخير هو الراجح لأنه من رواية المصريين، وهم أعلم بحاله من غيرهم.
فعلى فرض وقوع الحريق، فأصوله قد حفظت، فما الذي يحوجه أن لا يروي منها، أو يراجعها عند التحديث؟ وعلى فرض عدم وقوع الحريق أصلاً فالرجل كما هو لم يتغير لهذا السبب أو لغيره.
والكلام يطول في أمره، وما رجحناه هو طريق العدل والإنصاف في ترجمته إن شاء الله تعالى.
ولو فرضنا أن حديثه ضعيف، واتفقنا على ذلك، فالأصول تقول أنه مرسل حسن لغيره، لأن القصة رويت بأسانيد صحاح مرسلة - على فرض أن الموصول ضعيف – فطريق عروة حسن لغيره إن لم يكن حسن لذاته، كما بيناه في أمر ابن لهيعة. والله أعلم.

20- أبو علاثة:
عندما ذكر الشيخ رواية عروة من طريق ابن لهيعة لم يعرف شيخ الطبراني محمد بن عمرو بن خالد، وقال في نتائج البحث أنه " مجهول " !!
وشيخ الطبراني هو أبو علاثة محمد بن عَمْرو بن خالد الحَرانيّ ثمّ المِصْريُّ [ت300هـ].
ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام وقال: عَنْ: أبيه، وَعَنْهُ: الطبراني وغيره. اهـ
قلت: وروى عن يوسف بن عدي التيمي، ويحيى بن سليمان الجعفي.
وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخ المصريين: " كان ثقة ".
أَفادَهُ أبو الحسن ابن القطان الفاسي في " بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام ".
ولم يتنبه الألباني إلى أن محمد بن عمرو بن خالد من الرواة عن أبيه.

هذه أهم التعقبات على تراجم الشيخ الحلبي للرجال من رواة هذه القصة، وقد يكون تجنيه أصلاً لرده القصة وبطلانها عنده، فيشتد على الرواة الثقات، ويذكر أي هفوة قيلت عنهم ليضرب بها الإسناد، وقد خالف شيخه الألباني في عدة أمور ظن أن الشيخ سها عنها ولم يذكرها، والحقيقة أن الألباني لم يرها قادحة في الرواية كي تعل بها، لأنه عنده أمور ظاهرة يبطل بها الإسناد غير ما يذكره الشيخ الحلبي.
ومن الأشياء التي تؤخذ على الشيخ كذلك:
- عندما ذكر رواية أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث من طريق الزهري أشار إلى ضعفها للاختلاف على الزهري، ولو أنصف لقبل روايته عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث هنا لصحتها ورد رواية الزهري مثلاً.
- ومنها: أنه عندما ذكر رواية أبي العالية من طريق حماد بن سلمة ضرب به طريق المعتمر الصحيح وإدعى الخلاف بين الروايتين وأن حماد فيه كلام.
وفي الطريق الأول ضعف داود بن أبي هند للا شيء، وقال أن من دلائل كذب هذه الرواية:
أن في رواية حماد سجود أبي أحيحة، وفي البخاري سجود أمية بن خلف فقط!!.
قلت: والإقتصار في رواية البخاري على سجود أمية وحده لا يعني عدم سجود غيره ..
فقد روى الإمام أحمد أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ النَّجْمَ، فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، إِلاَّ رَجُلَيْنِ أَرَادَا الشُّهْرَةَ ".
[رواه أحمد (2/304) والبيهقي في الكبرى (2/321) والشافعي في مسنده (150) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/353) وإسناده جيد]
وروى أيضاً عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَنْ عِنْدَهُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، وَأَبَيْتُ أَنْ أَسْجُدَ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ الْمُطَّلِبُ، وَكَانَ بَعْدُ لاَ يَسْمَعُ أَحَدًا قَرَأَهَا إِلاَّ سَجَدَ ".
[ رواه أحمد (3/420( والنسائي كبرى (1/331) والحاكم (3/734) والبيهقي كبرى (2/314) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/110) والطبراني (20/288) ورجاله ثقات، غير جعفر ابن المطلب، وقد وثقه ابن حبان، فالحديث حسن بما قبله ]
قال الزرقاني في شرح المواهب اللدنية (2/15):
والجمع بأنه لا مانع أنهم فعلوه جميعاً بعضهم تكبراً وبعضهم عجزاً .. فالمانع موجود، وهو قول راوي الحديث الذي شاهده وهو ابن مسعود: فما بقي أحد إلا سجد إلا رجلاً، فلقد رأيته قتل كافرا بالله، يعني يوم بدر. اهـ
فهنا رؤية ابن مسعود فقط.. وهناك من رأى غيره، فلماذا يطعن في الرواية بهذا؟
- ومن ذلك: أنه جعل الحجة في رد رواية ابن عباس الموصولة، أن البخاري روى القصة دون زيادة تدخل الشيطان بجملة الغرانيق.
وهذا لعمري تعليل باطل، وحاشا الشيخ أن يقرر ذلك، فهو أثري يعلم أن الزيادات على الرواية الصحيحة قد تأتي في غير الصحيح من كتب السلف الكثيرة، وما في البخاري مختصر بينت الروايات سبب السجود فماذا كان؟
وقد صرح بعض الأئمة –كابن كثير- أن أصل القصة في الصحيح.
وواضح أنه تبع القاضي عياض وغيره في ذلك ممن قمش وفتش ليجد شبهة يرد بها ما ورد عن جمهور السلف.
ومنها: أنه في القسم الخامس من رسالته، وهو: ردود العلماء في رد القصة وإنكارها سنداً ومتناً ..
قد تابع الرازي وأبي حيان والصادق عرجون في نسبة القول لابن خزيمة والبيهقي في إبطال القصة، ولم يتثبت من قوليهما ويبين لنا أين هو في مؤلفاتهما؟ وأين نقل عنهما بسند إن وجد؟
والمنقول عنهما لم يصح، لا سيما البيهقي فقد صرح في أكثر من كتاب بروايته القصة وأنها معروفة عند أهل المغازي والسير، ولم يأت عنه أي نقد لها.
وبين أن النقلة يغلطون كثيراً فيقولون محمد ابن إسحاق يعني صاحب السيرة والمراد ابن خزيمة صاحب الصحيح، ولا دليل على أي كلام له في رد القصة، بل هو متبع منهج السلف عاض على الروايات بالنواجذ لا يخرج عن تلك المدرسة الأثرية.
ومن الأمور كذلك: أنه يعتد بقول من يقول: أن البزار علل الحديث بالشك واتهم به أمية بن خالد في وصله مخالفاً من أرسله من الثقات.
وقد ذكر ابن القطان الفاسي أن منهج البزار ترجيح رواية الوصل على الإرسال إذا جاءت من ثقة، ولا يعتد بكثرة مخالفة الثقات.

وقد أشبعنا تحقيق هذه المسألة في البحث الأصل، الذي استللنا منه هذه الوريقات.
وقد قدم الوصل على الارسال إن جاء من ثقة، الامام الخطيب البغدادي، وتابعة ابن الصلاح وجمع من الأئمة.
ومنها: أنه تابع الامام الألباني في رد الموصول من طريق عثمان بن الأسود عن ابن جبير، برواية الواحدي في أسباب النزول، وشيخ الواحدي لم نرى له توثيقاً معتبراً، كما أن الواحدي في حاجة إلى توثيق من جهة الحفظ والاتقان، وفي الطريق سهل العسكري وله غرائب بشهادة الأئمة.
وتابع الألباني أنه من رواية يحيى القطان، والصحيح أنه يحيى بن أبي زائدة .
ومنها: أنه في رواية محمد بن كعب وحده عند ابن جرير، قد استدرك تدليس ابن إسحاق كعلة فاتت الألباني، والحقيقة أن رواية أبو معشر تشهد لرواية ابن إسحاق فيحسن السند لمحمد بن كعب بهما.

وختاماً: كنت أتمنى من الشيخ الحلبي أشياء في هذه الرسالة ليته فعلها:
الأول: بدل أن يكتب رسالة جديدة في نفس الموضوع، كان من البر لشيخه أن يعيد طباعتها بتعليقاته ويذكر ما فات الشيخ من كلام على الأسانيد والرواة.
الثاني: أن يعلق هو على نقد المتن بكلام عالم أثري يحترم السلف ويجلهم ويقدر جهودهم فيما رووه، ولا يعتمد اعتماداً كلياً على ما كتبه الشيخ محمد الصادق عرجون، إذ إنه تجنى على السلف ومنهجهم ووصفهم بأقذع الصفات التي أشرنا إلى بعضها في مستهل حديثنا أعلاه.
الثالث: أن يجمع كل روايات الباب حتى التي رويت بلا إسناد، لأن الجمع مطلوب لمن تصدى لهذا الأمر، كما أن روايات أئمة التفسير والسير والمغازي لها وزنها ولو كانت من أقوالهم.
الرابع: أن يكون منصفاً في تراجم الرواة، فيذكر ما لهم وما عليهم، ولا يشير بإشارة الى أن هناك من وثق فلان، بل ينقل الرأيين في الترجمة ليخرج القاريء بترجمة حافلة يرى فيها المتخصص بعين الإنصاف ما قيل في الراوي جامعاً بين من وثق وضعف فيخرج بنتيجة علمية.
الخامس: أن ينقل وجهة نظر من صحح القصة أو قبلها في الجملة، ويبين وجه قبوله أو تصحيحه، كما فعل في نقل كلام من أغاروا على القصة واتهموا الرواة من السلف بالغفلة والجهالة.
بل لو اكتفى بنقل كلام شيخ الإسلام في تعليقه على القصة لأنصف بين الفريقين، ولم يقف بجوار من لا يقيمون لروايات السلف وزناً.
وأخيراً: حسب المنهج العلمي، لا يحق لك شيخنا أن تصف رسالتك هذه بأنها: " دراسة تطبيقية جامعة للطرق والروايات ".
لما بينا فيها من نقص في الروايات والأسانيد والطرق والمتابعات، وأخطاء ظاهرة في تراجم الرواة، وغير ذلك مما نقلناه أعلاه.
ويعلم الله أننا لا نحط بهذا النقد من قدر الشيخ، فهو الدين والعلم، ولوجه الله وحده.
سدد الله خطى الشيخ في خدمة السنة، ورفع راية أهلها، والحمد لله أولاً وآخراً.

هذا .. والله اعلى وأعلم .. واستغفر الله وأتوب إليه ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه / أبو عمر، عادل سليمان القطاوي
في الدوحة-قطر
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.